نِداء

23 5 0
                                    

والدي يعمل كطبيب شرعي كنت أخاف أحيانًا منه ومن قصصه التي يتحدث عنها في هاتفه و الكتب التي تُوجد في مكتبه مليئة بصور الجثث و طريقه تشريحها وتشريح الأعضاء الخاصة بها وعندما أذهب إلي مكتبه لأعطيه شيئًا كنت أضع يدي علي عيناي حتي لا أري هذه المناظر المخيفة ففي أحد المرات دقيتُ علي الباب وسمح لي بالدخول فوجدته يشرح جثه ففقدتُ وعي بمجرد أن لمحتها عيناي فقد كان يجهزها ليشرح عليها في المحاضرة في صباح الغد وأصبحت أحلم بها يوميًا وتسبب لي الكوابيس
وفي أحد الأيام ذهبت أمي ألي السوق ولا يمكن أن أبقي بمفردي في المنزل فقد كنت صغيره فقرر والدي أن يصطحبني معه إلي الجامعة وبعدها يأخذني إلي النيل لنجلس قليلًا ويشتري لي حُمص الشام لكن ليس الحار وبالفعل أخذني معه لكن إلي المشرحة وليس الجامعة وكنت خائفة جدًا ولم وبدأ جسمي يرتجف بأكمله وبدأ وجهي في الاصفرار حتي أصبح كالليمونة عندما رأتني أحد مساعديه بهذه الحالة أخرجتني للخارج وأعطتني ماء وعصير وعندما أنهي والدي عمله بالمشرحة ذهبنا إلى الجامعة وفي أثناء الشرح كان الجميع يصفقون له وكنت فخورة بها كثيرا بالرغم من أنه عمله يخيفني كثيرًا
لكن مع الوقت بدأت أتأقلم مع الوضع وأقرأ  في كتبه وفي بعض الأحيان كنت ألعب بالهيكل الذي يضعه في المنزل وكنت أدعوه "مارية" كاسمي فأنا أحبني كثيرًا ومن الواضح أن هذا من صغري
حتي أنني أتذكر أنني أصبحت أطلب منه أن يأخذني معه إلي المشرحة بالرغم من صغر سني فأصبحت لا كل هذه الجثث المتراصة بجانب بعضها البعض كأنني خُلقت لأكون في هذا المكان وأعمل مثل عمل أبي فعندما رأي أبي تعلقي بالمشرحة وهذا أمر عجيب أخبرتني أنني سأصبح طبيبه شرعيه مثله وأعجبتني الفكرة كثيرا ومن هنا بدأ تعلقي بالطب الشرعي وأصبح حلمي أن أكون طبيبه شرعيه
كانت والدتي ترفض هذه الفكرة تمامًا لأنها أيضًا طبيبه شرعيه وحدث معها كثير من المشاكل النفسية والجسدية في بدأيه الأمر لذلك تخاف أن يحدث معي مثل ما حدث معها
لكنني يبدوا عليّ التعلق الشديد بهذه المهنة فكيف لطيفه لم تتجاوز الخمسة عشر تطلب من والدها أن تذهب معه إلي المشرحة؟! أيعقل هذا ؟!
ومع الوقت حاولت أقناعها لكنها ما زالت مصممه علي قرارها لكنني لم أستطع التفكير في حلم غير هذا فقد قضيت معظم طفولتي في المشرحة في وسط الجثث  أعترف أن هذا سبب لي في البداية بعض المشاكل النفسية لكن أحببت هذا الأمر فأنا أقول لنفسي كيف لطفله أن تذهب للمشرحة بالطبع كنت لا أفهم فكان يخبرني والدي أنهم نائمون حتي أخاف لكن تأكدت من عدم صحه كلامه عندما نضجت وأصبحت في الإعدادية فكنا نأخذ في العلوم الأجهزة في جسم الإنسان مثل الجهاز الهضمي والتنفسي والعصبي المركزي وكان أبي يشرح لي على الجثث ويريني الأجهزة على الحقيقة

كنت متفوقه في الدراسة وحصلت علي المركز الأول في الصف السادس الابتدائي والصف الثالث الإعدادي وكُرمت علي مستوي الجمهورية وبجانب الدراسة كنت أتدرب سباحه في أحد الأندية بالقرب من منزلنا وكان التدريب ثلاث أيام في الأسبوع من ضمنهم السبت و الجمعة فالأندية لا تُغلق في يوم الجمعة لذلك التدريب لم يؤثر على الدراسة لأنه في يوم العطلة المدرسية وكنت أعتزل التدريب في أوقات الامتحانات وأعود في الإجازة للتدريب مره أخري
وحققت ثلاث بطولات حصلتُ فيهم ميدالية فضية وأخري ذهبيه والثالثة برونزية وكنت الأولى على مستوى المحافظة عندما حصلت علي الميدالية الذهبية والثانية على الجمهورية أثناء حصولي على الميدالية الفضية والثالثة على الجمهورية وقتما حصلت على الميدالية البرونزية وكنت وقتها بي عمر الحاديه عشر وكانت المسابقة الأولى لي على مستوي الجمهورية وكنت الأولي على مستوى الجمهورية في الصف الثالث الاعدادي وأكملت مسيره التفوق إلي أن وصلت للصف الثالث الثانوي وحينها امتنعت عن التدريب وتفرغت للمذاكرة حتي أحقق حلمي وحلمي أبي وأصبح حلم أمي أيضًا مؤخرًا

تعبت كثيرا طوال هذه السنه طوال اليوم من درس لآخر وأعود للمنزل لا أقوي على شيء لكن لا بد من المذاكرة فأنسى كل ما مررت به طوال اليوم وأبدأ المذاكرة وكنت أكره الكيمياء للغاية وخاصه الكيمياء الكهربية بالرغم من أن الجميع يقولون بأنها من أسهل الفروع لكنني عكسهم فأنا من وجهه نظري أعتبرها من أصعب فروع علم الكيمياء كنت لا أذاكر كيمياء بدون أن أبكي حتي أنني فكرت في أن أتركها للسنه القادمة لكن معها سأخسر حلمي ! وكيف سأخبر أبي وأمي بهذا؟! وماذا سأقول لنفسي قبلهم؟! هل سأقول لها أنني ضعيفة لا أستطيع تحمل المزيد من الوقت؟! أم أقول لها أن اليأس قد تمكن مني؟!
لم أجد جواب لهذه الأسئلة سوي أن أحاول مره ثانيه وبالفعل حاولت وليس مره بل مرات عديده حتي تمكنت منها وأصبحت من أسهل المواد فصاحب العزيمة لا يقف أمام الصعاب مطلقًا
وفي أحد الأيام كنا نجلس في اجتماع عائلي وسألني شخص ما عن حلمي بما أنني ثانويه عامه فأخبرتهم طب شرعي كأبي وأمي فسخروا مني وقالوا كيف لفتاه تملك هذا القلب الرقيق أو تدرس طب شرعي؟!
فقال أبي قبل أن انطق بكلمه :
مثلما فعلتها والدتها ستكون مثلها وان أثق في ابنتي ثقه تامه
بعد هذا الكلام لا يوجد كلام آخر لأقوله وصمتوا جميعا لبُرهه من الوقت وحاولوا تغيير موضوع النقاش وخرجت من هذا الاجتماع فلم أعتد أن أجلس في مكان غير مرحب بي فيه حتي وإن كان من شخص واحد وبعدها بدقائق لاحقني أبي وأمي ومعهم أختي الصغرى ذات عمر الخامسة ولم تعد للمنزل بل ذهبنا إلي مقهي بجانب منزل جدي لأمي الذي كان به الاجتماع العائلي وقضينا ليله جميله وشربنا شوكولاتة ساخنه وأكلنا كب كيك الشوكولا فنحن عائله تعشق الشوكولاتة وكانت هذه أول خروجه لي منذ خمسه أشهر فقد وجدني أبي متوترة ومضغوطة بطريقه زائدة فقرر أن يخفف عني وطلب مني أن أرتاح هذا اليوم وأكمل مذاكرة من الغد وكان هذه في إجازة العيد قبل امتحان الجيولوجيا وكنت متمكنة منها لأنني أحبها بسبب الجيو الذي آخذها معه فهو من أفضل المدرسين الذين درست معهم في هذه السنه
عدنا إلى المنزل وكان الجيو أنزل فديو مرجعه ليله الامتحان فدخلت على المنصة وسمعت الشرح وبعد يومين كان موعد الامتحان وبهذا تكون الامتحانات قد انتهت وانتهى معها القلق

وأنا الآن في انتظار النتيجة فمجرد التفكير فيها يرعبني وكان يزداد كلما أقترب موعد الإعلان عنها وفي اليوم السادس من شهر أغسطس فما زال اليوم محفور بقلبي وعقلي و ذاكرتي بكل تفاصيله من بدأيه ارتباكي وارتجاف يدي وأنا أقوم بكتابه رقم جلوسي إلي أن ظهرت النتيجة وصرخت صرخة سمعها كل من بالعمارة فقد حصلت علي تسعه وتسعين بالمئه ! لا أصدق !!! قد حققت حلمي ؟!!!  ووزعت والدتي الشربات علي الجميع وبدأ الجيران يأتون إلينا ليهنئوني ويهنئون أبي وأمي
لكن لم يحدث هذا بالسهل فقد مررت بأيام كنت أتمني فيها الموت ولا أن أعيشها وسمعت كلام مؤذي حتى من أقرب الناس لي لكن لم أهتم بكل هذا فتركت كل كلامهم ورائي فهو لا يُعني لي أي أهميه فطالما أنني واثقه بنفسي لا دخل لهم بالموضوع فهذا شئ يخصني بمفردي لا دخل لأحد به
وها أنا ذا قد حققت حلمي وأتدرب مع والدي في المشرحة وأقف بجواره كزميله في المهنة ولستُ أبنته

دمتم بخير ❤😚
دعمكم لطفًا❤😚
بقلمي/خلود مصطفى

للحلم بقية؛ Where stories live. Discover now