37~《حضن حقيقي》

171 26 10
                                    

(سوف أقتل ماريا)

ترك كوركيس الورقة من يده بذعر.. لم يعرف السبب الذي جعل القشعريرة تسري على طول جسده..

كانت جملة كالصخرة التي تخفي وراءها كهفا مملوءا بالحقد.. ساخنة كقوام اللهب تماما..

بها نكهة صدئة، أشبه برائحة الدم.

وذلك أن مشهدا مهيبا كان يختبئ وراءها لم يكن باستطاعة كوركيس إبصاره.. بل لعلها أعين ليونيد ذي السنوات التسعة وحدها من استأثرت به.

مشهد من عشرات المشاهد عمره حوالي عشرين عاما..

في قافلة طويلة يسير فيها جنود ماريا المنتصرين في موكب استقبل التهاني والصيحات الفرحة من كل مكان..

على جانبيه تجمع الناس يلقون الأزهار البيضاء في الهواء..

موكب سارت في مؤخرته عربة صغيرة يجلس فيها طفل واحد..

طفل لا تزال دماء والده على وجهه وملابسه، وحده هنا يصارع صدمة مقتله وسط آلاف الأصوات الفرحة المنتشية..

وحده يتألم لموت أبيه بينما يهتف الناس فرحا لذلك.. شعور قذر يكتسح قلبه..

إنهم يهتفون باسمها..

يهتفون بسعادة لبطولاتها وعظمتها..

لقتلها أباه وسكبها لدمائه على يديه هو..

من جانب العربة عبرت مجموعة بتلات بيضاء للداخل والتصقت إحداها على ملابس ليونيد في موضع تلطخ بالدم..

كانت عيناه متيبستين وجسده هامد تماما..

انزلق بصره نحو البتلة وبصعوبة شديده مد يده وأزالها ونظر لها..

على أحد وجهيها بياضها الناصع المضاء بالنصر والأمل، وعندما قلبها كان وجهها الآخر ملطخا بالدم.

اقترب بجسده نحو طرف العربة ومال ليتسنى له رؤيتها في بداية الموكب.

يتطاير شعرها بحرية من تحت خوذتها ويضيء ثوبها كسيدات الأرض في أعين الجميع..

الجميع باستثنائه هو حيث ثبت عينيه عليها من الخلف تماما..

استدار إلى حيث ترتفع النيران في قصر أبيه لأمتار وعلى وجهه ملامح الأسى قبل أن يعود للنظر إليها.

كان الوحيد الذي باستطاعته رؤية الجانب المظلم منها..

الجانب الملطخ بالدم.

ضغط على أسنانه وهبط سواد على جبينه..

"سوف يقتل ماريا"

.

.

ولج غرفا أخرى، كان الغبار يتحرك في المكان مع النسمات الآتية في الخارج، شعر بنفسه يتجول في مقبرة فارغة تسبح في هوائها الأرواح.

"الجانب الآخر من البحيرة"Where stories live. Discover now