عندما فتحت عيناي كانت الغرفة مشرقة وهناك رائحة خافتة للدماء على طرف انفي.
عبست بشكل خافت و شعرت بالفراغ في عقلي للحظة قبل ان اتذكر ما حدث امس.
يبدو ان اعراض موتي ظهرت و انهار جسدي، رغم ان هذا ما خطر ببالي الا ان هناك شعورا قويا بعدم الارتياح، كما لو انه تم غزو جسدي من قبل ضيف غير مرغوب.
طردت هذا الهاجس الغريب و سحبت جسدي اجلس بإعتدال، جاء الم من يدي جعلني اكثر وعيا ويقضة، عندما نظرت لها فتحت عيناي على نطاق واسع وحدقت بذهول.
مليئة بعدة علامات للعض و الدماء تجمدت عليها، تكونت عدة كدمات بنفسجية و زرقاء بدت فضيعة ومشوهة.
هل فعلت ذلك؟
عقدت حاجباي وتحسستها برفق، لكن بمجرد لمسة صغيرة مر نوع من شرارة الالم و الخدر ، لا اذكر بشكل جيد كان عقلي مشوشا تماما في ذلك الوقت.
تنهدت قبل ان اقف والقي نظرة على اختي الصغيرة، عندما كانت تنام بعمق وتلتوي بوسط اللحاف شعرت بالراحة انني استيقضت اولا.
عادة يكون نومي ثقيلا جدا و اقل قدر من النوم يمكن ان احصل عليه هو عشر ساعات، انه من نادر جدا ان استيقض بعد النوم لثلاث ساعات او اربع.
على اي حال نضفت الارضية وعقمت يدي قبل ان الفها بضمادة بيضاء.
الجو بدأ يصبح دافئا لكن الهواء بارد بعض الشيء لذلك ارتديت تنورة سوداء ناعمة للركبة بأكمام فضفاضة وضيقة في المعصم.
انسدل الشعر البنفسجي القاتم على كتفي وغطى ظهري بدون اي تعرجات.
لم اشعر بوجود اندرياس حتى الان، انه لا يعود للمنزل
عضضت شفتي السفلية وخرجت من الغرفة بهدوء، عندما وقفت عند الدرج توقفت للحظة وادرت رأسي للباب على الجانب الاخر.
اكبر بكثير واضخم غرفة، بللت شفتاي وخفق قلبي بقوة عندما تسللت فكرة صغيرة لرأسي.
لم استطع المساعدة في توهج وجنتاي لكن لا احد يلومني انا افتقده بشكل لايطاق.
وقفت هناك بتردد ثم في النهاية قادتني رغبتي فحسب ودخلت غرفته.
انه غير موجود ولن يراني احد كان قلبي يرتجف ووجهي يسخن توترا من ان يتم الامساك بي.
سرت بخطوات سريعة وفتحت خزانته.
لديه عادة سيئة في رمي ملابسه دون التفكير في غسلها، بسبب رفاهيته فهو لا يرتدي قميصه مرتين ويتم رميه مباشرة.
عدى ذلك كل ملابسه عبارة عن قمصان سوداء وبنطال اسود ومعطف اسود، لن ترى لونا آخر في هذه الخزانة.
بحثت بشكل محموم في خزانته ولم اجد اي قميص مرمي جانبا، عبست وهاجمتني موجة من الكآبة و الاحباط.
اعتقدت انها ستبقى على الاقل لفترة قبل ان يرميها، تموجت الاعين الجمشتية وهددت دموعي بالسقوط.
ماذا افعل بعد هذا اعتقدت انني ان شممت رائحته فيمكن ان يخفف الثقل بصدري بعض الشيء.
قضمت اسناني شفتي السفلية واحنيت رأسي قليلا، في تلك اللحظة سقط نظري عرضا على زاوية السرير ورأين نورا و نعيما هناك.
كما لو ان العالم باسره انحصر وصب كل تركيزي على قطعة القماش السوداء المرمية بشكل فوضوي.
