الفصل الثالث

4.9K 229 8
                                    

نسخة معدلة ...


*الفصل الثالث*

{ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء .....الحسن البصري }

ألقى بالمفاتيح على الطاولة الرخامية الحاملة لمرآة كبيرة تزين بهو بيته حيث استقبلته رائحة زكية كالعادة، معطرا للجو ساحرا من عبير الزهور وتلك الرائحة الأخرى التي تنبئ بعشاء لذيذ. نزع ربطة عنقه ورمى بها على كرسيها المفضل ليتبعها بسترته بينما يكتم ابتسامة ماكرة تلمع بها مقلتيه السوداوين ثم توجه إلى غرفة النوم، مدركا انشغالها في المطبخ تكمل تجهيز العشاء والصغيرة تلون رسومها المفضلة على طاولة المطبخ برفقة الرضيع على كرسيه الخاص يلعب مسرورا بالبسكوت الهش، فهو يفضل الانتعاش أولا مع سماع ثورتها المعتادة التي لم تتأخر حين اتسعت ابتسامته بمرح مستمتع

_خاااااالد!

استدار متوقعا دخولها العاصف بأناقة يستغرب كيف تصاحبها في أدق تفاصيل نهارها وليلها

_متى ستغير عاداتك اليومية يا خالد؟ ... يا إلهي!

لوحت بسترته والربطة قبل أن تعلقهما في مكانهما، لتستدير مبتعدة بحنق، فلم يمهلها يمسك بمعصمها مقربا إياها منه، يهمس لها بحب بينما هي تحاول التملص منه

_كيف حال صاحبة البدرين الزرقاوين؟ ألم تشتاقي إلي؟

قلبت شفتيها بعبوس طفولي وهي تجيبه

_ خالد اتركني! الطعام سيحترق والصغيرين في المطبخ.

انسلت من بين يديه وانسحبت تهرول ليزفر بحسرة وضجر بينما يلحق بها ليداعب الصغيرين منضما إليهما حول المائدة، فيرمقها بنفس نظراته الولهة مذ رآها أول مرة في شركة أهلها قبل سنوات، دق قلبه للون البحر الصافي في مقلتيها ليعترف في تلك اللحظة بأن شعور الحب أصاب قلبه بسهم عشقها.

صُدم بعدها حين ظن بأنها بعيدة عنه بعد السماء عن الأرض، كيف لا! وهي ابنة يوسف الجندي سليل العائلة العريقة وأغنى أغنياء المدينة وأصحاب المجموعة التي هو مدير أحد أقسمها الإدارية في إحدى شركاتها لذا قرر نسيان الموضوع واكتفى بتمنيها من بعيد حتى تفاجأ برحمة القدر حين أرسلها والدها لتتدرب في قسمه وتحت امرته وبعد مدة صغيرة لم يستطع كبح جموح مشاعره الجارفة نحوها ليعترف لها يوما في مكتبه بحبه لها ورغبته الحارقة في الاقتران بها، هنالك تجمدت أوصاله منتظرا جوابها كما تجمدت هي الأخرى دهشة قبل أن تطلب منه مهلة للتفكير فأشعلت جذوة الأمل في صدره وبلغت فرحته عنان السماء حين أخبرته بموافقتها.

يتذكر يوم حدّث والدها بتوتر بالغ بسبب الفارق الشاسع بين مستواه المادي وبين مستوى أهلها، فهو شاب من أسرة متوسطة كافح في دراسته وتفوق فيها ليحصل على منحة دراسية أكمل بها دراساته العليا في الخارج ثم عاد ليعمل في بلده مؤمنا بأن الكفاح وسعي العبد لتحصيل الرزق تحت كنف الرزاق الكريم لا يواجه خيبة أبدا وكان الله عند حسن ظنه، تحسن وضعه الاجتماعي لكن رغم ذلك يظل نقطة في بحر ثروة الجندي.

سلسلة الأزهار و الزمن  .. ج3 .. سنا البيلسان ..بقلم المبدعة منى لطيفيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن