الثالِث عَشر|الوَجه الآخر للعُملةِ

954 130 91
                                    

لَو كانَ لشَمسِ الصَباحِ عيونًا..فهِى لم تُشرِق على بيتِ بالَوم ذلِك اليَوم. لم يُغمض للمَساءِ جِفنًا وظُلمته التَعيسة تَشهد شَظايا لَيلة بائِسة عذَبت قلبًا هائِجًا سمَح لآلامِه بالأنبثاقِ بكُل قوةٍ ترَكت آثارَها جَلِية للأنظارِ.

دفَع سِيمون بابَ المَنزلِ خَلفه وأنزَل حقيبَته أرضًا بوجهٍ مُتفاجئٍ طالَع ما عَج الرَدهة الواسِعة مِن زُهرياتٍ مُهشمةٍ ووَردٍ هَوى على الأرضِ بشَجنٍ جعلَه يَتنهد بعُمقٍ غلَله حسرَة دَفينة.

"نَهر! نَهر!"دَعى خادِمة البَيتِ الَتي هرَولت مِن حُجرةِ المَعيشةِ بثَيابٍ تلَوثت ببُقعِ نَبيذٍ الأحمَر مِنه والأبيَض، فلَم يحتَج ليتسائَل عن مَصدرِه الحَقيقي..فلَقد كانَ المَشهد القابِع أمامَه لَيس إلا وجهًا طبِيعيًا لحَياةٍ غَير طَبيعيةٍ.

"أينَ سيڤين؟"

"فِي حُجرتِها، سَيدِي."
أطَل عَبر بابِ حُجرةِ المَعيشةِ للَحظةٍ، ليَجِد الوَضع آسوء حالًا حيثُ نُثِر الزُجاج بشَتى النَواحِي وإنتشَر دَمار المَزهرياتِ الأثَريةِ بكُل ركنٍ مُترجِمة ما إعتَمر ذلِك المَكانِ من ثَورةٍ عَنيفةٍ.

خلَع مِعطَفه وقُبعته بهدوءٍ،وطالَع السُلم القاصِي للأعلَى بعُيونٍ قلِقةٍ. "كَم أستَغرقت نوبَتها هذهِ المَرةِ؟"

"لدَقائِق مُتفرقةٍ طِوال اللَيلِ. وعِند الشُروقِ خرَجت للحَديقةِ لتجلِب بَعض الياسمَينِ قَبل أن تعتكِف في غُرفتِها حَتى الآن."

أومأ سِيمون بصَمتٍ مشيرًا للخادَمةِ بالعَودةِ إلى تنظيفِ ما أحدَثته شَقيقته الكُبرى مِن فَوضى أمسَت روتينًا معتادًا يقَع في كُل إسبوعٍ تقريبًا. مع إختلافِ الأسبابِ والظُروفِ.

لم يكُن مِن السَهلِ في البَدايةِ التأقلُم مَع نوباتِ غضبِها العَنيفةِ الَتي إشتَملت أحيانًا على بَعضِ الكلَماتِ القاسَيةِ والمُهينةِ..والَتي تُشعِرها بالحُزنِ الشَديدِ بعدَما تهدأ وتستَعب ما قامَت بِه، ولكِن مع مُرورِ السنواتِ إعتادَ علَيها وأصبَح كفئًا في كَيفيةِ التعامُلِ معها.

فكانَ يتجَنبها طِوال النوبةِ حَتى تَستعيد رُشدها مِن جَديدٍ.

وَقف أمامَ بابِ الحُجرةِ الموارِب، مستنشِقًا رَحيق ياسمَينٍ نفاذٍ زكَم آنفَه وألحانٌ عذبةٌ طرَقت آذانَه قَبل أن يطرُقه بلُطفٍ شَديدٍ ويَلِج مرحبًا بظَلامٍ دامَسٍ لَم يثقُبه إلا ضَوءٍ ضَعيفٍ تسَلل عبر الستائرِ كَي يُنير جزءً مِن وجهِها الساكِن.

"سيڤين."دَعاها بهَمسٍ. تآمَل ما بُسِط علَى أرضِ المَكانِ وصُندوق الموسيقَى مِن بَتلاتِ ياسمَينٍ ذابِلَة مَع المَبخرةِ الَتي نثَرت ذلِك العَبيرِ بقوةٍ جزَعته. كانَت الشَقراء تتوسَط فراشَها ويدُها المُلوثة بآلوانِ الطَلاءِ تُمسِك بقَلمِها الصَغير الذي مسَد داخِل دفتَرِها بشُرودٍ كنَفها.

Lady Casanova.Where stories live. Discover now