المعتصم

182 17 0
                                    

من أصعب الأوقات حينما سمعت عن قرار نقلي إلى القاهرة لكفاءتي فلم أتخيل يومًا بأن أترك قريتي وزملائي فقد ولدت وتربيت ونشأت بها فكيف لي بعد هذا العمر بأن أتركها وبعد سماع القرار شردت وظللت أفكر في عائلتي وأولادي كيف أخبرهم بهذا الخبر وهل أقبل الترقية أم لا وأظل هنا لم أشعر إلا والقائد يقول بأن الاجتماع قد انتهي وبعد انتهاء الاجتماع بدأ زملائي يهنئوني واحد تلو الآخر وبعدها ذهبت إلي المنزل وقررت بأن أخبرهم وقتما يقترب موعد الرحيل وعندما دخلت إلى المنزل وجدت زوجتي تُحضِّر الغداء وبعد دقائق دق الجرس فكانتا رؤي وزهير قد رجعا من المدرسة نادت والدتهما بأن يبدلا ملابسهما حتى نتناول الغداء وأثناء الغداء بدأت بتمهيد الطريق وتحدثت معهم وطرحت عليهم سؤال إذا كان يرغبا في ترك القرية أم لا؟؟؟؟
 
فقال زهير :
لم أفكر في هذا لكن إذا كانت المدينة أو القرية الأخرى متقدمة عن قريتنا وبها مدارس علي مستوى متقدم بإمكاني التفكير بهذا .
أعجبني رد زهير لكن وجدت رؤى في قمة الشرود وكأنها نُقلت إلي عالم آخر فطرحت عليها السؤال ذاته
 
وقالت رؤي:
لا أستطيع التفكير في هذا الأمر فأنا لا أريد ترك أصدقائي ولا مدرستي ولا حتي معلميني ومعلماتي فقد قضيت عمري هنا وطفولتي ولعبت في كل أرجاء القرية فلِما أتركها وأذهب إلى غيرها.
 
وهنا كانت صدمتي لكن كنت أتوقع هذا فهي الأكبر حتي إن كان زهير في المدرسة المتوسطة فلا يزال طفلًا لكن رؤى فقد كبرت فهي في آخر سنة لها في المدرسة المتوسطة وكلها شهور وستذهب إلي المدرسة الثانوية فهي أصبحت ناضجه .
 
فحاولت إنهاء هذا الموضوع سريعًا حتي لا يلاحظوا توتري ثم استكملنا غدائنا ثم ذهبت إلى غرفتي وعندما أتت زوجتي تردت في أخبارها لكن أدركت أنه لا جدوي من إخفاء الأمر فناديت لها وقلت :
سأخبرك بأمر لكن لا تخبرِ الأولاد به في أثناء اجتماعنا اليوم في قاعة الاجتماعات تم ترقيتي عندما قلت هذا ظهر علي وجهها التعجب وقالت: لِما لا أخبر الأولاد فهذا أمر سيسعدهم ويجعلهم يفتخرون بأبيهم وإنجازاته العظيمة وتفوقه.
ثم أكملت مع هذه الترقية يجب عليّ الذهاب للعمل بالقاهرة لذا علينا ترك القرية وهذا أمر صعب علينا جميعًا ولا أستطيع أن أخبر الأولاد بهذا .
 
عندما سمعتْ هذا الكلام صمتتْ قليلًا ثم قالت أعلم أن هذا أمر صعب عليكَ وأنت غير قادر علي أخذ القرار  لكن أظن أننا يمكننا توفير مستوي تعليمي أفضل للأولاد وأيضًا رؤى سيكون لديها الفرصة لكي تشارك في المسابقة التي طالما كانت تحلم بها وأيضًا زهير بإمكانه الالتحاق بالنادي الذي كان يتمني الالتحاق به وأنت أيضا سيكون لك الفرصة لكي تحقق كثير من الإنجازات .
أعجبت برأيها فهي دائمًا كانت الداعم لي وقررت بأن أخبر الأولاد لكي يبدأو في تجهيز أنفسهم ثم ذهبنا للنوم
 
وفي اليوم التالي أثناء الفطور أخبرت الأولاد بقراري وأخبرت رؤي بأنها سيكون لديها الفرصة لكي تشارك في المسابقة وايضًا زهير سوف يلتحق بالنادي وستكون الحياة أفضل لكن دون جدوى لم يُجب أحد منهم عليّ وامتنعوا عن الطعام وأخذوا حقائبهم واتجهوا إلي المدرسة ثم لحقتُ بهم بعد دقائق من مغادرتهم وذهبت إلى عملي .
 
