27

15.8K 425 9
                                    


بعد مرور 20 عام..شاب في مقتبل العمر يتميز بطول قامته و نظرة عين بنية كالصقر تشتت من أمامه و شعر أسود حريري و جسد رياضي و ملامح الوسامة المصحوبة بالرجولة و لكن يكسو وجهه الحزن فهذا هو حاله منذ أن أنهي دراسته الثانوية لا يعلم أحد ما السبب !! فقد تغيير كثيرا كان يملأ البيت حيوية و نشاط وضحك و لكن تبدل الحال بمجرد أن أنهي دراسته الثانوية و زاد هذا الحزن أضعاف بعد وفاة والده في عامه الثاني في كلية هندسة..تنهد الشاب بحزن و ارتدي معطفه و اتجه إلي مكتبه ليحمل هاتفه ليفاجأ بفتح الباب بقوة ليجد أخاه الكبير.شاب يتميز بالوسامة و العيون السوداء المكحلة ولكن يغلب عليه الطبع القاسي الذي أصبح عليه بعد وفاة والده..
ماهر بقوة:تصميمات القرية الجديدة لسه مخلصتش ليه يا أدهم
أخرج أدهم ملف من مكتبه و وضعه أمام أخيه و أمسك بورقة و كتب عليه (كنت سهران عليها في الشركة و رجعت كملت التصميم هنا و لما خلصته كانت الساعة 4 الفجر و أنت كنت نايم )
التقط ماهر الملف بدون كلام و ترك أخيه في صمته الذي لم يتبدل منذ حادثة الثانوية العامة المجهولة لدي الجميع..
خرج ماهر من غرفة أدهم ليجد فتاة تقف في نهاية الممر تتميز بالملامح الهادئة والبراءة ويعلو رأسها حجابها الذي ارتدته بعد جدال دام شهور مع والدتها..اتجهت الفتاة إلي ماهر بسرعة وقالت:ماهر استني
ماهر:في إي يا رقية أنا متأخر علي الشركة ومش ناقص كلمة من عمو عامر
رقية بحزن:خلاص أنا آسفة اتفضل
رق قلب ماهر لأخته الصغري و تنهد وقال:في إي يا رقية
رقية بحزن:عشان خاطري أنا ممكن تدخل تطيب خاطر أدهم بكلمتين دا كان سهران طول الليل و حتي لما خلص التصميمات نزل الجنينة ولسه طالع أول ما عمو عامر صحي عشان خاطري يا ماهر كفاية اللي هو فيه من أيام الثانوية و بعد وفاة بابا
تنهد ماهر بحزن ونظر إلي غرفة أخيه بحزن وقال:عندك حق أنا زودتها
رقية بمرح:خلاص بقي أدخل صالحه و أنا مستنياكوا تحت عشان جعانه خاالص وذنبي هيبقي في رقبتك لو روحت الكلية من غير فطار
ماهر بابتسامة:خلاص يا روءه اسبقي أنتي
وقفت رقية علي أطراف قدمها لتصل إلي مستوي ماهر و طبعت قٌبلة علي خده وقالت بسعادة:ربنا يخليك ليا يا ماهر
ابتسم ماهر لها و عادر في طريقه إلي غرفة أخيه بينما هبطت رقية مع جهاد ابنة عامر الصغري..
دخل ماهر الغرفة ليجد أدهم يقف أمام الشرفة في صمت..دق الحزن أبواب قلبه علي أخيه الذي أصبح جسد بلا روح..تبدلت حياته من لعب و ضحك و حيوية إلي حزن و كسرة توجد دائما في عينيه..
تنهد بحزن و اقترب من أخيه و وضع يده علي كتفه وقال:حقك عليا أنا آسف
نظر أدهم إلي أخيه و تحدث بلغة الإشارة التي تعني "مش مشكلة عادي"
ماهر بحزن:تصدق يا أدهم إن صوتك وحشني يا أخي
نظر أدهم إلي أخيه بحزن و أعاد نظره إلي صورة معلقه له منذ طفولته..
