سلسلة الأزهار و الزمن .. ج3...

By ShaimaaGonna

222K 8.7K 172

سنا البيلسان في دجى الأوركيدا....بقلم المبدعة منى لطيفي جميع الحقوق محفوظة للكاتبة ....... الجزء الثالث من س... More

اجزاء السلسلة
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و عشرون
الفصل الثاني و العشرون
الفصل الثالث و العشرون
الفصل الرابع و العشرون
الفصل الخامس و العشرون
الفصل السادس و العشرون
الفصل السابع و العشرون
الفصل الثامن و العشرون
الفصل التاسع و العشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد و الثلاثون
الفصل الثاني و الثلاثون
الفصل الثالت و الثلاثون
الفصل الرابع و الثلاثون
الفصل الخامس و الثلاثون
الفصل السادس و الثلاثون
الفصل السابع و الثلاثون
الفصل الثامن و الثلاثون
*الفصل الأخير*
*الخاتمة*
إعلان الجزء الجديد

الفصل السادس عشر

3.9K 177 1
By ShaimaaGonna

نسخة معدلة ....


*الفصل السادس عشر*

{من عرف الموت ،هانت عليه مصائب الدنيا..........الحسن البصري}

*جناح بيلسان*

- جنات؟ أخبرتك قبلا ...لا تسلمي قلبك دون تفكير وماذا فعلت؟ كنت ستمنحينه أكثر من قلب وتعصين ربك.

أسدلت جفنيها يأسا، تربت على ظهر جنات بحنو حين أصدرت شهقات حارقة داخل أحضانها، تجيبها بكآبة:

- إنه الحب يدخل القلب دون استئذان، لم يسبق لي أن شعرت بمثل هذا الإحساس ...أنا..

مطّت بيلسان شفتيها حنقا منه ومن نضال على حد سواء ثم أبعدتها قليلا تخاطبها بهوادة:

- حبيبتي، لقد سمعته بأذنيك، من يحب لا يخون، هل ترضينها لنفسك؟ لأنني لا أفعل!

ثم رفعت أصابعها تمسح دمعات جنات التي ترمقها بتأمل حيرها، فسألتها بهزة رأس لتجيبها الأخرى بسؤال آخر:

- كيف تفعلين هذا؟

ضمت بيلسان حاجبيها تساؤلا لتردف جنات مفسرة :

- كيف تتحكمين بقلبك هكذ مع أنك صادفت العديد من الشباب؟ آخرهم شباب عائلتك ..نزار، رضوان، وكذلك نضال.

نظرت إليها بيلسان مجفلة تفتح فمها، فتابعت جنات بحزن:

-أعترف بأنك أنسب له مني، على الأقل غنية مثله وقوية و.......

قطعت حديثها حين أمسكت بيلسان يدها،تخبرها بحزم :

- أنا لا ولن أفكر في نضال أبدا، ما أرفضه لك حبيبتي هو نفسه ما أرفضه لنفسي، أنت أغلى لدي من نفسي ونضال هذا لا يناسب فتاة عفيفة مثلك ...بل تحتاجين لشاب ملتزم، دمث الأخلاق، وفِي يحافظ عليك لا أن يتنقل بينك وبين أحضان أخريات كأنه يشم عبير الأزهار.

استرسلت حين لمحت تركيزها على حديثها شاكرة ربها على ما سمعته وتدعوه أن يوقظها من غفلتها هذه كما تحمد ربها على عدم انجرافها هي خلف فتنة نضال الطاغية:

- المال والجمال يا حبيبتي يذهبان مع الزمن أو تقلب الأقدار ويختفي، حين تقررين الزواج من رجل ما، أول الأمر تحققي من دينه وأخلاقه وبعد الاستخارة تأكدي من أن يراك دون أية زينة، سواء على وجهك أو هيئتك أو أخلاقك، تأكدي من أن يراك كما أنت دون تنميق يخفي حقيقتك، وإن تمسك بك وجاهد ليصل إليك ....حينها فقط ...توكلي على الله وأمنيه على نفسك.

