51_ الجواب أم العقاب ؟

43.2K 2.9K 767
                                    


"رواية غَـــوثِـهِـمْ"
"الفصل الواحد والخمسون"

                  "يــا صـبـر أيـوب"
          ____________________

كلُّ اجتهاد في سواك مضيَّع
وكلُّ كلامٍ لا بذكرك آفات
وكل اشتغالٍ لا بحبك باطل
وكل سماعٍ لا لقولك زلات
وكل وقوفٍ لا لبابك خيبةٌ
وكل عكوفٍ لا إليك جنايات
وكل اهتمامٍ دون وصلك ضائع
وكل اتجاه لا إليك ضلالات
وكل رجاء دون فضلك آيس
وكل حديثٍ عن سواك خطيئات

_"عبد الله بن مُبارك"
__________________________________

قد يبدو الأمر غريبًا لكني دعيني أخبرك،
أنني أنا من نشأتُ في طرقات المدينة وكنتُ بها غريبًا،
لكنني في نهاية الأمر تغلبتُ على غُربتي، وانتشلت نفسي منها وقد كانت كل  الأرجاء المُظلمة تعرفني، لكني برغم هذا كنتُ غريبًا،
خشيت من التيه طوال سنين عُمري والآن... أرى عينين رغم غُربتهما عني إلا أنني بداخلهما لم أكن كما كنتُ غريبًا..
وبرغم ذلك توهتُ بداخلهما وكأنهما هما الموطن والمدينة،
عينان رغم الحزن الساكن بهما أعطتني كلتاهما الونس وأشد ما يحتاج إليه المرء في حين كونه غريبًا...
دعيني الآن أخبرك أن النظرة منكِ كانت أمانًا...
وبدون عينيكِ أنا غريبًا،
كل تيه الدنيا وإن كان بداخل عينيكِ فبه لن أكون غريبًا.

   <"في بعض الأحيان يكون النور مرافقًا بالأُنسِ">

خرج "سراج"  من الغرفة نحو الكافتيريا الموجودة في نهاية الرواق بجوار المِصعد يجلب العصير لمن بداخل الغرفة وحينما رفع عينيه نحو باب المصعد وجد أخر من توقع تواجدها هُنا، وجد "نـور" تخرج من الباب وهي تبحث بعينيها عن الغرفة ورقمها، أما هو فترك محله واقترب من المصعد تزامنًا مع تحركها في المكان الموازي له لتتقابل نظراتهما من جديد بعد انقطاعٍ دام لأيامٍ طوال، أيامٌ استوحش بها دنيته بدون ونيس.

بعض اللقاءات وإن كانت قاتلة تظل مقترنة بنكهة الحياة، وثمة بعض الأحاديث تنطقها الأعين لكنها تُسكتنا عن الكلام، مقابلات وإن أقامت الحروب بداخلك تبقى مثل السلام، كما الشيء ونقيضه مع بعضهما وأنتَ الضعيف بينهما، هذا تحديدًا ما يشعر به كلاهما، وقد ثبت "سراج" عينيه عليها وخشى يُغلقهما تفر مثل السراب كما فعلت في السابق، النور يظهر في المعبر من جديدٍ ليثبت له أنه سلكَ الطريق الصواب.

أما هي فتبخر غضبها وخانها قلبها الذي دقَ له، لم تقوى على الركض ولا حتى الابتعاد، تسمرت أمامه وأغرورقت عيناها بالدموع، نظراته تعاتبها ونظراتها تلومه، قلبه يصرخ من شوقهِ وقلبها يبكي من وجعهِ، تلاقت النظرات صُدفةً لتخون ألف لقاءٍ متفقٍ عليه، فحتى وإن تحركت الحواس بما لم تشتهي، فالقلوب عاصية لن تقبل غير بما تشتهيه.

غَــوْثِــهِــم &quot;يا صبر أيوب&quot;Where stories live. Discover now