66_ ضاعت الهوية

Start from the beginning
                                    

ترك مقعده وأقترب منها يسألها باهتمامٍ نتج عن حيرته:

_معلش يعني هو فيه مكان مخصوص هنا للموظفين يقعدوا فيه؟ ولا بيخرجوا برة؟ وأهم حاجة الوقت قد إيه يعني؟.

سحبت نفسًا عميقًا وقالت بنبرةٍ عملية:

_فيه مكان هنا على النيل علطول، فيه أكل وشرب وتسالي وكل حاجة نفسك فيها، والوقت ساعة كاملة فات منها ١٠ دقايق كاملين، إمبارح علشان مكملتش ومشيت النهاردة يعتبر أول يوم فعلي وعملي ليك، يلا؟.

تحرك معها نحو الخارج أو نحو الأسفل وهي ترشده إلى المكان المُطل على نهر النيل حيث استراحة الموظفين من العمل، حينها اندهش "عُـدي" وتعجب مما رأه نصب عينيه، وجد مكانًا يخطف الانظار حيث لمعة المياه البراقة وهي تتعامد عليها آشعة الشمسِ، تزامنًا مع رائحة الدفء التي أتت من المياه والزرع على ضفافها.

وجد "رهـف" تجلس على أرجوحة مستطيلة وعريضة ثم وضعت الطعام المنزلي الخاص بها وزجاجة العصير أيضًا وقد جلس بجوارها يسألها باهتمامٍ:

_هو عادي أجيب أكل من هنا أو برة؟.

انتبهت له وحركت بؤبؤيها في نقطةٍ ما خلفه ثم عادت له بعينيها من جديد تهتف بموافقةٍ:

_"يوسف" أصلًا فاتحلك حساب هنا، يعني أي أكل أو شرب أو حاجة هتطلبها عليه هو أو على حساب الشركة، بس محدش يعرف كدا علشان محدش يشك في حاجة، متقلقش أخوك مظبطك أوي.

ابتسم لها ثم سحب نفسًا عميقًا وهو يطالع المياه أمامه فسألته هي بتعجبٍ من سكونه وعدم تحركه لجلب الطعام:

_هو أنتَ مش هتجيب أكل؟ بعدين ليه باين إنك متوتر؟.

بدت وكأنها ضغطت على زر الانفجار لديه لذا هتف بنبرةٍ تائهة أو ربما ضائعة من أصلها:

_علشان أنا فعلًا متوتر، أنا هنا زي اللي ماشي في حقل ألغام وأي حركة غلط بفورة هتبوظ الدنيا، خوفي مخليني عاجز حتى إني أقدم مساعدة لأخويا، وأنا مشكلتي إني بحب الاستقرار مش بحب الحاجة اللي ملهاش مركز ثبات.

فهمت هي عليه وأدركت مشاعره المختبطة لذلك قالت بنبرةٍ هادئة تبثه القوة التي كانت تُبَثْ لها في قديم الوقت السابق لهذا:

_كتر خوفك هيضيع عليك متعة الشيء، فيه مرة حد قالي إن خوفك وحجم تقديرك للشيء بيتناسب بصورة غير مباشرة مع حجم ابداعك فيها، لأن حجم خوفك هيحركك ويخليك تبذل مجهود أكبر وطاقة أكتر علشان تدي الشيء دا اللي أنتَ عاوزه، لولا خوفك من الشيء في بعض الاحيان أنتَ مش هقدر تثبت نفسك فيه، يعني مثلًا لو استهترت بالشيء وقللت منه تلقائيًا هتستخسر جهدك فيه، وهتشوف نفسك كبير عليه، لكن لما تخاف منه وتحطه في حجمه وقصاده تبذل المجهود اللي مناسب خوفك هتتفاجيء بالنتيجة في الأخر، أي شيء لو مفيهوش خوف، هتبقى نتيجته استهتار، شطارتك إنك تخلي حجم الخوف طبيعي ميتحكمش فيك.

غَــوْثِــهِــم "يا صبر أيوب"Where stories live. Discover now