❤️التاسع عشر❤️

1.5K 59 13
                                    

❤️التاسع عشر❤️
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷🌷
تجاهلت اتصالات صديقتيها المتكررة، صعدت أول سيارة أجرة قابلتها وغادرت، تزرف الدموع بغزارة، كلما جاهدت لابتلاعها فشلت وحاط بها مكر الهزيمة السيئ وعادت للبكاء المكتوم مجددًا، لاتعرف ركض خلفها أم لا، لا يُعنيها إن فعل، تريد العودة للمنزل والغوص بين أغطيتها وربما النوم، تريد هروبًا من هذا العالم فورًا،قلبها مكلوم وروحها تنزف
تجاهلت اتصالاته وتابعت تتنقل من سيارة لأخرى ورغم خوفها من عودتها في هذا الوقت وحدها لكنها مستحسنة قرارها وفعلتها، بعد ماحدث.
بعد مرور ساعة كانت بالمنزل، تمر من أمام والدتها ومودة اللتان تشاهدان التلفاز، أوقفتها والدتها متفحصة (رجعتي بدري يا سكينة ومجبتيش حاجه.؟ )
قالت دون أن تواجهها بنظراتها أو تُدير لها رأسها: (معجبتنيش حاجه يا أما فرجعت)
أشارت لها راضية والقلق يزداد ويتضخم داخلها :(تعالي اجعدي معانا شوية هتطلعي تتحبسي فوج ليه وحدك.؟)
أطاعت هامسةً بصوت مبحوح: (حاضر يا أما هطلع بس أغيّر)
تركتها والدتها فصعدت راكضة للأعلى تتبعها نظرات مودة القلقة، رمت حقيبتها وبدلت ملابسها ثم توجهت للفراش فردت الدثار وغاصت تحته تُكمل بكائها ونحيبها وولولتها حتى نامت دون أن تدري.
هتفت راضية لمودة بعد أن شعرت بغياب سكينة: (جومي شوفي أختك مجاتش ليه وفيها إيه.؟)
تركت جهاز التحكم وأطاعت بصمت، صعدت للأعلى باحثة عنها حتى وجدتها نائمة، لملمت ملابسها واعادتها للخِزانة وحقيبتها وعلقتها جانبًا، لفت نظرها بقعة الدم الصغيرة فوق ملابسها فتعجبت وتفحصتها بقلق، قبل أن تُلقي بها في صندوق الملابس المتسخة.
عادت لأختها رفعت عنها الدثار وتفحصت جسدها بشك وتحليل، تبحث عن الجُرح الذي سبب تلك البقعة الصغيرة والتي تبدو من لونها حديثة العهد، لم تجد بكفوفها ولا ذراعيها ولا حتى وجهها ما يريح قلبها، ذلك أثار الشك في قلبها خاصة وهي ترى تلك الدموع المتجمدة فوق وجهها وإصفرار وجهها الواضح.
عادت لتدثرها في قلق عظيم رقص داخلها وجعلها تتخبط في التفسيرات، وجدت هاتفها مُلقى فرفعته مفتشة حتى صدمتها رسالته (في إيه يا سكينة؟ إنتِ خايفة ليه.؟ أنا جوزك ويحقلي أقرب منك إنتِ زعلانه ليه )
كتمت مودة شهقتها وهي تعيد قراءة الرسالة أكثر من مرة قبل أن تُلقي بالهاتف وتدور بالحجرة مصدومة، تحملق فيما حولها بذهول وضياع، ماذا فعلت سكينة.؟
كل الدلائل تشير أنها فعلت، فرطت في نفسها بإستهانة ومنحته ماليس بأوانه.. ضربت مودة وجهها لا تدري ماذا تفعل؟ توقظها وتسألها أم تتركها حتى تستيقظ.؟
بكت مودة بحرقة شديدة ضائعة بين أفكارها، سمعت صوت نداء والدتها فمسحت دموعها وتنفست تستعيد ثباتها الوهمي، خرجت وأغلقت خلفها تُجيب(أيوة يا أما)
هبطت مودة بوجه غير الذي رحلت به فسألتها والدتها التي استقبلها (خير أختك زينة.؟)
أجابتها مودة وهي تجلس بقربها مفتعلة المرح (لجيتها نايمة فسبتها)
استحسنت راضية الأمر قائلة (أحسن دي يا حبة عيني ما متهنية بنومة علطول تصحى مفزوعة)
هزت مودة رأسها تشاركها البؤس والحزن، سجنتها سكينة بأفعالها في زنزانة الأفكار السوداء ولم يعد يفلح هروبها كما اعتادت.. انتفضتا بعد دقائق على صرخات سكينة القوية، مما جعلهما يركضان للأعلى في خوف وزعر حقيقي.. دخلت مودة الحجرة لتجدها جالسة تصرخ بكامل قوتها قائلة (خلاص سيبني خلاص)
كتمت مودة انفعالها وتيبست مكانها من هيئة أختها المريبة، لكن راضية لم تترك الصدمة تأخذ حيزًا من تفكيرها فتقف اندفعت ناحية سكينة، جاورتها تضمها لصدرها بحنان مهدئة (بعيد الشر عنك يا حبيبتي)
بكت سكينة دون وعي، بحرقة شديدة، تجلد نفسها بندمها، لكن لم تنس وسط كل ذلك أن تنادي اسمه كما أحلامها (عايزه حمزة يا أما خليه ياجي)
بهتت ملامح مودة من قولها، بينما تفهمت راضية معاناة فتاتها مُدركة أنها ليست بوعيها الكامل ربما مازالت عالقة في كابوسها المعتاد (حاضر هنكلمه)
انسحبت مودة في أسف، يبارز ضميرها استنكارها، جلست ممسكة بهاتفها تغالب رغبتها في الاستنجاد به والعودة ليلحق بأختها.
*****
جلس حمزة بجانب والدته فوق سجادة الصلاة، شاعرًا ببعض الحزن وضيق الصدر، سأل والدته وهو يتأمل انطفاء روحها وخبوت لمعة عينيها غير المعتاد (فيكِ إيه يا ورد.؟)
تأملته بنظرة كسيرة متحسرة، قبل أن تُجيب بوهن (مفيش.؟ بس جولي جربنا نرجع يا حمزة.؟)
ابتسم هامسًا بحنو (لسه ياورد هو احنا لحجنا)
تنهدت ضائقة الصدر بما تحمل في قلبها من هم، أغمضت عينيها ثم فتحتهما هامسة(عايزين نكلم عمتك)
همس بقلق إلتقطه من نظراتها الغائمة بمشاعر مبهمة (عالعيد بإذن الله)
سألته بلهفة، تنتظر نجاتها في رده (ينفع ننزل جبل التلت شهور يا حمزة)
قطب حمزة قائلِا لا يفهم ماحدث لها فجأة ولا يستطيع تفسير ما يراه من غموض (ممكن بس ليه.؟)
أحنت ورد رأسها بخيبة، لتهبط دموعها تباعًا، فُجع حمزة برؤية بكائها وحزنها الغريب ليقترب ويسأل بصدمة (مالكِ يا أمي فيكِ إيه.؟ فداكِ أنا يا أمي)
مسحت ورد دموعها ورفعت نظراتها له تهمس بصوت متهدج (صدري ضاج مرة واحدة مفيش حاجه متجلجش)
قبّل رأسها هامسِا بحنو (سلامتك يا حبيبتي، تنزلي الحرم طيب)
هزت رأسها ومازالت على حالها تحمل وحدها الهم والخيبة، كلما نظرت إليه زاد انقباضها وألمها فانفجرت الدموع من مآقيها تشاركها الحزن على وحيدها.
نهضت تستند على الأثات، دخلت الحجرة وأغلقت خلفها تشيعها نظراته المرتجفة، بدلت ملابسها وخرجت لتجده منتظرًا لها، لف ذراعه بذراعها كما يفعل دائما وخرجا.
****************
دخلت مودة الحجرة، بملامح جامدة، راقبت استيقاظ سكينة وإعتدالها بصبر، سألتها سكينة وهي تضيّق عينيها فوق ملامح مودة الصلبة التي تحمل الكثير من المعاني: (كتِ فين يا سكينة.؟ ورجعتي كِده)
قطبت سكينة تبحث داخلها عن كذبة أو قصة تقوم بتأليفها لتهرب من حصار مودة، حاولت الحديث لكن مودة حذرتها وهي تندفع لسلة الملابس المتسخة متجهمة الملامح :(متكدبيش يا سكينة)
راقبت سكينة بنظراتها مودة وبحثها بين الملابس، أخرجت تنورتها المتسخة بنقاط الدم ودفعتها لوجهها صارخة :(إيه دِه.؟)
ازدردت سكينة ريقها ببطء متذكرة ما حدث بينها وبين هشام منذ ساعات، لتقترب منها مودة صارخةً: (ما تتكلمي.؟ والزفت دِه بيجولك ليه حجي أجربلك)
اتسعت عينا سكينة وانتفضت مستنكرة :(فتشتي فتلفوني تاني يا مودة)
اسكتتها مودة بغضب وتحذير :(سكينة..) ابتلعت الأخرى جنونها وتهورها وجلست مرتبكة، سألتها مودة مرتعشة: (فرطتي فنفسك يابت)
قالت سكينة بشراسة :(جطع لسانك)
تنفست مودة براحة لكنها أبت أن تتركها قبل أن تعرف الحقيقة كاملةً (أمال إيه الدم دِه.؟)
ابتسمت سكينة مستهزئة، رغم ألمها :(مش مصدجاني صح.؟)
هتفت مودة بغيظ :(متلفيش وتدوري وجولي)
نهضت سكينة من فوق الفِراش تستحضر ما حدث قائلة بحزن عميق(اطمني ملمسنيش ومفرطتش فنفسي.. أنا زيك ومش عِفشة جوي زي ما إنتِ مفكرة يا مودة)
قالتها بأسف وهي تُحيط أختها بنظرات ذبيحة، وقفت دقائق تلومها بنظرات اختفى بريقها وتوارى خلف الأسى ثم انسحبت تكفكف دموعها متذكرة.. سحبها هشام للداخل رغم رفضها، أخبرها أن تبقى معه حتى يرتدي ملابسه ويخرج معها لكنها رفضت، أقنعها أن تبقى بالمطبخ وتُعد لها كوبًا من العصير حتى يجهز فوافقت رغم ندمها على المجيء وخوفها منه.. لم يخيب هشام ظنها ولا تنبؤ قلبها.. حاول الإقتراب وتقبيلها وهي داخل المطبخ تملصت وعاندت، صرخت وعنفته لكنه صمم فلم تجد بدًا من تناول السكين الصغيرة الموضوعة خلفها وغرسها في ساقه ليبتعد ويتركها.
صرخ مبتعدًا يوبخها على فعلتها وحماقتها سبها وشتمها بأفظع الألفاظ وهو يرى دمائه تتناثر.
ومن شدة غيظه حاول مجددًا وأقترب غير عابيء بالدماء
الأهم هو أن ينال منها في عناد ويأخذ ما رفضت إعطائه له، فكيف تنتصر عليه.؟
نالت تنورتها ذات اللون الفاتح بعض النقاط حين أقترب، لكنها لم تهتم ودفعته بقوة وبعدها هربت من الشقة فورًا.
تلك الفعلة الحمقاء والتهور غير المحسوب منه ومنها بنت بينها وبينه سورًا غير مرئي، كرهت اقترابه منها ونفرت منه، أنفاسه مازالت عالقة بذاكرة أنفها مما يدفعها للنفور أكثر وتتسائل ماذا بعد.؟ وكيف سيصبح بعد أيام زوجًا لها.؟ مسحت وجهها مستغفرة من منحنى أفكارها وحيرتها التي تتصاعد وتندلع كالنيران بعقلها وتلتهم راحتها ورضاها.
جلست منكمشة في الآريكة بالمندرة الصغيرة تتلحف بعباءة والدها وهي تطالع الفضاء أمامها من النافذة المفتوحة بشرود
*'****
تحرك مستندًا على عصاه، يمزق الجموع ذاكرًا الله بصوت مسموع خشن، تملأ نبرته الحشرجة والخشوع.
اصطدمت به وهي ممسكة بالهاتف، غير واعية ولا منتبهة.. اعتذر منها بلطف ونظراته تنخفض أرضًا في أدب :(سامحيني معلهش)
رفعت نظراتها قائلة (محصلش حاجه ولا يهمك يا والدي) عانقت نظراتها ملامحه فشهقت مفزوعة، تراجعت خطوة غير مصدقة تغمغم (حساااااان)
قطب وتلك النبرة أثارت الكثير من الذكريات ، حركتها من ثُباتها داخله، رفع نظراته على استحياء، شملها بنظرة حادة ثم عاد وأخفض نظراته هامسًا بإبتسامة (ازيك ياست نرجس)
حركت العلك بفمها ونظراتها تتفحصه بجرأة وقد تبدلت ملامحها من الخوف والزعر للإستهانة (عاش من شافك)
قال في تأدب جلب سخطها (الله يخليكِ كيفك ياست نرجس) رفعت حاجبها قائلة بضحكة متهكمة وهي تحرك العلك بفمها (كويسة إنت احوالك إيه.؟)
أجابها في وقار ورضا شع من كلماته(الحمدلله)
أعلن المؤذن عن قيام صلاة العصر فاستأذنها بلهفة ونظراته تتعلق بباب المسجد (عن إذنك الحج الصلاة محتاجة حاجه يا ست نرجس.؟)
هتفت ساخرة بمصمصة شفاة (لا يا أخويا تسلم، اتفضل تقبل الله)
ابتسم لتهكمها غادر داعيًا لها بالهداية وبقيت هي تشيعة بنظراتها تضرب كفًا بكف، هذا الذي خافته لسنوات وأختبأت منه كالجرذان يدعوها ست نرجس في تأدب، هذا الذي هابت نظرته وخشيت انتقامه يهرول ليلحق بالصلاة غير عابيء بالدنيا وناسها ولا أحوالها.
الذي خضعت له الرقاب وتذللت له الأعناق في خوف، يمشي منحنيًا ذليلًا بنظرات ذابلة منطفأة فقدت بريقها وعنفوانها.. تراه هل نسيّ أم تجاهل.؟ هل يخدعها أم صادقًا.؟
تركت الهاتف وتوعدته بالجلوس منتظرة خروجه، لتفهم منه ماحدث وكيف انقلب حاله، قد لا تواتيها الفرصة وتقابله فلتفهم وبعدها ترحل..
خرج من المسجد بعد مدة طويلة، قضتها متأففه منزعجة، لمحها جالسة بقرب المسجد فعبس بضيق وقد فهم مقصدها.. وما نقلته لها نظراتها.
غادر متخطيًا وجودها متجاهلًا، فتبعته منادية (حسااان)
قال بغضب وضيق من ملاحقتها له (عايزه إيه ياست إنتِ)
قالت متعجبة من حاله (إنت مش هتأذيني.؟ مش هتاخد حجك مني بعد ما بلغت عنك وحبستك)
ابتسم قائلا بخشونة (لاااه.. وامشي الله لا يسئك)
قالت لتخرج مارد غضبه (أنا اتجوزت رفعت)
ابتسم قائلًا (مبرووك وخلي بالك على نفسك رفعت مش سهل)
استدار يخطو وسط الزحام لكنها تبعته صارخة بغضب (استنى يا جدع إنت.؟)
وقف بصبر زافرًا أنفاس ملتهبة من شدة الغضب، سألته (إيه غيّرك كِده، ولا بتستعبطني )
أجابها بضيق وهو يزوي ما بين حاجبيه الكثيفان (مبجاليش فالدنيا غرض غير رضا ربنا، ومش زعلان ياست الله يسامحك، همليني لحالي وروحي لحالك)
أسرع في خطواته وغادر تلتهمه الجموع، فغادرت هي لا يفارقها ذهولها تستعجب لحال الدنيا وأهلها وكيف تنقلب الأحوال وتتبدل.
في المساء كانت تجالس رفعت، منشغلة بما رأته من حسان،نظرت إليه بطرف عينيها متنهدة فسألها بقلق (مالك يابت.؟)
تطلعت إليه مترقبة وهي تفجر قنبلتها (جابلت حسان انهردِه)
اعتدل منتفضًا من جلسته المسترخاه، تبدلت ملامحه وهو يسألها (جابلتيه فين.؟ وإزاي.؟ شافك.؟)
شردت بتوهة قائلة (جابلته فشارع الصهريج، مش هتصدج يا رفعت دِه شافني ولا كنه شافني)
رفع طرف شفتيه وعاد لاسترخائه في استهانة فأكملت هي (اتغير جوي مرفعش عينه فيا)
مال فم رفعت بسخرية بغيضة جلبت استنفارها، فأكلمت كأنها تهذي (جالي كلام كبير كِده وإنه مفرجش معاه ومش عايز مني حاجه)
ضحك رفعت بتهكم قائلًا (زين) أكمل
(جوومي يلا وسيبك من حسان وحديته الفاضي)
لبت ومازالت أفكارها عند هذا الذي تاب، ورجع عن أفعاله، مندهشة لكنها تشعر بالحسد ناحيته لأنه خرج من أوحاله مختارًا الطريق الحق، نفض عنه أدران الخطيئة وعاد لربه تائبًا نادمًا فهل تفعل هي يومًا.
*********
عاد ثملًا، تملؤه نشوة الحرام، يتطوح في تعب.. اعتلى درجات السلم بتخبط حتى وصل لحجرته، أنار المصباح فانتفض من هيئة زوجته وجلوسها منتظرة له
(ياساتر يارب يسد نفسك عالمسا)
رفعت حاجبها ساخرة وهي تشبك أناملها أمامها في ثبات وقوة(مسا إيه يا ابو سعد إحنا بجينا الصُبح)
تأفف بغيظ وهو يجلس فوق الفِراش يخلع نعليه مغمغمًا بإستياء واضح غير مفهوم، حينما انتهى تسطح فوق الفراش فهتفت تسأله بصبر وهي تراقبه بعيني خبير (فين ولدك يا رفعت.؟ تلفونه مجفول)
قال بفظاظة وهو يخلع عن رأسه عمامته ويلقيها أرضًا في استهانة (مخابرش.!هو مش صِغير علشان أدور عليه دِه راجل)
نهضت من جلستها حانقة، وقفت بجانب الفِراش (مدورتش عليه.؟ شوفته معاه فلوس ولا لااه.؟)
مسح وجهه زافرًا بيأس من إلحاحها، وكلماتها(مدورتش، يغور فداهية) انحنت تلتقط ما رماه قائلة في سخط من افعاله (يا راجل كبرت وهتبجا جد اتجي الله)
دفعها عنه بغضب (غوري يا مرة جتك الغم)
تشممت عباءته التي حملت أثار ليلته الصاخبة، قائلة (بكفياك معاك بت كبيرة علي وش جواز يا راجل يا ناجص)
قال ناقمًا، يتلذذ بتوبيخها وهو يرفع رأسها يبصق نظراته المحتقره من عينيه (لو كنتي مرة صُح مكنتش جليت عجلي)
قست نظراتها وهي تهتف بقهر غلبها(إنت الي رمرام وعينك تندب فيها رصاصة)
زعق بغضب وهو يعاود نومه (طب غوري خلي ليلتك تفوت)
لملمت أغراضه التي بعثرها وملابسه وهي تدعي بحرقة شديدة (منك لله خليت حياتي كرب ومهنتنيش)
هتف ساخرًا وهو يعانق بنظراته ثقف الحجرة (دا جزاتي، إني لميتك واتجوزتك بعد ما سابك عبدالحكيم ورماكي عشان ورد حبيبة الجلب)
اقتربت تهتف مصححة له بإستهزاء (جصدك علشان ترضي أمك  وعشان تبجا إياك  الي عالحجر وتجلب أمك على عبدالحكيم الي مطاوعهاش وكسر كلمتها وساب بت خاله)
قال ضاحكا متذكرًا ما كان، يغيظها بكلماته الانتقامية(كان عنده نظر المرحوم وذوجه حلو )
ضمت شفتيها بحسرة وداخلها يفور القهر، صدرها في حالة غليان، فتابع كمن يهذي (خد أحلى واحدة فالبلد كلها، مفيش واحد فينا متمنهاش لنفسه) صمتت تسمع كلماته التي يكررها دائمًا في صحوه ومنامه
استطرد رفعت بحسرة وهذيان  (حتى حسااان الي رباها واتمنالها الرضى سابته علشان عبدالحكيم، فيه إيه عبد الحكيم دِه علشان تعمل ده كله علشانه)
قالت نفيسة بقوة منتقمة منه بخنجر الحقيقة التي تكدره وتردع غروره(كان راجل ملو العين والسمع، كبير وصغير يحبه، كلمته مسموعه وتهابه الناس محبه مش خوف)
انتفض، أمسك بالمرمدة التي بجانبه وضربها  في غيظ شديد، تألمت صارخة من قوة الضربة، ضغطت عليها متأوهة فتخضب كفها بالدماء.
قال بشماته وهو يطالعها بنظرة انتصار (اهو مات)
قالت في حقد وغل وسخرية مررتها له (جصدك جتلته بشرك)
مال فمه ساخرًا يخبرها بابتسامة بشعة ( مش مهم النهاية واحدة، مات) تابع مستنكرًا، مستخفًا لا يروقه دور الحمل الوديع الذي تؤديه أمامه الليلة
(احنا التنين زي بعض ولا نسيتي عمايلك وكيف طفشتي مرته، واتبليتي عليها)
قالت في نبرة انتقامية (عينك كانت منها،وهتموت عليها  من يوم ما دخلت البيت وإنت منتبجها فالرايحه والجاية ملكش كبير ولا هامك حد، ووزيت حسان ومليت راسه  عشان تخلص منهم التنين و تنولها ومنولتهاش يا رفعت)
أعاد رأسه للوسادة مطلقًا آهة عالية وهو يقول بحسرة (مرة تستاهل الدنيا، بكل حريم الدنيا محظوظ حكيم أخوي دِه خد كل حاجه)
أغمضت عينيها بألم تشعر بكلماته كخناجر تمزقها.
لتقول بقوة وصلابة رغم تلويها في ألم (حكيم كان يستاهل لكن إنت لاااه يا رفعت)
قالتها واختفت من أمامه لتطبب جرحها، الذي زاد نزيفه واشتد عليها ألمه.
*******
بعد مرور شهر وعشرة أيام
جلس هشام في شقته ينفث دخان سيجاره بضيق، تدور نظراته في الشقة بحسرة تأكل قلبه، مات والده ولم يحضر سوى عمار يشوب ملامحه الإرغام ، حتى هي منذ ما حدث وهي بعيدة جدًا، باهتة تكتفي معه بحديث مقتضب، مختصر وبعدها تصمت وتنزوي، تركت دراستها ولم تعد تخرج من المنزل وحين يشعر بحاجه لرؤيتها يذهب فتأتيه وتجلس جواره صامتةً شاردة ومشتتة،
ترتعش من لمسة وتهاب من نظرة،جادة جدًا معه وباردة، تجلس تاركةً بينها وبينه مسافة كفاية لا يقدر على تخطيها.. موت والده جعله يؤجل الزفاف فترة طويلة وهذا يزعجه خاصة مع بعدها والحواجز التي بنتها بينهما..لذلك قرر أن يذهب لها الآن ويراها.
*****
منذ ذلك اليوم والبسمة تفارق محياها، والبهجة تخاصم قلبها،جلست أمام المنزل في الهواء شاردة كعادتها، منغمسة في أفكارها، هشام بفعلته جلب سخطها الدائم ونفورها منه، رفعت نظراتها للطريق الطويل الممتد أمامها بين الحقول المؤدي للطريق الرئيسي
رأته يتقدم ناحية منزلهم، تصالحت مع سعادتها وعانقت البسمة ملامحها، توهج نور عينيها وضحكت مناديةً :(هيما)
رفع كفه يشاور لها من بعيد، مبتسمًا لها سعيدًا بإستقبالها الرائع له، وصل إليها فطال تأملها له مما أثار دهشته وجعله يسأل وهو يثبت عويناته الدائرية (إيه؟ احلويت.؟)
تنهدت بهيام وابتسامة حلوة لا تفارق محياها الرائق، همست له وهي تلف ذراعها حول ذراعه وتقوده للداخل :(حسيت كأني شوفت حمزاوي)
ابتسم قائلًا :(طيب يا أختي وأنا الي فكرت عشاني، وحشتك أو معجبة )
قال بصدق وهي تجلسه فوق الآريكة :(وإنت كمان وحشتني) قال بإمتعاض غير راضيًا :(لو اتجالي وحشتني بالطريقة دي من الاكس تاني يوم اتجوزها.. اعقلي هتضيعي شباب زي الفل)
ضحكت وهي تجاوره متسائلة: (طمني بجا أخبار حمزة إيه.؟ وحبيبة جلبي ورد.؟ بيكلموك..؟)
أجاب وهو يخلع حقيبته عن ظهره مُحبطًا :(لا مش كتير مشغول علطول ومش فاضي)
عبست بخيبة وضيق ثم سألته من جديد بأمل :(معدش بينزل حاجه على صفحته.؟)
قال بفخر :(لا بينزل دايما.. مبتشوفيش.؟)
قالت بحزن :(لااه الأول كنت بشوف دلوجت لااه)
هتف هيما بتوتر نادمًا على حماقته(هو إنتِ مش صديق عنده.؟)
هزت رأسها برفض، ليثبت عويناتها ويصارحها (أصله أنا عدلتله فالصفحة الشخصية ومبجاش حد يشوفها غير الأصدقاء)
ضربته بقبضتها في غضب موبخة له (يا حمار ياجزمة)
هدأها قائلًا بضحكة مبتورة (اهدي بس أنا هوريكي الصور والفيديوهات حتى الي بيبعتهالي)
توقفت هامسةً بإمتنان(بجد)
فتح هيما حقيبته وأخرج التابلت خاصته وفتحه وهو يقول بفخر وموده امتزجت بإمتنانه اللانهائي (دا جابهولي حمزة علشان عنيا بدل التليفون وبكلمه عليه)
همست متأثرة بما يقول هيما (ربنا يخليكم لبعض)
فتح لها هيما الفيديوهات والصور اتسعت ابتسامتها وطافت تتأمله بحنين وشوق، دقاتها تعلو كلما رأته، تنفست تحاول السيطرة على ضجيج دقاتها والصخب الذي تعالى بصدرها، كأن احتفالًا يقام داخلها الآن
لا تعرف ماهية تلك المشاعر الغريبة التي تتملكها حينما تراه ولا تستطيع السيطرة عليها، عاجزة أمامه لا تقدر إلا على التمتع برؤيته  وتأمله فقط.
هبطت مودة الدرج هاتفة بترحاب رزين، ووقار (ازيك يا إبراهيم)
وقف هيما في أدب يستقبل حضورها قائلًا (ازيك يا مودة عاملة إيه.؟)
قلبت سكينة التابلت حتى لا تمسك بها مودة متلبسة بجرمها، أغمضت عينيها تجدد النظرة التي شاهدت بها صوره حتى لا تراها مودة.
شدت سكينة ذراع هيما قائلة :(اجعد يااض مودة عادي)
جلس هيما وغادرت مودة للمطبخ، همس هيما ونظراته على باب المطبخ (مودة مش عادي، بحس حنجرتي بتقف معاها)
كتمت سكينة ضحكتها وهمست (هي عاجلة شوية وتجيلة بس طيبة خالص وحنينة لما تعرفها هتحبها)
قال مشاكسًا وهو يعيد فتح التابلت :(قلبي ميساعكمش انتوا الاتنين كفاية إنتِ)
مطت شفتيها غير راضية، توبخه بدلال (إنت بتعاكسني كِده واد خالك يزعل)
قال ساخرًا وهو يحك خصلاته المشعثة(واد خالي ولا واد خالتي.؟)
قطبت بغير فهم، لا ترنو لمقصده فضحك متذكرًا حمزة :(صدق الي قال عليكي بهيمة)
جاءت راضية ورحبت به بشدة وجاورته تستفسر عن ابن أخيها وأحواله، تطمئن على ورد.. بقيت سكينة تستمع لكلماته ليميل هامسًا :(إنتي وأمك هرتوني اسئلة.؟ مودة مش هتيجي هي كمان.؟)
ضحكت سكينة قائلة (دي مش هتسأل أبدًا، أحنا نتدلج عادي هي لااا)
حينما سألت راضية عن صور حمزة، تأفف هيما ومال يهمس لسكينة من جديد (هو أنتوا مش هتشربوني حاجه أو تأكلوني.. ممكن بعدها اتصل بحمزة والله)
قفزت متحمسة تشاور ناحية عينيها (عنيا ليك جولي تأكل إيه.؟)
ناول التابلت لراضية ومودة التي جاورتها وانعزل مع سكينة قائلًا (أي حاجه علشان همشي)
وقف هشام أمام الباب يطرق مستأذنًا الدخول، يراقب زوجته متبدلة الحال مع ابن عمته، تبتسم مل فمها، مضيئة ومتوهجة.. اتجهت الأنظار إليه على الفور
تبدل حال سكينة وتغيرت ملامحها أشابها بعض الكدر والضيق أما مودة فغادرت ووقفت راضية ممسكة بالجهاز اللوحي تستقبله بترحاب (مرحب يا ولدي اتفضل)
قال بإرتباك من ملامح زوجته الغريبة وعدم تقدمها لاستقباله (جولت أجي أطمن على سكينة لما جولتي تعبانة)
أدارت راضية رأسها تشاور لسكينة الواقفة بتصلب (سكينة همي يابتي)
أدار هيما رأسه جانبًا يتأفف مختنقًا يغمغم (جه البارد)
عاتبته سكينة بنظراتها حينما وصلتها غمغمته لكنه وأصل بملامح ممتعضة (أقول براحتي)
تقدمت سكينة ببطء مترددة، سلمت عليه (ازيك ياهشام اتفضل)
دخل هشام ربت على كتف ابراهيم بمعاتبة (كنت جولي جاي أجي معاك)
لوى هيما فمه قائلا(عرفت الطريق لوحدي شكرا)
رفع هشام حاجبه متعجبًا من معاملة هيما له، وطريقته الجافية منذ أتى مع والدته للعزاء، لكن هو يعرف بمدى حب ابن عمته لحمزة من المؤكد هذا هو السبب.
