Ch 18

1.5K 49 8
                                    

مسحت بكفيها وجهها تزيل التوتر الذي يجتاحها وهي تتحدث بالهاتف.. مر الليل عليها طويلاً وهي تنتظر بزوغ فجر صباح جديد لتتصل بوالدتها مرة أخرى
مرّ ثلاثة أيام على تلقيها تلك الصورة، نالت تفكيرها وجل وقتها، لم تذهب لجامعتها، لم تستطع النوم، الاكل.. حاولت مراراً الاتصال بوالدتها ولكنها لم تجد تغطية مناسبة، والآن وقد استطاعت التواصل معها أخيراً بدأت تثرثر عن أختها العروس ومواقفها المضحكة كربة منزل مبتدئة
هتفت نالين " أمي.. لمرة واحدة أيمكنك أن تسمعيني "
لاقتها أمها بالصمت فتابعت تقول " أمي، عندما أريتني صور لوحات أبي أخبرتني أنه كان يجمعها في مخزن ، هل.. هل كان المخزن لأحد ما! "
قالت والدتها تحاول التذكر " لا ياعزيزتي، والدك لم يخبر أحداً أنه كان يرسم من الأصل، حتى أنا "
قبض قلبها من جديد واهتز صوتها حينما قالت " هل أنت متأكدة! "
" أجل، فوالدك بئس من ذم الناس له، فدائماً ما كانو ينهرونه عن شراء أدوات لممارسة هواية لا تسمن ولا تغني من جوع.. أخفى الأمر عن عائلته وأصدقائه ، تعلمين ليريح رأسه "
غاصت بصداع رأسها ونبض قلبها..اراح رأسه ليتعب رأسها هي.. ان لم يكن أحد يعلم من ذا الذي يملك لوحة أبيها! .. دقيقة واحدة، شدتها الفكرة التي طرأت في بالها فجأة وراحت تفكر بها معقودة الحاجبين، فعلاً ان لم يكن أحد على دارية بتلك الوحات كيف أحرقت اذاً ؟ هل هذا الذي حرق المخزن هو من أخذ اللوحة؟ رباه.. أبي، لمن أفشيت سرك هذا !
ازداد الصداع وقد بدأت تشعر بضيق المكان من حولها.. ودعت والدتها وبغضب يتأجج في أعماقها ففكرة أن من خان والدها هو شخص قد وثق به تسكب وقوداً لنار غضبها، وكما تفعل عادة أمسكت ورقة وقلم وررحت ترسم وترسم.. ترمي ورقة على الأرض وأخرى تقذفها على طول يدها وثالثة وراء ظهرها.. من هذا! ، من! من!
تحاشى ورقة مكورة كادت أن تصيبه عندما دخل، رآها تعصر القلم في يديها وجسدها يرتعش.. استنكر وضعيتها ثم ادرك كونها غاضبة، غاضبة جداً .. تنهد بعمق ثم تقدم منها.. وليكن الله في عونه
رمى بمغلف أبيض على طاولتها وتمتم " تغيبت كثيراً ، هذا انذار أول "
وعلى عكس ما توقع واستعد له تمتمت بهدوء " ومن قال لهم أنك ولي أمري ليعطوك اياها! "
أمسك الورقة التي كانت ترسم عليها ورد ببرود متأملاً ما رسمته " بل قدموها لياسمين، صديقتك. وهي وضعتها في خزانتي "
أخفظ صوته عند جملته الأخيرة متحاشياً حساسية موضوع ياسمين وعاداتها في دس الرسائل في خزانته،
وقفت بهدوء ورحلت لغرفتها وهو أيضاً لم يكلف نفسه ليوقفها، ليسألها عن حالها وعن سبب انزعاجها

انفجرت ضاحكة على حركات عمر.. من كل قلبها كانت مستمتعة بكل الوقت الذي تقضيه معه ، نفضت التراب عن ثيابها وهتفت له " أنت مجنون حقاً " ثم عادت تضحك
اقترب منها على نحو جريء، تأمل عينيها وهمس " ها أنت تضحكين "
أشحات نظرها عنه وقد تملكها الارتباك " ولما لا أفعل،! "
بمكر أشد عاد يقول " وترتبكين أيضاً ، هل هناك سبب لهذا! "
هرباً منه رمته بالتراب المجتمع بيدها وراحت تركض ضاحكة " علي العودة، أراك غداً "
لوحت له من بعيد وتركته يتنهد على حبه الرضيع الذي ينبض في قلبه فرحاً لابتسامتها وقربها
أما هي فقد استقلت الحافلة وتأملت الشوارع.. ليست كمن طعن في ظهره ، ليست كما تخيلت أن تكون وكل هذا بفضله، ما يسعدها حقاً أنها كفت عن أنانيتها معه، أصبحت تسأله عن حاله، عن يومه، عن نفسه.. أصبحت تشاركه فعلاً هذه العلاقة
دخلت الى المنزل تمشي على رؤوس أصابعها حتى لا تلوث الأرضية بالتراب الذي يكسوها
" سلمي نفسك المكان محاصر "
رفعت يديها باستسلام واستدارت ممسكة ضحكتها لصاحب المقولة، آدم.. تفحصها من رأسها حتى أخمض قدميها وقال مستهزئاً " ألم تنهرك أمك عن اللعب بالتراب أيتها الرضيعة "
اقتربت منه بخطوات بطيئة، شيئاً فشيئاً وهي تقول " ما رأيك بأن تتذوق بعضاً منه "
هجمت عليه فراح يهرب وضحكاتها هي تهرب وتصيح.. نبض قلبه فلم يرها هكذاً منذ أيام، لم تخبره مابها بل اكتفت فقط بالبكاء وها هي الآن تصيح فرحاً في أرجاء الهواء ليستنشق ضحكاتها فيرتجف قلبه سعادةً

عشق في حضرة الكبرياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن