الرابِع عَشر|الخَيط الرَفيع

929 123 81
                                    

ضلَّعت زُرقة السَماءِ المُتفحِمة في خَلقِ أُمسِية جَذابة دسَت بالصُدورِ الرَحيبةِ شعورًا مغمورًا بالراحَةِ والسَرورِ طرَب لَه قلبُه الَذي إرتَج بضلوعِه بَينما يخرُج مِن البَيتِ بَعد قضاءِ يومًا مِثاليًا غير متوقعٍ مع قاطَنِيه.

إلتَفت هارَولد لمُواجهةِ ويندِي الَتي إستقَرت على عتبةِ البابِ ناظِرة لَه ببَسمةٍ ساحَرةٍ والنَسيم يُناوِر خصلاتَ شعرِها الَتي إرتخَت عن مسكتِها فأعطَتها طَلة أنعَم. طَلة أنثوِية خلابَة سَحرته.

"لقَد كانَ يومٌ عظيمٌ. لقَد إستَمتعت."بادَر معبِرًا. إبتَسم بطَيبٍ مقلِصًا خطواتَهما كَي يتطلَع إلى بُنيتيّها كحَبةِ الشُكولاتةِ تلتمِعا بقُرِ عَينٍ مترجِمة ما عانَق روحَها مِن سَكينةٍ بَينما تَهِز رأسَها بخَفةٍ. "وكذَلِك نَحن."

"شكرًا لكِ على العَشاءِ."

"شكرًا لكَ على الوَرودِ."

كانَ يُماطِل وكانَت تستجِيب. رُبما لَم يلعَب ذلِك اليَوم. لَم يُغازِل طَرف ثوبِ امرأةٍ جَرى أمامَه ولَم يُفرِط في الشَرابِ حَتى الثَمالةِ. ولكِنه حَظى بيَومٍ دافَئٍ عائلَيٍ أيقَظ بداخِله شعورًا كادَ ينسَى ماهِيتَه تمامًا.

كانَ تائِهًا بعُمقِ نظراتِهما المُتوائِمة للَحظاتٍ فرَقها ظِل تشارلِي القَصير الَذي إستَقر جِوارَ أمِها الَتي تحمحَمت بإحراجٍ وهارَولد يَدنو إلَيه ببَسمةٍ مُشاغبةٍ. "لقَد كانَ مِن الجَيدِ مُقابلتك مجددًا، سَيد مارشِييل."

إبتَسم تشارلِي للَمسةِ هارَولد المُداعِبة لرأسِه،وناظَره بعيونِه البَريئة بلَهفةٍ. "هَل ستُحضِر العُصفورات مَعك بالمَرةِ المُقبِلة؟"

"فَقط لَو دَعتنِي أُمك الجَميلة للعَشاءِ مجددًا في وَقتٍ قَريبٍ."حَرك هارَولد حَدقتَيه المُتوهِجَتين كشَهابينِ طَعنتا عيونَ ويندِي الَتي لم تَلومه لغَزلِه فِيها أمامَ طفلِها كَما توَقع، بل إبتَسمت بكُل إشراقٍ.

"إنكَ مُرحب بِكَ دومًا هُنا، سَيد سيجرِيد."

كانَ سعيدًا بزَوالِ ذلِك الخَيط الرَفيع الَذي نسَجته بينهُما مِن قَبلٍ. كانَ مسرورًا لكَونِه أمسَى قريبًا لَها بخُطوةٍ وكادَ يُهشِم تِلك الطَبقة الكَريستالِية الَتي غلَفت نفسَها فِيها عَنه.

"يُجدر بِي الذَهاب الآن."
أشارَ تشارلِي لَه مودِعًا ورَفع هارَولد قبَعته إلَيهِما قَبل أن يَنعطِف للطَريقِ محتفِظًا ببَسمتِه الصادَقةِ على وجهِه شاعِرًا بمَا يتجَذر بين أنقاضِ قلبِه مِن ثَمارٍ تَنع بين اللَحظةِ والأُخرى كالجَنينِ في الرَحمِ يَنمو بوَداعةٍ.

كانَت أُمسِية غَريبة مَرت على مَدينةِ لَندن الضَبابِية. أُمسِية عانَقت بجوفِها الكَثير مِن المَشاعِر المُتنافِرة ودَوت في سماءِها كلِماتٌ صامتةٌ ماتَ صوتُها في قَلبٍ خارَ بهمٍ. قلبٍ هامَ بشَجنٍ. وقَلبين عَششا بوَلعٍ.

Lady Casanova.Where stories live. Discover now