" هناك أمر خفي ينويه ريان وأنا متأكد ، تعلمين أنني لا أثق بكلامه "

" يا عزيزي ريان... "

" أعلم ما تحاولين فعله .. أنا لن أستنجد لابنكِ حتى يعود لحضنك " أجهشت بالبكاء وبدأت بالنحيب.. تشتاق لابنها فلذة كبدها الذي رحل من سنين تاركاً حضنها بارداً يناديه .. غطت وجهها وهي تتذكر كيف واراها ظهره راحلاً يجر حقيبته خلفه.. تذكُر كم تعذبت وهي تأوى لغرفته ليلاً تناشد رائحته لتسكت نحيب قلبها المشتاق له .

شهقاتها لم تؤثر في قراره فقد اعتاد على رهف قلب زوجته طوال هذه السنين ، كان عازماً على قراره..إن كان ريان عنيداً شامخاً على جبل الكبرياء فهو لم يرث ذلك سوى من والده

*********

بحث عنها بعدما عاد من الحديقة مع والدها.. سمع صوتها صادراً من المطبخ تقول " لا أعرف إن كانت ستعجبه فريان لا يتعطر " رآى أختها الصغيرة تخرج من المطبخ متجهة لغرفتها فدخل ليراها تواريه ظهرها.. اتكأ بكتفه على خدية الباب وعقد يديه .. مبتسماً قال " من قال أنني لا أتعطر " أجفلها فشهقت فزعة.. التفتت إليه منزعجة ، لملم ضحكته وهو يراها ترتدي مئزر الطهي تمسك في يدها ملعقةً من الخشب ويدها الأخرى تضعها على صدرها الذي بدأ يعلو ويهبط من فزعتها " تباً أنتَ دائماً تتسرسب من تحت الباب "

استدارت لتعود لعملها فعادت ابتسامته المستمتعة " ماذا تفعلين !" غطت قدر الطعام وعدلت من نار تحته " أعد طعاماً لضيوفنا " رفع حاجبيه استنكاراً " أمتأكدة ! في النهاية أنتِ تعدينه لحماتك.. كل شيء يقف على مذاقه " التفتت له متخصرة وقالت معترضة " ما قصدك ؟" هز كتفه بلا مبالاة وتابع سخريته " تذكرين ما حصل حينما أعددت طعاماً بنفسك " بدأت بتقطيع الخضار وهي ترد " ما أذكره أنك أكلته كله دون أن أجبرك حتى "

" أنتِ من قال أنه لا يؤكل " تابعها وهي تتجول في المطبخ تحضر المكونات باستمتاع " الطعام تكمن لذته ياعزيزي بالمشاعر التي يرسلها الطباخ له " خطى إلى الداخل وهو يستفسر " وما هي المشاعر التي أرسلتها لذلك الحساء ؟"

" أنتَ قل لي ، إن كان لذيذاً فهي المحبة والود والعاطفة ، وإذا كان لا يؤكل فهو الكره والبغض والاشمئزاز " ابتسمت وهي تفتح خزانة عالية لتحضر إحدى مكوناته منتصرة أنها ذكرته بمشاعرها اتجاهه، عليها أن تنفي تأثيره عليها.. تذَّكره وتُذَّكر نفسها الطاغية بما تكنه له.. قبل أن تلمس العلبة التي أرادتها أمسكها هو وقبل أن تلتفت له همس في أذنها " وإن قلت أنه كان لذيذاً ؟" عادت نفسها تصفعها مجدداً معلناً بقوة عن تأثيره عليها.. همسه يجعلها مرتبكة.. قربه يجعلها ترتجف وحضوره يجعلها مشتتة.. تباً له ولضعفها ، صداع آتاها وهي تفكر أن ما قاله صحيح.. هل يكون كذلك.. حاولت أن تتذكر كيف كانت تشعر وهو ضعيف ملقح في سريره.. متأكدة.. كان الكره هو ما يجول في فكرها لكن ليس اتجاهه بل اتجاه نفسها التي جعلته يساعدها.. نفسها الضعيفة كما حالها الآن.. لِمَ تصبح هكذا يا إلهي.. لِمَ رغم كل إرادتها في عدم الخضوع لتأثيره ينجح في كسر قوتها.. كيف يمكنه أن يجعل حائط جأشها حطاماً بهمسة ، لمسة ، رائحة فقط..

عشق في حضرة الكبرياءWhere stories live. Discover now