وعندما وصلت إلي القسم لاحظ صديقي منصور حالتي فسألني:
ما بك يا معتصم لما أنت مزعوج لهذه الدرجة لما يبدو عليك القلق والتعب أكُل هذا بسبب قرار ترقيتك وذهابك إلي القاهرة؟
 
فتعجبتُ من كلامه فقلت له:
نعم فهذا الأمر صعب جدًا والأكثر صعوبة هو أن الأولاد تعودوا علي أصدقائهم ومن الصعب عليهم أن يتركوهم وأنا ايضًا من الصعب عليّ أن أترك القرية وكل الذكريات الموجودة بها
 
فقال:
أعرف كل هذا يا صديقي وأنا أيضًا من الصعب عليّ أن أعيش من دونك لكن هذه هي الحياة علينا أن نقدم بعض التضحيات لكي نتقدم ونحيا حياة أفضل وهذه الفرصة لا تأتي كل يوم فعليك انتهازها فأنت تستحق هذه الترقية بكفاءة وعن جدارة وتميز .
 
فقلت له وعيوني مليئة بالدموع:
وأنا أيضًا يا صديقي يصعب عليّ تركك فأنا في حياتي بأكملها لم أجد صديق وفيّ مثلك هيّا لنبدأ العمل بدلًا من أبدأ في البكاء
 
فضحك ثم ذهبنا لاستلام ورديتنا في القسم  وكان اليوم صعب جدًا وكأنه لا يريد الانتهاء لكن من حظي أن أتي الضابط الذي سيستلم الوردية بعدي مبكرًا بنصف ساعة فاستأذنت منه بأن يأخذ مكاني ثم ذهبت لأشتري هدايا لرؤى وزهير لربما تجعلهم يغيرون رأيهم فدخلت إلى متجر كبير للألعاب واشتريت لرؤى كمبيوتر ولزهير بلايستيشن ثم ذهبت إلى المنزل وانتظرتهم حتي أتيا وناديت عليهم :
رؤي زهير تعالا إليّ قد أحضرت لكم معي هدية ستعجبكم كثيرًا
لكن كما توقعت كانا مزعوجين فلم يجيبا لي وذهبا إلى غرفهم دون أن يتحدثا معي ولا مع والدتهم فانتظرت حتي بدّلا ملابسهم وذهبت أولًا إلى غرفة رؤى لأنها في بداية الطرقة ودقيت الباب وناديت:
رؤي هل انتهيتِ من تبديل ملابسك هل لي أن أدخل إليك الآن أريد أن أتحدث معك قليلًا وأعطيك هديتك
فقالت:
تفضل يا أبي يمكنك الدخول
فقلت :
يا بُنيتي أعلم أن الأمر صعب عليك لكن ماذا أفعل هذا هو القرار ليس بيدي شئ أفعله إما أذهب للقاهرة أو لن أحصل على الترقية
فقالت :
يا أبي أنا لا أريد ترك أصدقائي فأنا أحبهم كثيرًا لكن لا توجد مشكلة إن كنت اتخذت القرار وسنأتي زيارة لهم كل فترة وسأكون علي اتصال بهم
فقلت:
حبيبتي سعدتُ بكلامك وأيضًا سيكون لديك فرصة لكي تشاركي في المسابقة الثقافية وستكون حياتنا أفضل بكثير هيا خذي هديتك ستعجبك كثيرًا
فقالت: ما هذا إنه الكمبيوتر الذي طالما كنت أتمنى اقتناءه شكرًا لك يا والدي
فقلت:
إنني سعيد لسعادتك سأذهب الآن إلى أخيك زهير حتى أعطيه هديته
 
ذهبت إلى زهير وتحدثت معه لكنه لم يكن لديه نفس تفكير أخته فهو يحب التغيير والمغامرة فوافق وأخذ هديته وكأن سعيدا جدا وأخبرته بأن يُجهز حقيبته لأننا سنذهب بعد أسبوع أو أسبوعين على الأقل.
 
وبعد عشرة أيام كان اليوم المخصص لكي نذهب إلى القاهرة استيقظت من نومي في الثامنة أو السابعة صباحًا لم أتذكر بالتحديد وقمت بإيقاظ الجميع وأخبرتهم بأن يقوموا بتجهيز أنفسهم إلى أن أقوم بإحضار الفطور والأشياء التي سنحتاجها أثناء رحلتنا .
 
ذهبت إلى محل بالقرب من منزلنا وقمت بشراء بعض المكسرات والأكلات السريعة ولا سيما الحلويات والمعجنات فزهير ورؤى يحبانها كثيرًا ثم ذهبت الى المنزل وكانوا قد جهزوا أنفسهم فأخذت الحقائب ووضعتها في صندوق السيارة واخبرتهم بأن يركبوا وكما يحدث في كل مرة نذهب فيها رؤى وزهير لم يكُفا عن الشجار أبداً  كان الطريق طويل ووصلنا بعد ثلاث ساعات أو أكثر  ووقتما وصلنا ذهب كلًا منّا إلى غرفته ليريح جسده من تعب الرحلة .
 
وها قد مرت عشرة أيام علي تواجدنا في القاهرة وكانت بداية الفصل الدراسي الثاني قد أتت كنت قد قمت بإنهاء ورق نقل رؤى وزهير للمدرسة الجديدة وتبقت بعض الإجراءات ستستكملها رؤي بالمدرسة .
أوصلت رؤي إلى مدرستها ثم ذهبت إلى عملي الجديد كان قسم الشرطة أو ما يُسمي "بالمغفر " بعيد عن المنزل لكن كان قريب من مدرسة رؤى وكانت هذه فرصة لكي أُحضر رؤي من مدرستها .
 
بدأت العمل في القسم الجديد وكان أول يوم أتعب من أي يوم مررت به في أيامي منذ أن بدأت العمل في مجال الشرطة فقد كان هناك كثير من الشكاوي والبلاغات وحالات السرقة والقتل وكثيرًا من هذه الأشياء اضطررنا بأن نذهب إلي مدينة مجاورة لوجود حالة سرقة فكان هناك تجمع عصابي يريد سرقة محل مجوهرات وإكسسوارات عندما وصلنا كان صعب علينا الدخول لداخل المحل حتي لا يهرب هؤلاء السارقون لكن عندما سألنا أحد ممن قد استطاعوا الهروب قبل سيطرة العصابة علي المكان قال بِأن هناك باب خلفي كان يأخذه لكي يصل للطابق  الثاني مباشرة فاتجهنا إلية مباشره فوصلنا الطابق الثاني الذي كانت العصابة تتواجد به فوجدناهم قد أخذوا بعض الأشخاص أسري حتي يكون من السهل عليهم الهروب إذا أتينا فقمنا بالهجوم لكن أخذنا حزرنا حتي لا نؤذي الاسري ونستعيد الاموال هجم بعض منا حتي يشتتوهم والبعض الاخر وأنا معهم ذهبنا للباب الخلفي الذي يؤدي لمكان الاسري لكن كان هناك حراس فقمنا بالهجوم عليهم وقبضنا عليهم وحررنا الاسري من الباب الذي دخلنا منه ثم عدنا الي باقي الضباط وساعدناهم  في القبض علي باقي العصابة وبعد انهاءنا المهمة رجعنا للقسم مرة أخري ووضعنا المجرمين في الحبس
 
وبعد إنهاء الدوام ذهبت إلى المنزل فلم يكن بوسعي الذهاب إلى رؤى في المدرسة انا ففي أثناء ضغط العمل لا نلتقي إلا على الإفطار أو إذا أخرنا موعد عشاءنا فهذه كانت المعاناة في حياتنا الجديدة لكن يوم بعد يوم تأقلمنا مع هذا وبدأ الأولاد يحبون المكان وتعرفوا علي أصدقاء جدد فقد أخبرتني رؤى أنها تعرفت علي طالبة تدعي أروى وهي طيبة ولطيفة معها جدًا وهذا أسعدني كثيرًا.
 
وفي اليوم التالي  على الإفطار كان يبدو على رؤى الحزن فسألتها عن سبب ذلك فقالت:
هناك فتاة مزعجة في المدرسة قامت بالشجار معي من دون أن أقول لها شيء أو أتحدث معها فقط سألتها عن مكان الفصل في أول يوم فبدأت بالتريقة عليّ وقالت أنني ريفية وبسيطة ولا أليق بالمدرسة ولم أحكي لك شيء عما حدث لكن بالأمس عندما تأخرت عن المدرسة بسبب تعطل سيارتك والمواصلات في أثناء البريك كنت ذاهبة لصديقتي التي حكيت لك عنها فعندما رأتني بدأت تقول أن أمثالي لا يليقون بالمدرسة ولا بُد من أن يخرجوا من المدرسة لقد ضايقتني كثيرًا يا أبي ولم أعد أستحملها
 
فقلت لها:
كل هذا حدث معك ولم تحكي لي لا عليكِ سأذهب إلى المدرسة وأخبر المديرة بما حدث وستقوم بمعاقبتها ولن أسمح لها بمضايقتك مرة أخري هيا اجهزي واذهبِ إلي المدرسة
 
بعد مرور شهر على تواجدنا بالقاهرة قد أصبح الأمر طبيعيًا وأعتدنا جميعًا على العيش هنا وتعرفت رؤى علي أصدقاء جدد وكذلك زهير وفي أحد الأيام كانت رؤى تنتظرني حتى أقوم بتوصيلها إلى المدرسة وبعدما انهينا حديثنا طلبت منها أن تذهب إلي السيارة أوصدت رؤي الباب وخرجت حيث كانت سيارتي وقبل أن أخرج جاءني اتصال هاتفي من مُعلمه رؤى أجبت على المكالمة وألقيت التحية وهي كذلك ثم قالت المعلمة:
 
_كما تعلم يا استاذ معتصم في مثل هذا اليوم في كل عام نقوم بالتحضير لعمل مسرحية حتي نشجع طلاب الثانوية العامة
 
_نعم قد علمتُ بهذا منذ يومين من أحد زملائي
 
_هذا جيد، لذلك اخترنا رؤى وبعض زملائها لكي يقوموا بها
 
_لكن رؤي تهاب التحدث أمام عدد كبير من الناس وخاصه إن كانوا مدرسين وبعض المسؤولين
 
_لا تقلق يا أستاذ معتصم سنساعدها على تخطي خوفها
 
_حسنًا وما موضوع المسرحية ومتى ستكون 
 
_المسرحية عند بعض الطلاب يحكون عن تجربتهم مع الثانوية وستقوم كل فتاة بالتحدث في البداية عن حياتها وكيف دخلت الثانوية عامة لكن مرحله الصف الثالث ستكون عن طلاب آخرين
لأن الطلاب القائمين بالتمثيل في المسابقة ليسوا ثانوية عامة
 
_حسنا ومتى ستكون
 
_لم نحدد الموعد بعد لأننا لا نعرف حتى الآن متى سننتهي من البروفات
 
_حسنًا بالتوفيق للجميع سأخبر رؤي بهذا
 
_حسنًا وأنا أيضًا سأذهب للفصول وأخبرهم
 
انهينا المكالمة وذهبت إلي رؤي لكي أوصلها إلي المدرسة ولم أخبرها عن مكالمة المعلمة وصلنا إلى المدرسة فخرجت رؤي من السيارة وبعدها ذهبتُ إلى القسم
 
بقلمي/خلود مصطفى

للحلم بقية؛ Where stories live. Discover now