الفصل الحادي والخمسون

92 3 0
                                    

افاق على صوت الحارس والذي كان يفتح بوابة الزنانة بالمفتاح ، ليقول له وهو يشير بذراعه للخارج
"تفضل يا سيد شادي ، لقد تم اطلاق سراحكما"
رفع رأسه قليلا وهو يرمق الجالسة بجانبه بالزنانة الاخرى تبادله النظر بهدوء بدون اي تعبير ، لتحرك بعدها كتفيها بلا مبالاة وهي تهمس بابتسامة متملقة
"يبدو بأن فترة عقوبتنا قد انتهت"
ادار عينيه ببرود وهو ينهض من مكانه ليسير بعدها خارج قضبان السجن ، وما ان اصبح بالخارج حتى طار نظره لبوابة الزنزانة الاخرى والتي فتحها الحارس بلحظات ، لتخرج بعدها شريكته بالجريمة والحجز وهي تتبسم له ببرود وكأن كل شيء يحدث معها يمتعها وتجد تسليتها به .
نقل نظره للحارس والذي اشار لهما بيده قائلا بعملية
"هناك من عليكما مقابلته قبل كل شيء ، وهو موجود الآن بمكتب الرئيس ، لذا اتبعاني بدون اي نقاش"
سبقهما الحارس بالذهاب وهما ينظران بأثره باستغراب ، وما ان كان على وشك اللحاق به حتى اوقفته التي تشبثت بذراعه وهي تقول بخفوت متذمر    
"ألا نستطيع الذهاب من هنا فقط ؟ فأنا متعبة جدا وليس لدي القدرة على مواجهة احد"
حدق بها بجمود وهو ينفض ذراعه بعيدا عنها قائلا بصرامة
"افعلي ما يقال لكِ يا ماسة ، لكي لا اصبح مجرم حقيقي هذه المرة وادخل للسجن مدى الحياة !"
ابتعد من امامها وهو يسلك الطريق الذي غادر منها الحارس ، لتعض بعدها على طرف شفتيها وهي تهمس من بينهما بتشدق  
"ماذا يقصد بكلامه الاخير ؟ هل هو مجنون ؟"
تحركت (ماسة) بسرعة وهي تلحق اثر الذي تركها قبل ان تفقده ، وما ان وصلت له حتى سارت بجواره تماما وهي تتابع طريقها بثبات ، لتخفض بعدها نظرها بتأفف وهي تهمس بضجر
"اوووف ألن تنتهي هذه القصة ؟ لقد مللت حقا ، كل هذا ولم تمت بعد ! ماذا سيفعلون لو ماتت حقا ؟"
اقترب (شادي) منها وهو يلكزها بذراعها هامسا بضيق مكبوت
"تابعي السير بانضباط وتوقفي عن التذمر هكذا ، أليس كل ما يحدث بسببك ؟"
دلكت على ذراعها بأصابعها وهي ترمقه بطرف عينيها بعبوس مغتاظ ، ليقف بعدها كليهما امام باب المكتب والحارس يفتحه امامهما ، وما ان دخلا خلف الحارس حتى توقفا بنفس اللحظة والحارس يأخذ زمام المبادرة وهو يرفع يده بتحية قائلا باحترام
"لقد وصل السجينين يا سيدي ، وهما تحت امرتك الآن"
لوت شفتيها بشبه ابتسامة وهي تتمتم بسخرية
"هل اصبحنا سجينين الآن ؟ لم اكن اعلم بأن شربها لحبة المنوم جريمة ! ولكن عندما شربت الكحول كان حلال عليّ"
شدد على اسنانه حتى اصدرت صوت اصطكاك وهو يهمس بجمود
"اخرسي يا ماسة"
انسحب الحارس من امامهما ليظهر لهما رئيس المخفر الذي كان يجلس خلف المكتب ، ولكن ليس هذا ما جذب انتباههما بل الجالس امام المكتب والذي نهض على رؤيتهما بكل لباقة واحترام ، ليمد يده قائلا بترحاب مهيب
"السلام عليكم ، تشرفت برؤيتكما يا اولاد عائلة الفكهاني"
بهتت تقاسيمها وهي تتعرف على الشخصية الهامة الواقفة امامها صاحبة البذلة الرسمية الانيقة التي تدل على ثرائه الفاحش ، والسبب الثاني بتعرفها عليه هي مشاهدتها له بالتلفاز بعرض الخيانة العلنية التي ظهرت بها ابنته الفاجرة على كل قنوات البث المباشر ، ولكن رؤيته واقع امامها له رهبة مختلفة عن مشاهدته صورة متحركة خلف شاشات التلفاز الصماء ، فهي تنقل المشاعر والاحاسيس بجانب الصورة والهيئة وكأنه يشحن الاجواء بهالة من القوة والجبروت تحيط من يتواجد بدائرته ، واكثر شيء هي متيقنة منه بأنه مختلف تماما عن ابنته قلبا وقالبا ولن تكون مواجهته مشابهة لتلك المنتحلة متعددة الشخصيات !
سرق نظراتها الذي تقدم امامها بخطوات واسعة ليصافح كفه بلحظة قائلا بلباقة
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، يسعدني رؤيتك هنا يا سيدي الوزير ، وشرف كبير لنا ان نحصل على مثل هذا الترحيب الخاص منك"
ربت الوزير على كتفه وهو يقول بخفوت وقور   
"شكرا لك يا بني ، وانا سعيد بمقابلتك مجددا ، فقد انقطعت عني بزياراتك المسائية وجلساتنا القديمة منذ إعلان زواجك ، وحرمتنا منك بحجة زواجك الذي مر عليه اكثر من شهرين ! هل اخذت الزوجة عقلك وقلبك ونسيت احبابك وعائلتك ؟"
اعتلت ملامحه ابتسامة صغيرة وهو يحيد بنظراته نحو الني تركها خلفه هامسا بخفوت جامح  
"شيء من هذا القبيل"
توترت ملامحها تحت سطوة نظراته الصريحة وهي تشيح بوجهها بعيدا بدون كلام ، ليعود بنظره للواقف امامه وهو يسحب يده قائلا بهدوء جاد
"ليس هذا ما حدث بالضبط ، ولكن المسؤوليات والانشغال بحياتي الجديدة جعلتني اهجر عائلتي وليس احبابي واصدقائي فقط ! لذا اعذرني على تقصيري اتجاهك وعدم السؤال عنك ، واعدك ان اعدل بحياتي بالأيام القادمة وافسح مجال اتفرغ به لزيارتك بين الحين والآخر وشرب الشاي معك"
زينت ابتسامته طرف لحيته البيضاء وهو يربت على كتفه بقوة قائلا بحزم   
"هذا وعد ، لا تنسى ذلك فيما بعد"
اومأ برأسه بصمت وهو ينظر بأطراف عينيه للواقفة بعيدا عنهما ، ليتراجع بعدها خطوتين للخلف وهو يشير بيده لزوجته الساكنة قائلا برسمية
"هذه زوجتي ماسة الفاروق التي تكلمنا عنها ، فهذه اول مرة تراها بها لذا احببت ان اعرفك عليها"
نظر لها بهدوء وهو يقول بابتسامة جادة
"اجل اعرفها ، وكيف لي ألا اعرفها ؟ انها زوجة شادي الشهيرة التي حبسته بقفص الزواج !"
تغضنت زاوية ابتسامته وهو يخفض ذراعه قائلا بتصلب جاد بعد ان اتخذ موقفه
"نعم يا سيدي الوزير ، ما سبب هذه المقابلة الغريبة بمركز الشرطة ! هل هناك ما تريد ان تطلعنا عليه ؟ هل هو موضوع مهم يخصنا ؟"
اومأ برأسه وهو ينقل نظره بينهما قائلا بهدوء حازم  
"اجل هناك ما اريد ان اقوله لكما ، الحقيقة الموضوع يخض حادثة ابنتي اليوم....."
قاطعه (شادي) بسرعة وهو يقول بتوضيح مرتبك عندما حدث ما توقعه 
"اسمعني يا سيدي الوزير ، كل ما حدث كان سوء فهم بين زوجتي وابنتك ، والموضوع كله لا يحتاج كل هذا التضخيم والتكبير ! وانا اعتذر بالنيابة عن زوجتي وعن كل شيء ارتكبته بحق ابنتك ، واقبل مني خالص اسفي وندمي على ما اصاب ابنتك الوحيدة"
حرك رأسه بالنفي وهو يقول بابتسامة جانبية بعطف    
"لم اقل هذا الكلام يا شادي ، ولم ألمح لحادثة اليوم من اجل ان اتهمك او ألومك انت وزوجتك ، بل اردت ان اعتذر منكما بصدق واطلب السماح منكما على افعال ابنتي بكما والتي تجاوزت بها حدودها بالفترة الاخيرة وتعدت على حقوق واملاك غيرها !"
اندهشت ملامحه وهو يرمق الواقفة بالخلف بنظرات مصدومة وهي تماثله بصدمته الغير متوقعة ،  ليعود بنظره سريعا للواقف امامهما وهو يقول بابتسامة مضطربة يحاول الفهم  
"عفوا يا سيدي الوزير ! لم افهم تماما ماذا تريد منا ؟ ولماذا قد تعتذر على ما حدث ؟ ألم تأتي إلى هنا من اجل ان تحاسبنا على التلاعب بحياة ابنتك ؟"
تنهد بهدوء وهو يقول بأسف شديد بدون ان يحيد بنظره عنهما
"لقد شاهدت تصوير الكاميرا الموجودة بالمنزل ، وعرفت بأن زوجتك بريئة من هذه التهمة ، وليس هناك احد ملام بقدر ابنتي التي تجاوزت بتصرفاتها كل الحدود وخرقت مبادئنا وقوانينا للوصول لأهدافها ، واكره الاعتراف بهذا ولكن ابنتي اخطئت كثيرا بحقكما وتستحق حمل هذه التهم وحدها ، واخجل حقا من كل اذى وفعل اقترفته بحقكما بوسائل طفولية وحيل سخيفة ! فهي سبب كل المصائب التي مرت عليكما وكل صدع وشرخ حدث بعلاقتكما ، فأنا بالنهاية لم اعرف كيف اربي ابنتي بالشكل الصحيح والسليم ! وخذلتني بأفعالها وتصرفاتها التي لا تخرج من امرأة عاقلة راشدة ذات منصب عالي ! لذا ارجو منكما مسامحتها على اخطائها والعفو على زلاتها ، هذا كل ما استطيع تقديمه لكما حاليا"
كانت العيون تحدق به بانتباه شديد حتى اخفضت صاحبة الملامح الشاحبة رأسها وهي تضرب جبينها بقبضتها هامسة بخفوت مستاء
"كيف فاتتني قصة الكاميرا ؟ لقد فضحت نفسي بنفسي !"
رفعت عينيها الواسعتين نحو الذي اصبح يوجه الكلام لها وهو يقول بهدوء متزن  
"اعتذر منكِ يا آنسة ماسة ، لقد تمادت لينا كثيرا بارتكاب الاخطاء بحقك ، وانتِ تحملتِ الكثير من المعاناة والألم بسببها ، واتمنى ان تقبلي مني اعتذاري وقلة حيلتي اتجاه تصرفات ابنتي الجامحة التي عرضتني لكل هذه المواقف المخزية !"
ادارت مقلتيها الزرقاوين بعيدا وهي تهمس بقنوط
"لقد تأخرت كثيرا بالاعتذار"
تجمدت ملامح الواقف بقربها والوحيد الذي سمع همستها الساخرة ، ليمسك بمؤخرة رأسها بلمح البصر وهو يخفضها للأسفل ويخفض رأسه معها قائلا بأدب واحترام  
"شكرا لك على تفهمك يا سيدي الوزير ، لقد اسعدني سماع هذا الكلام كثيرا وخاصة مسامحتك لتصرفات زوجتي وكشف الحقيقة ، انا فعلا ممتن لك على كل هذا ، شكرا جزيلا لك"
اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يقول بوقار
"بل انا من عليّ ان اشكرك على ازالة الغلالة بداخل عيناي ، وان اكون ممتن لك على كشف نوايا ابنتي الحقيقية والتي كانت مدفونة بعيدا عن العيان ، شكرا لك على كل شيء"
رفع رأسه بهدوء وهو يقول بابتسامة هادئة بدون اي تعبير
"لا داعي للشكر ، فأنا ايضا قد عشت نفس حالتك ، وافهم شعورك جيدا"
قال (شادي) بعدها بسرعة وهو يقرب الواقفة بجانبه بمؤخرة رأسها
"إذاً يتوجب علينا الرحيل الآن ، بما انه لم يتبقى لدينا عمل هنا"
قال الرئيس لأول مرة منذ حضورهما للمكتب وهو يشير بيده للأغراض الموجودة امامه 
"لا تنسيا استلام هوياتكما الشخصية واغراضكما"
ضحك بعصبية وهو يقترب من المكتب ويسحب رأس رفيقته معه مثل الشاة ، ليأخذ بعدها الهويات والهواتف وهو يضعهم بجيوبه ، ليمسك بحزام الحقيبة وهو يسلمها لشريكته التي اخذتها منه بصمت .
وما ان انتهى حتى لوح لهم بيده وهو يغادر قائلا
"وداعا يا سادة ، وشكرا على إطلاق اسرنا"
سحبها بعدها برواق مركز الشرطة حتى انتفضت بقوة وهي تنزع يده عن رأسها ، ليقف بعدها امامها وهو يلوح بذراعه جهة الغرفة التي تركوها قائلا باستنكار حاد  
"ما لذي كنتِ تفعلينه ؟ ألم اخبركِ ألا تحدثي المزيد من المشاكل ؟ ما لداعي لقول ذلك الكلام امام الرجل !"
اشاحت بوجهها وهي تعدل ذيل حصانها المرتخي بدون ان تبدي اي ردة فعل ، ليمسك بعدها بذراعها وهو يقول بغضب لم يعد يستطيع كبحه
"تكلمي يا ماسة ، فأنا اكثر ما اكرهه بحياتي هو صمتك عند السؤال !"
حدقت به بعينين واسعتين وهي تحرك كتفيها علامة الجهل المشهورة التي قتلته بها اليوم ، ليفلتها بعدها بقسوة وهو يشير بيديه على كتفيه قائلا بجنون
"كم مرة اخبرتكِ ان تتوقفي عن الإيماءات الصامتة وتحريك الاكتاف ! هل اصبتِ بالصمم والخرس اليوم ؟ انا اتكلم معكِ"
تنفست بضيق وهي تدس خصلاتها خلف اذنها قبل ان تقول بخفوت بريء
"انت الذي امرتني بالداخل ان اخرس وألتزم الصمت ، وها انا اتبع اوامرك بحذافيرها"
ضرب ذراعه بالهواء بعشوائية وهو يصرخ بانفعال هادر
"اجل صحيح ، تتكلمين عندما ترغبين وتصمتين بالوقت الذي تشائين ! هيا اصمتِ ولا تتكلمي ، فأنا لا اريد سماع صوتكِ بعد الآن ، لا اريد سماعه ابدا ، ومن الافضل ان تبقي صامتة هكذا لمدى الحياة"
انفرجت شفتيها بذهول ما ان رحل من امامها وهو يخرج من مركز الشرطة باندفاع ، لتهمس بعدها بخفوت متوجس وهي تلحق به بسرعة
"لقد غضب حقا !"
نزلت عتبات السلم بسرعة حتى تشبثت بذراعه بقوة قبل ان يهرب منها ، ليتسمر بمكانه بجمود صخري وهي تقول من فورها بضراوة
"لن ادعك تهرب بهذه البساطة ، لن ادعك تهرب قبل ان تجيبني على سؤالي ، وإذا لم تجيب فلن ادعك وشأنك ، لماذا ساعدت لينا بخطتها تلك ؟ لماذا شاركتها بخطة خيانتي ؟ ما لذي بادلتك به حتى توافق على الدخول بهذه التمثيلية وقتل قلبي ؟ بماذا ابتزتك تلك اللعينة ؟"
استدار نحوها بلحظة خاطفة وهو يكبل ذراعيها بأصفاد حديدية ويصرخ بوجهها بكل جنون وفقدان سيطرة
"اللعنة عليكِ ، لأنني احبكِ فعلت هذا ، لأنني احبكِ يا معتوهة !"
تنفست بلهاث متعاقب وقفصها الصدري يتخبط بقلبها ويرسل ذبذباتها عبر صدره الصلب الذي اصبح المستقبل لتلك التيارات ، ليزفر انفاسه بحرارة موقدة وهو يدفعها باللحظة التالية بقوة قبل ان يعطيها ظهره ويغادر بعيدا عنها .
غرزت اسنانها بطرف شفتيها بمكر ما ان عاد ادراجه مجددا بعد ان اكتشف وجود مجموعة صحفيين عند البوابة الخارجية ، ليقف بجانبها وهو يمد كفه لها قائلا بفحيح قاتل على وشك افتراسها
"سيري معي بدون اي كلمة ، فالوضع لن يحتمل"
اومأت برأسها بابتسامة فاتنة وهي تشبك يدها بيده وتعطيه الضمان وملكيتها وقيادة طريق دربها ، ليحكم على يدها بقوة وهو يسير بها اتجاه البوابة الخارجية يداً بيد وقلب بقلب امام كل العالم بأسره ليعلن عن عودة اتحادهما وانكشاف حقيقة زواجهما وانهاء كل الاخبار الكاذبة التي اظهرت عكس ذلك .
______________________________
كانت تقلب بين القنوات المحدودة التي تعرض على شاشة تلفاز صغير معلق بالأعلى كأداة ترفيه بغرفة متطورة يوجد بها كل المتطلبات والكفايات التي قد يحتاج لها المريض بفترة إقامته ، ليتجمد اصبعها على زر التنقل ما ان وقعت عينيها على الصورة المعروضة بالشاشة تجمع شقيقتها وزوجها امام مركز الشرطة ! مركز الشرطة ! ماذا تفعل (ماسة) امام مركز الشرطة ؟ كيف وصلت لذاك المكان ؟ ما هي المصيبة الجديدة التي اقحمت نفسها بها ؟ وايضا برفقة زوجها !
اخفضت ذراعها بهدوء وهي تتنفس بتعب حقيقي وكأنه لا ينقصها ما تعانيه حاليا لتزيد مصيبة جديدة فوق مصائبها ، لتدلك بعدها على ذراعها وهي تهمس بخفوت متأوه  
"آه يا ماسة ! ماذا فعلتي هذه المرة ؟"
التفتت بسرعة ما ان وصلها صوت الدخيلة التي خرجت من التلفاز امامها
"هل كنتِ تتحدثين عني ؟"
عبست ملامحها وهي تراقب التي دخلت بسرعة لتجلس على الكرسي بجانبها بتلقائية ، لتفرد بعدها ذراعيها بالهواء وهي تقول بابتسامة متفائلة وكأنها تعيش بعالم موازي   
"هل افتقدتني ؟ هل اشتقتِ لي كثيرا ؟ هل تريدين عناق ؟"
ارتفع حاجبيها بشحوب وهي تعانقها بدون انتظار وتضم قبضتيها خلف ظهرها ، لتبعدها عنها بسرعة وهي تمسك بكتفيها قائلة بخفوت متوجس وكأنها تواجه حالة مرضية عصيبة
"ما بكِ ؟ لماذا تتصرفين بغرابة هكذا ؟ انتِ تخيفينني !"
اتسعت ابتسامتها بشقاوة وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بخفوت لطيف
"انا بخير جدا ، بخير اكثر مما تتصورين ، ولكني قلقت عليكِ كثيرا بسبب تأخري بالمجيئ إليكِ ، قلقت كثيرا ، هل شعرتِ بالوحدة بدوني ؟ هل حزنتي كثيرا بغيابي ؟"
سحبت يديها عن كتفيها بهدوء وهي تقول بتفكير عابس
"لم اشعر بشيء ، ولكني شعرت بالخوف لوهلة عند رؤيتك بتلك الحالة ! المهم بأنكِ بخير"
تغضنت زاوية ابتسامتها برقة وهي تميل برأسها على كتفها وتعانقها بذراعها هامسة بمودة وكأنها قطة تطالب بالاهتمام
"لا داعي للقلق عليّ بعد الآن يا شقيقتي ، فأنا قد اصبحت بسن كبيرة استطيع بها الاعتماد على نفسي وإيجاد طريق سعادتي وحدي ، لذا انسي امري الآن وفكري فقط بإيجاد طريق سعادتك انتِ"
تلبست ملامحها قناع الصلابة وهي تبعدها عنها بلحظة لتضرب بقبضتها على ذراعها بقوة ، تأوهت (ماسة) بألم وهي تمسح على مكان الضربة قائلة باستنكار عابس
"لقد كان هذا مؤلم جدا ، لماذا فعلتي هذا ؟ هل كنتِ تختبرين قوة قبضتك على ذراعي ؟ يا لكِ من قاسية !"
رفعت قبضتها عاليا وهي تقول بتهديد خطير بعد ان اخذت دور الشخصية الصارمة
"هل تريدين ان اضربكِ مجددا ؟"
تراجعت للخلف بحيطة وهي تمسك بذراعها هامسة بخفوت متبرم
"لا شكرا ، لا ارغب بتذوق المزيد من ضرباتك ، يبدو بأنكِ مشوشة قليلا ! هل استدعي الطبيبة لكِ ؟"
اخفضت قبضتها بقوة وهي تهمس بخفوت حانق
"انا مشوشة ! بل قولي غاضبة جدا لدرجة لا استطيع بها السيطرة على غضبي ! متى ستكبرين وتتوقفين عن إيلامي بهذه الطريقة ؟"
تغضن جبينها بارتباك وهي تهمس بعدم فهم
"هل هناك ما فعلته اغضبكِ ؟"
احتدت ملامحها وهي تمسك بوجهها بين يديها لتديره نحو التلفاز بالأعلى وهو ما يزال يعرض خبر اليوم على الهواء ، لتتسع عيناها بصدمة وهي ترى نفسها معروضة على الشاشة برفقة زوجها حتى باتت واجهة للأخبار ، لتبتلع ريقها برهبة ما ان قالت شقيقتها بجانب اذنها بسعير حارق بدون ان تترك وجهها
"ماذا تفعلين على الهواء يا ماسة ؟ ولماذا يصورونك امام مركز الشرطة ؟ بل السؤال الاصح ماذا كنتِ تفعلين بمركز الشرطة ! هل عدتِ لعادتك القديمة مجددا ؟"
نزعت يديها عن وجهها وهي تلوح بيديها امامها هامسة بدفاع
"لا لم يحدث ، انتِ فقط اخطئتِ بالفهم !"
لوحت بجهاز التحكم نحو التلفاز وهي تصرخ بانفعال
"بماذا اخطئت ؟ اشرحي لي"
زمت شفتيها ببؤس وهي تهجم بسرعة على جهاز التحكم قبل ان تسبقها التي رفعته بعيدا عن متناول يدها وهي تقول بأمر حازم
"لا تحلمي ان تغيري قناة التلفاز قبل ان تعترفي بجريمتك كاملة ! قد تكونين افلتي من عقوبة الشرطة ولكنكِ لن تفلتي من يدي"
زفرت انفاسها بضيق وهي تحدق بجهاز التحكم بيدها كما تحدق القطة بالفريسة ، قبل ان ترتمي على ساقيها بقوة وهي تعانق خصرها بكلا ذراعيها ، لتهمس بعدها بلحظة بنحيب مزيف
"سامحيني يا روميساء ، سامحيني"
اتسعت حدقتيها الخضراوين بدهشة وهي تمسح بكفها الاخرى على رأسها هامسة بجزع
"بماذا اسامحكِ ؟ بماذا اخطئتِ هذه المرة ؟ هل تريدين قتلي حية ؟ هيا اعترفي ما هي الجريمة التي ارتكبتها وتطلبين السماح عليها ؟"
رفعت رأسها عن ساقيها وهي تهمس بابتسامة فكاهية
"لقد وقعت بالحب مجددا"
عضت على طرف شفتيها تكبح صرخة كادت تخرج من جوفها وهي تقول بخفوت شرس  
"هل تسخرين مني ؟ هل تحاولين ان تظهري نفسكِ ظريفة ؟ ايتها المحتالة الصغيرة....."
نهضت بسرعة عن ساقيها وهي تسرق جهاز التحكم من يدها على حين غرة ، لتوجه الجهاز نحو التلفاز وهي تغلقه تماما حتى ذهبت الصورة وظهرت شاشة سوداء مكانها .
تنهدت بارتياح وهي تضع جهاز التحكم على المنضدة الجانبية بهدوء ، لتحين منها التفاتة نحو شقيقتها الجامدة والتي كانت تنظر لها باتهام واضح وكأنها مجرمة تحت رهن الاعتقال ، لتقول بعدها وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة بهجوم
"إذاً ألن تفسري ما يحدث معكِ ؟ فأنا انتظر التوضيح على كل ما رأيته وشهدته اليوم !"
كورت شفتيها بامتعاض وهي تهمس بضيق
"ألا تستطيعين إعفائي من هذه الجلسة ؟"
عقدت حاجبيها بجمود حتى ضاقت حدقتيها بقسوة وهي تقول ببأس
"ماسة لا تهدري المزيد من الوقت بالتحايل والمراوغة عليّ ، فأنا الآن جالسة على اعصابي واعد انفاسي مئة مرة لكي لا اثور عليكِ وألقنكِ درسا لن تنسيه بحياتك !"
تنفست بهدوء وهي تضم يديها بحجرها هامسة بخفوت بريء
"حسنا سأخبركِ ، ولكنكِ ستعدينني اولاً بأنكِ لن تضربيني بعد سماع كلامي"
شدت شفتيها بعبوس وهي تهمس بنفاذ صبر
"حسنا اعدكِ ، فقط قولي ولا توتريني اكثر"
اخفضت نظرها بهدوء وهي تقول بخفوت متردد
"ما حدث هو بأن الفتاة التي سرقت زوجي قد دعتني لمنزلها ، وبكل وقاحة طلبت مني الرحيل من حياتها وحياة شادي ! ولم اتحمل كل ذلك الظلم والاضطهاد منها ! حتى لو لم تكن تملك القدرة على فعلها ، وتتكلم فقط من اجل ان تخيفني وتضايقني ، ولكنني لم استطع تمالك نفسي بعدها ، لذا وضعت لها حبة منوم بعصيرها ذات تأثير مؤقت لألقنها درس بالتعامل مع الآخرين وبالالتزام بالحدود المرسومة بينهم ، مجرد قيلولة قصيرة وتفيق منها ، ولا يوجد اي اضرار او جريمة بها ، هذا فقط كل ما حدث"
كانت تحدق بها بعينين شاخصتين بذهول وهي تتجاوز كل توقعاتها التي فكرت بها ، لتمسد بعدها على جانب رأسها بصداع وهي تهمس بخفوت قاتم
"يا إلهي اعطيني الصبر على ما ابتلاني ! وكيف وصل الامر للشرطة ؟"
رفعت نظرها نحوها وهي تقول بابتسامة باردة بمرونة
"الفتاة تكون ابنة وزير الثقافة ، وذات منصب عالي جدا بالمجتمع الراقي ، لذا اي اذى قد يصيبها يحملني مسؤولية كبيرة ويتهمني بجريمة شنعاء ضد الدولة ، ولكن لا تقلقي فقد عرفوا ببراءتي واطلقوا سراحي على الفور"
بهتت تقاسيمها وهي تضم مرفقيها فوق الغطاء هامسة بجدية  
"وماذا كان يفعل شادي بمركز الشرطة معكِ ؟ هل جاء من اجل تحريرك من مصيبتك ؟"
لوت شفتيها بشبه ابتسامة وهي تهمس بشرود حالم
"هذا بالضبط ما جاء لفعله ، فهو لا يرضى تركِ لوحدي اتحمل مصيبتي ، فأهم خصاله هي المشاركة بالحياة الزوجية وبالمشاكل الحياتية"
ادارت مقلتيها بعيدا وهي تهمس بابتسامة جانبية بمغزى
"يبدو بأنني سأتوقف عن كوني المدافعة التي تتحمل مصائبك وتقف امامكِ بكل موقف وحادثة ، فقد ظهر هناك من سيسلبني هذا الحق ويأخذ مكان البطولة بحياتك ، وهذا الامر يريحني كثيرا لأنني لن ابقى قلقة عليكِ بعد الآن"
نظرت لها بعينين ساكنتين لبرهة قبل ان تعتلي ملامحها ابتسامة صغيرة وهي تربت على كتفها قائلة بخفوت جاد
"لقد حان الوقت لتخلي مسؤوليتكِ كاملة عني ، وتفكري بمسؤوليات حياتكِ انتِ ، فقد جاء الشخص  المناسب الذي يأخذ مكانكِ ويكون حارسي وشريكي بهذا الدرب ، وعليكِ انتِ بفعل المثل كذلك وإكمال حياتكِ من حيث توقفتِ ، فلن نستطيع العيش سعداء إذا لم نغتنم هذه السعادة جيدا"
اومأت (روميساء) برأسها بشرود وهي تهمس بابتسامة طفيفة
"ربما تكونين على حق"
زمت طرف شفتيها بحذر وهي تهمس بخفوت متلاعب
"إذاً ألن تضربيني على فعلتي ؟ ألن تفعلي شيء بهذا الخصوص ؟ هل اعتبر نفسي حرة ؟"
رمقتها بطرف حدقتيها بجمود وهي تقول بخفوت بارد
"اعرف جيدا بأن ضربكِ لن يأتي بأي فائدة او نفع وسيكون فقط إهدار لطاقتي وقوتي ، فأنتِ لا تتعلمين ابدا من الدروس التي كنت ألقنكِ إياها على مدار سنوات وتفعلين فقط ما يجول برأسكِ وتنوين عليه ، وكل ما ادعوه ان يعطي الله الصبر والسلوان لزوجك على البلوة التي سقطت فوق رأسه !"
ارتفعت زاوية ابتسامتها بسعادة وهي ترتفع على طرف السرير لتعانقها من كتفيها وتريح رأسها عليها هامسة بمحبة
"كنت اعرف بأنكِ ذات قلب طيب ورؤف ولن يسمح لكِ بأذيتي وضربي ، فأنتِ تتلقين الضرب عني بسبيل حمايتي من الاذى وعدم وصوله لي ، انتِ هي الافضل يا روميساء ، الافضل على الإطلاق"
ارتسمت ابتسامة حانية على محياها وهي تمسح على رأسها بعطف ام على طفلتها او مربية على قطتها ، لتبتعد عنها بسرعة ما ان طرقت الممرضة على باب الغرفة المفتوح وهي تحمل صينية الطعام بين يديها ، لتلتفت (ماسة) للخلف وهي تنهض عن جانبها بنفس اللحظة التي دخلت بها الممرضة ، لتقترب منها بسرعة وهي تمسك الصينية عنها قائلة بابتسامة متلهفة 
"لقد جاء الطعام بوقته ، فأنا اتضور من الجوع"
كانت (روميساء) تراقبها باندهاش وهي تضع الصينية فوق غطاء السرير بهدوء ، لتجلس بعدها على الكرسي وهي تلتقط قطعة خضار وتقضمها بأسنانها باستمتاع ، لتهمس بعدها التي ضحكت بمرح خافت  
"ليكن بعلمك لقد حضر هذا الطعام من اجل المريضة ، وليس من اجلكِ انتِ يا شرهة !"
امسكت بطبق الارز وهي تتناول ملعقة خشبية قائلة بابتسامة متحايلة  
"وانا وانتِ لا نختلف عن بعضنا حتى لا نتقاسم الطعام بيننا ، فقد كنا نفعلها كثيرا فيما مضى ، عندما يعاقبني قيس ويمنع عني الطعام كنتِ تشاركيني بحصتك من الطعام ، وكان يكفي كلانا ويشبع جوعنا فالكمية القليلة خيرها كثير"
غامت ملامحها بسحابة الماضي التي اغتالتها بلحظة غادرة لتنفض تلك الافكار عن رأسها سريعا ، عادت بنظرها للأمام وهي تمسك بطبق السلطة لتغرف الملعقة به وهي تقول بهدوء
"اعطيني طبقكِ لكي اضع لكِ بعض السلطة ، فأنا اعرفكِ لا تستسيغين طعم الارز بدون سلطة"
اتسعت ابتسامتها بانتهاز وهي تمد طبقها قائلة بخفوت ماكر
"تعرفيني اكثر من نفسي"
سكبت لها من السلطة بطبق الارز قبل ان تسحبه لها لتبدأ بغرف الملعقة بداخله ونقله لفمها وهي تتناوله بشهية مفتوحة ، بينما كانت (روميساء) تبتسم بحنان وهي تتناول كذلك من الطعام المتبقي بالصينية وكما تفعل دائما بقانون التشارك بينهما والذي ينص على إطعام الصغيرة كل ما تشتهي به نفسها والقبول هي بالقسمة المتبقية لها .
_______________________________
دخل للغرفة مباشرة بدون سابق إنذار ليتوقف ما ان توجهت زوجين من العيون الانثوية نحوه ، ليأخذ بعدها انفاسه بتروي وهو يركز نظره على ملكة افكاره وعالمه ليس هناك احد يملك السلطة مثلها ، ليقول بعدها بلحظة بصرامة وكلامه موجه للأخرى التي لا يعيرها انتباه 
"هلا تركتنا على انفراد لو سمحتِ ؟ فأنا اريد التكلم مع زوجتي حديث خاص بيننا"
ارتفع حاجبيها بخفة وهي تتابع مسار نظره هامسة بابتسامة جانبية
"هل تكلمني انا ام شقيقتي ؟ لأنك لم تنظر لي وانت تكلمنا !"
عبست ملامحه وهو ينقل نظره نحوها بضيق قائلا بقتامة
"اكلمكِ انتِ بالطبع ، وهل هناك طفيلية اخرى موجودة بالغرفة غيركِ ؟ انا حتى لا استطيع مقابلة زوجتي والحديث معها بدونك !"
نقلت نظرها بينه وبين شقيقتها وهي تهمس بابتسامة خبيثة بتلاعب
"وما لمناسبة الآن ؟ هل تريدان بث اشواقكما بعد تلك الفترة الطويلة من الهجران ؟ وانا بوجودي اعطل عليكما تلك المهمة"
خرجت صرخة من كليهما بآن واحد بتضامن
"وقحة !"
نظر كل منهما للآخر بصدمة اختلت من كل الاسلحة والحروب وكأنهما يكتشفان بعضهما من جديد ، لتقاطع الاتصال بينهما التي قالت بضحكة ساخرة
"يا لها من مفاجئة ! لقد استطعتما ان توافقا افكاركما وتتحدان بشيء واحد لأول مرة ، وكل الفضل يعود لي انا بالطبع"
ساد صمت للحظات بين ثلاثتهم قبل ان تقول التي انتشلت نظراتها بعيدا عنه بقوة وهي تكلم شقيقتها بصرامة
"يكفي تهريج يا ماسة ، فهذا الموضوع لا يقبل السخرية والضحك عليه ، وكما طلب منكِ احمد عليكِ بالخروج من هنا لكي نستطيع التكلم بأمورنا الخاصة التي لا يسمح لكِ بالتدخل بها"
نظرت لها بعبوس وهي تقول بتذمر  
"عن اي امور خاصة تتكلمين ! انا اعرف كل شيء عن حياتكما تقريبا ، وقد شهدت على امور كثيرة حصلت بينكما ، لذا ليس هناك شيء تستطيعان اخفائه عني او تسميته بالخصوصية"
كانت على وشك الكلام بحدة قبل ان يسبقها الذي اخذ الكلام عنها وهو يقول بجفاء
"لا تعاندي بهذا الموضوع يا ماسة ، فإذا كنتِ تتمتعين ببعض الذوق والحياء ستخرجين من الغرفة بلحظة بدون الدخول بجدال لا طائل منه ! فأنا اريد التكلم مع زوجتي فقط وليس مع زوجتي وشقيقتها !"
زمت شفتيها بعبوس وهي تنهض عن الكرسي لتجلس بجانب شقيقتها وتحتضن كتفيها بذراعها قائلة بلطافة مستفزة
"وانا وشقيقتي واحد ويمكنك توجيه الكلام لنا سويا ، فليس هناك اختلاف بيننا او اسرار نخفيها عن بعضنا ما عدا فرق السن بين ولادتنا ، وهذا شيء لا يأخذ بالحسبان ، لذا يمكنك البدء بحديثك بدون خجل والتكلم معنا بما تشاء"
اشاح (احمد) بوجهه جانبا وهو يتمتم ببؤس
"يا إلهي اعطيني الصبر مع هذه العلقة !"
تنهدت (روميساء) بهدوء وهي تمسك بيدها وتزيحها عن كتفها لتضمها بعدها بين كفيها قبل ان تهمس بابتسامة حانية
"اسمعي الكلام يا ماسة وافعلي كما نقول لكِ ، فنحن نحتاج للتكلم بيننا قليلا بأمور حياتنا الخاصة ، وعليكِ انتِ احترام هذه الخصوصية واعطائها مساحتها ، واعدكِ إذا حدث معي اي جديد سوف اطلعكِ عليه مباشرة ، حسنا ؟"
اومأت برأسها بابتسامة هادئة وهي ترفع اصبعها الخنصر هامسة بخفوت
"هذا وعد ، لا تنسي"
اتسعت ابتسامتها بدفء وهي تومئ برأسها هامسة برقة
"اعدكِ"
نهضت بعدها عن جوارها وهي تتقدم اتجاه الباب امام نظرات ذكورية حادة ، وما ان وقفت عند الباب حتى قالت بابتسامة جانبية بمكر  
"سأترككما عشر دقائق فقط ، إياكما والتمادي ونسيان انفسكما وبأنكما بمشفى عام ، ربما يدخل عليكما اي احد بأي وقت ، فقط احببت تحذيركما من باب الحيطة والآداب العامة....."
"ماسة !"
صرخ كليهما بنفس اللحظة على خروجها من الغرفة واغلاق الباب خلفها ، ليتنفس (احمد) بضيق وهو يحك رأسه قائلا بخفوت مستاء   
"يا لها من فتاة لحوحة ، هل هي هكذا دوما ؟"
طافت ابتسامة على محياها وهي تهمس بخفوت شارد
"انها طريقتها الخاصة بإظهار الحب والاهتمام للطرف الآخر ، فهي ذات قلب مزاجي يسير حسب شعور صاحبته لتتحكم بتقلبات كل من حولها"
حرك رأسه بعيدا حتى سادت اجواء من الصمت التام بينهما لا يتخللها اي صوت وكأنهما حديثي التعارف ، ليخفض نظره بهدوء وهو يقول بسؤال روتيني يبدد سحابة الصمت عنهما  
"كيف حالكِ اليوم ؟ هل تشعرين بنفسكِ افضل ؟"
اومأت برأسها بهدوء وهي تضم يديها بحجرها هامسة بوهن  
"اجل افضل بكثير ، لقد خف الألم عن السابق ولم يعد هناك ما يدعي القلق"
تنفس (احمد) بارتياح وهو يتمتم بخفوت متعب
"الحمد لله"
رفعت رأسها بهدوء وهي تقول بتفكير عملي
"لقد كنت مختفي منذ الصباح ، هل كان لديك اعمال خارج المشفى ؟"
حدق بها بتفكير لوهلة قبل ان يقول بابتسامة جادة
"كلا لم اخرج من المشفى اليوم ، فقد كنت مشغول بالتكلم مع الطبيبة فتون عن حالتك وتطوراتها حتى سرقني الوقت معها"
اومأت برأسها بهدوء وهي تهمس بتفهم
"إذاً هكذا الامر"
غيم الصمت للحظات اخرى قبل ان يقطعه كليهما بذات اللحظة حتى خرج صوتيهما بتضامن
"اسمع......"
تلاقت العيون بينهما وصمت الكلام عن البوح بالضجيج الذي احتجز بداخلهما ، لتسحب عينيها الخضراوين بعيدا عن مركز الدائرة التي اهلكت حصون قلبها ، ليقول بعدها صاحب الابتسامة المرحة وهو يكبح مشاعره التي غدرت به
"لقد باتت جملنا متوافقة بشكل يثير الشك ، ما لذي يجري معنا يا ترى ؟"
عضت على طرف ابتسامتها الخائنة وهي تهمس بوجوم خافت
"كل هذا بسبب ماسة ، لقد اجادت التلاعب بنا بمهارة !"
تغضنت زاوية ابتسامته بشغف وهو يقول بسعادة حقيقية
"ولكنها احسنت عملا"
ابتلعت ريقها بارتباك تلجلج بحنجرتها وهي تهمس من فورها بجدية
"لقد كنت على وشك الكلام بشيء قبل ان اقاطعك ، هيا تابع كلامك انا اسمعك"
حدق بها لبرهة وهو يتقدم عدة خطوات يقطع المسافة بينهما بحذر وبطء شديدين ، وما ان اصبح بالقرب من سريرها حتى قال بابتسامة ملتوية بحرارة
"اشتقت إليكِ"
التفتت برأسها بسرعة وهي تصطدم بنظراته الصريحة بمشاعر تدفقت بينهما بسخاء ، لتتنفس بعدها بابتسامة ناعمة وهي تهمس بتلقائية وكأنها تلقت العدوى منه
"وانا ايضا"
ارتفع حاجبيه ببطء مندهش وكأنه قد تلقى مفاجئة غير متوقعة قلبت موازين عقله ، ليقول بلحظة بخفوت مرتبك يتأكد مما سمعه للتو
"ماذا قلتِ الآن ؟"
ادارت مقلتيها بعيدا وهي تهمس بعدم اهتمام
"لم اقل شيئاً"
دار حول السرير بلمح البصر حتى بات يقف امامها وهو يميل برأسه نحوها قائلا بعبث
"لقد سمعتكِ جيدا ، قلتِ انا ايضا اشتقت لك ، وهذا يعني بأنكِ مشتاقة لي ! هل انا مخطئ ؟"
اشاحت بوجهها للجهة الاخرى وهي تقول بإيباء  
"لا اعلم عن ماذا تتكلم ! يبدو بأنك من كثر اشتياقك لي اصبحت تتوهم بأنني ابادلك الاشتياق ايضا"
امسك بذقنها بقوة وهو يدير وجهها نحوه ليلفح ملامحها بأنفاسه وهو يهمس بخفوت واثق
"لماذا تهربين بعينيكِ مني إذا كنتِ تقولين الحقيقة ؟ أليس لديكِ الجرأة على مواجهتي مباشرة !"
حادت بعينيها جانبا وهي تهمس بابتسامة شاحبة  
"الامر ليس له علاقة بقول الحقيقة امامك ، ولكن مشاعري اتجاهك هي ما تخيفني بالسيطرة عليها !"
جلس على طرف السرير وهو يفلت ذقنها ليتجول بظهر اصابعه على جانب وجهها ، ليهمس بعدها بصوت اجش ساحر
"لا تقيديها ، ولا تسيطري عليها ، اتركيها تقودك بسلاسة وحرية ، واتركي مشاعرك هي ما تتحكم بكِ باتخاذ طرق حياتنا ، فأسوء شيء من الممكن ان يؤذي نفسكِ ويعذبها هو التعرض للكبت والضغط اكثر من اللازم وتتجاوز حدود قدرتك !"
نظرت له بعينين واسعتين تتلاحق المشاعر فوقهما بغزو قبل ان تمسك بيده وتبعدها عن وجهها ، لتقول بعدها بخفوت جاد تغير مجرى الحديث
"لقد كنت اريد سؤالك عن شيء ، عندما كنا بالمحكمة اخبرتني بموضوع حمل وما شابه ! هل كنت جاد بكلامك ؟ ام قلت ذاك الكلام لتثيرني فقط وتجعلني اخرج معك ؟"
اخفض يده وهو يرجع بجلوسه قليلا قبل ان يقول بهدوء عميق جذب انتباهها 
"بالنسبة لهذا الموضوع فقد جئت إليكِ للتحدث عنه ، وهذا هو ما كنا نتناقش به مع الطبيبة قبل قليل...."
قاطعته بسرعة وهي تنظر له بصدمة تجاوزت حدود افكارها   
"يعني هذا صحيح ! هل هناك حمل ؟ هل انا من المعقول ان اكون حامل ؟"
امسك بكتفيها بهدوء يحاول احتواء صدمتها وهو يقول بابتسامة قوية مشحونة بكل عواطفه
"لم اكن متأكدا بالبداية عندما اخبرتك اول مرة ، فقد اخبرتني الطبيبة بأن هناك احتمال غير مؤكد بوجود حمل ، والآن بعد ان اجريت الفحوصات لكِ تبين بالكشوفات بأنكِ حامل منذ اسبوع مع تفاقم مرض الزائدة عندكِ ، يعني الحمل هو ما كان يزيد حالة زائدتك سوءً ويعكس عليكِ بالسلب بسبب تأثير بعضهما على الآخر ، لقد كدتِ تقتلين نفسكِ والجنين معكِ بسبب تأجيل موعد عمليتك !"
فغرت شفتيها بذهول شديد وهي تغطي خدها بأناملها المرتجفة هامسة بلوعة
"لقد ارتكبت خطأ فادح بتعريض حياتي للخطر ! لقد كنت على وشك خسارته من جديد بدون ان اعي ذلك ، لقد كان يتنفس بداخلي ويعاني بدون ان اعرف ، كم كان سيعاني بسببي ! كم كان سيعيش هكذا بسببي ! يبدو بأنني لا استحق ان احمل لقب ام بحياتي ، فأنا قد خسرت ذلك اللقب من قبل فلماذا قد احمله الآن ؟"
ضيق حدقتيه بجمود وهو يمسك بيدها على خدها ليقربها من شفتيه ويقبلها بعمق ليقول بعدها بخفوت واثق   
"انتِ هي افضل من تستحق ذلك اللقب ، وانا واثق من ذلك بقدر ثقتي بكِ ، وهذه هبة من الله تعويض عن الطفل الذي لم نرزق به ، لذا كل ما عليكِ فعله هو ان تحبي هذه النعمة وتحميها بكل قوتك لتكون ثمرة حبنا الجديدة التي ستخرج من شجرة النخيل الخاصة بنا ، واملي بكِ ان تعطينا اهميتك وحبك وتحافظي على حياتكِ من اجلنا يا سبب وجودنا بهذا الكون"
اعتلت غلالة الامطار غابات عينيها وهي تهمس بابتسامة رقت بعطف
"هذا يعني بأنه لدي فرصة بعيش الامومة الحقيقية ! لدي فرصة لاكتساب خبرة بالتعرف على الامومة ! سأستطيع تعلم كل شيء عنها ، سأمارس حقوق امومتي عليها ، سأكون ام من جديد ترعى ثمرتها وتسقيها حتى تكبر وتنمو وتعيش"
ابتلع ريقه بعذاب وهو يضم يدها بين قبضتيه ليقول بعدها بخفوت مجهد استغرق وقتا طويلا بنطقها
"انا اعتذر يا روميساء"
طرفت بعينيها بتشوش وهي تهمس بخفوت متحشرج
"على ماذا تعتذر ؟"
تحسس ظاهر يدها بإبهامه بلطف وهو يهمس بخفوت لائم 
"اعتذر على كل شيء ، اعتذر لأنني استخدمت حجة طفلك وسيلة بالوصول لكِ ، اعتذر لأنني وضعته شرط باستعادة مكانتي عندك ، اعتذر لأنني آلمتكِ طيلة فترة انفصالنا ، ولم اتوانى عن جرحك وإرهابك بكل فرصة كانت تسنح لي ، اعتذر على انتقامي على خذلاني على كسرك وعلى شيء سبب جرح عميق بداخلك ، لقد كنت همجي ومندفع وغير مراعي لمشاعر احد ، وخاصة مشاعر الفتاة الاغلى على قلبي ، وبالنهاية لم استطع ملاحظة كمية الألم والمعاناة التي تمرين بها ! لم استطع رؤية كل ذلك الوهن والذبول بكِ حتى اضحيتِ فتاة ضعيفة كدت تموتين بين يدي فقط من اجل امتلاكك من جديد ! وليس بمقدوري ان افعل سوى الاعتذار منكِ"
ابتلعت ريقها تخنق غصتها الحارقة بقلبها وهي تستل يدها من بين قبضتيه ، لتحيط بها جانب وجهه الخشن وهي تهمس بخفوت حزين  
"انا اعتذر منك ايضا ، اعتذر لأنني اهملت طفلنا من اجل تحقيق غايتي ، اعتذر لأنني فكرت بالانتقام على حساب حياة طفلي ، اعتذر لأنني اهملت كليكما من اجل الوصول لأهدافي الشخصية ، لقد كان كل مناي هو الاستقلال عن الجميع ونبذ الألم والحب بعيدا ، ولكن قدري بالحياة هو ان اعيش معكما واتألم بقربكما وارعى هذه الاسرة والتي لن تكتمل بدون نشر بذوري وسقايتي لها !"
تغضنت زوايا حدقتيه بعاصفة من المشاعر وهو يمسك بيدها على خده وينحرف بشفتيه ليقبل باطنها بشغف ، ليدنو برأسه بالقرب من وجهها على بعد إنشات وهو يقبل جبينها بقوة ليهمس فوقه براحة  
"شكرا على منحي العيش بهذه السعادة مجددا ، اشعر بالارتياح الآن"
ابتسمت بحياء غزى محياها باحمرار احيى مشاعرها وهي تمسح وجنتها بأناملها هامسة بخفوت ممتعض  
"توقف عن العبث يا احمد ، قد تأتي ماسة بأي لحظة وتتهمنا باختراق الآداب العامة والحياء ، فهي عند المواقف الجدية تصبح مزعجة"
انخفض عن جبينها وهو يمرر شفتيه على ملامحها البيضاء الهشة حتى استقر انفه بأنفها وجبينه على جبينها ، ليهمس بعدها بخفوت اجش عذب يفيض بالمشاعر
"لا يهمني كل ما تفعل تلك العلقة ، فأنا لن اتوقف عن اغتنام هذه السعادة ، وخاصة بعد ان وصلنا لهذه المرحلة من الاشتياق والتوق !"
التوت ابتسامتها بسعادة غامرة وهي تمسك ذقنه وتتلمس شعيراته الشوكية بأصابعها هامسة بتزمت محبب
"يبدو بأنك لم تتعلم درسك بعد ايها المشاكس الصغير !"
زفر انفاسه الساخنة وهو يرفقها بضحكة صغيرة قبل ان يهديها قبلة مداعبة على زاوية شفتيها وهو يهمس من بينها بافتراس خشن
"معلمة متزمتة !"
_______________________________
كانت تسير بالممر وهي تحدق بالهاتف بيدها قبل ان تتوقف على بعد خطوات ما ان كادت تصطدم بباقة ازهار ضخمة ، لترفع رأسها بملامح باردة وهي تقابل الرجل صاحب باقة الازهار ، لتخفض بعدها الهاتف ما ان بادر الرجل بالكلام قائلا بلباقة
"اعتذر على الإزعاج ، ولكني ابحث عن غرفة روميساء الفاروق ؟ هل تعرفين اين هي ؟"
ارتفع حاجب واحد بتأمل وهي تتجول بنظرها على هيئة الرجل المتأنق شديد الرتابة بدون اي علامات تدل على انتمائه لطبقة الثراء الفاحش ، مجرد رجل بسيط ومهذب من النوع الذي تقابله بالشركات الصغيرة ومهنات قسم الاعمال ، وهو يذكرها قليلا بالماضي البعيد المنسي وكأنه يحمل تجسيد ضئيل من ذاك الماضي .
قالت (ماسة) بجمود وهي تمسك خصرها بيدها الحرة
"اجل اعرف مكانها ، ولكن عليّ اولاً ان اعرف هوية الواقف امامي !"
تجمدت ملامحه وهو يخفض باقة الازهار جانبا قائلا بتفكير بديهي
"انتِ شقيقتها الصغرى والوحيدة ! صحيح ؟"
تغضن جبينها بارتياب وهي تشعر بنفسها تقابل شخص تعرفه بطريقة غير مباشرة ، لترفع ذقنها بإيباء وهي تقول بخفوت متصلب 
"بلى شقيقتها الوحيدة والتي لن تسمح لك بالمرور قبل ان تعرف عن هويتك"
اومأ برأسه بابتسامة جانبية وهو يقول باتزان  
"ما تزالين شرسة كما عهدناكِ ، لم تتغيري عن الماضي سوى بأنكِ قلمتي مخالبك !"
زمت (ماسة) شفتيها بعبوس وهي تهمس بخفوت مستاء
"هل اعرفك ؟"
ردّ عليها مباشرة بابتسامة واثقة
"انا يوسف مسعود ، ووالد الطالب الذي تهتم روميساء بتدريسه بفصلها ، ونحن نكون على معرفة قديمة ببعضنا"
اتسعت حدقتيها بدهشة غزت محياها وهي تسترجع ذكرياتها وكل الاحاديث التي دارت بينها وبين شقيقتها عن هذا الرجل ، واهم نقطة بأنه عاش بذلك الماضي التعيس الذي يخصهما وكان رفيق جيد لشقيقتها منذ بدأت مجال العمل بمراهقتها ، لترفع اصبعها السبابة نحوه وهي تقول بابتسامة ملتوية   
"انت الرجل الذي عرض عليها الزواج مؤخرا !"
ارتبكت ملامحه وكأنها ضربته بنيزك ملتهب على رأسه شوشت افكاره ، وعندما لم يستطع الإتيان بأي كلام سبقته التي رفعت يديها الاثنتين قائلة ببراءة
"لا تقلق يا سيد يوسف ، فلم تخبر احد غيري بعرض الزواج"
تنفس (يوسف) الصعداء وهو ينظر لها مباشرة قائلا ببعض الضيق
"إذاً هل تستطيعين إرشادي لمكان الغرفة ؟"
اومأت برأسها بهدوء وهي تلوح بذراعها بطريقه قائلة بتهذيب
"اجل تفضل ، انا اساسا كنت افكر بالذهاب لغرفتها لذا يمكنني مرافقتك لها"
حرك رأسه بتعجب وهو يقول بابتسامة هادئة
"لقد كنتِ تسيرين بالطريق المعاكس لها ، وهذا يعني بأنكِ كنتِ خارجة....."
قاطعته (ماسة) وهي تلوح بذراعها بإصرار اكبر
"تفضل بالتقدم يا سيد يوسف"
اومأ برأسه وهو يتقدم عليها بالفعل بخطوات متزنة ، لتدير رأسها نحوه وهي تهمس بابتسامة متسلية
"ليس لي علاقة ، هو الذي جاء لزيارتها ، واحضر نفسه لعرين الاسد !"
وصلت به للغرفة وهي تطرق على بابها عدة طرقات قوية لتعطيهما فرصة بالاستعداد ، لتفتحه بعدها بلحظات على اتساعه وهي تلوح بيدها قائلة بابتسامة متملقة  
"لقد عدت إليكما ، واحضرت لكما ضيف مهم معي جاء للاطمئنان على سلامة المريضة"
نظرا لبعضهما باستغراب لوهلة قبل ان ينقلا نظرهما للتي لوحت بيدها للواقف خلفها قائلة بترحيب
"تفضل بالدخول يا سيد يوسف"
وقف (احمد) على طوله وهو يراقب الذي دخل من الباب بعد ان رحبت به بحفاوة وكأنه فرد من العائلة ، لتتجمد عينيه القاتمتين بتركيز ما ان وقعتا على باقة الازهار الضخمة بين ذراعيه والتي يقسم بأن يضعها فوق جنازته ، وما ان اصبح بداخل الغرفة حتى تحرك الذي استبد به الغضب وهو يهمس بضراوة
"كيف تجرؤ على المجيئ ؟......"
اوقفته التي امسكت بيده بتشبث وهي تشدد عليها هامسة بخفوت وجل
"إياك يا احمد ان تنفعل ، إياك وفعل شيء متهور نندم عليه كلينا ! نحن بالمشفى الآن ! رجاءً"
هدئت ملامحه قليلا وهو يتراجع خطوتين ويتخذ مكانه بجانبها بدون ان يفلت يدها ، لتتدخل بعدها (ماسة) وهي تحاول تلطيف الاجواء المشحونة هامسة بمرح وكأنها تضيف البنزين على النار  
"ما بكِ يا روميساء ؟ ألا تريدين ان ترحبي بصديقنا القديم ؟ وجارنا بنفس الحارة القديمة ، لقد كان صديق جيد لنا بطفولتنا ، وقلة جدا همّ الذين كانوا مثله بعالم يسوده الجشع والظلم ، ولولا وجوده بجانبك بذلك الوقت العصيب لما كانت حياتك ستكون بهذه السهولة والسلاسة !"
ابتلعت (روميساء) ريقها بصعوبة وهي ترمق الواقف بجانبها بطرف عينيها والذي يوشك على الانقضاض عليهم جميعا ، لتتابع (ماسة) كلامها بدون ان تكتفي وهي تلوح بيدها للرجل الساكن بجانبها قائلة بجدية
"لماذا وقفت بدون حراك هكذا يا سيد يوسف ؟ ألم تأتي لزيارة روميساء المريضة ؟ لا تخف وتكلم براحة منطلقة فلن يتجرأ احد على اذيتك ما دمت بمأمن معنا"
اخفضت نظرها وهي تمسح العرق عن جبينها بكفها هامسة ببؤس
"ستلقين عقابا عسيرا يا ماسة !"
تنحنح (يوسف) بصوته وهو يقول بابتسامة رسمية  
"كيف حالكِ الآن يا معلمة روميساء ؟ لقد سمعت من إدارة المدرسة بأنكِ قد خضعت لعملية جراحية باستئصال الزائدة ، حمد لله على سلامتك"
رفعت رأسها نحوه وهي تهمس بابتسامة لبقة بمودة
"شكرا لك على السؤال يا سيد يوسف ، وانا الآن قد اصبحت بأفضل حال والحمد لله ، فقط سأمكث بالمشفى بضعة ايام حتى اتماثل للشفاء"
تدخلت (ماسة) بينهما وهي تقول باستنكار مصطنع
"لماذا تتكلمان برسمية هكذا ؟ وما معنى لقب معلمة هذه ؟ ألستما صديقين مقربين على معرفة من بعضكما منذ سنوات طويلة ! تتصرفان وكأنه لا معرفة بينكما مثل الغرباء"
ساد صمت مشحون بكل انواع المشاعر السلبية التي تكاد تحرق المكان ومن فيه ، لتقول بسرعة التي اخذت زمام السيطرة وهي تقول لشقيقتها بحزم جاد
"ماسة كفي عن الثرثرة وتعالي بجانبي هنا ، فأنا احتاج إليكِ بقربي"
اومأت برأسها بأدب وهي تقترب منها بطاعة وتجلس على الكرسي بجوارها ، لتوجه كلامها هذه المرة للضيف وهي تقول بابتسامة هادئة يشوبها بعض التوتر
"كيف حالك انت يا يوسف...اقصد سيد يوسف ؟ هل كل امورك على ما يرام ؟ طمئنني عنك وعن ابنك الصغير سامي !"
اتسعت ابتسامته بعطف وهو يقول بهدوء جاد
"كل شيء بخير والحمد لله ، واما سامي تعرفينه جيدا فأنتِ تقابلينه كل يوم بالمدرسة وتعرفين عن اخباره اكثر مني ، حتى انني كنت افكر بإحضاره معي لزيارتك ، ولكنني خفت ان يكون فقط عبء عليكِ ويسبب الازعاج للمرضى الآخرين بالمشفى !"
اتسعت ابتسامتها بحنان حتى تغضنت زوايا حدقتيها الخضراوين وهي تقول بمحبة 
"ولكنه قد اصبح فتى كبير وعاقل ، وعليك ان تبدأ بمعاملته على هذا الاساس ، لكي يستطيع ان يرى نفسه شخص كبير وناضج ويعتمد عليه وليكون قادر على إدارة زمام حياته بنفسه ، وانا واثقة بأنه سيكون لديه مستقبل زاهر امامه"
شردت ملامحه بهدوء وهو يقول بقوة
"سأفعل كل ما يلزم من اجله يا معلمة روميساء ، وانا على ثقة بأن مستقبله سيكون حافل بالنجاح ما دامت هناك مربية مثلكِ تهتم بأصول تنميته وتدريسه بأفضل الطرق ، لذا شكرا جزيلا لكِ على الإشراف برعاية ابني"
اخفضت نظرها بحياء وهي تهمس بابتسامة طفيفة
"على الرحب والسعة ، هذا واجبي كدوري معلمة له"
قال الفرد الصامت بالغرفة لأول مرة بنبرة جليدية  
"شكرا لك على السؤال عن زوجتي وزيارتها للاطمئنان على صحتها ، ولا تقلق على ابنك فهي تعمل على رعايته وتدريسه كما ينبغي لأنه طالب بفصلها كباقي تلاميذها ، فهي مثابرة جدا بمهنتها ومتفانية بتأديتها"
ردّ عليه بابتسامة هادئة قائلا باتزان
"تشرفت برؤيتك يا سيد احمد ، وسعيد بهذه الصدفة التي جمعتنا معا بهذا اليوم ، فأنا قد اتخذت قراري بزيارتها من باب الواجب واللباقة وخاصة بأنها قد فعلتها من قبل وقامت بزيارتي عند تعرضي لحادث سير قبل حوالي خمس شهور"
ارتجفت اطرافها ما ان شعرت بيده على وشك كسر مفاصل يدها وهو يهمس بخفوت ثائر  
"وانا اسعد بهذه الزيارة"
قال (يوسف) بعدها بابتسامة هادئة وهو يمد لها باقة الازهار
"هذه هدية بسيطة من اجل خروجكِ بالسلامة ، اتمنى ان تعجبكِ هذه الباقة فقد اشتريتها لكِ بطريقي إليكِ"
نظرت له بملامح شاحبة وهي تهمس بخفوت متوتر
"شكرا لك ، لم يكن هناك داعي....."