خفق قلبي وشعرت ان جسدي يتحرك دون وعي نحوها، اغواء لا يمكن مقاومته.
من الواضح انه ارتدى هذا القميص ورماه مهملا على السرير، لمعت عيناي واعطى الموقف انطباعا ان القميص فريسة ضعيفة ترتعش و هجمت عليها اليس بدون اي رحمة.
قفزت على السرير اثني ركبتاي وجلست بحذر امامه، ببطء رفعت يدي ولامست بشكل سطحي هذا القماش الفاخر و الناعم.
كما لو انه شيء ثمين و خوفا من اتلافه لم استطع معاملتها بتهور و امسكتها بحذر شديد بين اطراف اصابعي النحيلة.
مع مرور الوقت زاد دفع قلبي ورفعته لأنفي، انفجرت رائحة تطغى على كل حواسي واغلقت عيناي بنفس عميق بينما ادفن وجهي بها.
ملأت رئتاي حتى الاختناق واجتمعت دموع فيزيولوجية بزاوية عيني من شدة السعادة و الرضى الذي شعرت به.
لم تكن رائحة التبغ العدوانية و القاسية، كان عطرا خافتا وذكوريا.
لم اره قط يضع عطرا لكن عندما لا تطفو فرموناته بالجو سأشم رائحة كهذه على جسده.
ارتخت حاجباي وشعرت انني اخف وزنا اخيرا، ارتسم هيكل اندرياس بعقلي مرارا وتكرارا استنشق دون توقف.
انه كما لو انني عثرت على ترياق يبدد تغلغل السم الذي اجتاح روحي.
تنهدت بإرتياح بعد فترة طويلة و اخفضت قميصه عن وجهي، انتعشت تماما ورغم ان هناك فراغا الا انني لم اكن كسولة جدا كما في السابق.
رمشت في القميص واردت اخذه واستنشاقه اكثر لكنني شعرت بالقلق من ان تختفي رائحته ولن اجد ما يهدئ جموح فقداني لاندرياس لذلك وضعته بعناية شديد على السرير ورتبته كما لو انه كنز عتيق ونادر.
"هاااااااه..."
زفرت بإرتياح وتمددت عدة مرات، ماذا افعل اليوم؟
بمجرد التساؤل تذكرت فجأة الحديقة الخلفية وتسرب الى عقلي هدير التنين المؤلم الذي يعاني.
قلبي الذي كان مرتاحا توا انقبض وتشوه وجهي بعبوس، نسيت ذلك تماما بسبب فوضى جسدي.
لكن هل اندرياس بخير؟
انه ملك الوحوش لذلك لن يصاب بأذي بسهولة صحيح؟
في الواقع لم اكن اعرف شيئا عن اندرياس او ملك الوحوش بشكل خاص.
فقط بذكر اسمه سينهار الحيوانات و الوحوش راكعين بولاء و ذعر.
اسمه لديه هيبة لوحدها فماذا سيكون بشأن الشخص نفسه، لذلك لطالما نظرت اليه على انه جبل لا ينهار ولا يتصدع.
تعابيره جامدة ولم تتغير كثيرا مذ رأيته كما انه غامض ولا يتحدث ابدا عن نفسه.
ليس اننا مقربون كفاية لنتحدث عن انفسنا لكن الان عندما افكر بالامر اشعر بالضيق و الحزن.
اريد ان اعرف لما قلبه لا ينبض ولما جسده بارد لما يغادر والي اين يذهب، هل هو بخير.
ابتلعت كل هذه الاسئلة وحتى ان كان هنا فهو لن يجيب عنها.
تنهدت وبعد ان اصبحت نشطة قليلا لم ارد ان اكتئب مجددا لذلك نفضت كل هذه الافكار بعيدا.
في تلك اللحظة لفت انتباهي شمعدان تم تثبيته على الحائط بجوار الخزانة.
غرفة اندرياس او المنزل بأكمله لم يحتوي على مصابيح، الثرية في الطابق السفلية عبارة شموع اما الغرف فتم وضع شمعدان صغير على الطاولة بجوار السرير.
