عشق في حضرة الكبرياء

By le_yona

54.7K 1.4K 270

[مكتملة] ارتبكت في وقفتها. "أريدُ أن أسألكَ سؤالًا." رفع رأسه نحوها يتأمّل ارتباكها فاسترخى في وقفته ليتّكأ... More

Ch 1 ✔
Ch 2 ✔
Ch 3 ✔
Ch 4 ✔
Ch 5 ✔
Ch 6 ✔
Ch 7 ✔
Ch 8 ✔
Ch 9 ✔
Ch 10 ✔
Ch 11 ✔
Ch 12 ✔
Ch 14 ✔
Ch 15 ✔
Ch 16 ✔
Ch 17 ✔
Ch 18
Ch 19
Ch 20
Ch 21
Ch 22
Ch 23
Ch 24
Ch 25
End

Ch 13 ✔

1.7K 55 14
By le_yona

ألقت نظرة أخيرة على الرسالة التي أرسلتها لريان "سنذهب للوطن في عطلة عيد الميلاد هذه. سأحجز التذاكر، سالي أختي ستتزوج" تنهدت مغلقةً هاتفها وبحزم التفتت لصديقتها القادمة بابتسامة مشرقة، تنهدت مرة أخرى وباشرت بالحديث الجاد "علي التحدث معك في شيءٍ مهم ياسمين"

لم تكن تدرك أنها ستكون بتلك الصعوبة، استنفذت حقًا كل ما تملكه من قوة وتحامل. لم تكن تعي مقدار قربها من ياسمين إلا عندما رأت كم ابتعدت عنها الآن. دخلت إلى المنزل فقابلته متكئًا على الأريكة المقابلة للباب كأنه ينتظرها، تجاهلته تمامًا وأرادت الخلود في غرفتها لتستعيد نشاطها، ممسكًا بيدها أرجعها لتقف أمامه.

بهمس قال "ما الأمر نالين!" أرادت الصمت، أرادت التعالي عليه ولكنها ضعيفة الآن، هشة حقًا جراء ما تلقته اليوم فقط "أختي ستتزوج قبل حتى أن تتم دراستها، أعرف أنها ستندم ولكني لا أستطيع نهرها. صديقتي بحالة يرثى لها بسببي أنا.. ولَدَيَّ أنت"

"أنا الذي أصبحت تنفرين من لمسته"

"أصبحت! أنا أكرهك منذ البداية، أكرهك وأكرهك لمستك" دافعت عن نفسها وصرخت في وجه بروده الصامت إلا أنه ابتسم، بخبث ابتسم "هل أنت متأكدة!"

وقبل حتى أن تجد الفرصة لتستنكر ضغط على يدها التي يحتويها من البداية، نظرت لكفها المرتاح هناك وغضبت، غضبت لأن كفها خانها أيضًا كما فعل قلبها الذي يرتجف ضعفًا، عقلها الذي يتوارى وهنًا، قدرها الذي يرميها دائمًا تحت أقدام ريان

نفضت يدها عنه وقالت منهية الحوار "حجزت لطائرة الغد يفضل أن تبدأ بتجهيز نفسك" بغطرستها المعتادة تمخترت باتجاه غرفتها حتى لا تريه أنه أصابها، انتصر في هذه الجولة. حتى لا تريه تأثيره عليها.

أغلقت على نفسها الباب وكل ما تفكر فيه هو سالم أعمار الذي أبدع في استغلالها. زوَّجها ليكسر أنفها المتعالي، وصل لسلطته عبرها، تحكم بأخوتها عبرها، تستطيع أن تتخيله وهو يحدث سالي المعارضة عن الزواج بقوله أن نالين رأت أن هذا هو الخير، هذا هو الأفضل. نالين التي قضت لياليها تحدثكم عن تسلط الرجال، عن قوة المرأة، عن إرادتها بالإستقلالية، أدركت أخيرًا أن مرجوعها هو الزواج. تزوجت ورمت بمبادئها عرض الحائط. نالين لم تهزم. نالين أيقنت أن قوتها تكمن بالإستناد لعمادة رجل استغلها واستغل اسمها ليجر أختها لهذه النهاية، يعلم الله من يكون هذا الزوج المقرر، ما الذي سيستفيد منه سالم منه!

بكت بملئ صوتها، نحبت وتناست وجود ريان الذي أقسمت على أن لا تريه ضعفها، وما سيهمها الآن! أختها تقع في الفخ مجددًا أمام ناظري والدتها. والدتها التي لم تخبرها بالأمر إلّا عند حفل الزفاف، عندما وقع الفأس على رأس الضحية وأصبح من المستحيل إلغاء حدوثه، كفكفت دموعها وهي تراضي نفسها.. على الأقل ستكون سالي سعيدة في حفل زفافها. كل ما تستطيع فعله هو أن تدعو الله لأن تدوم تلك السعادة. ومرة أخرى ترميها الحياة لقعر الواقع، واقع يذكرها بأنها مازالت ضعيفة.

-

عندما دخلت للمنزل نادت باسم خالتها واتجهت الى الصالة الواسعة، رأت مؤخرة رأس لزائر لهم تقابله خالتها التي دعتها بلهفة لتنضم إليهم. التفت ذلك الزائر ووقف مبتسمًا في حين صرخت هي "آدم!"

احتضنها بشوق واستقبلته هي بذات الشوق، قهقهت الخالة بخفة فترحيبها كان مختلفًا مكللًا بالدموع، آدم هو ابن أختها الذي أحبته من صميمها. عندما عادت للوطن كان يبلغ الخمس سنوات، أذهلها بنضج عقله الصغير، أضحكها بطموحاته الكبيرة

تذكر كيف التصق بها طوال فترة مكوثها هناك، حتى أنه كان معها عندما رأت ياسمين الرضيعة لأول مرة. اشتاقته بقدر ما اشتاقت لعائلتها، لبيتها، لنسيم وطنها، آدم.. حبيبها الصغير.

استأدنت تحضر العشاء تاركةً ياسمين وآدم يتبادلان الحديث، واضعةً قدم على الأخرى قالت ياسمين "ما الذي أتى بك لأمريكا!" ساخرًا رد عليها "ألا يعجبك هذا! أتيت في إجازة"

"إجازة هنا!"

"إنها أمريكا ياسمين" سخر منها مجددًا، اقتربت منه وهي تشكك "والدك يعمل في السفارة آدم، لِمَ تحكم نفسك مع خالتي ها!" اقترب منها هو أيضًا ليواجهها باستمتاع "أتيت لأتزوج"

أجفلت فأعادت نفسها للوراء وبعينين منفرجتين قالت "تتزوج!" عاد يركي ظهره إلى الأريكة بينما رد بهدوء "أمي وجدت لي عروسًا وأنا أريد أن أراها هنا خلال إجازتها العائلية دون أن تعلم نيتي، لا أريد أن أربط بكلام الأهل في حال لم يحدث نصيب" دخلت خالتهما تدعوهما إلى الطعام فهتفت ياسمين "خالتي أتعلمين أنه سيتزوج!"

"سيتزوج! آدم!"

كتف يديه وهو يسير خلفهما بينما تذمر "أنت حقًا نمامة" احتضنتها خالتها بينما قالت مقهقهة "إنها ابنتي وليس بين الأم وابنتها أسرار" ضحكتا سويًا على الشاب المنزعج من اتحاد المرأة الذي يواجهه بينما تمتم أنه سيواجههن فورما ينضم لعمه أسامة

