سلسلة الأزهار و الزمن .. ج3...

By ShaimaaGonna

222K 8.6K 172

سنا البيلسان في دجى الأوركيدا....بقلم المبدعة منى لطيفي جميع الحقوق محفوظة للكاتبة ....... الجزء الثالث من س... More

اجزاء السلسلة
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و عشرون
الفصل الثاني و العشرون
الفصل الثالث و العشرون
الفصل الرابع و العشرون
الفصل الخامس و العشرون
الفصل السادس و العشرون
الفصل السابع و العشرون
الفصل الثامن و العشرون
الفصل التاسع و العشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد و الثلاثون
الفصل الثاني و الثلاثون
الفصل الثالت و الثلاثون
الفصل الرابع و الثلاثون
الفصل الخامس و الثلاثون
الفصل السادس و الثلاثون
الفصل السابع و الثلاثون
الفصل الثامن و الثلاثون
*الفصل الأخير*
*الخاتمة*
إعلان الجزء الجديد

الفصل التاسع عشر

3.5K 183 2
By ShaimaaGonna

نسخة معدلة ....


*الفصل التاسع عشر*

{الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل وإن اللبيب بمثلها لا يخدع........... الحسن البصري }

-هي طالق يا عمي ....طالق!

حل الصمت من جديد، فتحدث العم سعيد بجمود تمكن من صوته.

-أنا أثق بك بني، أعدها سالمة ولك ما تريده.

أغلق الخط ومقلتيه، يحاول التنفس بعمق ليهدئ من نار أحشاءه المستعرة أمام تامر الذي راقبه للحظة قبل أن يخاطبه بحذر:

: نوفل، استعذ بالله من الشيطان الرجيم.

تشنجت أطرافه ثم غمغم:

-أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

ثم ربت على كتفه، يقول بثقة:

-اهدأ، فلقد اقترب موعد التسليم ولدي فكرة، فأنت أدرى بالتعليمات، الأمن العام مقدّم على أمن الفرد، لذا اسمعني جيدا، لتقوم باتصالاتك حالا، قبل لقائهم.

*****

*منزل القناص*

بحثت عنه في سائر أرجاء المنزل، لتجده في الشرفة الأرضية، يتأمل الحديقة:

- نضال!

التفت على اثر صوت شاغلة أفكاره، يرمقها بتساؤل، فتقدمت لتخاطبه بغضب ارتسم على ملامحها بوضوح:

-أتعلم يا نضال؟ هناك كلمات عالقة في جوفي منذ سنوات وآن الأوان لأخرجها من صدري.

تفاجأ من غضبها يتساءل بحيرة:

-بيلسان! ما

لكنها قاطعته بغل تكمل:

-أنت متعجرف، منحل وزاني! بالمختصر المفيد أنت حقير نذل!

ارتفع حاجباه بصدمة، مفغرا فمه بينما هي مسترسلة بعصبية رغم خفوت نبرة صوتها:

-كيف تلهو بجنات، تغازلها وتعلقها بحبالك حتى أصبحت لا ترى غيرك ثم وبكل بساطة تتجاهلها وترميها من حساباتك؟

ضم شفتيه بعبوس وهي تقترب بينما تهتز على قدميها لتبلغ طوله وتلوح بكفيها بعصبية في الهواء:

-إلام تخطط بالضبط؟ هل تظن بأنني ساذجة غِرة ستغريني بما تفعله لتوقع الفتيات بشَرَك أهواءك! ....لا! أنت لا تعرفني يا سيد نضال! ولقد نبهتك من قبل بأن تحذر مني، فأنت لا تعرفني البتة!

ما يزال صامتا أمام اصبع سبابتها الذي ارتفع في وجهه يتابع حديثها الغاضب:

- ابتعد عني يا نضال! لا أعلم ماهي لعبتك؟ لكني أحذرك! احذفني منها وابتعد عني!