جلس هشام يفصل بينه وبين سكينة هيما الذي تعمد ذلك ليغيظه، بينما جلست راضية بالقرب منهما منشغلة الفكر بتصفح صور وفيديوهات حمزة وورد.
سألها هشام أسئلة عادية روتينية أجابت عليها بجفاء ومشاعر باردة، رن الجهاز اللوحي بيد راضية فنهض هيما ليرى وحينما لمح اسم المتصل، أدار رأسه لسكينة مفجرًا قنبلته (دا حمزة بيتصل)
قفزت اللهفة من نظراتها وتبدلت ملامحها الجامدة مما أثار انتباه هشام وراقبها بحاجبين منعقدين.
كانت الأكثر لهفة راضية التي نهضت في استعداد، أجاب هيما فورًا (حمزاووي)
ابتلعت سكينة ريقها بقلق وتوتر، من تلاعب هيما.. فاجئ هيما حمزة قائلا (حظك حلو أنا عند عمتك)
ارتبك حمزة، ود لو طلب منه أن يُسمعه صوتها ليطمئن عليها، ربما كلمة منها تريح قلبه ويكف عن ثورته وتنتظم ضرباته التي تخطت المعقول.. تنهد قائلا (اديني عمتي)
اقترب هشام منها مستغلا انشغال راضية ووقوف هيما بعيدًا همس بإبتسامة (وحشتيني يا سكينة غايبة عني ليه.؟)
شعرت بالحيرة الشديدة والتمزق، كأن مشاعرها مخنوقة بحبل غليظ وكل واحد فيهما يسحبها تجاهه وهي حائرة ضائعة لا تفهم، تريد على هذا الجالس بجانبها الذي بعد أيام سيصبح زوجها، وتريد القفز بحماس لتهاتف الأخر وتراه، مسحت وجهها بتوتر تستعيد وعيها الذي يركض في كل اتجاه (شكرا يا هشام، طمني عنك وعن مرات عمي وآية)
مطارق القلق كانت تنهال فوق رأسه وهو يراها مشتتة، نظراتها تركض ناحية والدتها التي تتحدث بالخارج ضاحكة، متوترة مهزوزة ساقها اليمني تهتز بحركات رتيبة كأنها تريد النهوض لكنها مُجبرة على الصبر.
ابراهيم واقفًا يراقب و يسب هشام، يلعن حضوره في هذا الوقت، داخله أمل كبير أن تنتهي تلك العلاقة وتعود سكينة لحمزة، لا يرى مستقبل لتلك الزيجة من الأساس، ويتمنى لو انتهت في أقرب وقت وعادت سكينة لحمزة، هي غبية لاتفهم لكن لا ضرر ستتعلم.
أراد أن يخبرها بمشاعر حمزة الحقيقية ويضعها هي أمام نفسها تواجه حقيقة أن ما تشعر به ليس صداقة كما تظن أو مودة بل هو حبًا خالصًا تكفي تلك النظرة التي بعينيها الآن. لكن حمزة شدد عليه بألا يفعل ولا يضعه في هذا الموقف، لا يريدها أن تعرف بعدما انتهى كل شيء وأصبحت لغيره، لن يفيد وسيجرحه ذلك أكثر إن تجاهلت وواصلت طريقها الذي اختارت.
جاءت مودة وهاتفته هي أيضًا وبقيت هي متحسرة مكانها، الدموع تتجمع بمقلتيها تنذر بالهطول، انهى الاتصال فتنهدت بخيبة عظيمة وهي ترى إشراق ملامح والدتها ومودة وسعادتهما، تحدث هشام بالكثير لكنها لم تسمع كانت منشغلة بأفكارها هي ونزاعاتها بإحباطها الخاص.. زاد الضغط على عقلها فشعرت بسخونة تكتسح جسدها ودوار يلفها ويأخذها، دماغها تغلي والأصوات تتداخل، فجأة سقطت وسط نداء الجميع بإسمها وزعرهم..
رأت نفسها بجانبه جالسة ومن خلفها ورد تربت على كتفها هامسة بإبتسامة حلوة (ازيك يا بت جلبي)
فغرت فمها مندهشة تطالعهم بنظرة منبهرة قبل أن تسأل ونظراتها تحط فوق ملامح حمزة بإشتياق شديد (انتوا هنا.؟)
ابتسم حمزة مشاكسًا وهو يسحب كفها  (إنتِ الي هنا)
بسط كفها فوق كفه وكتب لها ما عجزت عن البوح به، ارتعش جسدها من لمسته الباردة لكنها ثبتت نظراتها على قلمه الذي يتحرك فوق كفها متراقصًا يخبرها بما يشتركان فيه سويًا ويشعران به لكنهما لا يستطيعان البوح به :(وإنتِ كمان وحشتيني وكان نفسي أسمع صوتك)
سحبت كفها تتلمس أحرفه بشغف ووله، رفعت رأسها تطالعه من جديد هامسة (حم...
ابتلعت كلماتها حينما لم ترى أمامها شيئًا، بحثت عنهما بنظراتها ولم تجدهم، وقفت تفتش عنهما منادية ببكاء، تتردد نظراتها ما بين كفها والمكان الذي يحيطها.
أفاقت من إغمائتها لتجد هشام أمامها يسأل بقلق (كويسة..؟)
هزت رأسها وشردت فيما رأت، رفعت كفها تبحث عن كلماته لكنها لم تجدها فأغمضت عينيها في وهن، استأذن هشام على وعد بالاتصال والاطمئنان عليها، أما ابراهيم فجلس بالقرب منها مبتسمًا بقلق (سلامتك)
ابتسمت له وهي تعتدل جالسة تمرر أناملها فوق كفها الآخر تتبع أثار لمسته.
سألتها راضية بقلق وهي تضمها بحنو وقد تعودت ما يحدث لها (بجيتي زينة يا سكينة.؟)
أجابتها سكينة بهزة رأس وهي تعتدل في خجل وكأن عزيز القلب ترك أثاره فوق ملامحها وقد تكشفها وتنبئهم بما رأت.
جلس هيما بالقرب منها هامسًا بعدما لاحظ انسحاب راضية التي غادرت تجلب لها مشروبًا ومودة التي انشغلت بالهاتف (كله علشان مكلمتهوش)
همست متنهدة ونظراتها تلمع برضا (شوفته وكلمته)
تهكم هيما وهو يقبض على جهازه اللوحي (دا جنان دا.؟)
تنهدت سكينة هامسةً بهيام وهي تمسد باطن كفها (يمكن.! بس لذيذ)
تأكد من ابتعاد مودة الكافي وهمس بإبتسامة خبيثة (حمزة عايز يكلمك هو وورد كتبلي كدا)
انتفض جسدها غير مصدقةً قوله، (بجد يا هيما..؟ )
أكد بهزة رأس وابتسامة منيرة، سعيدًا لأجلها (أيوة والله بس خلينا نطلع نتمشى وهخليكي تكلميه)
هزت راسها بإستحسان لقوله واقتراحه، تضع كفها فوق شفتيها تضحك وتبكي في ذات الوقت، تلثم موضع لمساته وأحرفه التي حفرت داخلها .
كان هو هناك يمسك بقلمه يكتب ذات الجملة فوق كفه بإبتسامة، قرأتها ورد وابتسمت قائلة (دا ليه.؟)
أجابها بضحكة ساخرة (اكتبها على ايدي بدل ما أطق يا ورد)
ابتسمت ورد هامسةً بحزن وشفقة (سلامتك ياحبيبي.. مش جولت هتكلمها تسألها عن حالها مع هشام وتطمن)
هز حمزة رأسه بتأكيد (هشوف)
دقائق وهاتفه رن باسم إبراهيم، اعتدل ملتقطًا أنفاسه، أجاب وهو يتنفس بقوة لا يستطيع السيطرة علي مشاعره المتواثبة ولا لهفته (أيوه يا إبراهيم)
أجابت بتقطع وداخلها صخب لذيذ(لا أنا سكينة)
تنفس بإرتياح وهو يشاكسها (معلش فكرتك هيما)
قالت وقد عادت لطبيعتها المشاكسة (سلامة السمع يا دكتور)
صمت قليلًا ثم همس (كويسة، دراستك، صحتك.؟
كتمت ابتسامتها وقالت(تمام إنت وورد بخير مبسوطين عندكم.؟)
أجابها (الحمدلله)
سألها بتردد (هشام كويس معاكي يا سكينة.؟ مزعلك.؟)
أجابت مندفعة بماجلب سخط هيما وغضبه (زي الفل ومخترتوش علشان يزعلني يا دكتور اطمن، اختياري صح ومغلطتش مش دا الي عايز تعرفه وخلاك اتنازلت وكلمتني.؟)
صمت قليلًا في يأس وحزن ثم قال (لااه بس فاكر لسه إني أخوكي الكبير وفمجام أبوكي لو تحبي فبطمن) ملامحه حملت التهكم الذي لم يصلها.
شاب الحزن نبرتها وهي تطلب :(خلاص يبجا تنزل تحضر فرحي يا دكتور وتوصيه عليّ)
أغمض عينيه بألم، سيطر على نبرته وأجابها بثبات :(حاضر يابت عمتي عنيا)
سحب هيما منها التابلت وانهي الاتصال تحت نظراتها المتعجبة، كتم غيظه وغضبه بأعجوبه وهو يسمعها تعاند حمزة وترميه بكلماتها اللاذعة الحادة التي لا يعرف لها سببًا، بعد لهفتها واشتياقها الواضح.
صرخ بها (هي البعيدة حمارة، رضعوكي الغباء بالببرونة فبوقك عادي ولا خدتيه فالوريد)
صرخت به لا تفهم سبب توبيخه وغضبه منها (في إيه.؟)
وضع اغراضه في الحقيبة واغلقها واضعًا لها خلف كتفه وهو يوبخه (أنا غلطان يا راس الكلب، غوري والله ما هتسمعي صوته تاني يا أم لسان عايز قطع)
رحل تشيعه نظراتها المتعجبة، تناديه فيلوح لها بقرف وعدم اهتمام يلعنها.
ضم حمزة شفتيه بصمت وقد سمع توبيخات هيما لها بعد ما قالته، وانهائه الاتصال.
هونت ورد بأسف (معلش يا حمزة الله يهديها مخها بجا استحمل)
قال هازئًا وهو ينهض نافضًا عنه تأثره (منولتهاش علشان أجصهولها لسانها دِه)
دعت ورد بإبتسامة (ربنا ينولهولك وتجصه يا حمزة بس يارب تجدر وجتها)
*******
بعد مرور ١٥ يومًا
أمسك بهاتفه فتش فيه بعد مدة ليجد الكثير من الصور لها والرسائل..
انتبه يُقلب فيها بإهتمام يقرأ بعناية ما وصله، صور كثيرة بعضها عاديًا والأخرى بملابس بيتية أو أمام المرآة.
انتفض من جلسته لايصدق الذي يراه والواضح له وضوح الشمس،دار حول نفسه مزمجرًا بقوة قبل أن يهاتف الرقم المرسل، جاءه صوت سامي باردًا
(أيوة)
صرخ به هشام ساخطًا(إنت كد الي عملته دِه يا حيوان.؟)
أجابه سامي ببرود أغاظ هشام (كده وأدي عندك الصور وكلامها وخليها تكدبني لو تقدر)
هدد هشام بغضب(أمسح وإلا أقسم بالله ما هيصبح عليك صبح)
تنهد سامي قائلًا (بص يا هشام أنا مبكدبش وبوريك حجيجة بت عمك، دي لعبت بيا وبيك ومن جبلك كانت تعرفني وبتكلمني وبتكلم واد خالها حمزة وبتحبه كمان يعني ببساطة خدتنا واحد ورا التاني ودي رسايلها وصورها الي كانت تبعتهالي.. آه رقمها عند كل شباب البلد وتجدر تسأل بنفسك)
صرخ به هشام في جنون وعدم تصور لما يقوله، لكن سامي أنهى الإتصال وتركه متخبطًا في مصيبته.
أمسك بهاتفه وخرج تلحق به تساؤلات أمه (في إيه يا ولدي مالك)
ترك كل ذلك وتجاهل، غادر لمنزلها ليعرف الحقيقة بنفسه منها والتأكد من هرطقات المدعي هذا،
طرق الباب بعنف ففتحت له مودة مندهشة من مجيئة في هذا الوقت (ازيك يا هشام)
قال بغضب (فين سكينة.؟)
قطبت متضايقة من أسلوبه وهجومه (نايمة تعبانة)
دفع الباب بغلظة أربكتها وهو يقول بغضب (بجولك عايز أشوفها صحيها)
قالت بثبات مستلة قوتها تبارز بها غضبه (هشام محدش فالبيت وميصحش تدخل وصاحب البيت مش موجود، عيب كدا إنت تعرف الأصول)
نفخ بسأم من كلماتها قائلًا (جوليلها تكلمني دلوجت)
قالت بصبر وهي ترمه بإزدراء (بجولك لما تصحى خلاص)
صرخ بإنفعال شديد وعدم صبر (مودة أنا مش ناجصك)
من خلفه كان عمار ذاهلًا مما يسمع ويحدث، التهم المسافة الفاصلة وقيد هشام من ياقة ملابسه هاتفًا (إنت اتجننت بتعلي صوتك ليه.؟ وعايز إيه.؟)
دفعه هشام بغضب وهو يقول بفظاظة (عايز مراتي أشوفها)
دفعه عمار بغضب قائلًا (مرتك تيجي تشوفها لما أكون موجود وبأدب)
تملك الغضب من هشام فانفجر فاضحًا الأمر ساخرًا منه(لما إنت راجل جوي سايب أختك دايره على حل شعرها ليه.؟ لما مش عارف تحكم كنت سيبهملنا نربيهم)
لطمت مودة خديها مما تسمع، أمسك عمار بهشام ولكمه ليزمجر هشام بعنف ويضربه هو الآخر، احتد الخلاف بينهما لولا مجيء راضية لما انتهيا، صرخت بهما (في إيه.؟)
توقف عمار يلهث موضحًا (شوفي بيجول إيه واد المركوب)
أقترب هشام ثائرًا من توبيخه، ضربه في كتفه (احترم نفسك واتكلم عدل، المركوب عرف يربي مش زيكم)
حملقت راضية وقلبها يتهاوى في فزع، ليُخرج هشام الهاتف ويناوله لعمار قائلًا (بص شوف المتربية بت الناس بتكلم نص شباب البلد وتواعدهم)
أخذ عمار الهاتف غير مصدق، يرمقه بشرارات غاضبة مشتعلة متوعدًا له، التصقت راضية بوالدها تهمس بخفوت (كلامه صح.؟ في إيه.؟)
تبدلت ملامح عمار واظلمت، ضيق عينيه صارخًا بوالدته (بتك فضحتنا يا أما.. حطت راسنا فالطين، وخلت الي ميسواش يكلمنا..)
إرتاح هشام والتقط أنفاسه راضيًا، أما عمار فرمى الهاتف وركض للأعلى بقوة خلفه مودة وبقيت راضية متصلبة مكانها نظراتها تطاردهم بحسرة وقلب منقبض.. لا تقوى على الركض ولا خلاص سكينة من يد  أخيها.
اندفع عمار دون إذن، وجدها نائمة فلم يرحمها قبض على خصلاتها الطويلة ولفها حول كفه ثم سحبها من فوق الفِراش بعنف بينما مودة تتوسله بدموعها (بالراحة يا عمار حرام عليك هتتفزع)
صرخ بها ساخرًا وهو يواصل ما يفعل (تتفزع.؟ والله لأجتلها)
انتفض جسد سكينة وقد عادت لوعيها محملقة، تحاول استيعاب ما يحدث لها، ضمتها مودة تمنع عمار من مواصلة سحبها لكنها صرخ بها (سبيها)
وقفت سكينة غائبة عن الوعي لدقائق قبل أن تفيق متسائلة (في إيه.؟)
ترك عمار خصلاتها وصفعها متسائلًا (بتواعدي الشباب؟ بتبعتي صورك)
قالت مستنكرة (أنا لا والله ما حصل)
توالت ضربات عمار القوية رغم عودة مودة وضمها خوفًا عليها (كنت حاسس والله)
توسلتها ببكاء (مين جالك والله كداب أنا معملتش حاجه)
تركها عمار باصقًا عليها بعدما تهاوت أرضًا تنزف من شفتيها وأنفها، متهالكة محطمة تضمها مودة باكية
ركض للأسفل فسألته راضية بخفوت (عملت إيه يا ولدي.؟)
قال بغضب شديد (هجتلها يا أما والله ما هيطلع عليها صُبح)
ولولت راضية..
بينما كانت مودة فالأعلى تهدأ من روع أختها وتحاول مساعدتها.. أعادتها للفراش مرتجفة، دثرتها ثم أمسكت بهاتفها تحاول الاتصال به ومن غيره يمكنه أن ينقذ أخته الآن.
عاد عمار إليها من جديد، ضرب الباب بقوة وخطا للداخل في رأسه شيطان يتربع، الجحيم بعينيه ينتظر من يُلقى فيه، حجيم خاص لها وحدها.. سحبها من خصلاتها صامًا أُذنه عن صرخاتها وتوسلاتها، كفيها تدؤبان على إفلات قبضتيه فتفشل، تتعثر أحيانًا وتقع فيجرها وأحيانًا تنهض وتجاري خطواته ومن خلفه مودة تحاول تخليصها..
سحبها حتى هبط بها للأسفل، أوقفها أمام أمها وهشام الذي ظل موجودًا يريد رؤيتها والتحدث معها.
أوقفها أمامهم فرفعت رأسها تطالع ما حولها، اصطدمت نظراتها به واقفًا يماثا أخيها شرًا وغضبًا، لملمت فتحة ثوبها البيتي بكف وبالأخر أبعدت خصلاتها عن وجهها، سألتها والدتها وهي تقترب منها بنظرات خاوية (صُح يا سكينة الي بيجوله هشام.؟)
رفعت نظراتها لهشام بإستفهام غير منطوق، هل هو من اتهمها بذلك؟ من أطلق عليها تلك الشائعات وعرضها للمهانة.. استنكرت نظراتها الموجهة إليه، لطمتها أمها بقوة وهي تمسكها من كتفيها تهزها (صُح يا سكينة.؟)
اتسعت عينا سكينة على أخرها وهي تغمغم بتوهة (جالوا إيه.؟ يا أما)
أمسك عمار الهاتف من كف هشام الصامت، يزخ عليها من نظرات التحقير زخًا. وضعه أمامها وقلب الصور والمحادثات (إنتِ ولا مش إنتِ.؟)
رفعت أناملها المرتجفة لفمها المتسع نظراتها تتبع الصور وعقلها يعمل في كل اتجاه، مصعوقة مما ترى وتقرأ رفعت نظراتها لوالدتها هامسةً بتوسل حار (مش أنا يا أما.؟)
أظلمت عينا راضية بإنكسار وخزي جعل سكينة تهمس بضياع (أوعي يا أما أنا بتك وربتيني لو شوفت فعنيكِ غير كِده هموت)
لطمها عمار قائلًا (ما إنتِ هتموتي)
صرخت تستوقفه  بينما تحدج هشام بنظرة ساخرة (هو غريب ميعرفنيش وهيصدج.. إنما أنتوا كِيف تسألوني.؟)
أكمل عمار ضربها بحرقة شديدة، جلست أرضًا تضم ركبتيها لصدرها متقبلة ركلات عمار القوية وروحها تتهدم وتسقط شيئًا فشئ.. رحل هشام وشيعته كميت بنظرة ثابته مصدومة وارته خلف تراب الخذلان وجلست تتقبل فيه العزاء
أشفقت عليها مودة فجلست وضمتها دافعةً عنها ضربات عمار، الذي أكتفى وغادر يلعنها
بقيت راضية مصدومة متراخية عن نصرتها، تأخذها الصدمة وتلفها في دوامة الجُبن.
تجبن عن مواساتها وطمأنتها، وتنأى بنفسها ومصابها وخيبتها فيها بعيدًا، شعرت سكينة بألف سهم ينغرس بقلبها، وألف سيف يمزق جسدها لاتصدق ما فعلوه ولا موقف والدتها، فاستسلمت لكل شيء راضيةً متقبلة.
*************
انتشرت صورها ورسائلها على مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، تخبط الجميع في مصابهم وهمهم، قالت الجدة بقسوة :(تتجتل وتغور)
صمت الجد مُفكرًا لا ينطق، قالت نفيسة متشفية فيها:(الحمدلله مخدهاش سعد كنا اتجرسنا)
هتف رفعت وهو يدور في المنزل كالثور الهائج (اكتمي ياحزينة لتموتي معاها)
مصمصت نفيسها قائلة :(أخرة دلع أختك فيها والله)
زعق رفعت بإستياء (يابوووي يا واكله ناسك)
كتمت نفيسة فمها بكفها، ليهتف رفعت (هنعمل إيه يا بوي.؟ مبجتش جادر أطلع ولا أوري وشي للناس، كله بيتغمز ويبص للتلفونات الله يجطعها)
قال الجد برزانة وهدوء :(يريسها ربنا يا ولدي)
عض رفعت قبضته موضحًا :(وواد عزام ناوي على إيه.؟)
طرق الجد بعصاه هامسًا (لله الأمر)
تدخلت عاليا التي جاءت ووقفت تستمع ببكاء :(سكينة متربية يا بوي وسطنا متعملش كِده)
أخرستها والدتها بغضب:(متدخليش يا بت)
اندفعت عاليا تدافع عنها :(متعملهاش حاجه يا بوي متأكدة انها مظلومة)
صرخ والدها :(وصورها وصلت للشباب كِيف ورقمها وكلامها)
قالت عاليا بتوهة مفكرة (معرفش بس حرام تلاجي حد عامل فيها المغرز دِه)
ولولت الجدة بحزن (عملة سودة عيني عليكِ يا راضية وعلى حظك)
تدخلت نفيسة ساخطة ببرود :(الحزينة بعملتها هتوجف حال بتي وبنتت العيلة ربنا ياخدها)
قال الجد بفطنة وتريث (هجعد مع واد عزام وأشوفه نعمل الفرح ونجطعوا لسانة الخلج)
هتف رفعت في حقد وغل، مستهزءًا من قرار والده:(ما تكلم واد ولدك الكبير يجي يشوفلنا حل بالمرة عشان تبجا كملت.؟ عايزنا نطاطي لواد عزام دا موتها أهون)
صمت الجد مبتلعًا كلماته، ربما عليه أن يستعين بحمزة الآن، حتى لا تتأزم الأمور وتتعقد أكثر، ومن قبله فعلت هي مودة رفعت الهاتف وحولت الاتصال به أكثر من مرة، راسلته تتوسلة (دكتور لازم تيجي وتلحج سكينة، فأسرع وجت الله يخليك يا أما هتيجي متلاجيهاش..إلحجها من عمك وهشام وعمار هيموتوها بدون ذنب ومفيش غيرك يجدر يوجفهم)
********************
بينما كانت هي غائبة عن الوعي، جسدها يئن من شدة الألم وروحها تجاهد لتبقى هنا معهم وإن تمنت غير ذلك، تطالعهم بنظرات غارقة فالآسى مهزوزة، تتأسف كثيرًا وتتوسل أكثر، جاء خالها ثائرًا بعدما ضاقت به السبل .. رمى سهامه تجاه أخته صارخًا :(بتك حطة راسنا فالطين... بجينا لبانة فبوج الخلج، الي مكانش يرفع عينه فينا بجا يرفعها يا واكلة ناسك، )ضربها بقبضته فوق رأسها بقسوة ينفث فيها عن غضبه، تمالكت راضية نفسها وجسدها، ابتلعت أناتها في عزيمة، ساكنة الجسد خائرة القوى تزرف الدموع ولا حيلة لها سوى الدعاء.
ترتدي السواد استعدادًا لما سيحدث وتُنبئ به النظرات، صرخ فيها بغضب (فينها بتك.؟)
استمعت مودة لصوته الذي هز جدران المنزل فركضت للحجرة التي تقطن بها سكينة، أغلقتها بالمفتاح حتى لا يؤذيها أو ينال منها خالها بشره، لن تسمح لهلن تسمح له بأذيتها وأن يمارس عتهه عليها وحقده يصبه فوق رأسها تلك المسكينة التي تغيب أكثر مما تحضر.
دست المفتاح بجيب عباءتها وهربت منسحبة تدعو الله أن يحفظ أختها ولا تنالها براثن خالها وتمزقها.
صعد رفعت للأعلى بحث في الحجرات حتى وجد أحداهما مغلقة، حاول فتح الباب لكنه عصا عليه، ضربه بكتفه مزمجرًا وهو يصرخ :(فين المفتاح)
ازدردت مودة ريقه بخوف، تضم قبضتيها مبتهلة، تتضرع أن يحفظ أختها داعية وهي تتابع بنظراتها خالها من بعيد(اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم)
اشتد يأسه، فترك الباب وهبط للأسفل يصب غضبه فوق رأس أخته.
حينما اطمأنت مودة لرحيل خالها، تسللت للحجرة، فتحت الباب ودخلت لتجد أختها مكانها مسجية فوق الفراش كما تركتها،لا تدري أحاضرة هي أم غائبة جلست بجانبها تزرف الدموع في لوم :(ليه كِده يا سكينة.؟ الي خوفت منه حصل ياما حذرتك)
جلست سكينة مرتعبة ترتعش بقوة قائلة (متخليش حمزة ياجي يا مودة)
أوضحت مودة بإشفاق وحنو (حمزة لازم ياجي علشان هو بس الي هيجدر يساعدك)
بكت هامسةً (أخاف يتأذي بسببي يا مودة، خالك وهشام مجدرة بعض وهيخلصوا نفسهم )
طمأنتها مودة بإبتسامة :(حمزة كدهم، معاه هتبجي في أمان أنا متأكدة وعلشان أمك)
قالت متوسلة :(خليهم يموتوني عادي يامودة ومتخليهوش ياجي، مش بعد دِه كله ياجي ونعيد الجديم)
أوضحت بهذيان :(مفارجش معايا أعيش يا مودة ولا هاممني حاجه، هيجبوه ليه.؟)
رفعت هاتفها وضغطت فوق اسمه بإرتعاش، منعتها مودة :(هتعملي إيه يا سكينة.؟)
قالت وهي تنتظر رده (مش هخلي حمزة ياجي يا مودة)
******
هاتفه حسان ليعرف ماحدث، وتلك الكلمات التي تتناثر من الأفواه كرزاز قزر تعافه النفوس، يتخبط في التأويل وينغمس في الهواجس، لا يطيق صبرًا للمعرفة..دخل الشقة  التي كان يهيأها هشام للزواج، لم يتحرك للداخل بل جلس أرضًا منتظرًا مجيئه.. جاء هشام وتعلقت نظرات حسان به في لهفة وترقب، نهض يستند على عصاه يسأله :(ايه الي بيتجال دِه يا هشام.؟ حُصل إيه.؟)
تنهد هشام قائلًا وهو يجلس فوق طاولة صغيرة جانبية (الي بيتجال صُح يا عمي.؟ بتهم...
أسكته حسان بغضب قاطعًا كلماته التي رأها في نظراته :(بتنا.. بت عمك وبت أخوي ورباية راضية)
ضيق هشام عينيه متابًعا :(مربنهاش ومنعرفهاش، دايره على حل شعرها من راجل لراجل)
ترك حسان عصاه واندفع يقيده من ياقته هازًا له بغضب (اتكلم زين عليها، دي عرضك وشرفك جبلهم يا جليل الأصل)
نفض هشام كفي عمه في ثورة وغضب :(دِه مش كلامي دِه كلام الناس والي شوفته)
دفعه حسان (من مِتي ميزان كلام الناس كان معدول يا واكل ناسك.؟ بدل ما تجف جنبها وتستر عرضها بتجول زيهم)
تنفس هشام قائلًا متحكمًا في غضبه (أنا بجولك إنت ياعمي)
قال حسان بحزن ونظراته تتوسل الأخر (ولا ليا ولا بينك وبين نفسك، إنت أكتر واحد عارفها تدافع عنها وتحميها وواجب تتجوزها دلوجت وتخرس الخلج)
لوح هشام :(متلزمنيش تاني هطلجها)
حملق فيه حسان قبل أن يقترب ويلكمه ساخطًا في شراسة (واه.. هتسيبها بدل ما تجف جارها وتخرس لسانة الناس، تطلجها وتثبتها عليها! )
تفادى هشام لكمات عمه صارخًا :(هي ثابته لوحدها من غير حاجه)
بصق حسان أرضًا في حسرة وتوبيخ (اخس عليك، يا واد عزام)
رفع هشام سبابته محذرًا في غلظة :(عمي قراري مفيهوش رجعه وأرضنا رجعتلنا والي باجي هعرف أخده منها )
اندفع حسان يلكمه دون رحمة أو تباطؤ يفرغ فيه شحنة غضبه، حتى سقط هشام هالكًا ينزف من أنفه..
أمسك حسان بعصاه وغادر تاركًا له في حزن ووجع، يدعو الله أن يحفظ ابنة أخيه، هو لايصدق أنها تفعل ذلك مهما قالوا، يعرف راضية جيدًا لابد أنها مكيدة حقيرة، ابنة أخية لا تفعلها،كاد يجن من فرط التفكير فاتجه ناحية المسجد القريب دخله مسلمًا أمره لله..
صلى ركعتين قضاء حاجه وجلس يدعو الله لها بالستر، رفع كفيه متضرعًا خاشعًا يتوسل إلى الله هامسًا (يارب بحج توبتي ورجوعي ليك يارب احميها وأحفظها وانجدها من شدتها وفك كربها، سخرلها عبادك الصالحين)
انتهى من دعائه وذكر الله كثيرًا، بكى بحرقة على عجزة وقلة حيلته، وعدم قدرته على الذهاب للبلد والدفاع عنها، ونصرتها.. بكى حجود ابن أخيه وغدره بها حتى غفى جالسًا يسند رأسه على حائط المسجد.
#انتهى
اذكري الله
لو عجبك الفصل قولي رأيك نورتيني❤️❤️❤️

ملاذ قلبي سكن Where stories live. Discover now