Ch 16 ✔

1.5K 53 9
                                    

عندما قررت أن تزور عائلتها للمرة الأخيرة.. زيارة الوداع ، تفاجأت لقدومه معها.. حمدت ربها أن سالم لم يكن موجوداً حينها، فلتنعم بكوب قهوةٍ هادئ مع عائلتها إذاً
" اختي.. دعيني أستغل وجودك هنا " قالت أختها وهي تلوح بورقة بيضاء وأقلام.. قهقهت نالين واستأذنت تلحق بأختها
" ألاحظ عليك الاستغراب يا بني "
تنحنح ريان في جلسته إزاء تعليق والدتها وقال بلباقة " تعرفين كيف تم ارتباطنا.. لا أعرف عن نالين الكثير "

أعادت خصلة من شعرها القصير المصفف برزانة تناسب عمرها المتقدم ورددت على مسمعه
" لطالما أحبت الرسم تيمُّناً بشخص عزيز عليها.. أحبت أن تتبع خطاه حتى أتقنته وبرعت فيه "
" شخص عزيز !"
" توفي رحمه الله.. "
صمتت منهية الكلام فهي لا تجرؤ حتى على ذكر اسمه أو تعريفه.. آدم مطر ، ذلك الرجل الذي خلف وراءه صبية في أول عمرها.. لامته كثيراً لأنه تركها وحيدة وطفلتها بين أحضانها.. عَشِقَ الرسم حد الجنون فعشقته هي حد الموت.. الموت الذي كان يلوح لها إثر وفاته.. في كل مرة تخطو نحو الغرفة التي تجمعها بسالم ترى خياله يعذبها ويؤرقها.. لكن كيف كانت ستعيش وسط المجتمع الظالم الكاتم للمرأة !
كانت تعيش في العاصمة مع آدم وعندما علموا أهلها بخبر وفاته أجبروها على الرجوع مرددين حامدين أنها لم تلد منه خوفاً من الحمل والثقل.. فالمرأة المطلقة والأرملة هي جبل غمٍ يقع على صدر العائلة.. عندما قابلت سالم أعمار.. أعطاها الأمان وقبل بها وبابنتها.. قرر أن ينسبها له بكذبة صغيرة بين الناس . رعاها عنده ريثما تعود والدتها لقريتها ويستطيع أن يطلبها ويتزوجها مدعيين بأن نالين هي ابنتهما .. بعدها عندما بلغت الخامسة، اضطر لتوثيق نسبها قانونياً لدخولها المدرسة بمعارفه وسلطاته ، واحتراماً لما قدمه لا تجرؤ حتى على أن تجعل قلبها يسمع اسم آدم فيخون ويخفق، يبكي ويشتاق... ممنوع عليها هذا
" أرجو أن لا يزعجك طبيعة علاقتنا الفاترة "
ردد عندما لاحظ صمتها، ارتبكت هي لقطعه أفكارها ، مسحت بكفها على المخدة الخاصة بالكنبة وقالت
" أتعرف حكاية نالين مع الخزانة !"
قطب حاجبيه مستغرباً " لا "
ابتسمت له بطيبة خاطر وتمتمت " يكفيني هذا ليجعلني مطمئنة "
" عفواً ".. استفسر وهو لا يفهم ما تقوله فاردفت
" لنالين عادة.. كلما قلقت أو ارتعبت خوفاً كانت تختبئ في خزانتها "
ابتسمت للذكرى التي وردتها في مخيلتها " عندما ترى كابوساً مخيفاً تختبئ.. كنا نبحث عنها في الصباح لنجدها نائمة في الخزانة ، إن لم تفعل هذا معك يعني أنها بخير صحيح !"
نهضت ببطء وتمتمت " اعتنِ بها يا بني، فهي تحتاجك.. سأعد الغداء "
راح يسرح لبعيد وهو يتخيلها طفلة صغيرة نائمة في الخزانة.. ابتسم مستمتعاً وقد نسي تماماً ما كان يفكر به حول ذلك الشخص العزيز .
عندما اجتمعت به على الغداء كانت تأكل لقيمات صغيرة تدحشها بين ازدحام أفكارها.. بدى غريباً إلى حد ما منذ حفل الزفاف.. قليل الكلام كثير الغياب، حتى تنمره عليها أصبح شبه معدوم.. ليست تتذمر البتة ولكنها ترفض الهزيمة، فإن كان حقاً قد فهمها فهي لن تقف هكذا عاجزةً عن قراءة ظلامه ، فلِمَ ؟ لِمَ عندما قررت أن تشعل الضوء على كيانه ازداد عتمةً فجأة ؟

عشق في حضرة الكبرياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن