الفصل الثاني عشر

145 6 4
                                    

كانت تراقب والدها من شق الباب الموارب لغرفته وهي تعض على طرف شفتيها بتوتر بين اللحظة والأخرى وهي تتفاعل مع كل حركة يصدرها والدها على ازرار الحاسب امامه ليبعث رعشة خاطفة بأطراف جسدها لوهلة وهو جالس فوق السرير باسترخاء بينما الحاسب موضوع فوق حجره ورزمة من الأوراق متكومة بجانبه على السرير ، تنقلت بنظرها بتمهل بملامح وجهه الشاحبة ببعض التجاعيد وبوهن المرض والذي لم يتركه وشأنه للآن لتبقى دائما تعيش على خوف خسارته بين اللحظة والثانية بحياتها لتكون عندها الضربة القاضية لما تبقى لها من جمال بهذه الحياة والتي يكون الأساس فيها ، ابتسمت بعدها بحنين ما ان تذكرت زياراتها الليلية لغرفة والدها عندما يصل بها الخوف من النوم لوحدها بالغرفة الموحشة لأقصاه بعد ان يسرد عليها شقيقها كل انواع قصص الرعب ليتسلى بخوفها وجبنها من هذا النوع من القصص لتضطر بالنهاية ان تبات ليلتها مع والدها بعيدا عن كل اشباح الرعب والتي يوهمها شقيقها بوجودها .

تنهدت بعدها بلحظات بهدوء وتروي وهي تعود لتذكير نفسها بقوة بما عليها قوله الآن وكيفية مفاتحته بموضوع طلب (جواد) الزواج منها والطريقة المثلى لإقناعه بالموافقة عليه بدون اي مشاكل او ان يدخل الشك قلبه ، لتبتسم بعدها بنعومة وهي تضرب بقبضتها على صدرها بحالمية شاردة غيبت ذهنها بعالم يقظتها الخيالي لثواني .

ضربت على رأسها وهي توبخ نفسها بشدة وتذكرها بأنه ليس الوقت المناسب للأحلام بل هو وقت الفعل والعمل ليصبح كل ما تتمناه واقع ملموس امامها بدلا من وجوده بمخيلتها الحالمة فقط ، لتدفع من فورها باب الغرفة بهدوء وهي تطرق عليه بيدها الأخرى بحذر ، وما هي ألا لحظات حتى ارتفع الرأس المشغول بجهاز الحاسب بهدوء وهو ينزل النظارة الطبية عن عينيه برفق ، لتنشرح بعدها بلحظة ملامحه بسعادة بشوشة وهو يقول بوقار حنون مشيرا لها بذراعه
"هيا ادخلي يا صغيرتي ، لا تبقي واقفة عند الباب هكذا وألا امسكت بكِ اشباح المنزل !"

اتسعت مقلتيها بوجل وهي تصرخ بتذمر
"ابي ليس انت ايضا !"

ضحك والدها بهدوء بشوش وهو يضع النظارة بجانب السرير فوق المنضدة برفق قبل ان يعود بالنظر لها قائلا بابتسامة متزنة
"هيا تعالي إذاً واجلسي بجانبي فقد اشتقت كثيرا لزياراتكِ الليلية ولقصصكِ والتي امتنعتِ عنها منذ فترة طويلة ، وكأنكِ تعاقبينني بدون ان اعرف السبب لذلك !"

حركت رأسها بالنفي بسرعة وهي تجري باتجاه السرير قبل ان تصعد من فوقه بلحظات ، لتعانق بعدها من فورها كتفيه العريضين بذراعيها وهي ترمي رأسها على كتفه قائلة بمحبة بالغة
"لا تقل مثل هذا الكلام يا أبي انت فقط اؤمر وانا انفذ ! فقط انشغلت قليلا عنك مؤخرا ببعض الأمور والتي انستني اياك تماما ، ولكني اعدك بأني من الآن وصاعدا لن انقطع بزياراتي عنك وسرد القصص لك حتى تشعر بالملل مني وتتوسل مني ان اتركك وشأنك !"

بحر من دموع Where stories live. Discover now