ملاذ قلبي سكن

By shmsmh

120K 3.6K 1.2K

قصة رومانسية صعيدية More

❤️❤️❤️❤️
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس❤️
الفصل السادس❤️
الفصل السابع❤️
الفصل الثامن❤️
التاسع ❤️
الفصل العاشر❤️
❤️الفصل الحادي عشر♥️
❤️الثاني عشر❤️
❤️الثالث عشر❤️
❤️الرابع عشر💖
❤️الخامس عشر💓❤️
❤️السادس عشر❤️
❤️السابع عشر♥️
❤️الثامن عشر♥️
❤️التاسع عشر❤️
❤️العشرون❤️
♥️الواحد والعشرون♥️
❤️الثاني والعشرون❤️
♥️الثالث والعشرون♥️
❤️الرابع والعشرون♥️
❤️الخامس والعشرون❤️
❤️السادس والعشرون♥️
♥️السابع والعشرون❤️
♥️الثامن والعشرون❤️
♥️التاسع والعشرون❤️
❤️الثلاثون♥️
🌷الواحد والثلاثون🌹
🌹الثالث والثلاثون🌷
🌹الرابع والثلاثون🌷
❤️الخامس والثلاثون♥️
🌹السادس والثلاثون🌺
🌹السابع والثلاثون🌹
꧁الثامن والثلاثون꧂
🌹التاسع والثلاثون🌹
♥️الاربعون❤️
❤️الواحد والأربعون♥️
♥الثاني والأربعون ♥
♕الثالث والأربعون♕
꧂الرابع والأربعون ꧂
🌹الخامس والأربعون🌹
♡السادس والأربعون ♡
♡السابع والأربعون♡
♡الثامن والأربعون ♡
♡التاسع والأربعون♡
♕الخمسون♕
تنوية
♕الواحد والخمسون♕

🌹الثاني والثلاثون 🌷

1.9K 69 10
By shmsmh

سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ،
وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ.
أسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الَّذِي لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ، الحَيُّ القَيُّومُ، وَأتُوبُ إلَيهِ
❤️❤️❤️❤️
❤️الثاني والثلاثون ♥️
تركتها نائمة بأحضان والدتها بعدما ساهمت في تهدأتها وإفهامها، وطمأنتها أن الأمور ستمر بسلام وأمان، ولدها يملك قلبًا طيبًا على أية حال كما أنه مغرمٌ بها وسيعود مهما ابتعد فلتتركه ليهدأ ويصفو ذهنه وتُرتب أفكاره بعدها ستجده آتيًا بنفسه.
أمسكت بالهاتف ونقرت فوقه متطلعةً لاسمه بعدما أغلقت باب حجرتها عليها وجلست متربعةً فوق التخت منعزلة بأفكارها تحتاج للحديث معه وإفهامه وحدهما.
جاءها صوته مشحونًا بالحزن العتيق الموجع لها :(أيوة يا أمي)
سألته مبتسمة بحنو مترفقةً به :(فينك يا حبيبي مجتش ليه؟ اتأخرت جوي يا نور عيني) أراح ظهره لظهر الكرسي يدور به في رحاب الحجرة التي رغم اتساعها تضيق عليه وتكتم أنفاسه، همس بعدما زفر بتعب:(في مكتب المطعم هبيت هِنا)
عاتبته ورد برقة دون ضغط :(مكانش ينفع عمتك أول مرة من زمان تزورنا وتبيت عندينا يا حمزة)
مسح وجهه بكفه وأعاد نظراته الحزينة لمكتبه يعبث بالمحتويات التي فوقه قائلًا بإبتسامة ساخرة مريرة :(أكيد سمعت مش هتجول حاجه)
كانت تعرف أن كلماته محل سؤال يريد التأكد به عما إذا كانت عمته شهدت على إهانته أم لا
تنهدت ورد قبل أن تخبره :(سمعت وزعلانة يا حمزة جوي وكانت هتضرب سكينة بس منعتها)
أجابها بإختصار غير عابيء برد فعل عمته ولا ما سينال زوجته من توبيخ ربما أو إفراط في لومٍ وعتاب، قلبه يؤلمه منها بشدة وعقله يزجرة على التفكير فيها بعد كل ما ناله منها.
كرامته تئن وجعًا من جُرحها النازف، رأسه ستنفجر من التفكير وإعادة الأحداث والكلمات والمواقف.
هتفت ورد مدركةً ما يدور بعقله تقرأه بين طيات أنفاسه المتواترة: (غصب عنها يا حمزة مش جصدها)
قال بنبرة تقطر ألمًا: (وعلى إيه يا أمي كل واحد يروح لحاله ومتتغصبش)
استغفرت ورد بصوت مسموع ثم أردفت تُفهمه :(متجولش كِده يا حمزة دي حبيبتك وروحها فيك)
هتف بنزاع يشتد داخله :(معدتش هصدج الكلام دِه يا أمي خلاص)
لامته والدته: (استغفر ربك واهدأ صدجني مبيدهاش حاجه ولا ليها ذنب سكينة…
توقفت كلمات ورد مع دخولها المفاجيء للحجرة دون استئذان، وقفت على عتبات الحجرة متيبسة الجسد ترمق المكان بنظرة ميتة وهي تسأل (لو دِه حمزة عايزه أكلمه)
ترددت ورد واحتارت في أمرها وهي تراها بتلك الحالة المزرية أمامها وهذا الضياع،صمتت مُفكرة  فمسحت سكن دموعها ودلفت للداخل قائلة (لو مش عايزيكلمني  بلغيه اني هرجع مع أمي جنا وكل واحد يروح لحاله)
سأل حمزة بغضب وقد سمع جزءًا من قولها (مالها عايزه إيه؟ بتجول إيه سمعيني)
صمتت ورد لدقائق قبل أن تحاول كبح جنون سكن (روحي دلوجت يا بتي وأنا هجوله)
اقتربت سكن بعزم، قالت في تحدي عاصف وهي تمد كفها تريد الهاتف (لو مش هتجدري هاتي أنا أجوله)
هتفت ورد بحدة ونظرات متوسلة (مينفعش يا بتي الأمور متتاخدش كده)
قطع حمزة الحديث الدائر بينهما يطلب من والدته بهدوء (اديها التليفون يا ورد خليني أشوف أخرها)
قالت والدته بنبرة حملت التحذير والتوسل في ذات الوقت (حمزة)
فهم حمزة ما تعنيه نبرتها ولفظها اسمه بإختصار فك شفراته فطمأنها (متجلجيش اديها التليفون )
منحت سكن نظرة رجاء وهي تمد يدها بالهاتف لها، ازدردت سكن ريقها وتناولته وهي تمسح دموعها بالكف الشاغر متماسكة بعض الشيء (أيوة يا دكتور)
نبتت لنبرتها الجافة  أظافر خدشت بها قلبه المترقب في لهفة أي ترضيةً منها أو اعتذار يمحي بسكّره علقم ما تذوق من رفضٍ وإهانة.
رد لها بضاعتها بكيد وبرود (أيوة يا سكينة أأمري خير سمعيني كنتِ بتجولي إيه لورد؟)
تمنت لو ركلت كل شيء ورمته بعيدًا وأخبرته بكل عشق أن صوته فقط كفيل أن يمنحها دفء العالم وأمانه. وأنها اشتاقته بشدة وتلك الساعات في هجره سنينًا لا تطاق.
