سلسلة الأزهار و الزمن .. ج3...

By ShaimaaGonna

222K 8.7K 172

سنا البيلسان في دجى الأوركيدا....بقلم المبدعة منى لطيفي جميع الحقوق محفوظة للكاتبة ....... الجزء الثالث من س... More

اجزاء السلسلة
المقدمة
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الواحد و عشرون
الفصل الثاني و العشرون
الفصل الثالث و العشرون
الفصل الرابع و العشرون
الفصل الخامس و العشرون
الفصل السادس و العشرون
الفصل السابع و العشرون
الفصل الثامن و العشرون
الفصل التاسع و العشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الواحد و الثلاثون
الفصل الثاني و الثلاثون
الفصل الثالت و الثلاثون
الفصل الرابع و الثلاثون
الفصل الخامس و الثلاثون
الفصل السادس و الثلاثون
الفصل السابع و الثلاثون
الفصل الثامن و الثلاثون
*الفصل الأخير*
*الخاتمة*
إعلان الجزء الجديد

الفصل الأول

11.1K 254 5
By ShaimaaGonna


نسخة معدلة 

🌷الفصل الأول 🌷

{يا عجبا لقوم أمروا بالزاد ونودوا بالرحيل وحبس أولهم على آخرهم وهم قعود يلعبون ... الحسن البصري }

_بيلسان! قومي حبيبيتي.

حركت جفنيها بثقل تفتحهما بمشقة وكل طرف بجسدها يطالبها بالعودة للنوم كي تنال مزيدا من الراحة لكنها ككل يوم تتجاهل رغبتها وتتحامل على نفسها قائمة تشد جسدها لتنتزعه من على السرير اليتيم في الغرفة الوحيدة بتلك الشقة الحقيرة التي تسكنانها.

تابعت جنات المستلقية على نفس الفراش جوارها بنبرة مشفقة على هيئتها التعبة

_عودي للنوم بيلسان، أنت متعبة.

مسحت على وجهها براحتي كفيها، ترد بصوت ناعس وهي تستقيم واقفة

_لا أستطيع التغيب ثم ألا يكفي أنك مريضة ولن تذهبي لعملك؟ على الأقل واحدة منا تحتفظ بعملها.

استدارت جنات على شقها الآخر، تدير لها ظهرها بينما تجيبها بوجوم لم تره بيلسان

_لن أفقد عملي بيلسان، لا تخافي.

تمطت بيلسان بجسدها، ترد عليها

_هذا صحيح، لأنني سأعود من عملي باكرا وأنوب عليك في عملك ف....

_لا!

أجفلت بيلسان من نبرتها الحادة، فقطبت بريبة والأخرى تفسر بتوتر لم يخفى عليها

_أقصد .... أنا استأذنته ومنحني الإذن يعلم بأنني سأتغيب، لا تقلقي، لن أفقد عملي.

تناولت المنشفة من على طرف السرير تبتعد مجيبة بعدم اقتناع

_صحيح أنا لم أكن موافقة على عملك لدى شاب في شقة بمفرده لكن هدأت حين قلت بأن طاقم الحراسة والخدم حوله ومعه في بيته ....فلم أرد أن نفقد مدخولك الثمين.

لم تجبها تمرغ وجهها في مخدتها تحبس دموعا لا تريد أن تراها صديقتها، فهي خير من يقرأ أحوالها فقط من ملامحها.

انتعشت بيلسان وارتدت فستانا فضفاضا يخفي قوامها حتى إن كان نحيفا لكنه يشير لأنوثة ناضجة، لفت الطرحة على رأسها وأحكمت شدها ثم التقطت كيس حاجياتها قبل أن تتجه إلى صديقتها تحمل بيدها الحرة صينية فطور متواضعة وضعتها بجانبها على السرير، تخاطبها بحنو وهي تنحني لتقبل رأسها.

_كلي جيدا حبيبتي وخذي الدواء، سأحاول العودة باكرا، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.

هزت رأسها بوجوم تتأملها إلى أن اختفت من أمامها لتعود لبكائها الصامت بينما بيلسان ما إن فتحت الباب قابلت وجها تمقته، فتنهدت بنزق تسأله بفظاظة لا تخفيها عنه

_ما الذي جلبك في هذا الوقت الباكر؟ ألا تنام لا ليلا ولا نهارا؟

ابتسم يجيبها مرققا الحديث، يقلد دلال النساء فيراود أحشاءها الغثيان ككل مرة تقابله فيها

_بيسو جميلتي ....ألن تعقلي وترحمي جمالك هذا من العذاب كل يوم في المواصلات العامة والعمل الدؤوب دون مقابل يستحقه؟

نفخت بضجر تتجاوزه، فيتابع بنبرته المتميعة

_أطيعيني وسأجعل منك ملكة لن تتعرفي حتى على نفسك بدل هذه الأسمال التي تسمينها ثيابا.

تسمرت مكانها، تجيبه بنفس همسه لكن بنبرة مغيظة

_جنات مريضة، ارحمها من ثرثرتك، فهي لن تطيعك أبدا مثلي بالضبط .....اتقي الله يا ديدو.

نطقتها بغيظ متهكم قبل أن تنصرف بعصبية لم تغير ''فيها'' عفوا ، بل ''فيه'' شيئا من ملامحه، يبتسم بميوعة مسخت محياه وعاد أدراجه إلى البيت، يهمس بتسلية

_بل ستقتنعين تماما كجنات ...فأنت كنز ثمين لن أفلته من بين يدي أبدا.

ثم رفع صوته ينادي بينما يمسك خصره النحيف بيده الحرة والأخرى يشير بها مقلبا شفتيه بقرف من وضع الشقة الحقيرة

_جيجي، أين أنت يا قمر؟ آه ''لا أعلم كيف تعيشان في هذا الجحر الحقير حتى كلمة جحر قليلة على هذا المكان الحقير.

****

تتأمل الساحة الرياضية الممتدة أمامها، متنفسه بحرية تفتقدها داخليا، جالسة على إحدى الدرجات الثلاث الاسمنتية المبنية على طول السور المحيط بثانوية "الحسن البصري'' أجدد ثانوية للقطاع العام تضاف إلى مجموع ثانويات متعددة للمدينة الكبيرة، تتوسط رفيقتيها في منظر يستغربه كل من يلمح صحبتهن الأغرب حيث لا يجمعهن لا الهيئة ولا حتى الشخصية المتشابهة سوى نفس القسم والمستوى '' شعبة الآداب'' المستوى الثالث ثانوي.

تحدثت الفاقدة لصبرها دائما *خنساء* والتي تعتبر واجهتهن والناطقة باسمهن ليس لأنها الأذكى بل لهيئتها الجذابة بجمال رباني يعكس سريرتها ليس أن زميلتيها لا تتمتعان كلٌ واحدة بحقها من الجمال إنما لأنها تفوقهما جرأة وتسرعا مع أن ذلك كثيرا ما يوقعها بالمشاكل، وجهها ممتلئ بوجنتين مكتنزتين كجسمها الذي يفوق وزنه الطبيعي بكيلوجرامات قليلة، قمحية البشرة كغالبية أبناء شعبها، مليحة ومتحجبة بملابس لا تظهر اختلافها عن صديقاتها، نظرا للرداء الموحد الذي يلبس فوق الثياب على شكل وزرة بيضاء مصنوعة من قماش رقيق وقصير قد لا يلامس الركبتين.

_أف! أنا سئمت، سمرا! دعينا نغادر، قلبي سينفجر من الملل.

ضمت الفاقدة لحريتها شفتيها بحنق طفولي، يحمر له وجهها حتى أضحى كحبة كرز، فربها حباها ببشرة تحمر لأبسط الأسباب، متوسطة الطول وشعرها أسود تجمعه على شكل ديل حصان منسدل من أعلى قمة رأسها ليضرب أسفل رقبتها بأطرافه.

_خنساء! لا نستطيع الذهاب الآن، ليس قبل انتهاء وقت الدوام، لن أشرح لك من جديد.

مطت الثالثة شفتيها بنزق تحرك عونيتها السميكة لدرجة تجعل مقلتيها تضيقان لمن يركز عليهما فيختفي لونهما الفريد، حظها من شقيقتيها الاثنتين كان كبيرا إذ كما ورثت لون عيني سلوى المختلف حظيت بشكل وجه القلب كشقيقتها الكبرى فاتن وشعرها البني الغامق الطويل تجمعه هي الأخرى أعلى قمة رأسها فيظهر كالقبة لولا تلك الشعيرات المنفلتة منه بفوضوية منحت صاحبتها هيئة منفردة يضاف على طولها الفاره بالنسبة لقريناتها فيتعرف عليها كل من يعرفها حتى عن بعد

_خنساء! دعيها تتمتع بحريتها الواهمة، على العموم لم يبق على انتهاء الدوام سوى ربع ساعة.

ثم زفرت بملل تكمل

_لا أعلم إلى متى ستظل حصتا التربية الإسلامية والاجتماعيات شاغرتين، إنه الشهر الثاني من السنة الدراسية.

أسندت خنساء نفسها إلى كتف صديقتها بكوعها، تجيب بسرور خفي

_سمعت جارنا أمين يخبر أخي بأن الأساتذة الجدد سيلتحقون بعملهم مطلع هذا الأسبوع وهو من بينهم.

ابتسمت مروة تهز كتفها بخفة، تجيبها بتسلية لتناكف صديقتها

_أمين ها؟ تخرج أخيرا وسيصبح أستاذا علينا.

قلبت خنساء شفتيها بينما سمرا تفتح فمها ضاحكة ببلاهة، فمدت مروة كفها تقفل فم صديقتها تنهرها بامتعاض

_للمرة المليون أخبرك لا' تفتحي فمك هكذا حين تضحكين، تبدين ك...

قطعت حديثها حين لمحت صفحة وجه سمرا المتهجمة، تكمل عنها بعبوس مستاء

_أعلم! كالبلهاء، أعلم عن لقبي الذي يتهامسون به خلف ظهري، سمرا الساذجة.

رمقتها مروة بأسف بينما خنساء، تعقب بإهمال

_ لا يهم، كل واحدة منا لها لقب بل الأغلبية ممن أعرفهم، أنا خنساء البرميل وهي مروة قاع الكأس

التفتا إليها ترمقانها بحنق، فتكمل بارتباك

_ماذا؟ أنا أخبركن بواقع الأمر، نكرانه لا يمحيه بل نتقبله ثم لا نهتم، فلينعتونا بما يشاؤون، هم من يتحملون السيئات لا نحن.

همت مروة بالرد حين هتفت سمرا بينما تنظر لمكان ما على السور بالجهة المقابلة

_انظرا! إنها تلك الفتاة صاحبة العينين الزرقاوين تتسلق الجدار.

استدرن جهتها، فقالت مروة تومئ بأسف

_لا أعلم هذه الفتاة أين تذهب في كل يوم تتغيب عن الحصص.

تدخلت خنساء، تعقب بسخط

_تعود دائما مع موعد نهاية الدوام لأن والدها يكون في انتظارها على باب الثانوية ليقلّها.

فقالت سمرا تومئ باستغراب

_ألا تخشى أن يعلم والدها بأي طريقة؟ قد يقتلها.

هزت مروة رأسها برفض ترد

_لا أظن والدها بتلك الصرامة.

نظرتا إليها بحيرة وتساؤل، فاستطردت مفسرة

_حسنا أنا أعرف والديها بشكل سطحي من خلال الدار التي أكلمكما عنها دائما.

عبستا بحيرة وخنساء تتساءل

ماذا يفعلان في الجمعية بالضبط؟

ردت وهي تتوسطهما لتدفع بهما نحو البوابة حين صدح صوت جرس نهاية الدوام يجلجل المكان وما حوله

_والدتها نائبة رئيسة جمعية حنين المراعية للدار، ووالدها صاحب وكالات (s.r) للسيارات.

هتفت سمرا باستغراب

_تلك الفتاة غنية!؟

فعقبت خنساء تعود لامتعاضها

_ حمقاء! ستضيع نفسها.

هزت سمرا رأسها بموافقة بينما مروة تراقب أمل بغموض واجم وهي تركب سيارة والدها

_تحركي مروة! ما بك؟ هيا!

أجفلت تستدير إلى صديقتيها ثم غادرت برفقتهما بين حشود الطلاب المغادرين بدورهم.

***

حرك رجلية بسرعة لم تنهك من بدنه القوي، بل من أعصابه، يعلم بأنه تأخر عن مناسبة مهمة مع أن خوفه ليس من صاحب المناسبة بل ابنته، حبيبة قلبه ووالدة ولديه.

عبست بخفة حين لمحته تلومه بعينيها دون أن يخفى عليه سعادتها التي لم تعد تفارق محياها حتى أسكنتها بقلبه، فلم يعد يكدر فرحته سوى خوف داخلي من الفقد.

_لماذا تأخرت؟

همست بها ورد بتأنيب وهي تميل نحوه لتعدل ربطة عنقه المعوجة جراء استعجاله بينما يهمس لها باسما بأسف

_آسف حبيبتي، قضية....

_لا أريد أن أعلم، وأبي سيؤدي معهم اليمين الدستوري.

ردت بنفس همسه ثم التفت إلى المنصة حيث يؤدي والدها مع بقية الوزراء اليمين الدستورية، فسكن يتأمل صفحة وجهها، لا يمل من تشرب قسماتها المتصفة بالسعادة، حلمه الذي لطالما لاحقه و تمناه، يعيشه الآن بل يتحسسه بكفيه كل يوم، إن كانت هي أو ثمرتي حبهما ونتيجة عشقهما، 'أحمد وعلي'. اتسعت ابتسامته السعيدة حين صفقت بحرارة تتقافز بحماس كطفلة صغيرة تعبر عن فرحتها فخرا واعتزازا بوالدها قبل أن تتسمر مكانها ترمق مراقبته لها بحاجب مرفوع، فضم كتفيها وقد عبثت بخفقاته بنظراتها المرحة التي تذكره بمشاكستها وكل لمحة سعادة عاشها معها.

_لا تنظري إلي هكذا أو آخذك من هنا وانسي أمر المدير العام للأمن الوطني وحفل تتويجه الوزاري.

_إن فعلتها يا ولد، سرحتك من وظيفتك، لا تنس أنني عينت وزيرا لداخلية قبل دقائق!

بلعت ورد شهقتها مستديرة إلى والدها تضمه كي تخفي حمرة خديها بينما ليث يبتسم بمكر، يجيبه بمرح

_ تستطيع فعلها من قبل فأنت المدير العام للأمن الوطني لكن لن تكون مصطفى الشهدي الذي علمنا الواجب والنزاهة.

هز رأسه وهو يبعد ابنته برفق بعد أن قبل رأسها وليث يتصنع العبوس بحزن، يضمه بدوره مستطردا

_ وهل يهون عليك أمر حفيديك حين تطرد والدهما ويتشردا؟

أبعده بحنق مزعوم يجيبه بنفس المزاج الساخر

_التشرد وعائلة الجندي؟ نحن نعلم جيدا من تكون، فمرتبك لعشرة أشهر لا يساوي ربع ثمن سيارتك، واترك حبيبا جدهما خارج مناقشتنا.

ثم نظر إلى ابنته متابعا

_بالمناسبة لماذا لم تحضرا حفيدي؟ كنت أريد أن يريا بطلهما يؤدي اليمين.

تأبطت ذراعه، تجيبه بتعب

_أرجوك أبي! دعني أهنأ بهذه اللحظات لو كنت أحضرت علي لظللت أطارده هنا أما أحمد، فيرفض ترك جدته يلازمها طوال الوقت.

قبلها على رأسها مجددا، يرمي ليث بنظرات ماكرة من طرف عينيه بينما يعقب

_طبعا، فوالدهما دائما مشغول ولا يساعدك أبدا، أباء آخر زمن!

ضحكت ورد بمرح يشاركها والدها دون أن يخفيها وليث يرمقهما بحنق مزعوم.

****

_انتبه نوفل!

هتف بها أسد وهو يدفع زميله مطلقا رصاصات من مسدسه ليردي أحد أفراد العصابة قتيلا، ليتحرك نوفل بسرعة يجر ساقه المصابة، يختبئ خلف براميل مرصوصة لا تعد من كثرتها تملأ المخزن الكبير الذي اكتشفاه بعد تحريات وأبحاث سرية مضنية ليعلما أخيرا بأنه أحد أوكار صنع نوع مخدرٍ أضحى آخر صيحة رائجة في عالم المخدرات.

همس أسد بغل حين انضم إليه في مخبئه

_تأخرت الدورية، يا الله!

رد عليه بحزم، دون أن ينظر إليه يتفقد جروحه.

_يجب أن نخرج من هنا، تعلم جيدا ماذا سيفعلون ونحن لم نجلب معنا الأقنعة ولقد أغلقوا الأبواب سالفا.

هز أسد رأسه مؤكدا وهو يتلفت متفقدا المكان حوله علّه يجد مخرجا، فهما حين تسللا إليه للتفتيش لم يكونا متأكدين من كنهه، ليُفاجئا بعصابة منظمة ومسلحة اشتبكا معهم في قتال غير عادل ليجدا نفسيهما محاصرين مع ذخيرة أوشكت على النفاذ.

لفت نظره نافذة بعيدة أعلى الجدار، فأدار رأسه إلى صديقه يهمس له

_كيف هي جروحك؟

رمقه بتساؤل فأشار له إلى النافذة ليومئ نوفل، يجيبه بخفوت

_ أنا بخير، سأتحمل ... لنخرج من هنا.

تحركا بخفة وكل واحد منهما يحمي ظهر الآخر بحرص ثم توقف نوفل مشهرا بمسدسه يراقب كالصقر بينما أسد يرص البراميل على بعضها كي يتسلقاها إلى النافذة، أنهى عمله واستدار إلى زميله يشير له بأن يسبقه ليساعده ويخرجا من النافذة.

سحب أسد نوفل يزيد من سرعته لأن جروحه تستقر في ساق رجله بسبب رصاصةٍ اكتفت من حسن حظه بشق اللحم مسببة له جرحا عميقا نازفا.

لم يبتعدا بما يكفي لأن موجة من الانفجار المهول ألقت بهما كلٌ في جهة وبعد برهة تململ أسد في مكانه يطبق على أذنيه ليحد من طنينهما هاتفا بحقد

_لعنة الله على الظالمين!

حرك أطرافه المنهكة ليبحث عن صديقه، فجلس يتلفت حوله وحين لمحه مسجى على الأرض دون حركة اهتز قلبه جزعا ناسيا آلامه ليصبح بجانبه في ثانية، يهزه برفق يحاول إيقاظه

_نوفل ... أفق يا صاح ... نوفل!

تشكلت ملامح وجهه بين الوجوم والخوف على صديق عمره وزميله وأحنى عنقه يقرب أذنه من فم الآخر عسى أن يشعر بأنفاسه، ليبتسم زافرا براحة حين تناهى إلى سمعه المتضرر همس نوفل الوهن

_أبعد وجهك عني وإياك حتى التفكير بالنفخ في فمي.

ربت عل صدره ضاحكا يلقي بنفسه على الأرض جواره يجيبه بمرح

_مع أنني سعيد جدا بنجاتك لكن لم أصل لذلك المستوى من اليأس.

ظهرت ابتسامة واسعة على شفتيه تحت شاربه الذي استطال مع نضجه، يرد وإن كانت نبرته تدل على مدى تعبه

_ لا تخف أنا لن أموت وأتركك تواجه لوم ضرغام بمفردك.

لم يعكر من مرحه اللحظي وحقيقة نجاتهما من موت محقق مرة أخرى، فقال باسما

_ضرغام يضغط علينا، يريد أن يترقى ويلحق بصديقه العميد ليت في رتبته.