قاطعها (احمد) بتجهم وهو ينظر له بنية واضحة بالقتل
"نحن لا نستلم هدايا من احد"
امتقعت ملامحها وهي تخفض نظرها بخزي من سوء الموقف الذي تتعرض له ، لتنهض (ماسة) عن الكرسي بحماس وهي تقترب نحو صاحب الباقة لتتلقاها منه وهي تقول بمودة بالغة
"اما انا فلا امانع من استلامها بدلا عن شقيقتي ، فأنا احب كثيرا الحصول على باقات الازهار ، واحب اكثر هذا النوع من الازهار ، شكرا جزيلا لك على هذه الهدية ، لقد اعجبتني كثيرا !"
تصلبت طرف ابتسامته وهو يقول بهدوء عملي  
"إذاً هنيئاً لكِ بهذه الهدية"
غطت جبينها بكفها وهي تتنهد بإرهاق حقيقي مما تتعرض له من مصائب متتالية ، بينما كان (احمد) بجانبها يقول بخفوت حاد يحاول حجم نيرانه الداخلية
"كان الله بعون شقيقي ، بعد ان تورط قلبه مع هذه البلوة !"
زفر انفاسه بكبت وهو يقول مباشرة بصوت جهوري بنبرة امر
"إذا كنت قد انتهيت من الزيارة يا سيد يوسف ، فأنا اريد التكلم معك على انفراد بالخارج ، وهذا من بعد إذنك"
نقل نظره نحوه وهو يقول بابتسامة جانبية بمهنية  
"وانا لا امانع الكلام معك ، وسيكون من دواعي سروري تبادل اطراف الحديث بيننا"
اومأ برأسه بهدوء وهو يشير بذراعه نحو الباب قائلا برسمية
"إذاً تفضل بالخروج"
ادار نظره نحو الجالسة فوق الفراش تنقل نظرها بينهما بصدمة وهو يقول لها بمودة
"حمد لله على سلامتكِ يا معلمة روميساء ، واتمنى لكِ دوام الصحة والعافية"
استدار بعدها بلحظة وهو يغادر خارج الغرفة ، وما ان كان الآخر على وشك اللحاق به حتى شددت على يده بقوة وهي تقول بهلع خافت  
"إلى اين يا احمد ؟ ما لذي تنوي على فعله ؟ ولماذا تريد الحديث مع السيد يوسف ؟ ما لذي تريده من الرجل ؟"
نظر لها بجمود وهو ينزع يده من يدها بقوة قائلا بصرامة قاسية
"سأتحدث معه فقط على انفراد بيننا ، ولن يحدث هناك ما يسيء لكِ او يفسد سمعتك امامه ، لذا خافي على نفسكِ وليس عليه !"
بهتت ملامحها وهي تقول من فورها بانفعال
"ما هذا الكلام ؟ ما لذي تقصده ؟......"
قاطعها بسرعة بجفاء وهو يدور حول السرير ويغادر من الغرفة
"عشر دقائق واعود إليكِ ، انتبهي على نفسكِ حتى عودتي ، ولا يحاول احد اللحاق بي"
تابعه زوجين من العيون الحاذقة حتى اختفائه وكل الاسئلة والافكار تدور من حولهما وأهمها هو موضوع الحوار الذي سيدور بينهما والذي قد يشعل حرب اهلية بالمكان .
_______________________________
وقف برواق المشفى عند المدخل وهو يستدير امام الذي اصبح يقف مقابلا له ، ليرسم بعدها ابتسامة باردة وهو يفرد ذراعه من حوله قائلا برسمية
"ها قد اصبحنا بمفردنا الآن ، عن ماذا كنت تريد الحديث معي ؟"
اعتلت ملامحه طبقة جليد قاسية وهو يقول بنبرة حجرية
"ما لذي جاء بك إلى هنا ؟"
ارتفع حاجبيه بهدوء وهو يقول بعملية جادة  
"تعرف جيدا سبب زيارتي ، لقد جئت للاطمئنان على المريضة التي تمكث بالمشفى ، وبشكل ما كان هناك واجب تحتم عليّ تأديته نحوها"
تغضن جبينه بضيق وهو يدس يديه بجيبي بنطاله يقبض عليهما بقوة قبل ان يقول بتسلط  
"جيد ، ولكني لم اعرف ما هي القرابة التي تجمع بينكما وتسمح لك بزيارتها شخصيا ؟ بدون ذكر موضوع اهتمام روميساء بتدريس ابنك بحدود عملها كمعلمة له ! لذا هلا وضحت لي هذه النقطة ؟"
انحرفت زاوية ابتسامته وهو يقول ببرود
"هل هذه غيرة مني ؟ ام انك لا تملك الثقة الكافية بزوجتك ؟ واعتقد بأننا قد تجاوزنا هذه النقطة بعد كل ما حصل بحادثة زوجتك الاولى...."
قاطعه من فوره بتصلب نحت ملامحه من فولاذ
"هذه القصة انتهت ، ولا اريد سماع المزيد من الكلام عن تلك القصة ، وسبب طرحي لهذا السؤال هو حقي باستجواب كل من يخص حياة زوجتي وله علاقة بها سواء من قريب او بعيد"
اومأ برأسه ببطء وهو يقول بهدوء واثق يجيب على سؤاله السابق
"حسنا فهمت ، انا كما تعرف اعرف روميساء منذ مراهقتها ، وقد كانت تعتبر مثل فرد من عائلتي وشخص مسؤول عن الاهتمام به وحمايته ، وخاصة بأنها عملت بمتجر العائلة لفترة طويلة كونت صداقة وعلاقة قوية بيننا ، وعلى هذا الاساس هي اصبحت بمثابة صديقة طفولة ما ازال اهتم بأمرها واقلق عليها ، لذا فكرت اليوم بالمجيئ لزيارتها والاطمئنان على صحتها بما اننا على معرفة قوية ببعضنا ، هذا هو بالتحديد ما يربط بيني وبين زوجتك"
تجمدت ملامحه بسكون وهو يخفض نظره قائلا بشبح ابتسامة ساخرة  
"هذا اكثر مما توقعت !"
عقد حاجبيه بارتياب وهو يقول بهدوء جاف
"ماذا تقصد ؟"
ردّ عليه من فوره باستبداد
"ليس من شأنك"
حرك عينيه جانبا وهو يقول بابتسامة غامضة
"ماذا حدث بقضية طلاقكما ؟"
رفع رأسه بملامح جامدة وهو يقول بتسلط 
"ألتزم بحدودك افضل لك"
اومأ برأسه بصمت بدون ان يعلق على كلامه الاخير ، ليقول بعدها مباشرة بدون ادنى تردد  
"هل تكّن المشاعر لها ؟"
ابتلع ريقه بجمود من السؤال المباشر والغير متوقع ليقول بعدها بابتسامة متزنة
"وهل جوابي الآن سيكون له تأثير على علاقتكما ؟ هل من الممكن ان يلعب باتزان علاقتكما الحالية ؟ بالرغم من انها ليست متزنة تماما بعد كل ما حل بها افسد اساسها !"
شدد من قبضتيه بجيبي بنطاله وهو يقول بانفعال مكتوم  
"هذا ليس من شأنك حتى تقلق من اجله ، بالإضافة بأنه ليس أياً كان يستطيع التلاعب باتزان او ثبات علاقتنا ، ربما تمر ببعض الانكسارات والتصدعات ولكنها سرعان ما تعود شامخة قوية بطبيعة الحال لأنها خلقت هكذا مرنة ومتقلبة ، وانت ليس عليك اتعاب نفسك بالتفكير بها ، ويمكنك الإجابة على السؤال بكل صدق وحرية بدون اي مراوغة او تحايل"
زفر (يوسف) انفاسه بهدوء وهو يشرد بنظراته بعيدا قائلا بابتسامة صادقة
"انا اكّن لها المشاعر بصدق ، ولكن ليس حب حديث العهد بل حب عمره سنوات طويلة ، لقد وقعت بحبها منذ ذلك الحين ، عندما كانت تحت رقابتي وحمايتي وامام عيناي ، وهل هناك احد لم يستطع الوقوع بحبها ؟ لقد كانت فتاة معطاءة بطبيعتها ومحبوبة بقلبها ، لقد كانت تدخل بالمشاكل وتقحم نفسها بالمصائب لكي تحمي فقط اطفال الحي وهي نفسها تريد من يحميها ! لقد شعرت دائما بحاجتها لحماية من حولها وشخص كبير يرعاها وهي ورقة وحيدة بمهب الريح ، ولكنني مع كل ذلك اعترف بأنها كانت اقوى بكثير مما تظهر ، كانت محاربة بمعنى الكلمة ولا تيأس مهما يواجهها من صعاب وعوائق ، فهي كانت ترعى نفسها وشقيقتها الصغرى وتدير شؤون حياتها العملية والدراسية وكلها بآن واحد ! كيف بعد كل هذا لا يحبها الانسان ؟ لقد كانت التجربة الأولى لي بالحب ، ولم تعاد بعدها ابدا !"
كان (احمد) يحدق به بجحود وكأن اجهزته الحسية قد تعطلت بالكامل وهو يسمع منه هذا الغزل عن زوجته الذي يفوق المعقول والمنطق ، ليشيح بنظراته جانبا وهو يتمتم باشتعال جمرة سكنت فؤاده
"لقد كنت اعرف ، وتمنيت حدوث العكس ، سحقا لذلك !"
تنفس باتزان يستعيد ضبط نفسه وهو يعود بالنظر له ليقول بعدها بهدوء يحسد عليه
"ولماذا لم تعترف لها بحبك عندما كانت لديك الفرصة ؟ ام انك كنت تخاف من الرفض !"
حدق به بتمعن وهو يقول بابتسامة باهتة
"لم يكن لدي الجرأة الكافية لفعلها ، وخاصة بأنها كانت فتاة متحفظة ورسمية بعلاقاتها ومهنية جدا ، بالرغم من انها مراهقة صغيرة ولكنها ذات عقل راشد يفوق سنها يجعلها تميز بين الصواب والخطأ وتتقدم على جيلها بمراحل ! اعرف ذلك من رؤيتي لها ومراقبتها الطويلة عندما كانت تتصدى بقوة لكل الاولاد الذين يحاولون التودد لها والتقرب منها ، وتخيل صعوبة ذلك عليها عندما تكون فتاة وحيدة بين خمس صبيان بموقع عملها ! يتوجب عليها الحيطة دائما والاستعداد لتكون لهم بالمرصاد ، ولم تكن تتراخى بدفاعاتها ابدا وهي تلقن كل متجاوز درسه وحده وكأنها عاشت وولدت صارمة متزمتة !"
ارتسمت ابتسامة صغيرة على محياه ظهرت من العدم بدون مناسبة وهو يهمس بشغف هائم  
"اعلم ذلك جيدا ، فقد عشت ذلك كثيرا"
عاد بالنظر امامه ما ان تابع (يوسف) كلامه قائلا بخفوت منهزم  
"ولكن الخطأ ليس بالأشخاص بل بالتوقيت الصحيح ، فأنا لم اختر الوقت المناسب الذي اعترف به بالحب ، وتأخرت كثيرا عليه حتى ضاعت مني الفرصة وخسرت الحب ، وعلى كل حال فهذا ما يسمى قسمة ونصيب !"
غامت ملامحه بضبابية وهو يخفف من قبض يديه بجيبي بنطاله قبل ان يقول بابتسامة جانبية
"لقد كنت اغبطك ، اجل لقد كنت اشعر بالغبطة كثيرا ، والآن اصبحت اغبطك اكثر ، فأنت تعرف عن حياة روميساء القديمة اكثر مني ، بالرغم من انك رجل غريب عنها وانا اكون ابن خالها ! ولكنك كنت اقرب لها مني بتلك الاوقات العصيبة من حياتها والتي لم يكن المرور منها سهلا ، لقد انتابني شعور بتأنيب الضمير فترة طويلة بعد معرفتي بتفاصيل حياتها كاملة وعدم وجودي بقربها ، حتى تقاربك من ماسة تلك القطة الشرسة التي لا تلاطف احد كانت وكأنها تعرفك جيدا وتعاملك بتهذيب غريب ! وجودك بكل هذا القرب بعالمهما يغيظني كثيرا ويحبطني ، يشعرني وكأنني مهزوم ومقيد لا يحق لي التدخل بعد ان سلبت منهما العيش الهانئ وبعد ان تم استبعادهما من العائلة بأكملها وكأنهما منبوذتين ، لقد عانوا كل هذا بسببنا ! بسبب الجميع !"
اعتلت ملامحه ابتسامة هادئة وهو يتقدم منه خطوتين قائلا بجدية
"ولكن كما يبدو لي بأنك تحاول التعويض بقدر ما تستطيع ، فأنا ألاحظ جيدا السعادة والسكينة التي باتت موجودة بحياة روميساء غيرتها عن السابق ، فقد باتت تضحك وتبتسم ، باتت واثقة ومنطلقة ، تعبر عن مشاعرها ومكنوناتها ، صريحة وصادقة ، وهذا لم اراه موجود بها سوى بالفترة التي عدت للقائها بعد سنوات ! وسعدت حقا من اجلها لأنها وجدت طريق سعادتها اخيرا ، واتمنى من كل قلبي ان تكون هذه الطريق التي جاهدت للوصول لها وحصدت كل تعب السنين والشقاء"
ضاقت عيناه بجمود لبرهة قبل ان يقول بابتسامة شقت طريقها بامتنان  
"يبدو بأنك لست رجل بهذا السوء ! وانا مضطر لأكون ممتن لك على جعل حياة روميساء اكثر سهولة ووقوفك بجانبها بذلك الوقت عندما تخلى عنها الجميع ، فلا نعلم ما كان سيكون مصيرها لولا مساندتك لها ووجدك بقربها ! ولكن هذا لا يعني بأني سأبقى ممتن لك طيلة حياتي واتغاضى عن الامور الاخرى التي تحدث من حولي ، فأنا امتناني لك عن ماضيها شيء وحبك لها بالحاضر شيء آخر ، لذا احذر جيدا والتزم حدودك ومكانك من الآن وصاعدا لكي لا ينشب بيننا خلاف لن يخرج منه احد حي ، فهذه التي نتكلم عنها تكون زوجتي وحب حياتي والانسانة الاغلى على قلبي لذا الاقتراب منها سيكلف هذا الشخص الكثير ! لا تنسى ذلك يا سيد يوسف !"
ارتفعت طرف ابتسامته بتغضن وهو يمد يده له قائلا بلباقة وكأنه يرفع راية السلام
"سأتذكر كلامك جيدا يا سيد احمد ، وانت بالمقابل تذكر كلامي ايضا عليك بالحفاظ على هذه الجوهرة القيمة والتي لا تتواجد بأي مكان ولا تنشأ سوى ببيئة مناسبة ، وحمد لله على سلامة زوجتك مجددا"
ارخى يديه بلحظة وهو يطلق سراحهما من حجزهما بجيبي بنطاله ليصافحه بعدها بقوة قائلا بتملك
"شكرا لك على زيارتك ، لقد شرفتنا يا سيد يوسف"
اومأ برأسه وهو يسحب يده قائلا بابتسامة رسمية
"انا سأنسحب الآن من دائرة صداقتها ، فقد انتهت مهمة رعايتها وحمايتها منذ سنوات ، وقد انتقلت هذه المسؤولية لشخص آخر هو احق مني ، وداعا يا سيد احمد ، طاب يومك"
غادر بعدها امام عينيه وهو يخرج من باب المشفى الزجاجي وهو ما يزال يراقبه ، ليرفع بعدها رأسه عاليا وهو يهمهم بخفوت مستعر يفرض قيود ملكيته
"سأكون الشخص الاحق بها دوما"
_______________________________
كانت تنسق الازهار بداخل المزهرية بعناية وهي تقول بإعجاب بالغ
"يا لها من ازهار جميلة يافعة ، كانت تحتاج حوض وماء من اجل ان تظهر جمالها وتتألق بالمكان المناسب ، كيف امكنهم التفريط بكِ هكذا بدون اي رحمة او ضمير ؟"
تململت الجالسة فوق السرير بضيق وهي تقول بخفوت صارم تحاول ضبط اعصابها
"اتركي موضوع الازهار الآن ، وتعالي اجلسي مكانك"
اخفضت يديها عن الازهار وهي تستنشق رحيقها عن قرب لآخر مرة ، لتدور بعدها حول الكرسي وهي تقول بابتسامة جانبية بمغزى  
"ألا تعتقدين بأنهم قد تأخروا كثيرا بالخارج ؟ فقد مر اكثر من عشر دقائق على خروجهم وانفرادهم بأنفسهم بذلك الاجتماع السري ! وهذا لا ينبأ سوى على وجود خطب ما يحدث هناك !"
نظرت لها بملامح شاحبة وهي تهمس بخفوت متوجس بعد ان دبت الشك بقلبها
"هل يمكن ان يحدث هذا ؟ ولكني لا اعتقد بأنه قد مر عشر دقائق بالفعل ، الافضل ان نعطيهم وقت اطول من اجل الخصوصية"
عقدت حاجبيها بجمود وهي تمسك بظهر الكرسي قائلة بنبرة جادة بانفعال
"ألا تفهمين ما يجري يا روميساء ؟ الامر جاد بالفعل ولا يصمت عنه ! ماذا لو تطور الوضع بينهما ووصل لعواقب وخيمة ؟ انتِ ترسلين زوجك للرجل الذي ينافسه عليكِ وسبق وعرض عليكِ الزواج ! هل تتوقعين ان يسير هذا الامر بمرور الكرام بدون اي حوادث او نزاعات ؟ تذكري زوجك من النوع الغيور الذي يملك طبع سيء بمواجهة خصومه ، وخاصة بأنه قد ذهب وعلى وجهه علامات ارتكاب جريمة بعد ان  اشعلنا فتيله ! هل تتوقعين ما سيحدث بينهما الآن ؟ لن يذهب احد ضحية بهذه الحادثة سوى المسكين يوسف الذي جاء لزيارتك والاطمئنان عليكِ بنية طيبة !"
شخصت عينيها الخضراوين بصدمة وهي تقول بلحظة بانفعال حانق 
"ماسة كفي عن تهويل الموقف ، هل تظنين يمكنكِ اخافتي بهذه الطريقة والتلاعب بأعصابي ؟ توقفي عن صنع تسلية لكِ على حساب مشاعري ! لم يكن ينقصني الآن سوى ثرثرتك بهذا الوضع العصيب"
عضت على طرف شفتيها وهي تنحاز بنظرها لباب الغرفة هامسة ببراءة مفتعلة
"كنت اتكلم من اجل مصلحتك ، يعني تخيلي لو اصيب زوجك بنوبة من نوبات جنونه التي قد تقتل الرجل بدون اي ذرة تردد ما ان يعترف له الطرف الآخر عن عرض الزواج المقدم ! عندها ودعي ايام الهناء وراحة البال لأنكِ لن تري زوجك سوى خلف قضبان السجن ، وانظري لهذه الحالة التي وصلنا لها الزوجة طريحة الفراش بالمشفى والزوج ملقى خلف قضبان السجن بتهمة قتل مشروعة ! يبدو بأن البؤس والمعاناة ستبقى ترافقنا طيلة حياتنا"
تنفست (روميساء) بوهن وهي تمسح على صدرها هامسة بخفوت ملتاع
"سلام قولاً من رحب رحيم ، اعوذ بالله من شيطان افكارك !"
نظرت لها بسرعة وهي تميل على الكرسي بتشبث قائلة بابتسامة متحفزة  
"لم يفت الاوان بعد على التدخل ، يمكنني التقصي لكِ عن اخبارهما واستراق السمع عن موضوع حوارهما ، والبقاء على مقربة منهما بحال تطورت الاحداث واحتاج الامر لتدخل فرقة النجدة للفض بينهما ! لكي اضمن لكِ سلامة حياتك ومستقبلك من الضياع والتشتت وابقائك بمنطقة الامان....."
قاطعتها بسرعة وهي تصرخ بتحذير صارم
"إياكِ يا ماسة ، إياكِ والتدخل بهذا الامر ، اجلسي وابقي عاقلة'"
استقامت بمكانها وهي تحزم امرها هاتفة بخفوت شقي
"ومع ذلك اريد الذهاب ومراقبة الوضع هناك ، فلن ابقى ساكنة وهناك حروب تشن بالقرب....."
صرخت (روميساء) وهي تلوح بقبضتها نحوها بغضب مهدد
"عودي إلى هنا يا ماسة ، وألا اقسم بالله ان امنعكِ عن زيارتي واقاطعك سنة كاملة !"
تأففت بضيق وهي تجر خطواتها نحوها قبل ان تجلس بجوارها بكل ادب ، لتهمس بعدها بتبرم وهي تريح ذقنها فوق قبضتها
"كنت فقط سألقي نظرة صغيرة واعود ، ما لضرر لو فعلتها !"
ردت عليها من بين اسنانها بحدة وهي تمسد على بطنها بتشنج
"اصمتِ يا ماسة ، ولا تجادلي اكثر"
زمت شفتيها بغيظ وهي تشيح بوجهها بعيدا بصمت ، لتقول بعدها التي وجهت نحوها نظرات اتهامية بعتاب  
"وايضا انا لم احاسبك بعد على تلك التصرفات المستفزة التي اظهرتها امام احمد ! كيف يعني ان تدخلي ذاك الرجل الغريب بيننا وترحبي به وكأنه صديقك المقرب وتعرفينه منذ سنوات ؟ وتلك التلميحات والكلمات التي قلتها امامه وكأنكِ تعطين احمد الدافع المناسب لكي يقتل الرجل ويكون وجبة سهلة له ، هل تعمدتِ اثارة نوايا القتل بداخله ؟ ام كنتِ تخططين لأشياء اخرى ؟"
اعادت وجهها نحوها وهي تهمس بابتسامة ساذجة
"ألم يكن يوسف صديقنا منذ ايام الحارة القديمة ؟ ما لذي اخطأت بقوله ؟"
لوحت بأصبعها السبابة امامها وهي تقول بخفوت شرس
"لا تغيري صيغة السؤال واجيبِ على كلامي ، ماذا كان هدفك من تلك الحركات ؟"
حكت ذقنها بأصابعها وهي تهمس بتملق  
"هل بالغت بما فعلت ؟"
ردت عليها من فورها ببأس
"ماسة !"
ارجعت رأسها للخلف باستقامة وهي تلوح بيدها عاليا قائلة بعملية جادة  
"حسنا لقد امسكتِ بي متلبسة ، لقد فعلت هذا متعمدة ، ولكن بالطبع لم افعلها بدون سبب او بغرض التسلية ، بل فعلتها من اجل ان اثير غيرة الاحمق بجوارك لكي يعرف قيمتك ويقدرها اكثر قبل ان يفعلها غيره ويسرقها منه وتضيع منه الفرصة للأبد ، فأنا لا اريد منكِ العيش تعيسة طيلة حياتك بانتظار اعتذار من ذاك الجبل الجليدي الذي لا يعرف سوى النطح والضرب ! وإذا استمرت الحال هكذا فأنا سوف اجبره على الرضوخ لكِ والاعتراف بذنبه مهما كلفني الثمن لذلك !"
ارتسمت ابتسامة حالمة على محياها وهي تشرد بنظراتها بعيدا هامسة بخفوت مرح  
"يا إلهي من تفكيرك ! احيانا تخيفيني منكِ يا فتاة ! حتى احمد لم يسلم منكِ ! ولكني ارى بأنه لم يعد هناك داعي لفعل كل هذا واتعاب نفسكِ اكثر بالتفكير بأمرنا ، فنحن بالفعل قد حلينا كل المشاكل والعوائق بيننا وتساوينا بالمراتب والحياة حتى لم يعد هناك ما يشوب بعلاقتنا"
ارتفع حاجبيها ببطء مندهش وهي تضم يديها امام شفتيها هامسة بابتهاج حقيقي
"هل هذا يعني بأنه قد حدث كما اظن ؟ هل عدتما لبعضكما جدياً ؟ هل انتهت قصص الطلاق والمحاكم ؟"
اومأت (روميساء) برأسها ببعض الحياء وهي تهمس بخفوت واثق
"اجل هذا ما حدث ، لقد قررنا فتح صفحة جديدة بحياتنا ، وهذا اليوم سيعلن عن ولادة علاقة جديدة بيننا تطوي صفحة الحزن للأبد"
اخفضت يديها عن شفتيها وهي تمسك بكفها بقوة هامسة بتفكير خبيث   
"هل كل هذا حدث بالوقت الذي تركتكما به لوحدكما ؟ يبدو بأنكما حقا قد بثتما اشواقكما بشكل جميل جدا ! كم هذا شيء مثير للانبهار !"
ضحكت بمرح ما ان ضربتها على ركبتها وهي تهمس بامتعاض خافت حتى احمرت وجنتيها بفرط الحياء
"ما هذه الوقاحة ! لم تكوني هكذا يوما ! من اين تعلمتي كل هذا ؟"
غمزت بطرف عينها وهي تهمس بتلاعب
"لن اخبركِ بذلك"
تجمدت تقاسيمها وهي تنظر لها بعينين نافذتين بدون مواربة وكأنها عرفت الجواب مسبقا ، لتقول (ماسة) بسرعة بجدية تحول الحديث لمساره الأول
"إذاً اخبريني ما هو الشيء الذي كان السبب بالجمع بين قلوبكما ! هل هو غرض ثمين او دافع قوي جعلكما تفكران بعلاقتكما بجدية ؟ فلن يحدث هذا بدون وجود سبب حقيقي يقف وراءه ، ولست غبية حتى تخدعاني بهذه البساطة بحجة حبكما يكفي للجمع بينكما !"
تنهدت بهدوء وهي تضم يديها بحجرها قائلة بابتسامة طفيفة تغضنت بزواياها  
"انا حامل يا ماسة"
اتسعت حدقتيها الزرقاوين بموجة طافت على محياها مثل المد قبل ان تهمس بخفوت مرتجف
"حامل ! حامل حقا ! هل حدث بالفعل ؟"
اتسعت ابتسامتها بحنان وهي تحيط يديها بين كفيها هامسة بخفوت قوي تؤكد الامر
"اجل يا ماسة ، انا حامل ، لقد استطعت ان احمل مجددا"
انفرجت شفتيها باضطراب وهي تهمس بخفوت متحشرج وكأنها لا تستوعب حقيقة ما حدث
"ولكنكِ يا روميساء ، ولكنكِ كنتِ مريضة وخضعتِ لعملية جراحية بزائدتك ! كيف حدث هذا الحمل ؟ انا لا افهم كيف حدث بهذه الظروف ؟ ألا يكون هذا تهديد على حياتك !....."
قاطعتها بلحظة وهي تقول بخفوت حزين
"لقد ظهرت علامات الحمل مع ظهور مرض زائدتي ، يعني منذ ايام قليلة ، وقد كان من الضروري تقريب موعد عمليتي حفاظا على حياتي وحياة الطفل"
احنت حاجبيها الرقيقين بأسى وهي تهمس بعبوس
"كان من الممكن ان يتأذى احد منكما !"
اخفضت نظرها للأسفل وهي تهمس بتأنيب نفسي
"اجل لقد كدت انهي على وجوده"
ابتلعت ريقها بجمود وهي تستل كفيها من داخل يديها لتحيط هي بهما هامسة بابتسامة لطيفة  
"انا سعيدة جدا من اجلكِ يا روميساء ، لقد جاء التعويض الذي كنتِ تنتظرينه ، كنتِ تخافين دائما من احتمال وجود طفل بينكما يبقي على علاقتكما ، ولكن كما يقال عندما تصدق الكذبة بأنها حقيقة تصبح واقع امامك وتتحقق مثل الخيال ! لذا ليس هناك مهرب بعد الآن من قدرك المحتوم والذي سيكون بجانب احمد"
نظرت لها بعينين مشرقتين وهي تسحب يدها من بين كفيها لتقرص بها خدها هامسة بابتسامة عذبة   
"يا لكِ من طفلة شقية !"
كشرت ملامحها وهي تبعد يدها عن خدها هامسة بتذمر تعيد جملتها السابقة مع والد تلميذها
"لم اعد طفلة يا روميساء ، لقد كبرت الآن ، وعليكِ معاملتي على هذا الاساس"
اتسعت ابتسامتها حتى تغضنت زوايا حدقتيها وهي تخصها لها وحدها هامسة بعطف ملئ قلبها بالدفء
"حتى لو كبرتِ مئة عام للأمام ، فستبقين طفلة صغيرة بعينيّ وقلبي احتفظت بصورتهما منذ كنتِ بالمهد"
برقت مقلتيها الزرقاوين بغشاء زجاجي رقيق قبل ان تزحف تطالب قربها وهي تحتضنها بلطف لكي لا تضغط على جراح العملية ، لتطوق خصرها بذراعها وتمسح بيدها الاخرى على بطنها وهي تهمس بخفوت باسم
"اعدكِ ان اعتني بكِ وبالطفل هذه المرة جيدا ، ولن اهمل اي منكما ، فأنا سأعوضكِ عن كل مجهود بذلته بالتفكير بسعادتي والاهتمام بشؤوني على حساب نفسك ، فقد حان الوقت المناسب الذي اكون به الفتاة الناضجة الواعية التي تهتم بسعادة عائلتها وشؤونها الخاصة"
ضحكت بخفوت متعب وهي تعانقها كذلك وتمسح على رأسها بحنان هامسة بنفس الجملة القديمة التي كانت تطمئن بها قلوبهما الصغيرة من العيش بالخوف
"كل شيء سيكون بخير"
_______________________________
عقدت نهاية الضفيرة بشريطة ارجوانية جميلة اكملت صورة الاميرة بمخيلتها وكأنها مستوحاة من الروايات وقصص القرون القديمة....لتقيم شكلها بالمرآة بشمول من مقدمة رأسها التي تبدأ بعقد خصلاتها بضفيرة عسلية طويلة وتنتهي مرتاحة عند اعلى صدرها...لتنتقل لفستانها الارجواني الفاتح الذي يتدرج بطبقات من الشيفون الحريري ويتغير معها درجة اللون نزولا حتى كاحليها....بأكمام طويلة من الشيفون الرقيق تزينها بعض النجوم الصغيرة اللامعة لتعطي دفء وحنين يسكنه الاحلام...وهي بحد ذاتها عبارة عن حلم خيالي دافئ تجسد من المنام وثبت بعقول البشر لأجيال .
اتسعت عيناها الحالمتان بلون العسل الذائب الذي يتدفق بأوردتها ويذوب بالقلب ، وهي تحدق هذه المرة بتقاسيم وجهها الخالي من التبرج ما عدا ظلال ارجوانية فاتحة فوق جفنيها الواسعين ولون زهري بلمعة بسيطة على شفتيها الجميلتين ، لترتسم ابتسامة هيام وحب على محياها طافت مثل غمامة وردية بعالمها وتسربت للواقع وكأن حلم يقظتها المستحيل قد بدأ يتحقق .
رفعت يدها وهي تتلاعب بأصابعها بخصلة ذهبية طويلة خرجت من غرتها الناعمة وتمردت على عقدتها ، لتهمس بعدها بخفوت لطيف تحادث صورتها الجميلة
"هيا يا اميرتي الصغيرة ، اذهبي وحققي حلمك الذي طال انتظاره ، فقد حان الوقت لتتوجي نفسكِ اميرة هذه الحكاية"
عضت على طرف ابتسامتها وهي تدس الخصلة خلف اذنها هامسة بشرود حالم تسبح ببركة الخيال
"انا الآن سأكون الفراشة التي لا تملك من حياتها سوى اربع وعشرين ساعة ، لذا عليها ان تسرع بلحاق ساعاتها الاخيرة وتحقيق حلمها المستحيل قبل ان تفوتها الفرصة"
تنفست بقوة حتى ارتفع صدرها قليلا وهي تستعد هامسة بلهفة وترقب
"هيا حلقي يا فراشتي نحو تحقيق احلامك ما دام الطريق مفتوح امامك"
تبسمت شفتيها لصورتها المعاكسة للمرة الاخيرة تعلن عن ولادة شمس جديدة بحياتها ، غادرت بعدها خارج الغرفة وهي تمسك بأطراف ثوبها وتجري على طول الممر بلهفة كبيرة ارسلتها للقاء المنتظر .
ما ان وقفت ببداية السلالم حتى سمعت صوت جرس المنزل الذي يقرع بطبول بقلبها وكأنها اميرة تنتظر لقاء اميرها بعد سنوات من الفراق ، لتلمح بعدها تجمهر الجميع عند مدخل المنزل الظاهر لها بدون ان تأبه بأحد منهم سوى البحث عن سيد قلبها واميرها الوحيد ، حتى استطاعت لمحه اخيرا يقف بوسط الحشود يفتح الطريق امامها ويستقبلها بهيئة رجل احلامها الذي حلمت به سنوات طويلة بدون اي يأس او ملل ، وهي تراه وكأنها تتعرف عليه للمرة الأولى وخاصة بأنه كان يرتدي بذلة سوداء انيقة بربطة عنق حمراء تماثل احمرار الوردة الجورية التي تستقر بجيب سترته زادته اناقة وجاذبية تستطيع التحكم بجاذبية الارض ودورانها وتجذب كل تياراتها التي تحوم من حولها بمعادلة غير منصفة !
افاقت على نفسها عندما اكتشفت بأنها قد نزلت درجات السلم بدون وعي منها حتى وصلت الدرجة الاخيرة بدون ان تحيد بعينيها عنه طول الطريق ، وهو يتحكم بالفعل بانجذاب ارضها نحوه حتى فقدت السيطرة على اجهزتها الحسية ، لتضطر بعدها بإبعاد ناظريها عنه ما ان وصلها صوت والدها وهو يشير بذراعه نحوها قائلا ببشاشة
"وها قد حضرت اميرتنا الغائبة اخيرا ، هيا رحبي بعائلة زوجك يا صفاء ، واقصد بكلامي عائلة العريس بالطبع"
ارتفعت زاوية ابتسامتها بارتجاف وهي تبتعد عن السلم عدة خطوات ومنها عن امام المسبب بفوضى حواسها ، وقفت بعدها امام التي جلبت الابتسامة الصافية على محياها تمزج الدفء والحنين معا وهي تمد كفها هامسة بمودة  
"مساء الخير يا عمتي هيام ، اتمنى ان تكوني بخير"
تنهدت (هيام) بابتسامة حزينة حفرت بمحياها الشاحب وهي تأخذها بين احضانها بدون طلب او مناسبة مجرد استجابة للعاطفة التي نشبت بينهما منذ عام تقريبا ، لتعانقها الاخرى بعفوية فطرية تستنشق رائحة الامومة منها والحنان المفقود من قلبها بدون اي شروط او حدود ، لتبعدها عنها بلحظات وهي تمسك بوجهها بين يديها هامسة بابتسامة محبة مملوءة بحنانها
"تبدين جميلة جدا يا اميرتي ، انتِ تستحقين كل هذه السعادة"
اتسعت ابتسامتها بسعادة غامرة حتى غزت الدموع الحارة مقلتيها المشعتين من الفرح ، لتمسك بعدها بيديها حول وجهها وهي تهمس بامتنان شديد
"شكرا لكِ ، شكرا لكِ يا امي"
عادت لمعانقتها هي هذه المرة وهي تدفن دموعها بوشاحها الوردي العطر الذي بدلته عن وشاحها الاسود المعتاد ، لتتمتم بعدها بخفوت متحشرج من فرط السعادة
"انا سعيدة يا امي ، سعيدة جدا"
مسحت (هيام) على ظهرها بحنان وهي تهمس بخفوت مرتاح بعد شقاء سنوات
"الحمد لله"
قاطع حوارهما المليء بالمشاعر التي خرجت عن حدود التعارف امام مدخل المنزل بغير موعد وهو يقول بجفاء  
"ألم يكفيكم كل هذا الوقت بالتعارف ومبادلة السلامات حتى نسيتم المكان الذي انتم موجودين به ؟ اتركوا القليل للباقين على الاقل !"
ضحكت (هيام) بحرج وهي تبعدها عنها وتربت على كتفها هامسة بابتسامة لطيفة 
"يبدو بأن بطلك المغوار قد غار ، هيا اذهبي وألقي التحية عليه قبل ان يفسد يومنا"
اومأت برأسها ببطء وهي تسير نحو الواقف بجانبها على بعد خطوات فاصلة ، وما ان وقفت امامه وهي تتجنب النظر له بحرج حتى مدت كفها وهي تهمس بخفوت مضطرب 
"مساء الخير ، كيف حالك ؟"
صمت لحظات حتى تجمدت كفها بالهواء قبل ان يتلقاها بقوة بعثت الحرارة بعروقها ودمرت مقاومتها ، لتسمع بعدها صوته الآمر وهو يهمس بتملك
"ارفعي رأسكِ وانظري بداخل عيناي"
وكأنه يملك سلطان قلبها كانت ترفع رأسها بكل طواعية وهي تنظر بعينيه مباشرة بكل انفتاح وافتتان وهي تتعلم فنون الحب حديثا ، لتغزو ملامحه ابتسامة ملتوية بجاذبية وهو يهمس بخفوت جاد   
"كيف حالكِ ؟"
غرزت اسنانها بطرف شفتيها الورديتين تكبح مشاعرها الجياشة وهي تهمس من بينهما بخفوت حالم
"بخير ، كيف حالك انت ؟"
اخذ لحظات بتأملها عن قرب وكأنه يفكر بإجابة السؤال من خلال النظر لها ، قبل ان يقول بخفوت عابث وهو يشدد على كفها بقوة
"الآن اصبحت بخير"
تمردت ابتسامتها على قيودها حتى ظهرت بسعادة غامرة وهي تخفض نظرها قليلا لتهمس بعدها بخجل مفرط
"سعيدة بذلك"
زادت وتيرة انفاسه حدة لوهلة وهو ينحني بشفتيه بقرب اذنها ليهمس بها بخفوت اجش مستعر
"تبدين جميلة جدا بشكل لا يتصوره عقل او قلب ، وهذا الامر يتعبني حد الهلاك يا صفاء !"
انفرجت شفتيها بارتجاف تدفع انفاسها بثورة حتى كادت تسمع صوت نبضات قلبها بأذنيها الحارقتين ، لتشد بعدها شفتيها معا بانضباط وهي تهمس من بينهما بخفوت متملق  
"إذاً ليس لديك خيار سوى المقاومة بقلب قوي حتى تربح بهذه الحرب"
اطبق على اسنانه وهو يهمس بخفوت عابس
"جاحدة"
سحب نفسه بعيدا عنها على مضض ما ان تردد صوت والدها بالمكان وهو يقول بجدية   
"إذا كانوا العرسان قد انتهوا من تبادل السلام بينهم يمكننا الدخول للمنزل وإكمال جلستنا هناك ، هيا تفضلوا بالدخول ولا تبقوا واقفين عند الباب مثل الاغراب فأنتم قد اصبحتم من اهل المنزل"
ردت عليه (هيام) وهي تبتسم بمودة
"زاد الله من فضلك يا سيد جلال ، وشكرا لك على استقبالنا بمنزلك وفتح الباب لنا ، بارك الله بك وبكل افراد عائلتك"
ردّ عليها بإيماءة من رأسه وهو يفرد ذراعه لهم يرحب بهم للدخول قائلا
"هيا تفضلوا بالدخول ، المنزل مفتوح لكم يا عائلة مصعب"
انسحب الجميع من مدخل المنزل ولم يبقى سواهما ، وما ان كانت (صفاء) على وشك التحرك كذلك حتى حجزتها اليد التي ما تزال تمسك بكفها وهي تعيدها امامه ، لينتفض قلبها بارتجاف ما ان قال بصوت اقوى عن السابق وكأنه لا يريد الانفصال عنها
"انتظري لحظة"
نظرت له بعينين واسعتين باستجابة تلقائية قبل ان يسرق نظرها يده التي استلت الوردة الحمراء من جيب سترته ، وقبل ان تتسائل عن سببها كان يغرسها بمنتصف ضفيرتها المستريحة على كتفها حتى بدت اكثر نضارة وجمال ، ليقترب من اذنها مجددا وهو يهمس بها بخفوت واثق
"هكذا ستكون لديكِ علامة تدل على ملكيتكِ لي ، لذا إياكِ وان تنزعي تلك العلامة لكي لا اقيدك بطوق الورود واشد الخناق عليكِ"
رفعت رأسها بفم فاغر بشكل الهلال قبل ان تتحول لابتسامة ناعمة بدفء الشمس وهي تهمس بسعادة كبيرة
"يسرني حدوث هذا ، فقد تمنيت دوما الحصول على زهرة خاصة من فارس احلامي ، وقد تحققت امنيتي اخيرا"
مالت ابتسامته بهدوء ساحر وهو يبعد شفتيه عن اذنها ليمسك بجانب وجهها ويقبل جبينها فوق خصلات غرتها ليتبعها بعدها بالهمس بشغف هائم
"اعدكِ ان احققها لكِ ، واحدة تلو الاخرى ، وان اكون لكِ فارس الاحلام الذي تريدين"
اخفضت نصف اهدابها براحة وهي تهمس بابتسامة رقيقة بحب
"وانا ليس لدي شك بذلك"
ابعد شفتيه عن جبينها بسرعة وهو يتلمس خدها المتورد بظاهر اصابعه قائلا بانفعال مكتوم
"إذا استمريتِ اكثر بهذا فلن اتوقع ما ستكون عليه النتائج !"
فتحت عينيها بوجل مدرك وهي تزيح يده بسرعة عن خدها لتتراجع للخلف خطوات ، لتقول بعدها بابتسامة حازمة وهي تسحبه معها من كفه للداخل
"علينا الدخول الآن ، فقد تركنا الكبار لوحدهم بالجلسة ، وسيفكرون الآن بأننا قد تخلينا عنهم وهربنا"
تبعها بصمت تام وهي تأخذه حيث مكان الكبار بغرفة الجلوس وكأنه يترك قيادة الحياة لموجتها العاطفية الخالية من الحزن والبرود ، وما ان وصلا وجميع العيون قد باتت تراقبهما بدون تعليق على تأخرهما بالخارج ، حتى جلسا على الاريكة نفسها ذات المسند الواحد ملاصقان لبعضهما ويديهما متشابكتين بتواصل متين غير قابل للانقطاع .
تنحنح (جلال) بعدها يقطع اجواء الصمت وهو يشير بيده لجانبه قائلا بابتسامة حانية
"تعالي يا ابنتي واجلسي بجانبي ، ليأخذ الضيف راحته بالجلوس على الأريكة"
امتقعت ملامحها بحياء وهي تنوي النهوض لولا الذي شدد على يدها بقيد اقوى وهو يقول بخفوت جاد عابس وكأنه يرجوها
"لا ترحلي"
ابتلعت ريقها بتعثر من طلبه الذي كانت تتمنى سماعه كثيرا بالفترة الماضية عندما خرجت من منزله محملة بجروح بقلبها العاشق ، والآن عندما تكرر الشريط واعاد الطلب اختلف الوضع وتبدلت الاحوال واصبح هو من يحتاج قربها والالتماس من عطفها عليه ، وبدون ادنى تفكير كانت تعود جالسة ملاصقة له وهي تقول لوالدها بثقة وعينيها مثبتة عليه وحده   
"لا بأس يا ابي ، فأنا مرتاحة بمكاني"
اومأ والدها برأسه وهو يقول بهدوء
"لا بأس بذلك يا ابنتي"
تنهد (جواد) براحة وهو يتخلل اصابعه بيدها بتملك وينظر لها بإشارة بعينيه الحادتين تدل على امتنانه لها بدون كلام بحركات الإشارة التي اصبحت طريقة التواصل بينهما ، لتأخذ (هيام) دفة الحوار وهي ترسم ابتسامة لبقة على محياها بدور ام العريس  
"حسنا يبدو بأنه قد حان الوقت للبدء بالحديث عن موضوع الزيارة ، نحن جئنا من اجل فتح صفحة بيضاء جديدة بحياتنا لنعطي فرصة جديدة للأولاد ، وننسى كل الاحقاد والضغائن القديمة بيننا ونسمح للتسامح بأن يطرق بابنا ، نحن نريد ان نطلب يد ابنتك مجددا على سنة الله ورسوله لأبننا جواد بالأصول والاعراف لكي تتم الفرحة والبركة بين العائلتين وبين الزوجين طيلة حياتنا ، فما هو جوابكم ؟"
توجهت الانظار جميعها نحو صاحب الاجابة والذي قال من فوره بابتسامة جادة بسعادة
"وماذا بمقدوري ان اقول لكم ؟ لقد تفاجأت حقا من سبب الزيارة ومطلبكم ! وسعدت كثيرا بمعرفتي بأنكم ما تزالون متمسكون بهذا الزواج ، وسأكون سعيدا حقا بفكرة اتحاد وتآلف العائلتين بعد سنوات الجفاء والخصام بينهما ، وبعد كل ما اصابهما واثر بهما وعلى اولادهما كذلك ، فلا ذنب للأطفال الآخرين بحمل ذنوب الكبار والعيش يدفعون ثمن اخطائهم طيلة حياتهم"
غامت ملامحها بسحابة الماضي وهي تخفض نظرها بحزن عميق اسر عالمها وكأنها تعيش دور كبش الفداء الذي كانت عليه منذ طفولتها بدون ان تعي ذلك ، لتفيق بعدها على الصوت القريب بجوارها وهو يتدخل بالحوار قائلا بجمود واثق   
"وانا اعدكم ان احافظ هذه المرة على الامانة بروحي ، فلن تحمل ذنوب احد ، ولن تحمل اخطاء غيرها ، ولن تكون ضحية عند احد ، فهي قد اصبحت تحمل شيء واحد بحياتها استقر منذ زمن وهو لقب زوجة جواد مصعب ، فهذا ما خلقت من اجله وقدر لها هو ان تصبح زوجة جواد للأبد"
حانت منها التفاتة نحوه وهي تراقب جانب وجهه المتصلب والذي يناقض حنان وحرارة كلماته وكأنه ذات الرجل الذي قابلته طفلة بالعاشرة وثقت به واحبته بدون اهتمام بشكل او عمر او هيئة فقط بالشعور والفطرة ، لتدير عينيها بسرعة ما ان تدخل الفرد الجديد الذي اقتحم الجلسة وهو يقول بابتسامة باردة
"مساء الخير على الجميع ، كيف تسير امور الجلسة العائلية ؟ يبدو بأنكم قد بدأتم تتفقون بشكل جميل جدا !"
ساد الصمت بينهم للحظات قليلة قبل ان يقطعه والده الذي رمقه بطرف عينيه قائلا بضيق
"لا تتصرف على هذا النحو امام عائلة زوج شقيقتك ، قدم بعض الاحترام لهم وتوقف عن العبث هكذا ، فهمّ قد جاؤوا لطلب يد صفاء للزواج مجددا"
ارتفع حاجبيه بخفة وهو يتنقل بنظره بينهم قائلا بابتسامة مائلة بمغزى
"تقررون كل شيء بدون الرجوع لي ، أليس لدي رأي بموضوع موافقتي على هذا الزواج الذي يخص شقيقتي ؟"
نظر له (جلال) بجمود وهو يقول باقتضاب
"وما هو رأيك يا شقيقها ؟"
توقفت عينيه العسليتين عليها وهو يقول بابتسامة واثقة
"دعني افكر قليلا ، إذا ارادت هي ذلك واعطت موافقتها فأنا ايضا سأوافق ، فهذه حياتها وحدها وليست حياتنا"
ارتسمت ابتسامة صافية على محياها وهي تقول ببهجة خالصة  
"انا موافقة يا شقيقي ، موافقة على هذا الزواج ، وشكرا لك على تفكيرك بي"
اومأ برأسه بإشارة راضية وهو يتوقع هذا الجواب منها قائلا ببساطة 
"اتمنى لكِ السعادة يا شقيقتي"
رفع (جلال) يديه عاليا وهو يقول بسرور
"إذاً سنقول على بركة الله"
زفرت (صفاء) انفاسها بتحشرج البكاء وهي تمسح خديها المحتقنين بكفها الحرة بهدوء ، بينما كان الجالس بجوارها يراقبها عن كثب بكل حركة عابرة وبكل مشاعرها المرهفة بدون ان يسمح لها بالابتعاد عن مجاله والذي اخترقته بشدة وثبتت هناك للأبد حتى انسته مذاق الحياة كيف كان قبلها !
_______________________________
كانت تريح جانب رأسها على زجاج النافذة التي تشبه الواجهة وهي تأخذ نصف جدار المكتب ، شاردة بعالمها الصامت الذي اعتادت على الاقتران به كجزء منها يسكن داخلها ، ولم تستطع يوما الانفكاك عنه او فصل ذاك الجزء عن جسدها وكأنها بهذا تفصل روحها عن جسدها والتي نشبت على هذا النظام الآلي ، فرغم كل الحشود والفوضى العارمة والضوضاء التي تحوم من حولها تبقى وحيدة بنقطة سوداء منعزلة لا تفضل الظهور بمجال الرؤية ، وإذا حدث وظهرت تثير الدمار والانهيارات من حولها وتترك ضحايا من خلفها ، ولا يعود الاذى الاكبر سوى عليها وعلى قلبها وتصبح الملامة والشريرة بجميع الاحوال وتتجرد محكمة العدل من الإنصاف وتكون تبرئة النفس اكبر جريمة بها ، لذا كلما شعرت بالظلم او السطوة او الاضطهاد تنطوي ببؤرة الصمت وتحبس بها كل ما يجول بجوفها لتبقى حبيسة تلك العادة التي تسمى وحدة الصمت ، فلا يستطيع بها احد لومها ولا يستطيع احد بها جرحها او إدانتها لأنها فارغة موحشة منعدمة الوجود مثل صاحبتها .
كان يراقبها الجالس امام المكتب وهو يمثل الانشغال بالأوراق بينما هو عقله وعينيه مع الفتاة الشاردة ، وهي تبدو بحالة انعزال تام لا يستطيع احد التنبؤ بخفاياها وافكارها وهي تتقن تشتيت ذهن الناظر لها بمسح كل تعبير ورسم عن وجهها البارد وكأنها اكبر سر بالعالم ، فهو كلما فتح باب من ابوابها المقفلة يقابل باب موصد آخر اكثر إغلاقا وإحكاما وكأنها تتعمد عدم إدخال احد من ابوابها قبل ان يمر بكل تلك الاختبارات والتجارب ويكون مؤهل للدخول ، ولكنه لا ينكر المتعة الخاصة بخوض كل تلك الاختبارات التي تجعلها حالة مثيرة للاهتمام ومثيرة بالمعنى العام وكأنها وتر شاذ او طفرة غريبة دخلت بعالم مختلف عن امثالها وفرضت ميزتها بالمكان .
وضع الاوراق امامه بعشوائية وهو ينهض عن الاريكة بهدوء ، ليسير نحوها بخطوات تلقائية بدون ان يحيد بنظره عنها ، وما ان اصبح يقف مقابل لها حتى دس يديه بجيبي بنطاله وهو يقول بهدوء شديد خافت
"هل تسمحين لي بمشاركتك بتأملك الذاتي ؟"
لم تعطي ردة فعل سوى نظرة عابرة من عيناها الزرقاوان بنعومة الموج الخادع والذي يخونك ما ان تقترب ويجرفك للعمق ، ليتنفس بعدها ببطء ما ان عادت لشرودها بالبعيد وهو يقول بشبه ابتسامة جادة
"الصمت علامة الرضا"
وعندما يأس من سماع الجواب منها حتى اتكأ بكتفه على زجاج الواجهة كما تفعل تماما يشاركها بنفس طريقتها بتأمل الحياة ، ليقول بعدها بنظرات ثابتة شردت بها طويلا
"ما لذي تفعلينه بنفسكِ يا مهندسة ؟"
كست نظراتها سحب دخانية وهي تهمس بخفوت خاوي
"اعتذر لقد شردت قليلا"
عقد حاجبيه بتصلب وهو يقول بهدوء جاد
"لم اقصد عن وضعكِ الحالي ، بل قصدت عن حياتكِ اليومية بشكل عام !"
رمقته بطرف حدقتيها نفضت الهدوء الداخلي عنها وهي تهمس بحدة
"هل عدنا للتدخل بشؤوني الخاصة ؟"
ابتسم بهدوء بدون ان يتأثر من عدائيتها التي تكون حماية لها ضد الغرباء ، ليكتف بعدها ذراعيه بجمود وهو يقول باتزان يستمر بشن الحرب عليها  
"هل هو آخر حدث ؟ هل الحدث الاخير الذي انتشر على قنوات البث هو ما يزعجك ؟"
تغضن جبينها بتفكير لوهلة قبل ان ترسم ابتسامة ساخرة على محياها وهي تهمس بخفوت
"هل رأيتني كذلك ؟ يبدو بأنني قد اصبحت امتلك شهرة اكثر القصص إثارة وغرابة بالسوق"
حرك رأسه جانبا وهو يقول بابتسامة جانبية بغموض
"يبدو بأن هذه القصة قد ازدادت تعقيدا عن السابق"
ادارت وجهها نحوه وهي تقول بخفوت مشتد
"وإذا كان كذلك فهذا لا يعنيك"
حدق بها بتمعن وهو يقول بابتسامة واثقة بدون اي نية بالاستسلام   
"ألا تريدين تجربة الحديث مع احد عن مشاكلك ؟ عندما تتبادلين الحديث مع غريب يكون اكثر فائدة من مبادلة الحديث مع قريب"
ارتفع حاجب واحد ببرود وهي تهمس بخفوت فاتر  
"قد تكون على حق ، ولكني ما زلت مصرة بأنك لا علاقة لك بشؤوني الخاصة"
ردّ عليها من فوره بتصميم اكبر
"لن تكتشفي النتيجة إذا لم تجربي"
زفرت (ماسة) انفاسها بضيق وهي تقول بخفوت مغتاظ  
"لم اعرف حقا بأنك بكل هذا العناد ! هل انت هكذا مع كل الموظفين بالقسم ام معي انا فقط ؟"
حرك كتفيه باستخفاف وهو يقول ببساطة
"بل معكِ انتِ فقط ، لأنني ارى بأنكِ تشبهيني ببعض الجوانب"
اتسعت حدقتيها الزرقاوين بدهشة وهي تشير لنفسها بأصبعها قائلة باستنكار  
"انا اشبهك ! بماذا اشبهك ؟ هل هي خلفية العائلة ام طبيعة الشخصية ؟"
تغضنت زاوية ابتسامته وهو يقول بهدوء عميق
"لا تندهشي هكذا ! انتِ تشبهيني بأمور لا تستطيعين رؤيتها او ملاحظتها ، ولكنني اراها بوضوح واميزها ، فأنا تربيت بوسط عائلة إرهابية تتاجر بالمخدرات والأسلحة وتدير اعمالها بهذا الشكل ، ولكن عندما اشتد عودي قليلا قررت الانتقال لإكمال حياتي بالفرع الصالح من عائلتي والذي ليس له يد بهذه الاعمال ، دائما هناك اختيار بين كون الانسان صالحا او شريرا فقط بينهما شعرة يمكنها ان تغير حياتك للأبد ، وليس هناك حجة تسمى بأنك مجبر على ان تكون هذا الشخص ! انت فقط لا تملك الإرادة الكافية والعزيمة على ذلك وتُفضل لوم نفسك على إصلاحها من الخراب ، هذه دائما كانت نظرتي للحياة منذ ان وعيت عليها ، واعلم جيدا بأنكِ من هذا النوع من الناس الذي يثابر على ان يكون نقيض نفسه ليحقق التوازن والتسالم بحياته"
تلبدت ملامحها بصمت وهي تشيح بوجهها هامسة بخفوت واجم
"كنت افكر بكلامك بالبداية حتى ظننتك ذاك النوع من الناس ! فقد كانوا يستخدمون معي تلك الحجة بأنهم يشبهونني لكي يجدوا الطريقة التي يتواصلون بها معي ويتقربون بها مني ، ولكني كنت اكتشفهم دائما بسرعة بدون عناء وانبذهم عني بسهولة حتى بت الكائن المنفر لهم ، فأنا منذ طفولتي وقد نمى معي حدس يميز الصالح من الشرير والصادق من الكاذب حتى اصبح من الصعب صنع العلاقات معي وتكوينها بحياتي"
حرك رأسه بإذعان شديد وكأنه يقوم بتشريح كلماتها بعقله وهو يعقب قائلا بتركيز حاد
"انتِ متعبة وشاقة وصعبة البلوغ ، تحتاجين حياة هادئة ومسالمة بعيدا عن النزاعات والحروب التي عانى منها قلبك فترة طويلة ، تريدين الاستسلام لشعور السكينة وراحة البال ونسيان ذنوبك واحزانك بصفحة الماضي ، تريدين خط طريقك بلا مكان والذي يكون به المجهول والفراغ هو اكبر راحة لكِ ، وعلاقتك التي تعيشينها ليست متساوية بأي شكل ! متناقضة بكل الجوانب والاشكال ! لا تحقق لكِ ما كنتِ تسعين له طول سنوات حياتك ! فهي لا تحمل الهدوء حيث لا وجود للأصوات ولا المجهول حيث لا ماضي او مستقبل من حولك ولا الراحة حيث النوم براحة بال بدون اوجاع ، هذه العلاقة كما هو واضح تناقض نفسكِ الحقيقية وتنافي رغباتك واهوائك بالحياة ، فلماذا كل هذه المخاطرة والمجازفة ؟ ماذا ستجنين من علاقة تكاد تنفيكِ للأبد وتغاير كل طرقك ؟"
زمت شفتيها بصمت وهي تعيد خصلاتها المتمردة لخلف اذنها قبل ان تهمس ببرود صقيعي
"يبدو بأن السيد علام لم يتوانى عن اخبارك بكامل تفاصيل حياتي ، ومع ذلك لن انكر لك بأنني بالفعل كنت املك هذه النظريات بحياتي ، ولكن كما يقال شخصية الانسان تتغير مع مرور الزمن حسب الظروف والمنعطفات والمصاعب بحياته ، وانا هكذا قد تغيرت كلياً منذ وقت ليس بقصير ، فقد اصبح لدي تفكير مختلف واكثر انفتاحا وقلب مختلف واكثر نشاطا وحياة مختلفة واكثر إثارة ، وكل هذا يعتمد مع الظرف او الشخص الذي نقابله بمنعطفات حياتنا يرينا طرق جديدة ويفتح لنا آفاق اخرى ، يعني مثلا لو حدثت هذه العلاقة بين شخصين متشابهين بكل شيء ، نفس الروتين ونفس التفكير ونفس الاسلوب ونفس المبدأ ، ألن يكون هذا مملا ؟ وكأنك تعيد نفس الشريط المعروض كل يوم بدون اي جديد او تغيير ! وبعدها بمرور الوقت سيتحول الملل لعادة والعادة ستتحول لروتين يومي وكل هذا سيقتل الشغف والحب والمشاعر ولن يبقى سوى تفكير واحد وهو بالوصول للنهاية ! لذا تحتاج كل علاقة مبنية لشخص آخر يناقضها ليغيرها ويتآلف معها ويصنع اشياء جديدة بها ولكي تكون حياتهما بوجه التطور والتغيير الدائم ، وهكذا ستكون اقوى مع مرور الزمن والاعوام وستكون اكثر قدرة على تحدي الصعاب والمستحيلات والتي قد تواجهها بدورة الحياة"
اومأ (إياد) برأسه بدون اي تعبير وهو يتأملها ملياً قائلا بهدوء منطقي
"لديكِ وجهة نظر لا بأس بها ، ويبدو بأنكِ قد استغليتِ هذه العلاقة لكي تغيري نفسكِ لشخص افضل مما كنت عليه سابقا"
اومأت برأسها بشرود وهي تعود لمراقبة العالم بالخارج قائلة بابتسامة هادئة بتسالم  
"لقد اخبرني مرة بمقولة واقنعني بها ، القطبين المتشابهين يتنافران بينما القطبين المتناقضين يتجاذبا ، لذا نحن نتجاذب وفق هذه القاعدة الفيزيائية ، أليس هذا اكثر منطقية ؟"
استقام بعيدا عن الواجهة الزجاجية وهو يقول بجمود قاتم
"انتِ تخاطرين بالكثير بهذه العلاقة ! هل انتِ متأكدة بأنكِ تملكين القدرة الكافية على الاستمرار بالمحاربة والجهاد بسبيل الوصول للسلام الداخلي بحياتك ؟"
ابتعدت كذلك عن الواجهة الزجاجية وهي تقف باستقامة لتقول بعدها بابتسامة نبعت من قلبها المختلف قوة وثقة   
"طبيعة العلاقة بيننا انا الاكثر ربحا بها ، والخسارة بها شيء ضئيل جدا ، وانا بطبيعتي اميل دائما للكسب والعطاء بحدود ، وهو بطبيعته يميل للعطاء اكثر مني ، فأنا كلما تمسكت به يتمسك بي اكثر ، وكلما تمسك بي اتمسك به اكثر ، فما هي القوة التي ستقدر على تفريقنا ؟"
عبست ملامحه بوجوم وهو يخفض رأسه للأسفل قائلا بانهزام
"يبدو بأنني قد كنت الخاسر الوحيد بهذه العلاقة ، فليس لدي الحق للتدخل الآن بعد ان فات الاوان على ذلك"
مالت ابتسامتها ببرود وهي تفهم جيدا مغزى كلماته بدون ان تفاجئ وهي التي تعلم جيدا التفريق بين نظرات الإعجاب والشهوة والانبهار والحب ، فقد قابلتها جميعها وجربتها كلها بدون استثناء وكأنها كتاب مفتوح لكل عابر سبيل بحياتها ، لتقول بعدها بابتسامة متزنة وهي تواجهه بدون اي مواربة
"اعتذر يا سيد إياد ولكن طريقي مسدود ، اعتقد بأن عليك ان تغير الوجهة وتمضي قدما بحياتك ، فأكثر ما يكسر قلب الانسان هو التعلق بالأمل الزائل !"
رفع رأسه وهو يحدق بها للحظات بانبهار تجلى على محياه قبل ان يقول بابتسامة رسمية بمودة
"إذاً ليس بوسعي سوى تمني الحظ الجيد لكِ بحياتك الزوجية المعقدة ، واما الحياة العملية فليس لدي شك بقدرتك على ابهاري بها وانجاز المستحيلات بطريق هذا المجال ، اتوقع منكِ الافضل دائما يا مهندسة ماسة"
اتسعت ابتسامتها بهدوء وهي تقول بتهذيب ممتن
"شكرا لك يا سيد إياد ، واتمنى لك بالمثل ايضا"
استدار بعدها بدون ان يضيف كلام آخر وهو يتجه خارج المكتب ، وقبل ان يغادر حانت منه نظرة اخيرة نحوها وهو يتمتم بحسرة بقيت عالقة بالقلب
"يا للخسارة ! كانت ستكون مادة مثيرة للاهتمام بحياتي بعد سنوات من البحث عنها ، ولكن يبدو بأن هناك من سبقني لها اولاً"
اغلق بعدها باب الغرفة من خلفه وهو يترك الشاردة تعود لرحلة صمتها الاسيرة مع نفسها تنهي كل حساباتها القديمة بداخلها وتطوي تلك الصفحات بكتابها للأبد .
_______________________________
وقف امام حارس الغرفة وهو يقول بملامح باردة  
"انا صديقها وقد اتيت لزيارتها ، لذا هلا تسمح لي بالمرور ؟"
احتدت ملامح الحارس وهو يحدق به بتدقيق قائلا بجمود
"ما هو اسمك ؟"
زفر انفاسه بضيق لبرهة قبل ان يقول بإيجاز
"شادي الفكهاني"
سكنت ملامح الحارس وهو يتنحى عن طريقه قائلا بعملية
"تفضل بالدخول"
تنفس الصعداء وهو يتقدم عدة خطوات قبل ان يطرق على باب الغرفة بانتظام ثابت ، وما ان سمع الإذن بالدخول حتى فتح الباب مباشرة ليقابله السرير الكبير تتربع عليه الجالسة فوقه مثل الملكة التي يحرسها الحرس بأرقى واكبر مشافي المدينة ، الامر الذي لا يحتاج لكل هذه الاهمية والحيطة بسبب غيابها عن الوعى من حبة منوم انتهى مفعولها ، ولكن هذا حال الطبقات العليا بالعالم يفعلون كل ما يشاؤون ويقدرون عليه ويكبرون بأنفسهم اكثر من اللازم ليظهروا الفروقات بين الطبقات .
تقدم بخطواته ببطء وهو يراقبها تعبث بهاتفها بعصبية واضحة على تقاسيم وجهها وكأنها تصب جام غضبها عليه ، ليقول بعدها يخترق هالة افكارها بهدوء
"صباح الخير ، كيف حالكِ اليوم ؟"
رفعت رأسها بسرعة حتى انزلق الهاتف من يدها بدون ان تشعر ليسقط على الملاءة ، لترسم بلحظة ابتسامة راقية تدبرت امرها وهي تقول بخفوت مندهش
"شادي ! يا لها من مفاجأة ! لم اتوقع ان تأتي لزيارتي وتفكر بي ، لقد افرحتني كثيرا"
تجول بنظره عليها بتصلب قبل ان يقول بابتسامة توازي جمود ملامحه
"كيف تشعرين الآن ؟ هل انتِ بخير ؟"
اختفت الابتسامة عن محياها وهي تفرد ذراعيها امامه بوضوح قائلة بخفوت ناقم
"كما ترى ما ازال على قيد الحياة ، بعد كل ما فعلته بي تلك المجنونة من الجيد بأنني ما ازال قادرة على الحياة ! ولكنها كسرت اشياء بداخلي لن تعود للاصطلاح من جديد ، وانا لن اسامح ابدا مَن يتعدى على حدود ابنة الوزير ويظن نفسه فائزا !"
تغضنت زوايا حدقتيه بسواد داكن ما ان اخفضت ذراعيها لتمسك بالهاتف من جديد وهي تعبث به بعصبية اكبر قائلة باضطراب ثائر
"ستندم تلك الحشرة على كل هذا ! سأدفعها الثمن غاليا ، ولن يكون اسمي لينا رواشدة إذا لم اخبر الامن واجهزة الشرطة ومكافحة المجرمين عن هذه الحالة الخارجة عن السيطرة والتي ستقضي مدى حياتها بالسجون وخلف القضبان لتتعدى على حدود ابنة الوزير مجددا ، فقد تساهلوا كثيرا مع تلك المجنونة وتغاضوا عن افعالها فترة طويلة حتى تطورت حالتها وباتت اكثر جنونا وخطرا على المجتمع والعالم ، سأجعلها تذوق الويل والعذاب بالعمر المتبقي لها....."
قاطعها (شادي) بصوت صلب وهو ينظر لها بشرارة تقدح بعينيه
"إياكِ والجرأة على فعلها يا لينا ، لا تفعلي اي حركة تندمين عليها فيما بعد ، لكي لا اكون انا مَن ادفعك الثمن غاليا على افعالك ، فإذا حاولتِ إقحام موضوع زوجتي برأسكِ وتوريطها بالمشاكل فعليكِ ان تعلمي بأنني لن اتوانى عن إحراق رأسكِ حينها ! لا تنسي هذا الكلام يا ابنة الوزير"
نظرت له بعينين زائغتين وهي تشير بيدها لنفسها قائلة باستنكار حاد
"انا الضحية هنا وليس هي ! انا الذي تم اغتيالي بوسط منزلي ! ألا تستطيع ان تفهم ما يحدث ؟ ألا تستطيع ان تميز المجرم من الضحية ؟ المجنون من العاقل ؟ هل ستبقى تدافع عنها بكل الاحوال ؟......"
قاطعها مجددا بجمود قاتل بدون ان يأبه بكلامها
"انتِ من دعوتها لمنزلك ! انتِ من اقحمتِ هذا برأسها ! وقد تلقيتِ عواقب افعالكِ بها ، ألا تستطيعين تقبل الهزيمة امامها ؟"
احتدت ملامحها وهي تنفض يدها على جانبها قائلة بهجوم بوضع الدفاع
"من اخبرك بهذا الكلام ؟ هل هي من ألفت هذه الاكاذيب عليّ ؟"
ردّ عليها من فوره بهجوم مضاد   
"الامر واضح ولا يحتاج للذكاء لمعرفة ما حصل ، فمن اين ماسة ستعرف بعنوان منزلك الصيفي ؟ ولماذا منعتني الخادمة من الدخول لكم ؟ وعندما سألت الخادمة عن الزائرة التي استقبلتها ارشدتني لمكانها بدون ان تنكر صفة الزائرة عنها !"
زمت شفتيها بعبوس وهي تدير وجهها جانبا لتقول بعدها بصوت مشتد حانق 
"حسنا انا من دعوتها ، ولكني فعلت ذلك من اجل ان نجري نقاش ودي نحل به كل الخلافات بيننا ونضع حد نهائي لها ، ولم اكن اعلم بأنها ستفكر بخيانتي وتسميم مشروبي بداخل منزلي والذي فتحت بابه لها بحسن نية ، لم اتوقع ان تصل بها الخيانة والدناءة هذا الحد المتدني ! ولكن هذا ما يحدث لك عندما تدخل مجرمة فاجرة لمنزلك وتعطيها اهمية وقيمة لا تستحقها !"
تجمدت طرف ابتسامته بخطين متساويين وهو يقول بسخرية
"اعتقد بأنها كانت حبة منوم وليست شيء سام ، انتِ فقط تحاولين تكبير المشكلة واعطاء الموضوع قيمة اكبر لكي تجذبي كل الانتباه لكِ وتكوني محور الاهمية والكون"
نظرت له بسرعة وهي تقول باحتجاج  
"غير مهم ماذا كانت ، المهم بأنها شيء كيماوي اختلط بعصيري وكاد يقتلني ، لقد كدت اموت بين يديها وانت ما تزال تدافع وتبحث عن التبريرات من اجلها ! ألا تهتم ولو بمثقال ذرة بما حدث لي من تحت رأس زوجتك ؟"
ارتفع حاجبيه بخفة وهو يقول بهدوء جاد يغير موضوع الحديث
"بالمناسبة ما لذي كنتِ تريدين النقاش به مع ماسة ؟ ما نوع النقاش الذي دار بينكما ؟"
ارتبكت ملامحها وهي تشيح بنظرها بعيدا هامسة بضيق مكتوم   
"هل هذا كل ما تفكر به ؟ عليك ان تفكر بما حدث لي وليس بما حدث قبلها ! هل ستكون مرتاح لو اني مت على يديها حقا ؟......"
قاطعها بقوة وهو يشدد على اسنانه بصرامة
"لينا لا تبدأي بالعويل والنواح الآن ! واجيبِ على قدر السؤال بوضوح !"
كتفت ذراعيها فوق صدرها بقوة وهي تقول باستهزاء واضح
"لماذا تسألني انا ؟ اذهب واسأل زوجتك هذا السؤال ، ألست تثق بها اكثر مني وتصدق اي شيء تقوله ؟ قد تعطيك الاجابة الوافية التي تحتاج لسماعها"
تنفس بجمود وهو يمسد على جبينه بأصابعه قائلا بابتسامة قاتمة بسخرية
"هذا يعني بأنكِ لا تملكين التبرير الذي يقنعني ! واجابة هذا السؤال ستكون صادمة بشدة ، ياربي اعطيني الصبر بهذه المحنة !"
اعادت نظراتها نحوه وهي تهمس بشبح ابتسامة باردة
"لماذا تفعل هذا معي يا شادي ؟ لماذا لا تصدق اي شيء اقوله لك ؟ ما لذي فعلته لك تلك الساحرة الشمطاء حتى اصبحت مثل الخاتم بأصبعها تدورك به كما تشاء وترغب ؟"
التوت ابتسامته بمغزى وهو يميل بجذعه نحوها قائلا بجدية
"لأنها لا تكذب عليّ ، ربما هي مجنونة ومندفعة وعنيفة ولا تفكر بعواقب شيء ، ولكنها دائما صريحة وجريئة ولا تهاب من احد أياً كان ، والحقيقة تكون دائما على لسانها مهما بائت الظروف والاوضاع ، وهذه الخصال غير موجودة عندكِ يا لينا"
تنفست بارتجاف وهي تهمس من فورها بخفوت قاسي
"ولكنها من شربني حبة الدواء تلك ، ما هو تبريرك على تصرفها ؟"
رفع رأسه قليلا يمثل التفكير لوهلة قبل ان يقول بجفاء  
"انتِ من جنيتِ على نفسك بنفسك ! عندما خلطتِ عصيرها بحفلة الزفاف بمشروبات روحانية ، وهذه اكبر من جريمتها بكثير ولا يغتفر عليها ، فبجانب التسبب بفضيحة لها بالحفلة جعلتها تشرب شيء محرم بالدين والعرف والمجتمع ! ما هو تبريرك على هذه الجريمة الفاحشة ؟"
حدقت به بصدمة سرعان ما تحولت لشرارات حارقة وهي تقول بلحظة باستهجان
"وهل صدقت تأليفها وجئت لتتهمني انا ؟ صدقتها ببساطة بدون ان يتخلل تفكيرك الشك للحظة ! انت تصدق فتاة تعرفت عليها منذ عام وبضعة ايام ! وتكذب صديقتك المقربة التي كانت معك منذ سنوات طويلة شهدت على كل تفاصيل حياتك وقدمت لك كل ما تملك بحوزتها ، ماذا فعلت لك هذه الفتاة حتى تفضلها عليّ لهذه الدرجة ؟....."
وقف باستقامة بلحظة وهو يشرف عليها من علو ويصرخ بنفاذ صبر
"كفى كذبا يا لينا ! فقد اصبحت اعرف كل شيء كان يجري ويحدث من حولي منذ مدة بدون علمي ، لقد كشفت كل تلك الاكاذيب واتضحت الرؤية امامي ، فأنا قد عرفت بأنني كنت طول تلك السنوات الطويلة مخدوع بها ومعصوب العينين عن رؤيتها حتى جعلتني اعيش اكبر كذبة عشتها بحياتي يوما !"
فغرت شفتيها بارتعاش حتى شحبت ملامحها وانخطف لونها وهي تهمس بخفوت متلبك
"ماذا تعني بهذا الكلام ؟"
تلبدت ملامحه بقطعة جليد صلبة وهو يقول بتعبير قاسي يدلي بالحقائق
"انتِ من ارسلتِ ميرا للفندق بليلة الزفاف ، وانتِ من ابتزها لكي تعمل لصالحك ، وعندما يأستِ منها احضرتِ كمال لحياتنا ، واستخدمته وسيلة بالتواصل مع زوجتي وزرع الشك والاختلال بيننا ، وبنهاية الخطة اتفقتِ مع كمال وقررت التخلص من ميرا وطفلها بتدبر حادث لهما ، ولن ننسى شريكتك الفاجرة قمر الرياض التي كانت ما تزال تسعى للانتقام مني ، ولا يهمني ما وصل له مصيرها الآن ، المهم هو مصيركِ انتِ بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبتها بكل من يخصني بحياتي يا صديقتي العزيزة لينا الرواشدة"
ابتلعت (لينا) ريقها بوجل وهي تخفض نظرها هامسة بخفوت باهت
"من اخبرك بهذا الكلام ؟"
ردّ عليها من فوره بجمود حجري  
"لقد اعترفت ميرا بكل شيء عندما استجوبتها بآخر مرة ، لقد كانت تخفي افعالكِ عني خوفا من ان تقدمي على اذية طفلها مجددا ، يا لهذه السخرية ! حقا كما كان يقال احذر من الغريب مرة ومن الصديق مئة مرة !"
ضمت يديها بحجرها بتشديد وهي تهمس بخفوت رقيق بعد ان خمدت ثورتها
"لا تفعل هذا بي يا شادي ، لا تصدق كل ما يقال عني ، فهذا كله افتراء وتشويه بسمعتي ، على الاقل من اجل خاطر تلك الايام الخوالي...."
قاطعها بقسوة وهو يدير رأسه بعيدا
"لا داعي للإطالة اكثر يا لينا ، فكل شيء قد كشف الآن ، والكلام اكثر لن يزيد وضعكِ سوى سوءً ، انتِ انتهيتِ وكل شيء معكِ انتهى"
رفعت رأسها بسرعة وهي تزحف بركبتيها قرب جهته هامسة بخفوت مستجدي  
"لا تكون قاسي عليّ هكذا ، انا لا استحق كل هذا منك ! إذا كنت تريد مني ان اعتذر منكم فأنا موافقة سأعتذر واطلب السماح من كل واحد منكم فردا فردا ! فقط ارجوك لا تعاقبني وتهجرني بهذه الطريقة ، لا تعاقبني على اخطائي وزلاتي ، فهي مجرد نزوات مجنونة ومضت ، ارجوك ان تسامحني يا شادي ، شادي...."
قاطعها وهو يشير بذراعه امامها يأمرها بقسوة وقد بات يشعر بالازدراء نحوها
"اصمتِ يا لينا ، لا اريد سماع اي تبريرات منكِ ، لقد سئمت من تصرفاتك وكلامك وافعالك لدرجة لا تطاق ! انا الآن سأعفو عنكِ بشيء واحد وهو عدم اخبار احد عن جرائمك والتي لن تعاقبي عليها ، ولكن مسامحتكِ على كل شيء فلن تحصلي عليها مهما فعلتِ ورجوتِ ، وهذا كرم كبير مني ان اعفو عنكِ هكذا بهذه البساطة ! فأنا ما ازال احمل خاطر من اجل تلك الايام الخوالي التي جمعت بيننا كما قلتِ ، وفقط من اجل هذا السبب سوف امرر لكِ كل شيء وكأنه لم يكن ، ولكن لدي طلب اخير منكِ وهو عدم ظهورك بحياتي بعد الآن ، ابتعدي عن حياتي وعن حياة عائلتي وبالأخص عن شقيقتي وزوجتي ، لكي لا انسى بعدها امر العفو عنكِ واقرر معاقبتك بأشد الطرق والوسائل !"
اتسعت حدقتيها بوميض الدموع التي حرقت صورته وهو يعطيها ظهره بلحظة ، لتصرخ بسرعة من خلفه بقهر مكبوت
"انا كنت صديقتك الوحيدة طول تلك السنوات ، ولم ترني يوما استحق ان اكون معك بجانبك بحياتك اشاطرك الحب والمنزل والمشاعر ! لقد اخذت كل الادوار التي تساندك وتدعمك بحياتك اليومية ولكنك لم تسمح لي ان احصل على دور الزوجة والحبيبة بحياتك الخاصة ، لماذا فعلت ؟ لماذا ؟"
زفر انفاسه بجهد وهو يقول بشبح ابتسامة قميئة  
"لقد كنتِ تمنحين نفسكِ الأمل والحلم من فراغ ، فأنا لم اكن سأبادلك تلك المشاعر والحب حتى لو كنتِ آخر امرأة بالعالم ! لم ألتصق بياقتكِ يوما بل انتِ من كنتِ تلتصقين بها على الدوام ! لذا إذا كنتِ ستلومين احد على فشلك لومي نفسكِ فقط فلن تستطيع هذه الدمية منحك المزيد من الحب والاهتمام الناقص لديكِ"
عقدت حاجبيها بجمود وهي تمسح وجنتيها بقوة قائلة بصوت ناقم  
"وماذا عن مهمة إيجاد كمال ؟ هل ستتخلى عنها ؟"
ردّ عليها ببساطة وهو يقول بإيجاز
"لا تقلقي بهذا الشأن فأنا قد اصبحت على وشك الوصول له ، وقد اصبح قريب جدا من متناول يدي ، فنحن بيننا لقاء لم ينتهي بعد ولو كان بعد حين"
امتقعت ملامحها بغضب محتقن وهي تقول بخفوت شرس تخرج السواد المعبأ بقلبها 
"لماذا وقع اختيارك على تلك من بين كل النساء ؟ لماذا اخترت فقيرة تعيسة بينما لديك الفتاة التي تليق بمستواك الاجتماعي والمادي ؟ لماذا اخترت ابنة مجرم منحط بينما لديك الفتاة ابنة الحسب والنسب ؟ لماذا اخترت مجنونة عقلية بينما لديك من تملك العقل السليم وسلاسة تفخر بها ؟ لماذا اخترت هذه النوعية التي لا تليق بك بأي شكل وتناقضك تماما من حيث الشخصية والخلفية والعائلة والنشأة ؟ كان عليك ان تكون اكثر عدل باختيارك الغير منصف ، وتعطي كل شخص مكانه الحقيقي وقيمته التي يستحقها بالحياة ، فبينما كانت هذه الفتاة المثالية نصب عينيك ذهبت بعيدا جدا واخترت الفتاة الاسوء على الإطلاق لتكون زوجتك وحياتك !"
تغضنت زاوية ابتسامته لوهلة وهو يلتفت بوجهه جانبا قبل ان يقول بتسلط
"ليس كل انسان يملك عقل ونسب وثراء عليه ان يكون شخص طبيعي بالمعنى الحرفي ، فهناك من لا يملكون كل هذا ويعادلون الناس الطبيعيين بمئات المرات ، لذا لا تجعلي المظاهر تخدعك او تخونك فكل الناس بالموجز مختلين عقليين وبحاجة لمصحة لجمع كل هذه الاعداد الهائلة بها ! وانتِ لست استثناء عنهم"
زفرت انفاسها بصدمة ما ان وصلها المعنى الحرفي لكلامه القاتل الذي ضربها به بعنف ، وما ان تداركت نفسها حتى صدمت باختفاء (شادي) من الغرفة بثواني ، لتخرج بسرعة من السرير حتى سقطت عنه بلحظة وهي تستقر جاثية على الارض ، لتصرخ بعدها ببكاء عالي وهي تضرب الارض بقبضتيها وكأنها تنازع بالحياة
"لا ترحل ، لا تهجرني ، لا تفعلها بي يا شادي ، لا تفعلها بعد كل ما قدمته لك...."
اجهشت ببكاء عالي دخل الحارس على صوتها بفزع ، وما ان رآها بهذا الشكل حتى دنى بالقرب منها وهو يقول بخوف متوجس  
"ماذا هناك يا سيدتي ؟ هل هناك ما يؤلمك ؟ هل استدعي الطبيبة لكِ ؟ ماذا افعل ؟"
ضربت ذراعه بعيدا عنها وهي تصرخ بحقد فقدت السيطرة على زمام نفسها
"اتركني وشأني ، اتركني يا حثالة المجتمع ، انت مثلها من نفس الطبقة الدنيئة والدماء المدنسة ! اللعنة على امثالكم....."
فقدت وعيها بعد تلك الكلمات وقواها تخمد بالكامل ، بينما كان الحارس يضرب على خدها وهو يحاول إفاقتها بخوف شل حركته ، وعندما يأس نهض من مكانه وهو يغادر من الغرفة هربا من العقوبة التي قد تقع عليه ، وهذا حال الطبقات الغنية عندما تقع الكارثة الجميع يبدأ بالهرب منهم خوفا من المكانة العالية وعواقبها وليس خوفا على الضحية التي انتهت بسبب العنصرية بين البشر .
_______________________________
كانت تلف ذراعه بضماد جديد وهي تتكلم اثناء عملها بسعادة غامرة وكأنها تخرج بهجة انحبست بقلبها امد طويل
"لقد كان يوم مرهق للجميع والكل على اعصابه ، ولكنه انتهى على خير وعلى افضل مما توقعنا ، لقد كان يبدو على الجميع السعادة والفرحة تعم المكان ، فبعد سنوات من البؤس والقهر والمعاناة التي قاسيناها طويلا طرقت السعادة ابوابنا اخيرا ، لكي استطيع هذه المرة ان افرح بابني كما ينبغي ، وانا اراه يعيش حياة طبيعية هادئة ويؤسس اسرة وكيان له ، فهذا كان دعائي ورجائي الوحيد بالحياة ان ازوج اولادي وافرح بهم جميعا ، واتمنى ألا تكون هذه آخر الافراح بمنزلنا"
رمقها بطرف حدقتيه وهو يفهم جيدا تلميحها الاخير ليقول بعدها بشبح ابتسامة هادئة
"جيد يا عمتي ، لقد فرحت كثيرا بسماع هذه الاخبار المبشرة ، واتمنى السعادة لهما طيلة حياتهما وان يبارك الله لهما بهذه البداية الجديدة ، فالجميع يستحق العيش بسعادة بالنهاية"
تأوه بألم وهو يمسك بذراعه المصاب ما ان شدت الضماد عليه بقوة ، ليقول بعدها بملامح متغضنة بألم
"امي ماذا تفعلين ؟ هذا مؤلم جدا ، خففي من شد يديك على الضماد !"
افلتت ذراعه بقوة وهو يضمها لصدره بحماية ما ان قالت بعبوس مستاء
"وماذا ينقصك انت حتى لا تستحق عيش السعادة ؟ انت تستحق ان تكون سعيد بقدر شقيقك ، هل ستبقى تتكبر على النعمة هكذا وتحرمها من نفسك لأنك تجد نفسك قليل عليها ؟ فكر بنفسك قليلا وتوقف عن دفنها بالحياة ، ما صدقت انفكت عقدت شقيقك العصبي حتى انشغل بعقدتك انت الآن ! افرحوا بحياتكم وافرجوا هم والدتكم التي تعبت معكم !"
غامت ملامحه بسحابة سلبية وهو يتحسس بأصابعه على ذراعه المصاب قائلا بخفوت خاوي
"لا فائدة من هذا الكلام يا امي ، فأنا شخص غير مقبول بالمجتمع ومنبوذ بشكل عام وليس لي اي اعتبار او قيمة ، فمن هي الانسانة التي ستقبل بالارتباط برجل مثلي او التفكير بمناسبة عائلتي ؟ لن يفعل احد تلك الخطوة المتهورة بحياته !"
كتفت ذراعيها فوق صدرها وهي تقول ببأس
"قُل هذا الكلام مجددا من اجل ان اكسر ذراعك هذه المرة للأبد ، ولماذا ليس هناك امرأة قد تقبل بك او تناسبك ؟ هل هناك عيب خلقي او عيب شكلي بك ؟ لو كنت لا اعلم عن موضوع تلك الفتاة لظننتك صادق بكلامك ! ولكن بما ان تلك الفتاة موجودة وتحبها ما لذي يمنعك عن فعلها ؟"
رفع عينيه باتساع مشدوه وهو يقول بتلعثم متخبط
"ماذا ؟ عن اي فتاة تتكلمين ؟....."
قاطعته بقوة بدون ان تمنع العطف من تخلل صوتها
"اعرف جيدا بأن هناك ما يجمع بينك وبين تلك الفتاة ، وهذا كان واضح عليكما بكل لقاء يحدث امامي ، وانا لست عمياء حتى لا ألاحظ الغمامة التي تأسر ابني ما ان يقابل تلك الفتاة ! واتمنى حقا ان تكون نصيبك وقدرك بالحياة ، فقط انت اعطني الإشارة وانا اعدك بأن اجعل الامور كلها تسير لصالحك"
تغضنت زوايا حدقتيه بعذاب وهو يخفض نظره قائلا بشرود قاتم
"ولكن تلك الفتاة قد رفضتني سابقا عندما عرفت بأنني ابن رجل عصابات ، واخبرتني حينها بأن فتاة شريفة من المستحيل ان ترتبط بمجرم ، ومنذ ذلك الوقت قررت الابتعاد عن طريقها واخلاء سبيلها لترى حياتها"
احنت حاجبيها بحزن وهي تخفض ذراعيها وتجلس بجواره على السرير ، لتربت بعدها على كتفه وهي تقول بابتسامة حنونة
"انت مخطئ يا بني ، لو كانت حقا لا تريدك لما سعيت لإنقاذك بكل هذا الإيثار والخوف على حياتك ! لما جلبتك إلى هذا المنزل الذي يبعد عن منزلها مسافة طويلة فقط لكي تحميك من الشرطة ! لما اهتمت بالمجيئ إليك كل فترة للاطمئنان على وضعك وصحتك ! وكل هذا لا يدل سوى على مشاعرها التي ما تزال تكّنها نحوك وتهتم بأمرك ، لذا عليك ان تفكر من هذه الناحية وتعطي هذا الموضوع جديتك ، فقد تستطيع هذه المرة تغيير نظرتها ورأيها نحوك"
حانت منه التفاتة نحوها وهو يقول بتردد يشوبه الخوف من الانكسار من جديد
"ولكن يا امي ، ولكن ماذا لو رفضتني ؟ ماذا لو كنت متسرع هكذا ؟ لا اريد إيذائها مجددا....."
قاطعته بهدوء وهي تمسح على ذراعه المصاب قائلة بابتسامة جادة
"لن تعرف الاجابة إذا لم تجرب ، لذا عليك بخوض التجربة بقلب قوي وإثبات حبك لها بالأفعال ، وعندما تكون مؤمن وواثق بنجاحك فأنا متأكدة بأنك ستنجح لتحصد ما زرعته يداك"
اعتلت ملامحه ابتسامة هادئة وهو يقول بحسم
"حسنا يا امي ، سأفعل ما بوسعي"
تنهدت (هيام) بارتياح وهي تقول بخفوت باسم بابتهاج
"اجل قُل هذا الكلام منذ البداية ، الآن استطيع الاطمئنان على مستقبلكما"
مدت يدها وهي تقول بخفوت صارم
"اعطني ذراعك لأكمل تضميدها"
ابتلع ريقه بصعوبة وهو يقول بتوجس
"حسنا ، ولكن بلطف رجاءً ، فأنا لا اريد خسارة ذراعي...."
امسكت بذراعه وهي تسحبها بقوة قائلة بدور الأم الحازمة
"توقف عن التذمر كالأطفال ، من يراك تتصرف هكذا لا يصدق بأنك رجل تجاوز سن الثلاثين من عمره !"
تغضنت زاوية ابتسامته بسعادة وهو يراقبها تكمل تضميد ذراعه بحرص شديد ، ليقطع بعدها الصمت الذي اقتحم الغرفة على نحو مفاجئ ، ليتسمر بعدها بمكانه وهو يقول بخفوت جاد 
"لقد كنت ابحث عنكِ بكل مكان ، لماذا اختفيتِ هكذا ؟"
نهضت عن طرف السرير وهي تنفض العباءة عليها قائلة بعبوس صارم  
"تكلم بأدب يا ولد ، هل تظنني اعمل عند سيادتكما ؟ ألا يستطيع كل منكما خدمة نفسه بنفسه ؟"
ادار عينيه بعيدا وهو يقول بجمود صخري
"لم يطلب منكِ احد العمل على رعايته !"
اشاح (اوس) بوجهه بعيدا وهو يفهم جيدا تلميحه ، بينما امسكت خصرها بيديها صاحبة الملامح العابسة وهي تقول بصوت فاتر
"ماذا تريد الآن ؟ لماذا كنت تبحث عني ؟"
اعاد (جواد) نظره لها وهو يقول بجدية  
"اريد اخباركِ بأمر هام ، لذا هلا اتيتِ معي قليلا للحديث بالخارج ؟"
عقدت حاجبيها وهي تقول بخفوت جامد
"ولماذا بالخارج ؟ يمكنك التكلم هنا امامنا ، ليس هناك احد غريب بيننا ، هيا تكلم"
اطبق على اسنانه وهو يرمق الجالس هناك بنظرات جانبية قائلا بوجوم
"امي لا تفعلي هذا الآن ، فأنا جاد بما اقول....."
قاطعته (هيام) بإصرار وهي تنفض ذراعيها على جانبيها بعنف
"هل ستتكلم بما لديك ام لا ؟"
تنفس بكبت وهو ينظر لها مباشرة ليقول بعدها بهدوء جاف
"حسنا كما تشائين ، لقد قررت ان يكون حفل الزفاف بعد اسبوعين من الآن ، وتحدثت مع صفاء بهذا الموضوع واعطيتها علم بذلك ، وهي من جهتها ستخبر عائلتها بالأمر ، فليس من الصحة ان نطيل هذا الامر اكثر بما انها بوضع خاص وليس الجميع لديه علم بموضوع زواجها الأول"
تهللت اساريرها بسعادة وهي تنفض رداء الصرامة عنها لتقترب منه خطوتين وتربت على ذراعه قائلة بنشوة كبيرة
"احسنت فعلا يا بني ، ومبارك لكما مسبقا ، اتمنى ان تكون هذه المرة بداية سعادة وخير عليك . واخيرا سيتحقق هذا الحلم الذي لطالما حلمت به وهو ان اراك امامي اجمل عريس واملئ عينيّ بك يا ابني الوسيم !"
اومأ برأسه بابتسامة شقت طريقها على طرف شفتيه وهو يقول بسعادة تماثل سعادتها التي باتت تلمع بعينيها السوداوين الفاتنتين
"شكرا لكِ يا امي ، شكرا لكِ على كل شيء"
تدخل الفرد الصامت بينهما وهو يقول بابتسامة بها لمحة سعادة 
"مبارك لك ، اتمنى لكما السعادة"
انحرفت ابتسامته كما نظراته لصاحب الكلام قبل ان يقول ببرود  
"سلمك الله ، واتمنى الشفاء لذراعك"
صفقت (هيام) فجأة بيديها حتى جذبت نظرهما لها وهي تلتفت بنصف جسدها حتى اصبحت بينهما لتقول بعدها بابتسامة كبيرة بحماس  
"لقد خطرت لي فكرة رائعة راودتني الآن ، ما رأيكما بعمل حفل زفاف مزدوج يشارك به كلا الشقيقين ؟ واقصد جواد وعروسه واوس وعروسه ، وسيكون بحدود الادب والدين يعني زفاف جواد بوقت معين ويليها زفاف اوس بوقت آخر ، وهكذا استطيع ان اعيش الفرحة مرتين واطمئن على مستقبل كليكما مع التي تسعدكما وتسركما"
"ماذا ؟!"
صرخ كليهما بآن واحد بكلمة استنكار بعد ان فوجئ الاثنين بقرارها الغير متوقع ، لتتنقل بنظرها بينهما بحيرة وهي تقول بابتسامة بريئة 
"ما بكما ؟ لماذا صدمتما هكذا ؟ هل لدى احدكما اعتراض على هذا الكلام ؟"
تدخل (جواد) فور خروجه من صدمته وهو يقول باستهجان واضح
"انا لدي اعتراض بالطبع ، كيف تريدين اقحام زفاف آخر بحفلة زفافي ؟ كيف تغيرين بقراراتي الخاصة هكذا ؟ هذا حفل زفافي انا وليس حفل زفافه ! وانا لا اقبل بوجوده بهذا الحفل من الاساس حتى اقبل بالزواج معه !"
لوحت بأصبعها بوجهه وهي تقول بحزم معاتب   
"إياك يا جواد ، إياك والتصرف هكذا مع شقيقك ! ألم انبهك سابقا على التعامل مع شقيقك برحمة ومودة اكبر ؟ انه شقيقك الوحيد وليس لك سواه بهذه الحياة ، إذا لم تشاركا الفرح والسعادة بين بعضكما وتكونا يدا واحدة بكل شيء فمن سيفعل برأيك ! انا لن ابقى حية طيلة حياتي اعيد عليكما هذا الكلام واحاول الجمع بينكما ، لذا عليكما فهمه بأي طريقة لكي استطيع الراحة والاطمئنان عليكما قبل مماتي"
قطب جبينه بحدة وهو يقول بجمود قاسي 
"وانا قد اخبرتكِ بأنني لا املك شقيق مثله ، ليس لدي اشقاء ما عدا شقيقتي الصغرى المتوفاة ، وعلاوة على ذلك من هي التي ستقبل به زوجا لها !......."
صرخت من فورها وهي تنفض ذراعها للأسفل
"اخرس يا جواد"
ساد صمت مشحون بالأجواء بين ثلاثتهم وكل منهم مشغول بالتفكير بهمه ، لتقطعه بعدها التي ضربت على صدرها بقبضتها وهي تقول بغصة مريرة
"كل الذي اردته بحياتي هو ان افرح بكما واراكما تكونان عائلة وحياة سعيدة لكل منكما ، اما آن للحزن ان ينتهي ونفتح صفحة جديدة خالية من كل آلام ومآسي الماضي ! فقد تعب قلبي كثيرا من التخبط بتلك الزاوية بدون ان يرحمني احد ، لو كانت ابنتي على قيد الحياة لتمنيت ان ازوجها معكما وافرح بها كذلك ، ولكن شاء القدر ان تفارقنا بعمر مبكرا جدا قبل ان يحين موعد قطافها ، والآن لو كان لديكما ولو ربع خاطر عندي فستفعلان ما اقوله لكما وتفرحان بزواجكما معا ! هذا لو كنتما تفكران بسعادة والدتكما وراحة بالها"
تنهد (جواد) بضيق وهو يقول من فوره بسخرية  
"امي انتِ تحاولين ان تكوني عاطفية زيادة عن اللزوم من اجل ان نرضخ لكِ بسهولة وتحركي مشاعرنا ، وتستخدمين سيرة شقيقتي المتوفاة حجة لكي تكون دافع لكِ ، ولكن هذا لن ينفع يا امي ، لن ينفع معي ابدا ، فأنا لا اخدع بسهولة !"
ضيقت حدقتيها السوداوين بجمود وهي تقول باستنكار غاضب
"حقا متحجر القلب ! لا اعرف كيف سوف تستطيع الفتاة تحمل العيش معك طيلة حياتها ؟ حقا انت لا تطاق !"
قال (اوس) بهدوء وهو يعطي رأيه بالموضوع لأول مرة
"انا ارى بأن جواد على حق ، فنحن ليس لدينا الحق بالتدخل بأمور حفلة زفافه والذي جهز له طويلا ، وليس من المنطق دخولنا الآن بالوسط وإفساد مخططاته....."
قاطعته (هيام) بثورة وهي تلوح بذراعها بينهما صارخة بانفعال ضاري
"اصمت انت ، يكفيكما هذا القدر من قلة الادب والحياء ! ألم يعد لدي اعتبار عندكما ؟ هل اصبحت مجرد تمثال لا وجود له بحياتكما ؟ لا تعطون كلامي اي اهمية او قيمة ! ما رأيكما ان اغادر حياتكما واسكن بالنصف الآخر من العالم لترتاحوا مني ؟ انا هي كبيرة هذه العائلة والمسؤولة عنها وما اقرر هنا عليه ان ينفذ بالحرف الواحد ، ولا اريد سماع اي شكوى او تذمر بخصوص هذا الموضوع فقد انتفخ رأسي وقلبي بالفعل ، ومن لديه اعتراض على هذا الامر فلا يتوقع مني حضور حفلة زفافه او اعطاء مباركتي عليه ، وهذا آخر كلام عندي لكما"
صمت كليهما ونظراتهما تتشكل بين الصدمة والاستنكار والخوف من فكرة الاعتراض عليها وهذا يفوق كل المشاعر الاخرى ، لتوجه (هيام) كلامها لابنها الكبير وهي تقول بغضب لم يخمد بعد
"ماذا يا جواد ؟ هل ما يزال لديك اعتراض على كلامي ؟"
حدق بها بجمود لبرهة حتى عصفت كل المشاعر على صفحة وجهه قبل ان يستدير بكامل جسده وهو يقول بعدم اهتمام
"افعلوا ما تشاؤون ، فلم يعد يهمني كل ما تفعلون ، ولكن اهم شيء عليه ان يبقى بأذهانكم بأن هذا الزفاف سيكون بعد اسبوعين ولن يتغير تحت اي ظرف كان"
غادر بعدها خارج الغرفة قبل سماع اي تعليق منهما وكأنه يدلي بموافقته بطريقة غير مباشرة ، ليقول بعدها (اوس) يقاطع الصمت بخفوت واجم
"هل من الصحيح فعل هذا يا عمتي ؟ فهو يبدو غاضب منا جدا ، وعلى هذه الحال قد يحاول الانتقام مني وفعل كل ما يلزم ليخرجني من هذه العائلة ومن فكرة الزفاف !"
التفتت نحوه بملامح هادئة وهي تجلس بجانبه على طرف السرير قائلة باطمئنان
"لا تقلق من هذه الناحية يا بني ، فجواد لا تخرج منه مثل هذه التصرفات التي تناقض طبيعته ، ولن يحاول فعل شيء لك ليفسد خطة الزفاف المزدوج ، قد يبدو لك غاضب جدا الآن ولكنه مع مرور الوقت سيتحسن مزاجه تلقائيا ويبدأ بتقبل الفكرة سريعا"
اومأ (اوس) برأسه بشرود وهو يغمغم بخفوت
"يعني تقولين بأنه لا داعي للقلق !"
اومأت برأسها بهدوء وهي تربت على كفه فوق ساقه قائلة بابتسامة عطوفة
"لا تفكر بكل هذا الآن ، بل عليك ان تفكر بتجهيز نفسك غدا من اجل ان نطلب الفتاة من عائلتها ، فلم يتبقى سوى اسبوعين على زواجكما لذا عليكما ان تحضرا نفسكما جيدا لهذا الحدث المهم"
اخفض نظره بحياء تمكن منه بدون ان يتخلى عن حذره وهو يهمس بخفوت قلق 
"اعتقد بأننا نستبق الامور بسرعة كبيرة ، فلا شيء واضح للآن"
شددت بيدها البيضاء الشاحبة على يده السمراء الخشنة وهي تقول بابتسامة حانية بدفء تزرع الأمل بقلب اليائس
"تحلى بالأمل يا اوس ، فلولا الأمل لما بقي احد واقف على قدميه ولكانت انتهت البشرية منذ سنوات"

نهاية الفصل.......

بحر من دموع Where stories live. Discover now