همت بالانسحاب لكنها تجمدت مكانها حين رد عليها بنبرة غريبة عليها:

-تزوجيني بيلسان.

استدارت تتفقد ملامح وجهه الصادقة، الخالية من أي تهكم أو استهزاء أو حتى عجرفته المعادة، مقلتيه البنيتين حازمتين، وجسده ببذلته السوداء الأنيقة شامخ مكانه كأنه يملك كل العالم بين يده ولا يكترث.

عادت إليه وتوقت قبالته، تجيبه بكل ما يعتمل به صدرها من انزعاج وضيق كان السبب به:

-السماء بنجومها أقرب إليك مني يا نضال!

استعاد عجرفته يبتسم بثقة بينما يرد عليها كأنها لم تستفزه أو تهينه:

- أنا بالفعل أملك السماء بنجومها، كوني لي وسأريك!

جعدت فمها وأنفها دلالة على استخفافها لما يريده ويرغب به، تجيبه باستهانة:

-إذن الولد المدلل لم يحصل على لعبة أعجبته.

تأملها من رأسها الى أسفل قدميها تغيم مقلتيه بطلتها التي لم يلاحظها قبلا بسبب دخولها العاصف، فستانها المحتشم ووشاحها الفيروزي يناسب بشرتها الشاحبة رغم عدم وضعها لأي زينة كما عهدها، فيجمح خياله إلى تخيلها بزينتها الكاملة:

-أنت لست أبدا بلعبة، أنت....

علّق بإعجاب فقاطعته متشنجة الملامح:

-اصمت!

ضاقت أنفاسه بسبب رفضها الواضح له، فحذرها بجدية:

-بيلسان الزمي أدبك!

ابتسمت بسخرية، تعلق:

-أدب! معك أنت؟

فكر في استفزازها بأي طريقة كانت، فلم يسبق له أن قابل فتاة بمثل ثباتها أو جمالها الطبيعي المصاحب لقوة شخصيتها، كلها، تركيبة مغرية بعيدة المنال:

-اذا كنت تخافين على صديقتك كثيرا، لماذا لم تخبريها بعد عن شقيقها؟!

اتسعت ابتسامته الماكرة حين حقق هدفه، فتهتف بغضب حارق ناسية بأنها قريبة منه:

-ابتعد عني وعن جنات! لا دخل لك في حياتنا، أنت تحسب نفسك ذكيا.

نطقت آخر كلمها بتهكم واضح، فرد عليها بينما يومئ بالإيجاب:

- أظن ذلك، لأن ذكائي لم يخني أبدا، وهو يخبرني الآن بأنك منافقة صغيرة.

شهقت بصدمة بينما يستطرد ببسمة مستفزة:

-أنت تكذبين على صديقتك التي تعتبرينها أمانتك من إبراهيم، فتحمينها وتصرفين عليها بسفه كي تعوضيها قريبها الميت، لكن يا ترى إلى أي مدى، قد تضحين من أجلها؟

قطبت بحيرة من هدفه وقلبها يهدر وسط صدرها:

-هل أنت مستعدة للتخلي عن ما تريدينه في سبيل ذلك؟

استوعبت مقصده فهتفت بغل:

- أنت متعجرف يا نضال وواهم!

ضحك بسخرية يسر شعورا بالقهر والغيظ، فيضغط عليها أكثر يرفض الاستسلام للهزيمة والاحساس الفظيع بالخسارة:

- بلى ....تفضلين الاختباء والتضحية بكل ما تتمنيه وترغبين به حقا في سبيل إخفاء الحقيقة عن جنات، حقيقة أن من قتل شقيقها أمامك هو والدك ...والدك الذي لم يتجرأ على قتلك حين لاحظ شبهك بابنته الأخرى.

-أصمت!