حرك نوفل رأسه بضعف، يتحدث بمشقة متحاملا على ألم قاتل يلم برجله

_عليه أن ينتظر قليلا، فنحن عدنا إلى نقطة الصفر ثم ليث يكبر ضرغام

علا رنين هاتف أسد، فسحبه من جيب سرواله يرد بتهكم

_لقد أتيتم باكرا، لماذا العجلة؟ لم نمت بعد.

ضحك نوفل رغم ألمه بينما أسد يكمل بحزم

_نحن في الجهة الشرقية، أسرعوا فالضابط نوفل مصاب

التفت إلى صديقه ليجده باسما رغم وضعه المزري، فاقترب منه حتى أصبح يشرف عليه لا يفصل بين وجهيهما سوى سنتمترات ثلاث على أقل تقدير، يهمس له بجدية غلف بها خوفه

_لقد كانت وشيكة يا نوفل، ماذا حدث؟

تأمله نوفل بألم يكبته دون أن ينبس بحرف، فتابع أسد بجدية

_حسنا لا تخبرني، فأنت صرت صامتا مؤخرا، لكن أن يصل بك الأمر إلى التشتت الذهني أثناء تأدية وظيفتك التي يصادف كونها خطيرة؟ لا! لن أسمح لك.

تلكأ قليلا يرمق مقلتيه بحيرة لما قد يكون ألم بصديقه مؤخرا ثم تابع بتردد

_لن أتوانى عن حمايتك يا صديقي حتى إن اضطررت إلى إخبار ضرغام..

أجفل نوفل من ذكر اسم ضرغام، فهم بالتحدث في نفس اللحظة التي وصلت فيها الدورية إلى مكانهم برفقة الإسعاف، ففضل الصمت الذي أصبح ونيسا له في أيامه تلك.

***

_مرحبا بني ...شكرا على حضورك.

صافحه ضرغام بحراراه، يرد عليه باحترام

_مبارك عليك سيدي ...أنا سعيد جدا من أجلك ومن أجلنا أيضا.

ضحك مصطفى ببشاشة، ليستديرا كلاهما إلى الفتاة التي أهلت عليهما، تقول باسمة بلطف

_سيدي أنا لبنى، الكاتبة الخاصة بك، عينني مدير مكتبك وأتيت لأتعرف إلى معاليك وأخبرك بأن الفريق اكتمل وستجده جاهزا غدا إن شاء الله في مكتبك الجديد.

تأمل مصطفى حماس الفتاة المتقد كما ثقتها بنفسها بإعجاب، طويلة نوعا ما ذات قوام عادي يلائم قامتها، وقورة بملامحها الصارمة، بشرتها بيضاء ووجنتين تميلان للاحمرار مع عينين تختفيان تحت النظّارة الطبية الأنيقة كبدلتها النسائية المحتشمة السوداء بقميص كريمي كطرحتها.

تحدث الوزير باسما يرد برسمية

_جيد آنسة لبنى، فأنا أثق بمحسن لذا أوكلت إليه إدارة المكتب ولم يخيب ظني ...إن كان الفريق بأكمله من عينة حماسك فأنا متفائل.

أطرقت برأسها حياء لتتسع ابتسامة الوزير، يتأكد له طبيعة وجهها السريع الاحمرار تكسر الصرامة التي تتصف بها، فتتوهج بالمشاعر الطبيعية كباقي الفتيات.

أجفلوا على رنة هاتف ضرغام الذي تبدل وجهه إلى حزم حين رد بكلمات مقتضبة ثم استأذن لينصرف.

****

*البلد الأجنبي*

_سيمون انتظري! لماذا العجلة؟

رمقتها بضجر تنفخ بنفاد صبر ثم ردت

_أنت تبحثين عن المشاكل أور وأنا خائفة على نفسي.

أمسكتها من ذراعها تتصنع الود؛ مخفية توترها الذي أصبحت بارعة في طمسه والتحكم به

_سيمون حبيبتي، أنا اخترتك من بين كل الصحفيات، لأنك بارعة في مجالك وطموحة.

لمعت عينيها بغرور تبتسم بفخر، فابتسمت أور بظفر تزيد من جرعة المدح لتصل لمبتغاها

_أخبروني بأنك محترفة ولا تخافين، لذا تكونين دائما سباقة إلى الأخبار الساخنة.

أنزلت كتفيها استسلاما، تتساءل

_ماذا تريدين بالضبط أور؟

اقتربت منها تخفض من نبرة صوتها لتجيبها بجدية نطقت بها عينيها البنيتين تسودان بكحل ثقيل وحقد أسود

_أريد فقط التأكد من اسم وكيل المافيا في بلد (....)

طغى الوجوم على ملامحها وهي تجيب بخوف

_أعطيني الاسم وسأحاول التقصي حوله مع أن الموضوع خطير، فتلك المجموعة منظمة ومدعمة.

هزت رأسها بامتنان ومدتها بورقة مطوية، فتحتها الأخرى لتقرأ الاسم المكتوب ''تهامي القناص".

****

*الوطن*

دخلت البيت كعادتها ترمي بمحفظة كتبها على أريكة البهو الصغير، لتتجه نحو غرفة المعيشة بشكل آلي، تحفظ المشهد المتكرر الذي ستجده ولم يخب ظنها حين لمحت والدتها تتابع مسلسلها بدقة و تركيز كأن حياتها تتوقف على أحداثه.

مطت شفتيها بضجر تلقي السلام

_السلام عليكم أمي! هل جهزت الغداء أم أجهزه قبل أن يعود أخي؟

زفرت بيأس حين لم يجبها سوى حوار مشهد في المسلسل يصدح وسط الغرفة لتنده عليها بصوت أعلى علّها تتنبه من غفلتها

_أمي! أجيبي!

قفزت من مكانها مجفلة، لتنقلب ملامحها من المفاجأة إلى الامتعاض، تصيح بسخط

_بسم الله الرحمن الرحيم، متى وصلت يا فتاة؟ ولماذا تصرخين؟

همت بالتحدث، فقاطعتها ترفع يدها تكمل بنفس سخطها وهي تعود بأنظارها إلى التلفاز

_شششش! لا أريد تفويت هذا المشهد وأخيرا سينكشف الشرير، الغداء في المطبخ اذهبي!

التفتت خنساء إلى الشاشة تحرك رأسها باستياء قانط، تلعن التلفاز ومن اخترعه ثم استدارت تخطو نحو المطبخ.

***

_السلام عليكم ماما.

رفعت السيدة حليمة رأسها من على أوراقها المرتبة أمامها على طاولة الأكل التي تتوسط غرفة الضيوف المفتوحة على باقي البيت ثم أزالت نظارتها الطبية، تجيب بابتسامة رسمية

_ عليكم السلام سمرا، ضعي حقيبتك في غرفتك واغسلي يديك لنتغدى.

بلعت ريقها، تسأل بتوتر من أذنب وقد احمرت وجنتيها

_لماذا؟ ألن ننتظر لبنى؟

شع الفخر من مقلتيها تبتسم بسعادة استشعرتها سمرا ليغرق قلبها في هوة حزن لم يكن سببها غيرة من شقيقتها على الأقل ليس كرها أو حقدا.

_لبنى ستنشغل بعملها أكثر خلال الأيام القادمة، عُينت كاتبة خاصة لدى وزير الداخلية الجديد ويجب أن نساندها لتنجح في عملها و ترتقي.

اغتصبت ابتسامة لا معنى لها وهي تجيب

_مبارك عليكما ماما.

هزت رأسها برزانة، لتعود إلى ابتسامتها الرسمية بينما تجيبها

_اذهبي واستعدي للغداء كي ترتبي المطبخ قبل أن تعودي للدوام المسائي، فأنا مشغولة اليوم لذا سأعود أنا الأخرى إلى عملي مبكرا.

كان دورها لتهز رأسها موافقة، تستدير لتقف حين تابعت والدتها بنظرة مدققة

_سمرا؟ هل تخفين عني شيئا ما؟

أخفت توترها تجيب بإهمال قبل أن تكمل خطواتها إلى وجهتها

_لا أخفي شيئا ماما، أنا فقط تعبة وما يزال ينتظرني دوام مسائي.

زمت شفتيها بتركيز لكن سعادتها بأحد أكبر إنجازاتها الذي تحقق في ابنتها الكبرى طغى على أفكارها، فأهملت شعورها أو أرجأت البحث خلفه إلى وقت لاحق.

****

_مروة حبيبتي؟ الغداء جاهز.

أقبلت عليهما باسمة لترفع حاجبيها ريبة حين لاحظت الأجواء المكهربة بشرارات تلمع من عيني والدها، فقبّلت وجنته تخاطبه بمشاكستها المعتادة علّها تخفف من التوتر حول المائدة، فهي تعلم تماما سبب اختلال هدوء بيتهم مؤخرا

_ها أنا ذا أحصل على قبلتي التي حرمتني منها اليوم.

التفتت إلى والدتها المشفقة من حالته تتساءل بهزة رأس حانقة حين لم يُحد بنظراته المحتدة من على نقطة معينة تبعتها لتلاحظ شروده نحو الهاتف بترقب مركز، فمالت عليها والدتها تهمس باسم شقيقتها لتزفر بضجر ترد

_أمي! أقنعيه أن يألف الأمر، بما أنه سمح لها منذ البداية بمهنة المحاماة يجب أن يعتاد على تجولها بين مراكز الشرطة والسجون أيضا.

انتفضتا حين هتف العم سعيد بغيظ

_أنت محقة، أنا من سمح لها منذ البداية لكن ماذا أقول؟ فقد حشدت فريقا ليقنعني ولم أقدر على ردهم.

تجاوزت اجفالها سريعا واقتربت من والدها تربت على كفه قائلة بحنو

_أبي حبيبي، أنت ربيتنا على الخوف من الله زد على ذلك سلوى أقوى واحدة فينا لا تخف عليها وثق بها.

نظر إليها أخيرا يجيبها بلين مشوب بضيق

_مشكلتي ليست الثقة أبدا، أنا أعلم بأخلاقكن فأنتن تربية يدي لكني أخاف عليها ممن تحاربهم لتحقق العدالة التي ربيتكن على أن الله يحبها، أخشى أن تصاب بأذى و هذا ما يجعل أعصابي تحترق طوال الوقت.

ضمت مروة شفتيها ترمق والدها بفخر وحب بينما والدتها تلهج بدعاء ليحفظ لها ذريتها حتى أجفلوا على رنين الهاتف لينقض عليه والدها بلهفة يرد

_أين أنت سلوى؟ لماذا لم تحضري للغداء؟ ألم نتفق؟

صمت قليلا لتنقلب ملامحه من دهشة إلى حيرة ثم قلق يستفسر منها

_و كيف حاله الآن؟

هز رأسه بتفهم يجيبه

_لا مشكلة إذن، حين أنهي عملي سأمر على المستشفى برفقة والدتك لنطمئن عليه ....استودعك الله يا ابنتي.

هتفت زوجته سيدة بقلق

_من بالمستشفى؟

ذكر اسم الله وبدأ بالأكل بينما يجيب بانزعاج ظاهر على نبرته

_نوفل، أصيب اليوم في عمله وهو بالمستشفى.

شهقت سيدة، تسأله برعب

_كيف حاله الآن؟

أومأ يرد عليها بضيق

_بخير، هذا ما أخشاه من عملهم الخطير، فمن يحاربهم نوفل هم من تدافع سلوى عن ضحاياهم ضدهم، إذا كانت الشرطة لا تخيفهم، فما بالك بفتاة!

زاد قلق سيدة تلهج من جديد بأدعية الحفظ بينما مروة تطرق برأسها تتناول طعامها محتفظة برأيها لنفسها كما تفعل دائما.

****

_لقد انتهيت يا سيدة حليمة.

رفعت السيدة الخمسينية رأسها من على أوراق الحسابات لتلتفت إلى الرفوف المبردة، تتأكد من بالبضاعة اليومية بينما بيلسان تنهي كلامها

_تبقى شكل واحد، وضعته في المجمد وسامية ستخرجه بعد ساعة.

حركت يدها في الهواء، ترد ببرود تتصف به ملامحها الوقورة التي حفرها الزمن معلنا عن سيدة كافحت لتؤمن لنفسها ولبنتيها حياة مستقرة

_أنت تعلمين بيلسان بأنك أهم عاملة هنا ولا أحبذ غيابك لذا لا تعتادي على ذلك.

هزت رأسها ممتنة تتمتم بكلمات شكر قبل أن تنسحب مغادرة، فهي أبدا لن تسمح بأن تفقد صديقتها عملها، لذا قررت أن تنوب عنها وبذلك تضرب عصفورين بحجر واحد، تتأكد من مكان وصاحب عملها والأهم تحافظ لها على عملها.

تذكرت كيف تبعتها حين لم يعجبها تهربها من اخبارها عن تفاصيل مُشغلها، تتحجج بكونه رجل مهم فتتكتم عن هويته بأمر منه كشرط للعمل لديه، كانت تنوي التقصي عن هويته لكنها تفاجأت بملكيته للبناية كلها يربض على بابها كومة من حراس الأمن، لا تنكر إحساس الراحة الذي تخلل خلايا صدرها، على الأقل لم تكذب عليها لكن هناك ما يقض مضجعها، تشعر بصديقتها تخفي عنها شيئا ما، فهي خير من يعرفها جيدا ولا يخفى عنها كآبتها التي تحاول جاهدة طمسها ومهما حاولت تفر بين الفينة والأخرى لتطغى على عينيها بلون الذهب كشقيقها فينطفئ وهجهما.

سحبت البطاقة التي أخذتها من بين أغراض جنات دون أن تشعر بها حين وصلت باب البناية حيث تحدثت مع رئيسهم تشرح له ظروف صديقتها المريضة ليسمحوا لها بالدخول.

***

*مجموعة القناص*

مال على ابن عمه يسأله بهمس واجم

_ما سبب هذا الاجتماع الطارئ؟

ابتسم صهيب بحنوه المعتاد الذي يعتبر نادرا لمن ينمو وسط تلك العائلة، يرد وهو يقدم له كأس عصير في يده بعد أن دس هاتفه في جيبه

_إنها الأسهم من جديد، ألم يخبرك نضال؟

لام غباءه حين لمح سواد ملامحه، فربت على يده يستطرد

_آسف نزار.

قاطعه مغمغما ب *لا عليك* ثم ألقى عليه سؤالا آخرا.

_نضال هنا؟ ثم لماذا لم يجتمعوا في المنزل، لماذا الشركة؟

ابتسم بتجهم أضفى على وجهه نضوجا أكبر من سنوات عمره الفتية، يخبره

_أظن بأنهم علموا شيئا جديدا عن التوءم المفقود.

نطق آخر جملته بتهكم غيّر مزاج نزار العكر، فرسم على شفتيه ابتسامة أنارت ملامحه السمحة معقبا بمرح

_كأنك تتحدث عن التاج المفقود في رواية هاري بوتر ، الجزء الأخير أليس كذلك؟

انتقل إليه مرح ابن عمه، أقرب شخص إلى قلبه، فتنبسط شفتاه المائلتين إلى الاحمرار دوما مما يستجلب عليه الكثير من السخرية من أصدقائه غيرة، خصوصا مع بشرة وجهه البيضاء وعينيه ذواتا اللون البني اللامع برموش طويلة يظللهما حاجبين من نفس لون العينين وشعره الكثيف الحريري المنساب على جبهته، لوحة ربانية بديعة.

تحدث صهيب باسما

_إنه التاج الضائع يا زيزو ....وليس التاج ....

قطع حديثه ساهما بوسوسة ' عفوا ' وشوشة والدته لأبيه وتلك النظرة تلمع من عينيها وكم يكره مقلتيها حين تومضان بقسوة تخفيها بين شفتيها المزينتين بإغواء لتضلل فريستها.

تجمد نزار بريبة لسكون الفتى جواره غافلا عن لسان حال الأخير الذي يصرخ متوسلا والده أن يرفع أنظاره إلى زوجته وهي تحدثه، لا يعلم صهيب لماذا يظن بأنه لو نظر إلى عيني والدته وهي تحشر أذنيه بوسوستها كان ليدرك مدى حقدها و كذبها، ألا يعلم هو؟ منذ نعومة أظافره وهو يكتشف وجوه أمه المتعددة وكم كان عليه صعبا استيعاب كم اختلافاتها، ليعي بعقله الصبى براعة والدته بالتمثيل وليصل للحقيقة الكامنة في النهاية بأنه نفاق.

جفل على ربتة نزار، ليستدير إليه مصغيا لهمسه القلق

_ماذا فعلت بشأن خطتك؟

تفقد الوجوه أمامه، فلاحظ انشغال كل فرد منهم بشحذ أسلحته ضد بني دمه من أجل حرب شعواء كانت وستبقي من حروب بني البشر الأزلية، المال والسلطة.

لاح شبح ابتسامة على جانب ثغره وهو يشبههم بطغاة يجتمعون حول طاولة مستديرة تختلف عن طاولات الاجتماعات في الشركات الأخرى ذات الشكل المستطيل، يتقاسمون المال والسلطة.

شملت البسمة المستهزئة وجه صهيب بينما يفكر بوالده "فؤاد القناص* متخصص الصيد والرماية لكن بتخطيط من زوجته "قائمة" التي تهوي الحرب والتخطيط دون أي علاقة تربطها بالحكمة ثم تحرك بنظره قليلا إلى عمته "فريدة القناص" الخنوعة والمستسلمة التي تنازلت عن منصبها لابنها *رضوان* تاجر الفن والشعر والموسيقى.

انتقل إلى الأخير، فتحجرت مقلتاه يرمق عمه "تهامي القناص" بقسوة حولتهما إلى شبيهتي والدته يكمل حديثه لنفسه ''عمي العزيز، أنت أبشع مما تبديه واجهتك الوسيمة والأنيقة هذه!"

_أنا أحدثك على فكرة، ما الذي يشغل بالك؟

أجفل على ضغطة من يد نزار، فأجابه ساخرا

_هراء .....دعك مني، ماذا قلت؟

أعاد نزار سؤاله متجاهلا مزاج صهيب الفريد كهيئته التي يسمع عنها ولم يوفق لرؤيتها، ليرد عليه صهيب بقلق

_سجلت أخيرا بتلك الثانوية "الحسن البصري" فتهديدي أتى بنتيجة، صدق أو لا! لي سطوة خفية لا أفهمها على والدي ولن أنكر بأنه فاجأني حين أقنع والدتي.

هز رأسه موافقا لكن بإدراك ثم قال بدعم وتشجيع

_أتمنى لك التوفيق.

لمعت مقلتاه البنيتين بتصميم ضاعف من بريق لونهما ورد عليه

_يجب أن أتعرف عليها وأتقرب منها.

ثم قلب شفتيه، لينفخ مطيرا الخصلات الحريرية من على جبهته بينما يهز كتفيه استخفافا وهو يستطرد

_المهم أن أجاورها وسأتعرف عليها بطريقتي، فهي لا تعرفني ولم يسبق لها رؤيتي من قبل وسأجد طريقي للأخرى.

لم يأتيه الرد منه ليلتفت إليه فيلمح أنفه المجعدة قرفا، يهتف بخفوت ممتعض

_وصلت الصاعقة.

أدار صهيب وجهه إلى الوافدة عليهم تضرب الأرض بكعبها الحاد كأنها تملكها بمن عليها، يسبقها عطرها الفواح الغالي الثمن كسترة الفرو على كتفيها، تتبختر برشاقة جسدها، فهي عارضة الأزياء الأولى في البلاد كونها بدأت مشوارها في كندا بغض النظر عن قيمة تجربتها، منحتها صيتا صُقل بمال والدها ونفوذه ليُعبد لها الطريق أمامها مفروشا بورود تسحقها بكعوب أحذيتها الفاخرة، لم تحيي أحدا تخطو رأسا إلى جوار والدها، تتدلل عليه كعادتها حتى تسأم من تجاهله لتزفر بحنق وتلتفت إلى هاتفها الذكي تتشاغل به كأن لا أحد حولها.

قرر نزار التحدث يناكف دليلة بينما يوجه حديثه لرضوان

_رضوان؟ سمعت بأن نضال يحوم حول نجمتك الجديدة ويبدوا بأنها تقع في الفخ إن لم تلحق بها.

رفعوا رؤوسهم مجفلين كأنهم الآن تذكروا وجوده ليبتسم صهيب بمرح ماكر، يرمق اصطكاك أسنان دليلة البيضاء ورضوان يلقي بثقله على الكرسي يتشدق بتشفي بعدما التقط مغزى حديث ابن خاله

_يحق له، فتلك الفتاة فاتنه ثم من يستطيع مقاومة أوسم شباب القناص؟

_إنه يتسلى كعادته.

ألقتها دليلة بتساؤل أكثر منه تقرير تقنع نفسها قبلهم ليضحك نزار بخفة، عكس رضوان الذي جاهر بضحكته غير مكترث لسخط نظراتها مع والدها وسخرية البقية، ليهتف تهامي بانزعاج

_إنه قليل التهذيب، أين هو؟ تركنا ننتظره هنا كرعيته، لا يحترم حتى مواعيده.

وحّدت كلماته النظرات الساخرة حتى من ابنته المتجهمة ليجيبه نزار بغموض

_أرجوك عمي، دعنا من حديث قلة الأدب والاحترام.

هتف بغضب يرمي نظّارته على الأوراق قبالته

_ماذا تقصد يا ولد؟

لم يجبه متشاغلا بالتمسيد على لحيته الخفيفة والمشذبة، فتدخلت عمته فريدة لتهدئ النقاش قبل أن يصل إلى الحدة المعتادة

_اهدئوا ولا تفضحونا نحن في الشركة.

هم تهامي بالرد لكنه تراجع والجميع يصمت، فتلمع مقلتا دليلة ذواتا العدسات اللاصقة الزرقاء بلهفة وهو يهل عليهم بوهج غريب ينشئه حوله في أي مكان يحل عليه وقد ازداد نضجا أضاف إلى هيبته رزانة وجدية تخيف من يقف أمامه، ليساعده طوله الفاره و قده الرشيق فيتجسد في بدلته الأرماني السوداء عليها معطف كشمير من درجة أولى إلى حدود الركبتين كأحد عارضي الأزياء قفز مباشرة من مجلة مشهورة.

خطا إلى مكانه المعهود الذي انتزعه نزعا من العائلة رغم أنه كان لوالده، رأس الطاولة، مكان القائد وقد استحقه عن جدارة بعد أن أثبت بأنه سليل الهَاشْمي القناص، رجل الأعمال المحنك الذي بنى مع إخوته شركات عدة كان أساسها شركة المعادن، لتنمو وتكبر إلى أن شملت فروعا أخرى عدة كالنقل والتجهيز.

تناقش بخفوت مع مساعده وحارسه الشخصي الذي انصرف بعد ذلك مغلقا الباب خلفه ثم ألقى تحية شاملة مهملة وكعادته لم يدقق بالوجوه، فهو يعلم سالفا ماذا سيجد، تأملات عمته وعمه فؤاد الممتعضة أو خاصة تهامي الساخطة حتى شقيقه لا يستطيع أن ينظر نحوه كي لا يلمح الخيبة أو أسوأ.

تحدث تهامي بنزق

_هلا تشرفت وتكرمت وبدأت الاجتماع؟ فلكل منا مشاغله.

رمقه بحدة جمدته وإن لم يظهر ذلك، فان اعترف أو لا" نضال نسخة من والده وعلى مر الزمن أفلح في هز جبروت عمه وزعزعة العرش من تحت قدميه.

رد عليه بعجرفة بينما يرفع رأسه بأنفة يرمق مقلتيه رأسا بحزم وجرأة

_لا تنس بأنكم من طلب هذا الاجتماع، فوقتي أضيق كما تعلم يا... عمي.

هتف صهيب ببلاهة مازحة

_أنا لم أطلب شيئا.

ابتسم نضال يغمزه بخفة لم يلاحظها إلا الفتى لتموت ابتسامته حين عقب شقيقه نزار بتهكم

_صيغة الجمع لا تشملنا يا عزيزي، لا أعلم حقيقة ما الذي أتى بي؟

زفر يائسا بخفوت، لتتدخل قائمة تجيبه بنزق

_أنت هنا لأنك صاحب أسهم كالجميع.

أضحت لضحكة نزار الناقمة صوتا يرد بنفس السخرية

_أسهمي أصبحت لأخي العزيز.

لم يجبه، يرمق الأوراق أمامه بينما يخفي ألما جارفا لتتدخل فريدة تهادنه كالعادة

_إنه فقط يراعي أملاكك بني.

حينها رد عليها بمرارة

_أعلم كصهيب، إلا أنه قاصر وأنا في مثل عمر الوصي علي.

التفتوا إليه يتأملونه بشفقة سوى عمه تهامي الذي تجاهل الحوار كليا، يقول بحدة جازره لكل تدخل لا يمت للموضوع الأساسي بصلة

_سمعنا بأن هناك أخبارا جديدة عن الفتاتين.

حرر نضال نفسا ساخنا محبوسا في قلب صدره وعمه فؤاد يعقب قبل أن ينطق بكلمة

_هذا الموضوع يجب أن نجد له حلا.

أومأ نضال بسأم ليؤكد تهامي على قوله وقد لمعت بنيتيه بطمع

_فؤاد محق، يجب أن ننهي هذا الموضوع، لا أظن بأن للفتاتين أثر نتعقبه.

ما زال نزار على صمته الساخر يشاركه رضوان الذي أسكت والدته فريدة عن أي تدخل ليتولى نضال الرد بسخط متشفي

_لقد وجدت واحدة منهما.

شهقتين خفيفتين صدرتا من فم فريدة و قائمة بينما باقي الأفواه المفغرة باستثناء فم دليلة الغير مبالي إطلاقا.

ترقب بهوتهم ولم يرضه سوى صدمة تهامي وقائمة زوجة عمه فؤاد الذي سأل بفضول

_تحدث نضال، التفاصيل.

أخذ نفسا ثم أخبرهم بما تحصل عليه من معلومات

_هي ببلد والدها، وصل إليها المحقق الذي كلفته قبل سنوات عبر تقفي معلومات عن نسيبنا العزيز.

اهتزت مقلتا تهامي حين ومضت عيني نضال بحقد تجاهه وهو يكمل بجفاء

_تفاجأت حين علمت بأنه قُبض عليه أخيرا في نفس الرحلة التي كنت حاضرا فيها قبل سنوات وقد اختطف زوجتي شرطيين، واحدة منهما كانت معنا في الرحلة، ما زلت أتذكرها جيدا ، ثم قتل شابا من الطلبة بكل برود.

التفت رضوان يضم والدته التي كممت فمها بكفها وقد اغرورقت عينيها بدموع الحسرة على توءمها، تلك التي قتلت ظلما وثأرا من زوج مجرم حقير، تقول بنشيج

_المجرم سببُ حرماننا من أختي.

فكان نزار من تدخل بسخط يعبر عن الحقيقة بصراحة

_بل عائلتها التي باعتها السبب!

_أسكت يا ولد!

_وهل ما قاله كذب؟ أحذرك! لا تحدث أخي مرة أخرى بتلك الطريقة!

ثار نضال ولم يتحمل إهانة شقيقه الصادق بقوله وممن؟ شخص كتهامي.

لمست قائمه كف زوجها ليتدخل بالمفيد فقال الأخير

_دعونا من هذا النقاش العقيم، أكمل نضال!

مط جانب فمه بتبرم يكمل حديثه

_المهم أنه تتبع أثر احدى ابنتيه تلك التي ساعدت الشرطة ليقبضوا عليه وقد وجدها في مدينة جنوبية لبلد والدها، سأحدثها لأقنعها بالعودة حتى تتسلم نصيبها.

قلب تهامي فمه بانزعاج يستفسر

_وماذا عن الأخرى؟

نظر إليه بتهديد صريح بينما يرد عليه

_لم يجد المحقق أي شيء جديد، سوى أنها اختطفت على يد من قتل عمتي لذا صعب علينا ايجادها.

تدخلت قائمة تقول بنبرتها المدعية دوما

_هل تظن بأنه سيترك فتاة صغيرة قتل والدتها حية؟

ازداد نشيج فريدة وابنها يهدئها بلطف بينما يرمي زوجة خاله بلوم ساخط، ليقوم نضال واقفا ينهي الاجتماع بقوله الحازم

_حينما تأتي شقيقتها سنرى والقانون واضح بما أننا لم نثبت وفاة احداهما بدليل قاطع، لا يمكن التصرف بأسهمهما.

قاموا بدورهم وانصرف نزار برفقة صهيب بعد أن أعاد الأخير غمزة ابن عمه نضال ليغادر الكبار تباعا دون نقاش ممتعضين من نتائج الاجتماع الغير المجدية، فودع رضوان والدته يعدها بالعودة باكرا إلى المنزل قبل أن تفترق شفتاه عن ابتسامة ماكرة يرمق تملق دليلة لابن خاله الذي لا يقيمها من على أرضها، يتأفف متململا في وقفته، فعلم بأنه يحتاج للإنقاذ السريع

_إنها سهرة جميلة لافتتاح ناد ليلي راق سيعجبك، أرجوك رافقني.

اغتصب ابتسامة باردة، يجيبها بجمود

_لا أستطيع دليلة لدي موعد سابق، أنا آسف.

استنكرت بدلال، فتدخل رضوان بينما يكتم ضحكته

_دعيه يا دليلة، لديه موعد مع الفنانة دنيا ولن يستطيع التملص منه.

استدارا إليه كل واحد منهما يرمقه بإحساسه الخاص، نضال بامتنان ودليلة بسخط تنصرف غاضبة، فتعلو ضحكاتهما بينما يتدخل مساعد نضال الشخصي غير آبه لها، فهو تقريبا على علم بجل تعقيدات عائلة مستخدمه وصديقه في آن واحد

تحدث رضوان بجدية بعد انضمام محمد إليهما يتساءل

_نضال، ما الموضوع؟

رد عليه بنفس جديته القلقة

_إنه موضوع مقلق ولست متفائلا.

عقد رضوان حاجبيه البنيين، فأشار نضال إلى محمد الذي تحدث بحزمه الذي فرضه عليه عمله كحارس أمني تدرب على يد أمهر متقاعدي الجيش، أسسوا بعدها شركات للأمن

_في خضم تحقيقي بحثا عنها علمت بأنها أيضا تقوم بنفس الشيء عنكم، وبالتالي هي على علم بأن من زوج والدتها من والده السيد تهامي، فأصبح تحقيقها منحصر حوله ولقد تمادت كثيرا، مع أنها ذكية.

هز رضوان رأسه تفهما ونظر إلى نضال يخاطبه بتجهم

_أنت محق لا مجال للتفاؤل، ما الذي يجبر فتاة على إخفاء نفسها بدل المطالبة بحقوقها، وهي ليست بهينة؟

عض نضال أسفل شفته السفلى، يهز كتفيه بحركة تدل على جهله ثم قال

_سأعلم ذلك الليلة، سأكلمها ومن خلال جوابها سأتصرف.

ثم التفت إلى محمد يخبره

_محمد جهز السيارة سنذهب إلى البيت.

حرك رأسه بطاعة وانصرف بعد أن ألقى التحية على رضوان الذي أعادها عليه قبل أن يسأل نضال

_ألن تعود إلى المنزل الليلة؟

أومأ نضال سلبا، فأكمل رضوان بود

_اقترب من شقيقك نضال، لا تتركه للوحوش تفترس أذنيه!

رمقه بحدة يعلم محدثه جيدا بأنها غلاف بلاستيكي لماع لألآمه التي تنهش أحشائه

_ فات الأوان رضوان ....فات الأوان! كل ما أستطيع تقديمه له هي الحماية من تلك الوحوش حتى وإن رغما عنه.

اقترب يربت على كتفه مجيبا بصدق

_لم يفت الأوان بعد، إنه معنا ويعرف جيدا من على الحق والعكس، إنه فقط مجروح منك.

زفر نضال بقوة يهز رأسه بلا معنى وهما مغادرين كل إلى وجهته.

🌷🌷انتهى الفصل الأول

Continue Reading

You'll Also Like

511K 14.4K 33
يتعرض الشاب الوسيم و الاستاذ الجامعي "آدم" لعملية نصب من رجل اعمال كبير ، فيقرر الانتقام منه عن طريق ابنة اخيه التي اكتشف بالمصادفة انه استاذها بالجا...
358K 12.3K 43
_ خلعت الدبلة وخاتم الزواج كي تنظف الأطباق , أنهم لا يعنوا أي شيء لها ولكنها تخشي أن تغضبه ولا تريد إعطاءه فرصة كي يؤلمها مرة أخري, لكنها نسيتهم بالم...
6.7K 449 26
اجتماعيه رومانسى دراما غموض جريمه قتل
247K 4.4K 37
رواية عاطفية فى غاية الروعة أتمنى أنها تعجبكم للكاتبة سارة محمد سيف/ عصير الكتب للنشر