تقابلت أنفاسهما فنبأت بما لم يستطيعا عليه صبرا، كانت مرسال الهوى الذي أفصح بمكنونات كل منهما دون ترفع أو كبرياء.. استجمعت شجاعتها
وهتفت بصوت مبحوح يجاهد غصات البكاء ليخرج سليمًا (عايزه أرجع مع أمي كفاية كِده)
انتفض في تحفز وغضب ترك ما يشغله وانتبه بكامل قواه وتحت سطوة إدراكه الكامل نطق (إيه هو الي كفاية كِده يا بت خالي)
هل يذكرها بلعنة أصلها وانتمائها لمن يحمل فوق عاتقه كراهيتهم، لأول مرة يذكر تلك الصلة بينهما ماذا يقصد؟
بارزت جنونه في تحدي (كفاية من كل حاجه يا واد عمتي، كتر خيرك لغاية كدِه جميلك مش هننساه)

سخر منها بفظاظة راميًا بكلماتها عرض الحائط (اتغطي ونامي يا سكينة مش رايجلك ولا رايج لجنانك وجلة عجلك)
صرخت به في جنون وغضب مستوحشة بروده معها  (جولتلي مش هتغصب عليا ولو فيوم عايزه أرجع وأسيبك هتوافج)
سألها بإستنكار وهو ينتفض واقفًا يرمي بقذيفة ظنونه وشكوكه فوق رأسها اليابس (وإنتِ عايزه تسبيني يا سكينة؟ عايزه تبعدي أمال كل الي جولتهولي كان إيه كدب؟ )
كتمت شهقاتها سيطرت على وجعها النابض بي أضلعها وأردفت متجاهلة سؤاله تكمل بما تريد أن يصله  (أيوة أنا منفعكش يا واد خالي شوف غيري تجبل بيك وتريحك وتديك الي عايزه ومهم عندك)
خرج عن طور تعقله وصبره صرخ بها دون حذر مغتاظًا منها بشدة (إنتِ فكراني إيه؟ دِه ظنك فيا يا سكينة؟)
ضربت ورد جبهتها بإستياء ثم هتفت بحدة (هاتي يا سكن)
تجاهلت سكن وأكملت بغصة بكاء موضحة بوجع ولهيب يلسع قلبها (حجك وحج مرت خالي عليك شوفلك واحدة تكون عارفة وفاهمة ومتجصرش معاك وربنا يعوضك منها بالي يرضيك)
سألها بعتب رقيق وكلماتها تخترق صدره (يعني عادي عندك يا سكينة اتجوز غيرك وأجرب من غيرك وواحده غيرك تبجا أم عيالي؟)
صمتت صمتًا طويلًا بائسًا فصرخ بغضب يحسها المواصلة (سهل وعادي بالنسبالك؟ أنا مش فارج معاكي خالص يا بت عمتي للدرجة دي؟ )
التقط أنفاسه وقال بغضب حقيقي (كنتي بتكدبي عليا كل دِه ، إنت محبتنيش صُح؟)
وصله صوت بكاءها العالي وصمتها يضرب حجرات قلبه المتهدمة من أفعالها، صرخ بها مردفًا بقسوة وجفاء
(مش هتمشي من هِنا واعملي الي تعمليه ولو رجلك خطت عتبة الشجة من غير أذني هتصرف  معاكي تصرف مهيعجبكيش يا بت الخال وهيزعلك جوي)
تمالكت نفسها وسيطرت على بكاءها وقالت (اتجوز زهرة يا حمزة تستحج الأحسن )
ضرب فوق المكتب بكفه زمجرًا قبل أن يهتف بها (تاني؟ هنعيده تاني يا سكينة وكأني معملتش حاجه معاكي كل دِه الله يسامحك)
زاد بكاؤها فكان رده انهائه الاتصال قبل أن يفقد السيطرة على نفسه أكثرويتفوه بالحماقات ردًا عليها،وقفت دقائق ممسكةً بالهاتف في تيه مغمضة العينين في استسلام تام للوجع والسقوط في بئر العجز.
عاتبتها ورد ضجرةً مما قالت (ليه كدِه يا سكينة ليه عمايلك دي يا بتي ؟)
مسحت دموعها واستدارت تمنحها الهاتف دون أن ترفع نظراتها بها أو ترد على سؤالها المعلق الذي لا تعرف إجابته من الأساس. انسحبت لحجرتها غير متفوهة برد يناسب فداحة ما زرعته بخافق ولدها من ظنون.
*****************
في اليوم التالي
دخلت زهرة مكتبه مستأذنة فنهض واقفًا يأذن لها بالدخول، تبعثرت نظراتها للفوضى العارمة بأنحاء الحجرة والأريكة المهيأة لوضع النوم، نظراتها الحزينة تبدلت بعدما شعرت أن شيئا كبيرًا يحدث. هذا الصموت وراء مبيته هنا وانهياره الواضح قصة لابد لها أن تعرفها.
تطلعت لعينيه المحتقنة فسارعت مدعية اللهفة (حمزة خير مالك في حاجه؟ طنط بخير؟)
تنهد بإرهاق وهو يجلس خلف مكتبه مشيرًا لها (اجعدي يا زهرة مفيش)
جلست قائلة وهي تطلق نظراتها في فوضى المكان بإستياء (المكتب محدش بينضفه ولا إيه؟)
كتم تأففًا داخل صدره ومال مستندًا على المكتب يخبرها بهدوء وصبر (متشغليش بالك كنت بشتغل)
هزت رأسها بتفهم ونظراتها تسقط فوق الأوراق البيضاء المتبعثرة على المكتب التي تحمل فوق بياضها الناصع اسمها فقط، كأنها زورق نجاة وسط أمواج عاتية.. ففهمت أن الأمر يتعلق بالصغيرة لكن ماذا فعلت لتُخرج هذا الرزين عن هدوئه وصمته.
طرق بقلمه فوق المكتب بتوتر وكلماتها عن زواجه بزهرة ترن بأذنه مما دفعه يهتف فيها بحدة كارهًا وجودها اللحظة (خير يا زهرة في حاجة؟)
ازدردت ريقها وأجابته بإلحاح جلب سخطه واستياءه منها (في إيه يا حمزة إنت مش طبيعي)
هتف بها في حدة وفظاظة لأول مرة (مفيش جولتلك ادخلي في الموضوع علطول)
ضيقت عينيها على ملامحه قبل أن تخفضهما، تشحذ الدموع شحذًا لتنال عطفه وتحصل على ندمه، قالت بصوت مبحوح (آسفة لو ضايقتك)
دمعتان هبطتا دلالة وتأكيد على حزنها الكاذب مما جعله يزفر بضيق ويهدأ معتذرًا (معلش يا زهرة سامحيني بس تعبان شوية)
مسحت دمعتيها اليتيمتن وقالت (سلامحتك عايزه اطمن عليك مش أكتر)
عاود الإعتذار بآسف (متزعليش مجصدش)
جرى بينهما صمت ثقيل قطعته هي بعدما رأت عذابه وحزنه حين عانقت نظراته اسم الصغيرة المكتوب فوق الأوراق (حمزة كنت جاية اتكلم معاك فموضوع اتمنى تفهمني صح)
رفع نظراته الحزينة يطالعها بإهتمام وجدية (اتفضلي خير)
أخذت نفسًا عميقًا وقالت وهي ترفع نظراتها مترقبة رد فعله على ما ستقوله (كنت عايزه أجي أخد حاجة مرام)
قطب في ضيق فواصلت السعي نحو هدفها بجسارة (أظن مفيش داعي لوجودها وكمان مش حابه حد ياخد حاجتها)
انتبه لمخزى كلماتها وفحواها فانتفض مدافعًا (محدش جرّب منها ولا محتاجها يا زهرة، هو فعلا مفيش داعي خلاص لوجودها)
انقبضت ملامحها بألم وهمّ عظيم وقد خلف ظنها ولم يتمسك بوجودها كما ظنت بل يرحب بأخذها والخلاص منها، شعرت بالحقد والنقمة على تلك الصغيرة التي سلبت لبه وجعلته يفرط في ذكرى أختها ببساطة هكذا.
زفرت مُخرجةً نيران صدرها وتابعت بهدوء خبيث (تمام أنا أولى بحاجة أُختي بدل ما ترميها أو مراتك ترميها مش هفرط فذكراها زي غيري)
قال بحدة منتبهًا لمقصدها الخبيث (جصدك إيه يا زهرة؟)
أشاحت بكبرياء قائلة في غيظ (مجصدك حاجة شكلك فهمت غلط)
تذكر يوم كسرت سكن الكوب خاصة مرام وكيف جلست نهارها تحاول إصلاحه ليبقى له ذكرى، وعدم سؤالها عن الشقة وتغاضيها رغم معرفته أنها فضولية للغاية، راحت أفكاره تركض لصحراء الشك، وتساءل لما لم تهتم أو تسأل.؟ لماذا تجاهلت أمر الشقة وغلقها واجتنابه المكوث فيها؟ هل كانت تخدعه تلك الصغيرة للتعايش فعلى أية حال هنا أفضل بكثير من العودة لقنا..ووجد نفسه ينساق خلف شيطانه وظنونه فمسح وجهه مستغفرًا ذاكرًا الله ثم قال لزهرة (إنتِ فعلا أولى بحاجة أختك عشان كِده من انهردا تجدري تيجي تاخدي الي عيزاه والباجي هتصرف فيه بطريقتي)
فغرت فمها مندهشة من كلماته وقبوله السريع وزهده التام، عضت شفتيها في حسرة وقد أدركت أن حمزة ينسحب من حياتهما والخيط الرفيع الممتد بينهما يقطعه.
نهضت واقفة شاكرةً (شكرًا يا حمزة عن إذنك)
هز رأسه بصمت مستهلك الأفكار والقوة، منحها جزءًا من نظراته الخاوية حتى رحلت فأستردها ومنحها لاسم معذبته الغارق وسط الأوراق.
رن هاتفه برسالة قصيرة من والدته سارع وفضها بلهفة وترقب، تملك منه إحباط شديد وقد أخلفت الصغيرة ظنه بها وبما عهده عندها من حب وتجاهلته غير آسفة في عناد وكبر.
أخبرته والدته أن عليه المجيء لتوديع عمته قبل رحيلها والتي تصرّ على رؤيته والحديث معه قبل الرحيل، لن تبرح القاهرة حتى تتحدث معه.
لملم أغراضه ومتعلقاته الشخصية وغادر متجهًا للمنزل داعيًا الله أن تهدأ سكنه ولا تصدّر له جنونها وغباءها فيضطر لفعل ما لا يرتضيه أو التفوه بما لا يُرضي من القول.
مكثت بحجرتها مغلقةً عليها ما إن عملت بإستدعائه، تبكي بغير توقف، ماذا إن فعلها وتخلى عنها؟
هل تقدر على فراقه؟ هل يطيب لها العيش بعيدًا عنه ودونه؟ وهي التي تتنفس قربه.
تاهت في دهاليز ظنونها وقيّدها خوفها اللعين، رفعت نظراتها للأعلي مستنجدة فما عادت تتحمل كل هذا الوجع وهذا الشتات المميت.
دخل كعادته مناديًا على والدته قبل أن يخطو للداخل (ورد)
هتفت ورد ببهجة خاصة منحها لها صوته الذي افتقدته (تعالي يا حبيبي)
شحذ قوته ورسم ابتسامة صافية على وجهه وهو يدلف للداخل مُلقيًا تحيته (السلام عليكم)
منح والدته قبلة فوق رأسها ثم جاور عمته مقبّلا كفها قائلًا بمرح زائف (منورانا يا راضية والله)
تطلعت ورد إليه بنظرة ثاقبة رأت فيها كل عذاب ليلته الماضية ومعاناته  وهدوئه الذي يناقض ثورته الداخليه،فتلوت في حزن وكدر.
عاتبته راضية بحنو وهي تربت على خده بأمومة (كدِه متجيش تجعد معايا يا حمزة؟ آمال أنا جايه لمين عاد؟)
قبّل كفها مرةً أخرى معتذرًا لها عن سخافته متعللًا كذبًا (معلش جالي شغل ضروري)
لم تشأ تكذيبه والاستمرار في لومه، فالليلة الماضية تترك آثارها على وجهه ومحياه الباسم.
قال بمرح زائف وتصنع (فين سكينة أمال؟ فطرتك ولا لااه البت دي.. ولا أجوم أنا أعملك بيدي يا غالية)
حاول النهوض تهربًا منها ومن نظراتها، رغم براعته في التمثيل كشفت ما به، وجهاده العظيم لنفسه ليوضح لها ويطمئنها أن ماحدث أصبح طي النسيان ولن يؤثر في علاقته بزوجته مهما كان لذلك تعمد ذكر اسمها والسؤال عنها ليجيب عن تساؤلها غير المنطوق فيما يخص فتاتها.
أجلسته قائلة (اجعد يا ولدي فطرنا والحمدلله دايما عامر يا حبيبي بوجودك والخير ماليه)
ابتلع ريقه وقال بتوتر (الله يخليكِ يا عمتي)
تنهدت راضية تنهيدة قوية لملمت بها أفكارها المتبعثرة ووجهت له كلماتها (عايز أخد سكن يا حمزة معايا)
انتفض برفض، مستنكرًا قولها متذكرًا قول زوجته والذي يوافق الآن قول والدتها فقال في رفضٍ قاطع وذهول (لا يا عمتي مش هيحصل وتاخديها ليه من الأساس حصل إيه لدا كله ؟)
أدمعت عينا راضية وهي تخفضهما موضحةً بصوت مبحوح (لو سبتها مش هلومك يا ولدي وحجك)
قال بضيق (لااه يا عمتي ليه بتجولي كِده؟ وحج إيه ما إنتِ عارفه ياما بيحصل وربنا يهدي النفوس)
أوضحت راضية وهي تمسح عينيها المكحلة بمنديلها القماشي الذي تبلل من تعرق كفيها (معرفش بتي هتخف ولا لااه يا ولدي؟ وهنلاجي الي ينجدها ولا هتفضل كِده يا حبة عيني)
توسعت نظراته على وجه عمته الباكي وهو يردد (تخف من إيه.؟ مش فاهم حاجه؟)
وقفت في نهاية الممر تستمع لقول والدتها وقلبها ينتفض بين أضلعها هلعًا وحزنًا مقيتًا بشعًا يكمم أنفاسها ويسلب إرادتها.
أشفقت عليه والدته من تلك الحيرة وعانقت نظراته التي توجهت إليها في إستنجاد فرمت قذيفة الحقيقة فوق رأسه تدوي بعنف ناثرةً أشلاء ثباته وقوته في كل قلبه الهالك بالفاجعة (سكن ملبوسة بجن يا حمزة والي حصل منها امبارح مكانش بكيفها ولا بيدها كان غصب عنها يا ولدي)
انهار جالسًا بذهول مصدومًا منحور القوى يردد (ملبوسة)
أكدت والدته بحزن وحسرة (أيوة والي فيها مكناش عارفينه، بان أكتر لما بدأت تجرب منها وهي تستجيبلك)
أغمض عينيها متحسرًا متوجعًا لأجلها، نعم كان يلمس استجابتها البريئة كلما أقترب منها.
تابعت ورد شارحةً لها (الخربشات كانت بتظهر والنوبة بتزيد كل ما تجرب منها يا حمزة)
تألم لألمها وتحملها في صمت وإرتضائها العذاب لترضيه ولا ترفضه وتعذبه بنفورها الذي لا يد لها فيه، استلمت راضية دفةً الحديث قائلة (الي جرى منها عشية حجك عليا أنا فيه يا ضنايا)
صمت ينازع بألم، لتُكمل راضية (عايز تتجوز يا ولدي اتجوز حجك، عايز تطلجها وأخدها معايا برضو حجك ومجدرش ألومك ولا أعاتبك أنا مخبراش هي هتخف ولا لااه وحرام اظلمك معاها)
نطق غير مصدق لا يستوعب ولا تمر الكلمة على قلبه المثقل بعشقها مرور الكرام (اتجوزعليها يا عمتي)
خرجت لتسرق السمع مرةً أخري فصدمتها كلمته، كتمت شهقتها بكفيها غير مصدقةً أنه تخلى عنها هكذا ببساطة ودون اهتمام، علي الفور ركضت لحجرتها دخلتها وأغلقت خلفها تكتم صرخات انهزامها وصدمتها القوية فيه،بعدما جرفتها تيارات الظنون حيث مستقر الواقع والحقيقة أنه لا يريدها بعلتها لا يكفيه الحب منها؛ هو كغيره يشتهي الجسد.
ما نفعه بالحب ولا حاجته إليه، هو رجل ذاق الحب وعرفه وأخذ من عصارته المسكرة، ماتت حبيبته فأغلق قلبه عليها ولم يهتم يكفيه أنها حية بداخله..
الحب لرجل مثله ترف تعوّد عليه ولمن مثلها حاجه ورغبة.
ألقى قراره الأخير (عايزها كدِه يا عمتي هستناها تخف وحتى لو مخفتش أنا مش هسيبها)
صرّحت راضية بدهشتها وهي تضم قبضتها وترفعها لشفتيها علامة التعجب، ليتابع حمزة بيقين (ربنا هيشفيها ظني فيه خير)
نظرت راضية لورد التي ابتسمت بفخر، سعيدة بكلماته التي أثلجت قلب أمها وأراحته، فصارحته راضية شاعرةً بالظلم تجاهه (محدش هيلومك يا ولدي ولا يعاتبك)
انتفض قائلًا وهو يضرب موضع قلبه بخفة موجهًا نظراته الحزينة لعمته (جلبي هيلومني يا عمه، وروحي الي بتعشجها هتلومني فيها، كِيف أجولها عايزك العمر عالحلوة والمرة ووجت المرة أغدر واتخلى، الجواز مش ورجة يا عمة بين اتنين دِه عهد ورباط، وأنا جلبي مربوط ببتك من يوم ما شوفتها فكيه لو تجدري)
ابتسمت راضية من بين دموعها المتساقطة فرحًا، قائلة في محاولةً أخيرة ليستريح قلبها (أمك ليها حج عليك نفسها تشوف عيالك)
رفع كفه منهيًا الجدل مقررًا بحدة (تحرم عليا أي واحدة غيرها هستناها، شهر، سنة، أو حتى عمر بحاله والله ما يجاور اسمي غيراسمها ولا تبجا أم لعيالي غيرها)
أغمضت ورد عينيها ووضعت أناملها فوقهما دامعةً بحنين، متذكرة كلمات والده التي قالها لها في موقف مشابه يومًا ما.
هطلت دموع راضية بعزازة فسارعت بوضع منديلها القماشي فوق عينيها تستقبلهم شاهقة، بفرح وامتنان عظيم.. تمزق شهقاتها الأدعية (ربنا يطول بعمرك يا ولدي ويجبر خاطرك زي ما جبرت خاطري وخاطر المسكينة الي جوا دي، ربنا يفك كربكم ويهنيكم ببعض ويعجل بشفاها)
انحني حمزة يقبل رأسها بدفء وحنو وهو يهمس (والله يا عمة ما جبر خاطر أنا رايد بتك وميملاش عيني غيرها)
ربتت راضية على كتفه المنحني شاكرةً وهي تمسح بقايا الدموع مع على خديها، ثم التفتت لورد مهنئة (زين ما ربيتي يا مرت الغالي  لو الغالي كان عايش مكانش هيربيه أحسن من كدِه)
هزت ورد رأسها والدموع تطفر من عينيها لأول مرة، وهي تطالعه بحنين وقد وجدت فيه ريح أبيه الغائب الحاضر.
جلس جوارها يضمها مربتًا عليها يخبرها بحنو ورفق (خلاص يا أمي في إيه)
تماسكت ورد وأبعدته قائلة (شوف مرتك يا ولدي ادخل واتصافوا وربنا يحلها)
خطا للداخل بتثاقل ورغبة ميتة في الحديث معها الآن قبل أن يرتب أفكاره ويهدأ بعد كم المفاجآت والصدمات وحديثها الذي مازال عالقًا صداه في قلبه وعقله.. التقط أنفاسه ممسكًا بمقبض الباب مستعينًا بحول الله وقوته قبل أن يدخل ويستقبل جنونها وهذرها الذي يتوقعه.
رنين هاتفه أوقفه عن المواصلة والدخول، رفعه لعينيه محددًا هوية المتصل والذي لم يكن سوى حسن صديقه يستدعيه لأمرٍ هام ويخبره بضرورة القدوم..
عاد من حيث آتى متلقيًا تساؤل والدته وقلق عمته، ليطمأنهما بإبتسامة حنون (حسن مش عارف ماله بيجولي أروحله ضروري)
نهضت راضية متفهمة، قالت وهي تقترب منه (سلم عليا يا ولدي زمان عمار جاي ياخدني)
توقف متضايقًا يخبرها بإنزعاج رافضًا رحيلها (خليكِ محلجتش أشبع منك ولا أجعد معاكي يا غالية، يومين كمان وهبجا أرجعك أنا)
أقتربت منه في استعداد لضمه قائلة (لاااه مجدرش أسيب مودة أكتر من كدِه يا ولدي، شوية أبجا جيب سكينة وتعالى)
ضم شفتيه بآسف وأقترب يضمها شاكرًا زيارتها ومجيئها، ليبتعد بعدها قائلًا (سلمي على جدي ومودة)
ابتسمت قائلة (يوصل يا ولدي مع السلامة)
ودعها وغادر تاركًا لها تودع ابنتها وتستعد للرحيل
***********
بعد مرور عدة ساعات
جلست ورد جوارها تسأل (وبعدين ولا وكل ولا شرب جولتلك حمزة فِهم ومش زعلان)
صمتت تقضم أظافرها بتوتر لعين، تسمع ولا تُجيب تخزن ولا تبوح، تتحمل وحدها كأنما تعاقب نفسها على شيء لا تفهمه.
سألت عليه (فين الدكتور؟)
رمقتها ورد بنظرة ثاقبة تخطتها سكن، لتسألها ورد بحزم رفيق (في إيه؟ إنتِ فيكِ حاجة اتكلمي معاي)
أشاحت رافضةً البوح، لكنها انهزمت بفضولها وترقبها وسألت (ولدك مسابنيش أمشي ليه مع أمي؟)
استنكرت ورد قولها الذي حمل من الغلظة والفظاظة ما دفعها تحتد عليها قليلًا (تمشي ليه معاها أمك؟ جلة عجل وخلاص؟ ياما بيحصل بين الراجل ومرته)
زفرت ورد مستغفرة، قبل أن تهمس بحنو وابتسامة رقيقة جلبت الدموع لعيني سكن ضعفًا (الأمور متتحلش كدِه يا بتي، حمزة ميفرطش فيكِ ولا يسيبك بيحبك ومحبش حد كدك)
قالت سكن بنبرة عالية وهي تنهض واقفة خارجة من تأثير ورد ومدارها (بس يتجوز عادي)
بهتت ملامح ورد وطالعتها بنظرة حزينة، لتردف سكن وهي تدور في الحجرة متخبطة (سيبوني أمشي وولدك يعمل الي عايزه بعدها يتجوز ميتجوزش أنا مش عايزه أكمل كدِه)
ضربت ورد باطن كفها الأيمن فوق ظاهر كفها الأيسر مندهشة من كلماتها اللاذعة وظنها السيء وهواجسها التي لا تتوقف بل تزداد شراسة، قبل أن تتفوه ورد سمعت صوت ولدها يناديها فنهضت ملبية (أيوة يا حمزة جايه)
التفتت لسكن قائلة (خليه هو يجي يتفاهم معاكي ويشوف ايه الي بتجوليه دِه هو أدرى بمخك)
انسحبت ورد للخارج تاركةً لها، رأسها يكاد ينفجر
رحبت ورد بزهرة التي تفاجئت بوجودها معه وبصحبته هي والصغيرة مرام، نهض حمزة متجهًا للجانب الآخر ممسكًا بسلسلة مفاتيحه تحت نظرات والدته المتابعة بصمت، فتح الباب وأشار للفتاتين (تعالوا يلا)
أدخلهما وعاد لوالدته التي سألت (خير يا حمزة؟)

ما إن استمعت سكن لصوت زهرة بالخارج وأختها الصغيرة وضحكاتها مع حمزة فقدت كل سيطرة على غضبها وحزنها اللامحدود منذ سمعت كلمات والدتها وكلماته، تضافرا الألم والعجز بداخلها مشكلين حول نفسها حلقة ضيقة تخنقها مزهقةً روحها.
تزمجر بجنون، تدور بالحجرة ذبيحة الخديعة التي أوهمها بها شيطانها، أثيرة لظنون هواها وتقلبات نفسها
ضحية لعشق يزهر داخلها وغيرةً تشتعل ملتهمة كل راحة وتعقل، هذا الصموت كيف يكون لغيرها وإن طلبت؟ الذي أذاقها ألوانًا من العشق متفردةً باسمه كيف يكون؟ ، هي تحيا وتزهر بين ذراعيه في ضلوعة، تتنفس وجوده قربها. كيف يمكنها التحمل ورؤيته يستعد لزواج آخر لأنها لا تستطيع إعطائه حقوقه الزوجية عاجزة عن مراضاته بما يريده منها..
حدثها شيطانها أن كل ما يريده كان جسدًا ورغبة كأي رجل، وعشقه الذي يتغنى به ماهو إلا تذكرة الدخول لعالمها وعقد ملكية للجسد الذي يريد التنعم به ثمنًا لمعروف قدمه معها باسم الحب، إن الحب الذي يصفه لها بريء من دنس الرغبة التي يطلبها ويعاقبها الآن لحرمانه منها.
بكت كما شاء لها الألم، سقطت متهاوية أرضًا تفكر في دائرة واحدة وتتطلع من نافذة واحدة، لمن تبوح وبمن تستنجد وهو كل عالمها؟ صديقها وملاذ قلبها وراحة عقلها وصوت الحق بداخلها.
نهضت مستندة على ما حولها، لن تظل كالشاة منتظرة أمر نحرها والخلاص منها، بل لن تذوق النبذ مرة أخرى بنكهته وتموت بطيئًا برؤيته بأحضان أخرى.
لفت رأسها بعشوائية واندفعت للخارج عازمة على الخلاص، قبل أن تراق دماء كبريائها فوق عتبات العشق
قبل أن تأكلها الغيرة وتفضّل العمى على الرؤية، فلتبدأ هي تلك المراسم وحدها وليكن قلبها قربان هواها.
وقفت في الصالة باحثةً عنه بعينيها التي تآكل بريقها من شدة البكاء، نظرتها الغارقة في الآسى الصارخة بالإستنجاد تبحث عنه، هتفت ورد بقلق عظيم وهي تراها بهيأتها الكارثية تبحث عنه (استنيه جوا أحسن يا بتي)
قطبت لا تستسيغ كلمات ورد ولا اقتراحها الذي يضرب فوق قوتها بمطرقة الشك، ماظنت أنه فتح شقته من جديد، ما كانت لتخمن ذلك لولا خروج الصغيرة المتهادي من شقته، وجّهت نظراتها تلقائيًا لورد وقد أصبحت الشكوك بعينيها حقيقة تشاهدها الآن بقلبٍ منفطر ينازع على فراش الأماني العريض مخنوقًا بحبال الحلم الواهية.
نظراتها تصرخ مطالبةً بالتفسير لما يحدث، وهي ترى صغيرة اسمها وحده غريمًا لها وكبيرة يعلو صوتها بالداخل مستفزًا كل شعور داخلها.
تركت ورد واندفعت تجاه الشقة فتحت بابها فصفعتها رائحته الممزوجة بروائح الماضي العتيقة، تنفستها لتعبق صدرها بالقوة والهمة اللازمة لمهمة الخلاص. دلفت  للداخل، جيوش الدمع تحتشد بساحات عينيها في أهب استعداد لخوض معركة دامية مع النفس المثقلة بهمومها... وجدته واقفًا أمام الحجرة صامتًا بوقار حزين، بطاقة مفقودة وحيوية تنازع في رمقها الأخير، نظراته تحكي قصة فريدة من الشجن والحنين اللذان كانا جنودًا أقوياء وعدوًا متربصًا بحبها له.
تسخر الغيرة منها  كلما رأت منه تلك النظرة لحجرة زوجته، التقطت نفسًا قويًا وهتفت بحدة غلبتها (حمزة)
انتزع نظراته من ماضية وخرج منتصرًا من ذكرياته برؤيتها، ابتسم لها كطوق نجاه، رأت اللهفة تتراقص بعينيه فاندهشت لكنها تجاهلت.. يناجيها بكلمات عجزت عن فك شفرتها أو تفسيرها وهي بكل هذا التشتت والضياع.
سألته محافظةً على المسافة بينهما (إيه بيحصل؟ خلاص كدِه يا حمزة؟ ما صدجت طلبت منك تتجوز وأمي سمحتلك؟)
قطب وهو يعتدل بجسده، يبتلع ريقه الذي جف من شدة توتره وما يراه بعينيها من أشباح مخيفة تروّع أمان قلبه وتطرد حمامات السلام عن نفسه.
سألها بعجز وعدم إدراك لما تعنيه (مش فاهم يا سكن)
سألته بحدة وغلظة شديدة مستنكرة (كد كدِه يفرج معاك الموضوع يا حمزة؟ حياتي معاك خلاص متوجفة عليه هو؟ دِه كل الي هامك بس ومش جادر تصبر)
شم رائحة عفنة تفوح من جيفة كلماتها، أقترب يهتف بحاجبين التصقا (جصدك إيه؟)
رأت زهرة تقف على باب الحجرة متحمسة تستمع لهما في تعجب، فقالت بغضب مجنون وكلماتها تمتطي جواد السخرية وتركض به فوق خاطره ساحقةً( جولتلي مش فاهمة الجواز وهي بجا فهماه وهترضيك، هتديك الي عايزه؟ )
استوعب كلماتها، فهم مقصدها الخبيث فهتف بفظاظة (برضو مفيش فايدة، دا ظنك فيا؟ كد كدِه شيفاني عفش يا سكينة؟)
بصقت كلماتها بترفع وغرور ونفور يستوطن نظراتها متربصًا به كقاتل مأجور  (لااه شيفاك كداب، متفرجش حاجه عن هشام بالعكس هو كان واضح وحاول، وفهمني غرضه مني مجالش بيحبني وملى دماغي بكلام في الهوا)
أمسك بذراعها وهزها صارخًا يوقف كلماتها القبيحة (اكتمي ايه الي بتجوليه دِه يا مخبولة إنتِ)
نفضت ذراعه عنها في غضب مستعر، ابتعدت صارخة (مش عايز أكمل معاك، مش هستنى لما الهانم تجولك  طلجها)
بصقت كلماتها واتبعتها بنظرة جحيمية لزهرة الواقفة تستمع بصمت، لا تفهم لكنها مستمتعة.
دفعها للخارج وهو يزعق بغضب جاءت والدته راكضة تسأل (في إيه مالكم؟)
دفع جسدها ناحية والدته صارخًا (خديها من هِنا)
عادت إليه في عزم لا يلين، وقفت أمامه بثبات مطالبة  (جبل ما تعمل أي حاجه يا دكتور طلجني الأول أنا مش خدامة ولا ماليش أهل عشان أجبل الوضع دِه ولو أمي بتحبك ووافجت أنا لاااه)
رمقها بسخط وهو يطلق شرارات محذرة، يكاد يجن من فرط الذهول وكلماتها تمر على عقله(على أوضتك دلوجت يا سكينة)
قالت متحدية بغضب (مش همشي ومش عايزه أكمل معاك ولا طيجاك مش هجعد استنى لما تحن عليا وتفضى تجيني عشان مش هتاخد الي عايزه مني)
صرخ فيها بغضب ملعون وهو يعاود دفع جسدها (سكينة اخرسي وامشي دلوك )
صرخت هي أيضًا متحدية رغم انقلاع قلبها من مكانه مع صرخته وصوت ورد من خلفها المتوسل (مش هسكت جميلك مش هجدر أرده بالي إنت عايزه فخلاص كل واحد يروح لحاله عملت الي عليك)
رمت نظراتها تجاه زهرة الواقفة تضم أختها متفرجةً بإستمتاع وتشفي، قالت سكن في احتقار (اشبع بيها تستاهلك وتستاهلها زي هشام)
اتسعت نظراته في ذهول واستنكار مما نطقت به، وقف متصلبًا مكانه، بينما ورد تحاول سحبها للخارج خوفًا من القادم لكنها متشبثة بغضبها متمسكة بقرارها الأرعن، رمقته بنظرة مستخفة ساخرة فصرف زهرة وقد فاض به الآسى(امشي يا زهرة لو سمحتي)
سحبت زهرة أختها وغادرت معتذرة، ترسم الآسف الكاذب على ملامحها.
حاولت ورد تهدأتها وهي تسحبها للخارج بقوة لكنها رافضة التحرك، مما دفع حمزة أن يسحبها ويطلب من والدته بهدوء(أمي سيبينا لوحدنا)
جادلت ورد بقلق (لاااه يا حمزة استهدى بالله)
تحلى بالصبرة والقوة وتوسلها (إرجوكي يا أمي سبيني معاها)
غادرت ورد تجر ساقيها جرًا في حزن ووجع ودمار مما سمعته ونطقت به الصغيرة فظهر جرحه بقلب ولدها، خاصة مع وجود زهرة واستماعها لكلمات سكن القاسية والقاسمة له.
ما إن خرجت والدته حتى هتف وهو يقيد ساعدها بكفه ويهزها في غضب تختبره منه لأول مرة (شيفاني واطي جوي كدِه يا بت الخال)
صمتت متسعة العينين في ترقب وإرتجاف ليدفعها تجاه الحائط بقوة وهو يقول من بين أسنانه (حمزة الي إنتِ بتجولي عليه مش عايز غير جسمك، اتجوزك واتطلب منه يدخل عليكي ومرضيش، عشان ميأذكيش، أنا لو عايز كان من تاني يوم ووجتها كنتِ هتجبلي غصب عنك يا بت الخال)
عادت بذاكرتها للماضي، لتسخر منه في احتقار قسم ظهره (عايز تدفعني تمن شهامتك دلوجت معايا وتخليني معاك وتتجوز زهرة)
دفعها مرة أخرى ساحقًا مقاومتها الضعيفة (إنتِ ليه بتعملي كدِه؟ غلطت معاكي فأيه أنا؟)
قالت ونظراتها تنزرع في لجتيه (أنا مش عيزاك يا حمزة كارهة وجودي معاك)
ارتد للخلف مصعوقًا من كلماتها، يتنفس بصعوبة ونظراته تبحث في عينيها عن حبيبته المنبهرة به على الدوام، طيبة القلب الحانية التي تخشى حزنه وتعبه.. أخفضت بصرها في رفض وعناد.
قال بنبرة مبحوحة من تحت ركام الأماني المتهدمة صادقًا (عارفة يا بت الخال حبي ليكِ مكانش مشروط.. عايزك جنبي اكتملت بيكِ فضل، كنتِ أم أولادي نعمة... كملتي معايا كرم من ربنا وعوض.. حبيتك كدِه وكنت عايزك كدِه، كنت شايفك سكني ومسكني وسكينة وملاذ قلبي، بيكِ اكتمل وبحبك ارتوي، مهما كان البُعد كنت هفضل مستني اكتمالك بين ايديا وراضي، زهرة جدامي بجالها سنين فضلتك عليها)
لانت ملامحها الجامدة، اتسعت نظراتها فوق ملامحه المتألمة المتلوية بألم يشق الصدور، فأردف وهو يبتعد عنها ( لكن دلوجت أنا كمان مش عايزك ولا فارجة معايا عايزه تمشي أمشي عايزه تطلجي وماله، إنتِ ط….
دخلت ورد مندفعة كعاصفة، صرخت به محذرة (اوعاك يا حمزة تعملها المرة دي جلبي أنا الي هيتكسر)
بهتت ملامحه وحملق فيها غير مصدق، توقفت الكلمة في حنجرته نازفةً فاقتربت منهما ورد موجهة حديثها لهما (طايحين فبعض ومش محترمين حد ليه؟ )
حاولت سكن التوضيح فصرخت بها ورد غاضبة (اسكتي خالص)
أردفت ورد لحمزة بحزم (امشي دلوجت)
وقف بعناد، قال صارخًا في عتاب وألم وهو يشير لها (بت أخوكي بتتهمني إني حقير مش شايف ولا عايز غير جسمها ولإني مطولتوش هشوف غيرها، أنا الي مجربتلهاش أمبارح غير لما استأذنتها ووافجت، بت أخوكي بتنكر كل حاجه وجاية دلوجت تجولي مش عيزاك ولا طيجاك إنت متفرجش عن هشام فحاجه)
كتمت ورد شهقتها بباطن كفها المرتجف وهي تطالع سكن بعدم تصديق امتزج بذهولها ورعبها مما تراه بعيني ولدها.
رمقها حمزة بنظرة تقطر حزنًا وهو يخبرها (جعدت ٥سنين على الغالية، مفرجش معايا الي بتتهميني بيه دلوك، شكلي غلطت يا ورد لما فتحت جلبي لواحدة لا بتفهم ولا بتجدر ولا ليها عزيز )
توسلته ورد بنظرة دامعة مرتجفة وهي تراه بكل هذا الإنكسار، فوضع كفه موضع قلبه المتألم وقال في قوة
(مش عايزك ياسكن لا دلوك ولا بعدين لا إنتِ ولا غيرك، الي بينا جطعتيه خلاص)
صرخت بهستيريا وتهور (عادي مفارجش معاي ولو راجل صُح طلجني وسيبني امشي )
دفعها بغضب شديد وهو يندفع للخارج صارخًا (يلعن أبو جلبي الي حبك وفكرك بني آدمه بتحسي وتفهمي وتجدري)
خرج من باب الشقة صافعًا الباب خلفه بقوة هزت حوائط البيت وزعزعت أركانه، تركت سكن ورد واقفة  وانعزلت بحجرتها بينما ورد تستند على الجدار في تعب وتهالك مستغفرة محوقلة تدعو في بؤس وتبتهل في انكسارٍ ومذلة.
******
دلفت لداخل الموقف الخاص بالحافلات بحثت عن تلك التي تخص قريتهم حتى وجدتها، اقتربت تتأكد من السائق الذي ابتسم لها وهو يجيبها بميوعة ونظراته الوقحه تمر على جسدها بتأمل خبيث جلب نفورها وغضبها لولا ضيق الوقت ما دخلت تلك السيارة، حدجته بنظرة غاضبة زاجرة قبل أن تدخل وتجلس في آخر كرسي بالحافة والذي كان فارغًا تمامًا، داعيةً الله ألا يجلس بجانبها رجلًا..
رمى سليم السلام ووقف رافعًا رأسه يطالع السيارة من الداخل بنظرات سريعة ليعرف موضع جلوسه، دق قلبه حين رآها جالسة تمنح المارة من النافذة  نظراتها في سخاء واهتمام لا تلتفت لأي شيء حولها ولا يعنيها ما يدور..
أشار له السائق بسماجة وسخرية (اركب يا مولانا)
نظر للكرسي الأخير بالحافلة قليلًا مفكرًا ثم ابتعد ومال ناحية السائق يهمس قبل أن يصعد ويجاورها على الناحية الأخرى من المقعد.
هتف السائق بصوت جهوري جذب انتباهها (خلاص حملنا على بركة الله)
تعجبت في نفسها مما يحدث وترّك السائق جوارها فارغًا على غير العادة دون أن يحشر أحد جوارها مُعللًا (الكرسي بيشيل ٤ يا أبلة)
أمسكت بحقيبتها تبحث عن أموالها حين نادى السائق (الأجرة)
لكنها توقفت على صوته وتنبيهه التالي (حساب الكنبة الي ورا مدفوع)
قطبت في ضيقٍ وشك، هتفت برزانة (مين دفع يا حضرت؟)
سخر منها السائق ضاحكًا في سماجة مما جلب الضحكات لجميع الأفواه (حضرت)
ابتسم سليم رغمًا عنه، رغم انزعاجه من إحراجها وانتباه الجميع على صوتها والتفاتتهم ليروا صاحبة الذوق الرفيع مع هذا السمج.
تمنى لو دفع الأعين عنها أو أحاطها بسور مُخفيًا لها، خشي في نفسه أن يفتن الجميع بها كما فُتن هو
همس داخله بتنهيدة وهو يغض بصره (كيف لسليم ألا يغار يا عالية المقام وعرش حبك فوق قلبي يُقام ؟)
منحت من يجلس أمامها ورقة نقدية قائلة (اديها للسواج لو سمحت)
صمت سليم مترقبًا، ليأتيها صوت السائق منزعجًا (ما جولنا مدفوع يا أبلة)
قالت بغضب ونبرة حادة (معرفش حد في العربية وطالما كِده محدش غريب يدفعلي)
همس سليم مبتسمًا (غريب سليم في مُدن هواكِ يتخبط)
حمحم سليم ونطق موجهًا كلماته إليها (خلاص يا أستاذة عندي)
رمقته بنظرة مستاءة مستهينة قبل أن ترمي تجاهه الأموال قائلة بكبرياء وترفع (لاااه شكرًا أنا معرفكش)
هتف ببعض الضيق وقد انقسم الركاب لنصفين نصف يستدير برأسه متابعًا بحماس كأنه يشاهد مباراة ونصفًا يرمي السمع بإستمتاع (خلاص يا أستاذة عيب)
أشاحت في صمت بعدما تركت الأموال فاصلًا بينهما، ثالثًا يجاورهما محددًا مسافة بُعد كل منهما عن الآخر، تنهد سليم وقد أصابت حركتها وترًا بقلبه
المال هو الفاصل بينهما، هي عالية المقام من أغنى عائلات بلدتهم وهو من متوسطي الحال والدخل ربما يعدّونه في بلدتهم وسط الأثرياء من فقرائها المهمشين.
والده كان مزارعًا يعمل بقوت يومه، فقيرًا لا يملك سوى المنزل الذي يسكنون فيه حاليًا وقام هو بتجديده والتغيير منه وبناء شقة له في الدور الثاني.
مات والده وترك له والدته وأخته ليتحمل مسئوليتهم عن طيب نفس ورضا.
شردت عاليا في هذا الجالس جوارها منكمشًا كأنه يخشى ملاصقتها وهي الذي يفصل بينه وبينها مكان جلوس شخصين، تعجبت في نفسها من كرمه واهتمامه ألا يجاورهما أحد بالطبع نقّد السائق ليسمح له بذلك.
تذكرت يوم صرفها من المسجد بغلظة وفظاظة فامتنعت عن الذهاب وتكاسلت عن الحفظ بعدما علمت أنه هو من سيتولى أمرالحلقة وسيتابع معهن.
وصلت أخيرًا ليهبطا سويًا قاصدين نفس الطريق.
حتى تفرقا في نهايته.
استقبلت أبرار مجيئه بفرحة كعادتها، تناولت منه الحقائب البلاستيكية وفضتها قائلة (ليه كل دِه يا سولم)
ابتسم قائلًا وهو يجلس مستريحًا على أقرب آريكة (هروح جنا ومجبلكيش الي بتحبيه ينفع برضو)
ضحكت قائلة بفرحة ونظرات متوجة بالإمتنان (لا مينفعش يا أخويا يا حبيبي)
تصنع عدم الاهتمام وهو يسألها متلهفًا لإجابتها (هي البت الي كانت موجودة الحلقة الي فاتت ومشيت، مرجعتش ليه؟)
قطبت متسائلة وهي تجاوره في جلسته (جصدك عاليا؟)
ابتلع ريقه وسيطر على انفعاله حين ذُكر اسمها قائلًا(مش عارف تجريبًا)
زمت شفتيها بضيق، قائلة (مفيش غيرها الي مشي ومرجعش أنا معايا كل الأسماء)
سألها متعجبًا من رد فعلها الغريب والضيق العالق بنظراتها (مالك اتضايجتي ليه؟)
صرّحت بحنق وتنهيدة مستاءة (مبحبهاش البت دي مغرورة ومناخيرها فالسما)
سألها وقد أصابه ضيقها بالحزن والغم (ما إنتِ كنتي صاحبتهم حصل إيه؟)
نهضت واقفة وهي تخبره (سكينة بس الي كانت صحبتي، هي لاااه ومكانتش تحبنا ولا نحبها ولما حصل الي حصل زاد كرهها لينا)
صمت مطرقًا بتفكير، لتردف أبرار شاكيةً له سوء معاملتها (شافتني مرتين في الجامع ضايجتني بالكلام وكشرت فوشي كأني عدوة)
ضم شفتيه بضيق وهم، لتجاوره من جديد متسائلة (بتسأل ليه عنها المتكبرة دي؟اصلًا البنات جالولي مش هتيجي تاني)
ضيق نظراته فوق ملامحها يسأل بتفهم (أكيد عشاني أنا؟)
قالت مترددة  بتوتر وإشفاق (بصراحة أيوة وجالتلهم لا يمكن تحفظ  معاك لو جه شيخ غيرك يجولولها ترجع)
ابتسم مهونًا عليها، يهتف وهو يربت على خدها بحنو ماحيًا ألوان الحزن عن محياها الجميل (هي حرة عنها ما جات متزعليش نفسك إحنا مبنحفظش بأجر كله لوجه الله تعالى،الله يهديها أنا مش خسران هي الي خسرانة)
تأففت أبرار قائلة (أحسن والله إنها مشت كل حلقة كنت أرجع باكيه بسبب كلامها الي زي السم)
غامت نظراته بالحزن لأجل فتاته العابسة، فربت على خصلاتها مهونًا عليها بلطف كلماته (ربنا يهديها سيبك منها فهمت أو لا)
ابتسمت عائدة لبشاشتها ومرحها، تقول بينما تنهض (غير هدومك هجهز الغدا بسرعة عشان تريح شوية قبل ما نروح الحلقة)
هز رأسه موافقًا على قولها قبل أن ينهض متجهًا لحجرته وقد ساءت نفسه من كلمات أخته وأفعال عالية المقام التي لها من اسمها نصيب.
***************
دخلت نفيسة المطبخ وهي تعصب رأسها متأوهةً بألم، تمسك برأسها وهي تجر جسدها الثقيل جرًا.
(يا مخي، شواكيش بتخبط فيه)
وقفت متصلبة على عتبات مطبخها تحملق في موضعٍ ما، تبخّر تعبها ومنحها الغضب قوة خارقة
جعلتها تصرخ بهستيريا (يا مرررري)
توقفت كريمة عما تفعل، وجّهت نظراتها لنفيسة مستفهمةً عن سر تلك الصرخة والنظرات الغاضبة
دلفت نفيسة للداخل زاعقة وهي تشير للفوضى العارمة في المطبخ (إيه دِه يا واكلة ناسك)
نقّلت كريمة العلك بين ضروسها في مبارة غير متكافئة القوى بين الفكين وهي تقف متخصرة تسأل بتأفف لفظته بوجه نفيسة (ايه خير يا حماتشي؟ )
امسكت نفسية ببعض الأواني زاعقة (مين الي هيغسل وينضف دِه يا حزينة؟ وداخله المُطبخ ليه من أساسه بتعملي فيه إيه؟)
ابتسمت كريمة بإستفزاز وهي تخبرها ببرود (بحضر غدا لسعد وبالمرة بصور فيديو لمتابعيني أوريهم مطابخ الصعيد)
ضربت نفيسه على صدرها مستنكرة قولها وبرودها الذي يثير غضبها ونقمتها على ولدها (فيديو إيه؟)
قالت كريمة وهي تلف خصلة من شعرها حول سبابتها وهي تميل في غنج (أصل أنا بلوجر يا طنط وعندي متابعين)
ضيقت نفيسة نظراتها فوق وجهها مستفهمة (ب.. بلوجر إيه دهِ كمان؟)
زفرت كريمة بإستياء منزعجة، لتعتدل في وقفتها وتلوّح بنفور (أووف)
أشارت نفيسة للفوضى وهي تجوب المطبخ بنظراتها (طيب لمي الي نيلتيه دِه ونضفي وأغسلي المواعين)
شهقت كريمة مستنكرة قولها وهي تطالعها بنظرة منتقدة (أا إيه يا طنط؟ ليه من قلة الشغالين؟)
قالت نفيسة بغضب عارم (معندناش شغالين والي بتساعدني بتاجي يومين في السبوع)
قالت كريمة بإمتعاض وهي تتتقدم من باب الخروج (وأنا مالي، أنا عروسة وسعد قايلي محطش يدي فحاجه وعملت الأكل دِه عشان طلبه مني لولا كدا مكنتش دخلت المطبخ ولا جيت جنبه)
استدارت نفيسة تلاحقها بنظراتها الغاضبة تسألها (أمال مين الي هيخدمك ويلم وراكي)
لفت كريمة رأسها لها قائلة بنظرة باردة (نزلي بنتك أو خدي مسكن وأعمليه إنتِ يا طنط) قالتها وهي ترمق عصابة رأس نفيسة بسخرية.. انسحبت كريمة وتركتها تدور كالثور في غضب وجنون ولسانها لايتوقف عن رمي الكلمات وطرد الدعوات من صدرها المشحون بالقهر :(منك لله يا واد بطني على الي عملته فيا دِه ومجايبك)
ضحكت كريمة مستخفة بمنطوق نفيسة، اعتلت الدرج وهي تدندن بإستمتاع وراحة.. حتى وصلت
فوجدت حجرة عالية مفتوحةً على غير العادة فتطلعت حولها بتوجس ومراقبة قبل أن تدس الهاتف بجيب بجامتها وتدلف للداخل مفتشةً
دارت نظراتها وجالت في الحجرة بإعجاب واضح وحقد، تنقلت بين أركانها تفتش بيديها قبل نظراتها.
فتحت الخزانة وتفحصت الملابس جيدًا وما أعجبها سحبته من شماعته وركنته فوق كتفها.
ما إن انتهت واستقر رأيها على بعض القطع حتى أغلقت الخزانه واتجهت لمكتبها، جلست خلفه وسحبت الأدراج مفتشة ً وجدت بعض الأموال فأخذتها ودستها بصدرها.. لتغلقهم وتنهض مغادرةً بعدما أعادت كل شيء مكانه،لمحت سلسالًا ذهبيًا فوق الكومود الصغير الموضوع بجانب الفِراش فتقدمت والتقطته، رفعته أمام نظراتها مبتسمةً بإعجاب واستحسان واضح قبل أن تنظر حولها تتأكد أن احدًا لا يراقبها أو يراها ثم دسته بصدرها جوار الأوراق النقدية.
التقطت أنفاسها وعدّلت من هيأتها مصففةً خصلاتها بأناملها قبل أن تسحب الملابس وتكورهم بين كفيها ثم تترك الحجرة مهرولةً لحجرتها.
لمحتها عاليا وهي تصعد فتعجبت من فعلتها، قطبت بقرف وغيظ لاعنةً أخيها ومجالبه السيئة وسوء اختياره الذي جلب الشؤم لمنزلهم وشحن نفوسهم جميعًا بالحزن والقهر.
ألقت نظرة سريعة على حجرتها وقد أثارت هرولة كريمة الشكوك في نفسها، لكنها وجدت كل شيء كما تركته مكانه فزفرت براحة واطمئنان وأغلقت الباب مغادرة لحجرة جدها مستقرها الآن ومستودع أفكارها وحديثها.
*****
بمنزل مودة حيث كانت تجلس أمام التلفاز منشغلة بتقطيع حبات البطاطس هتف عمار بتفاخر حائزًا على انتباهها (مودة جالها عريس مليح يا أما)
ابتلعت ريقها الذي جف بتوتر، تسيطر على ارتعاش كفيها بصعوبة متذكرةً المجنون الذي توقف أخيرًا عن مطاردتها وابتعد، حتى أن أخته انقطعت أيضًا عنها فلم تبادر بالسؤال واستحسنت الفعل لتنجو من خبله.
سألت راضية بلهفة وهي تجاور ولدها فوق الآريكة(مين دِه يا ولدي)
أجابها عمار بتفاخر ونظرات لامعة (حضرة الضابط زين صاحب حمزة)
ضحكت راضية بفرحة وهي تسأله (جالك ولا إيه؟)
أخبرها عمار وهو يتناول كوب الشاي الساخن من أمامه (كلّم خالي وجدي وهما جالولي أبلغك وأشورك وأشور مودة)
سألته راضية بنظرة لامعة (هما جولهم إيه؟)
هتف عمار قائلًا (بيجولوا مفيش أحسن من كدِه جوازه، حسب ونسب ومال)
انكمشت مودة لاعنةً له في نفسها، ضمت شفتيها في ضيق وغضب من تهوره وفعلته التي قصد بها إخضاعها ونيل موافقة الجميع والضغط عليها بعدما يئس منها ومن حمزة.
سألها عمار (إيه جولك يا مودة؟)
قالت بصوت مختنق بالحزن والقهر (مش مستعدة دلوك للجواز لسه بدري توي ارتحت من الكلية والمذاكرة وكمان عايزه أعمل دراسات عليا)
سخر منها عمار في فظاظة (دراسات إيه يا أختي عُليا إحنا ما صدجنا خلصتي عشان الدخول والطلوع والروح والجي)
تركت ما بيدها والتفتت له متسائلة (يعني إيه؟)
أخبرها عماره بنظرة مستهينة هازئة (يعني مفيش)
قالت بتحدي وهي تنهض ممسكةً بطبق البطاطا المقطع (خلاص وأنا مش عايزه اتجوز دلوك)
زعق عمار مستنكرًا قولها في ضجر (هتجعدي تعملي إيه؟) ثم التفتت لوالدته الصامتة يخبرها (ما تعجليها يا أما هي دي جوازة تترفض)
قالت راضية في مؤازرة ودعم لفتاتها (براحتها يا ولدي أهي جاعدة مونساني وواخده بحسي)
هتف بغضب (بدل ما تعجليها يا أما)
ابتلعت مودة كلماتها، احتفظت بها داخلها فلو فعلت لنشبت حربًا جديدة بينها وبين عمار الذي تتجنبه قدر المستطاع وتبتعد عنه وعن مهاتراته خوفًا من نزاع دائم يضايق والدتها ورغبة في الهدوء والراحة.
ليست فحاجه لعناد معه وصدام يورثها ضيقًا وكرهًا يكفيها من تحمله له بين جنباتها بعد حادث أختها وموقفه البغيض المخزي منهما… وأنانيته المفرطة
لم تتصور أنه يسافر القاهرة ويترفع عن مقابلة حمزة ورؤية أخته، بل يترك والدته ووقت المغادرة ينتظرها بالأسفل كأن بينه وبين أخته وحمزة تارًا يمنعه ويكبل مودته الفطرية التي لا يتمتع ولو بجزء  قليل منها على الإطلاق.
أفاقت من شرودها على رسالة فسحبت الهاتف من جيب عباءتها البيتية ورفعته تفضها (استعد يا متهمة هتلبسي الأساور قريب، قلبي مش هيقبل بأقل من مؤبد 😉
أبقي خلي الشيف ينفعك وحياة أمي لأعاملك معاملة المخبرين يامودة أدب ليكي يا بتاعة ٢٠٠جنية)
#انتهى

Continue Reading

You'll Also Like

473K 28.5K 57
قصه من أرض الواقع.. بقلمي أنا آيات علي ها أنا قد خلقتُ من الظُلم و العذاب الذي جار علي من وحش جبار فہ لقد وقعت بيد من لا يعرف معنى الرحمه و انهُ ذو...
1.5M 120K 52
قصة حقيقة بقلمي الكاتبة زهراء امجد _شال ايدة من حلگي بعد مصاح مروان رجعت كملت جملتي اكرهك انت اناني متحب بس نفسك كأنما معيشنا بسجن مو محاضرة !!! مروا...
2.8M 189K 73
النبذه :- فَي ذَلك المَنزل الدافئ ، المَملوء بالمشاعرِ يحتضن أسفل سَقفهِ و بين جُدرانه تِلك الطفلةُ الَتي كَبُرَت قَبل أونها نُسخة والدها الصغيرة ...
6.4K 405 6
انفتح باب الشقة ألمقابلة لشقته ليفاجأ برؤيتها هي أمامه: -مساء الخير. القت تحيتها بروتينية ككل مرة تراه بها، وهي تٌخرج الكيس الأسود للقمامة خارج الشقة...