-

كانا يفكان أحزمة الأمان عندما استقرت الطائرة في أرض الوطن، أخذت نفسًا عميقًا وهي تتعدى قسم الجوازات، رأت من بعيد الشاب الأشقر يلوح لها، لهما. سلم زياد على أخيه بحميمية بينما ألقى تحية متحفظة عليها. أرشدهما إلى السيارة وقال قبل أن ينطلق "لم تتح لي الفرصة لشكركِ نالين" نظرت إلى نافذة السيارة بينما تمتمت بخفوت "لا داعي"

"سنذهب للمنزل. العم سالم وزوجته هناك أيضًا" انطلق في سيارته بينما شاهدت هي المباني والشوارع تتحرك. ترتجف كما يرتجف قلبها. تفكر كيف ستواجه سالم أعمار. كيف عليها التصرف في حضور عائلة زوجها. شخرت بسخرية، زوجها ذاك الذي لم يحدثها منذ صباح هذا اليوم وطوال فترة تحليقهم في السماء.

سواد الليل يذكرها به، غامض، صامت، هادئ وبارد. إن احتاجته هل سيساعدها!! هل سينير لها مصباحًا مضيئًا كهذه المصابيح التي تنير عتمة الطريق! رباه نالين.. منذ متى وأنت تنتظرين مساعدة منه أو من غيره!! عودي كما كنتِ.. تلك الفتاة القوية، ستواجهين أقسى أعداءكِ الآن

كم تكره تلك اللحظة التي يتوجب عليها أن تسلم عليه. أن تحتضه لتسمح له بتقمص دور الأب الحنون. يمسح على ظهرها بشوق كاذب ويستنشق عبيرها بلهفة مزيفة، ارتجفت أكثر فأحكمت قبضتها على كرسي السيارة، أغلقت عينيها بألم، كادت أن تبكي، أطبقت على فمها حتى لا تخرج شهقة ضعف منه، حنت رأسها بخوف وشعرت بمرارة في معدتها زادت من ألمها

نفاق. نفاق. كل ما يفعله نفاق، كذب، خبث، مذ التقت به وهي في الخامسة من عمرها لم تستطع أن ترى في عينيه سوى المكر، شيطان. لم تظن يومًا أن يكون أحد بهذه الصفة إلا عندما تزوجت به

"هل أنت بخير!" أجفلت لصوته بجانبها، التفتت فرأته يطل من نافذتها، لم تدرك متى توقفوا عن الحركة. عادت تنظر إليه فباغتها قائلًا "قهوة!" راقبت الكأس الكرتوني الذي في يده فتمتمت "أشربها-"

"خفيفة"

ناولها الكأس بهدوء حببته، تجاهلت سؤاله لها.. التقطت الكأس واحتوته بين يديها، كان ساخنًا لكنها لم تبالي، هدوءه وهو بجانبها كان ذلك المصباح المنير، طمأنها وأراحها

"طلبتُ من زياد أن يسأل عن زوج سالي" أجفلتها مداخلته فنظرت إليه بصمت "لا تقلقي إنه رجل متحضر يعامل أخواته بسلاسة، كان رافضًا في البداية الزواج لأنها لم تتم دراستها لكن والدته أقنعته أنها ستستطيع إكمالها وهي متزوجة"

تنقلت بنظرها بين مقلتيه، بحر قهوي داكن، هادئ مطمئن. هل حقًا هو شيطان! ليس كسالم بالتأكيد. أومأت له بصمت فاتجه راكبًا أمامها عندما حضر زياد لينطلق من جديد نحو معركتها مع التحامل

-

كانت تجلس بجانبه تتصفح أوراقها الكثيرة بينما يراقبها هو بابتسامة "هل أحضرتني إلى هنا لأراكِ كيف تعملين!" التفتت إليه مبتسمة مثله "أعتذر حقًا. لكن أنظر المقهى دافئ ويطل على الثلوج الجميلة"

"ياسمين!!" شهقت بفزع وهي تلتفت على مناديها الذي ميزت صوته. رأته واقفًا أمام طاولتها يحيّها وبرجفة دعته للجلوس، عرفته على شريك طاولتها "آدم، ابن خالتي.. وهذا عمر، تفضل آدم"

جلس آدم معتذرًا "هل أعطِّل عملكما" هزت رأسها بالنفي وهي تطمئنه، سرها الصغير لم يكشف. يظن علاقتها بعمر هي زمالة، مشروع علمي أجبرت فيه على العمل معه

رأتهما يتعرفان سويًا عندما رن هاتف آدم معلنًا عن وصول رسالة "وصال ترسل لكِ تحياتها" ابتسمت بعفوية وسرعان ما تناست قلقها لترد "كيف حالها؟"

"بخير.. أو بالأحرى.." نطقت معه في نفس الوقت "بأفضل حال يا عزيزي" لتنفجر ضاحكة

ما زالت تذكر عادة ابنة خالتها على الرد بهذه الطريقة وسرعان ما انجرفت في أسألتها عن أقاربها وحديثها عن الماضي، كانت مستمتعة ومنسجمة معه تمامًل. حرّك عمر قدمه ليصدم قدمها فالتفتت له مقاطعة سيل الذكريات، رأته هادئًا جدًا حتى أنها تناست وجوده

"هل هنالك أمر ما!" ببرود قال "لا، تجاهلي ذلك، أعتذر" تأملته، تأملت بروده، كان غريبًا، لم تعهده هكذا من قبل.. غريب حقًا

"إذًا.. أنتما زملين أم صديقين مقربين!" حبست أنفاسها وهي تنتظر عمر يجيب عن السؤال الموجه له، في صميمها تمنت ودعت أن يقول زملاء، أن يخفي الأمر، لا بل يكذب، فتحت عينيها على الحقيقة؛ هي تطلب من عمر أن يكذب لأجلها، إلى متى ستعتمد عليه هكذا "ألا تظنين أن هذا ظلم!" صدعت مقولة نالين لها في رأسها. حقًا ألا يكفي ما تجعله يتحمل من أجلها! أنانية، أنتِ أنانية ياسمين

على إثر توبيخها لنفسها أسرعت تقف مانعة عمر من الإجابة "سأحضر لكَ قهوة" وعلى مرآهما غادرت، تمتم عمر "هو حقًا شخص لا تستطيع الكذب عليه"

"هل قلتَ شيئًا!" هز عمر رأسه بالنفي واكتفى.

عندما عادت للطاولة كانت قد حزمت أمرها على إخبار آدم بالحقيقة، أن عمر صديقها المقرب، الشخص الذي يزيل عنها كربها ووحدتها، الصديق الذي يسعدها بكل تفاصيله ولكن.. "أين ذهب عمر!" سألته مجفلة لعدم وجود صديقها فأجاب "استأذن ذاهبًا لأمر طارئ" أحسنتِ ياسمين ها قد أزعجتِه، ظلمتِه مجددًا وتمرّدتِ بأنانيتكِ اتجاهه وهو حقًا.. اكتفى..

-

أثناء استحمامها كانت تحرص على فرك جسدها بقوة لتزيح آثار لمسات سالم أعمار لها، تلك اللمسات الكاذبة والمنافقة، ارتدت ثيابها ولملمت شعرها المبلل وخرجت لغرفتها أو بالأصح لغرفتهما المعدة لها ولزوجها. رأته يعدل من مخدته ويستقر في السرير تحت الغطاء الأبيض فقالت مستنكرة "ستنام أنتَ على السرير!" ببرود أجابها "ألم يخصص للنوم!"

شتمته بتمتمة "بغيض" فابتسم قائلًا "ليس عليك أن تنامي على الأريكة كما تعلمين!" كتفت يديها تحكم سيطرتها على نفسها الغاضبة "أموت ولا أنام بجانبكَ كما تعلم"

"أنتِ حرة إن كنتِ لا تثقين بنفسك!"

"عفوًا" كانت تغلي من أعماقها تريد أن تذهب إليه وتمسك خصلات شعره المبعثر وترميه خارجًا "إن كنتِ ضعيفة لدرجة أنكِ لن تستطيعي كبت نفسكِ أو منعي منكِ فنامي على الأريكة"

"غيّرتُ رأيي.. أنتَ حقًا شيطان"

باستمتاع أجفل لاعترافها المبطن، استطاع في مرحلة ما أن يجعلها تتخلى عن كرهها له. لم يعد ذلك الشيطان في نظرها "أنا واثق من نفسي لن أنجرف معكِ.. أما أنت.." قاطعته متجهة بحركة آلية إلى جهتها من السرير واندلفت تحت غطائها بغضب. لن تسمح له بنعتها بالضعيفة، لن تكون ضعيفة ولا حتى في عقل هذا الغبي "شعركِ مبلل"

"أعلم"

"ستنامين هكذا؟"

"كما ترى" تبًا إنه يزعجها حقًا "ستمرضين" استدارت لتواجهه وقد تملكهها الغضب، أزعجها جدًا كما يفعل دائمًا. واجهته تريد أن تهدر في وجهه لكنه كان قريب، أجفلها وأخرس كلماتها وبرجفة أخمد غضبها لتتصلب عاجزة.

ابتسم هو بمكر لم ترتح له وتمتم لها "ماذا حصل!" تبًا لك ولتلميحاتك، وتبًا للنوم ولقدومها إلى هنا. أثار فيها الجنون والغضب ولم تستطع الرد عليه، هدرت بصرخة تذمر فقد اكتفت حقًا منه، تقلّبت تعطيه ظهرها مجددًا ومجدداً لم ترى تلك الضحكة الصامتة التي أفلتت منه لاستمتاعه

أحست به متوترًا يتقلب مرارًا وتكرارًا، أرادت أن تستدير وتواجهه بمكر كما فعل ولكنها تدرك أنها ستخسر، هدرت "طفح كيلي سأنام على الأريكة"

وقبل أن تعتدل في جلستها أمسك بمعصمها وثبتها، التفتت إليه مستنكرة فقال بحزم "ستنامين هنا ولا مجال للنقاش" كان غاضبًا حازمًا مخيف، ذلك المصباح انطفأ وعادت الظلمة تسود كيانه. برودة في ملامحه تعاكس النبض السريع في عروقه. لم تجرؤ على الاستفسار ولم تجرؤ على الاعتراض. بخوف أومأت له فترك يدها واستدار للجهة الأخرى ونام.

عم الهدوء.. استطاعت أن تسمع صوت خفقات قلبها المرتجف. صوت تنفسها السريع، أطبقت على فمها وأغلقت عينيها تجبر نفسها على النوم فآخر ما تريده هو أن يسمع صوت خوفها منه

عندما استيقظت حمدت الله أنها لن تضطر لرؤيته في صباح يومها ذاك، كان قد غادر مبكرًا، اغتسلت وتأنقت لتخرج، لم تحفظ مسارات المنزل الكبير بعد، شدها صوته وهو يقول "ليس لها ذنب في هذا أمي"

توقفت تستمع لقوله وهي تحاول الإنكار "نالين كانت حامل. علمت بالأمر بفحص منزلي، كنا متجهين إلى الطبيب لنتأكد عندما سقطت على الدرج بسببي.. خسرت الطفل أمي وأنا السبب.. لذا رجاءً توقفي عن تذكيرها بهذا، هي لم تلمني، لم تغضب علي. بل واستني في حين أنها من كان أشد حاجة"

بحركة آلية عادت أدراجها لغرفتها. توسدت الحائط المجاور للباب وهي ترتجف، لِمَ قد يدافع عنها، لِمَ تبدل هكذا. أين ذهب ذلك الشيطان؟

بسرعة فتح باب الغرفة. انقبض قلبه وهو لا يراها نائمة، أغلق الباب ليجدها تتكأ على الحائط، تنهد وبدأ يجول في الغرفة يبحث. فوق الخزانة، في الخزانة "لِمَ قلتَ ذلك لوالدتك!" أجفل لسؤالها ولكن ما كان يبحث عنه أهم "حتى تتوقف عما تفعله" صعد فوق الكرسي ليفحص سارية الستارة وتابع "عائلتي فاسدة حقًا نالين كل ما تهتم به هو السلالة، لا تهم الطريقة ولكن عليهم أن يحرصوا على أن تكون كنة هذا البيت ملائمة" اتجه إلى السرير وبحث من تحته متابعًا " أنتِ لا يمكنكِ تبديل ثيابك هنا.. في الحمام فقط، البارحة كان هناك من يتلصص علينا. لم أستطع الذهاب وقتله لأن هذا سيجعلهم يتمادون أكثر"

"لِمَ لا تعترض" تمتمت وهي تتذكر توتره، يالسخرية تفكيرها الساذج، كانت حقًا ستخسر المواجهة

تهند بارتياح عندما لم يجد شيئًا واعتدل في وقفته وهو يجيب "لِمَ تظنين أنني أعيش في أمريكا طوال هذه السنوات! عندما اعترضت تسببت بترك خالي الذي كان ضحية لعبتهم للمنزل وسحب أسهمه من الشركة، تستطيعين القول أنني نفيت نفسي فهنا الجميع راضٍ" عندما دام صمتها تأملها تحني رأسها وترتجف بخفة

تقدم منها وهو يقول "لن أدع قذارتهم تمسك.. والآن.." حاصرها بيديه واقترب منها مبتسماً "لِمَ تتنصتين على حديثي!" أراد أن يتنمر عليها ليزيح تلك الرجفة الخائفة منها، توقع أن ترفع رأسها بتحدٍّ، توقع أن تتسلط عليه بغرور رافضة قربه، توقع وتوقع ولكن لم يخطر في باله أن تفعل ما فعلته.. لم يصدق نفسه حتى عندما شعر بقبلتها على خده.. ولم يصدق ذلك التيار الذي سرى في عروقه..

أراد أن يزيل الرجفة منها فانتقلت إليه، ابتعدت عنه وانكمشت بهدوء وبتفاجؤ استنكر "ما كان هذا!"

"هذا.. كان.. إنه.. عادة" أحنى رأسه لينظر لعينيها المتوالية خلف شعرها المنسدل ورأسها المنحني "عادة!" ابتلعت ريقها وهي تجاهد في تنفسها "هكذا كنت أشكر أبي"

"رباه أنتِ حقًا لا تستطيعين قول كلمة شكرًا"

"آسفة أنا أخذتُ بك فقط"

"بي!" كان مستمتعًا، نالين هذه جديدة، لم يرها من قبل، مرتبكة متوترة لا تستطيع أن تخطو بكلماتها الصحيحة، ضائعة "كان أبي هكذا.. كان يحميني.. درع لي"

"كان!" أجفلت لما باحت له. لا، لا يجب على ريان أو أي أحد أن يعرف شيئًا عن نالين مطر، والدها هو سالم أعمار. لا يجب أن تقول كان! أرادت الخلاص من سجنه عليها لكنه أحكم قبضته على الجدار وهمس لها "هل شكرتِ أحدًا من قبل هكذا لأنها ستكون مشكلة"

كان يستمتع بكل تغير يطرأ على وجهها. تصلبٌ وتوردٌ ارتباك وتوتر. تجاهلت همسته وتخطته، اتجهت إلى الباب فهتف "وكيف علي أن أقول عفوًا؟"

أسرعت تخرج من هناك، من كيانه، من حبسه. لم تكن تعي ما فعلته إلى الآن، هي تجاوزت الحد مع ريان بطريقة لم تسمح بها. انحنت إرادتها قبل حتى أن تدرك، جلست إلى طاولة المطبخ تحيي السيدة المتقدمة في العمر، صنعت لنفسها كوبًا من القهوة وتأملت الحديقة الواسعة من الباب الخلفي للمطبخ

"صباح الخير" التفتت للصوت الأنثوي لتجدها فتاة ناضجة قد تكون أكبر منها عمرًا. تعرفت عليها البارحة في الترحيب الصاخب، آية ابنة عم ريان. ردت عليها التحية بينما جلست الآخيرة مقابلة لها وتناولتا أطراف الحديث السطحي

"صباح الخير عمتي" ارجعت رأسها للوراء بحركتها العفوية لترى المحيي الواقف على الباب، قابلها بابتسامة عابثة فأعدلت رأسها تهرب من نظراته، كالعادة أمامه؛ أمام ريان فقط تصبح قطة هاربة لا غير

"هيا نالين!" حثتها آية على النهوض في حين اعترض ريان "إلى أين!"

"لا علاقة للرجال في أمور النساء" كانت ترى المشاحنات بين نظراتهما. ريان يتحدى وآية تواجه بقوة. لم تفهم تلك الكيمياء الغريبة التي اشتعلت بينهما، بدت كأنها بعيدة عن هذا اللقاء، وكأنها غير موجودة..

عندما دخلت الغرفة الكبيرة علمت تمامًا لِمَ وصفتها آية بالمكتبة الكبرى. رفوف تمتد من الأرضية الى السقف وتدور حول الغرفة مُخفية الجدار تمامًا تملأها الكتب من شتى الأنواع؛ روايات، مقالات، فلسفة.. جلست على الكنبة تتفحص مجموعة الكتب المنثورة على الطاولة وبدأت تفكر فيه، هذا المكان.. "هذا المكان هو المفضل لريان"

أجفلت لسماعها صوت أفكارها بوضوح فالتفتت للقائلة التي فسرت إجفالها على نحو آخر فقالت آية "لا تستغربي.. أعرف الكثير عن ريان" وضعت القدم على الأخرى وهي تقول بتفاخر كأنها تريد تسديد ضربة قوية لهذه الفتاة التي ظنت أنها ضعيفة وهشة "أجل.. أعرف مثلًا أنه يحب القهوة المرة وطعامه المفضل هو ورق العنب و-"

"خطأ" أرجعت رأسها للوراء لتراه يقف خلفها مجددًا.. شتمت عادتها الحمقاء التي تجعلها تسجن في ثنايا عينيه، ارتكى على الأريكة بيديه وانحنى إلى وجهها مقتربًا وهمس "ما أحبه هو حساء الدجاج.. صحيح نالين؟"

انقطعت نفسها وزاد نبضها، أرادت الهروب. تكره الهروب لكن منه هو المنجاة الوحيدة. كادت أن تعتدل في جلستها إلا أنه سمّرها بقبلة على جبهتها، ناعمة ودافئة.. ارتجفت أكثر وهو يهمس بأذنها "عفوًا" مبتسمًا لعوبًا ماكرًا.. رأته يبتعد عنها وهو يرسل إليها نظرات نصره، قد يكون أدرك.. أدرك تأثيره القوي عليها



جميع حقوق الرواية تعود للكاتبة هبة سليمان

Continue Reading

You'll Also Like

343K 27.4K 55
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...
145K 3.1K 12
لن ترحل الشمس للكاتبة سارة كريفن الملخص ان لم تتزوجي قبل حلول عيد مولدك الخامس والعشرين ، لن ترثي غرايس ميد. لم يكن أمام هارييت فلينت خيار إلا الرض...
5.4M 158K 105
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
150K 5.3K 46
بعد كسر قلب فيتوريو وهو يرى صديقه يتزوج الفتاة التي أحبها.... أقسم على ألا يسمح للحب ان يكون جزء من حياته بعد الآن.... ترى هل سيتمكن من ذلك.... أم أن...