84_ عداء العقول.

ابدأ من البداية
                                    

_والله هو، الست روحتلها وقالتلي إنه هو اللي أخدته ولحد دلوقتي لسه على تواصل مع والدته، صحيح لسه مش كل حاجة باينة بس هو طلع عايش وطلعت بتحبه، وحضرت كتب كتابه كمان.

ازداد قلبه عنفًا في النبضات وكأنه عدوٌ له وعاندته عيناه وأخرجتا العبرات منهما بإنهمارٍ فيما تصلب العقل عن استيعاب أي حقائق أخرى تُضاف فلم يكن عليه سوى أن يهتف متوسلًا له برجاءٍ بنبرةٍ تباينت بها المشاعر:

_أوعى تكون بتعمل كدا تهون عليا؟ أنا عندي أقبل حقيقة إنه مش موجود أحسن من أمل كداب تديهولي أسَكن بيه جروحي، أوعى يابني تستغل حاجتي ليه في إنك تعمـ..

بتر حديثه بعدما كان يتحدث دون وعيٍ منه وفي لحظتهِ هذه أبتسم له "مُـنذر" بتقديرٍ لحالتهِ ولتخبطه ووضع له كافة الأعذار ثم هتف بنبرةٍ هادئة:

_عارف إنك مش هتستوعب وعارف إنك ممكن متصدقنيش، بس الأول نعمل التحاليل علشان نعرف هو ابنك ولا لأ، بس والله أنا مش بكدب عليك أنا مش هقدر أوجعـ..

خطفه "نَـعيم" هذه المرة بين ذراعيهِ يعتذر له باكيًا وكأنه خرج لتوه من صدمته وبكى، بكى وكأنه أدرك حجم الخسارة والوجع والفقد والإنكسار، يبكي وكأن العالم بأكمله أصبح عدوًا له وهو في الميدان بدون سلاحٍ، بكى بأصواتٍ متقطعة وهو يتمسك بهذا الشاب الذي بكى رغمًا عنه هو الأخر معه وظل يردد له بتكرارٍ:

_والله عايش وموجود، صدقني عايش.

أرخىٰ "نَـعيم" ذراعيه عنه ومن جديد يتوه من نفسه ويضيع عنه عقله وسأله تلك المرة بنبرةٍ بدت كأنها مُنكسرة:

_أنتَ قولت مين؟ هو صح؟.

أومأ له "مُـنذر" موافقًا في محاولةٍ منه للتماسك بينما "نَـعيم" وجد نفسه يبتسم من بين عبراتهِ وهو يحاول تفريق جفونه قبل أن تُغلق، لقد كانت مشاعره ثائرة وحينها تذكر ملامح "تَـيام" ومجاورته له في عقد قرانه واختياره له من وسط الجميع كبيرًا له وحينها بكى بفرحةٍ وهتف بضياعٍ مابين فرحة تُحيي وصدمة تقتل:

_طلع هو دا؟ اللي حضرت فرحته من كام يوم؟ دا اللي أنا وقفت في صفه؟ دا اللي ربنا وصل طرقات الكل ببعض علشان يجمعني بيه في يوم زي دا؟ دا اللي أنا حضنته وقلبي أتكهرب من حضنه لدرجة خوفتني؟ دا اللي شوفتها في عينيه؟ دا اللي قلبي حلفلي إنه منه كأنه بيته هو؟..هو دا ابني؟ طب…طب إزاي؟ وراح هناك مع مين؟ احضنه إزاي دلوقتي تاني؟ أخده في حضني دلوقتي إزاي؟.

حرك "مُـنذر" كتفيه بقلة حيلة وهتف بنبرةٍ مختنقة من دموعه التي هددت بالنزول من جديد:

_أنا معنديش أي فكرة خالص، كل اللي أعرفه إن الست أديتني عنوانه واسمه واسم الناس اللي ربوه، وساعتها هي خدته من واحدة تانية كانت بتتاجر في العيال وهي قالت ترحمه منهم أحسن ما يضيع وسطهم، أظن كدا هي كانت صح، لأن لو على اللي أنا شوفته كان زمانه ميت أو في السجن زي غيره كتير، والله كل اللي أعرفه جيت أقوله.

غَــوْثِــهِــم "يا صبر أيوب"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن