عشق في حضرة الكبرياء

By le_yona

54.7K 1.4K 270

[مكتملة] ارتبكت في وقفتها. "أريدُ أن أسألكَ سؤالًا." رفع رأسه نحوها يتأمّل ارتباكها فاسترخى في وقفته ليتّكأ... More

Ch 1 ✔
Ch 2 ✔
Ch 3 ✔
Ch 4 ✔
Ch 5 ✔
Ch 6 ✔
Ch 7 ✔
Ch 8 ✔
Ch 9 ✔
Ch 10 ✔
Ch 11 ✔
Ch 12 ✔
Ch 13 ✔
Ch 14 ✔
Ch 15 ✔
Ch 16 ✔
Ch 18
Ch 19
Ch 20
Ch 21
Ch 22
Ch 23
Ch 24
Ch 25
End

Ch 17 ✔

1.5K 49 17
By le_yona


ابتسمت بِودٍّ للسيدة البشوشة التي فتحت لها الباب ودعتها للدخول ، استأذنت وصعدت الدرج لتتجه نحو غرفة صديقتها التي ترفض التحدث معها ، طرقت الباب عدة طرقات خفيفة ثم دخلت.. التفتت إليها صديقتها التي كانت تصفف شعرها مستعدة للذهاب إلى الجامعة.. استنكرت وجودها وتملكها الغضب
" يبدو أنكِ لا تريدين أن يبقى بيننا شيء حتى الاحترام نالين "
نالين.. التي قَدِمَت لصديقتها لم تكن كنالين المنهارة التي رأتها البارحة.. لم تكن كنالين الباسمة كما عهدتها.. كانت باردة، جامدة وكأن الأمر لا يعنيها.. وكأن ما قدمت لتقوله هو نشرة أحوال الطقس لا تبريرات كذبها
" أتيتُ لأقول ما علي قوله حتى لا أندم في ما بعد.. سواء رغبتِ بتصديقه أم لَمْ تفعلِ "
تجاهلت استنكار ياسمين لنبرتها اللاذعة وتنهدت بعمق تُردد
" أخبرتكِ أن لي عند زوج أمي طلب لا يمكنني ردعه.. كان ذلك الطلب هو زواجي "
قاطعتها هاتفة " لا يهمني.. لايهمني إن كان متزوجًا ، ومنكِ أنتِ.. تقتلني نفسي نالين.. تلك التي انهانت وهي.. "
قاطعتها نالين وصوتها يهتز.. بدأ جدار ثباتها يتصدع.. قالت بتذمر :
" لم أخبركِ لأنّي لا أَعُدُّه كذلك.. ليس صديقاً ، ليس عدواً ، وليس زوجاً .. نعم نعيش سوياً لكني أخرج قبل أن يستيقظ ، ويعود هو ليدلف لغرفته قبل أن أصل.. ليس هناك داع لإخباركِ وجرحكِ لأنه لا شيء "
قابلتها ياسمين بالصمت مشيحةً نظرها عنها.. التقطت نالين حقيبتها واستدارت خارجة.. عندما وصلت أعلى الدرج سمعت صوت انصفاق الباب، أدركت أنها قد فعلت المستطاع وأن الأمر قد انتهى .
لَمْ تقوَ على الذهاب إلى الجامعة.. عادت أدراجها إلى المنزل وهي تفكر به.. تتمنى بإكراهٍ تام أن يحتوى كسرتها ويجبر حزنها.. تمنت ولو أنكرت أن يكون موجوداً .
عندما دخلت الساحة المحاطة بعدة بنايات رأته ينزل من بناية شقته.. تأففت بغضب.. لا تريد مواجهة هذا خصوصاً وهي تدرك ماهية الزوبعة التي ستليها ،
كانت ترتدي خاتم زينة نزعته وارتدته في بنصر يُسراها.. أدارت الجوهرة التي تعلوه لداخل راحتها ليظهر على أنه دبلة زواج.. ناداها فورما رآها تماما كما توقعت..

********

لا تنكر أنها بحثت عنه وعنها.. كانت تتمنى أن تراهما معهاً مجدداً ..تراهما بطريقة تؤلمها علها تنساه وتسامحه.. كان غاضباً كعادته ، لم ترسل له برسالة أو ما شابه أو بالإحرى ليس بعد فلِمَ هو غاضب ! هربت لرواقٍ آخر عندما التفت لجهتها، هل علم يا ترى؟ هل أخبرته نالين أنها صاحبة الرسائل الغرامية ! رباه كيف سأواجهه الآن !
نظرت للمغلف الذي تحمله بين يديها ، لا ليست رسالة غرامية بل رسالة تنتقم بها لجرحها العميق.. ستخبره ، ستخبره أن نالين ليست من تدعي ، هي نالين مطر لا نالين أعمار ...
رجعت خطوتين للوراء وهي تتخيل موقفها أمامه اصطدمت بشيء خلفها فاستدارت فزعة.. هتفت مستنكرة " عمر !"
ابتسم عمر " صباح الخير ياسمينتي "
اعتدلت في وقفتها " صباح الخير.. ماذا تفعل هنا !"
" أقف بجانبك.. "
رفعت حاجبيها مستنكرة.. يقف بجانبها ! هل يدرك معاناتها ليفعل ! بادلته الابتسامة وهي مطمئنة ، لا تدري لماذا لكنها ستشفى.. ستشفى من حب آلمها قبل أن يرى النور .

******

فتحت عيناها وهي تشعر بألم في رأسها ، كانت الشمس قد بدأت تغيب.. رباه كم لبثت ! استنشقت الهواء بقوة وأخيراً تستطيع التنفس بحرية.. قطعت زفيرها وهي تدرك ماهية الرائحة التي غلغلت أنفها.. بارتجاف وحذر رفعت رأسها لتراه خلفها .. كانت ممدة على الأريكة الطويلة وهو يجلس خلفها على كرسي الطاولة الذي وضعه قرب رأسها ، مغمض العينين يكتف يديه على صدره ويمد قدميه إلى الأمام
" هل ستفقدين الوعي في كل مرة !"
أفزعها وكأنه يتحدث أثناء نومه.. عدّلت من رأسها وقد بدأت تعي ما حصل ، كانت منزعجة وحزينة.. انقطع نفسها فجأة ، جاهدت لأن تتنفس حتى بدأت تشعر بالدوار.. لابد أنها قد غابت عن الوعي فرأسها يؤلمها وجسدها متكسر
" قال الطبيب أن هذا ليس جيداً لكِ "
أحسّت به ينحني خلفها.. يهمس في أذنها " ما الذي أزعجكِ لهذه الدرجة"
راحت عيناها تغرق بالدموع وارتجاف قلبها يزداد للصوت الذي يرعد في رأسها
" عِدني "
همست له على حين غرة فأجفلته.. تركها تتابع
" عدني أنكَ لن تسمح لأحدٍ بأن ينعتني بسوء "
مستغرباً وعدها بصدق " ما الذي حدث نالين "
اعتدلت في جلستها مبتعدة عنه التفتت له وعيناها تشعان بالرجاء " أخبرني.. أخبرني كيف تسببتَ بطلاق آية وحسام !"
عاد ليرتكي على ظهر الكرسي وقد تملكه الجمود فجأة وتمتم " هل تحدثتي مع حسام !"
أومأت له متحاشية النظر لعينيه
" لهذا كان إصبعكِ متورماً من الخاتم "
كان ضيقاً على بنصرها فازرق عندما حاولت نزعه
" وبماذا أخبركِ حسام !"
التفتت له صارخة وقد سقطت الدموع التي تجمعت في عينيها " لا أريدُ أن أصدق ما قاله.. أنا أسألكَ أنت.. هل حقاً ركضتَ تخبر الجميع عنها ! ماذا لو كانت نزوة لحظة ! ماذا لو أنكَ أسأت الفهم "
ارتد رأسه للوراء.. لا ينكر أن هجومها فاجأه.. دموعها فاجأته وتشبثها بنكران ظلامه أخرسه لثوان

" لم أُسِئ فهمها "
انجرفت أكثر وهي تدافع " لكنكَ قٌلتَ أنكَ لا تفهم النساء "
تقدم ليجلس بجانبها مباغتاً أياها.. تمتم ليخفف عنها
" قُلتُ أنني لا أفهمكِ أنتِ ، لكن هذا أصبح من الماضي "
تأملت عيناه بعمق أخبرها أنه عند ثقتها به.. ثقة ! منذ متى تثق بريان ! منذ متى تثق برجل !
لا تفهمه تقسم أنها لا تستطيع أن تفهمه ، كيف خسر أمامها وهي التي تعجز حتى عن مجابهته..
" ما فَعَلَته لا يمكن أن يفسر بنحوٍ خاطئ.. كانت تجلس بمحاذاتي وأنا نائم.. تتغزل بي ظناً منها أنني لا أسمعها ، ولا نالين.. أنا لم أذهب مُسرعاً لأخبر الجميع عما فعلته.. ذهبتُ لزوجها أخبرتُه عن حالها لكنه بدأ يصرخ ناعتاً أنني كاذب "
تنهد بأسى وهو يتابع " من أَشهَر الحادثة هي نسرين ..التي أنقذتِ حياتها .. سَمِعَت ما صرخ به آخاها وتلته على مسامع الجميع دون أن تنسى أن تخبرهم أن هذا ما ورد على لساني "
أعادت رأسها إلى الوراء تركيه على الأريكة وتهمس بتعب " ما هذا !"
قال يزيح عنها توترها " لا تتحدثي كأن لي يدًا في هذا "
أغمضت عينيها وهمست " بلون عيناكَ هذا ، أشُكّ "
همس لها أيضاً حتى لا تهرب " ما به لون عيناي ؟"
" كقهوة سمراء عربية الصنع "
تمتم باستمتاع " وأنتِ تحبين القهوة "
فتحت عينيها فزعة لتلميحه وتسارع نبضها لتفكيرها الغبي ذاك ، بعث بشعرها المتناثر وقال
" ماذا حدث مع ياسمين ؟"
قفزت فجأة من مكانها.. تخون ، إن تنفست هواءه ستخون.. إن ارتجفت له ستخون.. إن ازدادت تعلقاً بدفئه ستخون.. ستخون تلك التي ترفض ودها..

*******

راسلته وهي تعلم أنه يسير خلفها.. لم يتركها طوال اليوم وقد حافظ على المسافة بينهما فخوفها من عيون أخويها لايزال يتحكم بها ..استطاع أن ينسيها همها طوال دوامها وها هي لا تطيق أن تصل إلى الحديقة التي جمعتهم لتشكره كما يجب ، انتظرته قليلاً ريثما يصل وراحت تعيد قراءة محادثتهم.. لم تكن تدرك ما رأته الآن أثناء فرط حماسها لمحادثته.. جل الحديث عنها.. عن يومها.. عن حياتها.. عائلتها.. دراستها الجامعية وعملها في المقهى أما هو فلا شيء ، حباً بالله ياسمين ماذا تعرفين عنه !
جلس بجانبها وهو مبتسم " عذراً عن تأخري "
بادرته بسؤال يدور في بالها مباشرة
" من أنت عمر !"
استنكر سؤالها المفاجئ فتابعت " أنا لا أعرفُ عنكَ سوى اسمك ، بحق الله أنا لا أعرف عمرك أو إن كنتَ تعمل أم مازلت تدرس ، لا أعرف من أي بلد أنت ، لا أعرف شيئاً عن عائلتك بينما أنت تعرف عني كل شيء "
أمام ثورة استنكارها كان هادئاً كأن الأمر لا يعنيه
" الأمر ليس ضخماً كما تتصورينه ، أنتِ فقط لم تسألِ عن أي شيء "
لم تسأل ! هل كانت أنانية معه حتى في هذا ! .. هي حقاً تستحق ما حصل لها مع ريان ، هو عقاب لها إذًا عما تفعله بعمر
" لا تحمليها إسألي ولن أخفي عنكِ شيئاً "
شخرت بسخرية وقالت " ألم يفت الأوان على التعارف !"
مد راحة كفه نحوها فأجفلها.. تمتم باسماً " مرحباً ، أنا عمر "
راحت تنقل بصرها بين ابتسامته وكفه غير مستوعبة لموقفه.. ابتسمت بود وصافحته مفكرة ، وهل تعرفه حقاً لتستطيع فهمه
" كم تبلغ من العمر ؟" قالت تستجوبه بمزاح فرد عليها " السابعة والعشرون "
تابعت مفكرة " إذًا لابد أنك حصلت على شهادتك الدراسية ، أين تعمل ؟"
" في شركة للمقاولات تدعى ((ماندون )) "
قالت مبهورة " إنها شركة بريطانية مرموقة "
تفحصته من رأسه حتى أخمض قدميه وعلقت مازحة " لابد أنك ذو مهنة بسيطة في تلك الشركة وإلّا كيف عُيّنتَ هناك !"
ابتسم لانبهارها وتمتم " لدي ميّزاتي هذا لأن أمي بريطانية "
هتفت مرة أخرى " أنت تمزح !"
قهقه مستمتعاً بردات فعلها فتابعت مجفلة " أنت نصف عربي نصف بريطاني ، يا إلهي "
لمسها بسبابته على جبهتها كأنه يضغط زراً يعيدها للواقع " هل انتهى استجوابكِ لليوم !"

*******

سمع رنين جرس الباب فذهب ليفتحه.. تأمل ضيفه المفاجئ بابتسامة ماكرة تعلو جانب شفتيه " بماذا أدينُ لهذه الزيارة الملكية !"
قابله ضيفه بالصمت والبرود مخبئاً يديه في جيبه بوقفته المعتادة ، تابع " وسأكون أفضل منكَ وأدعوكَ للدخول "
دخل ضيفه بخطوات واثقة متأملاً ما حوله ، تمتم أخيراً " لا بأس ببيتكَ حسام "
أغلق حسام الباب وقال مُغتراً " جديد ، كبيتكَ تماماً "

دفع الكثير على هذه الشقة الصغيرة التي تناسبه عندما رآى غريمه يتفحص الشقة في البناية المجاورة.. كان يريد بيتاً بجواره في ذات البناية ولكنه لم يستطع .

تملكه الغضب والانزعاج بسبب برودة ضيفه.. يكره شخصيته الباردة الهادئة ، عكسه تماماً ، يكره سيطرته الذي يفرضها ، ليس الأمر أنه هو نفسه ضعيف الكيان حسام متصالح مع نفسه إلى أقسى حد لذا هو يدركُ تماماً ما يملكه من سيطرة وقوة شخصية.. ما يكرهه هو انجذاب زوجته لهذا الضيف ، انجذاب أخته أيضاً ..لمَ ! ما الذي ينقصه هو حتى يعاير بذاك المتعالي !
قال يستفز هدوءه " يبدو أن زوجتكَ أخبرتكَ بحديثنا "
اكتفى ضيفه بابتسامة ساخرة وبقي صامتاً .. تابع حسام " لكن لا أظن أنها قد أخبرتكَ حقاً بما حصل ، أو بالأحرى لا أظنها تجرؤ "
أومأ ضيفه بإيجاب وقال " أنتَ لا تعرفها يا ابن بلدي "
قطب حاجبيه بانزعاج وهتف " مابك يا ريان ! أقول لك.. "
قاطعه ريان بأن اقترب منه بسرعة وأصبح مجابهاً له ، أمامه مباشرةً ..همس
" وأنا أقول لك أنتَ لا تعرفها ، أنا أثق بزوجتي حسام ، لستُ مثلكَ أدعها عند أول الطريق "
قال حسام مدافعاً عن نفسه " أنا لم أترك آية عند أول الطريق ، أنتَ من وضعتني في نار عائلتي التي رفضت وجودها "
شهر حسام سبابته في وجهه وراح يهدد " تلك النار التي سأذيقكَ منها ، ونالين ستكون.. "
أمسك يده ملوياً إياها ، أداره نحو الجدار وثبت رأسه عليه .. عاد يهمس له من خلف أذنه وقد بان وحش الغضب في نغمة صوته
" لآخر مرةٍ حسام أكتفي بإنذاركَ فقط.. إلا نالين حسام ، نالين خط أحمر.. نالين نارٌ حسام سأحرقكَ بها إن اقتربت منها.. سأحرقكَ إن أنزلتَ دمعها مرة أخرى "

متألماً قال حسام رافضاً الهزيمة التي كلّلته " هل وقعتَ في حبها ريان !"
شد ريان قبضته على يد حسام الملتويه وتمتم " حياتي لا تعنيك ، هذه آخر مرة حسام وقد أُعذِرَ من أنذر "
تركه بقرف واتجه للباب ، قبل أن يخرج قال مُنهياً الكلام " ولا ، سأبقى أفضلُ منكَ إن بقيتَ على هذه الحياة التافهة "
صفق الباب تاركاً أجيجاً من الغضب يشتعل في كيان حسام ، من يظن نفسه هذا المتعالي ؟
أفضل منه ! بماذا؟ والده يحبه وعائلته تنشد وصاله على عكس الريان الذي يزور أهله بين الدهر والدهر ، يملكُ من المال ما يشتري به كل ما يملكه ريان.. سترى ريان.. سترى كيف سأسلبكَ كل سعادتكَ تماماً كما سلبتَ لي حياتي بين الليلة وضحاها

*******

كانت في غرفتها عندما حل المساء تناظر كومة الورق التي احتفظت به في صندوق مقفول كذكرى.. ورقة مخربشة قد أخطأت في كتابة إحدى كلماتها وأخرى بذات النص لكن بخط مبعثر.. إحداهم كانت تحمل نصاً آخر لم يعجبها وورقة كانت قد سكبت عليها الحبر بالخطأ ، وأخرى وأخرى وأخرى.. كل ورقة تحمل علّة سببت في ترحيلها من المكتب الى الارض ، ضحكت عندما نظرت إلى الأرض المكسوّة بالورق المطوي.. أحضرت حينها هذا الصندوق وملأته بهم.. الورق الذي شهد ارتجافها وتوترها وهي تكتب أول رسالة للشخص الذي أحبته.. ينبض قلبها تماماً كما نبض وقتها وهي تصف ما أحبته فيه بين أسطر رسالتها البريئة.. حتى التحفظ شهد كلماتها فلم تجرؤ أن تتجاوز الحد في كلامها له.. أخبرته عن أول لقاء لها معه.. وأخبرته أن ما يتملكها الآن من خجل يمنعها من قول اسمها واعتذرت
لم تكن تعبث بإرسالها تلك الرسائل.. كانت عندما ينبض قلبها بشدة له ، عندما تشتاق له ، عندما تغار من آمال عليه تراسله لتخبره ماهية شعورها.. لتخفف الحمل عن نفسها لكن الآن.. لا تستطيع فهي قد حُرمت حتى من النظر إليه.. نالين.. نالين ، كله بسببكِ أنتِ

" لا أعتبره صديقاً ولا عدواً حتى " أتت تلك الجملة في رأسها فأغلقت الصندوق غضباً ، لا يمكنها أن تسامحها على كذبها، على استغفالها

*******

عاد إلى المنزل فسمعها تتحدث إلى الهاتف تقول " أعتذر لا نستطيع فريان لديه عرض لبحوث رسالة ((الماجستير)) "
خلع حذائه وسترته منتظراً أن تنهي مكالمتها ليقول " ماذا هناك !"
وضعت حاسوبها المحمول على حجرها وراحت تعبث به متمتمةً
" قريبتي تدعونا لحفل ما ، لم أُتعب نفسي لمعرفة ماهيته طالما أننا لن نذهب "
شخر ساخراً وهو يتقدم منها متجهاً لرفوف مكتبته التي تحتل الجدار خلفها ليضع الكتاب الجديد الذي اشتراه اليوم " كذبة جيدة"
أعادت رأسها تدفعه إلى الوراء لتراه من خلفها وتمتمت " ليست كذبة ، أليس عليكَ تقديم عرض لبحوثكَ في الرابع والعشرين من الشهر الحالي !"
اقترب منها فعادت تعبث بحاسوبها ، أصبح خلفها تماماً ، أحست بالسخرية ترنِّم صوته حينما قال " ومنذ متى تهتمين بمواعيدي نالين !"
قالت بلا اهتمام.. فكل تركيزها على ما تبحث عنه عبر حاسوبها
" لا أفعل بل قرأت لوحة التنبيه الخاصة بكم بهدف الفضول فقط "
انحنى مقترباً وقد أصبح فوق رأسها ، يريد أن يعرف ما يحوز تركيزها على هذا الجهاز فوجدها تقرأ تقريراً عن مستحضر ما .
أحسّت به.. أحسّت بأنفاسه تداعب خصيلات شعرها الصغيرة مما جعل القشعريرة تسري في عروقها ، شعرت به يبتسم أو ربما يسخر ، لا تعرف ولا تقوى على النظر إليه لتعرف فهي تعلم تماماً أنها ستسجن في سمرة عينيه وسترتجف معلنة له - ومجدداً - أضرار ما يفعله بها.
قفزت هاربة من مكانها مبتعدة.. تهرب منه ، من تسلّطه على كيانها ، بأنفاسه.. بقربه.. برائحته.. تحججت بالمغلف الأبيض فوق المنضدة ، قدمته له " تفضل "
تأمله بهدوء وهو يدرك ما يحتويه.. لم ينطق بل بقي ساكناً بارداً فقالت بانزعاج
" اتفقنا منذ البداية أن تكلفة هذا البيت علي نصفها "
اكتفى بتهيدة قصيرة فانزعجت أكثر.. راحت تهتف
" أنا لا أريد لشيءٍ أن يربطني بك ، حتى النقود "
ابتسم ساخراً وهمس لها وفي عينيه نظراتُ مكر وتحدٍ " فات الأوان للإعتراض زوجتي المصون "
تركها وغادر لغرفته.. تركها تفكر ، تستوعب وتدرك أن ما قاله هو صميم الحقيقة فمن دون أن تعي قد نشأت بينهما روابط لا حدود لها فلو أنكرت هي.. نفسها لن تستطيع أن تنكر الطمئنينة التي يبعثها فيها ، جسدها لن ينكر اللهفة لوجوده واستشعار كيانه.. قلبها لن ينكر أبداً نبضه الشغوف بسيطرته..
دخل لغرفته يتصل بصاحب الرسالة التي وصلته أثناء حديثه مع نالين.. ضغط زر الاتصال وهتف فوراً
" هل اتصلت به مالك "
بأريحية قال مالك " على رسلك يا صديقي مابك! "
مسح ريان براحة كفه وجهه يزيح الارتباك الذي طاله " هل شك في كون لنالين علاقة !"
" لِمَ قد يشك.. طالب يدرس الطب يستفسر عن أعراض مريض.. ما المريب بهذا !"
تباً يكره بلادة صديقه ، هتف " أخبرني إذًا ماذا قال ؟ لِمَ يحصل هذا معها ؟"
تنهد مالك يحاول ترتيب الكلام ليفهمه صديقه الغاضب " قد تكون تعرضت لوكسة صحية أو حادثة جعلتها تستنشق هواء ملوث ولم تنظف رئتيها منه بشكل مناسب.. فتتكون ما نسميه بكتيريا على رئتيها ، عندما تنزعج أو تشعر بالضيق هناك عمليات تقام بالجسم لست بحاجة لمعرفتها صدقني ، المهم هذه العمليات تؤدي لإيقاظ وجيزٍ لهذه البكتيريا فتعجز رئتيها عن استنشاق الهواء الكافي مما يؤدي لفقدانها الوعي "

طال صمت ريان فقلق عليه.. تمتم " هل فهمت ؟"
" ألا يمكن معالجتها ؟ وهل يؤذيها هذا ؟"
تأمل قليلاً هاتفه المشع باسم ريان.. صدمته تلك البرودة القاتلة التي خرجت مع فحيح صوته ، هل يحاول أن يخفي قلقه أم أن عقله يرفض ما قيل !
حثه على الحديث فأجاب
" لا أعلم عن العلاج ولكن لا تقلق لن يودي بحياتها طالما نزودها بجرعات أكسجين فور أن تستيقظ من فقدانها للوعي "
" وإن طالت صحوتها ؟"

*******

صنعت لنفسها كوباً من القهوة بعد أن قررت أن ترمي بالمغلف من تحت عتبة باب غرفته.. فليفعل بالنقود ما يشاء المهم أنها لن تسمح له بأن يصرف عليها.. عادت تجلس على حاسوبها تقرأ عن مرهم اليدين الذي أعطتها إياه جارتها عندما رأت إصبعها المتورم.. تذكر مرة عندما استخدمت مرطباً من ابنة عمها فأصابها بالحساسية ولا تريد أن تعاد الكرة
صدرت أيقونة صغيرة من زاوية الشاشة معلنةً وصول بريدٍ الكتروني لها.. ضغطت عليها لتفتحها ، كانت تحتوي على صورة.. فقط صورة ، انتظرت قليلاً لتظهر كلياً فارتجفت.. متسعة العينين تأملتها والارتجاف قد طال مقلتيها ، جمدت بأرضها فأسقطت الكوب أرضاً مغرقاً المكان بالقهوة ، بخوف نقلت بصرها بين الصورة والقهوة المسحوبة عاجزة عن التحرك ، تمتمت أخيراً

" لوحة أبي !!"
وضعت كفها على فهما لتخفف رعشتها وراحت تفكر ، رباه من أين أتى بهذه اللوحة ! من يكون هذا؟ "
تذكر تماماً ما أخبرتها به والدتها عندما أرتها الصور الملتقطة للوحات والدها ، تلك اللوحات المبهرة التي اجتمعت في مخزن قديم وأُحرِقت.. لم يُترَك منها شيء ، وكما قالت والدتها.. تلك كانت القشة التي قسمت ظهر البعير .. الخبر الذي وصل لوالدها وهو يصارع المرض ، أن لوحاته الثمينة التي تحمل بين طياتها عمره وحياته قد أُحرِقت ، جعله يتنفض ويردد " ضاع كل شيء ياعزيزتي ..لوحاتي لم ينقذ منها شيء " وبعد اعتصاره قلبه توقف عن النبض وتوفي .

تنفست بصعوبة وراحت تحاول أخذ شهيقٍ وزفير .. أرادت أن تسرع إلى النافذة لكن رجفتها لم تَزُل بعد فتعثرت بالطاولة مسقطةً ما فوقها أرضاً ..
خرج مسرعاً إليها والقلق يسري في عروقه " نالين ماذا هناك !"
ساعدها على الوصول للنافذة وفتحها لها.. بشهيق طويل استعادت نفسها وسؤال واحد يشغلها.. من يملك هذه اللوحة ؟ وكيف إن كانت اللوحات قد صاروا رمادًا ؟

جميع حقوق الرواية تعود للكاتبة هبة سليمان

Continue Reading

You'll Also Like

322K 5.9K 57
ملك ليس كباقي الملوك عرف بالقسوة والدهاء يمتلك الوسامة والثراء والسلطة ترتمي النساء عند أقدامه يحرك خيوطهن كما يشاء هي أميرة ليست كباقي النساء كجوه...
16.4K 1.4K 30
لم يكن مرئياً بالنسبة لها- جنة ، تجنبه الجميع وتجنبته، ثم حين اعطته الفرصة كان لها ان تعرفت على حقيقته وعلمت انه شخص جيد ... ثم افترقا.. الى ان وجدا...
5.3K 58 2
الوريث المهيمن القاسي للعائلة الارستقراطية والفتاة الجريئة والبريئة. القطبان المعاكسان، يُجبران على زواج مصلحة مدبر، فيجبر رائف عروسه المستقبلية على...
6.3K 589 30
فتاه عاديه جدا ولكن قدرها ليس عادى انها ... ( الجمر المحترق والجليد المنصهر فأحذر ان تقترب من احد يخصها فوقتها لا تلوم الا نفسك ...) ...