القصر يبدو مقفرا وكئيبا جدا بالرغم من انه طراز قديم وجذاب ويعطي شعورا انك تعيش في عصر آخر.
لكن الجو مختلف في الداخل، خصوصا عندما لايكون اندرياس بالجوار و الهواء بارد و وحيد.
رمشت للحظة بعدها وقفت واقتربت اليه، لما قد يتم وضع شمعدان هنا دون اي معنى!.
انحنت رموشي تلقي بظلالها على جفوني و رفعت يدي ببطء اتحسسه، عندما امسكته تم سحبه للأسفل فجأة وجاء اهتزاز طفيف بالخزانة.
"هاه؟"
قفزت للخلف بذهول وراقبتها تتحرك للجانب ببطء عندما جاء صوت ازيز مزعج وتكدس الغبار تحتها كما لو انها لم تتحرك لمئة سنة.
بعد فترة وقفت ونظرت لذلك الباب مربع الشكل في الارض و الغبار يطفو في اشعة الشمس.
"......"
انها خصوصيات اندرياس لكن....
ارتجفت شفتي قليلا و جحضت عيناي بالمكان، لا يوجد احد، اندرياس غير موجد.... دعنا نأخذ جرعة ونشبع فضولنا.
تراجعت شفتاي في ابتسامة لم استطع كبحها وربما بسبب الوسم تفاقمت رغبتي في معرفة اندرياس اكثر و التعرف عليه.
سعادتي في هذه اللحظة عندما امسكت بطرف خيط صغير كانت اكبر حتى من عندما عثرت على قميصه.
انحنيت وادخلت اصابعي بالثقب الصغير قبل ان اسحب الباب للاعلى.
مجرد ان فتحته ظهرت فجوة قاتمة وهناك درج يؤدي للأسفل، تفاقم الغبار في الهواء و هاجمتني موجة من الهواء البارد تحتك ببشرتي وجعلت شعر جسدي يقف بقشعريرة.
مذ انه كان مظلما جدا في الداخل اخذت الشمعدان الذي على الطاولة بجوار السرير ونزلت للأسفل بعد ان اشعلتها.
تمت انارة وجهي بضوء منخفض و نزلت ببطء، الجو يزداد برودة مع كل خطوة و بفضل كويكي لم اعد اشعر بالبرد.
لكنني لاحضت ان هناك طبقة جليد رقيق تكسو الدرج وتزداد كثافة كلما تعمقت.
في النهاية وصلت لمدخل جليدي و هناك مساحة مربعة الشكل بحجم غرفة اندرياس، كل شيء جليدي وسرت بحذر شديد خوفا من السقوط.
في ذلك الظلام تم اختراقه بضوء الشمعة و استطعت تبين الاشكال الضلية لما هو موجود.
في الواقع كانت فارغة تماما الا من اسطوانة جليدية في المنتصف وفوقها طفى حجر بلوري اسود احاطته خيوط سوداء مثل الحبر.
ظهر جزء ضئيل جدا من رأس الحجر يعطي وميضا ابيض يحاول جاهدا البقاء على قيد الحياة
بالرغم من ان الظلال تطفو فوقه كثيرة الا انه اكثر ما يبرز في هذه الغرفة.
ثم في الزاوية تم رمي كتاب غليض عرضا وتم كسوه بالجليد الرقيق.
حدقت لفترة بذلك الحجر وكان هناك شعور قوي بالفتون، شعرت ان جاذبية العالم تم وضعها هناك وتسحبني نحوها.
لكن الهاجس الغريب بعدم الامان و انذار الخطر جعلني يقضة وقاومت رغبتي في الاقتراب اكثر الى الحجر.
بدل ذلك سحبت قدماي بصعوبة و ذهبت للكتاب، عندما لمسته بدأ الجليد يذوب ببطء وتبخر يصبح جلد الكتاب جافا ونضيفا.
"حجر البيورا"
ارتد صدى الهمس الخافت بالغرفة و ارسل قشعريرا تطفو بالهواء
.
.
.
🌸