ماهر بمرح:كان صوت يجيب تلوث سمعي
ضحك أدهم من بين حزن و ضرب أخيه ضربة خفيفة في صدره..
ماهر بصدمة مصطنعه:أنت ازاي تعملي كدا لو الناس شوفتي تقول عليا إي
أمسك أدهم بورقة وكتب عليها "تقول إنك و لا مؤاخذة"
انفجر ماهر ضاحكا وقال من بين ضحكاته:تصدق لولا إنك أخويا أنت عارف أنا هعمل إي
هزً أدهم رأسه بابتسامة شاحبة بمعني"عارف"
ماهر:يلا بقي عشان ننزل نفطر عشان رقية وجهاد ممكن يخلصوا علي الأكل و الأطباق
حمل أدهم سلسلة مفاتيحه وهاتفه و هبط مع أخيه..
دخل أدهم و ماهر إلي غرفة الطعام ليجدوا رقية و جهاد يأكلون بشهية وهما يضحكان بقوة..
ماهر:أرحموا أرحموا هتتخنوا و هيبقي شكلكوا مسخرة و أنتوا مكعبرين
أكلت جهاد قطعة من الكريب وقالت:رقية أصرفي مع اخوكي عشان أنا مش فاضيه
أمسكت رقية بقطعة أخري وقالت:و لا أنا والله أصرفي أنتي
قطع كلامهم صوت يقول:ما تجيبي حتة من الكريب يا جهاد
نظرت جهاد إلي مصدر الصوت لتجد شاب متوسط الطول ذو ملامح جذابه و عيون عسلية ورثها من أمه لتضحك بمرح و تقول:و أنت مين أصلا أنت
أمجد بصدمة مصطنعه:أنا أخوكي يا بنت نستيني عشان حتة كريب
جهاد بضحك:أنت أول مرة تعرف !! أنا أبيعك بلبانه
ماهر:عارف أنا لو منك كنت جيبت السلاح من المكتب وخلصت علطول
جهاد:حيلك حيلك ما تشوفي أخوكي يا رقية
رقية:أخويا!! مين و فين و إزاي!!!
قطع كلامهم صوت سناء يقول:خليكوا كدا تتكلموا والفطار يبرد يلا بسرعة
التف الجميع حول مائدة الطعام بينما قال ماهر بتعجب:أومال ماما فين!!
سناء:غادة خرجت من بدري بتقول عندها حفلة عند واحدة صحبتها
انشغل الجميع في إنهاء إفطاره سريعا و هم يتبادلون أطراف الحديث في جو من البهجه...
حملت جهاد حقيبتها وقالت:يلا يا روءه
حملت رقية حقيبتها هي الأخري وقالت:يلا يا غلطة عمري
سناء:أبقوا طمنوني عليكوا لما توصلوا
قبلت جهاد والدتها وقالت:متقلقيش يا سوسو
قبلت رقية سناء أيضا وقالت:أدعي بس إننا نوصل من غير إصابات عشان جهاد اللي هتسوق
خرجت الفتاتان و من ثم باقي الشباب متجهين إلي مقر الشركة..
نظرت سناء إلي صورة معلقه تضم نبيل و حسن وعامر و والدهم توفيق وقالت لنفسها:علي أد ما غادة كانت كل يوم تسيب لولادها لينا وللخدم بس دي الحاجه الوحيدة اللي عملتها صح عشان ولادها مطلعوش زيها..مقدرتش تزرع جواهم الكره و حب الفلوس..قدرت أنت يا نبيل رغم كل اللي كان بيحصل تزرع جواهم الحب و الخير قدرت تخلي ولادك يكونوا الإمتداد الصح ليك..أما أنت يا أبيه حسن أنا متأكده إن فيروز ربت صح بس تفتكر اليوم اللي هيوجعوا فيه البيت دا قرب ولا لا !!
...........................................................
