49

12.8K 378 2
                                    


قاربت الساعة علي الثانية عشر بعد منتصف الليل..خرج من دورة المياه وهو يجفف جسده من قطرات الماء..سمع صوت طرقات علي باب غرفته..ليفتح الباب ويجد عامر..
أدهم:اتفضل يا عمو
عامر:أتأخرت ليه يا بني!!
أدهم:معلش يا عمو بس كنت مع شادي في كام مشوار..خير يا عمي في حاجه؟؟؟
عامر بابتسامة:آه يا بني دا عز استناك لحد ما تعب من السهر ونام
رفع أدهم حاجبه الأيمن بتعجب وقال:ليه يا عمي هو في إي
عامر بابتسامة واسعة:حنين اتقدملها عريس وجايين بكرة يقروا الفاتحة
اتسعت عينيه دهشة و انقبض قلبه بقوة..شعر أنه في كابوس من اسوء كوابيسه..حرك رأسه بعنف وكأن أذنه ترفض سماع ما قاله..ليقول أدهم بعدم تصديق:حنين !! متأكد يا عمي
عامر:أيوة يا بني طبعا المهم عايزك بكرة تبقي معانا هو عز استناك عشان يقولك وتعمل حسابك بس أنا لما لاقيته تعب قولت أقولك أنا
ظل عامر يتحدث وأدهم عالم آخر.برودة خفيفة تتغتال أطرافه..شعر كأن قلبه توقفت دقاته وما به ليس إلا حلاوة روح كما يقال..شعر بأن كيانه يعتصر آلم..ألم غريب عليه..ألم لم يتذوق مرارته من قبل..
فاق من شروده علي ضربة خفيفة علي كتفه من عامر وهو يقول:أسيبك تنام بقي بس متنساش ميعاد بكرة
خرج عامر من الغرفة وترك أدهم في دوامته..نظر أدهم حوله و كأن شريط حياته كله يمر امامه...
احتضن القلادة المعلقة بصدره وهبط بجسده تدريجيا علي ركبتيه....وقت لا يعلم مداه مر عليه وهو يحتضن القلادة و هو جالس علي ركبتيه..شعر كأن رئتيه ترفض الهواء وقلبه يرفض وصول الماء له كيانه بأجمع يرفض الحياة..خرج إلي شرفته سريعا وهو يلهث أنفاسه بقوة..
ظل أدهم شاردا مدة لم يشعر بها..لا يفعل شئ سوي احتضان قلادته..سمع صوت قرآن الفجر.دخل إلي غرفته وارتدي تيشرت وحمل مفاتيحه وهبط إلي سيارته سريعا ومنها إلي المسجد..
ارتفع صوت المؤذن لصلاة الفجر..نظر أدهم حوله لم يجد إلا القليل في المسجد..وقف بانب أحد الشباب وبدأ الإمام في تلاوة الفاتحة..في الركعة الثانية ظل أدهم ساجدا وهو لا يشعر بأي شئ حوله يناجي ربه قائلا "يارب أنا متمنتش حاجه في الدنيا دي غيرها..يارب لو فيها شر ليا يارب خليه خير وخليها حلالي..يارب أنا عارف إني أتأخرت اوي وهي ممكن تبقي نصيب حد غيري بس يارب أقف جمبي يارب أنا معرفش أدعي وأقول اللي هيتقدملها يحصله حاجه بس يارب أنت عالم خليها حلالي انا يارب وحقي انا..يارب لو أنا شر ليها خليه خير وقربني منها يارب هي الحاجه الوحيدة اللي بتمنحني القوة يارب متضعفنيش ببعدها عني"
أنهي أدهم صلاته..و ظل يجوب شوارع الإسكندرية بلا هدف إلا أن أعلنت الشمس صباح يوم جديد..تحرك بسيارته إلي دار الأيتام الذي تعود علي زيارته ومكث يومه فيه مع الأطفال..
...............
بين ماسكات لزيادة نضارة البشرة وحيرة أي الفساتين ستلبس و فرحة علي شفاه الفتيات و استعداد في جميع أركان القصر..تجلس العروسة شاردة في غرفتها..تجلس في كرسي خشبي في شرفتها وتنظر إلي الأفق بلا هدف..متعجبه من حالها كي تكون تلك هي هيئة العروس!! أقنعها عقلهاىأنها تفعل الصواب أما قلبها أصبحت دقاته هادئة متقطعه أعلن قلبها الإستسلام ..و أصبح جسدها بلا قلب بلا روح..فاز عقلها بالحرب علي قلبها وهي الخاسرة الوحيده في تلك الحرب..هي من تتذوق أقوي معاني الألم مع كل دقيقة تمر..
سمعت صوت أنوثي يجذبها من شرودها يقول:يلا يا حنين المغرب أذن والناس جايه بعد العشاء
حنين بلا مبالاة:طيب لسه بدري
جهاد:يلا بت قدامي عشان تشوفي الطقم اللي اختارته مع البنات و أحطلك ماسك خفيف كدا
حنين:كفاية ماسكات يا بنتي ارحميني
جهاد:يلا يا حنين بدل ما أندهلك فرح
حنين باستسلام:حاضر
...
بعد صلاة العشاء...هبط من سيارته بسرعة وبداخله قوة أنه لن يتركها لأحد غيره..دخل القصر من بوابته الخلفية وصعد إلي الطابق العلوي من أحد السلالم السرية..شعر بدقات قلبه يتسارع بها الأمل تدريجيا في كل خطوة يخطو فيها جسده ناحية غرفتها..طرق باب الحجرة بخفة لتظهر أخته قائلة:أدهم!!كويس إنك جيت أمجد وماهر مبطلوش رن عليك من الصبح
ادهم بجدية:حنين جوه؟؟؟
رقية بتعجب:أيوه هم الناس وصلوا!!
أدهم:لابسه حجابها؟؟؟
رقية بدهشة:أيوة يا أدهم في إي؟؟؟؟
فتح أدهم الباب بيده تدريجيا قائلا:لو سمحتوا سيبونا دقايق
نظرت الفتيات إلي بعضهن بدهشة بينما سرت رعشة قوية في جسدها لسماعها صوته ولكنها حاولت أن تجمع قوتها وقالت:نعم!!خليكوا يا بنات
أدهم بقوة:لو سمحتوا دقيقة بس هسألها عن حاجه ضروري
أشارت رقية إلي الفتيات وخرجن واحدة تلو الأخري..و وقفوا علي مسافة من الحجرة..
أغلق ادهم الباب وقال:موافقة عليه ليه؟؟
حنين بعصبية:افتح الباب يا أدهم بلاش جنان
لم يعير أدهم أي اهتمام لكلامها وقال:تتجوزيني يا حنين
اتسعت عين حنين دهشة وشعرت بنبضة فرحة تغزو كيانها الذي أصابه العجز..قاربت شفتيها علي إبلاغه بموافقتها ولكن عقلها أعلن الحرب وأمسك بزمام الأمور ليحرك شفتيها قائلا:أطلع بره يا أدهم
اقترب منها أدهم بهدوء و هو يبحث في عيونها عن أي نظرة تكذب كلامها..يبحث في عيونها عن أمل يعيد إحياء كيانه..
ادهم:حنين أنا بحبك و عايز أجوزك قولي إنك موافقة وأنا مستعد أقف قدام الناس اللي جايه تحت دي ..أنا اتأخرت في طلبي دا بس سامحيني وصدقيني أنا مفهمتش غير متأخر أديني فرصة
أكمل أدهم كلامه قائلا:أنا بطلب منك فرصةواحدة بس متسبنيش بعد ما بقيتي الحاجة الوحيدة اللي ليا معني في حياتي متسبيش إيدي اللي ممدوده ليكي
ساد الصمت بينهم..و الحرب تزداد داخل كيان حنين بينما أدهم يبحث في عيونها عن أي رد يشفي قلبه الموجوع.
حركت شفتيها ببطء قائلة:أطلع بره يا أدهم أنا مستحيل ابقي ليك أطلع من حياتي يا أدهم أنا أقل علي نفسي أي حاجه إلا إني أكون زوجة لإبن الست اللي قتلت أبويا
رفع عينيه عليها ببطء وكأنه يحفر تفاصيلها في عقله..أعلنت كلماتها سلبها لروحه و قلبه..ارتسمت ابتسامة مكسورة علي شفتيه وقال:مبروك
أدار جسده ناحية الباب وأغلق عينيه بألم وفتحها مرة أخري ليمنع الدموع من الهبوط..خرج إلي الفتيات وقال بثبات مصطنع:ياريت محدش يعرف باللي حصل عشان ميحصلش حوار علي الفاضي
حركت الفتيات رأسهن بمعني "حاضر" و اتجهوا إلي حجرة حنين ليجدوها صامتة شادرة محطمة جسديا ومعنويا أمام مرآتها..فرح:حنين أنتي كويسة؟؟
فتحت حنين عيونها بألم و عدلت خمارها قائلة:أنا تمام
....
بعد دقائق معدودة..حضر محمد و أهله وجلسوا في بهو القصر يتفقون علي ترتيبات الخطوبة بينما أدهم يستمع لهم في صمت..و كلماتهم كالسهام المسممه التي تقضي علي ما باقي في كيانه..ابتسامة تخفي في طياتها وجع لا حدود له تعلو وجهه..نظر إلي محمد بقوة و شعر بوجع في قلبه أنه هذا من سيسلبه حبيبته..فاق من شروده علي دخول حنين في يد عز.كان سيشرع في القيام ويخطفها من يد عز ويصيح بهم هي حقي أنا هي حبيبتي أنا ولكنه تذكر كلمات حنين ونظرتها القاتلة..
رفع الجميع أيديهم يتلون الفاتحة وأدهم ينظر لهم في صمت يرفع يده ولكن شفتيه لم تتحرك..لم يتخيل أنه سيعيش للحظة التي يري حبيبته فيها من حق أحد غيره..
لم تعد بأدهم أي طاقة للاستمرار في تمثيل تلك البسمة..قام من موضعه وهمس في أذن عز "أنا رايح لشادي عشان بعتلي مسج"
عز بتعجب:الوقتي!! بس شكلك تعبان
ادهم:يمكن عشان منمتش كويس هكلمك بعدين بقي
نظر أدهم إلي محمد الذي يحادث حنين وقال بقوة:مبروك
لم ينتظر أدهم لسماع أي تعليق من أحد و رفع الكاب علي رأسه وخرج من بوابة القير وقلب حنين يودعه في ألم..
فاقت حنين من شرودها علي صوت محمد يقول:ممكن نخرج بره شوية
حنين بتعجب وقلق:بره فين!!
محمد:في الجنينة يعني نتمشي شوية
نظرت حنين إلي عز مستفهمه ليقول عز بضيق من معالم وجه أخته الحزينة:اتفضل يا محمد
سارت حنين ومن خلفها محمد إلي حديقة القصر وهما يسيران بهدوء ومحمد يحاول أن يفتح أي حوار مع حنين وهي تكتفي بابتسامة مصطنعه أو كلمات عابرة..
محمد بتعجب:حنين أنتي مضايقه من حاجه؟؟
حنين:ها!! لا مفيش عادي
محمد:أصلي مستغرب سكوتك دا
حنين:لا مفيش عادي
محمد:طب تعالي نقعد نرتاح شوية
جلست حنين علي مقعد بالحديقة ومحمد علي المقعد المقابل لها..ليقول محمد:ها إي رأيك نعمل كتب الكتاب والخطوبة سوا
حنين بدهشة وتوتر:هو ممككن نخليها مع فرح عز زي ما كان عامله في فرح ماهر وأمجد
محمد:مش بعيد أوي الوقت دا
حنين بقلق:عشان أبقي مرتاحه بس
محمد:خلاص مفيش مشكلة
حاولت حنين جاهده أن تشارك محمد في الحديث وتأقلم قلبها علي حياته الجديدة..
أما عن أدهم..بعد خروجه من القصر..قاد سيارته بأقصي سرعة لها إلي أن وصل إلي أرض خالية لا يوجد بها أي شئ يدل وجود حياة فيها سوي قليل من الرمال تتأرجح بفعل الرياح..
هبط أدهم من سيارته و جلس علي ركبتيه ورفع رأسه إلي السماء..شعر أدهم بضلوعه تضيق علي قلبه وكانها تريد تحطيم ما باقي منه..شعر أدهم برئتيه ترفض استقبال الهواء..كيانه يرفض أن يستقبل أي عامل يساعده علي الحياة..خلع أدهم التيشرت وألاقي به بعيدا لتنطلق نسمات الهواء البارده علي صدره العاري بقوة..شعر أدهم كأن نسمات الهواء تزيد من إشتعال كيانه..تزيد من وجع قلبه..ضرب الأرض بيده وبكل ما به من وجع..صرخ وهو ينظر إلي السماء:ياااااااااااااااارب
و بدون أي سابق إنذار هبط قطرة من السماء علي جسد أدهم تتبعها قطرات متتالية لتختلط قطرات المطر بدمعة حارة هبطت من عيون أدهم..
وقف أدهم من موضعه ليتيح الفرصة لكل قطرة أن تخترق جميع جسده لعلها تعينه علي المضي في طريقه..
بعد حوالي نصف ساعة لم يتوقف فيها المطر لدقيقة..استقل أدهم سيارته ونظر إلي عيونه في المرآة قائلا بتحدي "أوعي تبكي فاهمه"
سمع أدهم صوت رنين هاتفه معلن إتصال من "ماهر"..أغلق أدهم هاتفه وقاد سيارته وهو يعلم ما هي وجهته

انت حقي أنا- الكاتبه نورهان حسنىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن