سلسلة الأزهار و الزمن .. ج3...

By ShaimaaGonna

220K 8.6K 172

سنا البيلسان في دجى الأوركيدا....بقلم المبدعة منى لطيفي جميع الحقوق محفوظة للكاتبة ....... الجزء الثالث من س... More

اجزاء السلسلة
المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و عشرون
الفصل الثاني و العشرون
الفصل الثالث و العشرون
الفصل الرابع و العشرون
الفصل الخامس و العشرون
الفصل السادس و العشرون
الفصل السابع و العشرون
الفصل الثامن و العشرون
الفصل التاسع و العشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد و الثلاثون
الفصل الثاني و الثلاثون
الفصل الثالت و الثلاثون
الفصل الرابع و الثلاثون
الفصل الخامس و الثلاثون
الفصل السادس و الثلاثون
الفصل السابع و الثلاثون
الفصل الثامن و الثلاثون
*الفصل الأخير*
*الخاتمة*
إعلان الجزء الجديد

الفصل الثاني

6.3K 223 1
By ShaimaaGonna

نسخة معدلة ....


*الفصل الثاني*

{ذهبت المعارف وبقيت المناكر ومن بقي من المسلمين فهو مغموم ......الحسن البصري}

_ظهور الفتاة يغير كل خططنا.

أرتمى فؤاد على مقعد مكتبه يهز رأسه مؤكدا قول زوجته التي تسند بكفيها على سطح المكتب، فتنحصر تنورتها القصيرة الرمادية اللون عن ساقيها كلون سترتها على قميص ذهبي كشعرها الحريري المعتني به جيدا، فتحقق بمظهرها المغوي مآربها التي لا تنتهي أبدا.

اهتز هاتفها فالتقطته من على المكتب بينما تستقيم وتكمل حديثها

_يجب أن نجد حلا قبل أن يتواصل معها نضال.

شبك كفيه مع بعضهما، يسند بهما رأسه بينما يحط بمرفقيهما على سطح المكتب، يرد بتحذير تشع به نظراته من تحت عويناته

_وماذا تقترحين قائمة؟ أن نقتلها مثلا ؟ أحذرك حبيبتي، لقد أخبرتك من قبل، لأطماعي حدودا صارمة، وبما أن الفتاة على قيد الحياة سنغير اتجاهنا.

أخفت جمودها بكل براعة وهي تشد الهاتف بين ثنايا كفها تعتصره بينما تقترب منه مستغلة تأثيرها عليه، تعقب بنبرة ناعمة

_أعلم حبيبي، فأنت طيب القلب وأنا مثلك، قصدي هو استمالتها إلى جانبنا، لذا يجب أن نصل إليها قبل نضال.

انجذب إليها كالمسحور يهم بها، فابتعدت عنه في آخر لحظة، تستدير مغادرة وهي تستدرك بابتسامة لعوب على ثغرها

_هناك عملاء ينتظرونني في مكتبي، أراك لاحقا حبيبي.

تنهد يريح رأسه على المقعد خلفه، يراقب انصرافها بتأمل غامض كغموض نظرتها التي تغيرت حين أقفلت باب مكتب زوجها، تهمس بحنق

_إن كان لطمعك حدود، فهناك من لا حدود لطمعه وأنت دائما من ترميني إليه.

***

أطبقت خنساء على أذنيها مغمضة عينيها حين بدأت وصلة الصراخ اليومية بين شقيقها وأمها

_كم من مرة سأعيد كلامي ....هذه المسلسلات حرام وكل ما تفعلينه حرام!

حركت رأسها بيأس تنتظر صراخ الأخرى الذي سيعلو على نبرة الأول

_وأنا للمرة المليون أجيبك بلا تتدخل في ما أفعله، أتفرج على المسلسلات، أسمع أغاني ...أحترق! لا شأن لك!

نفذ صبرها فرمت الكتاب من يدها على سريرها وخطت في اتجاههما، تعلم جيدا كيف سينتهي الأمر، فالطرف الثالث لم يصل بعد لتكتمل وصلة كل يوم.

_لا أستطيع رؤيتك تحترقين وأسكت! ...أنت أمي وأخاف عليك!

زمجرت بسخط ترد عليه بينما تشير إليه بسبابتها

_اسمع يا ولد! ...أنا ربيتك واعتنيت بك إلى أن أصبحت أطول مني، لن أسمح لك بتقليل أدبك معي، تتشدق بأقوالٍ لا أعلم من أين تحضرها، هذا وذاك حرام ...ألم يعلموك أن الصراخ على الوالدين حرام؟

زفر بسخط يهم بالرد فقاطعتهما خنساء بمهادنة

_أخي؟ هل أجهز لك العشاء؟ أنت لم تتغدى معنا اليوم.

لوحت والدته بيدها تهتف بعصبية وهي تنصرف إلى غرفتها لتقفل عليها الباب كالعادة.

_حياة بائسة!

التفت يجيب شقيقته بوجه يحمل علامات الضيق

_أجل، أنا جائع.

تبعها إلى المطبخ وجلس إلى المائدة المربعة، يراقبها ترص الاطباق أمامه فسألها

_متى عدت اليوم من المدرسة؟

بلعت ريقها ترد عليه بوجل أضحى ينتابها منذ تغير حال شقيقها

_ينتهي الدوام عند السادسة مساءا، نصف ساعة بعدها كنت في البيت.

مد يده بعد أن ذكر اسم الله يلتقط طرفا من الخبز، يغمسه في مرق الدجاج ثم يدسه في فمه، يقول بينما يلوكه بين أسنانه

_على العموم، أمين سيلتحق بثانويتك مطلع هذا الأسبوع وسيكون عيني عليك فلا تحاولي الكذب علي.

تملكها إحساس يدغدغ صدرها بذكر اسم ابن جيرانهم ليختفي ذلك الشعور حين أصابها الإحباط من تكملة حديثه، فردت عليه بحزن

_متى كذبت عليك أخي؟

هم بالرد قبل أن يتسمرا بينما ينساب إلى مسامعهما صوت والدهما يطرب الجيران بنبرته النشاز يترنح على سلم البناية.

انتفض سالم من مكانه مسرعا إلى الخارج بخطوات غاضبة، فنفخت خنساء بملل وضجر يائس من حياتها اليومية التي لا يتغير نمطها وحركت رجليها هي الأخرى لكن بثقل غير مستعجلة

_يا إلهي أبي، ألا تمل أبدا؟ أصمت ودع ليلة واحدة تمر دون فضيحة بين خلق الله.

نفض يدي ابنه من عليه يصرخ بامتعاض

_ابتعد عني! أنا لست ثملا، ابتعد! وإن كنت تخجل بي ...تبرأ مني!

ثم ضحك بصخب يكمل وهو يستند بالحائط

_فالأولاد في هذا الزمن من يتبرؤون من أباءهم.

اشتد الغضب بسالم يقبض عليه بذراعيه وقد بدأت الأعين بالتلصص، يهتف بغل مرير

_أصمت! الجيران تتلصص علينا.

صرخ بأعلى ما استطاعت حنجرته، فأمسكت خنساء بصدرها خوفا وقلقا تدعو الله خروج أمين إليهما علّه يفلح في احتواء المشاجرة كالعادة

_ المتلصصون؟ ألا يملون من نفس المشهد كل يوم؟ إنه مسلسل رديء على قول والدتك لا يستحق المتابعة ....أين هي على فكرة؟...آه لا تخبرني، هل تراقب مشهد انكشاف الشرير؟ أو مشهد حب البطلين؟

توالت الأنفاس خانقة تندفع من صدر سالم، يسحب والده في اتجاه شقتهم بينما الأخير يكمل بغير اتزان

_مع أنها لا تحتاج إلى مشاهدة الحب بين البطلين، فأنا أستطيع أن أقدم لها مشهدا مبهرا ف...

_أصمت أبي! يا إلهي ما هذا البلاء؟

صاح سالم في نفس الوقت الذي فتح فيه باب بيت أمين، يطل عليهم بابتسامة سمحة لا تفارق ثغره أبدا، فيوحي لجميع من يراه بأن كل شيء بخير مهما حدث، أسرعت دقات قلب خنساء تتأمل كيف همس لشقيقها بشيء ما وهو يشير إلى باب شقته قبل أن يدفعه برفق بينما يستدير إلى والدها يخاطبه بلين مؤدب

_عمي كامل؟ ما رأيك لو أشرب معك كأس شاي تعده لنا خنساءك المدللة؟

ابتسم كامل، يومئ بطاعة وتقدمه يتخبط في خطواته، فيسنده أمين رافعا حاجبيه لخنساء التي انتفض قلبها قبل جسدها تهرع إلى المطبخ لتحضر له فنجان قهوة، فهي تعلم بأن قصده القهوة لكنه لم ينطقها كي لا يرفض والدها احتساءها.

حملت الصينية إليهما وقد أجلسه أمين على أريكة البهو الصغير والتقطها منها باسما، يهمس

_ابقي بجانبه، سيستفيق بعد لحظات من شرب القهوة أما أنا فسألحق بأخيك قبل أن يعود.

أومأت بحياء لا يصيبها سوى أمامه تتمسك بطرفي وشاح رأسها، فاستدار مغادرا بعد أن تأكد من احتساء والد صديقه للقهوة.

زفرت براحة تقترب من أبيها تمسد على رأسه بينما تغمغم بحزن

_هداك الله يا أبي وأصلح حالنا.

***

_اهدأ يا صديقي، ماذا بك؟ أصبحت قليل الصبر يا سالم.

تنهد سالم بسأم يرد بانزعاج تجلى في مقلتيه السوداوين كشقيقته

_ وتسأل عن السبب يا أمين؟ أنت حاضر معنا كل يوم تشهد على فضائحه وأنا تعبت.

ربت على كتف، يحثه على ارتشاف بعض من العصير

_سالم، نحن لسنا فقط جيرانا بل تربينا معا وتعلم جيدا بأن ما تمر به مررت به قبلك.

ترك الكأس على سطح مكتب صديقه بقلب غرفته بينما يرد عليه بحزن غامض دفين

_أعلم يا أمين ...لكن الله لطف بكم وأخذه.

ضحك بخفة يدفع بكتفه مازحا

_هل تتمنى موت والدك يا أخي؟

ثم تغيرت ملامحه من مزاح إلى وجوم، يكمل

_ثم أنت تعلم بأن مشكلة والدي ليست فقط السُّكْر وشقيقتي خير دليل على أكبر مصائبنا.

رفع رأسه بحدة، يسأل بلهفة لم يستطع مداراتها

_كيف حالها؟ وذلك الوغد زوجها؟

عادت ابتسامته وإن كانت حزينة، يجيبه

_لا شيء تغير يا سالم، أعلم بأنها في عذاب مستعر، لكنها تتكتم خوفا عليّ من جبروته وأنا لا أستطيع التدخل إن هي لم تشتكي.

قبض على يده حتى ابيضت سلامياته، يهمس من بين فكيه بغل

_إنه بائع خمر يجوز قتله.

دهش أمين من كم الحقد يقفز من عينيه كالسهام ومن قوله أكثر، فيستفسر منه بحذر

_ من أين أتيت بتلك الفتوى؟

تدارك نفسه يجيبه بتوتر لم يخف عنه

_لا!...أنا أقصد بأنه بائع سموم تقتل الناس ببطيء دون التحدث عن فقدانهم لعقولهم كالحيوانات أعزك الله.

فيعقب أمين بكياسة ملتزما بنفس حذره

_وإن يكن؟ جزاءه عند خالقه ثم أولياء الأمور مسئولون عنه.

ضحك بسخرية، زادت من مخاوف صديقه فاستطرد بجدية

_سالم! لم أعد أراك في مسجد حينا، أين تقيم صلواتك؟

تهرب بعينيه، يرد باستخفاف مزعوم

_بالمسجد قرب عملي، فنحن في موسم الذروة والمحل يأتيه زبائن كثر.

أومأ بعدم اقتناع وتجاهل الأمر، فقام الاخر يستأذن ليغادر.

***

تململ نوفل في مكانه يمط شفتيه بحنق بينما يرمي تلك المنزوية بنظرات مشتاقة ومتوارية، فتبتسم بنفسج بمكر تلمس تتريت بكوعها تمرر لها نفس مزاجها حتى استدرن إلى ضرغام الذي ولج متنحنحا يقول

_المرجو المعذرة، الرجال خارجا يريدون الدخول....أظن بأنه من الأفضل أن تغادرن إلى البيت ...هذا الثور سيخرج غدا صباحا.

هتفت بنفسج مستنكرة، بينما شهقات خفيفة انطلقت من أفواه الحاضرات وكانت إحداهن من زعزعت قلب نوفل

_ماذا تقول يا ضرغام؟ حفظه الله من كل سوء.

لمعت عينيه بظلمة تدركها جيدا، فاحمرت خجلا ليبتسم بغموض يجيبها

_هيا تفضلن لأن الوقت متأخر والرجال مشغولون.

قبلت تتريت وجنة شقيقها، فسحبتها تفاوت تودعه بدعوات السلامة والشفاء، تبعتها ساجدة والجدتين برفقة جليلة، فاقتربت بنفسج من زوجها حين لاحظت انزعاج نوفل ينظر إلى الأخرى التي لا تعلم ماذا تفعل؟ أترحل أم تبقى مع بنفسج؟ فهمست الأخيرة لضرغام بينما سلوى تخطو تجاه نوفل

_سأنتظرك أنا وسلوى حتى نوصلها الى بيت أهلها، فلقد وعدت والدها بذلك.

ابتسم يرمقها بهيام يجيبها بنفس همسها لكن بنبرته الخاصة لها وحدها.

_أنا تحت أمرك، أنت وضيوفك.

ارتبكت بخفة تتهرب من نظرات ظلمتيه تبثانها وعودا تعلم فحواها جيدا، وعودا وفاها على مدى السنوات المنصرمة، عاشاها بمرها وحلوها، بمشكالها اليومية كزوج و زوجته، يتشاجران كالعادة هو لإثبات القوامة وهي لإثبات الأحقية، ليتصالحا بعدها يتحدان ككيان واحد أنتج ثمرات عِشرة طيبة كللها الحب ''ياسمين وليلى"

_حمدا لله على سلامتك.

همست بها بجمود اعتلى ملامح وجهها لا يفضحه سوى لمعة أمواج خضراء متشابكة بأخرى بنية دون أن يكدر احداهما صفاء الأخرى بعينيها، فرد عليها بوجوم

وهل حقا تهمك سلامتي؟

رفعت رأسها بأنفة يمقتها بينما تجيبه

_طبعا يهمني، فأنت شرطي ملتزم وصادق، قليل ما هم مثلك والمظلومين بحاجة إليك.

أسدل جفنيه بيأس يلتفت إلى الجانب الآخر دون أن يجيبها، فتدخلت بنفسج تميل على أخيها تهمس له قبل أن تسحب سلوى خارج الغرفة

_سنعود حين ينصرف الشباب، حفظك الله لي أخي.

أجلستها على كرسي وجلست جوارها تقول بمرح بعد أن تركتهن تفاوت، تتعذر بإحضار ماء من المقهى فهي الأخرى تنتظر ياسين ريثما ينهي زيارته مع الشباب.

_لماذا تعذبين أخي العزيز، والظاهر أيضا أنك تتعذبين معه؟

تفقدت حجابها تسوي ثناياه على جانبي رأسها وهي تبلل شفتيها بعد أن بلعت ريقها، فاستطردت بنفسج

_الجواب صعب لهذه الدرجة؟ فأنا لم آلفك خجولة أو خائفة.

نظرت إليها تجيبها بصراحتها المعتادة، منفضة عنها أي لف أو دوران

_لا أستطيع القبول بما يريده بنفسج.

عادت ابتسامتها ترد بصدق

_أخي يريدك أنت يا سلوى.

احمرار طفيف علا وجنتيها الأقل بياضا من شقيقتها فاتن خلاف جديتها التي واجهت بها بنفسج

_ لا تعلمين ما بدلته من جهد لأقنع والدي بمهنة المحاماة وسمح لي بعد أن تدخل طه ووالدته وورد، مع ذلك كل يوم يحرص على إثبات مدى خطأه حين وافق، هذا دون قيوده التي تمنعني عن مزاولة مهنتي بشكل متقن.

ثم أدخلت نفسا لصدرها بينما بنفسج صامتة تمنحها مساحة لتعبر وتفصح عن مخاوفها رغم معرفتها بمشكلة أخيها ومن يحبها وطوقها باهتمامه منذ تعرف إليها.

_نفس نظرة الرفض الساكنة بعيني والدي تنطق به عيناه كلما صادفني داخل أروقة المراكز أو المحكمة، لست غبية كي لا أفهم ماذا سيفعل حين أوافق عليه! أول شيء سيطلبه مني هو ترك مهنتي وصدقيني أبي سيكون أكثر من مرحب وحينها سأخسر مستقبلي الذي لم أبدأه بعد.

ضحكت بنفسج بمرح تهون عليها كآبة حالها بينما تحرك كفها في الهواء

_أجرنا الله من محاضراتك حين تبدئين.

زفرت سلوى بغيظ، فأومأت بنفسج باعتذار، تكمل

_كل ما قلتِه الآن، أنا أفهمه قبل حتى أن تنطقي به.

لفتت انتباهها، فاستطردت

_اسمعيني سلوى...لطالما أحببت صراحتك وعدم تنميقك للأمور وهذه الصراحة تكدر على أخي، لأنه بذلك يدرك أفكارك بوضوح دون مجال للافتراض وكما تعلمين أنا أيضا صريحة.

رفعت حاجبيها تساؤلا، فتابعت بحزم لكن هادئ

_بالنسبة لمهنتك التي اخترتها لا مشكلة لدي بها مع أنني لا أتمناها لنفسي ولا من أحب من النساء لكن المشكلة الحقيقية في الطريقة التي تزاولينها بها وهذا ما يؤرق كل من يحبك.

تجهمت سلوى، فأمسكت يديها بحنان تكمل

_يجب أن تتقبلي رأي حبيبتي ولا ألزمك به، بسبب اجتهادك حصلت على فرصة التدريب عند محام معروف وبدل أن تفعلي كزملائك و تبقي نفسك في الظل حتى تتعلمي نصّبت نفسك مدافعة عن المرأة والمشكلة أنك تجاوزت النساء المعنفات والمغتصبات إلى مشاكل أكبر حتى اشتكى منك المحامي بنفسه.

بهتت سلوى، فأومأت بنفسج مؤكدة

_علمت بالصدفة وهو يحدثه في الهاتف قرب الحديقة يقنعه بعدم طردك، فنوفل تغير ولم يعد يحكي ما يؤرقه لأحد حتى ضرغام، أليس من حقه أن يخاف عليك عزيزتي؟

****

_لا تجيد دور المريض يا رجل.

ضحكوا بصخب ونوفل يرمي صديقه بعلبة شوكولا فارغة، فتدخل ليث يقول بمرح

_المدير يبلغك سلامه وينصحك بأن تكف عن تهورك وتعود بسرعة إلى عملك.

ابتسم نوفل بامتنان فقال أسد بمكر

_معالي الوزير بنفسه يطمئن عليك.

فتدخل ضرغام بحنق ساخر

_بلى، يبلغك أنت سلامه ويؤنبني أنا لعودتنا إلى نقطة الصفر.

سكن مرحهم وعلا الوجوم ملامحهم، فتحدث صوان بحقد زاد من اتساع مقلتيه التين تخفيان لونهما البني القاتم بسواد الغضب.

_لم نعد لأي صفر.

التفتوا إليه باهتمام كأنه حبل نجاتهم، فعقب ياسين بجدية تمكنت منهم جميعا

_كنت متأكدا من انشغالك بشيء ما مؤخرا.

هز رأسه، يخبرهم

_أخبرتكم من قبل عن عدوي وبحثت وراءه دون ملل، حتى يئستم أنتم ولم أفعل أنا ...خصوصا بعدما اكتشفه ضرغام عن أهل زوجة ذلك السفاح.

قُطبت جباههم والحيرة تتألق على وجوههم بينما ضرغام يعقب

_كنت نوهت سابقا بأن عدوك يكون خال التوأم؟

أومأ مؤكدا يفضي بما بجعبته

_بلغني عن أوركيدا شيئا مهما سمحتُ بوصوله لنضال القناص تمهيدا لما سيحدث.

تأمل ترقبهم، فاستطرد يفسر

_الفتاة تحقق في تاريخ العائلة أيضا هناك ببلد والدها، لتكتشف بأن تهامي القناص على علاقة بمافيا المنظمة (..) وهو وكيلهم هنا.

جحظت أعينهم، فهتف ضرغام بغضب

_وماذا كنت تنتظر صوان لتخبرنا؟

زفروا جميعا ليزداد حنقه، فقال ليث بمهادنة

_ضرغام اهدأ، هذا لا يعني أي شيء، فلا تستعجل!

رد بغيظ وذهول

_كيف لا يعني شيئا؟ بل نقطة مهمة لنبدأ منها.

تدخل ياسين مفسرا وجهة نظر ليث

_ليث يقصد وجوب حسن التخطيط لنوقع به يا ضرغام ونتريت لأن الموضوع ليس سهلا.

مسح ضرغام على وجهه، ينفض عنه غضبه الذي أصبح يتحكم به بسبب بنفسجته التي تعلمه الصبر بفصولها اليومية.

لاحظ نوفل سهو صديقه أسد، فربت على يده الموضوعة على السرير بجانبه يجفله من أفكاره التي أعادته سنوات من الزمن إلى مقلتين مزعزعتين تنشدان الأمان بيأس مقيت، بنيتين فقدتا الثقة وأي شعور آدمي، تنظران إليه رأسا كأنهما تحدثانه هو، ناسيا بأن بلورا سميكا يحول بينهما باطنه يظهرها له على حقيقتها بعيدا عن هيئة المهرجين التي تتخذها كذراع للصد بهيئة لم تفلح بإخفاء حقيقتها عن نفسها وهي تناظر انعكاسها على مرآة كانت ظاهر البلور الفاصل بينهما.

هز رأسه بلا معنى ثم أوليا اهتمامهما لمناقشات الرجال حول خططهم للإيقاع بمن يروجون السموم وينشرون الفساد في البلاد.

***

_وماذا يفترض بي فعله يا بنفسج؟ ثم أنا أقوم بنفس ما يفعله لكن بطريقة أخرى.

تنهدت بنفسج، ترد برفق علّها تفلح بإقناعها

_هو رجل يا سلوى، قادر على مواجهة المخاطر كما أنه يبذل مجهودات جبارة في التدريب ولسنوات طويلة، ومع ذلك ها أنت ترين بنفسك يصاب بين الفينة والأخرى... أما أنت فتاة، هل تتصورين لو لا قدر الله مجرم من أولئك المغتصبين أو المتاجرين بأعراض الناس تعرض لك؟ كيف ستتصرفين؟ فما الذي سيمنعه من اغتصابك أنت أيضا أو حتى خطفك وقتلك؟ الفتيات يتخذن الحيطة والحذر ليحمين أنفسهن لا أن يركضن خلف المخاطر والأذى.

للحظة دب الرعب في عينيها لكنها تمالكت نفسها بينما بنفسج تختم حديثها حين لمحت الشباب يخرجون من غرفة نوفل

_فكري جيدا سلوى ولا تضيّعي من بين يديك رجلا يحبك بحق من أجل أمور ليست بأولوية في حياتك، لا أمنعك عن مساعدة المحتاجين لكن دون أن تلقي بنفسك إلى التهلكة.

ثم ربتت على كتفها بعد أن قامتا واقفتين تردف

_ناقشتك في قضية العمل فقط بينما هناك أمورا أخرى يجب أن تعلميها عن نوفل عزيزتي.

انتابتها الحيرة من قصد بنفسج وهما عائدتان إلى الغرفة بعد أن ودعتا تفاوت التي رحلت برفقة زوجها، فتستغرب سلوى كيف لفتاة كتفاوت أكملت دراستها الجامعية وعلى وشك إنهاء الماجستير الزواج والاكتفاء بالدراسة دون عمل، تبدو السعادة ظاهرة على محياها كلما قابلتها تتباهى بزوجها وهي تتأبط ذراعه بفرح يغشى ملامحه هو الآخر يرمقها بفخر واهتمام.

أيقظه حضورها من عبارة صديقه التي ألقاها على مسامعه بخفوت يحذره للمرة الثالثة بوجوب تسوية أموره التي تشغل باله، فنظر إلى مقلتيها بتحد يدري أنها ستبادله إياه ولا يعترض، يتنعم بجمال نظراتها الملونة، فيغرق بغرام عينيها أكثر قبل أن يلوم نفسه على أنها لم تصبح حلاله بعد وهذا يذكره برفضها مباشرة ليغوص في بئر من الغضب والحزن دائرة كهوة سراب لا يجد منها مفرا يريح قلبه.

تنحنحت بنفسج تقول بلطف

_تصبح على خير أخي الحبيب، نراك غدا إن شاء الله، نم جيدا وارتاح.

هز رأسه بتوتر كالذي تلبس سلوى وضرغام يسحبها هامسا لها بغيرة

_من هذا حبيبك؟ ستدفعين ثمن مناداتك لغيري بلفظ التحبب.

سلكت سلوى حنجرتها تبلع ريقها ثم قالت بخفوت

_سأغادر، اعتني بنفسك.

أمال رأسه بتمعن، يرد عليها

_حاولي أن لا تتهوري حتى أشفى بإذن الله وأعود للعمل.

ضمت حاجبيها تجيبه بينما تسوي ثنايا حجابها في حركة مألوفة

_أنا أكثر من قادرة على حماية نفسي، لست من تلقى رصاصة بساقه؟

عبس بما يخالف دقات قلبه الصاخبة، يستفزها

_لو تعرضتِ لربع ما تعرضتُ له لترحمنا عليك الآن، أم نسيت حين تحرشوا بك شفهيا فأغمي عليك؟

زمت شفتيها، فأخذ نفسا عميقا ليثبت قلبه عن تأثره، تهتف بعبوس حانق

_لن تنسى أبدا! يا إلهي! لقد مرت سنوات وأنا كبرت وأستطيع حماية نفسي.

هم بالتحدث، فدقت بنفسج على الباب الذي تجاوره، تقول باسمة بمرح

_سلوى؟ هل سنقضي الليلة هنا؟

ألقت عليه نظرة أخيرة قبل أن تنصرف متلافيه شابا يتنهد بشجن ووجوم يرتمي على سريره بتعب، يغمغم بحنين للماضي

_وكيف أنسى؟ كيف أنسى؟

****

رمقت الساعة الأنيقة على شكل بطيخة نصف مفتوحة، فأزالت وزرة المطبخ تتأمل نظافته الناصعة ثم ابتسمت ساخرة، تهمس لنفسها

_كان يلمع قبل أن أقوم بتنظيفه مثل كل ركن هنا، لم أتصور أبدا بأن هناك بيوتا مثل هذه إلا في التلفاز.

رفعت رأسها إلى الثريا فوق رأسها تتفقد قطع الكريستال على شكل الفراولة، معلقة كأنها قطرات المطر سقطت من السماء وتجمدت في الهواء ثم تنهدت بحسرة تتذكر وسع الشقة لكنها سرعان ما عادت تبتسم بسخرية تسأل نفسها (هل من العدل تسمية هذا البيت شُقة؟ لا جحرها الذي يزاوي ذاك المطبخ مساحة يستحق أن يسمى شقة ولا هذا البيت الفاره) وهذا الخاطر الأخير يعود بها للتساؤل عن أنواع البشر الذين يعيشون بمثل تلك الرفاهية، فهي لم تستطع معرفة أي شيء يشفي فضولها تجاه مستخدم صديقتها، حتى في الغرفة بين مثيلاتها الثلاث حيث لم يعلمها بأنها التي يقطنها صاحب الشقة إلا كمّ الملابس الفاخرة المرتبة بأناقة وتنظيم كما حمامه الملحق الذي لا يدل على استعماله سوى مجموعة من شامبوهات وكريم قبل الحلاقة مع عطر رجالي أصلي.

ما تزال البرودة تتخلل عظامها ولم تفارقها منذ بدأت بالتجول وتنظيف أركان البيت الغامض.

كم يفتقد للحميمية والدفء كتلك التي تشعرها في جحرها الصغير برفقة جنات وقبل ذلك تحت سقف ذلك الرجل الذي خطفها رغم معاملته القاسية، لكنها تعودت عليه وعلى تلقي الأوامر والطاعة دون سؤال وكلما تأكدت من مدى كرهه لها كان يرميها بنظرة غامضة تقسم بأنها تلمح بين طياتها تأنيب ضمير سرعان ما يتغلب عليه لتقسو ملامحه من جديد.

شعرت بخطوات وحركة في ظل السكون الذي يحيط بها لتشهق قبل أن تستدير تشعر بنفسها مطوقة بين ذراعين قويين ترفعانها في الهواء، لتصغي بعدها لصوت أجش مألوف يهمس لأذنيها

_اشتقت إليك يا جميلة.

*قبل دقائق*

تنهد بتعب يلقي بنفسه على ظهر المقعد المريح في سيارته الفارهة التي غالبا ما يُسلم محمد مهمة قيادتها، أدار هاتفه على الصامت ثم دسه في جيبه ليلتفت إلى الطريق أمامه يغوص في بحر أفكاره الفوضوية حتى أجفله محمد ينتزعه من سهوه بقوله

_إذن سترحم نفسك من السهر الليلة.

للحظة ظن أنه لم يسمعه ليجيبه أخيرا مع شبح ابتسامة يلوح بضعف على جانب ثغره

_سأحدث الفتاة، لن أترك لهم مجالا للدخول على الخط.

هز محمد رأسه بتأكيد ينصحه بحزم

_لكن يجب عليك تحذيرها، من تبحث وراءه لا يلعب ولن يرحمها إن شك فيها.

اشتد فكه بصلابة ليتجعد أنفه الشامخ باحتقار ترجمته حدة مقلتيه البنيتين إلى حقد أسود بينما يجيبه

_ سأفعل! أرجو أن تثق بي الفتاة، لا تنس مراقبة جاسوسه محمد، أولا بأول، لنرى من سيضحك أخيرا أو من سيُعدم.

نزل نضال من سيارته وترك محمد في الطابق الثاني من البناية المخصصة له ليكون قريبا من مستخدمه بينما الأخير توجه إلى المطبخ بشقته باسما يفكر بأنها أفضل وسيلة لتلهيه عن همومه التي تكالبت على مزاجه لتعكره، فيكفيه اللقاء بأفراد عائلته لتسْوَد أفكاره من أساسها.

تقدم بخفوت، تتسع بسمته الماكرة قبل أن يسرع من خطواته الأخيرة ليختطفها من على الأرض يلف بها بينما يهمس لها بعبث

_اشتقت إليك يا جميلة.

انطلقت من حلقها صرخة انتفض لها جسده فأطلق سراحها مبهوتا يتفقد تفاصيلها وهي ترتب هندامها بكفيها المرتعشين، تهتف بجزع

_ماذا تفعل؟ يا إلهي! هل جننت؟ لقد أفزعتني ...أنت...

قطعت حديثها حين رفعت إليه أنظارها لينتقل بهوته إليها، تتأمل ملامحه التي لم تنساها، كما لم تنس كل أحداث ذلك اليوم الذي حفر ذكرى بشاعته في خلايا عقلها ولم يكن بأفضل منها، إذ أن الصدمة شلت أطرافه بين حضور فتاة غريبة في بيته بدل جنات وكون هذه الفتاة مألوفة لدى نفسه دون أين يتوصل عقله لنتيجة محددة تشفي حيرته.

نسي أمر جنات فورا يشغل تفكيره بالبحث عن ذلك الوجه أين سبق ورآه؟ موقف غريب امتد لدقائق كاملة، كل واحد منهما جامد مكانه يتفحص الآخر، كأنه يبحث في ملامحه عن أجوبة لأسئلة كثيرة، فبيلسان تجاوزت كون الفتى المدلل في الرحلة والذي اتضح لاحقا بأنه من عائلتها يكون رب عمل صديقتها إلى موضوع آخر زعزع قلبها وأعاد عليها شعور الشك يهجم على أحشائها، فتلك الطريقة التي عاملها بها والجملة الحميمية الموجهة لصديقتها لم تكن أبدا بريئة لتتأكد ظنونها بشأن صديقتها وما تخفيه عنها أما التمثال أمامها فما يزال يبحث بين خلايا عقله ليزحف الإدراك عبرها بوجه آخر يملك ملامح لا تختلف كثيرا عن هذه أمامه، لكن بزينة فجة وقصة شعر قصيرة سوداء لا تتجاوز نصف عنقها، تلك التي تمعن في صورها التي صاحبت ملف التحقيق حول ابنة عمته أوركيدا.

فتح فمه من وقع الصدمة وتنامي أفكاره إلى نتائج ينكرها في نفس الوقت التي جحظت فيه مقلتيها خوفا على صديقتها، فشحذت عزيمة الدفاع لديها تهتف بغضب أجفله حتى اهتزت مقلتيه الذاهلتين

_ماذا فعلت بصديقتي؟

ضم حاجبيه حيرة من سؤالها الذي لم يتبينه، فاقتربت منه تكمل هتافها الغاضب

_تحدت! ماذا بينك وبين جنات؟

تذكر أمر صديقتها، فرد ببرود فرضته عليه صدمته

_من أنت؟ وماذا تفعلين هنا؟

تحولت ملامحها من غضب إلى نشيج حزين، ترجوه بخوف وهلع على صديقتها

_أرجوك أخبرني بأن جنات لم تفرط في نفسها، لن أسامح نفسي إن صح ما أظنه.

تفاجأ من دموعها التي أكملت على بؤس هيئتها، فتوتر يبلع ريقه بينما يرمق ملامحها المتشنجة يتيقن من صدق إحساسها، فتنحنح يجلي حنجرته ليجيبها بارتباك لم يسبق أن انتابه منذ مدة طويلة جدا لدرجة أنه لم يعد يتذكر متى أو السبب؟!

_حممم! هل يمكنك الكف عن البكاء؟ ثم بعد ذلك أخبريني من أنت؟ وماذا تفعلين هنا؟

حركت رأسها لتنتزع مقلتيها من على عينيه ورفعت كفها تمسح دموعها، تحاول حصر شهقاتها لتجيبه بثبات احتاجته لحظتها

_أنا صديقة جنات بل أختها وأسكن معها، مرضت اليوم، فأتيت أقوم بعملها كي لا تفقده ...لكن...

انقطعت كلماتها لتبدأ دموعها في التدحرج على وجنتيها من جديد، فمط شفتيه بضجر لعدم تركيزه، فهو في أشد الحاجة إلى صفاء الذهن ليتأكد من صدق ظنونه.

مسح على وجهه بكفه اليمنى بينما اليسرى يمسك بها جانب خصره وعندما لاحظ تماسكها لأعصابها وانحسار شهقات دموعها استدعى كل خلية صبر تختفي بين جنبات جسده ليقول بهدوء حذر متنازل عن عجرفته في سبيل غاية في نفسه

_اسمعي ....لمَ لا نجلس لنتحدث بروية ...لكن قبلا، أنا في أشد الحاجة لفنجان قهوة.

قطبت بريبة، فرفع حاجبيه تساؤلا لتتنهد مستديرة عنه تمسح بقايا الدموع على خديها ثم توجهت إلى المغسلة بينما هو يسحب كرسيا يجلس عليه إلى المائدة الرخامية للمطبخ يراقب حركاتها المتخبطة، تحاول الوصول للوازم القهوة ولا يعلم حقيقة ما الذي استجلب البسمة على شفتيه ليرحمها من تخبطها

_أنا أشربها سريعة التحضير من آلة القهوة.

التفتت إليه حين تحدث وتذكرت الآلة الحديثة التي صادف وشاهدت لها إعلانات في التلفزيون لتندهش من ثمنها ثم توجهت نحوها تستدعي طريقة استعمالها كما في الإعلان ونجحت بشيء من الحنكة والذكاء تتصف بهما منذ الصغر لتنقذ نفسها من المآزق.

ظل على صمته الظاهر خلاف صخب الأفكار بقاع رأسه يخطط لطريقة مناسبة يتأكد بها من شكوكه التي ستثبت إن صحت بأن الصدف ليس لها وجود والقدر نافذ، مع أن هناك شعورا آخر يفرض نفسه على كيانه بأن تلك الملامح الشاحبة التعبة قد سبق وقابلها، نهى نفسه عن التعمق في أفكاره بدل أن يجهز ردوده خصوصا في ما يتعلق بصديقتها كي يحوز على ثقتها، شاكرا ربه على عدم تماديه مع جنات، فقد كان هناك دائما شيئا خفيا يمنعه عن تلك الفتاة، هل هو صدق نظراتها الشبيهة بهذه قبالته؟ أم حياؤها الغالب مهما حاولت جاهدة إخفاءه أمامه، تدعي شخصية ليست لها؟ 

وضعت الفنجان أمامه بهدوء ثم قالت بعبوس

_تفضل.

وعى من تحديقه بها على عبوسها المعبر عن سخطها، فأشار إلى الكرسي قبالته كي تجلس عليه لكنها ردت تومئ سلبا

_شكرا لك، سأظل واقفة.

تناول رشفة من الفنجان متلذذا بها كأنها منقذته من آلام رأسه ثم قال بإلحاح

_إن لم تجلسي لن أتحدث.

زفرت بخفوت حانق قبل أن تمد كفها تسحب الكرسي لتجلس عليه لولا قوله الذي سمّرها مكانها

_ اجلبي شيئا لنفسك تشربينه أولا.

استغفرت متنهدة بغيظ فاتسعت بسمته المرحة على وجهها الشاحب الذي استحال الى أحمر من الحنق وأسنانها المطبقة على بعضها، فيتابع بينما يهز كتفيه بإهمال مغيظ

_لن أفتح فمي بكلمة قبل أن تحضري لنفسك شيئا تشربينه.

رفع الفنجان إلى فمه يخفي بسمته الماكرة بينما تشتعل نظراتها وتتشنج صفحة وجهها الصغير ولم تتحرك إلا حين يئس من طاعتها لطلبه، ليتنفس براحة لحظية وهي تخطو بآلية لا تفكر سوى بصديقتها، أمانة إبراهيم وقلبها بل كل أعضائها ترتعش.

التقطت علبة عصير لا تدري ماهية محتواها حتى لم تنظر إليها ثم وضعتها على المائدة وجلست أمامه تنتظر حديثه لكنها لم تحصل سوى على تأمله المستغرب المتمثل في ارتفاع حاجبيه الكثيفين ذوا اللون البني الغامق المظللين لمقلتين لامعتين ببريق حاد يضفي عليهما ألقا خاصا وما استحوذ على تركيزها حقا نقطة بيضاء تكاد تلمح في بؤبؤ عينه اليمنى.

اهتزت حين تنحنح باسما بغموض لتكتشف بأنها كانت تحدق بمقلة عينه اليمنى تحديدا، فبلعت ريقها تستغفر محبطة قبل أن تسأله بهدوء

_هل تجمعك علاقة بجنات؟

رمقها بغموض ثم رد عليها

_جنات عاملة مسؤولة عن هذا البيت وأنا رب عملها.

استفزها ببرود جوابه، فهتفت ببلاهة

_ وهل رب العمل يحمل خادمته ويلف بها بينما يهمس بشوقه إليها؟

زاد بريق مقلتيه وحدّتهما، فوعت على ما تفوهت به لتعود إلى الانكماش على نفسها بينما هو يتنفس بعمق قبل أن يرد عليها بجدية

_سأخبرك الصراحة لترتاحي وننتقل لموضوع آخر.

قطبت تضم شفتيها، فاستطرد

،_أنا أتعامل مع مكتب توظيف خاص، يرسل خادمات تعملن على نظافة البيت وراحة المستخدم.

رمته بنظرات تدل عن الجهل بما يقصده بينما هو يسترسل مفسرا

_بالعادة كنت أقبل بكل الخدمات المقدمة من الفتيات قبلها لكن...

قطع حديثه حين همست بسذاجة

_مكتب توظيف خاص؟ راحة المستخدم؟ ماذا تقصد؟

زفر بحنق، يرد بارتباك يغمره للمرة الثانية وفي أقل من ربع ساعة

_أقصد تدليك وأشياء أخرى.

جعدت ما بين أنفها وشفتها العلوية تتساءل بسخط ساذج

_ألا يوجد مراكز صحية متخصصة في التدليك؟ فجنات خريجة معهد الفندقة مثلي وبالكاد أنهيناه، من أين لها المعرفة بتلك الأمور؟

زفر بصخب حانق وهتف بغيظ استبد به من غباءهما معا

_لا أقصد التدليك الصحي، بل تدليك خاص!

شهقت بيلسان ما إن فهمت قصده لتكمم فمها جزعا تتهرب بعينيها خجلا، فأضاف بعجالة ليهدئ من روعها

_اهدئي يا آنسة.

لكنها اهتزت تهدر كأنها لم تسمعه

_لقد تمكن من إقناعها ...ما كان يجب أن أتركها معه لوحدهما، ذلك الحقير!

سألها نضال بينما يتفحص آثار الصدمة على وجهها وجسدها المرتعش هلعا بنظراته القلقة

_ماذا تقولين؟ آنسة هل أنت بخير؟

أجفلت تنظر إليه بغضب، تجيبه من بين أسنانها المطبقة غلا

_ذاك المائع النذل، عار على صنف الذكور وليس حتى الرجال، تمكن من إقناعها، فجنات ليست من ذلك النوع من الفتيات، ما كانت أبدا لتفعل ما تخبرني به الآن.

راقب انفجارها وتوحش مقلتيها بصمت، تكمل بجزع

_يا إلهي ارحمني!.... رحمتك ربي.

نحبت تغطي وجهها بيديها، فقال يهدئ من روعها

_صديقتك لم تفعل شيئا.

تجمدت ترفع وجهها لتنظر إليه برجاء وقد أضحت ملامحها كلوحة تجريدية من البكاء والاحمرار يضاف إلى الزرقة تحت العينين التعبتين، فتابع بعدم كياسة

_على الأقل معي.

شردت عيناها تفكر في معنى قوله قبل أن تصيح بغضب حين فهمت قصده

_جنات لم تعمل خادمة من قبل، كانت مثلي تصنع الحلوى في المخابز.

ضم حاجبيه حيرة يتساءل

_أنت تعملين في مخبزه؟

ردت عليه بملامح محذرة

_بلى! هل لديك مانع؟

رفع يديه استسلاما ومذهولا من نفسه، فهو أبدا ما كان ليقبل بأن تخاطبه فتاة بتلك الطريقة مهمن كانت لكنه يذكر نفسه بغاية يجب أن يصل إليها فتعينه على الصبر والمزيد من الصبر

_...اطلاقا، أنت حرة لكن كما أخبرتك، لم يحدث شيئا!

كسا الاشمئزاز محياها تجيبه باحتقار

_وهل من المفترض أن يرضيني ما تقوله؟ يا إلهي إن هذا لمنكر؟ إن كنت تريد فتاة بحياتك، تزوج وحصن نفسك يا رجل.

ارتبكت حين لمحت قبضتيه اللتين ابيضتا، فرفعت أنظارها إلى وجهه المشدود لتشهق بخفوت تدرك بأنها تجاوزت خطا ما كان يجب أن تدوسه بطرف قدمها، فاستقامت واقفة تتمتم بارتباك

_أنا سأذهب. ...الأكل في الجهاز المبرد، سررت بمعرفتك سيدي ...إلى اللقاء.

_توقفي!

نطقها بحزم جعلها تتسمر مكانها ثم التفتت إليه، فأشار إلى مكانها بعينيه فأطاعته دون نقاش، فهي ذكية و تعرف قدرها جيدا وأنها أبدا ليست بند لهذا الشاب قبالتها.

ارتشف آخر ما في الفنجان وأعاده أمامه بأناقة تليق بفخامة هيئته ثم تحدث بهدوء أبرز بحة صوته الرجولية

_بما أنك اطمأننت على صديقتك، هلا أخبرتني باسمك ولقبك؟

قطبت حاجبيها، ترد بريبة حين فقدت دقة من دقات قلبها خوفا ليس إلا!

_أخبرتك من قبل، أنا بيلسان..

هز رأسه يجيبها بجدية

_أعلم لكن لم تذكري اسم عائلتك.

تنحنحت وريبتها تزداد كما دقات قلبها، فارتأت الإجابة على أية حال باسم شهرتها المزيف

_بيلسان الراوي.

إن كانت ذكية فهو داهية، لم يفته ارتباكها ولا رعشة شفتيها المصاحبة لسرعة تنفسها، فأصبحت مكشوفة لديه ليلقي عليها بسؤال آخر فقط ليرى ردة فعلها

_هل تعرفين فتاة اسمها أوركيدا لوغان؟

احساس بالنصر غمر صدره من جمود ملامحها كأطرافها، تنظر إليه بصدمة، حاولت، يعلم بأنها حاولت جاهدة لعدم الإتيان بأي تصرف يفضحها لكنه حصل على جوابه وفي تلك اللحظة لم يتردد عن رفع هاتفه تحت أنظارها الجامدة والمرتابة ليطلب رقما ما ثم وضعه على الطاولة بينهما ينتظر بينما يحاصرها بنظراته الكاشفة لما تخفيه حتى صدح صوت فتاة تعرفها حق المعرفة، فقد كانت تتواصل معها بين فترات متباعدة.

_هالو ....من معي؟

تحدث نضال بلغتها دون أن يحيد بمقلتيه من على عيني بيلسان المرتعشتين.

_ آنسة أوركيدا لوغان، معك نضال القناص، ابن خالك.

🌷🌷🌷إنتهى الفصل الثاني

Continue Reading

You'll Also Like

48.9K 2K 19
احيانا يضعنا القدر فى تجربة نخوضها ولا نعلم نهايتها .. احيانا يكون المصير مجهول .. احيانا نقابل اشخاصاً من نفس المصير .. هل يعيش الانسان على امل واحد...
282K 12.9K 41
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
222K 12.2K 33
(نُص طاير )2 ( وللطريقِ بقايا ) #مايا_هيثم مُقدمه *__________________________* للطريقِ بقايا وإن ظننتها النهاية، أخطُ بقلمي قصة عائلة لم ولن ينتهي...
1.9M 122K 154
رواية غموض_ اجتماعي_صعيدي_رومانسي_تشويق ❤ بقلم فاطمة محمد & فاطمة طه سلطان. مكتملة💜 الجزء الاول:اضواء مبعثرة. الجزء الثاني: إنهيار مملكة الهوى. الج...