الفصل العشرون

128 6 1
                                    

تغضن جبينه بضيق وبألم مبرح ما يزال يراوده برأسه مثل ضرب المطرقة وهي تزداد بقوة مع كل محاولة منه للتشبث بخيوط وعيه الهاربة للخروج من دوامته السوداء السحيقة...وكأنها حبال تجذبه للأسفل بدون إرادة منه وهو كل ما يفعله بأن ينفض كل ما يتعلق بضباب عقله المغيب تماما عن العالم .
 
تشنجت ملامحه فجأة ما ان بدأ يصل لسمعه المغيب بعض الهمهمات الخافتة وهو يلتقط بعض من الكلام الخافت بصعوبة وما استطاع الوصول لمجرى سمعه
"هل تعتقدين بأنه ما يزال على قيد الحياة ؟"
 
لتأتي الإجابة من صوت آخر بعيد بعض الشيء بذعر واضح
"توقفي عن السخرية يا مرام ، فهذا الأمر لا يدعو للتخمين به ! علينا إيجاد طريقة لإيصاله للمشفى بدون ان نصادف اي متاعب نحن بغنى عنها"
 
عاد الصوت القريب منه للكلام بانفعال ساخر
"ولكن رأسه مصاب بشدة وهناك بعض قطع الزجاج العالقة بين شعره ، وغير هذا من المستحيل ان نوصله للمشفى بالسرعة المطلوبة وهو على هذه الحال ! إذاً هو بعداد الموتى....."
 
قاطعتها مجددا وهي تصرخ بغضب حانق
"كيف تستطيعين قولها بمثل هذه البساطة ! هل تريدين منا تركه هنا حتى يحتضر بمكانه ونحمل ذنب موته طيلة حياتنا ؟....."
 
قالت بسرعة ذات الصوت الساخر بامتعاض
"على مهلك قليلا يا رجاء ! لا تنسي بأن مساعدته ستؤثر كثيرا على حياتنا المهنية عندما يضعوننا بوضع المتهمين وعلى قائمة شهود العيان ، لذا ارى بأن تركه هنا افضل بكثير من خسارة عملنا بهذا المكان المحترم والذي لن نجد عمل افضل منه"
 
غيم الصمت الثقيل للحظات على المكان وهي ما كان يحتاجها الجسد الخامد على الارض الرخامية بدون اي حركة ، ليبدأ بتحريك مفاصله المتعبة تدريجيا بدءً بعضلة جفنيه والتي بدأت تفتح عن عينيه لتزيل غشاء تشوش الرؤية عنهما لوهلة وتظهره الصورة امامه واضحة ، وهو يقابل نصف وجه الجالسة بجانبه والتي كانت تنظر للأخرى والمصدر الثاني لكل تلك الثرثرة المزعجة والمتواجدات معه بنفس الغرفة .
 
حرك ذراعه ببطء وهو يقبض على كفه بقوة للحظتين فقط نفضت التعب والخمول عن باقي مفاصله ، قبل ان ينتفض الجسد بلمح البصر جالسا بجانب التي جمدتها الصدمة بمكانها وهو ينتشل المسدس من جيب بنطاله بيده الاخرى ليوجهه مباشرة امام وجه المقابلة له وبشحوب مميت ، خرجت الشهقة الانثوية قاطعة الصمت بلحظة من الواقفة بعيدا عنهما وهي تنظر للمشهد الحيّ امامها بعيون متسعة بذعر وكأنه كابوس قد تجسد بحياتهما جمد الدماء بعروقهما برعب لم يسبق ان حدث معهما من قبل ، وما ان كانت على وشك الهروب من الغرفة لطلب النجدة حتى اوقفها الصوت الشرس والذي عاد لجنونه وهو يصرخ ببحة التعب والتي طغت على صوته لتجعله اكثر خشونة عن السابق
"إياكِ والتحرك من مكانكِ ، وألا ستكون حياة صديقتك هي الضحية ، ألا إذا كنتِ تفضلين النجاة بنفسك على مساعدة صديقتك !"
 
استدارت نحوه بارتجاف طغى على كامل جسدها وهي تنظر له بعيون متسعة بدموع حبيسة بدون اي ردة فعل ، بينما التي كانت تجلس ارضا تنتحب بمعنى الكلمة وبدون ان تشعر بالدموع والتي سقت وجنتيها بغزارة بدون ان يرحمها ، لتنطق بعدها الواقفة بمكانها وهي تهمس بشفتين مرتجفتين برجاء شديد
"ارجوك ان تتركنا وشأننا يا سيد ، فنحن لم نفعل لك شيء ابدا ، وكنا على وشك مساعدتك......"
 
قاطعها بزمجرة خشنة وهو يلوح بالمسدس باهتزاز
"هششش ، لا اريد سماع اي صوت منكما ، وانا الذي اتكلم هنا"
 
صمتت الفتاة بامتقاع بشحوب مخزي وبموقف لا تحسد عليه ، لينقل بعدها نظراته المهتزة منها لأنحاء المكان المتواجد به وهو يكتشف لأول مرة وجوده بنفس الغرفة والتي كان من المفترض ان يقابل بها دميته والتي كان على وشك اصطحابها معه قبل ان يغيب كل شيء من حوله بثانية ويصبح مجرد جثة هامدة على ارضية الغرفة ، بدون ان يفهم التسلسل الزمني ومسار الاحداث والتي حصلت معه بكل هذه الفترة ؟
 
عاد بنظره بلحظة باهتزاز للجالسة امامه بسكون وهو يوجه الكلام لها قائلا بصلابة شرسة
"كم الساعة الآن ؟"
 
اجابت من فورها بتلعثم وهي تحدق بفوهة المسدس امامها باضطراب
"انها الساعة الثامنة صباحا"
 
ارتفع حاجبيه ببطء متوحش وهو يرفع نظره عاليا بتفكير مشوش غيم على عقله المظلم لبرهة ، فيبدو بأنه قد غاب عن الوعي ليلة كاملة بدون ان يشعر بشيء حتى جاء صباح اليوم التالي !
 
اتسعت عينيه بلونهما العسلي القاتم باحمرار طاغي وهو يخفضهما لنفس الفتاة ما ان استرجع اهم ذكرى كانت قد غابت عنه ، ليقول من فوره بعبوس متجهم بدأت تظهر صفة الاجرام بملامحه القاتمة
"ماذا حدث بزفاف الأمس الخاص بماسة الفاروق ؟ تكلمي حالاً"
 
ارتبكت ملامحها اكثر وهي تزيد من نبع الدموع بعينيها هامسة بعدم فهم
"لا اعلم عن ماذا تتحدث ؟....."
 
شهقت بذعر ما ان امسك فجأة بمؤخرة شعرها وهو ينحني امامها بتربص هامسا بفورة غضب اشتعلت بلحظة بصوته وهو يلفح بشرة وجهها بعنف
"تكلمي حالاً وألا فجرت رأسك الفارغ هذا !"
 
تدخلت من قالت باندفاع خافت وهي تنظر بعيون متسعة برعب
"هل تقصد زفاف شادي الفكهاني الذي حدث بمساء الأمس على قريبته ؟"
 
رفع نظراته نحوها ببطء بدون اي تعبير يسكن ملامحه المتوحشة ، لتقول من فورها بدون ان تنتظر إجابته بخوف من ان ينهي على حياتهما
"الحقيقة لقد انتهى الزفاف بأحسن حال ، والعروسين كانا بقمة سعادتهما ، ولم يحدث اي مشاكل من اي نوع"
 
شحبت ملامحها برهبة ما ان تجمدت العيون الناظرة لها بتوحش مخيف وبصمت عميق يكاد يفترسها بدون ان تفهم بماذا اخطئت ! لتتراجع تلقائيا للخلف ما ان افلت شعر الجالسة بمكانها ليقف بعدها على قدميه ببعض الترنح قبل ان يتوازن باستقامة ، ليهمس بعد عدة لحظات بفحيح غاضب وهو يقدح بعينيه العسليتين بشرارات مجنونة
"ماذا قلتِ ؟ هل تقصدين بأن الحفل قد انتهى بالفعل ؟ واصبحت الآن ملكه ومع من يستحق الحصول عليها هو عن دون الجميع !"
 
فتحت شفتيها عدة مرات بدون ان تجد ما تنطق به والصدمة والرعب تجمد اطرافها عن الحركة تماما لثواني ، وهي تلمح بعينين دامعتين المسدس وهو يرتفع عاليا ليصوبه فوق رأسها وهو يقول بجنون سيطر على عقله المتعب والمغيب بضباب غضبه
"مستحيل ان يحدث هذا ؟ انتِ كاذبة ! مستحيل !"
 
وضعت كفها على فمها برعب وهي ترتجف بشهيق منتحب متوقعة ان تسمع طلقة الرصاصة من مسدسه بأية لحظة ، ولكن الذي قابلها هو الصمت التام والذي غيم على المكان للحظات ، قطب جبينه بغضب شرس وهو يخفض المسدس امام نظره بلحظة ليتفحصه جيدا وهو يقلبه على جانبه الآخر بتدقيق قبل ان يفتح مخزون الطلقات وهو يكتشف بصدمة بأنه فارغ تماما من اي طلقة ، بالرغم من تأكده الدائم بتعبئة مخزون المسدس بدون ان يغفل عنه ، إذاً من الذي قام بتفريغ مخزون طلقات مسدسه ؟
 
استغلت الجالسة بمكانها الفرصة وهي تزحف بعيدا عنه قبل ان تنهض بتعثر وهي تنضم بالوقوف مع صديقتها ، لينقل بعدها نظراته لهما بشراسة مخيفة وهو يهمس بخفوت خشن بقسوة
"ألا يعرف احد منكما اين يسكن صاحب حفلة الأمس ؟ واين ذهب بعد الحفلة ؟"
 
حركت الفتاتين رأسيهما بالنفي بآن واحد بصمت تام ، ليزمجر بعدها بخشونة نافذة الصبر بلحظة قبل ان يندفع بعيدا عنهما وهو يخرج من الغرفة بأكملها بقوة ، ليطلق كليهما أسر انفاسهما المحبوسة وصاحبة الابتسامة المرتجفة والتي كانت على وشك الموت بين يديه وهي تنطق بظرافة
"يبدو بأنها من مشاكل قصص الحب والخيانة ! ونحن لا علاقة لنا بها صحيح ؟"
 
نظرت لها الاخرى بطرف عينيها الدامعة وهي تتنهد هامسة بغضب
"مرام حقاً !"
 
بينما كان الذي وصل لمدخل القاعة قد توقف وهو يغطي جبينه بكفه من اشعة الشمس الحارقة والتي زادت الغباش بعينيه المرهقتين ، ليتخلل بعدها شعره بغضب وهو يشعر بعودة الألم المبرح لرأسه وكأنه مقسوم لنصفين من شيء حاد ضربه بقوة ، ليخفض يده بسرعة وهو يحدق بجمود بقطعة الزجاج والتي التقطها من بين خصلات شعره تلطخها بضع قطرات من الدماء ، والآن فقط علم سبب كل هذا الألم برأسه منذ دخوله بتلك الغيبوبة القصرية !
 
قبض اكثر على قطعة الزجاج حتى شعر بها تخترق باطن كفه ، وهو يهمس بشر سيطر على كيانه بلحظة
"ماسة"
 
ألقى بقطعة الزجاج بعيدا وهو يتنفس بفوران لينفض ذراعيه للأسفل بسخط ، قبل ان يعبس بضيق وهو يشعر بملمس شيء يستقر بجيب بنطاله ، دس يده بسرعة بجيب بنطاله وهو يخرج منها ورقة مطوية بتجعد لا يذكر سبب وجودها بجيبه ؟
 
امتقعت ملامحه لوهلة وهو يفتح الورقة بصمت لتسافر عينيه للمكتوب وهو يشعر بسواد يتوسع بداخله تلقائياً بدون اي رادع
 
(مرحبا يا مازن اتمنى ان تكون الضربة ليست بكل هذا العنف والذي ابتغيته ، وان تكون ما تزال على قيد الحياة فأنا اعلم جيدا بأنك لن تتأذى بهذه السهولة من ضربة صغيرة من مزهرية زجاجية لا تقارن بما يفعله اعضاء العصابات بحياتهم ، وقد اردت ان اخبرك ايضا بأن تنسى وجودي تماما بحياتك لكي لا تتلقى المزيد من الضربات الموجعة اكبر من تلك الضربة الصغيرة والتي لن تستطيع بعدها اعادتك للحياة مجددا ، وبدل كل ما تفعله من تهور بحياتك التافهة عليك ان تفكر بكيفية تكفير ذنبك الوحيد والذي اقترفته بكل مجريات حياتك الماضية والذي دفع شقيقتك الوحيدة لتحمل مسؤولية فعلتك بدون اي ذنب ، فقط لأنها تكون شقيقة هذا المجنون والذي عذب الكثيرين بحياته بدون ان يعلم بأنه بيوم ما سيأتي الوقت الذي سيرد له بأقرب المقربين له ليدفع الجميع ثمن اخطائهم بهذه الحياة ، واي دمار قد يحوّل بحياة صفاء انت ستكون المسبب الرئيسي به)
 
(ملاحظة ؛ لقد افرغت مخزون طلقات سلاحك لكي لا تؤذي المزيد من البشر الابرياء بفورة غضبك ، ولكي لا اكون سببا بموتهم بحياتك الفوضوية !)
 
اغلق الورقة بهدوء يختلف عن الحالة التي كان بها قبل لحظات ، ليدسها بعدها ببساطة بجيب بنطاله بسكون تام ، قبل ان يتجه مباشرة بعيدا عن مدخل القاعة ونحو سيارته البعيدة بدون اي تعبير او شعور يطفو على ملامحه والتي هدئت تماما مثل حياته الفوضوية كما قالت .
______________________________
فتح عينيه ببطء شديد وهو يتأمل المكان من حوله احتاج منه للحظات ليستعيد كل ذكريات احداث الليلة الماضية...ليبتسم بعدها من فوره بكسل قطة وبسعادة اسد كمن حصل اخيرا على غريمته...والتي اصبحت بالنسبة لحياته اكبر من مجرد غريمته والتي كان يهوى اصطيادها ونجاح تصويب اهدافه نحوها والتي لم تخب يوما....وهي تتحول من ليلة وضحاها لمكسب كبير مشبع ربحه بعد عناء طويل وبعد ان وصم بلعنة جمالها والتي تتربص بروح عدوها لتنهي عليه بثواني...وهذا الأمر قد تجاوز مجرد متعة خاصة به ببداية تعارفهما وتحدي لقوتها لتكون مجرد وسيلة لينفض عنه بعض الملل...
تنهد عدة مرات بقوة وبرخاء احتل محياه بلحظة وهو يحفر بتفاصيل حياته الباردة والتي اصبحت اكثر تشويقا وإثارة عن السابق...اتسعت ابتسامته برخاء وهو يلتفت بذات اللحظة برأسه للجهة الاخرى من السرير...لتعبس زاوية من ابتسامته قليلا وهو يلمح الملاءة البيضاء الفارغة بجواره....لتعود الابتسامة لتتألق على محياه من جديد وهو يلاحظ انتفاخ الطرف الآخر الخاص بالنائمة بجانبه والذي يدل على كائن حي يقبع بهذا المكان بدون ان يظهر شيء منه .
 
عض على طرف شفتيه بمكر متسلي وهو ينام على جانبه ونظراته تلاحق بإثارة الجسد المختبئ اسفل الملاءة المشدودة عليه ، ليرفع بعدها ذراعه ببطء وهو يربت بخفة على رأسها الواضح من تحت قماش الملاءة هامسا بصوت اجش ثائر
"ألماستي ، هل انتِ مستيقظة ؟ هل ما تزالين على قيد الحياة ؟ استطيع مساعدتك بتقديم التنفس الاصطناعي لكِ ! فأنا ما ازال احتاجكِ ولم اكتفي منكِ بعد"
 
ارتفع حاجب واحد بوجوم وهو يشدد من القبض على ملاءة السرير بلحظة قائلا بصوت اجش خافت قريب من فورة الرغبة
"ألماستي هيا عودي لزوجك وكفى لعبا معه ، فقد لا استطيع السيطرة على نفسي طويلا يا حبيبتي !"
 
رفع يده ما ان ارتجف الجسد الساكن تحت الملاءة بصراخ منتحب بانفعال ببحة صوتها المثيرة مثل كل شيء بها
"اتركني وارحل عني ، لن اسامحك ابدا على فعلتك ! لن اسامحك ما حييت ، انا اكرهك....."
 
رفع ذراعه لفوق رأسه وهو يقول بانشداه منفعل وبحاجبين مرفوعين ببراءة
"ما بكِ يا ألماستي ! هل كل هذا الغضب لأنكِ شاركتي ليلتك الأولى مع زوجك كما يفعل جميع الازواج ؟ ام لأنكِ سلمتني نفسك بإرادتك الحرة !"
 
صمتت للحظات طويلة قبل ان يعود الصوت ليخرج من تحت الملاءة بخفوت شرس
"لم افعل"
 
اومأ برأسه ببساطة وهو يقول بصوت اجش واثق وبابتسامة اتسعت بتسلي
"بلى فعلتِ"
 
ردت عليه من فورها بعنفوان ارتجف معها جسدها بعنف حتى كاد يمزق الملاءة المشدودة من فوقه
"لا لم افعل ، وتوقف عن هذه اللعبة باستفزازي فهذا الأمر يضايقني بشدة وليس ممتعا ابدا ! فأنا الآن بحالة لن استطيع التحكم بها بتصرفاتي"
 
عقد حاجبيه بضيق وهو يتجاهل كلامها الاخير تماما ليعود ليمسك الملاءة بقوة اكبر وهو يهدد بسحبها قائلا بقوة
"حسنا يكفي هذا ، لأني قد مللت من هذا الحوار السخيف ، وهيا اسحبي الغطاء عنكِ وألا سحبته لكِ بنفسي ، فأنا اخاف عليكِ من الاختناق موتا بأول يوم لكِ بعد الزفاف"
 
انتفضت مجددا بعنف بعيدا عنه وهي تزحف لحافة السرير صارخة بعناد
"ابتعد عني يا شادي ولا تقترب مني مجددا ، وألا لن اسامحك هذه المرة بل سأدافع عن نفسي وستندم باليوم الذي اقترنت به بفتاة مثلي...."
 
حبست انفاسها بشهيق صامت ما ان شعرت بوجوده بجانبها تماما بلحظة وهو يحاوطها بذراعه بقوة ، وصوت همسه الخافت بحرارة انفاسه يخترق قماش الملاءة ليرسل رعشة بكامل جسدها
"وانا مستعد لمواجهة دفاعك يا ألماستي ، والذي سأكون اكثر من سعيد وانا اجعله طوع امري كما حدث بليلة امس"
 
ارتجف جسدها لوهلة وهي تدفع ذراعه من حولها بعنف لتزحف من فورها عدة سنتمترات وبلحظة كان جسدها يهوي اسفل السرير مع ملاءته ، تأوهت بألم شعرت به يخرج من صميم عظامها المتكسرة ومن جسدها العاري نسبيا ، لتسحب الغطاء عن وجهها بعنف وهي ترفع عينيها الهائجتين باتجاه صاحب الابتسامة المستفزة وهو يطل عليها من فوق السرير قائلا بصوت بارد متسلي وكأنها هواية ومتعة لا يتقنها سوى مع هذه المجنونة
"هل انتِ بخير ؟ هل كل عظامك سليمة ؟ لأنه ليس لدينا الوقت لننقلك الآن للمشفى ، وقد يظنون اطباء الفندق امور اخرى عن سبب الكدمات بجسدك ونحن لا نريد ان نزرع مثل هذه الظنون برؤوسهم !"
 
تأففت بنفاذ صبر احمر معه وجهها باحتقان الخزي ممزوج بالحياء حولها لجمر مشتعل ، وهي تحاول النهوض بضعف بعظامها التي تتأوه ألماً بدون ان تعلم مصدر كل هذا الألم ؟
 
عاد للكلام بعدها بلحظات وهو يراقبها باهتمام قائلا بقلق عابس
"هل اساعدك على النهوض يا ألماستي ؟ فأنا ارى مدى الصعوبة التي تواجهيها بمهمة النهوض عن الأرض بعد السقوط التاريخي الذي حدث معكِ !"
 
امتعضت ملامحها وهي تهمس بضيق مرتجف
"لا اريد شيئاً منك ، فقط ابتعد عني وتوقف عن مراقبتي"
 
حرك رأسه بلا مبالاة وهو مستمر بمراقبتها هامسا ببرود
"لا استطيع التوقف عن مراقبتك ، فهذا الامر يحدث فوق إرادتي الحرة ! وخاصة مع كائن مثير لا يقاوم غض البصر عنه"
 
زفرت انفاسها بهياج وهي تنهض واقفة بتعب حتى كادت تتعثر اكثر من مرة بملاءة السرير والتي كانت تلف بها كامل جسدها ، لتسير بسرعة بخطوات متعثرة حول السرير وباتجاه الحمام الملحق بدون ان توجه اي نظرة نحو القابع فوق السرير يشاهدها بصمت ، وقبل ان تصل للحمام بلحظة قال من خلفها الذي كان يبتسم بارتخاء بارد
"لديكِ فقط عشر دقائق حتى تنهي حمامك ، فأنا ايضا احتاج للذهاب للحمام ، لذا لا تتأخري كثيرا بفعل ما عليكِ فعله بالداخل ولا تظني نفسكِ لن استطيع الوصول لكِ وانتِ بالحمام !"
 
تنفست بغضب مكبوت وهي تحاول السيطرة على ما تبقى من اعصابها المنهارة ، لتمسك بمقبض باب الحمام بتشنج وهي تستمع لصوته يتابع كلامه بخفوت ماكر
"واحد ، اثنان ، ثلاثة......"
 
صرخت فجأة بغضب قبل ان تصفق باب الحمام من خلفها بعنف
"سحقا لك"
 
ابتسم بهدوء وهو يريح رأسه على الوسادة من خلفه وذراعه مرتخي فوق جبينه بخمول منتظرا مضي الدقائق بسرعة بفارغ الصبر ليكمل طقوس استمتاعه النهارية مع مجنونته الهائجة .
 
بعد عشر دقائق كاملة كانت تخرج من الحمام الملحق وهي تسير على ارض الغرفة الرخامية بقدميها العاريتين واصابعها النحيلة تحاول ربط عقدة روب الاستحمام الزغبي وخصلات شعرها المشبعة بالماء تلاحقها بقطراتها على طول ظهرها ، لتتوقف بتجمد لوهلة وهي تحين منها التفاتة نحو الذي ما يزال مستلقي على السرير بكسل وعينيه الباردتين تلاحق كل شبر بها مرورا بقدميها العاريتين حتى آخر خصلات شعرها المشبعة بقطرات الماء السائلة منه بدون ان يغفل عن اي تفصيل بها ، ونيران صامتة مشحونة بالإثارة عادت لتتأجج بينهما بهدوء تخبطات ارواحهما الهائجة بفورة .
 
قفز بلحظة خارج السرير بخفة دفعها للتراجع تلقائيا بتعثر حتى اصطدمت بخشب الخزانة من خلفها بقوة ، ليتقدم بعدها بهدوء امامها عدة خطوات كسولة بعثر كيانها بتأهب ، وما ان وقف امامها تماما حتى اشاحت بوجهها بعيدا عنه بصمت تام قبل ان تخفض جفنيها الحمراوين على احداقها بقوة ما ان رفع ذراعه نحوها بهدوء لثواني ، تغضنت تقاسيم وجهها بحيرة واجمة وهي تنظر للذي ابتعد عنها بصمت وبعد ان اخرج ملابسه من رف الخزانة من خلفها وهي التي ظنت بأنه يريد فعل شيء آخر بعيد عن اي نوايا صافية !
 
عضت على طرف شفتيها بحزن لحظي ما ان استدار بعيدا عنها ببرود ، لتغمض بعدها عينيها لوهلة براحة غزت اطرافها ما ان شعرت بوقع خطواته تعود ادراجها ، ليتبعها بلحظة بقبلة صغيرة على شفتيها اوداها كل الاشتعال بداخل صميم روحه لتخفف القليل من الحمم الهائجة بداخل كل منهما .
 
ابتسمت بهدوء وهي تفتح عينيها ببطء ناظرة باتجاه الذي اغلق باب الحمام من خلفه بصمت ، لتموت ابتسامتها بمكانها بلمح البصر وهي تشاهد انعكاس صورتها بالمرآة امامها ، وكم هالها ما رأته من تحول حالها الملحوظ والذي بدأ يطفو لا إراديا على سطح حياتها ! لتقبض من فورها على يديها بقوة سرت بكامل إنحاء جسدها المشحون وهي تغرز اسنانها الحادة بطرف شفتيها بقسوة مذكرة نفسها بوضعها الآن والحقائق المخفية والتي عليها ازالة الستار عنها بأقرب وقت ممكن وقبل ان تتحول لمجرد ضحية بهذه العلاقة .
______________________________
بعد مرور عدة دقائق كانت تنظر لنفسها بالمرآة وهي مستمرة بتمشيط شعرها الطويل المبتل بشرود طفى على ملامحها...وهي تزيد من قسوة حركاتها برتابة مع اتساع حدقتيها البحريتين بآن واحد وبعد ان عادت لتلوينهما بالعدسات اللاصقة الخاصة بها...لتخفي كل انفعالات او تشنجات قد تظهر بسحابات عينيها الداكنتين واللتين اسرتهما غصبا بغشائها البحري الهائج...ولكي تمنع اي مشاعر غادرة قد تظهر على السطح لتفقدها السيطرة على ذاتها .
 
اخفضت يدها الممسكة بفرشاة الشعر بخمول سرى بطول ذراعها حتى آلمتها من قسوة حركاتها....لتلقي بها فوق طاولة الزينة بلا مبالاة...وهي تعود للنظر لشكلها العابس بالمرآة بدون اي حياة وكأن جميع انوارها قد انطفئت فجأة بحياتها بلحظة خاطفة بعد كل ما حدث من مجريات غيرت متاهات حياتها...زفرت انفاسها بعنف وهي تعيد خصلاتها المبتلة بقوة لخلف اذنيها بدون ان تسمح لها بالفرار...لتراقب بعدها قطرات الماء الصغيرة التي كانت ما تزال تسيل فوق كتفيها ببطء حتى تصل بثواني لأطراف ثوبها القصير وهذا حال باقي القطرات والتي كانت تتسابق مع بعضها الواحدة تلحق الاخرى بطريق تحددت وجهته مسبقا .
 
حركت عينيها بعيدا وهي تنظر لأنواع كثيرة من مستحضرات التجميل المرتبة فوق طاولة الزينة بأناقة وفخامة...وهي تبدو من ارقى المنتجات التجارية مثل كل شيء موجود بجناح الفندق القاطنة به....بدون ان تعلم سبب وجود كل هذه المستحضرات والتي لم تستخدم نصف منها بحياتها سوى بحفلة الزفاف ؟ ولم تتعرف سوى على بعض قليل منها وما يستخدمه الناس بحياته اليومية فقط لجذب الانتباه والعيون لا اكثر .
 
امسكت بقلم احمر الشفاه القاني بلمعة خاطفة مثيرة للاهتمام وهي تراقبه بانبهار خفي مجرد المشاعر وبحاجب واحد جليدي ، لتقرب بعدها حافة القلم بحذر على شفتيها وهو ينزلق لا إرادي ما ان لامست حافته طرف شفتيها السفلية بسلاسة وبلمعان يليق بفخامة وبشكل المنتج وهو يمثل تحفة فنية ، لتنحرف قليلا عن مسارها بعنف ما ان صدح صوت خروج احدهم من الحمام الملحق .
 
اخفضت احمر الشفاه بغضب وهي تعيده لمكانه ناظرة للخط الصغير الذي خرج قليلا عن شفتها السفلى بتشوه افسد جمال لونه ، لتحين منها التفاتة بضيق باتجاه الذي كان يجفف شعره بالمنشفة وهو يرتدي سروال قصير بدون قميص ، اعادت نظراتها للأمام ببعض الوجل المتخبط وهي تتأفف باشتعال واضح لون وجهها من جديد باحتقان ، وهي لا تفهم لما لم يرتدي ملابسه كاملة بداخل الحمام ؟ ام يتعمد فعل كل هذا ليستفزها من جديد ويفرض سلطاته الزوجية عليها والتي ترسلها للجنون ! وهي التي لم تتجاوز بعد كل ما حدث بليلة امس من خضوع وانصياع لم يسبق ان حدث معها من قبل وكأنها وثيقة خيانة وقعها مع جسدها الخانع ليتشاركها مع رغبات جسده ؟
 
رفعت يدها وهي تمسد على جبينها بوجوم يائس ناظرة للأسفل بصمت عله يرحمها ويرتدي باقي ملابسه ، ولكن هذا لم يحدث وهي ترفع عينيها بالمرآة لوهلة لتصطدم بلحظة بنظراته المفترسة من صاحب العينين السوداوين واللتين يملئهما الغموض والإثارة معا حتى بدأت تتقن فن قراءة لغتهما الصامتة والتي تستطيع استشعارها بروحها التي وشمها به بالأمس .
 
بينما كان الواقف من خلفها على بعد خطوات يشاهد بتأمل وببطء متعمد حوريته الجميلة والتي لا تتوقف عن ابهاره بكل مرة تسقط عينيه عليها سهوا او تعمدا...وبدون ان تبذل اي مجهود حقيقي بفعل كل هذا...وهو يدور بعينيه بدوامة هالكة بتمعن صامت دفن معه الضجيج والذي لا يجيده سوى معها ولا يقارن بالهياج القابع بأعماقه مثل ثورة كبرى تنتظر الفرصة الغادرة لتتغلب على خصومها بانتصار ساحق قبل ان تتمتع بغنائمها التابعة لمثل هذه الانتصارات والتي يستحقها كل فائز مغوار تعب ليحصد مثل هذه النتائج...وكل هذا كان امام عينيه وهو يشملها بنظراته من قمة رأسها المبتل بقطرات الندى الصغيرة بلمعان والتي كانت تسيل على طول خصلاتها السوداء....قبل ان ترسلها لفستانها القصير والذي يماثل لون شعرها بسواد فاحم مظهرا بياض بشرتها اللؤلؤية بعد الاستحمام والظاهرة من تحت الثوب...بالرغم من عدم انكشاف الثوب القصير واحتشامه عند بعض الأماكن ولكنه يمثل عنده حالة فريدة عندما يتجسد على هذه المرأة...وخاصة بأنه من قماش شفاف مغزول عند الذراعين وعلى طول الظهر وبخيوط متداخلة تربط شقين الفستان من مؤخرة عنقها حتى نهاية ظهرها بدون ان يخفي مفاتنها للأعمى وكله بسبب وضوح بياض بشرتها من تحت قماشها الشفاف .
 
تنفست بارتجاف قاطعة الاجواء الصامتة بينهما لتكتف ذراعيها فوق صدرها بلحظة وهي تهمس بوجوم عابس
"يبدو بأنك قد اخذت وقتا اطول عن المعتاد بتأملك الصامت ؟ ألم تكتفي !"
 
تغضنت زاوية من ابتسامته وهو يعود بنظره لوجهها والذي عاد لصفة الجمود المحفور بتفاصيل ملامحه الحجرية ، وهو يدقق النظر على حدقتيها البحريتين والتي اعادت الصاقهما بذلك اللون الغريب والذي يرى بأنه لا يزيدها سوى إثارة واستثنائية ، وقد بدأ يحب لونهما الغريب كما لونهما الطبيعي مثل ألوان السماء عندما تمزج النصف الآخر مع لون البحر لتكتمل صورة اللوحة الساحرة .
 
اتسعت ابتسامته باستهزاء ما ان وصل للون شفتيها بأحمر الشفاه الذي يبدو اخطئت بوضعه على خط شفتها السفلى لينحرف قليلا بهذه الطريقة المثيرة والتي تستحثه ليزيل عنها كل هذه الألوان بطريقته الخاصة ، سار بعدها قاطعا المسافة القصيرة بينهما بلحظة قبل ان يقف من خلفها تماما وهو يرفع حاجبيه هامسا ببرود متأمل
"لا تقولي مثل هذا الكلام مرة اخرى ، فأنتِ زوجتي ولدي كل الحق بتأملك بقدر ما اريد وبعد ان اصبحتِ بداخل مجالي ، وايضا لا يستطيع اي شخص التوقف عن تأملك عندما تعبثين بصورتك هكذا بطريقة تثير عندي الأهوال !"
 
عقدت حاجبيها بضيق وهي تتابع نظرات عينيه الآسرة لعينيها هامسة بوجوم
"ماذا ؟...."
 
قاطعها الذي رفع يده وهو يشير بأصبعه السبابة لشفتيه بالمرآة بمغزى ، ليتبعها من فوره بغمزة مرحة وهو يهمس بخبث متسلي
"يعجبني كثيرا طريقتك الجديدة بصبغ شفتيك بأحمر الشفاه ! وقد تنشهر ايضا على مجلات صيحات الموضة الجديدة والتي لن تستطيع منافسة الاخريات"
 
انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تعود بنظرها لمنظر شفتيها المريع بعد ان لونت الجزء السفلي منه والذي انحرف منه القليل عن الخط وكله بسبب حضوره المفاجئ وهو عاري الصدر ، رفعت يدها بسرعة وهي تحاول محو الخط الصغير الخارج عن المضمار بأصبعها الصغير ، لتزيد بلحظة من اصطباغ لونه بتحور تحت شفتها السفلى وهي تزيد من الضغط عليه بارتجاف طغى على حركاتها الخرقاء .
 
تجمدت بمكانها لوهلة ما ان امسك بكتفيها برفق شديد ، ليديرها نحوه بلحظة بدون ان تقاومه اكثر قبل ان تصبح مقابلة له تماما ، ليرفع بعدها يده وهو يمسك بكفها وبأصبعها الذي ما يزال يضغط على موضع التحور ، ليقترب منها بوجهه بصمت وهو يهمس امام جبينها العريض بصوت اجش آمر
"ابعدي يدكِ يا عزيزتي فأنتِ تزيدين الوضع سوءً"
 
زمت شفتيها وهي تخفض يدها بصمت تام نافضة يده بعيدا عنها بتصلب ، ليرفع بعدها يده وهو يتكفل بمهمة محو الخط عن شفتيها بأصبعه الطويل بينما يده الاخرى تمسك بجانب وجهها برفق ، اخفضت جفنيها على احداقها ببطء بتلك الطريقة عندما تترك لعقلها رسم ملمس اصبعه على بشرة وجهها ولم تشعر بعدها سوى بشفتيه وهي تحل مكان اصبعه بثانية ليقبلها بصمت عند موضع الحمرة تحت شفتيها تماما ، وبلحظة شعرت بقبلته وهي ترتفع تلقائيا لتصل لشفتيها وهو يقبلهما بقوة هياج مشاعره اشعلت كل مجريات حياتها وهي تتدفق بحرارة بكل منحنيات جسدها المرتعش تحت قبلته ، والتي بدأت ترسم وتتنقل بريشة قبلاته خيوط من احلام على تفاصيل حياتها عابثة كل جنون بروحها المنتفضة بفوران المشاعر والتي بدأت تخرج عن سيطرتها .
 
انتصبت بمكانها لوهلة جاهدت للحفاظ عليها وهي تحاول دفعه بقبضتيها باستماته ضعيفة بدأت تخبو بين قوة جسدها الخانع بشرارات انطفئت بلحظة ، ليبتعد بعدها بلحظات الذي كان يتنفس بقوة حارقة على ملامح وجهها التي شحبت فجأة ، وهو يرفع يده ليمسح على طرف شفتيه هامسا بنبرة ما يزال يطغى عليها انفعال المشاعر الجارف
"ما رأيكِ بهذه الطريقة السريعة والتي مسحت بها كل اثر عن احمر الشفاه ؟ بالرغم من انه كان جميلا على شفتيكِ !"
 
زفرت انفاسها بتهدج انهك نبضات صدرها وهي تنفض الشعور الاخير عن رأسها ، لتشيح بوجهها بعيدا عنه بلحظة وهي تعض على طرف شفتيها المرتعشتين بفعل قبلته هامسة من بينهما بامتعاض
"لم اطلب منك فعل هذا ، لقد كان هذا انتهاك بحقي"
 
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يبتعد خطوة للخلف ليرفع ذراعه لأعلى رأسه قائلا بابتسامة جانبية بمكر
"انتِ تبالغين كثيرا بردة فعلك بالنسبة لأمر بسيط جدا بالمقارنة مع الذي حدث بالأمس بيننا !"
 
ردت عليه بسرعة بارتجاف احتل اطرافها بشفتين مرتجفتين
"توقف عن تذكيري بما حدث بكل مرة ، فلم يكن بإرادتي الحرة كما يصور عقلك ! سمعت ؟"
 
تراجعت بوجل للخلف عدة خطوات ما ان تغيرت ملامحه بشراسة حارقة تفهمها جيدا ونيته بالانقضاض عليها واضحة تماما بعينيه المتوحشتين رغبة وهياج بها لم يخبو ولو قليلا ، لتلين ملامحه قليلا وهو يهمس بخفوت منفعل بدون ان يترك تحديقه الشرس بشفتيها المرتجفتين
"انتبهي جيدا على انفعالات جسدك وخاصة ارتجاف شفتيكِ الكرزيتين ! فقد لا استطيع السيطرة على نفسي طويلا امام محاولاتك الخفية لإثارتي"
 
اتسعت عينيها الزرقاوين بدهشة مستنكرة لوهلة وهي تتمسك بأناملها بحافة طاولة الزينة من خلفها بتشبث ، قبل ان تقول بغضب هائج استبد بها
"توقف عن قول هذه الكلمة ! فأنا لا احاول إثارتك ولم اثير احدا من قبل ، ولست مثيرة كما تقول"
 
صمتت بارتجاف ما ان عاد لقطع الخطوات بينهما بلحظة خاطفة لينحني بوجهه امامها بصمت ، قبل ان يرفع يده باللحظة التالية ليضغط بأصبعه الإبهام على شفتها السفلى بقسوة ، ليبتسم بعدها بميلان مفترس وهو يهمس بصوت اجش متملك بثورة
"بل انتِ مخطئة تماما يا ألماستي ، فكل حركة تخرج منكِ مثيرة اكثر من سابقتها ، إذا كانت عفوية منكِ او كانت مقصودة ، فأهم شيء عندي بأنها تثيرني جدا بشعور جميل لم ارى له مثيل بحياتي ، وانا على استعداد تام لاستقبل كل حركات إثارتك والتي تعبث عندي الاهوال لا احد يعلم عنها سوى صاحبها !"
 
فغرت شفتيها اكثر فوق إصبعه الإبهام المحكم فوق شفتها السفلى حتى لم تعد تستطيع التعبير عن حالتها المخزية بتشتت مشاعرها المميتة ، لتعلو ابتسامة باهتة على محياه البارد وهو يبعد اصبعه الإبهام عن شفتها ببطء ، قبل ان يرفعه بلمح البصر امام شفتيه ليقبله بطريقة شلت حركة اطرافها تماما بحالة من الانذهال المتحجر ، وبدون ان تنتبه بعدها بلحظة ذهولها كان يمسح حافة اصبعه بطرف انفها بخفة حتى طبع عليه آثار حمرة باهتة ما تزال عالقة على اصبعه الإبهام .
 
كشرت ملامحها بلحظة ما ان افاقت من صدمتها وهي ترفع قبضتها هامسة بغضب
"كفى....."
 
تراجع المقصود للخلف بسرعة عدة خطوات رشيقة وهو يضحك بانشراح على مرأى وجهها العابس بحمرة مضحكة عند انفها زادتها فكاهة ، ليتجه من فوره لخارج الغرفة وهو يلتقط قميصه بطريقه قائلا ببساطة عابثة
"جهزي نفسكِ للفطور يا عزيزتي ، فهذا هو يومنا الأول بعد الزفاف وعليه ان يكون مميزا"
 
تنهدت بقنوط وهي تنظر لباب الغرفة الذي اغلقه من خلفه بهدوء ، لتستدير بعنفوان امام المرآة التفت معها خصلاتها تشاركها نفس الجنون بعد ان نشف الماء عنها وثبتت على منحنياتها ، لتتنفس بقوة وهي ترفع كفها لتمسح الحمرة عن انفها بقسوة زادت من احمرار انفها بألم ، لتنفض بعدها يديها للأسفل بعنف وهي تنظر لصورتها بالمرآة للحظات .
 
رفعت حاجبيها ببطء لوهلة وابتسامة ساخرة ممزوجة بالحقد بدأت تعلو شفتيها الحمراوين ، لتهمس بعدها بخفوت شديد وهي تريح يديها فوق طاولة الزينة باستعداد لحرب الكرامة
"لقد استمتعت بما فيه الكفاية يا شادي الفكهاني وقد حان الآن دوري لاستمتع انا بهذه الحرب ، وسأريك ماذا تستطيع ان تفعل بك تلك المثيرة ؟"
 
_______________________________
جلست فوق الأريكة بهدوء وهي تريح ذقنها فوق قبضتها المضمومة بصمت ، ونظراتها شاردة بالطفل الجالس امام التلفاز وهو يلعب بجهاز التحكم عن بعد والمتصل بلعبته الإلكترونية بشاشة التلفاز ، لتغمض بعدها عينيها بيأس ما ان جاء الصوت الرنان بجانبها والذي لم يتركها وشأنها منذ ان افاقت من النوم وهي تصرخ بصرامتها المعتادة وبمزاج مشحون بالغضب وكأن افعى قد لدغتها
"سلوى انا اتكلم معكِ منذ الصباح وانتِ تتجاهلين وجودي تماما ! لما لا تعطين الموضوع الذي اتكلم عنه حيز بتفكيرك الفارغ وانتِ تتخاذلين بهذه الطريقة ؟ وكل ما افعله فقط من اجل مصلحتكِ وما سيقرر مصيركِ بتلك العائلة"
 
زفرت انفاسها بتأفف واضح لوهلة وهي تتمتم بعبوس حانق
"ارجوكِ يا امي ألن ننتهي من هذا النقاش ! فأنتِ تتكلمين عن هذا الأمر منذ ان استيقظت وقبل فعل اي شيء ، فقط قولي بأنكِ لا تحبذين سكني عندكم بالمنزل"
 
عبست ملامح الواقفة بجانبها بلحظة وهي تمسك خصرها بيديها بقوة هامسة بحاجبين مرفوعين باستنكار
"هل هذا كل ما لديكِ من اجل ان تغيري فحوى موضوعنا وتتهربي منه ؟ وانتِ تعلمين جيدا السبب برفضي لمبيتك بالمنزل بهذه الليلة تحديدا ؟ وانتِ تفسحين كل المجال لضرتك الثانية للاستيلاء على زوجك واخذ القمة منكِ وكأنكِ تقدمين لها زوجك على طبق من ذهب......"
 
قاطعتها بجمود وهي تحرك رأسها بلا مبالاة
"وما لجديد بالأمر يا أمي ؟ فهو يفضل دائما قضاء الوقت مع زوجته الثانية بكل صباح ومساء إذا كان بوجودي ام بعدمه ! وبعد ان استولت على القمة بحياته وانتهى الأمر ، وانا فقط عليّ تحمل مراقبتهما بدون ان يكون بمقدوري فعل شيء"
 
نقلت نظراتها منها للطفل الذي قطع الصمت بينهما وهو يقول بمرح بدون ان تترك نظراته شاشة التلفاز امامه
"تلك الفتاة تستحق الحصول على القمة اكثر منكِ ، وهذا لأنها الأجمل والألطف بالعالم"
 
صرخت فجأة التي كتفت ذراعيها فوق صدرها هامسة بتحذير
"اخرس يا يامن ، وإياك وان تسمعني صوتك المزعج مرة اخرى لكي لا احطم لعبتك فوق رأسك"
 
استمر الطفل بلعب بدون ان يعطي اي منهما انتباهه ، لتقول بعدها وهي تعود بنظرها لابنتها قائلة بحزم صارم
"انتِ مخطئة تماما بكلامك ، فقد نسيتِ كل ما فعلته واخبرتك به لكي نبقي كل منهما بعيدا عن الآخر بدون ان نتركه يقترب منها مجددا ، وما ساعدنا ايضا انشغالها بحفلة زفاف شقيقتها متناسية احتياجات زوجها والشرخ والذي كان يزداد بينهما بسبب تصرفاتها الاخيرة والتي كنا نزيدها بانشقاق علاقتهما اكثر ، وبعد كل ما فعلناه تقررين الانسحاب الآن والعودة لنقطة الصفر ! وانتِ تصرين على المبيت عند عائلتك بدل ان تعودي لتلبية احتياجات زوجك"
 
انتفضت بوجهها نحوها وهي تلوح بقبضتها جانبا هامسة بعصبية وعينيها متحجرتين بالدموع الحبيسة
"ألم تري ما كنت اراه يا أمي ؟ بعد كل ما فعلناه من مشاكل وحيل وندوب وكل ما يمكن ان يؤثر بعلاقتهما حتى اوشكت على الدمار بالكامل ، ماذا حدث بالنهاية ؟ لقد عاد كل شيء لما كان عليه وافضل ببضع كلمات سحرية منها عاد العاشق الولهان بها ، كيف تريدين مني ان اتحمل رؤيتهما مجددا بعد رؤيتي لهما يرقصان بساحة القاعة مثل اي زوجين عاشقين من المستحيل ان يتواجد فرد ثالث بينهما ؟ وإذا وجد فهو غير مرئي ووجوده لا يشكل اي فارق بحياتهما والتي تبدو خالية من اي ندوب !"
 
اخفضت رأسها بارتجاف البكاء وهي تحاول تمالك نفسها بعد كل الدموع والتي اهدرتها بليلة امس ، لتتنهد بعدها الواقف بجانبها بضيق وهي تربت على رأسها بهدوء مستعيدة هالة سيطرتها على نفسها لتقول بعدها بلحظة بنفس قوتها بعزم
"لا تتكلمي هكذا يا عزيزتي ، فأنا متأكدة بأن كل تعبنا بالأيام الماضية لم يذهب هباءً ، فقط عليكِ بالتحلي اكثر بالقوة والعزيمة لكي لا تسمحي لخصمك بالفوز عليكِ ، فأنتِ بهذه الطريقة تسمحين لها بكسرك اكثر ، وبالطبع هناك هفوة بكل ما فعلناه لم ننتبه لها افسدت كل خطتنا ، ولكن لا بأس فنحن سنعيد الهجوم بطريقة اخرى وبأسلحة جديدة ستجعلك تسحقينها هذه المرة بلا شك"
 
اشتعلت ملامحها ما ان عاد الجالس امام شاشة التلفاز للكلام مجددا وبحماس فائق وهو مندمج بما يراه
"لقد سحقتها بالفعل على يد الجميلة ذات العيون الخضراء ! هزيمة ساحقة ، اجل"
 
عبست (سلوى) بارتجاف وهي تهمس من بين دموعها والتي بدأت تتحرر من مقلتيها بخنوع
"هل سمعتِ يا امي ؟ لقد كنت محقة"
 
غطت بسرعة وجهها بكفيها وهي تجهش بالبكاء المنتحب باهتزاز بعد ان انهكت قواها ، لتقول بعدها التي ذاقت ذرعا من هذا الوضع وهي توجه نظرات نارية للذي ما يزال شارد باللعبة
"يامن اخرج من هنا حالاً ، ولا تريني وجهك مجددا حتى اسمح لك بهذا"
 
انتفض (يامن) واقفا بضيق وهي يلقي بجهاز التحكم بعيدا بقوة ، قبل ان يغادر بتأفف واضح لخارج غرفة الجلوس بدون اي كلمة اخرى ، لتوجه بعدها نظراتها للتي كانت تدفن وجهها بين يديها ببكاء لتمسك من فورها بذراعها بقسوة وهي تهزها منه صارخة بصرامة
"كفى ! توقفي عن هذه الحركات الخانعة ، ألم تملي من البكاء بعد كل ما حدث ؟....."
 
قاطعها الصوت المدفون بعد ان توقف عن البكاء تماما
"لقد عاد لها"
 
تجمدت ملامحها لوهلة وهي تشدد اكثر على ذراعها لتهمس بلحظة بحدة بالغة
"ماذا تقصدين ؟ تكلمي !"
 
رفعت رأسها بلحظة وهي تنشج بصمت هامسة بابتسامة جافة
"قصدي واضح تماما ، لقد عاد لها بتلك الليلة ، واقصد بأنهما قد عادا مثل اي زوجين بليلة زفافهما"
 
عقدت حاجبيها لبرهة وهي تفلت ذراعها هامسة بخفوت مريب
"ومن اخبركِ بهذا الكلام ؟ ولما كل هذه الثقة بمثل هذا الأمر والذي لا يدعو للشك به ؟"
 
اخفضت رأسها قليلا وهي تمسح دموعها بكفها لتقول بلحظة بوجوم ساكن
"اعلم هذا جيدا ! بل متأكدة منه ، فأنا من بين الجميع استطيع قراءة الصمت بينهما نظراتهما لبعضهما بدون الحاجة للكلام !"
 
ارتفع حاجبيها للحظات باستنكار لحالة ابنتها المتدهورة والتي لا تنحدر سوى للأسوء ! لتقول بعدها من فورها بجفاء بارد
"رائع لقد اصبحت ابنتي تفهم لغة الصمت والإشارة ! ولكن ما لا تعرفينه بأن هذا الكلام والذي نطقتِ به الآن غير صحيح علمياً وعمليا ؟ وإياكِ ونطق مثل هذه الترهات امامي مجددا"
 
ردت عليها من فورها وهي ترفع رأسها بعبوس
"ولكن يا امي....."
 
قاطعتها باندفاع من نفضت ذراعيها للأسفل بعنف وهي تتمتم بأمر قاطع
"كفى لا اريد سماع اي شكوى بخصوص هذا الأمر ، والآن اذهبي فورا واغسلي كل هذه الدموع عن وجهك والسخافات عن رأسك وانسي كل ما يتعلق بهذا الأمر ، وبعد ان تشعري بنفسكِ اصبحتِ افضل سوف نفكر عندها بحل لمشكلتك هذه"
 
زفرت انفاسها بهدوء وهي تومأ برأسها بخنوع تام قبل ان تنهض من مكانها ببطء ، لتتجه من فورها لخارج الغرفة بدون ان تضيف كلمة فوق كلام والدتها ، وهي تراقبها بنظراتها الصارمة ببعض التجاعيد الدقيقة حول عينيها والتي يشوبها بعض القلق الغريزي على حياة ابنتها والتي تسرق منها بالقوة بدون ان يفلح شيء معها بإيقاف كل هذا الدمار .
 
______________________________
انتفضت النائمة بالسرير بهمهمات غاضبة بعد ان استيقظت بالقوة وهي ترفع رأسها باتجاه الواقفة فوق رأسها بإمارات الغضب الصارم والذي يعلو ملامحها الجامدة ، لتنطق بعدها بعبوس وهي تدير عينيها بعيدا عنها بملل
"ماذا هناك ؟"
 
ألقت والدتها بالغطاء بعيدا وهي تكتف ذراعيها بلحظة قائلة بجدية غاضبة
"ألا ترين بأنكِ قد استغرقتِ طويلا بالنوم ؟ وقد يأتي بأي لحظة استاذكِ للمنزل والذي يهتم بمحاضراتك ، وانتِ نائمة بسبات عميق بدون ان تسألي عن شيء ! ما هذا الإهمال المفرط الذي تعيشين به ؟"
 
تنهدت للحظات بهالتها الشاردة وهي تحاول النهوض قليلا هامسة بقنوط
"لقد قررت ترك دراستي مع الاستاذ هشام ، وسأطلب من والدي ان يغير اساتذتي مجددا"
 
رفعت حاجبيها بصدمة المفاجأة قبل ان تهمس بعبوس مريب
"ولماذا هذا التغيير المفاجئ ؟ وانا لا ارى استاذك يشكو من شيء !"
 
ادارت وجهها باتجاه والدتها بحدة وهي تهمس لها بامتعاض
"هذا قراري يا امي ولن اتراجع عنه ، ولا تسأليني عن السبب فأنا منذ البداية لم اكن موافقة على هذا التغيير بنظام اساتذتي القدامى والذي اجراه والدي بدون الأخذ برأيي"
 
عقدت حاجبيها بحدة وهي تمسك خصرها بتحفز هامسة بلحظة باستنكار حاد
"لا تتكلمي معي بهذا الأسلوب يا غزل فهو لا يروقني ابدا ، وايضا كل ما يفعله والدك من اجل مصلحتك وانتِ لم تبدي اي اعتراض على الأمر ، إذاً لماذا بدأتِ بإظهار استياءك الآن من استاذك والذي يبدو مثالي من كل النواحي ولا يعاني من اي نقص قد يدفعك للشكوى منه ؟ فهو يتكفل بتعليمك بالمنزل وبالعمل بالجامعة ! مثقف وكامل الأوصاف ومن المستحيل ان تجدي به هفوة واحدة......"
 
قاطعتها التي جلست بعنف وهي تلوح بذراعها قائلة بضيق واضح
"امي توقفي عن تعديد مميزاته وصفاته امامي ، فهو ليس عريس الغفلة والذي سقط من السماء ليساعدك بمهمة التخلص مني برجل احلامك ! بل هو مجرد استاذ لم يعد يعجبني طريقة تدريسه واريد استبداله بغيره ، وهذا بالطبع من حقي ولا احد لديه الحق بالاعتراض ويستطيع البحث عن فتاة اخرى ليهتم بتدريسها إذا كان من محبين تصنع المثالية"
 
تنفست بغضب لبرهة وهي تمسد على جبينها لتهمس بعدها بوجوم عابس
"ولماذا حدث كل هذا التغيير اليوم تحديدا وبدون سابق إنذار ؟ انتِ حتى لم تتمي معه الشهر واصبحتِ تريدين استبداله بهذه السرعة بدون اي سبب او عذر !"
 
حركت عينيها بعيدا عنها بجمود لوهلة قبل ان تهمس ببرود خافت
"هذا ما حدث يا امي ، لذا ارجوكِ ان تتكفلي بمهمة طرده من المنزل اليوم ما ان يأتي الآن ، ولا تنسي ان تطلبي منه ألا يعاود المجيئ لمنزلي مجددا لأني لم اعد احتاج لخدماته ولا اريد رؤيته بحياتي ! والآن عذرا اريد العودة للنوم فأنا متعبة للغاية"
 
فغرت شفتيها بذهول لثواني وهي تراقب ابنتها والتي عادت لتندثر تحت الغطاء بصمت تام وكأن شيء لم يكن ، لتعبس بعدها باستياء متجهم وهي تعود لتمسك بطرف الغطاء بعنف صارخة بغضب استبد بها من ابنتها المهملة
"هذا الكلام لا يخرج ابدا من فتاة عاقلة ! وانتِ تحاولين اغلاق ورفس كل الطرق والسبل امامكِ ليكون لكِ حياة مثالية مثل كل البشر الطبيعيين ، ولكني الآن فقط قد اكتشفت بأنني قد انجبت فتاة مجنونة ومتوحدة كل ما يهمها ان تدفن نفسها بالحياة ؟"
 
تنفست بتعب مجهد للحظات عندما لم تجد اي نتيجة ترجى منها ، لتبتعد من فورها باتجاه باب الغرفة وهي تفرغ شحنات غضبها بتمتمات ساخطة بكلام غير مفهوم متذمر ، وبعد ان ضاقت ذرعا من مشاكل ابنتيها واللتين لا تعرف كليهما مصلحة نفسيهما !
 
بينما كانت هناك عيون عسلية ساكنة تشاهد التي رحلت بعيدا عن مجال نظرها بصمت ، لتعود لشرودها الغائم بلحظات بحزن وهي تستعيد كلام والدتها الاخير عنها والتي ابدعت بنعتها بأقسى الألفاظ بقاموسها ، وكل هذا فقط لأنها لم تخضع لأمرها ولم يحدث شيء مما كانت تخطط له برغبتها الخفية بدفع ابنتها للعيش مثل باقي البشر بمنظورها وكما كانت تقول ، ولم تشعر بيديها وهي تقبض بهما على الوسادة بعنف ما ان تذكرت كلام من قسوة والدتها بعد انهيار علاقتها مع (عصام) وهي تقذف الكلام بوجهها بقهر
 
(لا اصدق لأي حالة وصلت بها ابنة العز والنسب لتفكر بالارتباط من مجرد مشرد لا يليق الانتساب به من اي ناحية ! لقد اثبتِ لي حقا بأنكِ قد فقدت عقلك بالكامل بتلك الفترة والتي قضيتها بالعلاج وبعيدا عن العالم ، بل كان من الأفضل ألا تخرجي من توحدك ابدا لتجلبي لنا مثل هذا الخبر الصادم ! واتمنى حقا ألا تتكرر مرة اخرى من اجل ألا نفكر بموضوع صحة عودتك للجامعة مجددا)
____________________________
كانت تنزل السلالم بخطوات غاضبة قبل ان تشهق بذعر ما ان ظهرت الخادمة التي ظهرت امامها بلمح البصر ، وقبل ان تنطق بأي كلمة سبقتها التي عادت لصرامتها المعهودة وهي تتخصر بغضب
"ما هذا الذي تفعلينه يا غبية ؟ ألا ترين امامكِ حتى تظهرين هكذا امامي مثل الشبح ؟ لقد كدت اصاب بنوبة قلبية !"
 
اخفضت رأسها بإحراج وهي تهمس بخفوت
"انا اعتذر يا سيدة جويرية لم اقصد ان افزعك"
 
تنفست بهدوء وهي تحك جبينها بضيق للحظات قبل ان تكتف ذراعيها هامسة بتصلب
"لا بأس ، هيا تكلمي ماذا تريدين ؟"
 
رفعت رأسها بسرعة وهي تهمس بابتسامة عملية
"لقد جاء الاستاذ هشام من اجل محاضرات الآنسة غزل ، وقد ادخلته لغرفة الجلوس من لحظة....."
 
قاطعتها بقوة وهي تنظر لها بتأهب واضح
"منذ متى جاء ؟ ولما لم تخبريني بلحظة مجيئه !"
 
تلعثمت الخادمة وهي تقول بارتباك واضح
"لقد جاء منذ خمس دقائق فقط ، وقد كنت على وشك الذهاب لإخبارك....."
 
رفعت كفها بوجهها وهي تقول بأمر قاطع
"كفي عن الثرثرة الآن ، واذهبي وافعلي اي شيء لتصرفي الرجل الموجود بالغرفة بأدب وبدون اي مشاكل"
 
انفرجت شفتيها بصدمة لوهلة قبل ان تتدارك نفسها بسرعة وهي تومأ برأسها هامسة بطاعة
"حاضر"
 
لتتوقف من فورها ما ان امسكت بذراعها بقوة وهي تقول بتصميم مريب
"او اسمعي انا سوف اتصرف معه وانتِ اذهبي واكملي عملك ، وإياكِ وان يصل ما سيحدث الآن لمسامع اي احد ، سمعتي !"
 
اومأت برأسها مجددا بخنوع وهي تشاهد التي ابتعدت من امامها وهي تسير باتجاه غرفة الجلوس ، وما ان وقفت امام باب الغرفة حتى زفرت انفاسها بقوة وهي تعزم امرها بثواني ، لتفتح بعدها الباب امامها بلحظة قبل ان تتجسد صورة الرجل المثالي بخيالها فارع الطول والوسيم بشكل خاطف الانظار امامها ، والذي يبدو مثال على الزوج المحترم والوقور وصاحب النسب العريق والذي يفخر به كل امرأة قد ترتبط به وهو يجمع كل الصفات والتي كانت تحلم بها لشريك حياة ابنتها الصغرى .
 
تنحنحت بقوة لتلفت انتباه الشارد امامها والذي يبدو لم يسمع صوت الباب من الاساس ، ليلتفت من فوره باتجاهها بلهفة سرعان ما انضبت بمكانها ما ان اكتشف هوية الواقفة امامه والتي خيبت توقعاته بعد كل ما حدث بآخر لقاء بينهما ، وها هو قد بدأ يشعر ببوادر فقدان الأمل تلوح له بالأفق !
 
ضيقت عينيها بتركيز من تبدل حاله الغريب بلحظة دخولها ، لتتألق ابتسامتها بلباقة وهي تقول بمودة هادئة
"صباح الخير استاذ هشام ، كيف حالك ؟"
 
حاول الابتسام بهدوء وهو يدفن كل المشاعر المكبوتة بداخله بشق الأنفس بدون ان يظهر شيء منها على العيان ، ليهمس بعدها بلحظة باحترام شديد
"صباح النور يا سيدتي ، كل شيء بأفضل حال كما ترين ، شكرا لكِ على السؤال"
 
حركت رأسها باهتمام واضح وهي تتابع كلامها بهدوء ظاهري
"اخبرني كيف هو اداء ابنتي غزل ؟ هل تعاني من اي صعوبة بمهمة تدريسها ؟ فأنا اعلم بأنها مهملة قليلا وبطيئة الاستيعاب فقد كانت تتعبنا كثيرا فيما سبق باختيار الاستاذ المناسب لها والذي يتكفل بتعليمها وإكمال دراستها"
 
حرك رأسه بشرود لتنحني زاوية من ابتسامته لوهلة ما ان تذكر طالبته المتذمرة بطيئة الكتابة والتي كانت تتعبه حقا بمهمة متابعة دروسها بدون ان تساعده بشيء سوى بتوسلاته الطفولية ليرحمها قليلا بالمحاضرات وبوقت الاختبارات ، وهو بالحقيقة كان يستمتع بشدة بهذه المهمة ولم يكن يتقصد الضغط عليها سوى من اجل ان يخرج تلك الطفلة الشقية من داخل قلبها الحزين وكأنه لا يستطيع ان يهدأ له بال ألا عندما يرى ذلك الجانب الطفولي منها !
 
تنهد لبرهة وهو يوجه نظره لها قائلا بابتسامة جانبية بثقة
"لا تقلقي عليها يا سيدتي فهي قد وصلت لمستوى جيد بالنسبة لعمرها ومع كل ما حدث معها ، وانا سأحاول بكل جهدي لتحافظ على مستواها المتقدم بمسار دراستها بدون ان اسمح لها بالتراجع"
 
اتسعت ابتسامتها بقوة وهي تقول بعيون حذرة بتفكير
"هذا لطف منك حقا ، ولكن هناك سؤال يحيرني ولا استطيع التوقف عن التفكير به ؟ انت تعمل بالجامعة بجانب المثابرة على متابعة تقديم محاضرات غزل ! ألا يشكل هذا بالنسبة لك عائق يمنعك من اداء واجباتك على اكمل وجه ؟ بالرغم من انك لست مضطر لكل هذه المحاربة بتقسيم وقتك بين محاضرات غزل والجامعة فهي ليست بكل هذه الأهمية ؟"
 
تنفس ببعض الضيق وهو يسمع نفس السؤال السابق من ابنتها لتعيد طرحه بطريقة اخرى جعلته يشعر بغيظ اكبر وكأنه مضطر للإجابة ، ليتصنع من فوره ابتسامة هادئة وهو يقول بصبر على وشك النفاذ
"انا من النوع الذي يحب تقديم يد المساعدة لكل من يحتاج لها ولكل من يعاني بصعوبة بالدراسة ، فقد كنت اوزع وقتي فيما مضى بين تدريس طلاب الثانوية والعمل بالجامعة ، وهذا لا يختلف كثيرا عما كنت افعله بالماضي ، فالكرم وحب العلم جزء من خصالي لا استطيع التخلي عنهما"
 
ارتفع حاجبيها الرفيعين بانبهار واضح وهي تعود للتدقيق بالنظر له من رأسه حتى اخمص قدميه بلمحة خاطفة ، ليقول بعدها بسرعة قبل ان تطرح سؤال آخر يفقده صبره
"سيدتي هل ستحضر غزل اليوم ؟ ام انها لا تستطيع ذلك !"
 
ابتلعت ريقها بارتباك بدون ان تظهر شيء على ملامحها الجامدة وهي تهمس من فورها بحزن مصطنع
"اعتذر على كل ما تكبدته من اجل المجيئ على الموعد ، ولكن ابنتي غزل تعاني من المرض والحرارة منذ الصباح ولن تستطيع الحضور اليوم ، لذا يمكنك المجيئ بيوم آخر بنهاية الاسبوع وانا متأكدة بأنها ستكون عندها افضل وبأحسن حال"
 
عبست ملامحه بدون اي تعبير وبعد ان فقد كل المشاعر والتي كانت تجيش بصدره من لحظة ، وهو ينظر بعيدا عنها لوهلة قبل ان يهمس بغموض خافت
"حقا لم اكن اعلم ! يبدو بأن مرضها قد تقصد الظهور اليوم ليمنعها من الحضور ؟ على كل حال اتمنى لها الصحة والعافية ولا تنسي ان توصلي لها سلامي ، والآن عليّ الرحيل وشكرا لكِ على وقتك"
 
اومأت برأسها بشرود وهي تراقب الذي بدأ بالانسحاب من امامها بصمت مريب ، لتلتفت من فورها ما ان تجاوزها وهي تقول من خلفه بهدوء شديد
"عذرا ! ولكن هل تسمح لي بسؤال إذا لم يكن لديك مانع ؟"
 
استدار نحوها بجمود لوهلة قبل ان يتمتم بجدية
"نعم تفضلي"
 
عقدت حاجبيها بتركيز وهي تهمس بقوة بدون اي مواربة
"هل انت مرتبط ؟ فيبدو لي بأنك ما تزال غير مرتبط بالرغم من انك لا تعاني من شيء يمنعك من فعلها بل تملك كل المؤهلات المطلوبة للارتباط ! هل هي مشكلة خاصة لديك ؟"
 
سكنت ملامحه للحظات بدون اي كلام وهو يشعر بنفسه قد وقع بفخ السؤال والغير متوقع ، وهو لا يعلم إلى ماذا تريد ان تصل هذه المرأة بالضبط بكل هذه الاسئلة المزعجة والتي اصبحت تضيق به ؟
 
ادار وجهه بعيدا عنها وهو يقول بكل ما يستطيع من ادب وبجمود احتل دواخله فجأة
"نعم لقد ارتبط من قبل بقريبة لي ، ولكن الذي حصل بأن الخطبة قد فسخت قبل ان يتم الزواج ، ولم افكر بالارتباط من بعدها"
 
ارتفع حاجبيها بدهشة لحظية وهي تهمس باستغراب منفعل
"وما هو السبب ؟"
 
تجمدت ملامحه اكثر حتى تحولت لصفحة من جليد وهو يهمس بجواب مختصر
"انه النصيب"
 
فغرت شفتيها قليلا بصمت لتتحول بلحظة لابتسامة عريضة وهي تتمتم بسعادة غريبة
"انت على حق كل شيء بالحياة قسمة ونصيب ، وانا واثقة بأن نصيبك قريب جدا منك واكثر مما تتخيل وهو من سيغير حياتك للأفضل ، فقط كون على يقين بذلك وثق بنفسك وبإيمانك"
 
التفت بنصف وجهه نحوها بسكون تام وبعد ان غيرت مسار تفكيره بلحظة ، ليكمل بعدها طريقه بسرعة وهو يحرك رأسه باستنكار من افكار غريبة اطاحت بعقله واتلفت اعصابه بالكامل ، لتهمس من فورها التي تركها من خلفه وهي تلوح له بيدها بابتسامة انيقة
"بالتوفيق استاذ هشام ، ولنا لقاء قريب جدا"
_______________________________
كانت تقف امام المرآة وهي تمسك خصلة من كل جانب لتعقد الخصلتين معا بمنتصف شعرها بالمشبك الفضي...بينما تركت باقي شعرها حر طليق مسترسل على طول ظهرها بحرية لم تفعلها منذ وقت طويل...لتخفض يديها ببطء وهي تتلمس بأصابعها بعض الخصلات المقصوصة من غرتها فوق جبينها الابيض وهي تحف حاجبيها السوداوين فوق عينين خضراوين ازهر النخيل بداخلهما بأجمل يوم بحياتها....تنهدت براحة من بين شفتيها الممتلئتين قبل ان ترتفع الابتسامة الاجمل والتي تمزج بين الشبع والنشوة نادرا ما تصل لها...وكأنها قد كسبت وجبة دسمة بعد يوم عمل طويل او جائزة مالية بمسابقة مدرسية دائما ما كانت تحرز الفوز بها...واما ان تكون قد تجاوزت كل هذا بتفكيرها المحدود وهي تتجسد على شكل هدية الحياة والتي تبعث لنا بأسوء لحظات حياتنا لتكون التعويض عن كل ما فات مثل صفحة سوداء انطوت من حياتنا لتنفتح من بعدها صفحة بيضاء جديدة نخط بها بقلم الحياة لتكون بداية السطر وبداية كل حكاية...
 
اخفضت يدها لا إراديا وهي تمسك عند مكان بطنها بهدوء من تحت قماش ثوبها لتمسح عليها برفق شديد وبحنان تدفق بتقاسيم ملامحها فجأة...وطوفان من المشاعر المتناقضة اصبح يكتسح عالمها مؤخرا بين فرحة صغيرة تحارب لتتسرب بحياتها وبين خوف ما يزال يأسرها للآن...
 
عضت على طرف ابتسامتها لا شعورياً ما ان سمعت الصوت الجهوري الخارج من خلف باب الحمام الملحق وهو يقول بقوة
"روميساء هلا احضرتِ لي المنشفة ؟"
 
حررت ضحكة خافتة من بين شفتيها وهي ترفع يدها لخصلة شعر متراقصة لتعيدها لخلف اذنها بهدوء ، قبل ان تستدير بسرعة بعيدا عن المرآة ما ان عاد للهتاف باسمها بقوة اكبر ، لتلتقط بلحظة المنشفة من على السرير وهي تكمل سيرها باتجاه الحمام الذي اصبح يصدر طرقا عاليا على الباب ، وما ان وقفت امامه حتى قالت بابتسامة عابثة وهي تلوح بالمنشفة بدون ان تسلمها له
"عليك اولاً ان تطلب المنشفة بأدب لأستطيع ان اسلمها لك ، فهذا الأسلوب الذي تستخدمه مع زوجتك ليس لائقاً ابدا"
 
خفت صوت الطرق تماما لبرهة ليتكلم بعدها من خلف الباب ببرود ساخر
"حقا يا معلمة روميساء ! تريدين ان تعلميني كيف اتصرف واتكلم مع زوجتي ؟ هل لم يعد يعجبكِ اسلوبي معكِ ؟ يكفي بأني قد تحملت بكاءك وشكواكِ طول الساعات الماضية كادت تفجر صبري معكِ ، ولو كان شخص آخر غيري لما تحمل يوم آخر معكِ يا متشككة....."
 
قاطعته من انتفخت بإحراج وهي تهمس بتلعثم متعثر
"احمد توقف ! تعلم بأن هذا لم يكن مقصدي"
 
مرت لحظات اخرى قبل ان يعود للكلام باستفزاز واضح
"هل هذا يعني بأنكِ قد اقتنعتِ بأن العيب ليس بأسلوبي ؟"
 
تأففت بنفاذ صبر وهي تهمس بعدم مبالاة
"توقف عن تغيير الموضوع ، إذا كنت تريد الحصول على المنشفة فعليك ان تطلبها مني بأدب غير هذا لن اعطيها لك حتى لو مت من البرد"
 
قال من فوره بضحكة ساخرة
"لن تفعليها وتتركي زوجك يموت من البرد ، فأنا اعرف زوجتي اكثر من نفسي وهي ليست بكل هذه القسوة"
 
زمت شفتيها وهي تستدير هامسة ببرود متعمد
"حسنا كما تشاء ، انت من اخترت هذا"
 
وما ان خطت خطوتين حتى سمعت تنفسه الغاضب يصلها من سطح الباب الفاصل بينهما ، ليقول بعدها لبرهة بصوته الاجش الخافت
"روميساء من فضلك اعطيني المنشفة قبل ان اموت بردا ، رجاءً"
 
اتسعت ابتسامتها برضا وهي تعود ادراجها لتقف امام الباب مجددا وهي تهمس بخفوت
"جيد ، لقد تعلمت بسرعة"
 
ولكن ما لم تتوقعه وهي ترفع المنشفة امام يده المفرودة حتى سُحبت مع المنشفة لداخل الحمام بلمح البصر وقبل ان تتدارك نفسها ، لتصبح بلحظة امام الصدر العضلي العاري وهي تشعر بقطرات الماء الصغيرة تتسرب من مقدمة شعرها لتصل لوجهها الذي شحب فجأة من الدماء بصورة خاطفة للأنفاس ، وما هي ألا لحظة حتى عادت الدماء لتتفجر بأوردتها وبكل مجريات جسدها ما ان امسكت الاصابع الطويلة بذقنها لترفع وجهها برفق شديد وبهدوء لم تستطع مقاومته اكثر ، نظرت بعدها باستدارة احداقها لوجهه المبتسم بهدوء وبراحة تخللت تفاصيل ملامحه وصلتها عبر ذبذبات نظراته والتي تحيطها بحنان سخي تاقت له كثيرا بالأيام الماضية .
 
انتفضت لا شعورياً ما ان شعرت بيد تشدد على قماش ثوبها بمكان موضع الجنين والذي كانت تتلمسه من لحظات ، لتدور اليد بعيدا ببطء وهي تلتف حول خصرها مقربا لها اكثر لجسده والذي يشع حيوية ورجولة وحرارة مشتعلة مثل مرجل حار بالرغم من قطرات الماء المتسربة على جسده والتي بللت معها ثوبها بدون ان تبالي وهي تنصهر بحرارة كليهما ، لتذوب بعدها بأنفاسه والتي اجتاحتها بقبلته الصامتة بدون اي مقدمات والتي بدأت تقسو على شفتيها اكثر حتى ازهقت انفاسها بلحظة ، ليطلق بعدها سراحها لوهلة وهو يتمتم امام شفتيها بصوت اجش منفعل
"هذا عقاب صغير على اختبارك لصبري والذي تجاوز الحدود ، وإذا تماديتِ اكثر بالمرة القادمة فلا تتوقعي ان تخرجي من هذا الحمام حية !"
 
زمت شفتيها بارتعاش وهي تخفض وجهها قليلا هامسة بانصياع
"حاضر يا احمد ، هل استطيع الآن الخروج من الحمام ؟"
 
زفر انفاسه باشتعال وهو يدور بنظراته على شعرها الطويل المتحرر وخصلاته المتراقصة فوق كتفيها بجمال ورأسها متهدل يكاد يشعر بكل جزء مرتجف بجسدها الصغير داخل منحنيات جسده ، ليتراجع قليلا على مضض وهو يخفض ذراعه عن خصرها هامسا من بين اسنانه بحنق
"سأرحمكِ فقط هذه المرة من اجل الطفل بداخلك والذي لن يتحمل قسوتي وليس من اجلك"
 
اتسعت ابتسامتها بحياء وهي تستدير بسرعة قبل ان يغير رأيه لتخرج من الحمام بأكمله بلحظة ، وما ان فعلت حتى اراحت ظهرها لباب الحمام بصمت وهي ما تزال تستمع لأنفاس الواقف من خلف الفاصل الخشبي بينهما وهو يكاد يصهره بالكامل ويدها تعبث بمكان لمساته على موضع الجنين بشرود والذي كان منقذها اليوم .
 
بعدها بدقائق كانت تسير باتجاه السلالم ويدها ممسكة بالواقف بجانبها والذي يبدو ليس لديه نية بتركها اليوم ، وما ان وصلت لأول عتبة من السلالم حتى شردت عنها وهي تكاد تسقط لولا الكف والتي شددت على خصرها وهو يعيدها بعيدا عن العتبة قائلا بصرامة
"روميساء انتبهي ، هل بدأنا بانعدام المسؤولية والإهمال ؟ عليكِ اخذ كل الحيطة بخطواتك من الآن وصاعدا !"
 
اخفضت نظراتها بارتجاف وهي تهمس بوجوم
"اعتذر لم انتبه"
 
تنفس بهدوء وهو يفلت خصرها ليحاوط كتفيها بقوة قائلا بابتسامة متزنة
"لا بأس فأنتِ وطفلك بمأمن معي ، هيا بنا فقد تأخرنا على الفطور"
 
اومأت برأسها بابتسامة هادئة وهي تكمل نزولها السلالم بوجوده المسيطر من حولها والذي اصبح يحتل جزء مهم بحياتها منذ وقت طويل .
 
جلست على الكرسي وهي تنظر بابتسامة كبيرة للذي جلس بجوارها بهدوء مبتسم بدون ان يترك اسر نظراتها ، وعيون حائرة تراقب حركاتهما بانتباه شديد بدون ان يفهموا التحول الغريب بعلاقتهما ؟ ليتدخل بعدها الجالس على رأس المائدة وهو يقول بوجوم ساخر
"اهلا بك يا احمد ، لم ارك منذ وقت طويل تحضر مائدة الطعام مع العائلة والتي هجرتها مثل شقيقك الآخر !"
 
رفع رأسه باتجاه والده باتزان وهو يقول بابتسامة هادئة بمودة
"اعتذر حقا على تقصيري بحضور مائدة الطعام معكم ، واعدك يا ابي بأن التزم بالحضور اكثر بالمرات القادمة"
 
رفع حاجبيه ببطء شديد وهو يشعر بشيء غريب قد تغير بابنه اليوم ، ليقول بعدها بتصلب بارد وهو يعود لتناول الطعام من طبقه
"هذا جيد ، اتمنى حقا ان تكون صادقا بكلامك ولا تعود للتغيب مجددا ما ان تمر بنكسة ما بمجريات حياتك الزوجية الشائقة"
 
اخفضت (روميساء) وجهها بإحراج استبد بها وهي تتناول طعامها بهدوء تام وكل منهم قد عاد لطبقه ، لتشعر بعدها بطبقها يختفي من امامها بلحظة لتنظر بحيرة للذي قال بابتسامة جانبية بهدوء
"انا من سأضع لكِ الطعام بطبقك اليوم ، لتتغذي جيدا من اجل صحتك"
 
ردت عليه بهمسة خافتة وهي تشعر بالأنظار مسلطة نحوهما
"ليس هناك من داعي"
 
ولكنها كانت وكأنها تكلم نفسها وهي تنظر بأطراف احداقها ببهوت للذي كان يملئ طبقها بشتى انواع الطعام لم تستطع تعديد مكوناته وهي التي لم تعتد بحياتها تناول شيء على الفطور سوى كوب قهوة او تبقى بمعدة فارغة حتى موعد الغداء ، ولكن يبدو بأن هذا النظام سوف يتغير كلياً تحت مسؤولية زوجها وكله من اجل الطفل القادم والذي ستتخلى وتتنازل عن الكثير من المبادئ وطريقة معيشتها من اجله ! ولكن أليس الأمر يستحق ؟
 
ابتسمت بامتنان ما ان وضع الطبق الممتلئ امامها وهي لا تعلم من اين تبدأ ؟ لترفع بعدها الملعقة بتردد وهي تغرف من الارز لتحاول بعدها دس لقمة الطعام بفمها بشرود وبعدم رغبة حقيقية وكله من اجل رضاه ، وهي تشعر بالعيون تحاوطها بكل مكان حتى كادت تغص بلقمتها باستماته ، لتسعل قليلا باختناق قبل ان تنظر للكأس امامها لتلتقطها من فورها بلحظة وهي تشرب منها الماء بمهل وعلى صوت الجالس بجانبها وهو يهمس برفق ليزيدها اختناقا
"اشربي على مهل يا حبيبتي حتى لا تختنقي اكثر"
 
اخفضت الكأس بسرعة وهي تكمل سعالها والذي زاد عن السابق بفعل الصفة الاخيرة والتي اطلقها عليها وهي تمسح على وجهها بارتجاف علها تخفف قليلا من إحراج الموقف والذي تتعرض له لأول مرة بحياتها ، ومن حسن حظها بأن كل الافراد المتواجدين بالمكان الآن والذين شهدوا على موقفها كانوا فقط خالها وابنه الصغير .
 
وضعت الكأس امامها وهي تتنفس بهدوء لتهمس بعدها بابتسامة صغيرة بلطف
"انا بخير ، لا داعي للقلق"
 
ابتسم لها بحنان وهو يكمل طعامه مثل باقي افراد العائلة ، وضعت الملعقة جانبا ما ان شعرت بعدم قدرتها على الاستمرار بتناول كل هذا الكم من الطعام بمعدتها المتقلبة ، لتمسك بعدها بكوب القهوة بارتباك وما ان حاولت ان تقربه من شفتيها قليلا حتى انخطف منها بلمح البصر ، لتتسع مقلتيها الخضراوين بدهشة ما ان قال الذي وضع كوب القهوة جانبا بغضب وبنبرة صارمة بمزاج انقلب بلحظات
"هل جننتِ يا روميساء ! ألا تعلمين بأن شرب القهوة بالصباح الباكر وعلى معدة فارغة مضر بالصحة ؟"
 
عبست ملامحها وهي تخفض نظراتها بامتقاع ما ان لفتت انتباه الجالسين حول الطاولة ، وهي تهمس بامتعاض خافت
"لن يضر شرب القليل من القهوة ، أنا لم ارتكب خطأ فادح حتى تعاملني هكذا !"
 
ارتفع حاجبيه بصدمة لوهلة وهو يقول باستنكار نافذ الصبر
"بل يضر يا روميساء ، بحالتك هذه كل شيء قد يضر ويودي بصحتك ، وبإهمالك هذا اتوقع بأن آخر ما تفكرين به هو الحفاظ على صحتك والتي اصبحتِ الآن تتقاسمينها مع شخص آخر"
 
قبضت على يديها معا بحجرها بضعف ما ان تدخل الصوت الجهوري وهو يقول بنفاذ صبر
"ما لذي حدث لعقلك يا احمد ؟ ما هو الداعي لكل هذه العصبية الآن فهي لم ترتكب هذا الخطأ الشنيع حتى تثور عليها هكذا !"
 
نقل نظراته لوالده للحظات قبل ان يقول بقوة وبابتسامة عادت لتحتل محياه بجدية
"لا يا ابي الأمر يستحق ، فالذي لا تعرفه بأن روميساء حامل !"
 
اتسعت العيون الناظرة لهما بلحظة وهي تتوجه عليها تحديدا حتى كادت تغوص لأسفل الطاولة من إحراجها امامهم وهي التي لم تستعد بعد لهذه المواجهة الحامية ، فقد ظنت بأنه سينتظر حتى لحظة اجتماع العائلة بأكملها ليعلم الجميع بالأمر ، ولكنه قد خالف توقعاتها وفاجأها بتصرفه الغير محسوب !
 
اول من بادر بقطع خيط الصمت من حولهم الذي كان يبتسم بسعادة بالغة وهو يخرج من صمته لأول مرة قائلا ببهجة
"هذا رائع ! هذا يعني بأنني سأصبح عم اخيراً وسيكون هناك طفل صغير بالعائلة ؟ لقد انتظرت سماع مثل هذا الخبر الرائع بفارغ الصبر ، احسنتما صنعاً"
 
ابتلعت ريقها بانقباض وهي تشعر بالجو اصبح خانقا بالنسبة لها وغير محتمل وهي ما تزال محور دائرتهم ، لتنتفض برأسها عاليا ما ان قال الجالس عند رأس الطاولة بصوت قاطع ارهبها
"هل انتِ حامل بالفعل ؟"
 
اومأت برأسها بصمت بدون ان تتبين شيء من ملامحه الباردة ، ليتابع كلامه بلحظة وهو يشير بذراعه امامها
"تعالي قفي امامي"
 
عقدت حاجبيها بغموض وهي تنهض بحذر لتتجه من فورها حول المائدة حتى اصبحت تقف امامه تماما ، مرت لحظات قبل ان تتسع حدقتيها بصدمة شلت حركتها لثواني ما ان شعرت بيد دافئة تلمس مكان الجنين وهي تستمع لصوت دعاء خافت وقور يلفها بهالته الدافئة لتحميها هي وابنها ، رمشت بعينيها عدة مرات بدموع خائنة لم يعد لديها المقدرة لمنعها وهي تستمع لبعض الكلمات من دعائه الخافت لابنها والذي لم يتكّون بعد ليصبح حفيد مهم لهذه العائلة والذي سوف تنجبه من سلالتهم
"اللهم احمي لي ذريتي واجعلها من الصالحين ، اللهم ابعد عنهم كل شر قد يصيبهم او مكروه قد يؤذيهم ، اللهم ان تجعله من البارين للوالدين ومن الخاشعين والطائعين لله ، اللهم ان تيسر طريق مجيئه ليصل لنا معافاً سليماً ، هذا حفيدي اتركه لحمايتك وحفظك"
 
اخفض يده بعيدا عن مكان الجنين للحظات بهدوء ، بينما كانت تنشج بصمت وهي تكرر دعائه برأسها بدموع بدأت بالتزايد فوق غلالة عينيها ، لتنظر بعدها بحيرة ليده والتي اخرجت ورقة مالية جديدة من جيب سترته الانيق ، قبل ان يمدها نحوها وهي تكتشف بأنها من فئة المئة لترفع عيون دامعة وهو يقول لها بوقار متزن
"هذه مباركة لحفيدي وهدية على هذا الخبر المفرح ، واتمنى ان يولد بصحة جيدة وان يترعرع بين عائلته ، فمثل هذا الأمر يعني بأن سلالة عائلة الفكهاني لن تنقطع وبفضلك سيستمر النسل بهذه العائلة"
 
حركت رأسها باهتزاز وهي تهمس بخفوت متوجس
"لا لا استطيع....."
 
قاطعها (احمد) وهو يقول بابتسامة هادئة برفق
"هيا اقبلي الهدية يا عزيزتي فهي من والدي لحفيده الأول"
 
نظرت له للحظات وهي تلمح الاصرار والاطمئنان بعينيه والذي كان يحاول ان يبثه نحوها بطريقة تفهمها ، لتعود بنظرها امامها وهي تتناول الورقة المالية بأطراف اصابعها بحذر ، قبل ان تقبض عليها فوق صدرها وكأنها اول هدية تحصل عليها من شخص عزيز عليها ، بالرغم من كل الهدايا والتي كانت تحصل عليها من زوجها ، ولكنها لا تقارن بهذه الهدية المقترنة بخبر مجيئ الطفل لعالمها ولهذه العائلة والتي لم تعرفها سوى مؤخرا ، لتخفض رأسها قليلا باحترام وهي تهمس بامتنان شديد ممزوج بالسعادة الخجولة
"شكرا جزيلا لك يا خالي محراب ، انا محظوظة جدا بوجودك بعالمي ، شكرا"
 
شهقت بأنين ما ان بدأت دموعها بالهطول على خديها بعد ان تحملت بالكثير بغلالة عينيها حتى تفجرت بالدموع بلحظة واحدة ، لتشعر بنفس الكف الدافئة وهي تمسح على رأسها بهدوء ورفق لتزيد من شهيق بكاءها لا إراديا وبدون ان تمنع نفسها اكثر ، كيف لا وهي التي وجدت اخيرا العائلة والتي تتقبلها كما هي بدون ان تنبذها بحياتها وبأمان رجل اشتاقت له منذ كانت طفلة تقاتل بالحياة لتحافظ على نفسها بعالم تجرد منه الرحمة !
_______________________________
طرق على باب الغرفة بقوة عدة مرات وهو يصرخ بصوت اجش غاضب
"ماسة افتحي باب الغرفة الآن وحالاً ، فقط اريد ان افهم ما لذي تفعلينه بالغرفة ؟"
 
رفع رأسه عاليا وهو يزفر انفاسه باشتعال يشعر به مثل فوهة بركان ثائرة وهو على هذه الحال منذ ما يقارب النصف ساعة ! ليمسك بعدها بمقبض الباب بقوة وهو يصرخ من بين اسنانه بخشونة
"حسنا انتِ من اردتِ هذا ، إذا لم تفتحي الباب للرقم خمسة فسأكسر باب الغرفة على رأسك وتحملي عندها الأضرار"
 
رفع حاجب واحد بتحدي وهو يسند كتفه بالباب بجانبه ليتبعها بعدها هامسا من بين اسنانه بخبث
"واحد ، اثنان ، ثلاثة ، اربعة ، خمس...."
 
التوت شفتيه بابتسامة جانبية برضا ما ان سمع صوت فتح قفل الباب بجانبه ليتبعها صمت تام...ليتراجع بعدها قليلا وهو يستقيم لبرهة قبل ان يعود لدفع الباب بقوة اكبر...وما ان اصبح يقف عند إطار الباب حتى تجمد بمكانه للحظات وعينيه تتجول بصدمة بالمكان الذي اصبح شبيه بمقلب قمامة وكل شيء مقلوب رأساً على عقب...ليصل للجسد والذي كان يعطيه ظهره وامام الستائر المغلقة بدون ان تترك منفذ للنور للدخول للغرفة الشبه معتمة وكأنها تعيش بظلام...وبدون ان يستطيع تبين شيء بسكونها الجامد المريب وسبب ما تفعله الآن ؟
 
عقد حاجبيه بتصلب وهو يتقدم باتجاهها بسرعة متفاوتة متجاهلا كل ما تدوس عليه قدميه من عطور ومستحضرات تجميل وقطع متناثرة من اشياء لم يعلم مصدرها ! ليقف خلفها مباشرة وهو يحاول تهدئة الاعصار المنشب بداخله من كل ما تسببه من فوضى ودمار بحياتهما ، ليمسك بعدها بكتفيها وهو يديرها نحوه بصمت ليفاجئ باستسلام جسدها لحركته بسلاسة ، وما ان وقفت مقابلة له حتى حاول نطق شيء قبل ان ينقطع نفسه بلحظة واحدة وهو يشعر بشيء غريب يحوم على ملامحها الباردة وعلى جسدها المتصلب القاسي بدون اي انفعال او انتفاضات عادةً ما تبادله إياها !
 
رفع يديه بعيدا عن كتفيها وبلمح البصر كان يفتح الستائر الطويلة من خلفها لينفض العتمة الخانقة بالمكان ويحل النور القوي بينهما وهو يخترق الاجواء الضبابية من حولهما بلحظة...تراجع قليلا بصدمة ما تزال تطوف على ملامحه الساكنة وهو ينظر لهيئة الواقفة امامه ولشكلها المختلف تماما....وهي تبدو عبارة عن كارثة حقيقية متحركة من وجهها الملطخ بكل انواع مستحضرات التجميل الصاخبة مثل وجوه الممثلات والعارضات واللواتي يظهرن دائما بالتلفاز لجذب عيون المشاهدين لهن...ولكن الاختلاف هنا بأنها بطريقة تناقضهن جعلتها بشكل مريع شبيه بالمسخ وخاصة بأنها اكثرت بوضع اللون الاسود حول عينيها وجفنيها حتى تحولت لظلال مرعبة لا تمت للجمال بصلة...ولكنه لا يقارن بما فعلته بجسدها وهو ينظر لخدوش وجروح دامية على طول ذراعيها وساقيها من تحت ثوبها القصير الحالك السواد وكأنها قطعة زجاج حادة من احدثت كل هذا ببشرتها الثلجية والتي تظهر جروحها واضحة للعيان !...ستصور كل من يراه بشناعة ما حدث معها بدون ان يخطر ببال احد بأنه من فعل يديها....فما معنى هذا التصرف والذي لا يرتكبه احد بكامل عقله ووعيه ؟
 
ابتلع ريقه بقوة وهو يغمض عينيه ليستعيد سيطرته على نفسه وهو يتعوذ من الشيطان للحظات ، ليعود لفتح عينيه مجددا وهو ينظر لشفتيها الناطقة بلونهما الدامي الخطير والذي تحور حول شفتيها بشكل فظيع
"ماذا ؟ هل ما تزال تراني مثيرة بعد كل شيء ؟"
 
اطبق على اسنانه بغضب جائح اطلق سراحه ببراكين عادت للتفجر بداخله بثواني معدودة بدون ان يفيد اي شيء من سبل تهدئة ثورته ، ليندفع من فوره بلحظة وهو يحصر جسدها عند النافذة بقوة وبدون ان يترك لها مهرب للنفاذ ، لتضرب انفاسه المشتعلة صفحة وجهها الباردة بدون ان تتأثر بموجة غضبه العارمة والتي تشعر بها بكل جزء بمنحنيات جسده المحاصر لها ، ليقول بعدها على بعد شعرة من وجهها وهو يبصق الكلام امامها بشراسة منفعلة
"ماذا تريدين ان تثبتِ من هذا التصرف ؟ ولما كل هذا الجنون ؟ هل هناك شخص عاقل يفعل كل هذا بنفسه فقط ليحقق مراده بتحدي الخصم امامه !"
 
تلوت قليلا بألم وهي تهمس بابتسامة صغيرة بغيظ وبأنفاس حادة تنافس حرارة انفاسه
"هذا فقط لكي تعلم من هو الشخص الذي تتحداه ، وبسبيل ان احطم خصمي واصل لأهدافي استطيع فعل الكثير بنفسي ، واعتذر لأني خيبت ظنك ولم اكن مثل باقي الفتيات واللواتي اعتدت على مواعدتهن والتسلية بهن !"
 
تجمدت ملامحه لوهلة وهو يتمتم بجمود وبحاجب مرفوع بسخرية
"من اين تأتين بكل هذا الكلام ؟ لقد اخبرتك بأن كل ما قالته لكِ تلك الفاجرة غير صحيح ، لذا توقفي عن هذه الاتهامات الساخرة وبدون اي دليل يثبتها"
 
رفعت وجهها اكثر وهي تتذكر مجموعة الصور والتي شهدت على علاقاته السابقة وبكل مرة تتشكل الفتاة بكل صورة والتي تكون اكبر دليل على كلامها ، نفضت الأفكار الاخيرة عن رأسها وهي تهمس بدلا عن ذلك بازدراء عابس
"ولكنك مع ذلك لم تنكر كلامها والذي قالته عن علاقاتك السابقة بالفتيات ، وهذا يعني بأنها ليست كاذبة !"
 
قطب جبينه بحدة وهو يرفع نظره بعيدا عنها لوهلة قبل ان يهمس باستهزاء قاتم
"ليس يعني بأني لم انكر تتخذينها حجة لتتهميني بكلامها ، ولو كان لدي حقا علاقات ماضية مع فتيات بمراهقتي ، فماذا تستطيعين ان تفعلي يا ألماستي ؟ تقدمين بالمحكمة طلب طلاق لأنك قد اكتشفتِ بأن زوجك كان يخونك بالماضي مع كل فتاة يصادفها !"
 
عضت على طرف شفتيها بغضب تربص بكل طرف بجسدها المنتفض بانفعال مفاجئ ، لترفع قبضتيها بلحظة وهي تضرب صدره بغضب هامسة من بين شفتيها بجنون استبد بها
"ابتعد عني يا معشوق الفتيات ، ابتعد قبل ان انهش جسدك بأسناني..."
 
صرخت بألم ما ان امسك بذراعيها وهو يعود لضرب جسدها بزجاج النافذة بقوة قبل ان يهمس امام وجهها بأمر خطير
"اخرسي يا ماسة ، ولا حرف"
 
تنفست بارتجاف متخبط وهي تحاول استعادة زمام امورها ويديها تحفر بزجاج النافذة من خلفها بقسوة ، وما هي ألا لحظة حتى شعرت بجسدها يرتفع بلمح البصر عاليا وهو يحملها بين ذراعيه بخفة ، لتنتفض تلقائيا وهي تضرب كتفيه بقبضتيها بعشوائية لتحاول التحرر من قيوده حول جسدها ، ولكن الذي كان يتلقى الضربات مثل تمثال حجري ساكن كان قد وصل بها لداخل الحمام الملحق بحركات آلية .
 
ما ان وقف امام حوض الاستحمام حتى ألقى بجسدها الممسك به بداخله والذي كان يأن بألم ، ليدير بسرعة رشاش الماء وهو يهطل مثل الرذاذ فوق جسدها بعنف هادر ، وما ان حاولت التحرك بعيدا حتى امسكها الذي انضم لها تحت رذاذ الماء بلحظة وهو يثبتها تحت الماء الهادر بدون ان يسمح لها بالابتعاد ، وهو يمسك بذراعيها مقربا جسدها المرتجف والذي تحول لانتفاضات عنيفة امام جسده والذي كان يتلقف كل ذبذباته وشحناته ، وما ان شعرت بذراعيه تحاوطان جسدها الغارق بالماء حتى انتفضت لا شعوريا بأنفاس ذاهبة وهي تتمسك بقماش قميصه من الخلف بأصابعها بتشبث ، بينما تركت له مهمة مسح جروحها والدماء المتجمدة على بشرتها الدامية وهو يرتفع صعودا بأصابعه لوجهها الملوث بالمساحيق تارة ولساقيها وذراعيها تارة اخرى ، وكل ما تفعله هو التمسك بقماش القميص والذي تشعر به قد تمزق بأناملها القابضة وهي تعصر جفنيها على احداقها بقوة وبعد ان تسربت الدموع مع رذاذ الماء على تفاصيل وجهها وحياتها ، وكلمات بعيدة حانية تخترق ضباب لحظاتها بنفس المكان وهي تشعر بالماء يبلل كل اطرافها المنتفضة وصوتها يرن بأذنيها كل ثانية بدفء وبترنيمة حزينة
"اهدئي يا صغيرتي بقي القليل وننتهي من تنظيف كل هذه الأوساخ والجروح ، بالرغم من انني نبهتك اكثر من مرة بأن تتوقفي عن هذا النوع من الألعاب الخطيرة والذي يؤذي جسدك هكذا ، فهذا التصرف لا يخرج ابدا من الاطفال المهذبين"
 
لم تعلم بأنها كانت تبتسم براحة تامة بدون ان تشعر مما يحوم من حولها وبتلك الايدي الحانية والتي تمسح على آلامها برفق وصوته يتهادى على سمعها مثل نغمة هادئة
"لا بأس يا ألماستي ، نكاد ننتهي من كل هذا"
 
كان يحملها بين ذراعيه وهي ملتفة بمنشفة كبيرة واسعة ليغطي بها كامل جسدها المرتعش بارتجاف ، قبل ان يصعد بها فوق السرير بلحظة وهو يضعها فوق ملاءته الناعمة برفق ، ليرفع بعدها رأسه وهو يتنفس امام وجهها البارد بتعب بعد كل ما خاضه من لحظة انهك قواه تماما ، رفع اصابعه الطويلة وهو يعيد خصلاتها المبتلة والملتصقة بوجهها لخلف اذنيها ببطء ، وما ان كان على وشك التحرك حتى شعر بأصابعها المتصلبة ما تزال تتمسك بقماش قميصه المبتل ، ليعود للنظر لها بلحظة وهو يستمع لهذيانها الخافت والذي لم يلتقط منه سوى اسمه .
 
ارتفعت ابتسامته بزاوية شفتيه بمكر وهو يقرب وجهه كما جسده امامها ليطوقها بذراعيه القويتين بلحظة وهو يستشعر كل انتفاضات جسدها والتي خفتت عن السابق لتزيد من اشتعال اطرافه المتلاحمة معها ، ليهمس بعدها بصوت اجش امام شفتيها واللتين عادتا للونهما الطبيعي القاني بانفعال هادر
"اعتذر يا ماسة ولكن يبدو بأن جسدك هو من يريد هذا ! وانا لا استطيع رفض مثل هذه الدعوة"
 
كانت المقصودة مغمضة عينيها بغمامتها البعيدة عن الواقع والتي اندمجت مع الحاضر ، وهي تشعر بقبلاته الرقيقة تحوم حول وجهها البارد ببطء لتنحدر بلحظة على طول عنقها المبتل ، ويديها تزيدان من انقباضهما على قماش قميصه بدون ان تشعر بأنها قد وصلت بهما للتعلق بعنقه ، وهي ما تزال تتشبث وعقلها يتأرجح بين الحاضر والماضي والقلب عالق بينهما بدون ان يحدد المصير .
______________________________
ما ان حل المساء كانت تجري باتجاه باب المنزل وهي تمسح يديها المبللتين بقميصها القطني ، وما ان فتحت الباب حتى تسمرت بمكانها بشهقة محجوزة وشفتيها تهمس بلا وعي
"مازن !"
 
ابتسم المقابل لها بشراسته المعهودة وهو يخلع النظارة السوداء من فوق عينيه العسليتين ونظراته تتمعن بها من رأسها حتى اخمص قدميها بتمهل شديد متعمد تتخلل به السخرية ، ابتلعت صدمتها من رؤيتها له امامها وبهذا المكان تحديدا بدون ان تعلم كيف استطاع الوصول لمكان سكنها الجديد بهذه السهولة ؟
 
زمت شفتيها بارتجاف طغى على جسدها بأكمله بلحظة ما ان قال المقابل لها بزمجرة شرسة وبحاجبين مرفوعين بضيق
"ماذا هناك يا صفاء ؟ ألا تريدين استقبال شقيقك بمنزلك ؟ هل هذه هي آداب التعامل مع الاشقاء !"
 
تلجلجت بمكانها قليلا وهي تحاول النطق بحنجرتها المحجوزة بهول اللحظة والتي لم تتجاوز صدمة رؤيته بعد ، لتتراجع للخلف قليلا بفعل ذراعه والتي دفعتها بعيدا عن الباب ليدخل ببساطة وهو يقول بفظاظة
"بما انكِ قليلة تهذيب ولا تريدين استقبال شقيقك ، فأنا سأكون اقل تهذيبا منكِ واتصرف وكأني ضيف بمنزلك ولست بحاجة لأي ترحيب منكِ"
 
اتسعت عينيها بجزع وهي تنقض عليه بسرعة لتتعلق بذراعه بتشبث وهي تهمس بخفوت متوجس
"لا لا تستطيع يا مازن...."
 
قاطعها بتجهم وهو يتمتم بوجوم عابس
"ماذا قلتِ الآن ؟ هل هذا يعني بأنه غير مرحب بي بالمنزل يا صفاء !"
 
حركت رأسها باهتزاز بدون ان تجد الكلمات المناسبة والتي عليها الرد بها ، لتهمس بسرعة بارتباك متعثر
"لما اتيت إلى هنا يا مازن ؟"
 
ارتفع حاجبيه بسخافة وهو يهمس بخشونة ساخرة
"هل هذا سؤال تطرحينه على اول زيارة لشقيقك بمنزلك الجديد ؟ حقا انتِ بلهاء وما تزالين !"
 
اخفضت نظراتها بارتجاف وهي ما تزال متمسكة بذراعه بأناملها المتعرقة برعب تربص بروحها بلحظة خاطفة ، فهي لن تنسى ما آلت إليه زيارة صديقتها ، وهذا يعني بأن الأمر لن يختلف بزيارة شقيقها كذلك وقد تحوّل للأسوء ، رفعت حدقتيها باتساع ما ان سمعت صوته المريب وهو يقول بجمود
"ماذا هناك يا صفاء ؟ وما لذي تخفينه عن شقيقك الوحيد !"
 
عضت على طرف شفتيها بنحيب وهي تستمع لصوت حفيف العباءة الخافت والقادم من التي انضمت لهما بلحظات ، ليقول بعدها الذي نفض ذراعه بعيدا عن شقيقته بعنف ليلوح بها جانبا قائلا بابتسامة باردة بتسلية
"يا خادمة ، هلا ذهبتي وأحضرتِ لي كوب عصير بارد لو تكرمتي ؟ فأنا اشعر بالعطش الشديد من كل هذه المسافة الطويلة والتي قطعتها لأصل إلى هذا المكان"
 
نظرت بسرعة نحو التي كان يوجه لها الكلام لتشهق بذعر وهي تنظر لصاحبة الملامح الباردة والتي كانت تنظر لشقيقها بعيون سوداء ساكنة ، لتعاود بسرعة الإمساك بذراعه وهي تقول بابتسامة مرتجفة بوجل للتي ما تزال واقفة بمكانها
"انا اعتذر بشدة يا عمتي ، فهذه اول زيارة لشقيقي هنا وهو لا يدرك عما يتكلم ، لذا اعتذر مجددا"
 
حولت (هيام) نظراتها لصاحبة العبارة الاخيرة لتسكن للحظات بدون اي تعبير يعلو ملامحها وكأنها قد تحنطت بمكانها وبدون اي ردة فعل سوى عبوس طفيف احتل محياها لوهلة صدمها بشدة ، ضمت شفتيها بحزن وهي تنظر للتي استدارت بعيدا عنهما لتعود من حيث جاءت وبصمت مهيب شطر قلبها بقسوة بدون ان تدرك ذلك ! وكأنها قد تلقت للتو صفعة غير مرئية موجهة من تلك المرأة والتي تبدو اختفت منها كل معالم الحنان والعطف والذي كانت تغدقها به ليتجلى بلحظة الحزن والبرود على تفاصيل حياتها .
 
نقلت نظراتها بعبوس لشقيقها وهي تهمس بعتاب حزين
"ما كان عليك فعل هذا ، لقد اخطأت بشدة...."
 
قاطعها الذي كان يزمجر بملل وهو ينفض ذراعه بعيدا عنها بقوة ، ليسير بعدها امامها وكأنه يملك المكان قبل ان يجلس على كرسي بمنتصف البهو ، قال بعدها وهو يسند قبضتيه فوق ركبتيه بابتسامة قاسية
"هيا اذهبي واحضري لي العصير يا صفاء ، وإذا لم تفعلي فلن ارحل من هنا ، لذا قدمي الضيافة لشقيقك وكوني مهذبة"
 
تنفست بارتباك وهي تضم قبضتيها معا هامسة برجاء منتحب
"ارجوك يا مازن ان ترحل من هنا ، فأنا لا استطيع استقبالك وهذا سيدخلني بالمشاكل ، لأن زوجي لا يسمح بمثل هذا النوع من الزيارات ، ارجوك ان تفهمني ارجو...."
 
قاطعها بغضب وهو يضع ساق فوق الأخرى بعجرفة قائلا بجفاء
"اخرسي يا صفاء ، واذهبي واحضري العصير بدل هذا الجدال الممل ، فأنا لست غريب عن هذه العائلة حتى لا يعجب زوجك هذا النوع من الزيارة ، وإذا لم يعجبه الأمر فليأتي إلى هنا ويواجهني وانا سأكون على اتم الاستعداد له"
 
انفرجت شفتيها بارتعاش من احتمال ان يفعلها حقا ويخلق شجار مع زوجها والذي لن يتوانى عن رد الضربة له بأضعاف فهو شقيقها وتعرفه جيدا ، زفرت انفاسها بتوتر وهي تهمس بخفوت جامد
"حسنا يا مازن ، سأذهب لأحضر لك العصير ، وبهذا الوقت إياك وان تتحرك من مكانك ، هل فهمت ؟"
 
ردّ عليها ببرود جليدي
"هيا تحركي"
 
نظرت له بقلق ما يزال يشوش على تفكيرها المتخبط بذعر ، لتتحرك ببطء بعيدا عنه وباتجاه المطبخ وهي ما تزال تشيعه بنظراتها المرعوبة بشك حتى اختفت عن نظره تماما .
 
تلبدت ملامحه بغموض وهو يستعيد كلمات الرسالة التي وجدها بجيب سترته قبل ان يكتشف بأنها من (ماسة) ، رفع وجهه ببطء وهو يراقب الذي دخل من باب المنزل بهدوء ، لينهض بعدها عن الكرسي بتحفز تنبهت معه كل حواسه وهو ما يزال يتابع الذي اغلق الباب من خلفه بصمت ، وما ان سار عدة خطوات حتى توقف باللحظة التالية بتجمد قاسي ما ان وقعت عينيه على صاحب النظرات الباردة بدون ان يشعر بالخطر الوشيك والذي بدأ يحوم من حولهما ، لتدوم اللحظات بينهما طويلة بطول السنوات وبطول العذاب والمزروع بداخل ذلك القلب الاسود والذي بدأ يتحرر ويتسرب بكل تفاصيل حياته وبمجريات تدفق دماءه والتي تعايش معها منذ ذلك العهد .
 
بادر بالكلام الذي فرد ذراعيه بكسل وهو يقول بابتسامة جانبية بدون ان يصله شيء من سهام نظرات المقابل له بحقد محمل بغبار الماضي موجهة نحوه مباشرة
"مرحبا بزوج شقيقتي ، صدفة رائعة ان اقابلك اليوم ، فأنا لم تحن لي الفرصة للتعرف عليك عن قرب والتشرف بمقابلتك"
 
ازدادت حدة انفاسه حتى لم يعد يستطيع السيطرة على تلك الدوامة السوداء والتي القى بها بلحظة غفلة ليكون هو السبيل بتحريرها بدون ان يعي ذلك ، وبلحظة كان يندفع الجسد باتجاهه بسرعة البرق وبلمح البصر كان يعتقل عنقه بقبضتيه الساحقتين وهو يلقي به على سطح الطاولة خلفه بعنف ، وما ان ادرك الطرف الآخر ما يجري حتى كان يدنو منه بشراسة وهو يهمس بفحيح قاتل
"ما لذي تفعله بمنزلي يا قاتل ؟"
 
اتسعت عينيه العسليتين بقتامة وهو يحاول تلقف انفاسه صارخا باستنكار مذهول
"ما لذي تفعله بقريبك يا مجنون ؟ هل نسيت بأننا قد تناسبنا وتزوجت من شقيقتي ! هل هذا هو إكرام الضيف عندكم ؟"
 
صرخ فجأة بهياج احتل كيانه وهو يطرق برأسه بالطاولة بعروق بدأت تنبض بمفاصل اصابعه
"اخرس وإياك وان تنطق بحرف ، انت لست بقريب ومن المستحيل ان اقرب لعائلة خائنة مثلكم ، انتم مصيركم هو السجن والعذاب والذي عليكم تذوقه على جرعات كما فعلتم معنا ، وانا اعدك بأن عذابك لن ينتهي هنا ، بما انك قد اتيت بقدميك لمصيرك المحتوم والذي انتظرك كثيرا"
 
تصلبت ملامحه بلحظة وهو يهمس بجنون من بين انفاسه الذاهبة
"ماذا تقصد ؟ هل فقدت عقلك ؟ وماذا فعلت لكم حتى تحقد عليّ هكذا !"
 
ابتسم بالتواء طفيف لا يمت بالمرح بصلة وهو يتمتم امام وجهه القريب بحقد قديم ظهر للعيان
"هل نسيت بهذه السرعة يا قاتل ؟ هل نسيت تلك المهمة والتي كلفك بها صديقك الحقير الآخر من اجل ان تصلوا لمآربكم ؟ هل نسيت تلك الضحية والتي لم تكن سوى لعبة بين ايديكم الحقيرة ؟"
 
ارتفع حاجبيه ببطء وبعد ان سكنت حركته لوهلة وهو يحاول التنفس والتفكير بذات الوقت ، ليهمس بالنهاية بعبوس متجهم
"مستحيل ان تكون انت ! هل انت ؟...."
 
اكمل كلامه المبتور وهو يقول باحتقار واضح بكل ما يحمله بغل نحوه
"اجل انا شقيق غنوة ، تلك الفتاة التي قتلتها بيديك"
 
انتفض كل جزء بجسده بقوة وتأهب وهو يشب يديه بقبضتيه الخانقتين له بلحظة صارخا بدفاع واستنكار بذات الوقت
"غير صحيح انا لم ارتكب شيء ، ابتعد عني حالاً قبل ان يحدث ما لا يحمد عقباه....."
 
قاطعته الصرخة المنتحبة من الخلف والتي تبعتها الكأس والتي تحطمت ارضا بقوة وهي تتنفس بشهيق مذعور
"جواد !"
 
ما ان التفت (جواد) للخلف قليلا حتى استغل الآخر الفرصة وهو يركل ساقه بقدمه ليبعده عنه بقوة ، ليستقيم امامه بعيدا عن الطاولة وهو يخرج بلمح البصر السلاح ليوجهه امامه مباشرة ويده تمسد على عنقه بتشنج ليهمس بأنفاس مضطربة بخشونة استولت عليها الغضب
"لقد تجاوزت حدودك اكثر مما ينبغي ، وانا لم ارتكب معك اي ذنب ، وبخصوص تلك القصة فهي كاذبة تماما وكلها تلفيق...."
 
قاطعه الذي وقف امامه ببرود بدون ان يتخلل الخوف بمحياه وبابتسامته القاسية بقتامة
"وما تزال تنكر الأمر ، ولكن ماذا عن خطة كسب ثقتها ومحبتها لك قبل ان تستولي على كيانها وتذبحها بسكين الحقيقة ؟ هل تنكر هذا ايضا ؟"
 
كانت تشاهد بعيون عسلية دامعة التي ركعت ارضا وهي تنقل نظرها بتشوش بينهما بدون ان تفقه شيئاً مما يتكلمون عنه ، بينما اضطربت يده الذي كان يحمل السلاح ليشدد عليه بقوة بلحظة وهو يهمس ببرود
"هي التي وثقت بي وقدمت لي حبها بدون ان يتخلل الشك بعقلها ، وانا لم اطلب منها شيء ، لذا عليك لوم شقيقتك على خطأها وليس عليّ فقد تبين بأنها مجرد ساذجة....."
 
انتفض من الصرخة القاسية وهو ينطلق مثل الصقر على فريسته ليلقي به على الطاولة مجددا اوقع معه السلاح بعيدا عن مرمى يده ، ليعصر عنقه بقبضتيه بقوة اكبر حتى كاد يزهق انفاسه وهو يصرخ بغضب اسود جارف حرر كل ذرة كبرياء بداخله اطلق لها العنان
"وتقولها امامي يا حقير ! أليس انت من لعب على عقلها ليكسب حبها ؟ أليس انت من قتلها برصاصة من سلاحك ؟ وبعد كل هذا تريد لومها على ثقتها العمياء بأمثالك ، خطأها الوحيد هو بأنها اعطت ثقتها لمن لا يستحق ولمجرد آفة حقيرة لا يملك اي ذرة رجولة"
 
صرخ بقوة وهو يتلوى بعيدا عنه بعنف
"إذا كنت واثق بأنني قاتل غنوة ، لما إذاً تناسبت مع عائلتنا واخترت شقيقة عدوك ؟"
 
عقد حاجبيه بشراسة اكبر حتى تغيرت ملامحه بغمامة سوداء داكنة اظهرت الحقد المتأصل بداخله وهو يبصق الكلام بوجهه بنفور واضح
"من اجل ان احقق انتقامي منكم ، وافعل تماما كما فعلت انت سابقا بغنوة ، وتذكر بأن هذا هو حصاد افعالك يا حقير ، واعدك بأن اذيقها كل المرارة والتي اذقتها لتلك الطفلة الساذجة التي وثقت بك يوما"
 
ابتلع ريقه بصعوبة فوق قبضتيه الساحقتين وهو يهمس بخشونة
"اللعنة عليك ، ستندم بشدة على هذا"
 
ازدادت قبضتيه على عنقه بدون رحمة وهو يهمس بتصميم بعدم التراجع
"هذا إذا بقيت حيا بعد هذه الليلة !"
 
انتفض (جواد) برأسه جانبا ما ان شبت يدين قاسيتين على مرفقه وصوتها يقول بأمر صارم يخرج لأول مرة بكل هذه القسوة
"اتركه حالاً يا جواد ، ولا تدعني اغضب عليك ليوم الدين ، هيا اتركه"
 
صرخت بكلمتها الاخيرة ليزيد من حشر عنقه بقبضتيه وكأنه لم يسمعها وهو يصرخ بها بجنون ناظرا امامه بدون ان يأبه بتشنج جسده وهو يكاد يودع انفاسه الاخيرة
"هذا ليس من شأنك يا امي ، هيا ارحلي ، اريد ان اصفي حسابي معه لهذا الحقير ، وهذا ليس الوقت المناسب لإظهار شفقتك المخزية على هذا الحقير والذي دمر اغنية حياتنا ، وانتِ ما تزالين تسامحين وكأن ليس ابنتكِ التي قتلت....."
 
سكنت الاجواء من حولهم فجأة ما ان دوى صوت الصفعة الخاطفة على تقاسيم ذاك الوجه الجليدي ، ليفلت تدريجيا عنق الذي سحب نفسه بعيدا عنه بشق الأنفس ، وما ان فعل حتى تلقف انفاسه عدة لحظات بتشنج وكفه تعدل من ياقة قميصه قبل ان ينحني بلمح البصر ليلتقط سلاحه من الأرض ، ليتوازن بعدها بمكانه ببعض الترنح وهو يوجه هذه المرة نظره للجاثية ارضا لا تشعر بما يدور من حولها وكأنها قد فقدت كل معالم الحياة بتفاصيل حياتها والتي انقلبت رأساً على عقب حتى لم يعد على قلبها الصغير المقدرة على استيعاب كل هذا .
 
تنفس بتحشرج وهو يلوح بالسلاح بوجهها قائلا بتشنج ما يزال يطغى عليه التعب
"هيا تحركي يا صفاء ، لنغادر من هنا"
 
ولكن لا حياة لمن تنادي فقد كانت بعالم آخر لا ينتمي لعالم البشر بصلة ، وما ان عاد للهتاف بصرامة اعلى حتى صدرت منها حركة طفيفة من رأسها لا تكاد ترى علامة على النفي بدون ان توجه له اي نظرة ، ليزمجر بعدها بخشونة وهو يستدير مغادرا بعد ان نفذ صبره منها
"حسنا استمري ببلاهتك حتى يقضي على آخر نفس بكِ ، انا راحل"
 
افاق (جواد) من صدمته وهو يلتفت بحذر لوالدته الساكنة بمكانها ، ليرفع بعدها يده وهو يتلمس مكان الصفعة هامسا بصدمة سيطرت على نبرة صوته
"هل صفعتني يا امي من اجل ذاك النكرة ؟...."
 
قاطعته التي رفعت سبابتها بوجهه باهتزاز وهي تهمس من بين اسنانها بانفعال وغضب مكبوت تفجر فجأة
"اخرس يا ابن متحت ، فقد اثرت اليوم الكثير من المشاكل وهذا يكفي ، لقد وصلت لنقطة الانتهاء ولا داعي للمزيد من التضحيات والتي لم يعد لها قيمة الآن"
 
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يحاول التقاط كلماتها الجديدة بصعوبة شديدة ، ليقول بعدها بأكثر كلمة اثارت تركيزه وسخطه
"هل قلتِ للتو ابن متحت ؟ هل نسيتِ بأنني ابن مصعب ؟ ام اختلطت عليكِ الاسماء من الغضب ؟"
 
نفضت ذراعيها للأسفل بعنف فاجأته وهي تصرخ بغضب مذبوح تحرر من مسكنه
"بل انت مثله تماما ، صحيح بأنه شقيق والدك ، ولكنك قد اخذت طباعه وصفاته الحقيرة ، انعدام الرحمة وصفة القتل وعدم التسامح والانتقام كلها موجودة بك ، انت لم تأخذ شيء من والدك ذلك الرجل الرحيم العطوف والذي لم يستطع يوما ان يؤذي مخلوق ، انت لست ابن والدك بل انت ابن متحت...."
 
صرخ بشراسة الذي ضرب الكرسي بجانبه بذراعه ليقع ارضا بقوة
"إياكِ يا امي ان تشبهيني بذلك الرجل الحقير ! إياكِ فأنا لست مثله ابدا ومن المستحيل ان اكون مثل ذلك الرجل الأناني الجشع والذي سلبنا كل ما نملك منذ وفاة والدي ، كيف تستطيعين ان تشبهيني به ؟"
 
صرخت فوق صوته بنحيب قاسي وهي تضرب صدرها بقبضتها بطريقة اخرجت الجروح من صميمها
"وبماذا انت تختلف عنه ؟ وانت فعلت ما هو افظع منه ! عندما خدعت فتاة بريئة وادخلتها بحرب انتقامك ، عندما قسوت مع شقيقك اوس وحرمته من تخطي عتبة بيتنا وانت تنبذ الرابط الذي يجمعكما ، عندما حاولت اغتيال عمك وسرقته بارتكاب حادثة مدبرة بمكان عمله ، وكله من اجل تحت مسمى الانتقام واستعادة حقك المهدور بتدمير كل من حولك ، هل هذه هي الصفات والتي تفخر بها ؟"
 
غيم الصمت الثقيل على ثلاثتهم بدوامة هالكة لا يقطعها سوى انفاس المنتحبة والتي كانت توجه له الكلام من لحظة بحقائق متوالية كانت قد دفنتها بركام حياتها يوما ، ليتحرك الجامد من مكانه ببطء وهو يهمس بآخر كلمات خرجت من جوف معاناته والتي تجلت لأول مرة على تقاسيم ملامحه
"لقد كنت افعل هذا من اجلكما يا امي ، ولكن يبدو بأن الأمر لم يكن يستحق !"
 
ارتمت الواقفة جالسة ارضا بجانب الكرسي المقلوب وهي تنظر للذي غادر من المنزل امامها بصمت ، لتخرج بعدها الشهقات من صدرها المحمل بالشقوق والهموم والتي اثقلت عليها حتى ذبحت آخر ذرة سعادة بها ، نقلت نظراتها الهادئة لصاحبة الصوت الباكي والتي زحفت نحوها حتى جلست امامها هامسة ببكاء
"عمتي هيام انا اعتذر...."
 
حركت رأسها بالنفي بسرعة وهي تربت على رأسها بحنان عاد للتدفق بصوتها الحزين المشروخ
"لا يا صغيرتي ، لما الاعتذار ؟ انتِ لم تخطئي بشيء"
 
زمت شفتيها بدموع تحررت من مقلتيها الغارقتين بحزن عميق ضرب آخر وتر بشعورها الحالم وكأنها سبب كل المآسي والتي حدثت امامها الآن ، لترتمي لا شعوريا بأحضانها وهي تجهش ببكاء عنيف هامسة بأنفاس متقطعة مثل الغريق بدون ان يجد طريق نجاته
"انا لا افهم شيئاً يا عمتي هيام ؟ لما حدث كل هذا ؟ ولماذا جواد يكرهني هكذا ؟ ما لذي اخطئت به وما علاقة مازن بالأمر ؟ اريد ان افهم ارجوك اتوسل إليكِ"
 
حركت رأسها بدموع تسربت من عينيها السوداوين بدون ان تمنعها وكفها تمسح على رأسها هامسة بخفوت حزين اتعب خفقات قلبها الضعيف
"سأخبركِ بكل شيء يا حبيبتي ، ولكن ارجوكِ ان تتوقفي عن البكاء فأنا لا احب ان اراكِ تبكين ، ولا اريد ان اسبب لكِ البكاء ، فلو كان البكاء يصلح كل شيء افسدناه لما توقفنا يوماً عن البكاء !"
 
_____________________________
كانت تجلس بمنتصف السرير بتكور وهي تنظر بعيدا بشرود اصبح يحوم على ملامحها الثلجية والتي تحولت لطبقة باردة بدون اي ذرة شعور...لتتنفس بعدها بتهدج ما يزال يحتل خلجات روحها الثائرة....لتحين منها نظرة بحدقتيها الساكنتين لذراعيها وللجروح الباهتة التي ما تزال آثارها مصقولة على بشرتها الرخامية بتعاليم واضحة...بدون ان تحقق الهدف المنشود منها .
 
قبضت على يديها بقوة وهي تغرز اسنانها بطرف شفتيها بقسوة ما ان تذكرت كل الاحداث الماضية والتي تلت كل مجريات احداث الصباح وتلك اللحظات الحميمية بحياتهما المجردة من العاطفة...وهي تشعر بكل جزء مجروح بجسدها تذكرها بلمساته القوية والتي طغت على ألم فعلتها وهو يستغل اللعبة والتي بدأت بها بنفسها لصالحه الشخصي....لتصبح طوع امره وبمتناول يده بلحظات كما يفعل عادةً بكل مرة...وهو يخونها بجسدها والذي لم تعد تستطيع تكهن اي ردة فعل تنشئ عنه وكأنه يتصرف بتلقائية تامة بدون ان يرسل الأمر لعقلها !
 
زفرت انفاسها بنفاذ صبر وهي تجول بنظرها بالجوار وبعد ان عادت الغرفة لترتيبها ونظافتها والتي تليق بأفخم الغرف بالجناح بدون ان تعلم متى حدث هذا ؟...لتلمح بعدها طاولة الزينة والتي فرغت من كل العطور ومستحضرات التجميل والتي كانت تحتلها بالصباح....حتى انها قد لاحظت خلو الغرفة من اي اشياء حادة او ادوات قاتلة وكأنه يتقصد فعل كل هذا...لكي لا تتجرأ على اعادة نفس تلك اللعبة المجنونة والتي تبدو لم تروق له .
 
ابتسمت بسخرية مريرة انزرعت بزاوية شفتيها المرتجفتين بذبول ما ان توقف ذهنها على نقطة معينة وعلى جملة كانت تستخدمها حجة لكي يتوقف هدر الاسئلة والذي كانت تمطرها به ما ان تعود من المدرسة (لقد كنت ألعب)...لطالما كانت تعود من المدرسة محملة بالجروح والاوساخ بدون ان تعترف بأنها قد تعرضت لعراك مع فتيات المدرسة واللواتي يتقصدن إزعاجها ومضايقتها على الدوام....وبطبيعتها الشرسة كانت ترد لهن الإهانات بردة فعل عملية بالضرب والقتال حتى تخرج من المعركة مصابة بكل انواع الكدمات بمعركة غير متكافئة الاطراف....واحيانا يصل الأمر لتدخل مدراء المدرسة والمعلمين وبكل تأكيد هي التي تكون الملامة الوحيدة بكل هذا بسبب تمردها وسمعتها الغير مشرفة والتي جلبت لها كل معاناة بمسيرتها بحياتها المدرسية .
 
تنهدت بهدوء وهي ترفع عينيها باتجاه صاحب تلك الاصوات المزعجة والتي سبقت دخوله للغرفة امامها بلحظات ، ليسير بعدها بخطوات ثابتة امامها وهو يدندن بلحن معين بتعمد كانت قد حددت مسارها بالفعل ، وما ان وقف مقابل لها امام السرير حتى مال قليلا بمغزى وهو يقول بابتسامة جانبية بانتشاء
"كيف حالكِ الآن يا ألماستي ؟ اتمنى ألا تكوني قد افتعلت حماقة اخرى بغيابي !"
 
زمت شفتيها بحنق توهج بمقلتيها البحرية لوهلة قبل ان تشيح بوجهها بعيدا عنه بدون ان تنطق بأي كلمة او ان ترد على كلامه ، ليحرك بعدها كتفيه بلا مبالاة وهو يغير اتجاه خطواته بلحظة ليتابع مساره بعيدا عنها قائلا بجدية
"حسنا بما انكِ قد كنتِ مهذبة بالثلاث الساعات الماضية ، وسنتغاضى عن كل حماقاتك بالصباح ، فقد اصبحتِ الآن تستحقين الخروج من الجناح لتناول العشاء وحضور حفلة الفندق والتي ستقام الليلة ، فنحن لم نستطع تناول اي طعام بهناء منذ بداية شهر العسل الخاص بنا"
 
ردت عليه من فورها بدون اي حياة
"لن افعل"
 
ابتسم بهدوء بدون ان يهتم لردها الأخير وهو يقلب بين الملابس امامه ، ليخرج بعدها قطع من الملابس وهو يقارن بها قائلا بانبهار مزيف
"ستكون هذه أول حفلة لكِ بعد الزواج ، لذا عليكِ ان تكوني بأبهى طلة بدون ان يستطيع احد منافستك ، بالرغم من كل السبل والتي تفتعلينها بتشويه انوثتك وجمالكِ !"
 
نظرت له بأطراف عينيها بضيق وهي تتمتم بوجوم مغتاظ
"وبسبب ما افتعلته وحدث بالصباح ، لن استطيع الظهور بالصورة التي تتخيلها بتلك العلامات والتي تملئ جسدي والتي ستبعث كل الظنون السيئة برؤوس الحاضرين ، لذا انسى امر الخروج تماما من اجل ألا نشوه سمعة عرسان شهر العسل"
 
التفت نحوها بهدوء لبرهة قبل ان يغلق الخزانة بقوة بعثت الرعشة بأطراف جسدها المنقبضة ببرود ، ليتبعها بابتسامة مائلة بلحظة وهو يهمس بخشونة ساخرة
"لا بأس يا عزيزتي ، فلا احد سيرى تلك الخدوش والجروح الصغيرة ولن يعلم احد عنها سوى من يملك الحق بذلك ، لذا ارتاحي من هذه الناحية ودعي مهمة إخفاء عيوب زوجتي لي"
 
انفرجت شفتيها بأنفاس مضطربة ضربت مجرى تفكيرها لثواني دائما ما يصدمها بفحوى كلامه وبمضمون حديثه بدون ان تتوقع اجوبته القادمة والتي تصيب هدفها على الدوام ، وهي التي لم تعد تستطيع مجاراة حركاته اكثر والتي اعلنت على هزيمتها اكثر من مرة !
 
عبست ملامحها بلحظة ما ان وصل امامها وهو يفرد الثوب الاحمر الطويل امام عينيها الباردتين...وهي تزيد من سخط ملامحها ما ان مرت بعينيها بلمحة خاطفة على قماش الثوي الحريري من الشيفون الامع بلون الاحمر القاني شبيه بالياقوت....لتتجمد انفاسها لوهلة ما ان وصلت لحمالات الثوب الرفيعة جدا بدون اي اكمام طويلة....وهذا يعني بأنه...
 
ادارت عينيها بعيدا بانقباض وهي تهمس بجفاء باهت
"لم يعجبني بتاتاً ، وانا لا احب ان ارتدي مثل هذا النوع من الاثواب فهو مكشوف جدا"
 
ارتفع حاجبيه بخفة وهو يلقي نظرة سريعة على الفستان ، قبل ان يعود بنظره لها مجددا وهو يلوح بيده قائلا ببساطة
"تقصدين بأنه مكشوف الذراعين ! لا تقلقي فهناك سترة خاصة بالثوب سترتدينها فوقه ، وعندها لن يظهر شيء للعيان"
 
شددت من معانقة ساقيها بدون ان تظهر اي نية بالاستجابة على صفحة ملامحها الجليدية ، لتشعر بيد قوية تسحبها من ذراعها غصبا وهي تنزلها عن السرير برفق قبل ان يوقفها امامه تماما .
رفعت وجهها بغضب وقبل ان تنطق بكلمة اخرستها كلمته الآمرة وهو يقول
"اخرسي يا ماسة ، واذهبي وبدلي الثوب بدون اي جدال لا طائل منه ، وألا اخذتكِ للحفلة وانتِ بهذه الهيئة"
 
اخفضت نظراتها بهدوء وهي تتمتم بخفوت بارد
"لن ارتديه ، حتى لو كان آخر يوم بحياتي"
 
عقد حاجبيه بتجهم لبرهة قبل ان يلوح بالثوب امام نظرها قائلا بنفاذ صبر
"ولما لا ترتدين ؟ ما لعيب به حتى لا يعجبك ؟....."
 
قاطعته بسرعة بانفعال مفاجئ
"قلت لك لا أريد ، ولن ترغمني عليه"
 
ما ان همت بالرحيل حتى اعتقل ذراعها بقوة وكأنه كان يتوقع نيتها بالهروب ، ليدنو بعدها بوجهه بالقرب منها وهو يلوح بأصبعه السبابة امام انفها بقسوة قائلا بتهديد على وشك افتراسها
"ليس هناك منفذ للهروب يا ماسة ، لأننا سنحضر هذه الحفلة معا ونتناول العشاء رغما عن انفك ، وهذا الذي تفعلينه سيدفعني للتهور اكثر وسيكون عندها قد فات الآوان على الندم"
 
تسمرت بمكانها لبرهة بدون ان تصدر اي صوت بعد ان جمد الدماء بعروقها بنبرة صوته والتي تغيرت فجأة لمنحى آخر ، ابتسم بعدها الذي كان يضرب انفها بطرف اصبعه قبل ان يضع الثوب الطويل فوق كتفها بصمت ، ليدفعها بعدها من ذراعها باتجاه الحمام الملحق عدة خطوات ، قبل ان توقفه التي تجمدت بمكانها بلحظة ليلتفت للخلف قليلا هامسا بوجوم
"ماذا الآن ؟ ألم نقل !...."
 
قاطعته التي استلت ذراعها منه وهي تكمل طريقها نحو الحمام بثبات
"استطيع دخول الحمام لوحدي ، شكرا لك على المساعدة"
 
ارتفع حاجب واحد بحدة وهو يتمتم من خلفها بجدية
"لا تنسي ، اسرعي بتبديل ملابسك ، وإياك والتأخر"
 
زفر انفاسه بضيق ما ان اغلقت الباب من فورها بقوة ، ليتراجع بخطواته وهو يعود لفتح الخزانة مجددا ليخرج من فوره البذلة السوداء الانيقة والتي تناسب المكان الذاهب إليه .
 
بعدها بعشر دقائق كان يعدل بربطة عنقه بهدوء ، ليبتسم بعدها برضا وهو يرفع يده لخصلات شعره المسرحة للخلف بعناية وهو يعيدها بأصابعه لتصفف مع باقي الخصل .
 
التفت بعدها جانبا ما ان سمع صوت باب الحمام يفتح بهدوء وببطء مريب ، ليضيق بعدها عينيه بحيرة ما ان حل الصمت التام بالأجواء بدون ان يظهر المختبئ خلف الباب .
 
تقدم امام باب الحمام عدة خطوات قوية ، ليصل لسمعه بثواني الصوت الباهت من خلف الباب الموارب وهو يلمح الأصابع البيضاء الممسكة بطرفه بقوة
"لقد نسيت ان اؤخذ معي السترة الخاصة بالثوب ، هلا اعطيتني إياها لو سمحت ؟"
 
عقد حاجبيه باستياء غزى ملامحه بلحظة بدون ان يستطيع الوصول لأي جزء بها وهي تتعمد اخفاء نفسها جيدا خلف الباب الموارب ، بدون ان يفهم كل هذا الحياء والخجل والذي تلبسها فجأة اتجاه زوجها ؟ وهو يتحرق شوقا لرؤية شيء من ذاك الثوب وكيف يبدو عليها الآن !
 
عض على طرف شفتيه بضيق وهو يهمس بصوت اجش عابث
"لن افعل قبل ان تخرجي امامي وتريني كيف يبدو عليكِ الثوب ؟ فأنا ارى بأنه ليس من العدل ان تتركيني اتشوق هكذا لرؤيتك ! وايضا انا زوجك لذا لا داعي لكل هذا التعنت"
 
زادت ابتسامته بتسلية ما ان لمح تجمد اصابعها وانشداد مفاصلها على طرف الباب الخشبي ، ليأتي الجواب الذي يتوقعه وهي تقول بعناد شرس
"هذا ليس مضحكا يا شادي ! وهيا اعطني السترة حالاً وألا لن اخرج"
 
اطبق على شفتيه وهو لا يفهم كل هذا العناد الموجود برأسها الصخري وكأن اسد سيفترسها ! ليقول بعدها بجمود وهو يطرق الأرض بقدمه بقوة
"ألن نتوقف عن لعبة العناد يا ماسة ! إذا لم تخرجي امامي الآن فأنا عندها سأدخل للحمام بنفسي ، فليس من الصعب عليّ دفع مثل هذا الباب الخشبي ، فأنا عند رغباتي لا شيء يحول بيننا"
 
انقبضت الاصابع اكثر حتى ابيضت بشحوب قبل ان تنزلق بعيدا عن الباب...وما هي ألا لحظة حتى انفتح الباب بالكامل وهي تخرج منه بصمت وبرأس منكسة قليلا...وقفت بعدها امامه تماما وهو مشغول بالتجول على تفاصيل الثوب الرقيق والذي حدد جسدها الغض بوضوح ملفت...وهو يكتشف لأول مرة بأنها تكاد تذوي من الهزال من تحت قماش الثوب الضيق وبلون قاني نحتها مثل التمثال الجليدي...ارتفع لوجهها ما ان قالت بضعف غريب تخلل صوتها بنبرة مضطربة
"اريد ان ارتدي السترة ، فأنا لا اشعر بالراحة بهذا الثوب المكشوف !"
 
ارتفع حاجبيه بترقب وهو يدقق بالنظر على اكتاف الثوب المكشوف...بحمالات رفيعة تكاد تكون غير مرئية لتظهر ذراعيها النحيلين جدا صعودا لكتفيها المجوفين عند العظمة المتصلة بعنقها...وببشرة شاحبة تكاد تقرب لشكل الشبح بهزالها وبياضها والذي زاد عن الحد المعقول والذي يشعر به مختلف عن باقي اطراف جسدها الاخرى !...والآن فقط اكتشف تعمدها المتعنت عدم ارتداء ذاك النوع من الملابس المكشوفة والذي تعمدت ان تجعلها جميعها محتشمة مثل ثوب الزفاف والذي اختارته بأكمام طويلة وبصنع مختلف عن فساتين الزفاف الاخرى .
 
عقد حاجبيه بتأهب وهو يمسك بذراعيها المتصلبين بدون اي مقدمات والتي كان قد لاحظ حركتهما الخفية بإعادتهما لخلف ظهرها...وبممانعة ضعيفة قضى عليها بثواني...وهو يشدد من إمساك ذراعيها هامسا قرب اذنها بتصميم نافذ
"اتركيها يا ماسة"
 
ارخت مفاصل اصابعها على قماش ثوبها ليرفع كلتا ذراعيها امام نظره بلحظة ، قبل ان تتسع عينيه بدهشة وهو يلامس بأصبعه السبابة مسار الحروق الواضحة والتي جفت وبقيت مع مرور السنوات ، لتبقى فقط آثارها واضحة على بشرتها الثلجية مثل وشم انطبع بداخل جزء من ذراعيها النحيلين ليتلاحم معه ويستقر منذ زمن .
 
تنفس بهدوء وهو يطبق على اسنانه بقسوة احتلت روحه بلحظة وهو يتذكر ما تعرضت له تلك الحروق من قبل سائل القهوة الساخنة ، بدون ان يدرك بوجود تلك الحروق والتي منعت عنها التأثر بأي اصابة قد تودي بها ، وما يزيد شعلة الغضب المتقد بداخله بأنه لم ينتبه ولو لمرة واحدة بلحظاتهما الحميمية لوجود تلك الحروق والتي تثبت بعد النظر والذي يعيش عليه بحياته ! فهل هي التي اتقنت اخفاءهم ام انه هو الذي لا يرى امامه سوى ما يريد رؤيته ؟
 
افاق من تخبط افكاره صوتها الهادئ وهي تهمس بابتسامة جافة بدون اي تعبير
"لا داعي لملامح الأسى والحزن ، واعتذر لأنك قد خدعت بهذه الطريقة القاسية بدون ان اكشف لك بالعيوب التي اعاني منها....."
 
صمتت ما ان ضغط بأصبعه السبابة على شفتيها بقوة وهو يقترب من وجهها هامسا بصوت اجش هادئ
"هششششش ، لا اريد ان اسمع منكِ صوتاً"
 
ابتلعت ريقها برهبة وهي تنصاع لكلامه والذي بث بروحها الهائجة مثل السم ليوقف هياجه ، ليدنو اكثر امامها وهو يقبل اصبعه فوق شفتيها وبالحقيقة لم تصل القبلة لها فقد كان اصبعه الحاجز بينهما ، وكم اثارت تلك الحركة البسيطة الأهوال بدواخلها الثائرة مثل براكين استطاع اخمادها بلحظة .
 
ابتعد عنها قليلا وهي تشاهد بعينين متسعتين الذي امسك بالسترة الحمراء بنفس لون الثوب القاني ، ليلبسها إياها فوق كتفيها وهي تنصاع لحركاته المتأنية بإدخال كل ذراع على حدى بأكمام السترة القصيرة ، وما ان انتهى حتى شعرت بالراحة التامة ما ان اختفت تفاصيل ذراعيها واكتافها وكل ما كان مكشوف منها داخل السترة الانيقة والتي زادت جمال الثوب القاني .
 
رفعت رأسها باتجاه الذي رفع ذراعه نحوها وهو يتمتم بصوت اجش واثق
"هل نذهب الآن يا ألماستي ؟"
 
ابتسمت بارتجاف وهي ترفع يدها ببطء وبتردد قبل ان تلف اصابعها النحيلة حول مرفقه وذراعها بذراعه ، لتشعر بعدها بيده الحرة وهي تلمس انفها بخفة قائلا بابتسامة قوية بهدوء
"ابتسمي دائما ، فقد خلق الابتسام لينير الوجوه الجميلة"
 
اتسعت ابتسامتها لا إراديا وهي تحني نظراتها بهدوء بحياء استبد بها بلحظة غادرة ، ليبتسم بنشوة وهو يقودها لخارج الغرفة ولاستقبال العالم بأول خروج لهما بعد الزفاف .
 
_______________________________
انفتح باب المنزل لتظهر من خلفه خادمة كبيرة بالسن والتي ما ان وقعت نظراتها على الطارق حتى اتسعت ابتسامة بشوشة على محياها ، لتبتعد من فورها عن طريقه وهي تمد ذراعها قائلة باحترام
"مساء النور سيد هشام ، تفضل بالدخول"
 
اومأ برأسه باتزان وهو يتجاوزها قائلا بوقار
"كيف حالك اليوم يا خالة ميسون ؟"
 
حركت رأسها بهدوء وهي تهمس بامتنان
"بخير ، شكرا لك على السؤال"
 
قال بعدها وهو يوجه نظره بأنحاء المنزل الكبير
"ولكن ألا يوجد احد بالمنزل !"
 
قالت بسرعة بابتسامة صغيرة بلطف
"بل الجميع موجودين وهم الآن....."
 
قطعت كلامها صراخ الطفلة الراكضة على السلالم بعجلة وهي تنطق بذات اللحظة باندفاع
"خالي هشام هنا"
 
اتسعت ابتسامته بسعادة بتفاصيل ملامحه المتعبة ما ان وصلت امامه الطفلة الراكضة بثواني ، ليتلقفها بين ذراعيه بلحظة وهو يرفعها عاليا لعنان السماء لتخرج عندها ضحكاتها البريئة بفرحة طفولية ، اخفض ذراعيه وهو يدسها بأحضانه بحنان هامسا امام رأسها الصغير بمرح لا يظهره سوى امامها وبعد ان يتخلى عن شخصيته الصارمة والتي يتقمصها طول اليوم
"كيف حالكِ يا ملاكي ؟ اتمنى ان تكوني قد ابليتِ حسناً ولم تسببي المتاعب او المشاكل لأحد طول الاسبوع الماضي ، من اجل ان افكر إذا كنتِ تستحقين الحصول على هديتك ؟"
 
تشبثت الطفلة بعنقه والتي لا تتجاوز السادسة من عمرها وهي تهمس بعيون تبرق بانتصار السعادة
"هذه المرة لم اسبب اي مشاكل لأي احد وكنت فتاة مطيعة طول الاسبوع الماضي كما وعدتك ، وهذا يعني بأنني استحق هديتي ، صحيح ؟"
 
ضحك بتعب قبل ان يخفت صوت الضحكة تدريجيا ليمسك بعدها بأنفها بأصابعه الطويلة قائلا بتحذير مزيف
"هل هذا الكلام صحيح ام تكذبين عليّ لتحصلي على هديتك ؟ لأنني استطيع سؤال والدتك إذا كنتِ قد اخطئتِ بالتصرف بالأيام الماضية"
 
ارتبكت ملامحها بوجل وهي تحرك رأسها بالنفي هامسة بعبوس خافت
"غير صحيح انا لم اكذب ، قد اكون اخطئت مرة او مرتين فقط ، ولكني حقا كنت فتاة مطيعة ولم اسبب اي مشاكل"
 
عقد حاجبيه بشك وهو ينظر لابتسامتها البريئة والتي ذكرته بشيء آخر شبيه لها ، لتعبس زاوية من شفتيه بوجوم شارد وهو يتذكر نفس الابتسامة بوجه مدور طفولي تستخدمها كسلاح لتخفي بها كذبها عنه وتدفعه ليخضع لها بنهاية الأمر .
 
رفع رأسه باتجاه الخطوات المتجهة نحوهما بثبات وهدوء للمرأة التي تعلو ملامحها الفاتنة ابتسامة جميلة برقي ووقار وشعر بني طويل مسترسل على جانبيها ليستريح على كتفيها برخاء ، وما ان وقفت امامهما تماما حتى ازدادت ابتسامتها اتساع وهي تهمس بخفوت حنون
"لقد سمعت صوت امل وهي تصرخ على السلالم ، وعرفت بأنه انت الذي تسبب بصراخها ، كيف حالك يا هشام ؟"
 
ابتسم بتعب وبإنهاك بعض الشيء وهي يقول بصوت جاد قوي
"انا بخير يا اسمهان ، وسعيد جدا برؤيتكم ، فقد اشتقت لكم كثيرا لذا قررت زيارتكم والاطمئنان عليكم"
 
اومأت برأسها بشرود وهي تقول ببعض الضيق المزيف
"لو كنت حقا تشتاق لنا ، لما تأخرت هكذا بزيارتنا !"
 
ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يتمتم بجمود
"لقد كنت عندكم بالأمس وتناولت طعام الغداء معكم بعد إصرار شديد منكِ !"
 
زمت شفتيها بحزن وهي تهمس من بينهما بقنوط
"ولكنه كان بالأمس وقد فات وقت طويل عليه ، وقد انتظرنا كثيرا زيارتك اليوم ولكنك لم تحضر"
 
تنهد بإنهاك وهو يمسد على جبينه بيده للحظات ، ليخرجه من حالته صوتها وهي تتابع كلامها بقلق متوجس
"تبدو متعب يا هشام ! هل انت بخير ؟"
 
حرك رأسه بهدوء وهو يتمتم برفق
"اجل بخير يا اسمهان ، فقط متعب قليلا بسبب العمل الطويل اليوم"
 
عبست ملامحها بحزم وهي توجه كلامها للطفلة التي ما تزال تستقر بأحضانه قائلة بجدية
"هيا يا امل انزلي عن خالك هشام فهو متعب ، وايضا عليكِ ان تخلدي للنوم مبكرا من اجل الذهاب للمدرسة غدا"
 
تبرمت شفتيها بحزن وهي تهمس بتذمر مستاء
"لا لن اذهب قبل ان يعطيني خالي هديتي ، لقد وعدني وانا اريد هديتي"
 
عادت للكلام بحزم اكبر وهو تقول بأمر
"اسمعي الكلام يا امل ، وبالغد تحصلين على هديتك من هشام ، والآن إلى النوم حالاً"
 
رفعت عيون دامعة للذي قال لها بقوة وهو يربت على رأسها بحنان
"لا تقلقي يا ملاكي ، سأحضر لكِ الهدية بالغد بعد المدرسة ، انا اعدك"
 
انزلها ارضا برفق قبل ان تنطلق الطفلة بعيدا عنهما وهي تلوح بيدها صارخة بتصميم
"لا تنسى ، لقد وعدتني"
 
استقام بهدوء وهو يراقب التي عادت لصعود السلالم بسرعة ، ليشعر بعدها باليد الحانية وهي تمسك بذراعه هامسة بجدية
"هيا تعال نجلس قليلا ، بدل الوقوف هكذا"
 
سار معها حيث سحبته باتجاه الارائك بمنتصف البهو الواسع ، ليجلس من فوره بإنهاك استبد به وهو يريح يديه فوق ركبتيه بصمت ، قالت بعدها التي جلست بجانبه على نفس الاريكة بهدوء
"اخبرني عن العمل يا هشام ، كيف هي احوال عملك بالجامعة ؟ هل ما تزال تعمل بأكثر من وظيفة بنفس اليوم ؟"
 
عقد حاجبيه بهدوء وهو يتمتم باقتضاب
"كل شيء بخير ليس هناك من جديد ، اخبريني انتِ عن زوجك ألم يعد بعد من سفرته من الخارج !"
 
ضمت يديها معا بهدوء وهي تهمس بابتسامة رقيقة باتزان
"لا لم يعد وهذه المرة قد يحتاج لأيام بسفره بالخارج حتى ينهي صفقة العمل ، ولكنه يتصل بنا يوميا ليطمئن علينا ويخبرنا عن احواله"
 
نظر لها للحظات قبل ان يعقد حاجبيه قائلا بتذكر
"صحيح لماذا لم ارى ابنكِ حاتم باستقبالي ؟"
 
ردت عليه بابتسامة حانية برقة
"لقد ذهب للنوم منذ وقت طويل ، وألا لما كان ضيع عليه فرصة استقبال خاله هشام ، ولكن هذا افضل من اجل ان نستطيع التكلم بحرية اكبر"
 
ادار وجهه بعيدا عنها بصمت وهو يريح ذقنه فوق قبضته بشرود ، ليقطع الصمت صوتها مجددا وهي تقول بحيرة واجمة
"هشام انت لا تبدو بخير ابدا وكأنك مهموم وقد لاحظت هذا عليك منذ ايام ، انا اقول بأنه من الأفضل لك ان تأخذ استراحة من العمل ، فأنت تتعب نفسك كثيرا به وكأنه ليس لديك شيء تفعله سوى الذهاب لتلك الجامعة وألقاء المحاضرات بها ، لذا من الافضل ان تستريح من كل هذا وتأخذ إجازة قصيرة"
 
ابتسم بدون اي مرح وهو يتمتم بوجوم
"وماذا تريدين مني ان افعل بالإجازة مثلا ! اُفضل ان اضيع وقت الإجازة بالعمل الجاد والذي يفيد غيري من طلبة العلم"
 
عبست ملامحها الجميلة وهي تكتف ذراعيها هامسة بحزم
"انت تقول هذا الكلام لأنك لا تجد ما تفعله بحياتك الفارغة ، وقد قصدت بكلامي بأن تأخذ استراحة لن تضر بالعمل وان تعود للسكن معنا بالمنزل وبين اولاد شقيقتك الذين يحبونك كما بالماضي....."
 
قاطعها الذي رفع رأسه فجأة وهو يقول بجدية صارمة
"هذا غير جائز يا اسمهان ، فأنا قد اصبحت الآن رجل مستقل معتمد على نفسه ، ولا يصح ان اعود للعيش معكم بعد ان كونت نفسي واصبح لدي حياتي الخاصة بعيدا عن الجميع"
 
ردت عليه بتبرم مستاء
"لو كنت حقا قد كونت حياتك الخاصة كما تقول ! لكنت الآن متزوج ولديك امرأة واطفال بدل حياة العزوبية والتشتت التي تعيشها وكله بسبب علاقة قديمة دمرت كل حياتك"
 
تصلبت ملامحه لوهلة وهو يعتدل بجلوسه بصمت بعيدا عنها ، لتقول بسرعة التي تداركت نفسها وهي تضع يدها على ركبته هامسة بأسف
"اعتذر يا هشام ، لم اقصد ان اجرحك بكلامي ، اكرر اعتذاري ، ولكن صدقني كل ما اقوله من اجل مصلحتك يا شقيقي فهذا الذي تفعله....."
 
قاطعها الذي امسك بكفها على ركبته وهو يقول بجمود باهت بدون اي حياة
"كفى يا اسمهان ، لا اريد سماع اي كلام عن هذا الموضوع ، ومرة اخرى إياكِ وان تتدخلي بحياتي الخاصة ، لكي لا افكر عندها بالانقطاع عن المجيئ لمنزلك"
 
انحنت عينيها بحزن ما ان افلت كفها بهدوء ، لتضم قبضتيها معا عند حجرها لوهلة وهي تتمتم بأسى
"حسنا يا هشام كما تشاء ، فأهم شيء عندي هي راحتك وان تعيش بهناء مع الشخص الذي يحبك ويسعدك بحياتك"
 
حانت منه التفاتة نحوها لبرهة قبل ان تقع عينيه على العقد الرقيق الملتف حول عنقها ، ليبتسم بعدها بهدوء وهو يقول بشبه ابتسامة باردة
"هل ما تزالين تضعين العقد للآن ؟ يبدو بأنه قد اعجبكِ كثيرا !"
 
تغضن جبينها بحيرة للحظات قبل ان توجه نظراتها للعقد حول عنقها والذي ينتهي بلؤلؤة صغيرة عند الصدر ، لتعود للنظر له بابتسامة كبيرة عادت لتعتلي ملامحها الفاتنة وهي تهمس بثقة
"اكيد لن اخلعه فهذه اجمل هدية اتلقاها من شقيقي الوحيد ، وقد اصبت هذه المرة باختيار الهدية ، فهي جميلة جدا ورائعة ، لقد اثبت لي بأنك تمتلك ذوق رفيع رغم كل عيوبك"
 
ضحكت بعدها بمرح بدون ان يشاركها مرحها وهو يبتعد بتفكيره لأمور اخرى اخذت عقله على حين غفلة بدون ان يخبرها بأنه قد استعان برفيقة باختيار هذا العقد الرقيق ، افاق من شروده على صوتها وهي تنهض من جانبه قائلة بابتسامة لطيفة بمحبة
"سأذهب لأطلب من الخدم تحضير مائدة عشاء كاملة لنا ، فلا تظن بأنني سأتركك هكذا بدون عشاء ، وايضا من اجل ان نكمل سهرتنا معا كما كنا نفعل بالماضي بما انه ليس هناك شيء نفعله"
 
عقد حاجبيه بوجوم ما ان غادرت من امامه بعيدا عنه بدون ان تنتظر رأيه بالأمر ، وماذا كان يتوقع منها تلك العنيدة والتي لا تسمع لأحد سوى ما يأمرها به عقلها وعلى سجيتها ؟ ودائما ما تنتصر وتنفذ ما برأسها بدون ان يقف احد بوجهها .

نهاية الفصل........

بحر من دموع Where stories live. Discover now