توقفت عن البكاء، فأعادتها بيلسان إلى حضنها تمسد على رأسها بينما تهمس برجاء:

- اللهم وفقنا لما تحب وترضاه.

***

* بيت العم سعيد*

- كيف تفعل بي هذا؟

زفر بخفوت يشير الى مقعدها:

- اجلسي سلوى ودعينا نتفاهم.

جلست بحدة، تهتف بنفس خفوتها :

- وهل تركت مجالا لتفاهم؟ يا إلهي، أنت وضعتني أمام الأمر الواقع!

ابتسم، يرد بهدوء:

-إذن تعترفين بأن زواجنا أمر واقع؟

زفرت بغل تتهرب من عينيه:

-لا تغير الموضوع ...الأستاذ عز الدين كلمك، أليس كذلك؟

صمت يضغط على شفتيه، فأردفت بغضب:

وهذا رد فعلك؟ ماذا؟ تتزوج مني غصبا وتحبسني في البيت؟

ظل على صمته وبوادر فقدان الصبر تلوح على ظلمتيه بينما هي مسترسلة بصلف:

- لن تستطيع يا حضرة الضابط، لن تستطيع إحكام طوق الأصفاد على رسغيّ ولا الإقفال عليّ في زنزانتك.

فقد صوابه وقام يَهمّ بالهتاف، فقامت بسرعة تحذره:

- شششش!

ابتسم بسخرية، يهمس بغضب:

-أين الشجاعة يا حضرة الأسد؟ الأولى أن تفرضي رأيك وترفضيني .

ردت بغيظ :

-أنت تعلم بأنني لا أستطيع كسر كلمة أبي.

اقترب منها يخاطبها بلوعة رغم ما يغمره من حنق :

-لأنه يعلم بأنني مناسب لك وسأحافظ عليك، وليس بعيدا أن يكون على علم بحبي لك.

تجمدت للحظة على إثر اعترافه، فتابع بغيظ وإن شابه بعض التوسل:

- أخبريني سلوى بأنك لا تبادليني نفس شعوري ...هيا! أخبريني بأن قلبك لا تسرع دقاته كلما لمحت طيفي أو حتى تذكرت وجودي لأن هذا بالضبط ما أشعر به ناحيتك.

فغرت فمها مصدومة من صراحته ومطالبته بينما هو يكمل بعزم:

- إذن وفري علينا دور المظلومة المجبورة يا سلوى.

رفعت أنفها بأنفة، ليعود ذلك الإحساس البشع ليحتل قلبه للحظة:

-أنا حرة يا نوفل، حتى و إن حصل وتزوجت مني، سأتابع عملي و لن تتحكم بي ...

أمسك بمرفقها، يهمس بلوعة حانقة وأنفاسه الهادرة تلفح بشرة وجهها المتشنج بصدمة وقد استعاد ما يعرفه عن سهيل العلام، فينبض قلبه هلعا عليها يتخيلها مغتصبة أو مقتولة بأبشع الطرق:

- بعيدا عن الزواج، أنت ستنسين أمر سهيل العلام ...تسمعينني؟ أقول هذا ليس لأتحكم بك لكن لأحميك، اصبري قليلا وثقي بي، صديقتك ستستعيد حريتها، فقط ثقي بي!

تركها ببعض من الحدة وانصرف تجاه الشرفة، فأطلقت سراح نفسا كانت قد نسيت كيف تخرجه وهي بين يديه وارتمت جالسة ، تحاول إعادة دقات قلبها إلى نظامها المنضبط دون جدوى.

***

*منزل القناص*

كلاهما يرمي مدخل القصر بنظرات أخفيا لهفتها بجدارة، واحد منهما ينتظر مستغربا من عدم سؤالها عن فحوى الاجتماع كعادتها الفضولية بكل ما يتعلق بتهامي والآخر يتمنى رؤية العينين الذهبيتين ولو لمرة واحدة يستعيد فيها تلك النشوة المنعشة لسائر أحشائه.

تحدث و هو يحاول إبعاد ذكراها عن خياله:

-لا أصدق بأن تامر المنشاوي نفسه مصدر كشف عمليات إرهابية.

نظر إليه أسد مجفلا ثم قال متداركا نفسه:

- أظن بأنك تعرفه.

أومأ يجيبه:

-لو سألتني حينها كنت أجبتك بأنه كان سيتسبب بسجني مدى الحياة وسجن أحب الناس إلي، لكن الآن ...

هز كتفيه بخفة، يردف:

-بعد تفكير عقلاني، أنا ممتن له، فبسبب قضيته تعرفت على ليث الذي جندني لأتجسس على رجاله وحين نجحت في المهمة، أرسلني هو والوزير الذي كان عميدا حينها إلى معهد الشرطة لأحقق حلمي الوحيد، لذا أنا فعلا ممتن له بغض النظر عن كل شيء آخر..

هز ليث رأسه، يتساءل:

-أذكر تلك القضية جيدا، فهي كانت تخص ابنة نائب الوزير المرحوم علي الخطاب التي تبينت بعدها أنها ابنة الوزير حاليا التي أخفاها بسبب السفاح.

رد زيد بوجوم:

-بلى، من كان يدري أن تلك الفتاة التي تمنح السعادة لمن حولها تعيش تلك المأساة لكنها سعيدة الآن فالعميد ليث يحبها جدا ويحميها بحياته.

أكمل حديثه بابتسامة واسعة، فعقب أسد باسما هو الآخر:

-يبدو أن لها مكانة عزيزة في قلبك.

اومأ مؤكدا قوله:

- أجل لكن لا تذكر الأمر أمام العميد ليث، فهو يغار بشدة ويحِقّ له، فهي تستحق.

عاد كلاهما إلى سهو الأفكار يتساءلان إن كان مقدرا لهما نفس حظوة ليث بالحب، ولم يعلما بأن العميد كان قد سأل جدته نفس سؤالهما يو ما قد مضى.

****

*بيت الأستاذة تسنيم*

- ما بها هذه؟ تبتسم كل لحظة، هل جنت أخيراً؟

فكرت حماتها وهي تتأمل ابتسامتها البلهاء بحيرة و هي تناغش ابنتها حينا وتنظر إلى التلفاز أخرى، فتحدثت بنزق لتفسد عنها مزاجها الغريب :

-هل تركت عشاء لزوجك؟

-ها؟

أيقظتها من أحلام زارت فكرها للحظتها، لا تعلم كيف تجرأت وقابلته؟ لم تستطع إقصاء طلته من مخيلتها وهو يضم ابنتها بحنان ويحدثها بكل احترام، فتنهدت تسر جملة ما بين غيرة وحسد "سعدت به زوجته":

- طبعا، فزوجك آخر من يخطر على بالك.

همت برد حانق لكنها تذكرت نصيحة الآخر بمجاراة الظروف حتى تجد حلا مناسبا، فسألتها بينما تغتصب ابتسامة باردة:

-لماذا يا خالة؟ ما كان سؤالك؟

استغربت حماتها لكن غرورها سريعا ما أقنعها بأن صفعة ابنها أدبتها لذا تخشاها فرددت عليها السؤال بصلف:

-قلت هل تركت لابني ما يأكله؟

هزت رأسها قبل أن تقوم تجيبها :

-طبعا يا خالة، تركت له العشاء، سأضع ابنتي في سريرها.

شيعتها بحاجب مرفوع، تهمس بتشفي.

-ابني سبع الرجال، يعرف جيدا كيف يحكم زوجته.

****

*بيت فضل الله*

أمامه حديقة البنفسج ولا يرى سوى لون أزرق شاحب حيّره، تلك الصغيرة النحيفة التي ترميه كل حين بنظرات من يعرفه لكنها لا تمهله إذ سريعا ما تختفي فينتظر الحصة الأسبوعية القادمة والفضول يراوده نحوها ليتأكد من معرفته بها، نظرتها تلك متيقن من رؤيتها من قبل، لون الموج حين يعكس أشعة الشمس فتلمع زرقته، هكذا هي! تنهد بخفوت ليستدير على إثر نبرة ترمز لكل شيء جميل بحياته:

-ماذا تهمس لحديقتي؟

ابتسم بينما تجلس على احدى كراسي الحديقة، فخطا نحوها بينما يجيبها بمرح:

-سر بيني وبينها.

تصنعت العبوس بينما ترد عليه:

- أسرار عني أنا؟

ضحك بهدوء يقول بحكمة:

-أنت البنفسج وهي البنفسج.

هزت رأسها تجيبه بنفس السجال:

-ولأننا واحد يجب أن تخبرني بسرك مثلما أخبرتها.

ضم شفته يفكر ثم قال بتحفظ:

-حيرة ما، حين أتبيّنها أخبرك بالقصة كاملة.

-حيرة و قصة، اسمعني جيدا يا ولد!

ألقتها بنفسج بمرح ليندهش لكن بمرح هو الآخر:

-إن كان الأمر يتعلق بفتاة، فلا أقبل بقصة سوى يا بنفسج أريد أن أتزوج.

قهقه تلك المرة دون وعي ثم هتف بذهول

-يا إلهي ....زواج؟ أخبرتك حيرة وليس حبا يا زهرة ال .....

همت بالرد، فهتف صوت جوهري ما يزال يزعزع كيانها كلما سمعته:

-هي محقة، يجب أن تحذو حذو أخيك و تتزوج!

رفع وائل وجهه إلى ضرغام، يجيبه بمكر وهو يتلاعب بحاجبيه:

-تريد التخلص من كلينا؟ لا يا حبيب البنفسج، لن ندعها لك وحدك حتى إن تزوجنا، فهي أخته وأمي والله شاهد على قلبي.

انفعل ضرغام بجدية فهو يغار عليها من بناته حتى، يجلس بجانبها يضم كتفيها بذراع واحدة:

- أنت وهو، ابتعدا عن زوجتي، فلم تعد تجد لي وقتا وهي تنصب نفسها أُمّا لرجال ونساء من عمرها وأكبر منها.

شهقت بنفسج، تتملص من ذراعه ووائل يضحك بسرور:

-أنت لا تطاق يا ضرغام، ابتعد عني!

لم يطلق سراحها بل ضمها أكثر يسأل بنبرة عادية :

- ألم يعد نوفل بعد؟

أومأ وائل سلبا، فقالت بنفسج بمزاح:

-أظن أنهم يحاولون فك قبضتي سلوى من على رقبته.

ضحكا الاثنان بصخب بينما هي تكمل بامتعاض مزعوم :

-أليست تلك مشورتك؟ إذن ستتحمل كل نتائجها.

جذب بذراعه كتفيها قليلا يجيبها بتسلية:

-ماذا نفعل؟ لا ينفع معكن سوى الأمر الواقع.

ابتعدت عنه تتخصر وهي تجيب بحنق :

_أنا لست سلوى يا قلبي!

لمعت عينيه بشغف، يجيبها :

سلم قلبك وطبعا لا مثيل لك يا قلبي!

احمرت بنفسج ترمق وائل الباسم بطرف عينها، ليأتيها الفرج حين لمحت نوفل تنهض إليه هاتفة باسمه:

-نوفل!

تأبطت ذراعه بقلق وقد لاحظت حزنا يلوح من عينيه رغم ابتسامته، فسأل ضرغام الذي لاحظ نفس الشيء لكنه تجاهله:

-هل نبارك أم ماذا؟

اتسعت بسمته وإن لم يختف الحزن كليا، يرد عليه:

-طبعا، وهل ابن عمتك يُرفض؟

قاما بفرح يضمانه بالتناوب، ليقول بعد برهة قبل أن ينسحب:

-تصبحون على خير، لدي عمل باكرا و يجب أن أرتاح.

علقت بنفسج بوجوم بعد أن غادر:

-ليس سعيدا ...ماذا برأيكم حدث بينهما؟

حاول وائل إراحة بالها يجيبها بمزاح لم ينبع من قلبه:

-أظن أنك محقة بمسألة الخنق.

همت باللحاق بنوفل لكن ضرغام أوقفا يخاطبهما بحزم جدي:

-لا تتدخلا! دعاه يخوض التجربة بنفسه، لا تشوّشا عليه، فلديه مهمة، لا ينقصه تدخلات لا تفيده بشيء.

******

*مكتب الوزير*

أغمض عينيه هنيهة ينشد لهما بعض الراحة، كان يوما عصيبا، عَلق فيه بين اجتماعات متعددة وعلى أعلى المستويات، "الإرهاب" كلمة كفيلة بقلب موازين دولة، لم يتهنّ ببعض من الروتين ولم يُعَيّن بعد حتى أُلقيت عليه مسؤوليات ضخمة، تنهد بتعب وهو مستلقٍ على المقعد الكبير خلف مكتبه، دقائق كأنه غفا ليشعر بلمسة حانية، تُمسد على جانبي جبينه، ففتح عينيه، ليلمح وجهها المحمر باسما بخجل.

أبعد رأسه بلين دون أن يحرجها بينما يصغي لحديثها المشفق:

-أنت تعب جدا ...يجب أن ترتاح.

مسح على وجهه ينفض بعضا من تعبه، يجيبها بنبرة شابها اللوم:

-لبنى؟ ألم ترحلي بعد؟ لقد تأخر الوقت.

ردت عليه بنبرة أصبحت الرقة تطغى عليه بينما تجمع الملفات على مكتبه:

_لا يمكنني الرحيل قبلك سيدي ...ماذا إن احتجت شيئاً ما؟

استقام واقفا، يجيبها بعتاب لَيّن ما يشعره من ناحيتها يضيق عليه الخناق ولا يحب أن يتصرف بقسوة قد تدمر البقية من آدميتها:

- لا لبنى، لا يصح لفتاة البقاء خارج بيتها لمثل هذا الوقت.

حانت منها نظرة امتنان منبهرة، أسرته للحظة قبل أن يشير لها إلى الباب، فتقدمته وهو يشيعها بنظراته الغامضة يتوقع اقتراب منطقة الخطر، لذا يجب عليه التصرف سريعا.

******

*بيت فضل الله*

جفاه النوم يزفر كل حين وقد أتعب شِقّيْه من كثرة التقلب عليهما، يخشى عليها و منها، بل من أنفتها وحمقها، لم تكن تلك الجلسة كما تخيلها أبدا، كان يتصور فرحتها المستحية بينما ترمقه من خلف والدها وهم يتوكلون على الله ويتفقون على موعد آخر، لحضور العائلتين بكامل افرادهما ثم يعود منتشي بسعادة ليهاتفها ويستفزها فيتخيل اشتعال الألوان في مقلتيها حتى تغلق عليه الخط حياء وحنقا.

لاحت ابتسامة على جانب ثغره حين تذكر ثورتها الشرسة لولا تلك الأنفة اللعينة التي تذكره ب ....

- أف!

نفخ بغضب يائس من نومٍ ليس له بزائر الليلة وفي الجهة الأخرى حيت تقبع شاغلة قلبه وأفكاره:

- سلوى فكري جيدا ولا تتهوري، فتخسري الشاب و أبي معه، حينها ودعي عملك هو الآخر .

هتفت فاتن عبر الهاتف الموضوع على السرير بين مروة و سلوى التي زفرت بحنق تجيبها:

- لم يسألني حتى يا فاتن، كأن سيادة الضابط تفضل عليّ لأنه يريد الزواج مني.

تدخلت مروة تعقب بامتعاض وهي تحرك نظارتها:

-سلوى أرجوك كفي عن التظلم، نوفل شاب تتمناه أعقل الفتيات.

عبست سلوى بغضب، فهزت مروة كتفيها تَنْدَسّ تحت الغطاء بعد أن وضعت نظارتها بحرص على المنضدة القريبة:

-أنا منسحبة وأنت حرة.

نظرت إلى الهاتف حين تحدثت شقيقتها فاتن من جديد:

- كل ذلك لا يهمني منه سوى أمر واحد، أنت تحبينه حبيبتي وصدقيني،، فقدانه أمر صعب جدا لن تتحمليه، لذا أنصحك بالهدوء والتفكير العميق، تصبحين على خير حبيبتي.

أنهت المكالمة واستلقت على السرير، تتأمل السقف لتنفرج شفتيها عن ابتسامة بلهاء حين استعادت مخيلتها صورة ملامحه الرجولية وهو يعترف لها بحبه لكن لن تكون سلوى إن لم يغلبها غباؤها بعجرفة حين عبست تهمس بتحدٍ ومروة المسكينة تومئ بيأس من تحت غطائها:

-وإن يكن، لن أتراجع عن عملي وسأنقذ إيمان ...مهما كلفني الأمر.

****

*بيت خنساء*

غسل أمين يديه وعاد إلى غرفة الضيوف حيث التقط المنشفة من يد سالم ثم جلس يقول باسما بود:

-الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا من المسلمين، اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال.

تمتم معه سالم، فاستطرد أمين:

- كنت أريد رؤية عمي كامل ، يبدو أنه سيتأخر.

اشمأزت ملامح سالم يرد بامتعاض:

-لا تذكرني به يا أمين، لقد فضحني وبلغ صيته الأحياء المجاورة.

قطب أمين بريبة، يتسأل:

-ماذا تقصد؟

هز رأسه بضيق يجيبه بتلقائية:

- أصدقائي في الحي الذي أعمل فيه، علموا بفضائحه.

لم تتغير ملامح أمين الحائرة، يقول باستغراب:

-لكن العم كامل ليس الوحيد الذي ابتلي بالسُّكْر يا سالم، لا في حينا ولا الأحياء في المدينة كلها ثم هو والدك ويحب أن تتحمل و تصبر وتدعو له وتبرّه إلى أن يهديه الله

رد بعصبية، تمكنت منه:

- نصحته كثيرا ونهرته حتى أنني هددته لذا أنا سأتبرأ منه وأرتاح.

تفاجأ أمين في بداية الأمر ثم انفجر ضاحكا بصدق:

-أنت تمزح أليس كذلك؟ تتبرأ من والدك؟ هل جننت؟

ضم سالم تقاسيم وجهه، يقول بانزعاج:

-طبعا لا أمزح ...ألم يفعل سيدنا إبراهيم نفس الشيء وتبرأ من والده؟ هذا ما سأفعله، سأطرده من حياتي.

اكتسى وجه أمين بالحزم والجدية، يقول بلين هادئ حافظ عليه لكي يوضح له ما يخفى عنه:

-اسمعني جيدا يا صديقي، كان والد سيدنا إبراهيم عليه السلام في مقدمة عابدي الأصنام بل كان ممن ينحتها ويبيعها وقد عزَّ على سيدنا إبراهيم فعل والده الذي هو يومئذ أقرب الناس إليه، فرأى من واجبه أن يخصه بالنصيحة، وأن يحذره من عاقبة الكفر؛ فخاطبه بلهجة تسيل أدباً ورقة، مبيناً بالبرهان العقلي بطلان عبادته للأصنام، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً نَّبِيّاً * إِذْ قَالَ لأبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً * يا أَبَتِ إِنّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يا أَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يا أَبَتِ إِنّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مّنَ الرَّحْمَانِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ ألِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبّى عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبّى شَقِيّا}(مريم:41-48) وهذا يعني حتى حين يئس منه قال له بأدب جم، سلام عليك ووعده بالاستغفار له ثم أخبر الله تعالى سيدنا إبراهيم أن والده عدوا له، حينها فقط تبرأ من والده ومع ذلك بقي يستغفر له، لأنه وعده أما أنت يا سالم، فوالدك ليس بمشرك بالله بل في قمة سكره لو سألته عن دينه سيجيبك مترنحا يقول الإسلام، هل تعلم ما قال الله في حق الوالدين حتى إن كانا مشركين ويجبرانك على الشرك بالله؟ *وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا* يعني لا تطعهما في الشرك بالله لكن استمر بالتودد لهما واسأل عن حاجاتهما وادعو الله لهما حتى يهديهما أو يفرق بينكم الموت.

ثم رمقه بنظرة متمعنة بينما يكمل حديثه:

-عم كامل ليس بمشرك بالله وبالتأكيد لا ولن يجبرك على أن تشرك به، بل يزجرنا عن الحرام ويغضب لو قربنا الحرام، هو عاص ومُبتلى يجب أن تعامله بإحسان تخفض له جناح الذل حتى تستميله، وتدعو الله في كل سجدة وصلاة قيام الليل كي يعينك ويستجيب لك.

فكر سالم للحظة ثم سأله بحيرة:

-تخصصك التاريخ والجغرافيا، ما دخلك لتُفْتي في الدين؟ ثم من شرح لي، شيخ متمكن في دينه.

رمقه أمين بصدمة يَهُم بالرد فانتفض سالم من مكانه وهما يسمعان دندنة كامل المعتادة، فهرول إليه وتبعه أمين يسأل الله السلامة فقد شعر بقبضة تشد على قلبه منذ حدثه سالم عن ذلك الشيخ.

-سالم اهدأ ...اذهب إلى شقتي وانتظرني هناك!

التفت إليه يصيح بحدة وعروق وجهه نابضة بقوة:

-ابتعد يا أمين ...لا تتدخل هذه المرة!

أسرع خلفه حين تابع طريقه ليمسك بتلابيب والده:

-أصمت يا سكير ...أنت لست والدا، أنت بلاء! لقد سئمت منك ومن فضائحك!

أمسك أمين بظهر سالم يسحبه، فجسده يسد عليه طرقة السلم، فلم يعد يرى كامل الذي يصيح بحنق متدبدب من الثمالة:

- إن لم يعجبك الحال، فاخرج من بيتي! أنت أصبحت رجلا أطول مني، فاخرج من بيتي!

رد عليه سالم بغضب حارق يهز جسده الأقصر والأنحف منه:

-تطردني من بيتك؟ من يجب عليه طرد الآخر؟

سحبه أمين بحزم يصيح لأول مرة بعصبية:

- سالم ...كفا عن الشجار وادخلا إلى البيت حالا، هيا!

في تلك اللحظة التي سحبه فيها أمين، استسلم له، فأطلق سراح والده لكن الأخير من ترنحه لم يستعد توازنه، فارتمى إلى الخلف متدحرجا على الدرج بجسده وكلاهما يستديران على إثر صرخة خنساء المراقبة للمشهد كله، صرخة أيقظت البناية بأكملها:

- أبببيييييييييي!

Continue Reading

You'll Also Like

7.2K 497 31
سكت الألسنه لتتحدث العيون عما يفيض القلب من الهوى، تربع العشق على قلوب كلا منهم ليصبحوا أسياده، تتوجت كلا منها على قلب بحزافير مختلفه وكلا منها يح...
134K 5.2K 39
جميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل و الأقتباس وليس كل هاوٍ سلطان!! القوة ليست قوة الجسد، والصبر لا يكمن في الانتظار؛ فقوتك الحقيقية هي ذكاءك وا...
253K 10.6K 46
أبتسمت بخفة و هي تقول بـ أعين شاردة : - تقابلنا في وقت آخر غير وقتنا هذا ، تقابلت أرواحنا الشاردة في زمان ثانٍ ؛ كانت حينها قلوبنا عامرة بـ الحب ليس...
8.9K 595 34
تحكي عن ضباط مخابرات ودكتوره ومذيعه ومزيد من الأحداث والمغامرات والعشق والحب ♥️♥️ جميع الحقوق محفوظة للكاتبه نغم ناصر ولا ينصح الاقتباس منها الا بموا...