دقت الساعة الثانية عشر ظهرا لتعلن وقت الراحة في محل ملابس صغير..بدلت لافتة من "مفتوح" إلي "مغلق"
بعد أن بدل اللافتة نظر الشاب الذي يتميز بالعيون السماوية و الجسم الرياضي المتناسق و الملامح الجذابة والشعر الأسود الحريري إلي فتاة لا تختلف عنه في ملامحه نهائيا فما يختلف بينهم النوع هو ذكر و هي أنثي هو صاحب نبرة رجولية وهي صاحبة نبرة أنوثية..من يراهم يظنهم أنهم نفس الشخص و لكن من يعرفهم بحق يعلم أنهم التؤام الذي ظلوا معا يتحدون أي قوة قال الشاب للفتاةالمنشغلة بترتيب الملابس:مش ناكل بقي
التفت له بابتسامة هادئة وقالت:حاضر يا عز
أخرجت حنين من حقيبتها صندوق طعام صغير يضم بعض قطع البيتزا التي أعددتها صباحا وقالت:أتفضل يا زيزو
جلس عز بجانب أخته وقال:أيوة كدا الواحد محتاج يأكل بلد بحالها
ابتسمت حنين بخفوت ولكن سريعا ما اختفت ابتسامتها تدريجيا..
عز:مالك يا حنين!!
حنين بحزن:ماما وحشتني اوي يا عز
عز بحزن:ربنا يرحمها يا حنين أدعيلها
سقطت دمعة هادئة من حنين وقالت:ماما سابتنا بدري أوي يا عز وبابا كمان كانت نفسي تكون معايا أنا محتاجهم جمبي أوى
أنهارت كل قوي حنين في تلك اللحظة وأنفجرت باكية وهي تقول:نفسي ماما ترجعلي يا عز وتاخدني في حضنها
اقترب عز من أخته و ضمها إلي صدره بحنان لتتعلق به بقوة و ترتعش بين يديه وهو يمسح علي رأسها بهدوء قائلا:حبيبتي دا قدر ربنا و أنتي عارفه إننا ماما ارتاحت وبقيت مبسوطة إنها مع بابا بس لما بيشوفوا دموعك علطول كدا بيزعلوا و بيخافوا عليكي
أمسك عز بوجه حنين الصغير وقال:حنين ماما و بابا عايشين معانا في كل لحظة جسدهم فارقنا بس روحهم معانا روحهم اللي مخليه فينا القوة إننا نكمل
حنين بدموع:أوعدني يا عز إنك مش هتسبني
مسح عز دموع أخته وقال:وعد يا حنين بس و غلاوتي عندك متعيطيش بقي
أكمل عز بمرح:يا بنتي في حد يبقي عنده العيون القمر دي ويعيط
حنين بابتسامة:ربنا يخليك ليا يا عز
عز:و يخليكي ليا يا حنون
أكمل التؤأم طعامهم سريعا و انتهت فترة الراحة ليفتح المحل من جديد و يبدأ العمل..كانت حنين منشغله مع أحد السيدات ليلتفت لها عز و يتذكر كيف كبرت أخته أمام عينيه..وردة صغيرة كبرت بين يديه كان يراها كل يوم و هي تزداد جمالا و إشراقا..كانت حنين نسخة مصغرة من فيروز بكل تفاصيلها..سرح عز فيما مر من عمره و هو بين أحضان والدته..لا ينسي ليلة وفاتها و هما في الصف الثالث الإعدادي لا ينسي ما قالته و هي تحتضر "خالي بالك من أختك يا عز و متزعلوش عليا أنا راحه لحبيبي" أيام عاشها عز و حنين في ألم و بكاء و وجع..أيام قضاها التؤام سويا يتغلبوا علي وجعهم سويا..أيام كبرت حنين أمام عينيه ويري بداخلها الحزن الذي لم يقل..
فاق عز من شروده عليي صوت أحد الزبائن لينتبه له عز ويقول:أيوة معاك
..........................................................
في المساء في قصر آل توفيق..
كان عامر منشغل بمراجعة بعض أوراق الشركة ليسمع صوت طرقات علي الباب..
عامر:أدخل
دخل أمجد وقال:بابا ممكن نكلم شوية؟؟
أغلق عامر الملف الذي أمامه وقال:اتفضل يا حبيبي
جلس أمجد أمام والده وقال بتوتر:بصراحة يا بابا أنا يعني أقصد إني
عامر بضحك:في إي يا أمجد أنت مالك
أمجد بسرعة:بابا أنا بحب رقية
عامر بابتسامة:طب ما أنا عارف
أمجد بصدمة:ها!!
عامر بضحك:يا حول الله مالك يا بني
أمجد بتوتر:أقصد يعني بصراحة يا بابا أنا عايز أتقدملها
عامر:طب و جامعتها
أمجد:دي هتخلص كمان شهر يا بابا
عامر بتفكير:طيب يا أمجد سيبني يومين كدا أفكر و أكلم غادة
أمجد بحزن:طنط غادة يبقي الجوازة باظت
عامر بجدية:لو رقية وافقت عليك يبقي لو حصل إي هجوزهالك
أمجد بسعادة:ربنا ميحرمنيش منك يارب
عامر:يلا بقي أدخل ارتاح عشان بكرة اجازتك
أمجد:الحمدلله إنك فكرتني أطلع أقنع أدهم يخرج بكرة يتفسح معانا
عامر:ياريت يا بني أنت شايف بقي عامل إزاي
أمجد:متقلقش يا بابا ربنا قادر يفك ضيقته
........................................
في فجر اليوم التالي..أنهي صلاته في مسجد الحي وسار في طريقه إلي المنزل...ظل يتأمل كل مكان في هذا الحي البسيط..تذكر ليلة أن دخله مع والدته..تذكر كل مرة كان يذهب فيها إلي المدرسة مع أخته و والدته تودعهم من الشرفة..تذكر كيف أصبح أهل هذا الحي أهله و كيف كانوا يقيمون أبسط أعياد الميلاد لهم...تذكر يوم أن سار في هذا الحي و هو يحمل جسد والدته علي النعش..تذكر كيف تركته بمفرده يتحمل مسئوليته و مسئولية أخته التي أصبحت الشخص الوحيد القادر علي أن يبوح لها بكل ما فيه..تذكر كيف ساعده أهل هذا الحي في تخطي ما مروا به من وجع فراق أمه..تذكر كل ليلة كان يقضيها في مذاكرة مادة معينة..تذكر الفرحة التي أنتشرت في الحي يوم أن تخرج من كلية هندسة هو و أخته..تذكر المعاناة التي مر بها و هو يبحث عن عمل و في النهاية كان مصيره بائع ملابس في محل صغير هو و أخته..
فاق من ذكرياته علي صوت يقول:عز عز
التفت عز إلي مصدر الصوت ليجد زوجة الحاج طه رحمه الله تقف أمام منزلها وتقول:معلش يا بني هعطلك
عز بابتسامة:لا لا عادي يا طنط
سمية:اتفضل يا بني دا نصيبكوا الشهر دا
عز بإحراج:شكرا يا طنط
سمية:أنتوا لسه برده يا بني مصمين علي الشغل في المحل دا
عز:عقبال ما نقدر نقدم في شركة بقي
سمية:طب ما تيجوا تشتغلوا في المطعم و أهو برده مالكوا يا بني
عز:معلش يا طنط بس إحنا مش هنقدر نسيطر عليه البركة في اللي ماسكينه
سمية:طيب يا بني ربنا يصلح حالكوا
عز:يارب..عن إذنك يا طنط
صعد عز إلي منزله ليجد حنين جالسة علي سجادة الصلاة تقرأ الورد اليومي..أحضر عز مصحفه و جلس بجوارها يقرأ الورد اليومي..بعد ما يقارب الربع ساعة..شعر عز برأس حنين علي كتفه..التفت لها وجدها قد استسلمت للنوم..حملها عز بحذر و وضعها في فراشها و أغلق الإضاءة و مدد جسده بجوارها..
فكهذا هو حال حنين منذ وفاة والدتها لا تسطتيع النوم إلا و عز بجوارها..استسلم عز للنوم سريعا هاربا من التفكير في أى من ذكرياته المؤلمة..

انت حقي أنا- الكاتبه نورهان حسنىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن