الفصل الرابع

ابدأ من البداية
                                    

********
في منزل خالها وقت الظهيرة
جلست فوق الآريكة متربعة الموجودة بحجرة صغيرة ملحقة بالمندرة الواسعة الخاصة بإستقبال الضيوف ، تطلي أظافرها قائلة (مالك يا بت يا عليا.؟)
أجابتها عليا وهي تتكأ بذراعيها على ظهر الكرسي الذي تجلس فوقه أمام سكينة
(سمعت حاجه يا بت يا سكينة ياريت تكون صُح) تركت سكينة ما يَلهيها عن الانتباه ورفعت نظراتها تسألها بفضول (خير..؟)
مررت لسكينة خجلًا واضحًا مما ستقوله لتعتدل مُفصحة بإبتسامة (جدي عايز يجوزنا أنا وحمزة)
رياح الخبر زعزعت ثبات سكينة، فانتفضت مُسقطة طلاء الأظافر من بين أناملها، فسارعت بالإعتذار وهي تعاود مسكها ومسح الطلاء المسكوب(مجصدش)
تركت عليا مقعدها وتقدمت تُهدأها بإبتسامة حنون وتمسح عنها أسفها وضيقها بتفهمها (عادي يا بت)
تناولت الطلاء وأغلقته، ثم التفتت تسألها متبينة رد فعلها (مجولتليش إيه رأيك..؟ )
جف حلقها من تلك المواجهة والسؤال بما ستجيب.؟ شردت سكينة متذكرة مودة وتعلقها بحمزة الذي يزاد يومًا بعد يوم وبرغم مداراتها الجيدة إلا أنها تشعر بأختها وبقلبها..
كيف سيكون وقع الخبر عليها.؟ هل سيوافق حمزة.؟
لوحت عليا أمام وجه سكينة قاطبة بقلق (مالك يا بت..؟)
أجابتها سكينة نافضة شرودها، مستعيدة ثباتها (مفيش افتكرت حاجه... بس هو جدي كلّم حمزة.؟)
نهضت عليا تدور في الحجرة سعيدة وهي تخبرها (معرفش بس سمعته بيكلم أبويا)
سألتها سكينة بقلق (وإنتِ عايزه إيه.؟)
ضحكت بدلال وهي تجيبها بتوبيخ (إنتِ غبية يا بت ما إنتِ عارفه أنا عايزه إيه.؟)
ثم عبست تطرح مصدر قلقها للمناقشة (بس خايفة من أمي تحط العجدة في المنشار ما إنتِ عارفة مبتحبش أم حمزة )
كرمشت سكينة ملامح وجهها بغير رضى وضيق، لا يروقها ما قيل ولا تبتلع معناه، تلك النفيسة لا ترقى لأن تصبح حذاءً في قدم الخالة ورد. غمغمت بشتيمة بذيئة حافظت ألا تصل لعليا التي شردت قائلة معترفة ( بس أنا خايفة من أمه دي يا سكينة)
اعتدل جسد سكينة المسترخي، تحفز لمباراة كلامية ستخوضها، قالت بحمائية متخذة جانب ورد (ليه مالها خالتي ورد يا مضروبة إنتِ)
أجابتها عليا بتوتر متذكرة كلمات والدتها (أمي بتجول إنها سحارة ومش كويسة وأخاف تعملي حاجه، لو حصل هجول عايزه أعيش لوحدي )
لعبت سكينة على خوف الأخرى بمكرٍ مقصود (هو السحر لو هيتعمل هتمنعه بيوت يا غبية) تريد أن ترعبها وتصرف تفكيرها عن الأمر والموافقة، لكن الأخرى أبهرتها بتشبثها بحمزة (أكيد مش هتأذي مرت ولدها، بعدين أنا بحبه وهخليه يحبني هتأذيني ليه .؟) ثم تابعت متمنية (حمزة كان بيجول تعبانة يمكن تموت ونرتاح ويبجالي لوحدي)
جن جنون سكينة من خواطر عليا وأفكارها التي صنعت كلمات قاسية لم تتحملها وأوجعت قلبها من مجرد التخيل
صرخت بغيظ امتزج بحنقها وغضبها (إيه الي بتجوليه دِه يا رأس الكلب إنتِ.؟ بعيد الشر عن مرات خالي ورد ربنا يديها الصحة ويبارك فعمرها وميحرمش حمزة منها أبدًا )
وضحت عليا بإستياء من زجر سكينة لها (بجول الي بيجولوه، إنها سحاره مش كويسه.. هي تعبانه وطالت ولا جصرت هتموت ويفضلي حمزة)
قفزت سكينة من فوق الفراش بطاقة عالية، تتمنى لو ضربت ابنة خالها ولقنتها ردًا يناسب بذاءة لسانها وأفكارها التي تشبههم
دفعتها سكينة بغضب (مرت خالي ورد مش سحارة متجوليش عليها كدا تاني ياريت كل الناس زيها.. مش معنى إن خالي كان بيحبها جوي تبجا سحرتله)
لوحت عليا بنفور مندهشة من هجوم سكينة وغضبها (بجول الي بسمعه معرفش بجا، كل الي حصل دِه والي عمله خالي ميجولش حب عادي )
وبختها سكينة بغلظة وهي تمسك بمقبض الباب مستعدة للرحيل (ليه مفكيش مخ تفكري..؟ والله لو جولتي تاني كدا يا عليا ما هعرفك ومش هسكتلك)
قالتها واندفعت للخارج غاضبة تتبعها زوابعها لتصطدم به واقفًا عاقد الساعدين في صمت وسكون اللهم إلا من نظرات متوجعة تخفي بين جفنيه غضب عظيم..حدجها بنظرة أربكت دواخلها وشتت أفكارها كأنه بذر الهم في صدرها، حاولت الحديث فأشار لها بسبابته أن تصمت.. غادر وهي خلفه، خطواته سريعة تحاذي غضبه المتقد، سألته بأنفاس لاهثة وهي تصل لخطواته (سمعت.؟)
هتف دون أن يتوقف (أيوة) مسافة قصيرة قطعانها حتى وصل أمام بيته
ليقف ملتقطًا أنفاسه أخيرًا، ممتنًا شاكرًا لها (متشكر يا سكينة مكنتش مفكر، ممكن تجولي كدا فحج أمي ولا تدافعي عنها)
قالت بآسف (جولت الحج يا حمزة.. أنا حبيت خالتي ورد جوي ومعرفتش أسكت الظلم عِفش ) هبطت دموعها تباعًا في ألم لم تتحمله وكأن الكلمات أذتها هي (كنت عايزه أرنها علجة متنسهاش يلا بجا الجيات كتير)
تأمل دموعها متعجبًا، سألها بحنو وهو يمد كفه بمنديل ورقي أخرجه من جيب بنطاله (بتنوحي ليه..؟ علشان مضربتيهاش.؟)
مسحت دموعها وهي تخبره بمشاكسة (لو جولتلك هتصدجني)
هز رأسه بإبتسامة تأكيدية (طبعا يا سكينة)
لتقول متهربة من نظراته التي تحيطها (جلبي وجعني من الكلام على خالتي ورد ومكنتش أحب أسمعه)
أعلن اندهاشه وثباته رغم ما يجيش داخله من مشاعر كثيرة متضاربة (بتبهريني معجول بتحسي زينا يا سكينة)
اشتعلت نظراتها بالغضب من فظاظته وغلظته، سخريته غير المبررة رغم ما ترسله نظراته وتمرره لها التي جاءت عكس قوله،كانتا تلمعان بفخرًا وإعجاب، تدثرها بحنو فتجذبها وتشدها ناحيته.. لكن كلماته جاءت تناقض كل ذلك،حدجته بنظرة قاسية وابتعدت بخطوات سريعة لبيتهم.
بينما تبعها هو يناديها شاعرًا بالأسف (بت يا سكينة، استني هو احنا هنجري ورا بعض)
لم تتوقف وتابعت السير غاضبة بجنون، حتى دخلت المنزل وأغلقت خلفها بعنف رافضةً عبوره إليها وتوضيحه الأمر، عاد خائبًا لمنزله المجاور يلملم أغراضه مستعدًا للذهاب من هنا.
******
في المساء طرقت والدتها الباب فكفكفت سكينة دموعها وأذنت لها (ها عايزين إيه..؟)
قالت راضية وهي تتأملها بنظرة حانية (حمزة تحت وعايز يسلم عليكي جبل ما يمشي)
لوّحت متأففة بغلظة مستهينة بطلبه(جوليله نايمة وخليه يمشي)
انزعجت راضية من عناد فتاتها وخرجت مستسلمة تخبره بما قالت في أسف..
رفعت سكينة هاتفها وقد وصلتها رسالة منه
(تمام مش هتنزلي براحتك... بس عايز أجولك أنا آسف يا سكينة مجصدش أزعلك حجك عليا.. عند البيت فوج الشباك الي وجفتي عنده سايبلك حاجه مهمة متنسيهاش.. أشوف وشك بخير لو رجعت تاني اتمنى أشوفك بأفضل حال) رمت الهاتف وانخرطت في بكاء لا تعرف سببه ولا ماهية تلك المشاعر التي تجعلها تبكي بكل تلك الحرقة من كلمات عادية،
****
انتهى
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد

ملاذ قلبي سكن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن