الحادِي عَشر|حُمى مُصيبة للقُلوبِ

1.1K 139 108
                                    

لَا يُمكِنه أن يَصِف نهارَه بالجَيدِ. هو حَتى لم يقترِب مِن ذلِك. كانَت خُيوط اللَيلِ تَكاد تَكون بازِغَة تشوبَها بَعض لَمسات الغُروبِ المولِي الناعِمة الَتي أنارَت لَه غَمام يومِه الكَئيب الَذي مَر علَيه بثَورةٍ مندلِعة بصَدرِه المُختنِق.

على ضَوءِ شُموعِه عَقد ربطَة عنقِه السَوداءِ بوَجهٍ مُنقبضٍ لم ينبسِط لوَهلةٍ رَيثما تُحيد أصابِعُه الرَفيعة غرَته نَحو صَدغِه كَي يكشِف عَن زَرقاويينِ لمَعتا كقَمرٍ لَيليٍ مُعتمٍ بوَجومٍ.

لَو كانَ الآمر راجِع لرَغبتِه، لمَ فكَر حَتى بقُبولِ دَعوة حَفلٍ سيَكون ممتلِئًا بالتَلميحاتِ والنَظراتِ ورُبما تمهيدًا لَه كَي يَفتح مَوضوع الزَواجِ. ولكِنه فكَر مِن الناحَيةِ العَمليةِ، لا بأس مِن معرِفة الوَضع ورؤية الفَتاةِ، علَّها تَروق له ويُغير رأيه بأكمَلِه.

عَبث بعُروةِ قميصِه بشَرودٍ تَحت سِتار اللَيلِ وهو يَقف جِوار العَربة الَتي لجَمها باترِيك منتظِرًا حُضور جَدتِه كَي ينطلِقا سوِيًا نحو الحَفلِ الثَقيل لقَلبِه. رُبما ما كانَ يُريحه هو معرِفة أن هارَولد لَن يُفوِت حفلًا كذَلك أبدًا..مِما سَجعله سندًا له لكَي لا يقَع بأي خَطأ.

لَم يستطِع رَدع عَينيه المُتبرِمتين مِن إختلاسِ نَظرة أو إثنَتين للبَيتِ المُجاوِر الَذي أُنير بهالَةِ غُموضٍ أزعَجته. لم يستطِع أخراجَ الشَقراء الحَسناء مِن ذهنِه ولَم يتمكن مِن إطفاءِ ما ولَعته بصدرِه مِن نيرانٍ مُتظاهرةٍ.

لم يقُل الكَثير حينَما حضَرت جَدته بثَوبِها الأنيقِ المُهندم سِوى تَحِية بَسيطة قَبل أن ينطلِق باترِيك سائِق العَربةِ بالجَيادِ بَين الطُرق والشَوارِع الفَسيحة لمَدينةِ لَندن نَحو قَصرِ البارَون أليكسَندِر لورانَس.

كانَ لحنُ القيثارةِ متهاوِدًا بنُعومةٍ مَع لحنِ الكَمانِ خالِقة مَعزوفة طارَت بآرجاءِ القاعَة الواسِعة المُزينة بالثَرايا الكريستالِية ذاتَ الشُموعِ الموقَدةِ شاهِدة على آخرِ لَمسات الحَفلِ.

وَقف البارَون لورانَس يتسامَر مدردِشًا مَع بعضِ ضُيوفِه المُبكِرين والمُميزينِ والخَدم يتحَركون عالِيًا وآسفلًا بالقاعَةِ بصَينياتِ الحَلوى وكؤوسِ النَبيذ الفاخِر برَشاقةٍ. لَم يكُن الدَور العُلوِي للبَيتِ بمُنقطعٍ تمامًا عَن المَعزوفاتِ الهادِرة حيثُ داعَبت آذانَ السَيداتِ بلُطفٍ.

"إسحَبِ أكثَر، فِرَيا."آمرَت البارَونة إيميلِيا الخادِمة الَتي سَحبت أربِطة مَشد الخَصرِ حَول صَدرِ إبنتِها اليافِعة هازِيل الَتي تشَبثت بشراشِف السَرير مُحاوِلة إلتقاطَ آنفاسِها وقَمع آلامَها.

"أُمي. هَل مِن الضَرورِي إرتِداء ذلِك المَشدِ؟"تَوجعت هازِيل بتذمُرٍ شاعِرة بضُلوعِها تتخَبط بضَيقٍ وأُمها تنظُر إلَيها عَبر مَراياتِها الكَبير مِنها والصَغير بوَجهٍ هادَئٍ جامَدٍ.

Lady Casanova.Where stories live. Discover now