****

 الى أين يا أسد؟

انتصب أمام رئيسه، يرمقه برسمية كما رد عليه

 تحياتي سيدي، نسيت الملف بركن المراقبة لغرفة التحقيق.

هز الضابط ممتاز ليث رأسه بتفهم، يجيبه وهو يبتعد عبر أحد أروقة بناية المديرية

 تمام، الحق بي حين تنتهي أنت وزميلك نوفل، لدي مهمة جديدة لكما.

رد منتصبا بحاضر سيدي ثم انصرف هو الآخر.

****

ولجت الغرفة تتلفت باحثة عنها قبل أن تتسمر أنظارها على انعكاس لها مثير للضحك، يراودها خاطر مستهزئ بأن صورتها تطل عليها من فيلم أجنبي هابط، شعر قصير جدا مصبوغ بالأسود بحواف فوضوية كأنها كانت في مشاجرة ضارية لولا تلك الزينة المتقنة الفاقعة تذكرها شفتيها الحمراوين بمصاص دماء انتهى من وجبته للتو فاقشعر بدنها ولسان حالها يتساءل مجددا (هل يا ترى هي ابنة أبيها؟ فهي تربت على يديه وقد تكون....) في خضم انشغالها بأفكارها لم تلاحظ نفس التوتر والارتباك لدى الأخرى تحاور نفسها بنفس الطريقة (إنها تشبهني لكنها بسيطة... بسيطة للغاية، كيف كانت تعيش؟ هل حظيت بحياة أفضل مني؟ لكنها هزيلة مثلي تماما وهيئتها مزرية أكثر مني، يبدو أنها فقيرة، هل قالت شيئا ما؟).

 مرحبا.

أعادت بيلسان التحية مدركة لشرود توءمها وكانت محقة حين رمشت بجفنيها مرات عدة قبل أن تجلي حنجرتها لتجيبها باقتضاب

 مرحبا.

تفاجأت بلكنتها لتتذكر أنها نصف أجنبية عاشت حياتها ببلد أجنبي، ابتسمت بتوتر لم تتحكم به تضغط على عينيها لتنفض عنها التعب من البكاء ثم اقتربت من الطاولة الوحيدة بالغرفة وسحبت الكرسي لترتمي عليه متنهدة تقول

 سأجلس لأنني تعبت، اليوم كان حافلا جدا من الجحيم مباشرة وما زال مستمرا لا يريد أن ينتهي.

تحركت أوركيدا وسحبت الآخر تجلس عليه، سبابتها بين فكيها لا تفارقهما، فضمت بيلسان شفتيها بتردد قبل أن تسألها

 هل كنت تعيشين معه؟

فهمت مغزى كلامها، فأجابتها ببرود والسبابة المسكينة عالقة بين أسنانها

 لا! كبرتُ بمدرسة داخلية يتكفلون بطلابهم من الحضانة إلى الثانوية، كان يزورني فقط ولمرات قليلة، وليته لم يفعل.

ضمت بيلسان حاجبيها بحيرة، فأخرجت الأخرى سبابتها من فمها تستطرد بنبرة مهتزة لكن جامدة

 وأنت؟ مع من كنت تعيشين؟ ولماذا لم يخبرني بوجودك؟

ردت بحزن وهي تضم يديها على سطح الطاولة

 مع عمي الذي ليس بعمي.

كان دورها لتضم حاجبيها المنمصين بإتقان كصبغتهما السوداء، فتابعت بيلسان متهكمة

سلسلة الأزهار و الزمن  .. ج3 .. سنا البيلسان ..بقلم المبدعة منى لطيفيWhere stories live. Discover now