الفصل الثالث

Start from the beginning
                                    

أجفل على أصوات الأطباق الشهية التي ترص أمامه ليتوه من جديد في سيل ذكرياته معها، ذكريات كلها مفاجآت، ابتدأت بترحيب أهلها إذا استثنى والدتها المتحفظة لتتوالى بعدها المفاجآت الأخرى حين أخبرته إسراء بأنها ستعيش معه بمستواه المادي ولا تريد حياة الترف، انقبض قلبه خوفا من أن يكون لعبة مختلفة تسلي المدللة لمدة ثم يسقط القناع لكن ما واجهه بعدها ذهول على نحو مده بالقناعة وليس الرضا، إذ أنها صدقت بقولها واقترن بأكثر النساء جدارة بلقب الزوجة الصالحة.

ابتسم بحزن وهو يتأمل كيف تطعم ولديها مبتسمة بسرور حقيقي، فاستحكمت بحنجرته غصة تهبط بكومة الشوك عبر أحشائه، فالسرور تشعر به مع الجميع دونه هو، لن ينكر بأنها كانت تتصرف معه برسمية منذ خطوبتهما وكان قانعا بذلك متأملا تأجيج نيران المشاعر بينهما حين تصبح زوجته وفي بيته وكم كان متلهفا سعيدا ومترقبا خصوصا حين أخبرته بأنها لا تنوي العمل بعد الدراسة بل ستهتم بعشهما وتكتفي بالدراسات العليا وبعد الزواج "لا شيء" وبعد مرور السنوات ما تزال كما هي، ربة بيت من الدرجة الأولى، تجيد الاعتناء بكل شيء دون تذمر، رفضت إدخال خادمة إلى بيتهما مما سبب شجارات بينها وبين والدتها تخرج منها منتصرة دوما، مستغربا دوما من إصرارها الغامض وشراستها في ما يخص ما تريده، المشكلة أن ما تصر عليه دائما يصب في مصلحة البيت وأي زوج عاقل كان سيحمد ربه ليلة نهار على نعمته.

تنهد بخفوت يفكر بأنه فعلا يحمد ربه كل لحظة لكن لماذا هذه الحيرة التي تكاد تفتك به؟ لماذا يستشعر خطأ ما لا يعلم ما هو بالضبط؟ فيظل باحثا عنه يريد وضع يده عليه؟ لا يعلم كنهه تحديدا، فهي تحترمه، تعتني به بل وتحرص على أناقته ملبسه ونظافة بيته وأولاده إلى حد الهوس أحيانا. وأولاده! هذا الأمر أيضا يحيره، كيف أصرت على الإنجاب سريعا، رافضة نصيحته بالتنعم بفترة راحة بين الولادتين، فتجاهل الأمر هو الأخر.

أنهى عشاءه ثم تحرك من مكانه نحوها يسبقه قلبه العاشق إليها حتى يقبل جانب رأسها، فلم تسعده استجابة أطرافها لأن رفضها سيطفو إلى السطح بعد ذلك حين تبتعد عنه بحركة مدروسة مقنعة لعقله لكن ليس لقلبه.

_خالد، الصغيرين معنا.

أصابه الوجوم من جديد وذلك الضجر من كونه دائما من يطلب ودها، قربها وحبها وهي لا ترفض مده بحقه لكنه شعوره المقيت بالنقص، أجل ناقص بالنسبة إليه حين يكون هو طالبه وتستجيب بآلية كأنها تتصرف بروتينية تخلوا من الأحاسيس والمشاعر.

أطلق سراحها يقول مبتعدا بوجوم دون انتظار لجوابها الذي يعرفه مسبقا

_سأقابل سامي على سطح البناية.

****

_إذن أنت مُصر.

قالها نزار بينما يعلق المنشفة في مكانها ثم سار نحو سريره الذي يجلس على طرفه صهيبا يبسط كفه نحو فم نزار بحبة دواءٍ التقطها الأخير باسما بحنان، يصغي لنبرته المرحة

سلسلة الأزهار و الزمن  .. ج3 .. سنا البيلسان ..بقلم المبدعة منى لطيفيWhere stories live. Discover now