-ماذا؟

انطلقت منها الصيحة مصاحبة لصفعة على وجه نضال في نفس اللحظة التي انطلق بها تساؤل صادم، فالتفتا إلى المصدومة كليا تسيل دموعها مدرارا على وجنتيها بما يوحي بسماعها لكل ما فات، رغم أنه لم يكن بنفس حدة آخر حديثهما الذي أخرجها عن صمتها.

شلت أطراف نضال، لا يصدق بأنه تمادى في عجرفته وثقته بنفسه، فعلم يقينا أنه خسرها، أما بيلسان فهرولت إلى جنات، تمسك بذراعيها تهتف بحزن باك متوسل:

- أرجوك جنات، اسمعيني حبيبتي، أنا....

-هل...وال....والدك من..؟

أسكتتها تجيبها بينما تهز رأسها مرات عدة:

-لا... لا تقولي والدي، ...ليس والدي ...إنه سفاح قاتل.

نفضت جنات نفسها من بين كفي بيلسان، تسألها بقسوة:

:لماذا لم تخبريني منذ البداية؟ أ لهذا تحملت مسؤوليتي؟ كي تعوضيني موت ابراهيم؟ لكن ما لا تعلمينه يا بيلسان!

احتدت مقلتيها الذهبيتين حتى لمعتا بلهيب حارق، تكمل:

-إبراهيم لا يعوض بالمال يا بيلسان ولا حتى...

رمت نضال بنظرة مشمئزة تشعر بستارة ما وقعت مرة واحدة لتتركها مع حقيقة على قدر ما فاجأتها على قدر ما أيقظتها بصفعة قوية مؤلمة، لقد كانت مفتونة بنضال، فتنة ضعفت أمامها فتنازلت عن العديد من حدودها رغم تأنيب ضميرها واستغفارها المستمر، مدركة لما تفقده من قوة قربه لتصد طغيان فتنته عليها:

-ولا بحب تمنيته واكتشفت الآن فقط بأنه مجرد شباك فتنة من الشيطان انسقت خلقه بكل غباء.

صاحت بيلسان تهتر بضياع، فقد آن أوان مواجهة كل مخاوفها، تتوقع ما تخشاه:

-أنت مخطئة، صحيح أنني أردت تعويضك لكن ليس بهذا الشكل الذي تقولينه، لا! وحب من؟ أنا لا أحبه بل أكرهه!

نطقتها بحقد مغيظ لم يسبق أن شعرت به، أجفل نضال متيقنا من انعدام الأمل بالفوز بها، فأومأت جنات برأسها تقول بأسف وخيبة أغرقاها ببحر اليأس:

-أنت خذلتني بيلسان! خذلتني.

استدارت تعدو خارج المنزل بأكمله، تشعر به يجثم على صدرها ببرودة جدرانه، فتبعتها بيلسان يائسة قبل أن يوقفها نضال، يقترح عليها:

اتركيها تفكر قليلا كي تراجع نفسها.

صرخت به دامعة العينين:

-ابتعد عني! أنت مصيبة، بلاء!

أسدل جفنيه هنيهة يتجرع مرارة قولها لأول مرة ينقبض قلبه بوجع منذ أن قرر التخلي عن الإحساس نهائيا حتى ينقذ نفسه من عذاب غرق به بالماضي، فيستعرض عليه فؤاده شريط مآسي عائلته كأنه كان في انتظار حدث جلل يؤثر على قلبه بصدق ليستقبل موجا عظيما يطغى على حواسه كليا، فيلقي به عميقَ ظلمته الحالكة السواد:

اتصلت بزيد سيراقبها، لا تخافي عليها!

نفخت بمقت نطقت به مقلتيها والتفتت مستديرة تبحث عن حل كل مشاكلها، من تحتاجه حقا في حياتها وكلها تصميم لتحقق ما توصلت إليه كقرار حازم.

****

*النادي*

يسرع من خطواته، فقد تأخر بعمله كالعادة ولم يشعر بنفسه إلا والساعات تمر كالدقائق، وحين وجد هاتف زوجته مغلقا اتصل بوالدتها التي أخبرته بأنها مع احدى صديقاتها لم تلتقيا منذ زمن فقررتا البقاء للعشاء في النادي.

استغرب عدم اتصالها لإخباره لكنه سريعا ما تجاهل ذلك، فشحن هاتفها انتهى لابد فجأة وهي تتوقع تأخره هو الآخر بالعمل، فعلى كل حال لم تكن إسراء مستهترة لتتعمد عدم إخباره.

بحث عنها متفقدا المطعم المفتوح على الحديقة الكبيرة، فلمحها تبتسم بأناقة تتقمصها ببراعة حين تريد إثارة اعجاب أحد ما، ابتسم للخاطر، فلكم يعرف أدق تفاصيلها.

خطا إلى المائدة يتفحص من حولها، أسرة صغيرة كأسرته بالضبط، صغير ورضيعة مع والدة في مثل سن زوجته، تشبهها إلى حد كبير في هيئتها و.... لاح عبوس طفيف على ملامحه حين لاحظ رب الأسرة جالس برفقتهم وان بعد مقعده قليلا عن الطاولة وراوده احساس بالغيرة انخفضت حدته حين لمح سيدة كبيرة في السن، بصحبتهم أيضا.

-السلام عليكم... مساء الخير،

*هل هي مصدومة؟ ما بها؟ ألم تسعد برؤيته؟ تساءلت دواخله وهي تنهض من مكانها يبدو عليها الارتباك، تسأله بحيرة بينما تتلقى قبلته على جانب رأسها:

-خالد؟ ألم يكن لديك اجتماع مدراء؟

ابتسم برزانة، يجيبها بلباقة:

-بلى، لكنني تسللت هاربا من أجلك والصغيرين.

ابتسمت بتوتر، فاستطرد والقلق يدق نواقيسه بعقله:

-ألن تعرفيني؟

التفتت إليهم، تقول بارتباك واضح له قد يبدو لغيره خجلا:

أعرفكم إلى زوجي خالد، هذه صديقتي منذ زمن، تفاوت والضابط ياسين زوجها والسيدة والدته.

هز رأسه لصديقتها وحماتها ثم بسط يده ليصافح ياسين، القائل ببسمة ودودة:

-أخيراً تعرفت إليك، سيد خالد.

رمقه بحيرة متسائلا، فاستطرد بينما إسراء غارقة بتوترها:

-كل مرة نلتقي بأسرتك هنا، نسأل إسراء عنك، فترد بأنك في العمل.

ضحك ظاهريا يكتم غيرته من نطقه باسمها مطلقا كأنه يألفها أو يعرفها منذ زمن :

-إذن إنه من حسن حظي أنني قررت التملص من العمل.

انضم إليهم واستقبلوه بحفاوة وجاور ياسين في مكان جلوسه، وحين طرف بأنظاره نحوها لاحظ عودتها لتلبس تلك الشخصية المثالية وكل دقيقة تمر يكتشف فيها مدى الشبه بينها وبين صديقتها التي لا يعرف عنها شيئا من قبل، تاريخ الزواج وتواريخ الولادات ودراسة إسراء، بالمجمل طريقة حياتها بل حياتهما وما أجج نار الشك بعقله حديث والدة ياسين الذي وجهته لإسراء:

-أخبرتني تفاوت أنك ستلحقين ابنتك بمدرسة عبد الله.

نظرت إليه قبل أن تجيب باسمة بارتباك:

-أجل سألت عنها وأعجبني ما سمعته، إنها جيدة.

عقبت تفاوت بتلقائية والآخر سمعه معهن كالصقر:

-وكأنك تبحثين خلف قول ياسين، يكفي أن يشهد على أمر حتى تبصمين عليه بالعشرة، أنتما تشكلان حلفا يغلبني.

أحرقت الغيرة أحشاءه، وتفاوت تتابع بعبوس مزعوم:

-على فكرة، أنا لم أكن موافقة من الأساس على إلحاق صغيري بالروضة، مهما كان مستوى المدرسة رفيعا.

-وكان ذلك رأي أيضا سيدتي.

علق بتهكم يصر على حروف سيدتي قاصدا، فعقب ياسين مستشعرا تغير ملامحه:

-طبعا أنت الوالد ورأيك مهم جداً.

تدخلت والدته لتكمل بالقشة الباقية والتي هدت المعبد على رأس إسراء:

-لا تحاول يا ابني خالد، إذا قرر ياسين أمرا ما تؤمن عليه إسراء، فتوافق تفاوت بلا حول ولا قوة.

وقف بحدة أجفلت الجميع، فبلع ريقه يقول بثباث كلفه كل ذرة صبر مخفية في جنبات أحشائه:

-أعتذر إليكم لكنني تعب للغاية، فرصة سعيدة جدا وأتمنى أن نلتقي مرة أخرى.

وقفوا بدورهم وصافحه ياسين بتردد يستشف منه نوعا من الرفض، فضمت إسراء الرضيع خوفا من ملامح لم تراها قبلا على صفحة وجهه وهو يأخذ ابنته بين ذراعيه كأنه يهدئ بها أعصابه الثائرة.

ركبوا السيارة بصمت أثقل بحضوره بينهما وهو يقود بجمود، لا يلتفت إليها أبدا وحين نفذ صبرها، سألت بحذر:

-خالد؟

لم يسمعها غارقا في بحر أفكاره تلقي به إلى واد سحيق مع أسئلة أخرى تفرض عليه وجودها الأليم، هل هو حب قديم؟ هل نبذها وتزوج بصديقتها؟ هل تحبه لتلك الدرجة؟ هل تقلد زوجته لتظهر له مدى خسارته؟ أم تعيش معي حياته هو؟

-أف!

-خالد أبطئ السرعة، أنت تخيفني!

استيقظ من جحيم تخبطه المستعر، فتحكم بالمقود وأبطأ من السرعة يحدق بالطريق وحين لاحظت هدوءه تحدثت من جديد تحاول التكهن بما استنتجه:

-خالد ...أنا...

شهقت حين أوقف السيارة بحدة وسألها بهدوء مريب:

-هل سبق وخطبك أو....

قطبت ترد بعجالة:

-ماذا....خا...

قاطعها بحدة:

-أجيبيني إسراء!

انتفضت وبلعت ريقها ولم تستطع الكذب، فردت بجزع:

-كان قد حدث أخي ، لكن...

-انزلي!

-ها؟

ألقتها ببلاهة قبل أن تكتشف بأنها أمام بنايتهما، فحاولت من جديد:

-خالد...أنا.

-انزلي إسراء!

كان بالفعل غاضبا وغيورا حد الجحيم ويجب عليه الابتعاد كي يفكر جيدا قبل أن يرتكب فعلا أو يقول شيئا يندم عليه وما إن نزلت حتى انطلق بالسيارة كالمجنون تاركا خلفه قلب إسراء يصرخ باسمه كصرخة عجلات سيارته.

*****

تأففت بضجر، فقد مرت ساعة من الزمن ولم يتحرك أحد وكل ما جنته التوتر والفراشات تلهو بمعدتها ويبدو أنه يشعر مثلها، فيلهي نفسه عنها ، بأي شيء و كل شيء:

-أنا مللت.

ابتسم ببرود يرد عليها، حامدا ربه على أنها تحدثت أخيرا كي تلهي باله عن حضورها الطاغي في السيارة، فنظرتها المنبهرة كأنه بطلها ما تزال عالقة بذهنه.

-الصبر أهم ميزة يتصف بها المحقق.

ضمت شفتيها تهز رأسها مؤكدة ثم قالت:

-أنا متأكدة من أنه يخفي شيئا ما.

-إنه فعلا يخفي شيئا ما، لنأمل فقط أن لا يغير حضورك خططه.

همت بالرد لكنها ربتت بخفة على ذراعه بدل ذلك لينظر إليها بحيرة فأشارت له إلى مدخل المرأب الضخم حيث لمح أول شاحنة تنطلق، فشغل محرك سيارته استعدادا والأخرى بجانبه تعد بحماس أضحك صدره دون فمه:

-واحدة، الثانية، .....العاشرة؟ إلى أين بكل تلك الشاحنات؟

انطلقا خلفها وأسد يرد بتصميم:

-ها نحن سنعلم بإذن الله.

كانت الوجهة بعيدة بعد أن عبروا المنطقة الخضراء منها إلى الطريق الصحراوي هناك انعطفوا إلى منطقة مهجورة حيث مكان شاسع محاوط بسور.

أوقف أسد السيارة بعيدا عن المكان ثم سحب المنظار يراقب تحركاتهم والأخرى تسأله بنفاد صبر:

-ماذا يفعلون؟

-يحملون الشاحنات.

رد عليها بينما يراقبهم عبر المنظار، فسألت مجددا.

-هل ترى بماذا؟

أومأ سلبا، يقول أنه يفكر بصوت عالي:

-هل من الممكن أن تكون الهدف؟ ...ممكن! ونحن نراقب التهريب عبر البحر، لم نكن على دراية بأن له طريقا عبر الصحراء، يجب أن أفكر كيف سأفتش البضاعة لأتأكد.

-أسد؟

-مممم؟

غمغم وهو ما يزال مراقبا بالمنظار، فسحبته تهمس بقلق ناظرة إلى المرآة الجانبية.

-هناك قادم نحونا...ثلاثة بالأحرى.

نظر إليهم عبر المرآه يسحب مسدسه، يجهزه بحرفية، فهتفت بخفوت:

-لا ....سنفسد العملية كلها، لا أصدق بأننا وجدنا خيطا لن نفقده.

لم يكد يسأل عن قصدها حتي وجدها تتحرك نحوه بعد أن ضغطت علي زر أسفل المقعد تعيده إلي الخلف، وتهمس له محذرة: إياك أن تتحرك سنتظاهر بالنوم حتى يرحلون.

كانت لحظات عصيبة توالت بسرعة الضوء بعقله، يتأرجح فيها بين نارين، الدفاع عنها وخسارة مصدر المعلومات حاليا كما أن هناك نسبة كبيرة بأن يغلبوه ويؤذوها، وعند تلك الفكرة تصرف بسرعة وسحب غطاء الطوارئ وفتحه وألقاه عليها:

-غطي نفسك كلك هيا بسرعة!

فعلت كما قال وسكنا كل واحد منهما بمكانه يأمل أن يتوقعاهما رجلين، دقات قلبه تتعب صدره برعب لم يشعر به قبلا، وكل الاحتمالات تتوالى على خياله ببشاعة ما قد يحدث.

-لا تكترث، إنهما مسافران يرتاحان ليس إلا.

التقط حديث واحد منهم رغم خفوته والآخر يتساءل بريبة:

-هل نتأكد؟

تصلب تلك اللحظة وبلغ به الأمر ذروته من الرعب، فحبس أنفاسه بمشقة متأهبا حتى سمع الأول يؤكد بما طمأنهما وأيضا أكد لهما أهمية ما تحمله الشاحنات.

-التعليمات واضحة ومشددة، لا نريد لفت الانظار إلينا... هيا بنا سنراقب من بعيد.

وبالفعل انصرفوا بعد برهة وما إن تأكدوا من ابتعادهم أطلق أسد سراح أنفاسه كما فعلت هي بخفوت كأنهما ولدا لتوهما من جديد.

وفي تلك اللحظة بالذات شعر أسد أنه لم يعد لأي شيء أهمية سواها وأمنها، أما هي فراودها إحساس بأنهما لن يعودا كما كانا من قبل أبدا.

*****

*بيت سامي*

-سحر لا أعراس الليلة، الصغير محموم ولن يريد غيرك.

نطقها سامي بحنق لكن هادئ، عله يُفهم الباردة أمامه بأنها لا تستطيع الذهاب للعرس والصغير محموم لكنها لا تيأس:

-حبيبي إنه عرس عائلة غنية، لا يتاح لنا دائما حضور مثل تلك الأعراس.

تأفف من غبائها واستهتارها معا، فاقدا لأعصابه ألا يكفيه اختفاء تسنيم طوال اليوم؟ هاتفها مغلق حتى أنه تجرأ وذهب قرب بيتها، لكنه لم يعرف شيئاً ولولا بقية باقية من عقله لكان دق على باب بيتها ليطمئن عليها، يشك بأن زوجها ضربها مجددا:

-سحر أصمتي! الصغير نائم ...اذهبي ونامي قربه وإن عادت حرارته نأخذه إلى المستشفى.

زفرت بغضب حارق تتوعده بسرها، صديقاتها يهاتفنها كل حين يسألنها إن كانت حقا ستفوت عليها عرس الموسم، عرس ابنة القناص وقد حالفهن الحظ بتلقي الدعوات عبر ليندا.

رن هاتفه، فتلقفه بلهفة لاحظتها الأخرى كما قطبت من قوله المقتضب:

-أنا قادم، حالا!

قام يرتدي ملابسه بينما يخبرها بتوتر:

-إنه صديق يحتاجني بشدة، لا تقومي من جانب منير وإن طرأ طارئ هاتفيني فورا...اتفقنا؟

أومأت عدة مرات لا تصدق حظها، فغادر مسرعا كما أسرعت هي الأخرى، ترتدي الفستان الباهظ الذي اقتنته خصيصا لتلك المناسبة كي تستعرضه أمام صديقاتها، قبّلت الصغير النائم كأنها تكثرت ثم همست له:

-أنت بخير، ستنام كالملاك إلى أن أعود.

هرول إلى سيارته، ينطلق بها الى حديقة البحيرة حيث تنتظره تسنيم فقد صدم حين أخبرته بنبرة غريبة أنها تنتظره هناك مع صغيرتها.

لمحته فركضت إليه بنفس لهفته لتتوالى عليه المفاجآت بداية بوجهها المكدوم كليا ثم ارتمائها عليه والرضيعة بين يديها، تهتف ببكاء حارق:

-خذني بعيدا يا سامي، أنا تعبت و لم أعد أقدر! لا تتركني أرجوك، خذني بعيدا، أرجوك لا تتركني!

*****

أنهى أمين اتصاله مع شقيقته، فتنهد بحزن يفكر في حالها، تظن بأنه يصدق أكاذيبها ومحاولاتها الواهية، تدّعي السعادة الزوجية.

رفع رأسه إلى السماء يدعو بخشوع:

-يا رب أنت الجبار فوق كل متجبر وأنت الرحيم بنا يا رب.

انتفض بدنه مع دقات متتالية، تهز باب بيته من حدتها، فركض ليفتح الباب حيث هتفت والدة الخنساء لوعة وقلقا لم يعهدهما بها:

- بني ساعدنا، سالم فقد عقله...الحق خنساء يا أمين!

رد عليها مقطبا بريبة:

-ما بها خنساء يا خالة؟ بل ما بك؟

سحبته دون مراعاة نحو شقتهم مما ضاعف من ذهول أمين الذي تلاه صدمة جحظت لها عيناه:

-لقد جن، كسر التلفاز وكان سيضربني والآن .....الآن اتى برجال يقول بأنه سيزوج خنساء لأحدهم.

تختبئ خلف باب المطبخ بينما تسمع حديثهم ولا يملأها سوى الفراغ، شقيقها سيزوجها لرجل من أصدقائه، فتستغرب لم لا تشعر بأي شيء! ألا يفترض بها البكاء، الفزع، لماذا هذا الاستسلام الذي يطغى عليها؟ كانت تعلم بأن شقيقها في طريقه لمصيبة تدمرها، من يوشك على ضرب والدته التي أنجبته قد يفعل أي شيء! لذا توقعت ما هو آت إليها واستسلمت لليأس، فماذا تستطيع فعله أمام جبروت شقيقها؟

انتبهت على دخول والدتها لتسمع الحوار الذي أيقظ كل حواسها مرة واحدة، كأنها كانت ميتة وانبعثت من جديد:

-سالم ما هذا الذي أسمعه؟

-أريد تزويج أختي يا أمين، أريد سترها!

-لكنها صغيرة يا سالم ولمن ستزوجها؟

تدخل صوت غريب لا تعرفه، يتحدث بقسوة:

-ليست بصغيرة يا أخ، والفتيات عورات ليس لهن سوى الزواج.

عاد صوت سالم الذي وجه الحديث لأمين، فتستشعر خنساء ارتعاشا ما بنبرته، تستنتج ساخرة بأن شقيقها ليس حتى واثقا مما يفعله:

-جيد أنك أتيت لتشهد على العقد.

-إن كنت مصر على تزويجها، فلا أحد سيتزوج منها غيري.

حل عليهم الصمت ليستطرد برجاء:

-ماذا يا سالم؟ ألا تثق بي؟ أنا أعتبر من العائلة وأولى بها ...أم أنك لا تثق بأنني سأحميها وأصونها؟

تدخل نفس الرجل السابق وقد تحولت قسوته إلى حنق:

-أتخطب على خطبة أخيك يا هذا؟

رد برزانة يستغفر ربه من كذب مضطر إليه، فما يفعله سالم يسمى تهورا وسيندم عليه بعد فوات الأوان:

-بل أنت من يفعل ذلك يا أخ، لقد حدثت والدها مرة وقال بأنها ما تزال صغيرة، هذا يعني أنني سبقتك إليها.

بدت نبرة سالم لشقيقته كأن بها رجاء:

-لماذا لم تخبرني أنا؟

كان التوتر جليا على نبرته وهو يجيبه:

-خشيت أن تسيئ فهمي، فلا تقبل بصداقتي بحجة أنني أردت شقيقتك زوجة لي.

حل صمت معذب آخر لقلبها، تحبس أنفاسها كما تشد على الباب، فكان أمين يشاركها نفاذ الصبر دون علمه:

-ما رأيك يا أخي؟

شهقت خنساء بشدة حين سمعت نبرة شقيقها يجيبه بسرور ظاهر على صوته:

طبعا يا أخي... أنا موافق.

Continue Reading

You'll Also Like

3.7M 194K 96
رومانسي_أجتماعي_دراما_غموض_تشويق_كوميدي_عائلي الجزء الاول والثاني والثالث معًا (مكتملة)
10.6K 1.4K 25
سنة ١٩٩٢... يوم ٢ أكتوبر ... في الساعة الثالثة والتسعة دقائق عصرًا .. كان اليوم الذي فقدت به هي كل ما تملك لتتحول من مجرد فتاة الي شرطية تدافع عن جنس...
432K 10.4K 33
أشواك ♥ورد *مميزة (1) سلسلة الأزهار و الزمن ** معدل ** وردة نبتت وسط حديقة غناء، أصابتها قطرة مسمومة فأحاطتها بشوك...تميزت بشوكها و سط الورود وكل م...
91.8K 2.9K 24
أُغمض عيني... أغوص بالأعماق... أهرب من واقعي... هنا أشعر بالسلام.. بالطمأنينة.. بعيدًا عن البشر.. هنا أجد راحتي.. أبحث عن ذاتي.. أحتاج ليد العون، فأج...