42~《منحوتة》~ الأخير

174 26 22
                                    

رنيم ~ شتاء 2015

شارع بغداد، تقاطع الأزبكية-دمشق.

اندلع صوت بوق سيارة عنيف أحدث شقا في الهواء الثقيل الرطب، كان سائق السيارة رجلا في منتصف العمر يجاهد لإنزال زجاج النافذة بأقصى سرعة ممكنة ليتسنى له توجيه الشتائم نحو الفتاة التي سقطت أرضا فوق بقعة من الطين.

-أين من المفترض أن تكون عيناك!! حمقاء..!

قالها بينما يتابع طريقه.

بقت جاثية لثوان.

على بركة الماء، كانت ترى انعكاس وجهها.

بقعة زرقاء تحت شفتها السفلى كانت قد تشكلت بعد أن تلقت صفعة قوية.

ضربت يدها على بقعة الماء بعصبية فتعكرت الصورة لكنها سرعان ما عادت لصفائها، وبينما تفكر في أن شيئا لن يتغير أبدا في هذا العالم انذرفت دموعها.

وقفت على قدميها بترنح وحملت حقيبتها التي تبللت بشدة ثم مشت خارج التقاطع وسارت على الرصيف باتجاه المنزل..

هناك حيث أسوأ مكان يمكن أن يعيش فيه المرء بدمشق، شارع الثورة.

كان ثمة مسافة جيدة للسير، وبدأت الأمطار الهطول بشكل مخفف.

كانت -بينما تسير- تفكر في السبب الذي دفعها للهرب من المدرسة قبل قليل، حيث قامت إحدى فتيات صفها بسحب القناع الطبي الذي تغطي به أنفها وفمها.

كانت تخفي به أثر تلك الصفعة التي حصلت عليها من قبل والدها.. وتحول الأمر بسرعة إلى حديث رسمي في الفصل دفعها إلى الانفجار غضبا وألما.

كيف بدأ الأمر؟

لقد كانت الأمور سيئة منذ البداية، لكن الأمور تفاقمت منذ انتشر عناصر الجمارك يصادرون كل شيء حيث طاولات الباعة التي تسد الطريق، وكان لوالدها طاولة يبيع عليها الأحذية الرخيصة شأنه شأن الآخرين هناك.

لكنه خسر بضاعته كلها في يوم واحد وكذلك أمواله القليلة..ومنذ ذلك الوقت لم يعد يظهر في المنزل إلا في آخر الليل، ثمل، ومستعد لإبراح والدتها ضربا، وكذلك هي.

أخرجتها صفارة شرطي المرور من شرودها حيث توقفت عند الإشارة الحمراء تنتظر توقف سيل السيارات.

كانت زاوية لطالما أحبت الوقوف قربها برضا، حيث يفرض مركز كبير لألبسة السهرة هيمنته على المكان بأناقة واجهته الزجاجية التي ترزح تحت قطرات كبيرة من المطر.

ترددت في النظر إلى الواجهة كما اعتادت في السابق، ذلك لأن أفكارها السوداوية عادت لتراودها:

"هل يحق لفتاة مثلي أن تحلم؟"

دفعت حدقتيها نحو الواجهة الزجاجية متجاهلة شكوكها، هناك حيث التقتا بذلك الفستان الأسود الطويل الأنيق من الساتان ذي الصدر المقطوع والشق الذي يبدأ من أعلى الفخذ.

"الجانب الآخر من البحيرة"Nơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