عندما استيقظت في الصباح الباكر، لم تكن تنوي أن تذهب للجامعة إيضاً تشعر بالصداع والتعب، أمسكت هاتفها تتفحص بريدها لتجد رسالة فحواها " لا تفكري كثيراً ،حينما يحين الوقت المناسب سيكشف كل شيء "
حاولت أن ترسل رداً لكن عبث، ترجلت من سريرها لتغتسل وتعد نفسها للذهاب إلى الجامعة ، أياً كان هذا الذي يعبث معها فهو لن يجعلها تخسر ما حققته الى الآن، لملمت أغراضها واتجهت تخرج من الشقة.. حاولت فتح الباب ولكنه كان مقفل، بحثت في حقيبتها عن مفتاحها فلم تجده
" نالين "
استدارت لزوجها الذي باغتها بفطيرة صغيرة يحشوها بفمها عنوة، مجفلة نظرت له تستنكر، أرادت أن تزيلها فهتف قبل أن يرتشف من قهوته " لن تخرجي قبل أن تأكليها "
رفعت احدى حاجبيها مستنكرة ساخرة.. لم يعرها اهتمامه فكنت وتناولتها بهدوء استغربه، قاوم ابتسامة جانبية مستمتعة وهو يراها تقف على الباب بانصياع تنتظر أن يفتحه لها، أين ذهبت تلك اللبؤة؟
وصلت لجامعتها وهي تفكر كيف ستواجه ياسمين ان تلاقتها الآن.. اتجهت لخزانتها تضع الكتب الثقيلة عليها ، سقط ورقة مطوية أرضاً من خزانتها، أغلقت الخزانة لتلتقطها فقابلتها ياسمين التي تعبث بخزانتها المجاورة.. نظرت اليها ياسمين بلؤم وازدراء ، تأففت ورحلت عنها لا ترغب في رؤيتها.. مشت مسرعة عنها فقابلت آدم.. هتفت باستنكار " آدم، مالذي تفعله هنا؟ "
لوح بمحفظتها وتمتم بابتسامة " نسيتي هذه فيها بطاقة أحوالك "
التقطتها عنه " رغم أنني تأكدت من أخذها، أشكرك حقاً "
في الطرف الآخر كانت تمسك بيد باب خزانتها بقوة كأنه هو رباطة جأشها.. انحنت ببطئ والتقطت الورقة، فتحتها لتجدها اللوحة التي ارسلت لها صورة عنها، لوحة والدها، هذا توقيعه.. رائحته هنا، تلمسها بين يديها وتستشعر كل لمسة منه.. وكأن ما تحتضنه هو والدها وليس مجرد لوحة.. قاومت دمعة كادت أن تسقط وقرأت القصاصة الصغيرة المرفقة (( مازال لدي الكثير ))
فتحت خزانتها تخبئ اللوحة بيد مرتعشة وصلابة هشة تكاد تختنق حقاً
في موعد الاستراحة جلس مع صديقه يحتسي القهوة وعيناه تمشطان المكان.. تمتم مالك " تبدو مشغول البال "
تنهد بعمق وهو يرد " ستثير جنوني عما قريب، تباً "
اقترب من الطاولة مثنياً ظهره وقد راح يتذمر " هناك شيء، هناك شيء يزعجها بل ويؤلمها لكنها لا تخبرني ما هو، كل ما تفعله هو الرسم ولا شيء غير الرسم، يا ربي حتى أنها لا تأكل و.. "
قاطعته نظرات مالك وابتسامته المستمتعة فأردف مستنكراً " ما بالك! "
اتسعت ابتسامة مالك وهو يتمتم " يسعدني ما يجعلك قلقاً "
قطب ريان حاجبيه باستخفاف فتابع مالك مسرعاً " أتريد اقناعي أن ما يثار بداخلك حولها هو الفضول فقط!! "
تأفف ريان بضجر ورفض الاعتراف ، وقف مالك فجأة وراح يقول " قبل أن تعترف لي، عليك أن تعترف لنفسك "
تجاهل ريان حديثه ، اتكأ على كف يده المسنودة على الطاولة وقد انتابه الملل " الى أين! "
تململ مالك وهو يثاوب من النعاس وتذمر " سأعود للبيت، لسريري وفراشي المريح "
" ومحاضراتك! "
هز كتفيه بلا مبالاة وراح يقول بغرور " أنا خريج، ولا أحتاج لهذه التفاهات "
هز ريان رأسه بسخرية " تفاهات ها! قلت لي أنك تريدني أن أجعلك طبيبي الخاص.. اها، ادعو خيراً ياصديقي، ادعو خيراً "
قهقه مالك باستمتاع ملوحاً لصديقه وهو يسير خارجاً ليعود وينعم بالنوم والهدوء.. تحرك ريان من مكانه ودخل الى مبنى الجامعة، بحث عنها بعينيه في كل مكان، حتى بصحبة ياسمين التي ترفض الحديث معها.. كانت تقف بصحبة فتيات أمامه، أراد سؤالها عن نالين الا أن آمال وقفت في طريقه " صباح الخير "
كاد أن يطلق شتيمة عليها الا أنه أحكم لسانه في آخر لحظة " أظن أننا انتهينا من هذا "
كتفت يديها وقد تملكها الحزن والانكسار قد لاح في عينيها " لكن مازلنا أصدقاء صحيح !"
على بعد خطوات منه فتح باب مكتب رئيس القسم الاداري لتخرج منه نالين ، تضع يدها على صدرها وقسمات الآلم تظهر على وجهها،
"رباه " هتف في خلده وهو يرى حالتها متجاهلاً كل كلمة تقولها آمال، لم يكن يسمع أي شيء سوى شهيق زوجته وزفيرها الضعيف مع نبضه الذي يرتجف، كان يعلم أن قواها ستخار وأنه بين الحظة والأخرى ستقع أرضاً ففور أن أزاحت يدها التي تركيها على الحائط لتستند بها محاولة السير، ركض اليها تاركاً تلك الحمقاء كما نعتها قبل قليل تتحدث مع الهواء، أمسكها قبل أن تسقط أرضاً وانحنى بها برفق.. بضربات خفيفة على خدها هتف " لا تغيبي عن الوعي، اصمدي قليلاً "
" ريان، ما بها! "
التفت لصاحبة الصوت، ياسمين.. التي قابلته بنظرات محذرة.. التفت حوله ليجد الجميع يحيطون به.. اصطنع الرزانة وراح يتمتم " لا أعلم يبدو أنها قد غابت عن الوعي "
بلفتة متفهمة منها هتفت له " أيمكنك مساعدتي في أخذها للمشفى "
أومأ بهدوء ثم حملها بين ذراعيه متحاشياً النظر لوجهها فهو يعلم.. يعلم جيداً أن قلقه عليها سيظهر وسيكتشف الجميع عنها مكنون قلبه
عندما وصل الى الساحة قال بثبات لياسمين " في، جيب سترتي ستجدين مفتاح السيارة ، أيمكنك أن تخرجيه "
لم تقوى على النظر في عينيه وارتجافة يدها فضحتها.. ابتلعت ريقها تحاول تثبيت نفسها وبارتعاش أخرجت المفاتيح من جيبه، اتجه الى السيارة معها ففتحتها.. وضع نالين مسرعاً في المقعد الخلفي وركبا هما ايضاً ، انطلق بأقسى سرعة لوجهته فهتفت ياسمين " الى أين! ، لما خرجنا من الجامعة! "
قال مركزاً على الطريق " الى بيت صديقي، طبيب ويعرف طبيباً جاره.. لا نستطيع أخذها لمشفى الجامعة، ستحول للمشفى المدني التابع له وسيطلبون وثائقها، سيدركون أنها متزوجة وستسحب منها المنحة، سيؤخذ حلمها "
قابلته بالصمت متأملةً تصرفاته... لم يظهر عليه الخوف أو القلق، كان هادئاً وربما بارداً . اذا هو حقاً كما قالت نالين، ليس حبيباً ولا صديقاً ولا حتى عدواً، تنهدت.. المشكلة فيها هي، لا تنكر أنها فزعت لرؤيتها بتلك الحالة حتى أنها هتفت بملئ صوتها عندما بدأت تترنح كأنها ستسقط، وأنها لم تأبه لوجودها بين ذراعي الرجل الذي كانت تحب بل كل ما شغلها هو قلقها عليها.. أجل لا تنكر أنها تحبها وتشتاقها والآن صميم قلبها يدعو الله إن تكون بخير، فلتكن بخير ولن أعاديها في حياتي أبداً ...
عندما وصل.. دخل الى البيت تحت دهشة مالك الذي هتف " يا الاهي ماذا حصل! "
وضعها ريان في غرفته السابقة، على سريره وياسمين تتبعه، هدر بصديقه " افعل شيئاً، أحضر طبيباً "

عشق في حضرة الكبرياءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن