الفصل الثامن والعشرون

96 3 0
                                    

خرجت من السيارة وهي تنظر من حولها بتأمل صامت وهواء النسائم الربيعية يتلاعب بخصلات شعرها المتحررة مع غرتها التي تمردت امام عينيها وهو يلفح وجهها بنعومة مثل قبلات الصباح ، لترفع بعدها كفها وهي تبعد خصلات غرتها الملتصقة بعينيها حتى تتضح الرؤية امامها قبل ان تعود للتبعثر امام وجهها بعدم انصياع ، افاقت من سراب افكارها على قوة اليد المتسللة التي امسكت بكفها بدفء متناقض عن برودة الهواء المتراقص من حولهما وكأنه بصيص النور الذي انقشع بقاع الظلام والوحشة ليزيح ضباب الصقيع عن روحها بطريق خفي امتد بين قلبيهما .
سار امامها وهو يسحبها معه بصمت بخطوات متساوية مع دقة خطواتها وكأنهما يشكلان نفس إيقاع الخطوات ، وقفا بعدها امام سور الجسر الذي يصادف بأنه مكان تلاقيهما لمرتين على التوالي ليكون اليوم هو ثالث لقاء بينهما بنفس المكان ولكن الاختلاف بأن مجيئهما إليه كان بإرادتهما الحرة بدون تدخل الاقدار او الصدف بذلك .
كتفت ذراعها الحرة عند صدرها برعشة باردة وهي تشدد على طرف سترتها الجلدية هامسة بخفوت شديد لكي لا تفسد هدوء اللحظة
"وماذا الآن ؟"
ساد الصمت بينهما طويلا بثقل جبهات الرياح وبهدوء امواج البحر واللذان كانا يخوضان نزال حامي بينهما وهو يعبث بقلوب السامعين ، حادت بنظراتها نحو الساكن بجوارها بهدوء وهي تتأمل جانب وجهه الظاهر لها وهو يخفض جفنيه على عينيه بملامح اعتادت على الاسترخاء والبرود بحالة استقرار وهدوء تام وكأنه لا شيء يخوضه بحياته المسالمة والفارغة من الهموم والمآسي ، ولكنه بالواقع مجرد مرآة امام العالم يخفي بها الكثير من الاسرار وهي تحجب كل المشاعر بمكنونها بدون ان تتسرب للخارج بمهارة اجاد تقمصها ! فقط لو تعلم كيف ستستطيع سبر اغوار هذا الرجل الجليدي شديد الكتمان ؟
ضيقت حدقتيها الزرقاوين ما ان التقطت همسته الغادرة من شفتيه المتصلبتين
"هل اكتفيتِ من هذا التأمل ؟ فلن تصلي لشيء حتى لو حاولت ذلك !"
ارتفع حاجب واحد بتعجب وهي تهمس بخفوت مشتد
"هل اصبحت تجيد هواية قراءة الافكار ؟"
ارتفعت ابتسامته ببرود وهو ما يزال مغمض العينين ليهمس عندها بهدوء اجش
"لم افعل ، فقط معكِ استطيع ان اجيد كل شيء"
انحنت زاوية شفتيها بشبه ابتسامة وهي تهمس بخفوت ساخر
"كما تجيد كذلك اللعب بكلمات الغزل لتسرق قلوب الفتيات !"
شدد على يدها بقوة وهو يهمس بأمر حازم
"هششششش ، اصمتِ يا ماسة"
عضت على طرف شفتيها وهي تدير عينيها جانبا لتهمس بعدها بلحظات بصوت مغتاظ
"هلا توقفنا عن هذا الصمت واخبرتني بما تفكر بفعله ؟ ولما نحن هنا من الاساس ؟"
فتح طرف عينيه وهو يحدق بها بجمود قبل ان يتمتم بوجوم مستاء
"يا لكِ من قليلة صبر ! هل اصبح الهدوء الاستمتاع بأصوات الحياة صعبا عليكِ ؟"
نظرت للأمام بهدوء وهي تهمس بلحظة بعدم اهتمام
"يبدو بأنني شخص صعب الارضاء"
زفر انفاسه بهدوء وهو ينظر لها هذه المرة عن كثب قائلا بابتسامة جادة
"حتى لو كنتِ كذلك فلن اتوقف قبل ان انال هدفي منكِ !"
اخفضت عينيها قليلا وهي تحدق بحذائيها الرياضيين هامسة بلا مبالاة
"افعل ما تشاء ، ولكن تذكر عليك بالانتهاء بغضون عشر دقائق فقط قبل ان تعيدني للمنزل"
نظر لها للحظات قبل ان يفلت كفها وهو يتقدم امام سور الجسر عدة خطوات ليسند عليه مرفقيه بصمت ، نظرت بعدها نحوه بعينيها الواسعتين بضباب توسع بداخل روحها وهي تقبض على كفها الفارغة بجمود خاوي .
تنهدت بهدوء وهي تسير للأمام خطوتين قبل ان تصبح بجواره لتسند عليه مرفقيها مثلما يفعل ، قال بعدها بهدوء وهو يقطع صوت هياج البحر اسفل الجسر
"اسمعي صوت البحر يا ألماستي وتمعني به فهو من يبتلع احزاننا من جوف المعاناة ومشاعرنا المدفونة بواقع الحياة ليعيدنا مجرد اطفال عراة مولودين بالحياة لأول مرة ، لذا اغتنمي هذه الفرصة بالإفضاء له بكل ما يعتمل بداخلك وبكل انفعالاتك الداخلية التي تضيق بكِ بالحياة ، لا تتركي شيء محبوس بداخلك بل حرريه واطلقيه بأمواج البحر فهذه فرصتك لعيش الحياة الفريدة والحرة بدون اي قوانين او قيود تحد من طاقتك المختزلة والتي كتمتها سنوات طويلة"
التفتت نحوه برجفة خاطفة وهي تهمس بشفتين مرتجفتين بانفعال
"ماذا يعني هذا الكلام ؟"
حرك رأسه قليلا وهو يتابع كلامه بابتسامة اتسعت بهدوء واثق
"اليوم سأقدم لكِ يوم حر تستطيعين به فعل ما يحلو لكِ من جنون ورغبات تتمنين بخوضها والحصول عليها ، وانا اليوم متفرغ تماما لكِ وعلى اتم الاستعداد والتأهب لتقبل اي جنون او تفريغ طاقة قد يصدر منكِ ، لديك اربع وعشرين ساعة لعيش الحياة المتهورة بكل انطلاق وبذراعين مفتوحتين ولن يوقفك احد عن فعلها ، وانا اعدكِ بأن احاول مساندتك بهذا اليوم والذي سيكون به شادي لكِ فقط ، لذا افعلي كل ما يخطر ببالكِ يا ماسة فأنا لن امنعك"
انفرجت شفتيها بارتجاف وهي ترفع حاجبيها بآن واحد قبل ان توجه نظرها لأسفل الجسر وهي تهمس بهدوء مفكر
"تقصد استطيع فعل اي شيء ارغب به مهما كان !"
اومأ برأسه بقوة اكبر وهو يهمس بخفوت عميق
"اجل يا ماسة اي شيء"
عقدت حاجبيها بهدوء مترقب وهي تحدق بأمواج البحر المرتفع هامسة ببساطة
"كم يبلغ عمق البحر ؟"
عقد حاجبيه بحيرة غزت ملامحه بثانية وهو يلتفت بوجهه قائلا بجمود
"هل هذا سؤال ؟......"
بتر كلماته الاخيرة لوهلة والتي انحبست بفورة انفاسه وهو يشاهد الجسد الذي ارتفع فوق سور الجسر بخفة الريشة قبل ان يقفز بعيدا بلحظات معدودة وهو يهبط بسلاسة لعمق المحيط والذي تلقفه بسهولة بين امواجه العالية ، تنفس بتهدج منفعل وهو يفيق على الوضع الحالي وعينيه تجوبان البحار ذهابا وإيابا بحثا عن الكائن الذي انغمر بداخله بدون ان يتبقى له اثر وكأنه فص ملح وذاب ! ليمسح وجهه بكفيه باستغفار وهو يستعيد المشهد امامه والذي حدث من لحظات وكأنه مشهد هزلي قصير من فيلم تافه ! اخفض بعدها كفيه وهو يأخذ وضعية الاستعداد بدون ان يفكر لثانيتين بوضع اخذ قلبه هو زمام الأمور وحجب اي صوت لعقله ، ليقف بلحظة فوق سور الجسر قبل ان يلقي بنفسه لعمق البحر كما فعلت بجنون دفعه ليسير على خطاها .
غاص بداخل البحر وهو يسد انفه بيد وذراعه الاخرى تتحرك بالمكان وعينيه ما تزالان تبحثان عنها مثل جوهرة غالية ضاعت منه بوسط المحيط ، ليلمحها بعدها على بعد امتار اخذت انتباهه وسمرته عن الحركة للحظتين كانت كافية لتقلب كيانه وتعيث الدمار بكل مكان داست عليه ، وكل هذا وهي تبادله النظر بالمثل بعينيها الواسعتين بلون زرقة المحيط السابحين به وهي تعوم فوق تيارات البحر التي اثارتها من حركة جسدها او قد تكون من ذبذبات خاصة بجسدها المميز بكل شيء والذي يجيد السباحة بمهارة !
افلتت منه شهقة وقد نسي حبس انفاسه بعد ان وقع اسير موجتها المجنونة التي قد تغرقه بقاع المحيط ، ليلتقط بعدها إشارتها وهي تحرك اصبعها الخنصر عاليا باتجاه سطح المحيط بدعوة ليسبح معها خارج البحر ، تحرك من فوره وهو يسبح عدة امتار قطعها بثواني قبل ان يخرج رأسه فوق السطح وهو يأخذ عدة انفاس بعد ان نقص منه الاكسجين بسبب لحظة غفلة ، ليبحث بسرعة بعينيه عن اثرها وهو يلتقط رأسها التي برزت من بعيد قبل ان تخرج كاملة بلحظة لتتبادل عندها النظر معه طويلا وابتسامة متسعة تألقت على شفتيها الدمويتين بسعادة الجنون ، وحال لسانه يردد بداخله بوجوم عابس
"ما لذي فعلته بنفسي ؟"
خرجت من البحر على سطح اليابسة وهي تعصر خصلات شعرها بقوة بعد ان تبللت بالكامل ، بينما الذي خرج من خلفها وهو يتنفس بلهاث جائح كان ينقض عليها بلحظات وهو يديرها نحوه بذراع ليلوح بالذراع الاخرى عاليا باتجاه الجسر صارخا بغضب مستنكر
"ما هذا الذي فعلته للتو ؟ ألم يتبقى ذرة عقل برأسك ! ما هو تفسيرك للتصرف الذي بدر منكِ الآن ؟ يا إلهي ! هل انتِ مجنونة ؟ لقد ظننت ؟ لقد ظننت ؟......"
زفر انفاسه بفورة الانفعال وهو يحاول ترتيب كلماته الاخيرة بصعوبة الموقف الذي مر به ، ليتمسك بعدها بذراعيها بقوة وهو يهزها منهما بحركة خفت عن السابق وهو يصرخ بتهدج الغضب
"لماذا فعلتِ هذا يا ماسة ؟ هل تعلمين ما كان سيحدث لكِ لو انكِ لا تجيدين السباحة ؟ لكنتِ الآن جثة هامدة بقاع المحيط بدون ان ينجدك احد !"
حركت رأسها جانبا وهي تنفض شعرها المبتل هامسة بثقة
"انا اتقن السباحة جيدا ، وايضا انت الذي اخبرتني ان افعل اي شيء اريده وقد رغبت بفعل هذا بشدة"
اطبق على اسنانه بجمود وهو يقربها منه اكثر حتى اصبح على بعد شعرة منها وهو يهمس امام وجهها بغضب ثائر تملك به
"انا لا امزح معكِ يا ماسة ! فهذا الموضوع بالغ الاهمية ولا يوجد تلاعب به ! ماذا كان سيحدث لكِ لو لم تستطيعي السباحة جيدا او فقدت وعيكِ وانتِ تحاولين العوم ؟ ألم تفكري بهذا وانتِ تقذفين بنفسكِ بالبحر يا معتوهة !"
طرفت بعينيها عدة مرات حتى سقطت قطرات المحيط عن رموشها لتنزلق على بشرة وجهها حتى وصلت لشفتيها الدمويتين وهي تتبعها بالهمس بابتسامة شاحبة بثقة
"اعلم بأنه لن يحدث لي اي مكروه لأنك ستنجدني وتتلقفني بالوقت المناسب ، فأنا اثق بك يا شادي وثقتي بك لا تخيب !"
تشنجت ملامحه وهو يحاول تمالك اعصابه بشتى الوسائل بعد ان عبثت به بطريقة محترفة ، ليفلتها بعدها بطريقة باردة وهو يمسح على شعره بقوة يكاد يقتلع خصلاته ليهمس عندها بجفاء منخفض
"يا لجنونك ! لا اعلم متى ستدركين قيمة حياتكِ والتي اصبحت معلقة بغيرك ؟"
ضمت شفتيها بوجوم وهي تشاهد الذي ابتعد من امامها عدة خطوات قبل ان يستوي جالسا على طرف اليابسة بصمت مريب ، تنفست بعدها بتصلب وهي تعيد خصلات شعرها المبتلة لخلف اذنيها برتابة ، اخذت لحظات اخرى قبل ان تتحرك على مضض لتجلس بجواره على نفس المكان بصمت تام لا يقطعه سوى صوت تكسر الأمواج على طرف اليابسة وهي تجر معها كل ما تلامسه امواجها .
طوقت ساقيها بذراعيها بقوة وهي تهمس بخفوت مشتد
"هل انا مجبرة الآن على الاعتذار ؟"
حاد بنظراته نحوها لبرهة قبل ان يعود بنظره للأمام وكأن شيء لم يكن ، وهو ما جعلها تحمر غضبا لتهمس عندها بتشدق ساخر
"انا لم اخطئ بشيء لقد كنت اتبع كلامك السابق ، يعني انت الملام بيننا وليس انا !"
عاد لتجاهلها بصمت اطول وكأنه لا وجود لها وهو يريح مرفقه فوق ركبته المنتصبة بحالة جمود لا يقبل التسامح ، لتعض بعدها على طرف شفتيها عدة مرات بيأس قبل ان تهمس بلحظة بخفوت اشد خرج فوق صوت الامواج بلمسة رقيقة
"انا اعتذر"
خرج صوت الموج بقوة اكبر وهو يتكسر على محيط عالمهما وكأنه يشاركهما اهمية اللحظة والمشاعر المقتبسة من احاديثهما المضطربة بين دفء وبرودة وتوق ، اعتلت ملامحه ابتسامة مسترخية وهو ينظر لها بطرف عينيه هامسا بسخرية
"واخيرا تنازلتِ يا آنستي ! كان عليكِ فعلها منذ البداية بدل كل هذا العناد الشرس وتلبس رداء الكبرياء المغرور ، فلا ضير من تقديم بعض التنازلات بعلاقتنا بين الحين والآخر !"
كورت شفتيها بامتعاض وهي تهمس بكلمة واحدة بغيظ
"تبا لك !"
اشاحت بوجهها جانبا وهي تتنفس بانفعال غاضب لتحدق بعدها بالموج الهادر والذي هدئ من فورة مشاعرها المتداخلة بمفعول سحري ، اخترق بلحظة سمعها صوته الهادئ وهو يهمس ببرود
"من اين تعلمتِ السباحة ؟"
عقدت حاجبيها بشحوب وهي تتمتم بنبرة باردة بشرود
"لقد كان هناك بالمدرسة دورات عن السباحة ونوادي رياضية وانشطة ، لم اكن ارغب بالانضمام لأي من تلك النوادي او المشاركة بالأنشطة الرياضية فلم تكن جزء من هواياتي يوما ، ولكن هناك بعض من الفتيات الحاقدات قد ارفقوا اسمي بدورات السباحة علما بمعرفتهم بعدم رغبتي بالمشاركة بأي من تلك الانشطة الرياضية ، لذا ارغمت على اخذ دورات سباحة واللعب بالمسابقات الرياضية سنة كاملة وقد استطعت ان احرز ميداليات عديدة وجوائز بهذا المجال وبعد نهاية سنتي الثانية بالإعدادية خرجت منه نهائيا"
تغضن جبينه بتفكير جامد وهو يتمتم بغموض عابس
"كان بإمكانكِ الانسحاب منذ لحظة معرفتك بتسجيل اسمكِ بنادي السباحة ، ولكنكِ مع ذلك لم تفعلي واستمريت للنهاية ! لماذا يا ترى ؟"
التفتت نحوه بابتسامة متراقصة على طرف شفتيها وهي تهمس بمكر الثعلب
"لقد كنت اريد الثأر منهن وكسرهن بطريقتي لكي لا يحاولن الاستهانة بي مجددا ومحاولة منافستي ، لأن كل من يرفع راية الحرب عليّ ويكون البادئ انا بالمقابل سأرفع عليه راية النصر واكسر غروره العالي ، وهذا ما جعلني استمر بالمشاركة ولعب بذلك النادي حتى حققت النصر الذي كنت آمل للوصول له بنهاية الأمر"
حدق بها للحظات وهو يتأمل من جديد ملامحها الرخامية القاسية التي لا تقبل للخضوع او الانكسار بعد كل الذل الذي تجرعت منه والإهانات المتسابقة بحياتها مع زوج والدتها وعصابته ، ومع ذلك ما تزال تحافظ على روحها الشرسة القوية وكرامتها التي تفوق الجميع بدون ان تسمح للصغير او الكبير بتقليل من شأنها بقوة نادرة تناقض طبيعة بيئتها التي تربت بها من المستحيل ان يجد مماثل لها او تخلق عند احد ! فهو يعلم جيدا استحالة ان يخرج بشري حي وينجو بعد ان يتعرض للقليل مما جربته بتلك البيئة الملوثة والتي تخرج اسوء النوعيات من البشر بعد ان يفقدوا هوياتهم وحقيقتهم وتلوثهم دناءة العالم واهوائها بالحياة حتى يتدمروا كلياً ، ولكنها بالرغم من انها خرجت حية وحافظت على هويتها الحقيقية ولم تنجر مع معاصي البشر لم تستطع انقاذ روحها المبتهجة المحبة للحياة والتي فقدتها للأبد !
ابتسم بميلان طفيف وهو يهمس بجمود جاد
"تملكين سمات الاجرام منذ صغرك"
رفعت يدها وهي تعيد خصلة شعر طويلة عن جبينها لفوق رأسها لتعود للنزول امام ملامحها وهي تنفخ عليها لتطير عاليا هامسة بغرور
"شكرا على المديح"
عبست زاوية من شفتيه وهو يراقب حركتها العابرة التي اثارت الكثير بداخله قلب كيانه بلمح البصر...ليدور بنظره كالعادة بدون إرادة منه على ملامحها المرسومة بعناية ببشرتها الرخامية البيضاء والتي زادت تلألؤ ولمعان مع مياه المحيط والذي نحتها بدقة ابدع الخالق بصنعها....يتوسط ذلك الوجه انفها الطويل النحيف المرسوم بكبرياء مع عينين واسعتين بزرقة المحيط الداكن يتخلل به ألوان سماوية شاحبة غير مرئية سوى للناظر عن قرب تحتلها بحار من دموع تأبى تركها والسقوط بسحر خاص بها....ليكتمل مع شفتيها الحمراوين اللتين تنقلبان للون الدموي بكثير من الاحيان ممتلئتين بعض الشيء ومستقيمتين بالعرض لتتناسب مع رسم ملامحها الدقيقة...وإذا كان قد اكتشف من لحظة مهارتها وقوتها بالحفاظ على هويتها وكرامتها فقد اكتشف كذلك مهارتها بالحفاظ على جمالها وفتنتها من السرقة منها والذي استطاعت بحق الحفاظ عليه بدون ان يمسه احد او ينتهكه بسوء او حتى استخدامه كوسيلة بما لا يصح !
رفع رأسه عاليا عندما وصل لأفكار خطيرة وهو يتمتم بشرود عميق بقوة صوت البحر الهائج
"يا للإجرام الذي اراه ! انتِ لستِ مجرمة بعالم العصابات بل مجرمة بفتنتك والتي تستطيع هزيمة جيش كامل من الرجال بنظرة عابرة لهم !"
ادارت عينيها للأمام وهي تهمس بشبه ابتسامة ساخرة
"هل انا جميلة لهذا الحد ؟"
اخفض مرفقه عن ركبته وهو ينظر لها بجمود ليقول بعدها بهدوء بارد
"جميلة هذه الكلمة مجحفة بحقك ! فقد تجاوزتِ الجمال وتصنفتِ بخانة المجرمين بحق الجمال ، حتى كل افراد عائلة الفكهاني قد استطعتِ ان تفوقي جمال افرادهم بالرغم من انكِ اخذتِ لون اعينهم !"
ارتفع حاجبيها بوجوم وهي تشدد من ضم يديها امام ركبتيها هامسة بشرود
"اعتقد بأنك على حق بالرغم من شبهي الكبير بأمي فقد كان الجميع يرى بأني قد فقتها جمالا ، واعتقد بأن السبب يعود لشقاء الحياة والتعب بالعمل حتى اخذ الجمال من امي بالذبول تدريجيا والاختفاء حتى انتهت امرأة يائسة حزينة !"
صمتت الاجواء بينهما للحظات هدئ معها صراع الموج بحالة سكون ، ليقطع الصمت بعدها الذي اراح كفيه خلف ظهره وهو يهمس بنبرة بعيدة عن المرح غيرت ملامحه للهدوء المتصلب
"سأخبركِ الآن بسر يخص حياتي الشخصية لم ابوح به من قبل ولا اظن بأنه بهذه الاهمية ! ولكن مع ذلك اريد ان اخبركِ به الآن بما اننا اصبحنا متسالمين مع واقعنا ولا شيء يحيل بيننا بحياتنا الخاصة والتي اصبحت مكشوفة لكلينا"
نظرت له بتركيز شد انتباهها وهو يتابع كلامه قائلا بهدوء عميق
"انا بالواقع لدي والدتان واحدة منهما هي والدتي الجينية والتي ارتبطت بها بالحبل السري الذي يربط الجنين بأمه ، والاخرى والدتي الروحية التي ارتبطت بها برابط خفي امتد بين قلبينا وعلقنا ببعضنا بدون اي احكام وراثية او صفات ، القصة بالمختصر بأن والدي تزوج بامرأة تكبره بالعمر بخمس سنوات اختارها كبير العائلة بسبب الاعمال التي تربط بين العائلتين ، ولأنه لا احد يرفض امره وقوانينه الصارمة تسير على الجميع وافق والدي بدون ان يبدي اي اعتراض على الامر ، ولكن الذي حدث بعدها بسنوات وعند وفاة كبير العائلة قرر والدي الزواج للمرة الثانية من التي وقع قلبه بحبها ولأنه اصبح يدير كل اعمال العائلة بسبب انه الابن الوحيد لها لم يستطع احد مناقشته بقراره ، لذا تزوج ابي للمرة الثانية بكل سهولة على زوجته الاولى والتي تقبلت الأمر بكل هدوء وصمت وبدون اي تدخل من الطرفين فأهم شيء عند البشر ألا تحمل المرأة لقب مطلقة حتى لو تزوج عليها زوجها عشرات المرات ، وتلك المرأة التي تزوجها كانت فتاة صغيرة من عائلة بسيطة جدا اقرب للشعوب الفقيرة وهي تكون والدتي ، لقد عاشت المرأتين واولادهما بنفس البيت مع كبير العائلة لمدة ست سنوات تقريبا بدون اي مشاكل ، ولكن بعدها قررت زوجته الثانية الانفصال عنه فجأة لترى حياتها بعيدا عنه ما ان اكتشفت بأن عمرها يضيع هباءً بين جدران المنزل بدون فائدة وهي ما تزال صغيرة والعمر امامها طويل ، لذا بقيت تحاول مع والدي مرات كثيرة ليحررها ويطلقها حتى جعلت حياته عبارة عن جحيم ليخضع لها بالنهاية ويحقق رغبتها بالانفصال بكل تحضر وهدوء ، لترحل تلك المرأة تاركة كل شيء وراءها بدون ان تعير احد اهتمام وبدون ان تهتم لمصير الطفل الذي انجبته وبعدها تخلت عن مسؤوليته فقط لتعيش الحياة التي كانت ترغب بها منذ سنوات بعيدا عن كل الأقفاص والقيود"
كانت تشرد بكلماته بجمود بدون اي تعبير يسكن ملامحها وهي تفكر فقط إذا كان هذا من محظ الصدفة ام لعبة من القدر ؟ ولكن كيف يعقل ان تتشابه قصته مع قصتها باختلاف بين الوالدين والتي تشكلت بمعاناة زواج والده الثاني ومعاناتها بزواج والدتها الثاني ولكن الفكرة تبقى نفسها وهي تجربة الفقد بسن صغيرة جدا لا يدركون معناها ؟ ومع ذلك يبقى حاله افضل منها فقد انصفه القدر مع زوجة والد حنونة عوضته عن كل الحنان المفقود بعد رحيل والدته بعيدا لتكون له كل شيء خسره بحياته .
عادت بنظرها له لتصطدم بعينيه المحدقة بها بلحظة وهو يقول بابتسامة مستهزئة بهدوء
"يبدو بأن حياة بعض الناس لم تكن سهلة كما هو ظاهر"
ابتلعت ريقها بتخبط مرتعش وهي تهمس بأسى خافت
"هل حاولت رؤيتها يوما ؟ واين تعيش الآن ؟"
حرك رأسه للأمام وهو يلتقط حجر صغير من امامه هامسا ببرود
"لا لم ارها بعد ان تركتني بعمر الخامسة ، وقد كانت تعيش فيما مضى ببلد بالخارج مع زوجها الذي تزوجت منه فور انفصالها عن ابي"
ارتفع حاجبيها بانشداه وهي تستوعب كلامه الاخير بلحظة لتهمس من فورها بصدمة
"هل تقصد بأنها قد توفيت ؟"
رمى الحجر بعيدا على طول ذراعه حتى وصل لآخر الموج والذي سحبه معه ، ليقول بعدها بابتسامة جانبية بدون شعور
"اجل لقد توفيت منذ ثماني سنوات بالمرض عندما كنت بالثانية والعشرين من عمري ، وقد اخبرني ابي قبل وفاتها بأيام برغبتها برؤيتي لآخر مرة ما ان اكتشفت بأنها على حافة الموت ، ولكني قد تجاهلت الأمر بتعمد وتركت الأيام تسير بي وكأن شيء لم يكن ، وعندما قررت اخيرا الذهاب لها ورؤيتها كانت قد فارقت الحياة ورحلت قبل يومين بسبب تأخري بالوصول عليها كما هي تأخرت بالسؤال عني"
اتسعت مقلتيها الغائمتين لوهلة قبل ان تخفض نظراتها بشرود برمال اليابسة لتهمس بعدها بخفوت ساكن
"هل تشعر بالندم لأنك لم تحاول ان تسرع بالذهاب لها بالرغم من انه كان لديك الفرصة لرؤيتها ولكنك لم تسمح للفرصة بالمجيئ ؟"
قطب جبينه بجمود وهو يلتقط حجر آخر من على الارض اكبر حجما وهو يهمس امامه بابتسامة قاسية
"لقد شعرت بالندم بالفعل وكثيرا ايضا ، ولكنه سرعان ما سيختفي ويتلاشى بين مجريات الحياة واحداثها ومع الأيام لن يبقى منه سوى الذكرى والحزن الذي يرافقه ، ولكنه لا يقارن بالسعادة التي شعرت بها عندما جعلتها تجرب القليل مما شعرت به سابقا عندما انتظرتها ايام وسنوات لتشفق عليّ وتسأل عني حتى قتلت آخر ذرة امل من شغف الانتظار الذي انتهى واختفى بمرارة تبقى عالقة بالفم بطعم لا يزول"
شددت على ساقيها بقوة وهي تهمس مع نفسها بحزن تغلب على ملامحها الباردة والامواج تمسح بنعومة على سطح اليابسة وكأنها تمسح على آلامهما
"ولكنك مع ذلك مشتاق لها وبشدة وتتمنى لو تراها يوم واحد فقط تطلب منها الغفران والسماح لأنك هربت من مواجهتها ، فهذا ما اشعر به كذلك عندما افكر بوالدي والذي لا املك معه اي ذكريات سوى بعض الصور الموجودة بقطع من ورق تعيدني للوراء سنوات لأعيش طفولتي بها واتمنى لو اعود لتلك السنوات فقط لأعيشها ليوم واحد ! فقط يوم واحد !"
ابتسم بهدوء وهو يقذف الحجر عاليا ليهمس بلحظة بخفوت قاتم
"اشتقت إليها بشدة ! كيف لا اشتاق لها وانا الذي كنت احفظ تفاصيلها اكثر من نفسي ولم اكن سوى طفل بالخامسة ؟ فقط لو سمحت لنفسي برؤيتها ليوم واحد لكانت اشياء كثيرة تغيرت ومنها التخلص من الندم الذي يكاد يؤكلني ، ولكن اعود واقول بأن هذا هو القدر ومن نحن لنخالف القدر !"
انتفضت من شرودها على صوت الحجر الذي ألقى به بقوة ليسبب هذه المرة صوت مرتفع بمنتصف المحيط مثل شرخ سيحتاج للوقت لترميمه ، لترفع بعدها حدقتيها باتجاه الذي وقف على قدميه وهو ينفض التراب عن ملابسه قائلا بهدوء جاد
"هيا بنا يا فتاة لنذهب ، ام اعجبكِ الجلوس بالعراء هكذا وتأمل المحيط مثل المجانين ؟"
تنهدت بهدوء وهي تقف على قدميها لتنفض سترتها برفق هامسة بعبوس
"هل ما يزال لديك شك بأنك لست مجنون ؟"
التفت نحوها بنصف وجهه وهو يهمس بتصلب ساخر
"انتِ المجنونة بيننا وانا فقط احاول ان اجاري جنونك لكي نكون متعادلين"
حركت كتفيها باستخفاف وهي تمر من جانبه هامسة بغمزة ساخرة
"اجل واضح يا سيدي المحترم والمنصف مع زوجته"
عقد حاجبيه بجمود وهو يلحق بها بخطوات واسعة بدون ان ينسى شتم نفسه لأنه من فتح هذا النقاش منذ البداية .
وصل كليهما امام السيارة وهو يبحث بجيوب بنطاله عن مفتاح السيارة بدون ان يجده ، ليشتم بعدها بقوة وهو يفتش بجيوب سترته بدون ان يجد شيء كذلك ، ضرب بعدها إطار عجلات السيارة بقوة حتى لفت انتباهها وهي تهمس بحيرة
"ماذا هناك ؟ أليس مفتاح السيارة معك ؟"
امسك رأسه بغضب وهو يهمس بتفكير بائس
"اعتقد بأنه قد ضاع مني عندما قفزت بالبحر ، ولا اعلم كيف سأجده الآن ؟"
عقدت حاجبيها بتفكير وهي تهمس بعفوية
"هل تستطيع الاتصال بأحدهم ليحضر لنا مفتاح بديل عنه ؟"
اخفض يديه بسرعة وهو يخرج الهاتف من جيب بنطاله وبلحظة كانت تتسع عينيه بصدمة وهو يهمس باستنكار
"لا يا إلهي ! ليس انت ايضا !"
عبست ملامحها وهي تهمس بوجوم
"ماذا حدث هذه المرة ؟"
فتح غطاء بطارية الهاتف وهو يتمتم بضيق
"لقد دخل الماء بالهاتف ، لذا لم يعد يعمل"
ارتفع حاجبيها بتفهم وهي تهمس ببساطة
"هذا بديهي ، ماذا تتوقع ان يحدث بعد ان رميت نفسك بالبحر والهاتف بجيبك ؟ اكيد هذا ما سيحدث له فهو لم يصنع ضد الماء !"
حاد بنظراته نحوها بضيق تكاد تحرقها بنظراته وهو يحرك رأسه هامسا من بين اسنانه بانفعال حانق
"هلا اعرتني صمتكِ من سماع هذه التفاهات ؟ فأنتِ آخر شخص عليه ان يتكلم بعد كل ما اوصلته لنا وفقط المجنون هو الذي يقذف نفسه من اعلى الجسر !"
زمت شفتيها بامتعاض وهي تشيح بوجهها جانبا هامسة باستهجان
"لم يقل لك احد افعل كما فعلت المجنونة !"
شدد على اسنانه حتى شعر بصوت احتكاك انيابها وهو يحاول اعادة تشغيل الجهاز بعد فك البطارية وارجاعها بدون ان يجدي نفعا معه ، التفت نحوها بسرعة وهو يمد يده قائلا بأمر جاد
"اعطيني هاتفكِ يا ماسة"
لوت شفتيها بوجوم وهي تهمس بخفوت حانق
"ليس معي لقد تركته بالحقيبة بداخل السيارة"
قبض على يده الممدودة وهو يضرب بها زجاج السيارة بقوة هامسا بقنوط
"سحقا ! أليس هناك حل لهذا الوضع ؟ اي سيارة عابرة او مساعدة تنجدنا من هذه الكارثة !"
تغضن جبينه بصدمة وهو يشاهد التي سارت بعيدا عنه باتجاه الطريق ، ليهتف بسرعة من خلفها بصرامة قاطعة
"مجنونة عودي إلى هنا ! إلى اين تفكرين بالذهاب بهذا الوضع ؟"
توقفت قليلا وهي تلتفت بوجهها هامسة بخفوت بارد بجدية
"سأذهب لأبحث عن اي سيارة او مساعدة تخلصنا من هذا الوضع ، فلا تنسى هذا اليوم هو يومي الحر واستطيع ان افعل به كل ما ارغب فيه بدون اي اعتراض او قيود ، لذا إياك وان تقف بطريقي وكن عند كلامك ، وإذا كنت لا تريد المجيئ معي يمكنك انتظاري هنا عند السيارة"
ارتفع حاجبيه باستنكار ما ان اكملت طريقها بعيدا عنه ليمسح عندها بكفيه على وجهه مستغفرا ربه عدة مرات من هذه الكارثة المتجولة امامه ، وما ان اصبحت على بعد امتار منه بالطريق الفارغ نسبيا حتى سار نحوها بسرعة وهو يصل لها بثلاث خطوات واسعة ، ليمسك بلحظة بكفها بإحكام وهو يقول بخشونة هادرة مكملا طريقه معها بهدوء
"كم مرة اخبرتكِ إياكِ والسير وحدكِ بمكان مجهول لا تعرفيه ! انتِ فقط تنتظرين اي فرصة سانحة لكِ لتهربي مني وتعيشين حياتك المجنونة والتي ستعرضك للموت الاكيد بدون اي حس بالمسؤولية !"
كانت تسير معه بتناغم بدون كلام اختفت معه كل الاحاديث والتي فقدت معناها وجوهرها ليتبقى الصمت رفيق لهما مدى الحياة برقة المشاعر التي بدأت تتحرر من قيودهما بتسرب متمرد اطلقوا له العنان .
_______________________________
كان يسير معها على محاذاة الطريق والذي فرغ من المارة والمركبات تماما وكأنها واحة من الصحراء دخلوا لها وتاهوا برمالها المتحركة بدون سبيل للخروج ، وهو يتنفس بكل ثانية بفتيل مشتعل على وشك التسرب وحرق الارض ومن فيها ، وعينيه فقط تبحثان عن اي بصيص امل او إشارة على وجود حياة بطريق ممتد رسم بدون نقطة نهاية على ما يبدو بأن رسام هذه الخريطة كان يعيش بحالة يأس دفعه ليشكل هذا الطريق الخالي من اي بناء معماري او بشر .
توقف بجمود ما ان شعر بكفها تشد على سترته ليلتفت بعدها للخلف هامسا ببرود
"ماذا ؟"
رفعت كفها وهي تشير للافتة المعلقة على طرف الطريق لينظر عندها للمكتوب عليها والذي كتب بأحرف كبيرة وجود سكان على بعد عدة امتار ، ليحيد بعدها بنظراته نحوها وهو يهمس بضيق
"نبيهة جدا"
عاد للسير امامها عدة خطوات قبل ان يشعر بكفها وهي تسحب من قبضته خلسة ، وما ان التفت نحوها بتجهم حتى تسمر بمكانه وهو يراها تقف بمنتصف الشارع تفرد ذراعيها على جانبيها وهي تتهادى بخطواتها بتمايل وكأنها تسير على خيط غير مرئي ، عبست ملامحه بغضب بدأ باحتلال كيانه وهو يراقب اطراف الطريق الفارغ ليوجه بعدها نظره نحوها قائلا من بين اسنانه بتهدج غاضب
"ماذا تظنين نفسكِ فاعلة ؟ هل جننتِ لتقفي بمنتصف الشارع وكأنكِ تقولين للسيارات اقتلوني ؟ ألا تعلمين بأنه يمنع للبشر السير هنا فهو موجود لمرور المركبات وليس لنا !"
حركت رأسها جانبا طيرت الخصلات على كتفها وهي تهمس بابتسامة مائلة بمرح وكأنها تحتضن الحياة
"اعلم هذا جيدا ، ولكني دائما ما كنت اتمنى بصغري ان افعل هذا وقد وجدتها فرصة مناسبة لاغتنماها ، فهذا يومي انا واريد فعل كل ما كنت محرومة منه سابقا ورغبت به بشدة لأعيش حياتي ليوم واحد فقط ، وانت ليس لديك اي حق بالاعتراض لأنك من قرر بالبداية مسار هذا اليوم !"
قطب جبينه بجمود وهو يمسك نفسه عن سحبها وتقييدها بعامود بمنتصف الطريق ليتخلص من جنونها قليلا ويفكر بمهرب من هذه المصيبة ، ليقول بعدها بلحظات بكل هدوء ارتسم على ملامحه بحرفية
"اسمعي يا ألماستي هذا ليس الوقت المناسب للعب وإغاظتي وتذكيري بالكلام الذي فات ، فنحن الآن بمصيبة حقيقية تلزم علينا التفكير بها وإيجاد حل سريع لها بالوقت الراهن ، واعدك عندما نخرج من هذا المكان سأحقق لكِ امنيتك بعيش الحياة التي تشائين مهما بلغ مدى خطرها ، فقط بعد ان ننتهي مما نحن فيه !"
مالت ابتسامتها بأسى وهي تهمس بخفوت مستاء
"ولماذا لا تحقق امنيتي من الآن ؟"
ردّ عليها من بين اسنانه بلهيب حارق
"ماسة"
ادارت وجهها ببرود وهي تستمر بالسير بالطريق بنفس الخطوات المتمايلة وذراعيها مفرودتين للهواء هامسة بخفوت غير مبالي
"لا تقلق يا شادي لن استطيع ان اوقف سيارة تنوي قتلي ما لم يكتب لي عمر لأعيشه ! وإذا كان لدي فرصة اخرى بالحياة فلن اتوقف عن اغتنماها والاقتصاص منها"
ارتفع حاجبيه بجمود اكبر وهو يشعر بنفسه يكلم طفلة طائشة تريد الاستمتاع بأيامها الاخيرة من الحياة قبل ان تخرج روحها للسماء ! وهذا بحد ذاته يبعث الجنون برأسه ويحرق اوتار اعصابه بفتيل مستعر تلاعبت بأعواد ثقاب قلبه !
زفر انفاسه بهدوء وهو يشير بجانبه بأمر قائلا بآخر قشة مشتعلة برأسه
"تعالي وقفي بجواري يا ماسة ، لكي لا نفتعل فضيحة بمنتصف الشارع سنندم عليها كلينا......"
قاطعته بصرخة حماس وهي تشير بيدها باتجاه جهة معينة
"انظر يا شادي لقد وجدت بارقة الأمل التي ستنجدنا"
حاول الكلام قبل ان تسبقه بالجري بعيدا مثل الطلق باتجاه المكان الذي اشارت له ، ليلحقها بعدها بسرعة وهو يلمحها تقف امام سياج منزل محاوط بالشباك الحديدية ويملك بوابة كبيرة من قضبان عالية مثل اسوار السجن ، وما ان وصل لها حتى امسك بذراعها بقوة وهو يهمس بانفعال هادر
"ألن تتوقفي عن هذا الجنون ؟ لقد مللت من اللحاق بكِ وانتِ تقفزين من مكان لآخر وكأني اهتم بطفلة لم تتجاوز العاشرة !"
ارتفع حاجبيها بعبث وهي تربت على يده القابضة على ذراعها هامسة بمكر
"ألم تكن تقول عني بأني قليلة صبر ! ماذا حدث لك الآن ؟"
اطبق على شفتيه بكبت وهو يفلت ذراعها ليمسك بكفها بقسوة كادت تكسر مفاصلها ، لتعض بعدها على طرف شفتيها هامسة بقنوط
"قاسي يا شادي !"
ابعد نظراته عنها وهو يحدق بالمكان الحالي وبالمنزل المحمي بسياج حول حديقة كبيرة يظهر بناء المنزل بوسطها ، ليتقدم بعدها امام البوابة الخارجية والتي كانت مغلقة بقفل يدوي حديدي لا يفتح سوى من الداخل لكي لا يسمح لأيً كان بدخول المكان ، تجول بنظره حول البوابة للحظات وهو يهمس بحيرة واجمة
"يبدو بأن هذا المنزل محمي جيدا ، ومن سابع المستحيلات تجاوز هذه البوابة المسورة ، اعتقد بأنه لا امل لنا بهذا المكان"
اومأت برأسها بصمت وهي تحدق بقضبان البوابة هامسة بخفوت
"ألا تستطيع اخراج يدك من خلال الباب وفتح القفل ؟ فأنا اذكر بأن احدهم اخبرني بأنه يجيد فعل كل شيء عندما يكون معي !"
حاد بنظراته نحوها لثانية قبل ان يعود بنظره للأمام هامسا بجفاء
"ظريفة جدا !"
ابتسمت وهي تهمس بخفوت مستفز
"إذاً ألا تستطيع فعلها ؟"
زفر انفاسه لوهلة قبل ان يفلت كفها بتردد وهو يهمس لها بتهديد محذر
"إياكِ والتحرك من مكانك"
وقف بعدها امام البوابة وهو يخرج ذراعه من خلال فتحات القضبان ليصل للجهة الاخرى وهو يحاول الوصول لقفل الباب ، لترتخي بعدها مفاصله بتخدر مرهق وهو يهمس بيأس
"لا فائدة القفل بعيد عن متناول يدي !"
تشنجت ملامحه بألم ما ان شعر بشيء مسنن يمزق طرف قميصه وهو يرجع ذراعه بسرعة ، لينظر بعدها لطرف القميص عند مرفقه وهو يشتم بكبت
"سحقا لقد كان قميصي المفضل ! هل انتِ سعيدة الآن ؟"
عقد حاجبيه بتوجس وهو يلتفت بسرعة هامسا بخفوت
"ماسة !"
عندما لم يجدها مكانها رفع رأسه تلقائيا وهو يحدق بالكائن الذي يعتلي قضبان البوابة وهو يصعدها باستخدام يديه وقدميه مثل حركات القرود البرية ، اتسعت عينيه باستيعاب ضرب رأسه بلمحة خاطفة وهو يصرخ بلحظة بغضب جانح على وشك حرقها
"ما لذي تفعلينه بالأعلى يا مجنونة ؟ هل فقدت عقلكِ بالكامل ! ألم اقول لكِ لا تتحركي من مكانك ؟ لما لا تصغين للكلام ؟"
التفتت بنصف وجهها بصعوبة وهي تهمس بلهاث متسارع بحماس
"لا تقلق يا شادي انا فقط احاول ان اعيش حياتي كما احب واهوى ، انت فقط انتظرني هنا حتى اصل للجهة الاخرى من البوابة وافتحه لك"
تنفس بثورة اكبر وهو يشير بذراعه نحوها صارخا بغضب نافذ
"ماسة انزلي حالاً ، ارحميني وانزلي يا مجنونة ، هل تريدين ان تفقديني صبري يا فتاة ؟"
ولكن التي كانت تصعد بسلاسة بدون اي تفكير او خوف وصلت للجهة الاخرى من البوابة وهي تهمس بغمزة متحدية
"لا تخف عليّ يا شادي فأنا اعرف جيدا ما افعله !"
تجمدت ملامحه وهو يمسك بقضبان الحديد قائلا من بين اسنانه بتوعد ناري
"فقط عندما امسك بكِ اعدكِ بأن اذيقك الويل كما آلمتني !"
اومأت برأسها بقوة تطايرت معها الخصلات بتحرر منطلق وهي تمد ظهرها للخلف باستعداد وتأهب للقفز ، وبلحظة كانت تقفز بعيدا عن القضبان بحرية وهي تنزل على الارض برشاقة لتستوي واقفة على قدميها بوضعية الهبوط وكأنها تمارس رياضة مجنونة خاصة بها وحدها لا يتقنها سواها .
اخرج انفاسه بزفير متعب وهو يريح جبهته على قبضته الممسكة بالقضبان الحديدية بحالة سكون وكأنه يحاول ضبط مشاعره الثائرة والتي اجادت اشعالها وحرقها وتبريدها بآن واحد تحت بركان خامد ، ليعود بعدها لتدفق البركان بداخله بحالة نشاط وهو يستمع لصوتها الخافت ببحة رقيقة وكأنه يسمع اسمه منها لأول مرة
"شادي"
رفع رأسه ببطء وهو يصطدم بوجهها القريب منه لا يفصل بينهما سوى القضبان العالية المسورة بشباك حديدية بينهما وكأنها حدود علاقتهما المؤلمة والتي لا يستطيع اي منهما تجاوزها لكي لا يصله الاذى ويكون رفيق له ، تنفس بجمود اجتاح كيانه بلحظة وهو يقبض على يديها الممسكين بالقضبان بتقييد محكم ليهمس بكلمة واحدة بحدة ثائرة
"لن ارحمك !"
شقت ابتسامة ساخرة شفتيها وهي تهمس باقتضاب
"إذا بقيت هكذا لن استطيع فتح الباب لك ! وبالمقابل سنبقى عالقين هنا ولن تستطيع الوصول لي مهما حاولت !"
شدد على يديها اكثر حتى سمعت صوت احتكاك مفاصلهما بحديد القضبان البارد وهو يهمس بتشديد متوعد
"سأصل إليكِ يا عزيزتي وحتى لو كان بيننا مئة باب ومئة قفل لن يوقفني عن الوصول لكِ !"
ارتفع حاجبيها بشحوب لحظي وهي تتراجع بسرعة ما ان افلت قيود يديها بقسوة ، لتنظر بعدها لذراعه التي امتدت بأقصى طولها للقفل والذي ما ان لامس طرف القيد حتى فتحه بلحظة ، اندفعت البوابة الحديدية باتساع امام عينيها المشدوهتين وهو يدلف للداخل بثقة وكأنهما يملكان المكان والذي سطو عليه بكل بربرية وهمجية .
تحركت لا شعوريا وهي تشهق بوجل ما ان لمحته وهو يندفع نحوها مثل الصائد الذي اوقع بفريسته ، وبخطوتين كان يمسك بها بتقييد وهو يديرها نحوه ليحاوط عنقها بيده برفق هامسا امام وجهها بهجوم شرس
"ماذا قلتِ للتو ؟"
حركت رأسها بالنفي وهي تعض على طرف شفتيها هامسة ببراءة مزيفة
"لم اقل شيئا ! وماذا يمكن ان اقول ؟"
تلمس عروق عنقها بأصابعه القابضة وهو يهمس بخفوت اجش تحول لثورة اخرى بعيدة عن الغضب
"حقا لم تقولي شيئاً !"
امتعضت ملامحها باحمرار طفيف وهي تحرك رأسها بإيماءة مهتزة ، ليقترب اكثر من وجهها وهو ينوي تقبيلها قبل ان ينحرف لأذنها ليهمس بها بخفوت مشتعل
"إياكِ والابتعاد عني مجددا ، لأنكِ إذا كررتها اقسم لكِ هذه المرة بأني لن ارحمك ! وهذا آخر تحذير لكِ ، حسنا !"
ابتلعت ريقها بارتعاش تحت اصابعه وهي تومأ برأسها من جديد ، اخفضت بعدها جفنيها براحة وهي تشعر بشفتيه على خدها بلمسات ناعمة رقيقة وكأنها قبلات غير ملموسة ، قبل ان تحيط ذراعيه بجسدها بدفء مغمور بالمشاعر وهو يحتضنها بقوة زادت تدريجيا بطريقة تستطيع ان تستشعر بصدق نواياها وتختلف عن اي عناق آخر فقد كان عناق روحي قبل ان يكون جسدي ، وهي تسمع همسته الخافتة بأمواج شعرها تصل لأذنها بوضوح
"مجنونة ولا تقدرين كم يؤلمني جنونك هذا !"
اتسعت ابتسامتها بنعومة وهي تربت بكفها الشاردة على ظهره بلمسات هادئة ، وبلحظة كان يبتعد عنها ببطء شديد بدون ان يترك تواصل جسديهما وهو يقطع سيل المشاعر الهادر عن كليهما والذي اقتحم برودة الاجواء من حولهما بلحظات غادرة اقتطفوها من الحياة .
امسك بكتفيها برفق وهو يهمس بابتسامة جادة اطفئت كل ما يجيش بداخلهما من ثورات
"هيا بنا لنكمل ما بدأناه"
امسك بكفها بهدوء وهو يسحبها معه باتجاه المنزل الذي يتوسط الحديقة ، ما ان وقف امام الباب حتى طرق عليه عدة طرقات بأدب وهما ينتظران اي استجابة من صاحب المكان ، وبعد عدة لحظات كان يفتح الباب من قبل رجل يناهز السبعين من عمره بشعر ولحية اصطبغا بالبياض وبملابس رثة وهو يبدو شبيه برجال اهل الكهوف من العصور الجاهلية .
قال الرجل بصوت خشن متحشرج وهو يبادر بالكلام
"مرحبا ، هل من خدمة ؟"
اخذ (شادي) سياق الامور وهو يقول بعملية جادة
"نحن نعتذر على الإزعاج يا سيدي ، ولكننا قد ضعنا بالطريق بعد ان تعطلنا سيارتنا بمنطقة مقطوعة عن البشر ، ولا نملك اي وسيلة تواصل من اجل ان نتكلم مع معارفنا ونستطيع الخروج من هذا المكان ، لذا لو سمحت إذا كنت فقط تملك هاتف بحوزتك ستكون قدمت لنا معروفا كبيرا !"
حرك عينيه بينهما ببعض الاضطراب التقطته الساكنة بجواره وهي تشدد على يده بتشبث حتى حفرت اظافرها براحة كفه ، وما ان التفت نحوها وهو ينظر لها بحيرة حتى همست بخفوت وصله واضحا
"لنرحل من هنا"
تعقدت ملامحه بعدم استيعاب وهو يعود بنظره لنفس الرجل الذي قال بابتسامة تشققت حول شفتيه بارتياب
"انا اعتذر منكما ولكني لا املك هاتف ، فكما ترى انا رجل منزلي ولا احب استخدام التقنيات الحديثة ! وافضل العمل بالمزارع والحقول والاهتمام بحديقة منزلي الكبيرة ، لذا اعتذر حقا على عدم مساعدتكما ، واتمنى حقا ان تجدا السبيل للخروج من هنا والعودة لمنزلكما"
تنهد بوجوم اكتسح محياه وهو يهمس بسرعة بفكرة طرأت على باله
"حسنا هل تعلم مناطق او بنايات قريبة من هنا نستطيع الوصول لها سيرا على الاقدام ؟ فأنا متأكد بأننا قد رأينا لافتة تشير إلى وجود مناطق سكنية قريبة من هنا !"
عقد حاجبيه بتفكير جامد قبل ان يشدد على إطار الباب بحركة عابرة وهو يقول بتركيز مشتت
"اجل صحيح ، هناك فندق بنهاية الطريق الفرعي على يساركم تستطيعون السؤال هناك والاستفسار منهم على اماكن تصليح السيارات ، والآن عذرا منكما عليّ الذهاب ! واتمنى لكما كل التوفيق"
ارتفع حاجبيه بدهشة ما ان اغلق الباب بوجهه ليهمس بعدها بصوت مرتفع بوجوم
"شكرا على المساعدة ، ونعتذر على الازعاج مجددا"
اخفض صوته وهو يهمس بخفوت متجهم
"هل هكذا يعاملون الضيوف عادة ؟ حقا الحياء مات عند البشر !"
ارتفع حاجبيه بتجهم اكبر وهو يلتفت ناحية التي سحبت كفها من قبضته وهي تغادر بعيدا عنه ببساطة ، ليتنفس بعدها بغيظ وهو يلحق بها بسرعة بخطوات واسعة وصلت لها للحظات ، وما ان تجاوزت البوابة المفتوحة حتى امسك بذراعها يوقف اندفاعها وهو يهمس بغضب
"إلى اين تفكرين بالذهاب ؟ ولما كل هذه العجلة ؟ بعد كل ما فعلته بنا ونحن نتوسل الناس لكي نجد اي احد يخرجنا من هذا المكان ! ومع كل ذلك لا يوجد اي تقدير منكِ بالحالة التي نمر بها....."
قاطعته بصوت باهت بجمود
"وذلك الرجل ليس بالخيار المناسب ليساعدنا"
احتدت ملامحه ببطء جامد وهو يديرها نحوه بلحظة ليمسك بكتفيها قائلا بحزم جاد
"وماذا به ذلك الرجل ؟ لما كل هذا التأهب والاحتراس نحوه ؟"
ردت عليه بجواب مختصر بجفاء
"لأنه من مدمنين المخدرات"
ارتفع حاجبيه بصدمة دامت للحظة قبل ان يقول بتفكير هادئ
"كيف عرفتِ بهذا ؟ هل تعرفينه ؟"
اشاحت بوجهها جانبا وهي تهمس بنفور محتد
"لا لا اعرفه ، ولكني استنتجت ذلك من اضطراب حركة عينيه واجوبته المختصرة السريعة وحركات يديه وهو يحاول التخلص منا بأي طريقة قبل ان يكشف امامنا ويفتضح امره !"
قطب جبينه بجمود وهو يتنفس لوهلة ليمسد بعدها على كتفيها بحركة لا شعورية وهو يقول بجدية هادئة
"وكيف عرفتِ بكل ذلك الكلام ؟ هل هناك مدمنين مخدرات بعصابتك ؟......"
صمت بكبت وهو يشدد على اسنانه بدون كلام ، ليقطع سير افكاره صوتها الهادئ وهي تنظر له بعينيها الواسعتين بسكون الموج
"ليس كذلك هو الامر ، ولكن دراستي بعالم العصابات وببيئة نشأتي جعلتني اعرف كل شيء يدور من حولي وافهم العالم الذي تكيفت معه ، لقد كانت مجرد دراسة سريعة لكي استطيع حماية نفسي بذلك المستنقع وعدم التأثر به"
تنفس بقوة وهو يحرر ابتسامة مسترخية قبل ان يزيح خصلات شاردة عن كتفها هامسا بهدوء
"ولماذا كل ذلك الخوف من الرجل ؟"
زمت شفتيها بتشنج وهي تهمس باقتضاب
"لا اعلم ! ولكنه يذكرني بأمور لا ارغب بتذكرها"
ابتسم بهدوء وهو يضرب بأصبعيه السبابة والوسطى على جبينها بخفة ليقول بلحظة امام وجهها بحرارة
"كيف تخافين وزوجكِ بجانبك يا حمقاء ؟ عليكِ الوثوق بزوجكِ اكثر وبقدرته على حمايتكِ فأنتِ ألماسته وهو من المستحيل ان يفرط بها !"
لوت شفتيها بابتسامة وهي تهمس بشرود
"اعلم ذلك"
تشنجت ابتسامته وهو يقبل جبينها بعمق هامسا بصوت اجش هادر
"كوني بخير يا ماسة من اجلي"
انحنت عينيها بصمت تام وهي تشعر بكفه تعود للتملك على يدها بتسلل وكأنها تعرف طريقها مسبقا وهو يرفعها امام وجهيهما هامسا بنبرة جادة بخفوت
"لا تتركي يدي مجددا فقد تعبت من اللحاق بها ، فهذه اليد ملك صاحبها الجديد والذي استولى عليها مسبقا وانتهى"
ابتسمت بارتجاف خافت بدون ان تعلق على كلامه الاخير وهو يطبع قبلته الحارة على الخاتم الألماسي الذي يحتل بنصر كفها ببصمة ختمت على العهد بينهما لمدى غير معروف المصير .
______________________________
كانت تدلف لجناحها وهي تمسك ابريق الماء بيديها والذي ذهبت لتملئه بعد ان فرغ ورحل من كان يهتم بهذه المهمة ، وهي لا تعلم حقا إلى اين تختفي تلك الفتاة بكل مرة تغيب عنها بدون ان تترك لها اثر مثل الشبح ؟ وهذه عادتها منذ كانا اطفال تفلح بالاختباء بعيدا عن عينيها وتتقن اخفاء كل اثر عنها حتى تتعب وتستسلم من البحث عنها بلعبة الغميضة والتي كانت تجيدها بحق ضمن ألعاب كثيرة كانتا تقضيان اوقات طويلة بلعب ولهو بها بمتعة وسعادة حقيقية ، ولكن اين رحلت تلك الأوقات والروح المرحة والتي كانت ترافق لعبهما على الدوام مثل ذكرى خالدة سرعان ما تبخرت بواقع الحياة ومآسيها والتي استنزفت منهما كل طاقة حياة وبهجة موجودة بداخلهما ؟!
وقفت بجمود لوهلة وهي تحدق امامها بشرود غيم على نظراتها المأسورة بالماضي وهي تذكر جيدا اللحظة التي فارقت فيها السعادة عائلتهما وبدأت منها سلسلة الحزن والبؤس بعالمهما ونقطة تحول كل شيء ، وقد كانت منذ وفاة والدهما الغالي الذي كان وجوده هو اساس تلك العائلة ومصدر قوتها بالحياة وبخسارتها اعلنت دمار كل شيء محيط من حولهما وانهدمت المباني العالية والحصون التي كانت تحمي عالمهما الصغير وتبعدهما عن اوجاع الواقع .
اغمضت عينيها على دموع اسيرة وهي ما تزال تسمع صوته الحنون الدافئ يتدفق بحنايا روحها ما ان يعود للمنزل بساعة متأخرة من الليل ويكون الظلام قد ساد المكان وهو يعلن عن عودته بصوت جهوري عميق يعيد الحياة لجدران المنزل الخاوي
"لقد عدت للمنزل"
فقط ثلاث كلمات تُخرج الطفلتين من جحرهما لتجريا بأقصى سرعة بروح الطفولة الشقية وهما تهتفان باسم واحد يتردد بأصواتهما الصغيرة بحماس
"ابي ، ابي ، ابي"
وما ان تبدأ الطفلتين بالقفز امامه بحماس بذراعين مفتوحتين طلبا لحملهما عاليا حتى يتلقف بدايةً الصغيرة التي لا تتجاوز الثلاث اعوام ، ليرفعها بعدها عاليا وهو يقذفها بخفة والضحكات تنتشر بعنان السماء بسعادة وكأنها تملك العالم ، بينما تشد الطفلة الاكبر بنطال والدها طلبا لتجربة تلك المشاعر الابوية الجياشة وهي تصرخ بغيرة متلهفة
"دوري يا ابي ، دوري"
ابتسم ذلك الوالد بحنان متعب وهو يقول لها بنفس النبرة الدافئة بعبوس مزيف
"ألم تكبري على حملك يا روميساء ؟"
زمت شفتيها الصغيرتين وهي تحرك رأسها بتصميم هامسة بعناد
"بل اريدك ان تحملني مثل ماسة تماما"
ضحك بصوت اجش خافت وهو يقول بابتسامة هادئة تغضنت معها زوايا عينيه بحنان يخصه لهما وحدهما ونفس الحركة التي ورثتها منه
"حسنا يا اميرتي ، كل شيء ألا غضبك"
عادت الابتسامة لتتألق على ثغرها وهي تراه يسند الصغيرة على كتفه لينحني نحوها وهو يرفعها بذراع واحدة قبل ان تستقر على كتفه الآخر ، لتتشبث عندها بعنقه بسعادة ورأسها الصغير مستريح على كتفه هامسة بأذنه بمحبة غامرة
"احبك يا ابي"
لتأتي الاجابة المعتادة بتنهد طويل متعب قائلا بصوته الحنون الخافت
"وانا ايضا احبكما يا صغيرتاي"
فتحت جفنيها ببطء وهي تنظر للفراغ المخيم عليها ببرودة تختلف عن الدفء بذكرياتها واشباح الماضي البعيد تحوم من حولها بدوامة اهلكت كيانها بدون سبيل للراحة ، شعرت بعدها بتشوش بالرؤية وغلالة من الدموع تقيد حدقتيها الساكنتين على اثر ذكرى عائلتها الراحلة التي تركت الغصة بقلوبهما ، لترفع يدها تلقائيا وهي تمسح على عينيها بهدوء شديد بدون ان تسمح للدموع بالتسرب من مقلتيها او الضعف من احتلال روحها مجددا بعد كل ما حدث بآخر فترة .
اكملت سيرها بخطوات هادئة بطريق غرفتها وهي تمحي كل ذكرى بعيدة عن مخيلتها ، وما ان دلفت للغرفة بتلقائية بدون ان تنتبه للباب المفتوح حتى اصطدمت نظراتها بالكائن المستولي على غرفتها بدون سابق إنذار ، وهي تنظر له يجلس على الاريكة بكل اريحية وهيمنة واضعا ساق فوق الاخرى ونظراته مسلطة عليها وكأنها كانت تنتظر قدومها بفارغ الصبر لتلقي بشباكها عليها وتدخلها بحوار العيون الصامت الخاص بهما والذي يحمل كل المشاعر المطمورة بين عتاب وحزن وجفاء اصبح يتخلل خيوط علاقتهما مؤخرا حتى فقد اسلوبهما لذته الخاصة .
قبضت على ذراع ابريق الماء بقوة وهي تنحرف بنظراتها قليلا هامسة بخفوت حذر
"ما لذي تفعله هنا يا احمد ؟"
ارتفع حاجبيه ببطء جامد بدون ان يغير وضعية الجلوس وهو يهمس باستهجان بارد
"ألم يكن من الأفضل ان تقولي مساء الخير لزوجك بدل هذا الاسلوب الجاف معه ؟"
حركت رأسها بشرود وهي تهمس بخفوت شاحب
"مساء الخير يا احمد"
قطب جبينه بعدم رضا وهو يقول بجمود اكبر
"ألا يمكنك قول هذا الكلام وانتِ تنظرين لي ؟ فهذا من واجبات الادب واللباقة قبل ان تكون من واجباتك اتجاه زوجك !"
تنهدت بهدوء وهي تنقل حدقتيها امامها لتعلق بتحديق عينيه الصامت قبل ان تهمس بصعوبة شعرت بتحجر بحلقها
"مساء الخير"
ارتخت ابتسامته قليلا وهو يحرك رأسه بالنفي ليقول بعدها بتصلب غير متسامح
"ليس هكذا يا روميساء ! اريدكِ ان تقوليها بلطف اكبر بدون ان تظهر وكأنكِ مجبرة على قولها ، حسنا ؟"
زمت شفتيها بوجوم وهي تطلق سراح انفاسها لوهلة لتقول بعدها بصوت اكثر رقة بدون اي حياة
"مساء الخير يا احمد"
ابتسم بهدوء بدون ان تلين ملامحه وهو يتمتم بلحظة بوجوم
"اين هي الابتسامة الجميلة ؟ ألم اذكرك بها سابقا !"
شحبت ملامحها بلحظة وهي تحني حدقتيها بعيدا على ذكرى بعيدة اقتحمت مخيلتها ، لتقول بعدها بشفتين مشدودتين بقنوط
"هلا توقفت عن هذا يا احمد رجاءً ؟"
عقد حاجبيه بهدوء وهو يعتدل بجلوسه ليسند كفيه فوق ركبتيه بدون ان يحيد بنظراته عنها قبل ان يهمس بجدية هادئة
"لا بأس سنتوقف عند هذا الحد ، والآن اخبريني لما اخذت كل هذا الوقت بالعودة لجناحك لقد انتظرتك طويلا ؟"
عبست ملامحها بضيق وهي تهمس ببرود خافت
"لقد ذهبت لملء الابريق بالماء ، وايضا لم اكن اعلم بأنك تنتظرني بغرفة جناحي !"
حرك رأسه بتفكير عابس وهو يهمس بسخرية
"هل اصبح جناحنا خاص بكِ وحدكِ واحتاج للإذن لدخوله ؟ فقد لاحظت بأنكِ انتِ وماسة قد غزوتما المكان وكأنه ملك لكما وحدكما !"
نظرت له بهدوء لوهلة وهي تكرر نفس السؤال الأول الجاف
"ما لذي تفعله هنا يا احمد ؟"
قبض على يديه فوق ركبتيه وهو ينهض عن الاريكة قائلا بابتسامة جانبية
"وما لذي سيكون يفعله زوج بغرفة زوجته برأيك ؟ لقد اتيت للنوم معكِ أليس هذا واضحا !"
رفعت حاجبيها ببهوت وهي تحاول تركيز تفكيرها بشيء واحد بعيدا عن الخيالات المرهفة التي مرت بخلدها بحرارة نبضات قلبها التي تكاد تودي بها ، لتقول بسرعة باستنكار عابس وهي تعود لشخصيتها الصارمة
"ما هذا الكلام يا احمد ؟ هل هذا وقته الآن ؟ هل ترانا بوضع مناسب لمثل هذه المواقف العاطفية ؟....."
قاطعها بهدوء بالغ وهو ينظر لها بقوة
"ولماذا لا يكون الوقت مناسب ؟ ما لذي يمنعنا من عيش الحياة بطبيعية كما كانت قبل ايام ؟ فأنا بعد كل شيء ما زلت احتاجكِ واريدكِ بجواري ولم اعد احتمل هذا الفراق بيننا والذي يكاد يقضي على الذرة الاخيرة من صبري ، لذا قدري قليلا ما اعانيه وعودي لي كما كان من المفترض ان يحدث قبل ايام وتحديدا منذ اللحظة التي تركتك بها زوجة شغوفة محبة !"
حركت رأسها بالنفي بتشتت وهي تهمس بوجوم خافت
"لا يا احمد لا استطيع بالوقت الحالي ، وايضا قد تعود ماسة بأي لحظة وليس من اللائق ان ترانا بهذا الشكل !....."
قاطعها مجددا بغضب اكبر وهو يشدد على اسنانه بقسوة
"ماسة مجددا ! ألن ننتهي من هذه القصة ؟ لما عليكِ ان تدخليها بأي جدال او نقاش يحدث بيننا ؟ لقد بدأت اشعر بأن وجودها بحياتنا اصبح اكبر من وجودنا بحياة بعضنا وكأنه كائن عالق بيننا بدون طريقة للخلاص منها ! احيانا كثيرة تشككين بمقدار حبكِ ومصداقيتك بهذه العلاقة يا روميساء !"
ردت عليه بسرعة بعبوس مرتجف
"لم اقصد اي شيء من هذا يا احمد ! انا فقط قلقة عليها منذ الصباح فهي قد تأخرت كثيرا بالعودة من الجامعة وهذا ليس من عادتها !"
تجمدت ملامحه وهو يتقدم امامها عدة خطوات قائلا بجمود باهت
"وايضا شادي لم يعد كذلك ! واراهن بأنهما سيكونان معا الآن بمكان بعيد عنا يقضيان اجازة الربيع !"
رفعت حدقتيها الواسعتين نحوه وهي تهمس بتفكير
"هل تعتقد هذا حقا ؟"
ضيق عينيه بقسوة وهو يهمس بابتسامة شقت طريقها بشفتيه باستهزاء
"اجل صحيح ولن تستطيع للأسف القدوم لتمثيل دور الدفاع بيننا والاحتماء بها بعيدا عن براثني"
اتسعت حدقتيها الخضراوين بانشداه وهي تهمس بغضب حانق
"انا لا احتمي بأحد يا احمد ؟ وعليك ان تعلم بأن العالم هو الذي يحتمي بي وليس العكس ! فلو انك رأيت اطفال بلدتي والذين كانوا دائما يحتمون بي ضد المتنمرين الاوغاد لما قلت هذا الكلام عني !......"
قطعت سيل كلامها بذهول ما ان وصل لها بخطوة ليمسك بكتفيها بتصلب بعث رعشة خاطفة بأنحاء جسدها ، ليتبعها بالهمس بخفوت اجش وهو يلامس بشفتيه جبهتها العريضة
"اعلم هذا يا روميساء ، وليس لدي اي شك بكلامك ، فأنتِ هكذا دائما رائعة مع الجميع وسخية بهدر مشاعرك بعطاء فاق الحدود وكأنكِ خلقتي زهرة متفتحة يحق لهم الاستنشاق من رحيقها ، ولكن كل هذا يتوقف عندما تصلين لزوجك ذلك الرجل الذي تحمل منكِ الكثير وما يزال بسبيل ان يستنشق من رحيقك يوما ويحصل على الإذن بذلك !"
ابتلعت ريقها بوجل وهي تخفض عينيها هامسة بتعجب ساخر
"انت تبالغ بتصوير الأمور يا احمد ! انا فقط اعيش بدوامة حزني الخاصة على الطفل والذي لم احظى بفرصة قضاء الوقت معه قبل ان يسرقه القدر سريعا مني ، لقد كان غالي جدا ولم اعرف كيفية الحفاظ عليه كما يجب حتى ضاع مني ببساطة !"
تنفس امام جبينها حتى لفحها بأنفاسه الحارة وهو يهمس بانفعال هادر
"هذه ليست خسارتك لوحدك بل خسارتنا معا ، لذا توقفي عن حبس نفسكِ بدائرة لوم الذات هذه وشاركيني بعض من مشاعرك وألمك ، واعدك بأن اقدم لكِ كل المساندة والدعم الذي تحتاجينه"
زفرت انفاسها بهدوء وهي تحاول الابتعاد عنه هامسة بجمود خافت
"لا بأس يا احمد فأنا بخير والحمد الله ، وهذه ليست نكسة مهمة حتى اتألم منها هكذا ، وايضا كل هذه المصاعب من اجل ان تختبر صبرنا بالحياة وقوتنا بتجاوز المحن ، وبالنهاية لا احد ملام هنا غيري بسبب استهتاري وانعدام حس المسؤولية عندي"
تصلبت شفتيه بصمت وهو ما اعطاها الفرصة لتلتف من حوله وهي تسير باتجاه السرير ، لتضع بعدها ابريق الماء فوق المنضدة برفق قبل ان تمسك بشريط الدواء امامها لتخرج منه قرص ، بينما التفت نحوها الساكن بمكانه وهو يهمس بجمود متيبس بدون اي تعبير يعلو ملامحه
"وإذا اخبرتكِ بأنكِ لستِ الملامة بكل الذي حدث وهناك من دفعك للوصول لهذه الحالة ! هل هذا سيريحك من الألم ولوم نفسك ؟ ماذا......"
تسمرت ملامحه لوهلة وهو يرى التي كانت توليه ظهرها بوضع انحناء امام المنضدة وكفيها تستندان على سطح الطاولة وكأنها على وشك الإغماء ، ليتحرك بسرعة بلحظة جزع وهو يقف بجوارها بلحظة ليمسك بذراعها وهو يسند ظهرها لذراعه الآخر هامسا بخفوت مضطرب
"روميساء ما بكِ ؟ هل انتِ بخير ؟"
قبضت اصابعها على سترته بتشبث وهو يساعدها على الوصول للسرير على بعد خطوات منها قبل ان يجلسها عليه برفق وكفيه تدلكان ذراعيها لا شعوريا ، ليهمس بعدها امام رأسها المنحني بوهن بنبرة هادئة
"هل انتِ بخير يا حبيبتي ؟"
طرفت بعينيها برجفة على اثر كلمته البسيطة وهي ترفع عينيها الواسعتين بوجل نحو الوجه الذي يعلو رأسها ، لتنحدر بعدها بنظراتها لكفيها اللتين ما تزالان تتمسكان بقماش سترته وهي ترخي مفاصلهما تدريجيا قبل ان تسحب كفيها بسرعة ، لتعيد بعدها خصلات شعرها لخلف اذنها بجمود هامسة بهدوء ظاهري
"انا بخير ، شكرا لك"
استقام بمكانه وهو يتنفس بكبت ليهمس بعدها بتصلب
"ما كان هذا الذي حدث ؟"
مسحت بكفها على جبينها بارتباك وهي تهمس بخفوت متعب
"لا تقلق فقد اصابني دوار طفيف وهو عادة ما يراودني بين الحين والآخر ويرحل بعدها ، لذا لا داعي للخوف من شيء فهو ليس بالأمر الخطير"
احتدت ملامحه وهو يلاحظ شيء شد انتباهه ليلمح قرص دواء موضوع بجانب كأس من الماء فوق المنضدة ، استدار بعدها جانبا وهو يلتقط قرص الدواء قائلا بتفكير جامد
"هل هذا موعد تناول الدواء ؟"
نظرت له للحظات قبل ان تهمس بابتسامة هادئة
"اجل لقد حان موعد الدواء وقد تأخرت بتناوله فقد كان من المفترض ان اتناوله بعد العشاء مباشرة ولكني قد نسيت ذلك ، فأنا قد اصبحت بالآونة الاخيرة انسى اشياء كثيرة تضيع من ذاكرتي قصيرة المدى ، ولولا تنبيهات ماسة لي عن مواعيد الادوية لما كنت تذكرتها !"
تجهمت ملامحه بلحظة وهو يحدق بقرص الدواء هامسا بجمود
"الآن عرفت سبب شعورك الدائم بالدوار"
تغضن جبينها بحيرة وهي تنظر لقرص الدواء والذي استقر براحة كفه وهو يمده نحوها قائلا بأمر
"تناولي الدواء"
امتثلت لأمره وهي تضع قرص الدواء بداخل فمها لتمسك بعدها بكأس الماء والتي قدمها لها لتشرب منها على مهل ، وما ان انتهت حتى اخذ منها كأس الماء وهو يتمتم بحزم جاد
"مرة اخرى إياكِ وان اعرف بأنكِ تهملين بمواعيد دوائك ، فأنا عندها لن اكتفي بتنبيهك مثلما تفعل شقيقتك معك بل سأراقبك ليل نهار حتى اتأكد من التزامك بمواعيد الدواء كما يجب"
عضت على طرف شفتيها بامتعاض بدون ان تعلق على كلامه وهي تكتف ذراعيها بحالة عدم رضا ، لتقول بعدها بتذكر وهي توجه له نظرات حائرة
"كنت تتكلم معي عن شيء ما ولكني لم اسمعك جيدا ! عن ماذا كان ؟"
عقد حاجبيه بجمود للحظات وهو يحاول قول شيء ليزفر بعدها بأنفاسه بضيق وهو يشيح بوجهه جانبا قائلا ببرود
"سأخبرك حين يحين الوقت المناسب"
ضيقت حدقتيها الخضراوين بحزن لحظي وهي تضم قبضتيها معا عند حجرها بقوة ، لتتسع حدقتيها بلحظة اندفعت بها الدماء بأوردتها ما ان انحنى امامها بدون مقدمات ليهجم على شفتيها بقبلة جائحة اقرب للانقضاض اكتسحت كيانها ، وما ان حررها قليلا وهو يضرب انفاسه بوجهها المحترق باحمرار حتى رفعت كفها تلقائيا وهي تحجب شفتيها عنه هامسة بأنين خافت
"توقف عن هذا يا احمد ، قد تأتي ماسة الآن بأي لحظة ولا افضل ان ترانا بهذا الشكل المثير للشبهة !"
كتم انفاسه بأسنانه المحتدة وهو يهمس من بينهما بانفعال متهدج وكفيه مستريحتين على جانبيها ليدنو منها اكثر
"وماذا يعني هذا ؟ نحن لا نفعل اي شيء خاطئ وكله بحدود الشرع والزواج ! هي فقط الكائن الدخيل بيننا والملزم على الرحيل وقد نتخلص منها هذه المرة للأبد !"
احتدت عينيها الخضراوين وهي تهمس بكلمة واحدة من تحت كفها بتصميم
"لا"
عصرت جفنيها فوق عينيها بارتجاف ما ان اقترب بوجهه منها وهي تشدد بكفها على شفتيها ، لتشعر بقبلته وهي تطبع على ظاهر كفها بعمق وصلتها عبر سخونة انفاسه والتي تخللت مفاصلها المنقبضة ، وبلحظات كان يستقيم بعيدا عنها وهو يستعيد ضبط طوفان المشاعر بداخله بدون ان يفلت من قيوده ، ليقول بعدها بابتسامة هادئة امام عينيها المشدوهتين بشحوب
"سأعطيكِ قدر ما تريدين من الوقت للتعافي جسديا ومعنويا ، وحتى ذلك الحين سأنتظر عودتك لي من تلقاء نفسك فلا تعذبيني بنار الانتظار اكثر من هذا"
انحنت حدقتيها بعيدا عنه وهو يغادر لخارج الغرفة بصمت ساد بالمكان بعد غيابه ، لتخفض كفها بعيدا عن شفتيها بارتجاف مفاصلها التي تخللت بها قبلته الحارة ، لتنفض كل هذا عن رأسها بلحظة وهي تخرج من الدرج بجانبها مجموعة اوراق مرسومة مع علبة من ألوان الشمع ، لتستند من فورها على السرير وهي تكمل رسمتها الناقصة بلون الشمع بيدها والتي اعادتها لهوايتها المفضلة والتي وجدتها وسيلة للتخلص من الكبت المحبوس بداخلها وهي تفرغه بأحب هواية عليها والشيء الوحيد الذي فعلته من اجلها بحياتها التي تكرست للجميع فقط حتى نسيت طريقة كيفية اسعاد نفسها !
______________________________
كان يراقبها عن كثب بتأمل شديد بعينين سوداوين صقريتين وهو يرتشف تفاصيلها بدقة لا متناهية وهي تثير اهتمامه بكل حركة عابرة بكل لمحة خاطفة مهما كانت تافهة تكون اكثر من كافية لقلب كيانه بعواطف هادرة لم يشعر بها سوى معها وهي تجذب وتعبث بسير مشاعره كيفما تشاء....بينما هي تمسك بكتاب بين يديها يحوي على جزء من عالمها الخيالي الذي ينسجه عقلها دائما بحالة من الوله والسحر الخاص بها وحدها حتى تسربت مشاعرها الفياضة على إمارات ملامحها لتتشكل بين حزن وفرح وهيام وحب تستطيع كشف دواخلها من خلالها بدون اي عناء او تفكير...وكأنها كتاب مفتوح يستطيع كل من يراه تصفحه بسهولة والاستمتاع بأحرف كلماته المحفورة على غلافها بنهم وجوع فاق حدود المنطق والعلم...ولو استمر سنوات بهذا التحديق الطويل المتربص فلن يستطيع ان يشبع نفسه من تلك التفاصيل البسيطة والتي اصبحت جزء لا يتجزأ من حياته اليومية التي اشعلتها بموجة عواطف متشكلة بطاقة متجددة .
تغضن جبينه وهو ينقل نظره للضوء الخافت المشعل بالمبطخ المظلم لا يُظهر سوى الجالسة حول المائدة الصغيرة وهي تعطي تركيزها للكتاب الموجود بين يديها ، بدون ان تعلم بأنها بحد ذاتها شعلة مضيئة ملتهبة انارت المكان المظلم من حولها وكأنها تضيء بالمشاعر المتمحورة على سطح ملامحها والتي تظهرها بتدفق غير مراعي للقلوب التي تجذبها من عتمتها لنورها !
ارتفع حاجبيه بدهشة اربكت كيانه بلمح البصر ما ان شد نظره دموع ترقرقت بمقلتيها العسليتين لتلمع بظلام المكان مثل شعلتين صغيرتين طغت على حالة الهيام التي كانت تطوف على محياها من لحظة ، ليزفر بعدها انفاسه بهياج كاسر وهو يقتحم المطبخ بعد ان ضاق ذرعا من المراقبة التي قتلت كيانه اكثر من الكلام ، ليقول من فوره بصوت جامد وهو يكسر هالة الصمت المحيطة بالمكان
"مساء الخير"
اخذت عدة لحظات ساكنة قبل ان ترفع رأسها بعيدا عن الكتاب بعينين دامعتين وشفتين فاغرتين سيطر عليها الذهول لبرهة ، ليحرك بعدها الواقف رأسه بملل وهو يهمس بهدوء جاف
"لما تجلسين بالظلام على ضوء المصباح الخافت مثل جنية المطابخ ؟"
انتفضت وهي تقف عن المقعد بقوة اصدرت زعيق مزعج بصمت المكان ، لتهمس من فورها بارتباك وهي تحرك يدها بعفوية
"لا ليس هناك شيء ، فقط كنت بانتظارك"
عقد حاجبيه ببطء وهو يخفض نظره للكتاب الموجود بين احضانها مثل طفلها الوليد ، ليقول بعدها بشبه ابتسامة باهتة
"اجل وتنتظرين قدومي بقراءة القصص بظلام المطبخ البارد ؟ يا لها من اجواء مثالية وشاعرية للاستمتاع بقراءة القصص العاطفية !"
انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تهمس بسرعة بتوتر متحفظ
"غير صحيح ، انا لا افعل مثل هذه الامور....."
صمتت فجأة وهي تغطي بكفها امام عينيها ما ان انتشر الضوء الساطع بالمطبخ الواسع والذي اغشى نظرها للحظات ، لتزيل بعدها كفها بارتجاف ما ان قال المسؤول عن انتشار الضوء بجفاء
"هكذا افضل بكثير فليس من الجيد القراءة بالظلام فهي تؤذي العينين وتجهدهما ، لذا فكري بصحة عينيكِ اولاً قبل ان تفكري بصنع اجواء شاعرية بالمطبخ !"
اخفضت عينيها بعبوس وهي تهمس بقنوط
"اخبرتك بأن هذا ليس صحيحا ، فقط لم ارد ان ازعج احد بأضواء المطبخ الساطعة بهذا الوقت المتأخر"
ابتسم بهدوء جامد وهو يتقدم امامها عدة خطوات قبل ان يقف عند الطرف المقابل للمائدة ، ليقول بلحظة بابتسامة ملتوية بتفكير
"ومن هؤلاء الذين سينزعجون من ضوء مطبخ منزلنا ؟ هيا اخبريني بجواب مقنع"
عقدت حاجبيها وهي تعصر عقلها بكذبة مقنعة لتهمس من فورها بشفتين متكورتين بامتعاض
"اقصد البيوت المجاورة لنا والجيران"
اومأ برأسه وهو يمسك بظهر الكرسي امامه ليمد جسده قليلا قائلا ببرود ساخر وهو يحاول مجاراة كذبتها
"اجل وما علاقتهم بأضواء منزلنا والتي هي اساسا بداخل منزلنا !"
ضمت قبضتيها بقوة وهي تهمس بكل ما تملكه من تفكير مشتت
"انا لا احب النور الساطع"
ارتفع حاجبيه ببرود جليدي وهو ينظر لها عن كثب قائلا بتعجب ساخر
"ألستِ كنتِ تخافين من الظلمة ؟ كيف حدث واصبحتِ لا تحبين النور كذلك ؟......."
قاطعته بغضب محتقن وهي تنظر له باحمرار مفرط
"لا احب القراءة تحت نور ساطع ، وهذا شيء يخصني وحدي"
تغضنت زاوية شفتيه وهو يحرك رأسه جانبا لوهلة ليترك بعدها الكرسي وهو يتمتم بجمود عاد لتلبسه
"ولماذا كنتِ تنتظرين بي ؟"
اتسعت عينيها بتذكر وهي تهمس بابتسامة جميلة برقة
"لقد كنت انتظرك لأحضر لك طعام العشاء فقد تأخرت كثيرا بالخارج وانتهينا من تناول العشاء منذ ساعات ، ولم تستطع عمتي هيام فعل هذا فقد كانت متعبة جدا وذهبت للنوم مبكرا ، لذا لا تقلق من شيء فأنا التي ستحضر لك العشاء اليوم"
ردّ عليها بجمود غير مبالي وهو ينظر بعيدا عنها
"لم يكن عليكما فعل هذا ! فقد نبهت كثيرا من قبل عن عدم انتظاري عندما اتأخر خارجا ، فقد يكون هناك ظروف قاهرة تأخرني عن العودة وقد احتاج الليل بطوله او لليوم التالي حتى انتهي منها ، وانا لا احب ان ينتظرني احد او يبقى ساهر لليوم التالي"
كانت قد غادرت من امامه وهي تفتح الثلاجة هامسة بمودة
"لا بأس بذلك ، فأنا مستعدة لانتظارك لليوم التالي حتى تعود للمنزل واتأكد من تحضير العشاء لك ، فنحن اهم شيء عندنا هي صحتك يا زعيم العائلة"
ارتفع حاجب واحد بوجوم وهو يتتبع بنظراته حركتها السريعة بالمطبخ وهو يهمس بهدوء
"ومن اخبركِ بأني ارغب بتناول العشاء ؟ وايضا لقد تناولت العشاء بالخارج ! لذا كل ما تفعلينه الآن بلا فائدة ولم يعد له لزوم"
استمرت بالحركة بالمطبخ وهي تقطع الخضار بسرعة قياسية لتلتفت بعدها بوجهها نحوه وهي تهمس بخفوت مرح
"انت تكذب يا جواد"
انحنى حاجبيه بتغضن وهو يشعر بجملتها المختصرة قد عبرت عن كل شيء وفقدت معناها الحقيقي ومضمون كلامها برقة صوتها مثل العسل الذائب ، نفض رأسه بقوة وهو يشعر بنفسه قد تحول لأكبر احمق ومتغزل ساذج وهو يشبه صوتها بالعسل وكأنه عاد مراهق ولهان بعد ان ضاع منه العمر بالظلمة والشقاء !
تجهمت ملامحه وهو يخرج من دوامة اليأس ليعود بنظره للفراشة المحلقة من حوله قائلا باقتضاب
"ولما كل هذه الثقة بالكلام ؟ ما لذي يثبت لكِ بأني اكذب ؟"
توقفت قليلا عن الحركة وهي تمسك بالأطباق بيديها لتستدير نحوه دورة كاملة هامسة بابتسامة بديعة الجمال
"لأني اعرف جواد اكثر من نفسي وحفظت كل شيء يخصه ، فهو لا يتناول طعاما بمفرده ألا عندما يشاركه احد بذلك ، وهذه واحدة من صفات جواد الغير قابلة للتعديل او الحذف ، وإذا تجرأ احد على التدخل بهذه الامور سيصبح عندها من عداد الموتى لأن جواد يفعل ولا يقول"
تجمدت ملامحه للحظات غيرت فحوى الكلام بينهما لشيء آخر اشعل الفتيل بداخله ، اشاح بوجهه جانبا وهو ينظر لها ترتب السفرة امامه على الطاولة الصغيرة ، وبلحظات كانت تنتهي بدون ان يشعر بالوقت وهو يمضي بينهما ام هو الذي شرد كثيرا بعواطفه حتى سُرق الوقت منه !
تصلب جسده وهو يشعر بيدين ناعمتين تمسكان بذراعه بدون ان ينتبه بأنها قد اصبحت بجواره وهي تهمس بخفوت
"هيا اجلس يا جواد"
زفر انفاسه بضيق وهو يستل ذراعه من بين يديها ليجلس على الكرسي امامه بجمود بعد ان وضع بهذا الموقف ، ليقطب جبينه بضيق وهو يشعر بوجودها اصبح يحاصره وهي تقف بجانبه ومعها الطبق الخاص به هامسة بلطف
"اتمنى ان يعجبك الطعام الذي حضرته اليوم على العشاء فقد اقترفت بعض الاخطاء بطريقة تحضير الخضروات المقلية ، ومع ذلك ما يزال مقبول بكل الاحوال وقد احبته عمتي كثيرا واثنت عليه"
حاد بنظراته نحوها وهو يلمح خصلة شعر طويلة تنسدل على جانب خدها المتورد وهي تتراقص مع حركاتها المتمايلة وكل شيء بها يتحرك بتناغم رهيب وكأنه اتفاق ابرم مع كل اجزاء جسدها على تعذيبه لآخر يوم بحياته ، لتحتد ملامحه بلحظة ما ان وجهت الكلام له هذه المرة هامسة بهدوء رقيق وهي تنظر له بعينين واسعتين باكتمال ضوء الشمس
"هل اضع لك شيء آخر بطبقك يا جواد ؟"
عقد حاجبيه بحيرة وهو يخفض نظره للطبق بيدها والذي امتلئ بشتى انواع الطعام ، لتعبس ملامحه ببؤس وهو يهمس بوجوم
"لا هذا اكثر من كافي"
وضعت الطبق امامه وهي تعيد خصلاتها المتمردة لخلف اذنها بنعومة ، لتلتفت له مجددا بنفس الابتسامة هامسة برقة تكاد تقضي على الذرة الاخيرة من قوة احتماله
"هل تريد شيء آخر بجانب طبقك يا جواد ؟"
حرك رأسه بعيدا عنها وهو يهمس من بين اسنانه بتشديد
"لا فقط عودي لمقعدك يا صفاء ، وشكرا على مجهودك معي"
اومأت برأسها بصمت والخصلات تعود للتمرد على عقدتها لتنسدل حول وجهها المتورد بشعاع شمسها الخاصة ، لتجلس بعدها على الكرسي المقابل له بهدوء وهي تنظر له بابتسامة رقيقة تتقن رسمها على محياها .
انشغل بتناول الطعام امامه من الطبق الذي امتلئ من كل اصناف طعامها والذي دائما ما تضع لمساتها الخاصة عليه حتى لا يتشبه بأي نكهة طعام اخرى ، عاد بالنظر لها ليصدم بتغير حالتها وهي تسند خدها على قبضتها بشرود حالم طاف على ملامحها ونظراتها تهيم بالبعيد ، لتتجهم ملامحه بعدم رضا وهو يقول بهدوء جاد ليقطع شرودها البعيد
"لم تخبريني عن نوع القصة التي كانت بحوزتك ! هل هي واحدة من روايات الحب العاطفية مثل التي اعرتني إياها سابقا ؟"
ارتبكت ملامحها وهي تنظر له بوجل لتخفض بسرعة قبضتها وهي تسندها على الكتاب بجانبها هامسة بخفوت مضطرب
"اجل شيء من هذا القبيل"
ضيق عينيه بقسوة وهو يلتقط انفعال ملامحها الواضح والذي لا يخفي دواخلها عنه وهو يستطيع قراءتها بسهولة ، ليقول من فوره بابتسامة ملتوية وهو يوجه نظرات ذات مغزى نحو الكتاب
"حقا لقد اثرتِ اهتمامي لأعرف بما يحتويه هذا الكتاب حتى يجعلكِ بكل هذا الوله والاستمتاع بقراءته ، وقد افكر باستعارته منكِ لبعض الوقت لنتشارك متعة تبادل الآراء بيننا واحاديثنا القديمة مثل الأيام الخوالي"
زمت شفتيها بجزع وهي تدس الكتاب بين احضانها لا شعوريا هامسة بتعنت
"لا لن اعطيك إياه فهو غالي جدا عليّ ، وايضا انت لم تعيد لي كتابي السابق الذي اعرتك إياه ، لذا من المستحيل ان افرط بهذا الكتاب بين يديك"
ارتفع حاجبيه بجمود وهو يتقدم بجلوسه قائلا بخفوت حاد ارهبها
"ذلك الكتاب قد اصبح من ممتلكاتي الخاصة ولا تحلمي ان اعيده لكِ وقد ينضم له هذا الكتاب بحوزتك إذا لم تعطيه لي الآن"
فغرت شفتيها بصدمة وهي تشدد لا إراديا من احتضان كتابها هامسة بغضب
"هل انت مهووس بالتملك ؟"
اتسعت ابتسامته بحالة غريبة من الشقاوة تراها لأول مرة وهو يقف عن مقعده بهدوء ، ليدور بعدها حول المائدة ببطء قبل ان يصل لها بلحظات ، انتفضت بذعر وهي تحاول النهوض لولا الذراعين واللتين كبلتاها بمقعدها بحصار وهو ينحني بجوار اذنها هامسا بخفوت اجش متملك
"وإذا كنت كذلك ! فماذا بإمكانك ان تفعلي ؟"
ردت من فورها بنشيج وهي تحاول التحرر من قيوده
"لن افعل شيء ، اقسم لك فقط اتركني"
شدد من معانقتها مع الكرسي حتى شعرت به يكاد يرتفع بها وهو يهمس عند اذنها بحرارة ملتهبة اشعلت كيانها
"كيف تريدين مني ان اترككِ وانتِ قد انضممت لممتلكاتي الخاصة ؟ لقد اصبحتِ جزء من هذا المتملك يا صفاء ولم يعد لديكِ طريق للهروب منه !"
رفعت رأسها نحوه بارتعاش سيطر على محياها وهي تسمع كلام لأول مرة تسمعه وهو يصدمها للمرة الثانية بعد اعترافه بالحب لها قبل ايام ، لتطرف بعينيها برجفة ما ان مسح بأصبعه السبابة على اطراف مقلتيها وهو يهمس بخفوت مشتد
"لماذا كنتِ تبكين قبل دقائق يا صفاء ؟"
زمت شفتيها بامتقاع وهي تكتشف بأنها كانت مراقبة على طول الساعات التي سبقت دخوله ، لتهمس من فورها ببرود وهي تحاول احناء رأسها بعيدا عن اصبعه
"لم افعل !"
قبض على يده وهو يخفضها ليمسك بخصلة شعرها الطويلة وهو يلفها حول اصبعه هامسا بخفوت بارد
"انتِ تبدعين وتجيدين كل شيء ألا بالكذب فهو صعب الاتقان عليكِ"
زمت شفتيها بوجوم وهي تشعر بإهانة مستترة بكلامه المريب ، لتتنفس بارتباك وهي تهمس بعبوس حانق
"لقد قرأت مشهد محزن بالكتاب ابكاني"
تنهد براحة غريبة وهو يهمس بشبه ضحكة بجانب اذنها والتي احمرت من انفاسه المشتعلة
"تبكين من مجرد مشهد بقصة خيالية ! لم اعرفكِ بكل هذا الجهل يا صفاء !"
ضمت شفتيها بتخبط اكبر تشعر به على وشك خرق نبضات قلبها المجنونة ، وهي تهمس بلحظة بوجوم مكبوت بدون ان تنظر له
"ليس الأمر بيدي فأنا شديدة التأثر بالمواقف العاطفية ، ويمكنك ان تقول عني ما تشاء جاهلة ، طفلة ، غبية ، ومع ذلك لن اغير من نفسي فقط من اجل ارضائك يا متملك"
شدد بأصبعه على الخصلة حتى مالت بوجهها ناحيته بألم وهو يتمتم بانفعال خافت
"ومن طلب منكِ ان تغيري من نفسكِ يا بلهاء ؟ فقط لا اريد منكِ ان تهدري دموعك على ذلك العالم المزيف الخيالي ! بل اريدها ان تكون ملكي وحدي كما احتجزت وقيدت صاحبتها مسبقا"
انفرجت شفتيها بأنفاس ذاهلة وهي تهمس ببهوت مغيم
"هل كل هذا تملك ؟"
ارخى مفصل اصبعه عن خصلتها وهو يهمس بهدوء
"لم تري شيء بعد يا عزيزتي !"
اتسعت حدقتيها العسليتين بفورة المشاعر الغامرة ما ان استشعرت قبلته الرقيقة على خدها المحمر مثل جمر محترق ، ليفك بعدها قيودها وهو يستقيم بعيدا عنها لوهلة بدون ان يحيد بنظراته عنها ، وبلحظة كان يلوح بالكتاب بحوزته والذي سُرق منها بدون ان تشعر وهو يهمس بانتشاء
"شكرا لكِ على الكتاب"
افاقت من غمامتها وهي تحدق بيديها الفارغتين بعد ان سحب الكتاب منها بلحظة غادرة ، لتنتفض باندفاع ما ان تحرك بعيدا وهي تنطلق بالجري نحوه بلمح البصر قبل ان تطوق خصره بذراعيها من الخلف سمرته عن الحركة تماما ، لتهمس برجاء مكسور بدون ان تبعد ذراعيها عنه
"ارجوك اعد لي الكتاب فأنا لم انتهي منه بعد ، ارجوك لا تسلبه مني ، رجاءً"
تصلب جسده وهو يتفاعل مع حركاتها بموجة المشاعر القاتلة التي عادت للسيطرة عليه ، ليقول من فوره بجمود قاسي بدون اي رحمة
"لن اسلمه لكِ قبل ان تعترفي بالحقيقة وتخبريني بما يحوي عليه الكتاب ، وإياكِ والكذب عليّ فهو لن يساعدك بموقفك"
عبست ملامحها بارتجاف وهي تتراجع مبعدة ذراعيها عنه لتهمس بلحظة بحياء مفرط
"الحقيقة هو يحوي على الكثير من المواقف العاطفية وامور لن تعجبك ولا تليق بذوقك ، لذا لم ارد منك ان تقرأه او تتصفحه فلن احتمل نظرتك لي بعدها والإحراج الذي سأتعرض له !"
حرك رأسه جانبا لوهلة وهو يبتسم بشبه ابتسامة ليرفع بعدها بالكتاب امامه وهو يقول بحزم جاد
"لم تعجبني منكِ ابدا يا صفاء ! ومن اجل هذا السبب تحديدا لن اعيد لكِ الكتاب فقد اصبح مصادر"
ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تلوح بقبضتيها هامسة بتذمر
"تقول مصادر ! هذا ظلم كبير بحقي ! كيف سأستطيع اكمال قصة فلورا وجاك ؟ كيف سأعرف ماذا حدث معهما الآن بعد تلك الصفحة ؟ وما هي نهاية قصتهما !"
حاد بنظراته نحوها ببرود قبل ان يكمل سيره لخارج المطبخ قائلا بجفاء بارد
"توقفي عن التفكير بالقصص الخيالية ، وحاولي التفكير بنهاية قصتك قد يكون افضل بكثير من العالم الوهمي الذي تعيشينه"
ارتعشت ملامحها وهي تقبض على يديها بألم تسرب لمفاصلها حتى قلبها الذي انطفئ عن النبض ، لتتراجع بعدها بخطواتها التي ارتخت قبل ان تجلس على الكرسي الخاص به بهدوء شديد ، لتنظر امامها وهي تحدق بطبق الطعام الذي ما يزال ممتلئ وكأنه غير ملموس ، تنهدت بهدوء وهي تمسك بالطبق بين يديها لتهمس مع نفسها بغمامة شاردة بحزن
"لقد انتهت قصتي بالفعل ، فقط انتظر نقطة النهاية التي ستكتب بآخر السطر لتنهي كل شيء وكأنه لم يكن"
______________________________
كانت تسير بخطوات هادئة بصمت وهي تتبع خطى السائر امامها مثل ظله المرافق له بدون ان تحيد عن الطريق التي يسير عليها بخوف خفي ما يزال يتربص بها ، وهي تسير من خلفه تماما تكاد تلتصق بجسده والذي يشكل حماية لها من الظلام والفراغ السائد من حولهما مثل شرنقة قاسية تحيط بهما وتلتف حول قلبيهما بدفء المشاعر المحصورة بهما نافضة البرودة عنها .
شددت على يده القابضة على كفها بتشابك وكأنه يشعرها بوجوده الثابت معها حتى لا تغيب بذهنها بعيدا عن عالمه ، وهل لديها الجرأة للابتعاد بعد ان التصقت به وسلمت بوجوده المحاصر لها برقة عذبة ؟
توقفت بآخر لحظة ما ان كادت تصطدم بظهره وهي تثبت قدميها بمكانها ، لترفع بعدها وجهها بحيرة وهي تنظر للذي كان يوليها ظهره قبل ان يتمتم بجمود خافت
"لقد وصلنا"
تقدمت بخطواتها قليلا وهي تنظر لما كان يشير إليه لتلمح عندها بناء الشقق الذي تكلم عنه الرجل وهو يأخذ ثلاث طوابق فوق بعضها البعض بتصميم بسيط بعيد عن تصميم الفنادق ، لتشعر بعدها بيده التي بدأت بسحبها مجددا وهو يعود للسير امامها باتجاه طريق البناء بدون ان يضيف كلام آخر .
جلست فوق الاريكة عند بهو الانتظار وهي تشعر بألم رهيب يخترق عظام قدميها وكأنها سارت لساعات طويلة بدون انقطاع او توقف ، تنهدت بإنهاك وهي تنظر باتجاه الواقف امام مكتب الاستقبال يستفسر عن طريق للعودة للمنزل وقد اجرى اتصالات عديدة مع كل من يعرفهم واستطاع تذكر ارقامهم ، وبسبب تأخر الوقت الآن والذي يذهب به الجميع للنوم فلم يستجب الكثير لاتصالاته واغلبها تكون خطوط مقفلة او مفصولة ليترك رسالة صوتية لهم لليوم التالي .
اراحت رأسها على مسند الاريكة بتعب وهي تخفض جفنيها قليلا بحالة هدوء وصمت بعيدا عن كل العالم المحيط من حولها ، ليتغضن جبينها بانتباه ما ان اخترق سمعها صوت الخطوات المتجهة نحوها بثبات عميق .
همست بعدها بصوت باهت طغى عليه بحة التعب
"ماذا حدث ؟ ألن نعود للمنزل ؟"
صمت للحظتين قبل ان يأتي الجواب بهدوء جاد
"لن نستطيع العودة اليوم ، وسنضطر للانتظار للغد حتى يفتح قسم الصيانة ويحضر لنا مفتاح آخر للسيارة ، وليس هناك اي مواصلات متوفرة تخرجنا من هذا المكان وتعيدنا للمنزل ، وحتى لو حاولنا الاتصال بكل الجهات التي نعرفها فلن نجد عند اي احد منهم الوقت لنا ليساعدنا بهذه الساعة المتأخرة"
عقدت حاجبيها بتفكير بدون ان تظهر اي تعبير على ملامحها وهي تهمس بوجوم
"وماذا عن عائلتك ؟ ألم تتصل بأحد منها !"
ردّ عليها من فوره بجفاء بارد
"هاتف احمد مغلق ولا يجيب ، وليس هناك داعي لنتعب انفسنا ونتصل بباقي افراد العائلة والتي لن تعطينا اهتماما اكثر من احمد !"
اومأت برأسها بشرود وهي تهمس بآخر سؤال خطر ببالها بهدوء بالغ
"وماذا سنفعل الآن ؟"
عندما طال الصمت طويلا تجرأت على فتح عينيها الزرقاوين برجفة لاسعة وهي تصطدم بنظراته فوق رأسها والتي ارجفت كيانها حد الإرهاق ، لتحاول بعدها الكلام بصعوبة قبل ان يسبقها وهو يقول باختصار جاف
"سنقضي الليلة بهذا الفندق"
فغرت شفتيها بانشداه لوهلة قبل ان تنتفض جالسة باستقامة وهي تهمس بعبوس مستنكر
"نقضي الليل هنا ! ولكننا لا نملك اي شيء معنا ولا مال ! ولا نعرف اي شيء عن هذا المكان ؟....."
قاطعها بهدوء وهو يقف امامها مباشرة
"لم افقد محفظة نقودي بعد واملك من المال ما يكفينا لنحجز عشر غرف وليس غرفة واحدة ، لذا لا تقلقي من شيء يا عزيزتي فنحن سنكون بخير"
زمت شفتيها بارتعاش وهي تخفض عينيها قليلا هامسة بعدم راحة
"ومع ذلك نحن لا نعرف احد بهذا المكان ! كيف سنثق بهم بهذه السهولة بدون اي شروط او تجارب ! انا ارى ان نكمل طريقنا او نسلك طريق مختصر فقد نجد سيارة عابرة توصلنا للمنزل......"
قاطعها فجأة وهو ينحني نحوها بلحظة ليمسك بكتفيها برفق يوقف اضطراب حركاتها وهو يهمس امام وجهها بتروي وعطف
"اهدئي يا ألماستي وخذي نفسا عميقا ، فأنتِ الآن مع زوجك ولن يدع من مكروه ان يصيبك ، لذا ضعي كل ثقتك بزوجك وارمي بحملكِ عليه فهو لن يترككِ تتأذين فهذا القلب والجسد فداء لكِ يا ألماستي"
نظرت له بمقلتيها الزرقاوين بأمواج هادرة شحبت معها ملامحها الحجرية وهي تهمس بخفوت حزين
"هل هذا جزء من خطة ارضائي ؟"
شدد على كتفيها وهو يتلاعب بأصابعه بحركة دائرية اثارتها هامسا بصوت اجش خافت
"ربما من يعلم !"
تشنجت ملامحها وهو يبتعد عنها باستقامة ليشير بعدها بذراعه قائلا بجدية
"هيا بنا لنذهب لغرفتنا من اجل ألا نثير الشبهة بالمكان ونطرد منه"
غرزت اسنانها بطرف شفتيها وهي تراه يغادر بعيدا ببساطة تاركا إياها تموت من غيظها ، لتنتفض بعدها على صوت خطواته وهو يعود ادراجه ليمسك عندها بكفها بدون مقدمات وهو يسحبها قائلا بنفاذ صبر
"هيا تحركي لن انتظركِ طويلا"
كورت شفتيها بغضب وهي تجاري خطواته الواسعة والتي كادت تتعثر بها بدون ان تمنع الابتسامة والتي زحفت على محياها ببهوت .
بعد مرور ساعة كاملة بين استحمام واداء الصلاة التي فاتتها طول اليوم وقفت امام النافذة وهي تجفف شعرها المبتل بالمنشفة بحركة رتيبة بعد ان اخذت حمام سريع ينظف كل الارهاق وآلام مفاصلها من السير الطويل لساعات ، لتخفض بعدها المنشفة عن رأسها وهي توزع نظراتها بمحتويات الغرفة البسيطة والغير مترفة ، وهي تضم غرفة نوم وبهو صغير وحمام مرفق بجو من البساطة والرقي تناسبت مع مجريات يومهم الكارثي والذي تجرد من الترف والابتذال بحياة طبيعية مسالمة بعيدا عن حياة ذلك المنزل البارد والفارغ من المشاعر شبيه بأصحابه .
عادت بنظرها للنافذة وهي تلقي بالمنشفة على طرف السرير بجوارها بإهمال ، لتتلمس بعدها على زجاج النافذة الباردة بشرود وهي تعكس صورة عينان زرقاوين بلون السماء تجردت من ألوان المحيط القاتم بعد ان نزعت العدسات التي فاضت بدموع البحر وسقطت عن عينيها مثلما يسقط القناع عن صاحبه وتظهر صورته الحقيقية بدون اي تزييف او اقنعة ، لتفك بعدها قيود ابتسامتها المائلة بتسلي ما ان سمعت صوت باب الغرفة يفتح بهدوء وهو يعلن عن عودة شريكها بالغرفة .
قبضت على كفها فوق سطح زجاج النافذة بدون ان تبعدها وهي تستمع للخطوات القوية التي بدأت تقترب من مجال سمعها ببطء شديد رويدا رويدا ، وما ان اختفى صوت الخطوات وغيم الصمت بالمكان حتى شعرت بالهواء ينحصر برئتيها بفعل ذراعين قويتين احاطت جسدها بالكامل وطوقت خفقات صدرها التي بدأت تضرب بصخب بين انحاء جسديهما معا ، وهي تستشعر قبلاته الحارة على خصلات شعرها المبتلة وهي تنحدر حتى مستوى كتفها ، وما ان وصلت انفاسه الحارة لعنقها وهو يبعد بأصابعه الخصلات الملتصقة ببشرتها حتى همس بخفوت منفعل بطوفان المشاعر
"اعتذر يا ألماستي ولكني لن استطيع انتظاركِ حتى ترضي عني ، فقد وصلت باحتمالي لأقصى طاقاتي ولم اعد قادر على تقييد رغبتي الشرسة ومشاعري التي فاضت عن حدها ، واتمنى ان تسامحي قلة حيلتي امام هذا التحدي"
تنفست بارتعاش وهي تحاول السيطرة على الهياج المتدفق بأوردتها على اثر قبلاته المتلاحقة على طول عنقها بفورة المشاعر الهادرة ، لتشيح بوجهها بنصف استدارة وهي تهمس بأنفاس متجمدة بخفوت حزين
"هل كل الذي فعلته اليوم من اجل الفوز بالتحدي وكسب رضاي ؟ ولو انك لم تدخل بذلك التحدي لما فعلت شيء مما فعلته لي اليوم !"
توقفت القبلات فوق عنقها لوهلة لتشعر بعدها بيده تضم قبضتها المستكينة على زجاج النافذة بدفء تسرب لمفاصلها المتصلبة وهو يفك عقدة اصابعها ليتخلل بها بتملك ، ادارت وجهها بالقرب منه وهي تشعر بشفتيه تمسان اذنها بهمس خافت اجش
"ما تزالين على نفس الغباء يا ماسة والذي تتميزين به بالمواقف العاطفية ! متى ستتعلمين معنى المشاعر الحقيقية وصدق نوايا صاحبها ؟ ألم تشعري ولو قليلا بصدق الكلام والذي اظهرته لكِ اكثر من مرة فعلا وقولا ! ألم تشعري بالخوف الذي تملكني على ألماستي بلحظات جنونها التي فاقت حدود المنطق والعقل ؟ ماذا افعل اكثر من هذا لتقدري قيمتك الحقيقية والتي تحددت وكسبتها قبل دخول اي تحديات او منافسات ؟"
غامت حدقتيها بأمواج من ألوان الحزن وهي تنظر ليده المتمسكة بكفها هامسة بمرارة قاتلة
"لا اعرف اي شيء مما تقوله يا شادي ؟ ولم اجربه بحياتي حتى استطيع تعلمه ! لقد فقدت ثقتي بالجميع منذ لحظة تحرري من قيود الطفولة لأتكلل بذنوب الحياة وآثامها ، لقد اصبحت اخاف من نفسي من صورتي امام البشر وكيف ينظرون لي ! لقد قالها عمي قيس مرة ولن انساها بحياتي انا عملة نادرة يتمنى الجميع اقتناءها ليس للاحتفاظ بها بل من اجل كسب مميزاتها وربح الفائدة منها فهي تملك كل المؤهلات لإرضاء جميع انواع الراغبين باستهلاكها بدون اي خسارة ، وذلك الكلام هو الذي انطبق على حياتي حتى فقدت الثقة بالجميع وبصدق نواياهم نحوي والتي تجردت من الرحمة ، ولولا هذه المؤهلات لما احتفظ بي قيس كل تلك المدة الطويلة حتى حولني لظل له اسير على خطاه وعلى نظام حياته مثل جسد تعلق بلعنته ، فأنا كنت مستعدة لتحمل كل الذل والمرار منه فقط لكي لا يرميني لوحوش العالم الخارجي والتي لن تتوانى عن اغتيال روحي فهو يبقى ارحم منهم بكثير !"
شدد اكثر على جسدها حتى كادت تلوج لصدره القوي والذي يضرب بخفقات قلبه على ظهرها بوتيرة محددة اهلكت كيانها ، لتبتلع بعدها انفاسها بوجل ما ان ادار جسدها للخلف بقوة لتصبح مقابلة له بلحظات ، وما ان رفعت عينيها باهتزاز طفيف حتى تسمرت بلحظة وهو يقبل كفها المضمومة بقبضته بهدوء شديد تغلغل بأطرافها ، ليهمس بعدها بابتسامة هادئة برخاء بدون ان يبعد كفها عن شفتيه
"لا بأس يا ألماستي ، فأنا من الآن سأبدأ بتعليمك الشعور بجمال المشاعر الحقيقية والاستمتاع بالمواقف العاطفية ، وسأكون لكِ افضل مرشد ومعلم وزوج مراعي بهذه المواقف ، فقط اعتمدي عليّ يا صغيرتي واعدك بأن ازيل عنكِ هذا الجهل بعيدا حتى تعودي انثى طبيعية محبة لحياتها"
زحفت ابتسامة رقيقة على محياها وهي ترفع نفسها على اطراف اصابعها لتمسك بكتفه بيدها الحرة قبل ان تقبل شفتيه ببراءة حقيقية ، وما ان افاق على قبلتها العذبة للمرة الثانية حتى سبقته بالكلام وهي تضع اصبعها الطويل على شفتيه لتمسه بشفتيها بالطرف الآخر هامسة بعبث
"وانا مستعدة لأخوض معك هذا التحدي واعود طالبة نجيبة شغوفة للتعلم منك ، ولكن تذكر بأني اذكى بكثير من ان تخدعني ولن تنطلي عليّ حيلك ابدا ، لذا حاول ان تكون معلم نزيه ومحل ثقتي ، مفهوم ؟"
زفر انفاسه بتهدج ثائر فوق اصبعها الذي ذاب من سخونة انفاسه وهو يتمتم بشبه ابتسامة ملتوية
"كوني على ثقة بمعلمك فهو لن يخذلك !"
عضت على طرف شفتيها بحياء لون خديها باحمرار طفيف لينفض البرود عنه ، ليتابع بعدها كلامه وهو يشب يده بخصرها ليقربها منه اكثر حتى لم يعد هناك مجال للتراجع قائلا امام اصبعها بشغف واضح
"هل يمكنني ان اقول الآن بأني قد ربحت بالتحدي وحصلت على مبتغاي ؟ واصبح بمقدوري حصد النتائج والغنائم منكِ يا اجمل ربح قد احصل عليه بالكون !"
احنت حدقتيها بإحراج اكبر وهي تحاول سحب اصبعها عن شفتيه هامسة بغيظ
"من قال هذا الكلام ؟ لا اذكر بأني قد صرحت بفوزك !"
قبض على يدها قبل ان تسحبها بعيدا عن شفتيه ليقبل اصابعها الصغيرة الظاهرة من قبضته وهو يهمس باشتعال هادر
"لقد فات الآوان على هذا الكلام يا صغيرتي ، وحان الوقت لدفع الثمن واغتنام السعادة من نبع الألماسة ، فقد تحملت منكِ اليوم اكثر من طاقتي من جنون وحماقة واستحق تعويض كبير على كل هذا ، فهل انتِ مستعدة ؟"
اتسعت ابتسامتها وهي تضرب على صدره بقبضتها الحرة هامسة بعبوس مرح
"لم يطلب منك احد احضاري إلى هذا المكان من الاساس ! وليس انا من عرض فكرة اليوم الحر والذي استطيع به فعل ما اشاء بحياتي وبدون اي قيود او حدود....."
توقفت عن هدر الكلام بقبلته الساحقة التي اكتسحت كيانها وملئت روحها بالكثير حتى عصرت فؤادها ، ليحررها بلحظة بدون ان يترك تلامس شفتيها وهو يهمس بين كل قبلة واخرى بعذاب شديد
"لقد عذبتني اليوم يا ماسة ، واعدكِ بأني لن ارحمكِ"
طوقت عنقه بذراعها الحرة وكفها الاخرى مقيدة بقبضته لتهمس بخفوت شديد بسلام وهي تحرر كيانها من قيودها لتحلق بعنان السماء
"افعل ما تشاء ، فأنا راضية تماما"
ارتخت ملامحه براحة وهو يقبل كل تفصيل بوجهها البارد الذي اشتعل بتورد جديد قبل ان يعود لتقبيل شفتيها وقبضته تعصر كفها بإحكام وبيده الاخرى تتسابق اصابعه لفتح ازرار قميصها بلهفة تمزق البعض منها بحدة اصابعه ، وهو يحرر كذلك الطاقة المحبوسة بداخله مثلها ليتلاحم عالمهما بقوة مشاعرهما الغامرة التي ألهبت الاجواء بينهما بأمواج طاقتهما التي تخلت عن القيود وسحقتها .
_______________________________
كانت جالسة على الاريكة الوثيرة وهي تهز ساقيها بعصبية تنم على الغضب الهادر المتدفق بتقاسيم ملامحها الفاتنة بثورة تلونت بأحجار عينيها الخضراوين وكأنها تستعد لشن هجوم قريب لم تتحدد تفاصيل خطته او مجريات حدوثه ، لتعض بعدها على طرف شفتيها بتصميم وهي تحاول اجراء الاتصال ذاته منذ ما يقارب الأسبوع بدون اي رد او استجابة ، وبلحظة كانت تلقي بالهاتف بعيدا وهو يضرب طرف الطاولة امامها قبل ان يرتمي اسفلها بثواني ، لتخفض بعدها رأسها للأسفل وهي تنشج بأنفاسها بهياج ثائر استبد بها وكفها تتخلل بخصلات شعرها القصيرة بتشتت مبعثر ، وهي تتوعد لها بالويل والعذاب على جرأتها بتجاهل اتصالاتها وقطع جميع الصلات بها بدون اي تردد او تفكير بالرجوع لسيدتها والتي تملك كل خيوط ومقاليد حياتها والتي ستوديها لحبل المشنقة وليس لدمار حياتها وحسب ، ولكنها خالفت كل توقعاتها والتي رسمتها من حولها وهربت كاسرة كل الحدود التي تأكدت من ربطها بها بدون ان تترك اثر خلفها او رسالة توصلها لمخبئها الجديد وكأنها فأر وهرب من مصيدتها !
زفرت انفاسها بانفعال مضطرب اصبح يراودها بالآونة الاخيرة حتى انقلبت صورتها الرقيقة الرزينة التي حافظت عليها امام العالم لأعوام لتتحول للنقيض تماما ، وهذه الحالة لا تحدث معها ألا عندما تواجه مشكلة عويصة تفشل بحلها او بالأحرى بالفوز بها والاستحواذ عليها كما يسير قانون حياتها الثابت ونمط الفوز عندها ، لطالما كانت الطفلة المدللة والمحبوبة بالعائلة والتي تجاب طلباتها بدون ان تقولها حتى اصبحت نهمة مهووسة بأخذ كل ما يعجبها وتقع عينيها الشغوفتين عليه بأنانية نشبت عليها مثل عادة مريضة تربت على تنميتها منذ الطفولة ، وهذا ما دفع جميع ابناء طبقتها ليسيروا على خطاها وهواها وكما ترغب تماما بدون اي عصيان او رفض بسبب مرتبة عائلتها بحياتهم وما اعطاها الثقة والغرور بالنفس حد التعالي والتكبر ، ولكنه كان الشيء النقيض الوحيد عن عالمها وهو يخالف كل الاشياء والقوانين بقاموسها والتي تربت عليها وهو يعطيها الرغبة لاختراق حدود مجاله والسيطرة على تفكيره المختلف عن جميع من عرفتهم ! ولا تعلم إذا كان السبب هو هالة الغموض المثيرة المحيطة بعالمه ام كان بطبيعة تصرفاته الهادئة مع الجميع بدون ان تنم عن شعور محدد او عاطفة او رغبة بفعل شيء ؟
توجهت انظارها نحو الهاتف الملقى ارضا وهي تفكر بطبيعة خطتها القادمة التي فقدت محورها الاساسي ، لم تكن تريد الوصول لهذا الحد من التهور وادخال تلك الفتاة الغريبة بخطتها ولكنها عندما يأست من المحاولة وشعرت ببوادر الخسارة انتقلت لهذه الخطة المجنونة بدون تفكير بالعواقب او النتائج فهي عندما تعزم على شيء تستمر به للنهاية ، وهذا ما حدث عندما بدأت بالبحث عن حياة تلك الفتاة والتي ما ان وقعت عينيها عليها حتى دخلت برأسها بيوم غيابها عن الوعي والذي لم يكن مجرد مصادفة او تعب عابر بل شيء اكبر بكثير بدأ ينمو بداخلها ويتشعب ، وما ساعدها ايضا هي معرفتها بخلفية عائلة (شادي) وحياته الماضية بأكملها وارتباطه بوالدة تعيش خارج البلاد وتملك ابنة واحدة هي شقيقته من نفس الأم ، وبعد بحث مطول بسجلات حياتها والتي وصلت لها بواسطة قوة ومرتبة والدها حتى وجدت بالنهاية كل ما تحتاجه ليكون الاحجار بلعبتها وهي الوسيلة والتي من خلالها ستحصل على الفوز بعد ان تخضعها تحت امرتها .
مسحت على جبينها بارتجاف وهي تستمع لصوت الخطوات الثقيلة على مقربة من مكان جلوسها بغرفة المعيشة ، ليتبعها بعدها بلحظات الصوت الهادئ بنبرة مهيبة تقشعر لها الابدان
"ما هو الشيء الذي يسهر الاميرة لهذه الساعة ؟ هل هي مشاكل شخصية لا علاقة لي بها ؟"
ارتسمت الابتسامة الناعمة على محياها رغم الشحوب البادي عليها وهي تنهض عن الاريكة برشاقة هامسة بنعومة رقيقة
"لا تشغل بالك بأموري فهي لا ترقى ان تكون من مستوى وزير الداخلية والتي يعتبرها مجرد طيش مراهقين !"
تغضنت ابتسامته العملية بوقار اعتاد عليه بحكم عمله وهو يتقدم امامها عدة خطوات ، وما ان اصبح يقف بجوارها حتى حط بكفه على كتفها وهو يهمس بخفوت جاد
"ولكنها تشكل عندي فارق عندما تكون جزء من مشاكل ابنتي الوحيدة ، انتِ فقط جربيني ولن تندمي وسترين الفرق بين صورة الوزير امام باقي العالم وبين صورة الوالد امام ابنته الحبيبة والتي يخاف عليها من نفسها !"
استدارت نحوه بدون ان تفقد ابتسامتها وهي ترتفع على اطراف قدميها لتقبل خده برقة ، قبل ان تريح رأسها على كتفه وهي تطوق عنقه بذراعيها لتهمس عندها بدلال منتشي
"اعلم بأنك ستفعل اي شيء من اجلي واثق بخبرتك الابوية معي ، ولكن كما قلت انها مشاكل شخصية بحياة ابنتك الحافلة ليس من السهل البوح بها والافصاح عنها"
رفع يديه وهو يمسح على ذراعيها برفق قائلا بصوت هادئ بعمق
"هل هي مشاكل بحياتك العاطفية ؟ لذا تخجلين من البوح بها امامي !"
شددت من تطويق عنقه وهي تغمض عينيها برخاء هامسة بخفوت مغري
"يمكنك ان تقول شيء من هذا الكلام ، ولكنه يختلف تماما عن نوع المشاكل المعتادة والتي تصادفها بحياتك ، ولن يستطيع احد بمرتبة سيادتك ان يفهم تركيبه او يستطيع إيجاد حل له"
عقد حاجبيه بانحناء طفيف وهو يهمس بتفكير معاتب
"هل لهذه الدرجة مشكلتك كبيرة ولن يستطيع وزير مثلي ان يحلها والذي استلم مشاكل وقضايا على مستوى عدد الشعيرات البيضاء برأسه ؟ ام انها مجرد تبرير لكي لا تخبريني بطبيعة المشكلة يا لينا !"
زمت شفتيها بوجوم وهي تفتح عينيها ببطء لتلعب اصابعها بالشعيرات البيضاء القصيرة على ذقنه قبل ان تهمس بمواء حزين
"انا فقط لا استطيع التكلم او الافصاح يا ابي ، اشعر بالوحدة والفراغ بداخلي يقتلاني ، ولا اجد وسيلة للتخلص من هذا الشعور سوى بافتعال المشاكل واغضاب كل من حولي حتى هجرني جميع من اعرفهم ولم يتبقى لي احد ! هل انا بكل هذا السوء يا ابي ؟"
رفع يده عن ذراعها وهو يربت على رأسها ليهمس بعدها بقلق تخلل بصوته الجهوري
"ما هذا الكلام الغريب يا اميرتي ! من متى اميرة عائلة الرواشدة تشعر بالوحدة وكل من بالعالم يتمنى فقط ظفر صغير منها ؟ هل يعقل بأن يكون السبب تصرف ابن القاضي وقطع علاقته بكِ ؟......"
قاطعته بسرعة وهي تبعد رأسها عن كتفه هامسة بخفوت ممتعض
"اكيد ليس هذا السبب السخيف يا ابي ! وايضا انا التي قطعت كل صلاتي به وهجرته فقد كان شخص مزعج ولا يطاق بكل الأحوال وهو لا يتوقف عن فتح موضوع اهدافه المستقبلية بالحياة ومشروع الزواج والتحضيرات التي يفكر بالقيام بها"
تغضن جبينه بتصلب وهو يخفض ذراعيه بهدوء قائلا بتحشرج منهك
"وما هو العيب او الخطأ بكلامه يا لينا ؟ هو يفكر بحياته بجدية وبالارتباط مع الشريكة التي تليق به وتناسبه ليكّون معها عائلة وحياة ، هل تظنين بأنه سيقضي المتبقي من عمره يلعب بإضاعة الوقت بالعلاقات المؤقتة بدون اي تفكير بالمستقبل او عقبات الحاضر ؟"
عضت على طرف شفتيها بقنوط وهي تهمس بعبوس متذمر
"ولكنك قد اخبرتني بذلك من قبل واقسمت بأنك لن تدفعني للزواج من غير رضاي وستتركني ارى حياتي بنفسي واختار الشريك الذي يناسبني ويروق لي !"
اومأ برأسه بهدوء وهو يقول بصوت مهيب بقوة
"اعرف هذا جيدا ولم اخلف وعد قطعته على نفسي ، لقد كنت احاول فقط ان اذكرك بأن عمركِ يمضي ولن ينتظركِ حتى تعزمي امركِ وتقرري التحرك ، لأنكِ إذا لم تفعلي فلن يبقى لكِ احد بالعالم وستزداد بؤرة وحدتك واخاف عليكِ من الحزن حينها عندما تندمين على الوقت الذي اضعته هباءً بانتظار اللا شيء !"
احنت حدقتيها الخضراوين بعيدا بغيوم ضبابية وهي تشدد على يديها بقوة لتهمس بعدها بهدوء بالغ
"اعلم هذا يا ابي ، ولكني لست مستعدة بالوقت الحالي لأقدم على مثل هذه الخطوة الواسعة بحياتي ، واعدك عندما اشعر بالدافع الذي سيجعلني افكر بالزواج بجدية ستكون انت اول شخص يعرف بذلك"
ابتسم بهدوء وهو يربت على رأسها بحنية قائلا بصوت اجش واثق
"وانا سأكون بانتظاركِ يا اميرتي ، لذا عجلي من زواجك وطمئني قلب والدك عليكِ والذي شاخ وهو ينتظر قدوم هذه اللحظة"
اومأت برأسها بدون اي حياة وهي تشعر بيده التي سحبها ليغادر بعيدا بخطوات قوية ، قبل ان يقف بمكانه لوهلة وهو يقول بهدوء شديد
"كيف هي احوال ابن حوت الفكهاني فأنا لم اعد اراه بالجوار كثيرا ؟ هل حدث شيء بينكما ؟"
شددت اكثر على يديها وهي تهمس بجفاء بارد تلون بمقلتيها الخضراوين بتحجر
"كل شيء بخير يا ابي ، ولكنك تعلم مسؤوليات حديثي الزواج وما يتراكم من مشاكل خلفها"
اومأ برأسه بتفهم وهو يهمس ببسمة طفيفة قبل ان يغادر بعيدا
"لا بأس المهم ان يكون بصحة جيدة ، احلاما سعيدة يا اميرتي"
نظرت امامها ببرود جليدي اكتسح محياها بلحظة ، لتحيد بنظراتها بسرعة ما ان اخترق سمعها صوت رنين الهاتف من اسفل الطاولة ، لتنحني بعدها بخفة وهي تلتقط الهاتف قبل ان تجيب وهي تستقيم برشاقة
"واخيرا اجبتِ على الهاتف يا متسلطة !"
اجابها من بالطرف الآخر بنبرة متعالية بملل
"ماذا تريدين مني يا لينا ؟ ألم ينتهي ما كان بيننا من ايام ؟ ام انكِ لم تصلي لهدفك المنشود بعد !"
ردت عليها من بين اسنانها بغيظ ينطق بالنفور
"لا لم اصل لشيء للآن ؟ ولم يتحقق اي شيء مما كنا نخطط له ! وتلك الفتاة وسلاحنا الوحيد قد اختفت ولم يعد لها اثر !"
شهقت من بالطرف الآخر بصدمة وهي تتبعها بالهمس باستنكار مذهول
"كيف حدث هذا ؟ ولكننا قد جهزنا لكل شيء جيدا بخطة محكمة من المستحيل ان تفشل ! هل تفكرين بتنفيذ خطة اخرى الآن ؟"
ردت عليها بابتسامة هادئة بثقة وهي تلف خصلة شعر قصيرة حول اصابعها
"لا تقلقي فقد فكرت بخطة بالفعل ، وكل ما عليكِ فعله هو القدوم إلى المقهى الذي سأرسل لكِ اسمه برسالة نصية ، وعليكِ التواجد هناك غدا صباحا من اجل ان نتناقش بمسار خطتنا القادمة والتي لن تبوء بالفشل هذه المرة"
______________________________
كانت تفتح عينيها بنصف انغلاق وهي تنظر من خلال زجاج النافذة التي كانت تنفذ الضوء والدفء لها بهذا الوقت من الصباح الباكر ، لتطرف بعينيها بارتجاف لحظي وهي تحجب بكفها اشعة الشمس عن العينان الزرقاوين الباهتتين علها تزيل التشوش المزعج عنهما ، لتقبض بعدها على نفس الكف وهي تحيد بطرف عينيها للجالس بجوارها خلف المقود بنظرات هادئة بتركيز شديد وكأنها تنظر له لأول مرة بطريقة مختلفة عن كل المرات السابقة التي قررت النظر بها بمرور عابر يخلو من الاهتمام ، ولكنها هذه المرة كانت نظرات معبرة دقيقة بمعاني مختلفة وبدراسة مطولة بحذافيرها اقرب للتحديق الصامت اعتادت ان توجهها لكل شيء يثير اهتمامها وهو قد اصبح كذلك ، بدون ان تعلم تحديدا كيف حدث كل هذا ؟ وكيف وصلت لهذه المرحلة من مستويات اهتمام تفكيرها الباطني والذي يدير باقي انحاء جسدها ؟
تغضن جبينها بوجوم وهي تستمع للصوت الهادئ الذي وصل لها بخفوت شديد
"هل ما تزالين تشعرين بالتعب ؟ فنحن لم نحظى بالنوم جيدا !"
اخفضت جفنيها المرهقين على احداقها وهي تهمس بخفوت باهت
"ليس كثيرا"
ارتخت زاوية شفتيه بشبه ابتسامة وهو يتابع القيادة قائلا ببرود جاد
"لم اكن اريد الخروج مبكرا قبل تناول الفطور ، ولكن بما اننا على عجلة من امرنا ولا نعرف المسافة التي ستستغرق منا بطريق العودة ، فقد رأيت بأن التحرك مبكرا هو الحل الوجيه وخاصة بعد ان فتح مركز الصيانة والذي احضر لنا السيارة مع المفتاح البديل واصبح من الممكن عودتنا للمنزل"
اومأت برأسها بالإيجاب بهمهمة خافتة بدون ان تبدي اي اهتمام ، ليقول بعدها بلحظتين وهو يحيد بنظراته نحوها بمكر
"يمكنكِ تعويضها عندما نعود للمنزل والنوم بسريرك بقدر ما تشائين بدون ان يزعجك احد ، واتمنى ان يكفيكِ هذا القدر حتى حلول الليل والذي يبدأ به الوقت الخاص بنا وحدنا والذي يمنع به النوم بتاتا"
اخذت عدة لحظات استيعاب وهي تخفض كفها من امام عينيها ببطء هامسة بتهدج حانق
"يا إلهي !"
عض على طرف ابتسامته وهو يتمعن بجانب وجهها الذي غزى باحمرار واضح جديد على عينيه حتى اشعل اذنها الصغيرة بحركة استثنائية مثيرة ، عاد بنظره للأمام بابتسامة مسترخية وهو يقود بهدوء شديد بدون ان يغفل عن الطوفان المتدفق بداخله والذي لم يخمد ولو قليلا على ذكرى ليلة امس والتي توجت من اهم الليالي بحياتهما العاطفية والتي حلت كل العقد بينهما .
قطع الصمت بعدها بلحظات التي همست بهدوء غامض
"هل كان لديك اشقاء من والدتك الجينية قبل وفاتها ؟"
عقد حاجبيه بارتياب وهو يضيق عينيه بجمود لوهلة ليهمس بعدها بهدوء جاف
"اجل لدي شقيقة واحدة ولم تنجب غيرها"
فتحت عينيها ببطء لتظهر حدقتيها الزرقاوين بلون سمائي باهت وهي تتوجه نحو الجالس بجوارها ، لتهمس بعدها بصوت باهت بدون اي انفعال
"وهل تعلم كم تبلغ من العمر الآن ؟"
شدد على عجلة القيادة وهو يتمتم ببرود جليدي
"انها تصغرني بست سنوات ، يعني بين الثالث والعشرون والرابع والعشرون"
فتحت شفتيها بأنفاس قصيرة لتهمس بعدها بلحظة بخفوت اشد
"هل رأيتها بحياتك ؟"
عبست ملامحه بتشنج لا إرادي وهو يتبعها بالهمس من بين شفتيه المتصلبتين بجفاء
"لمحتها مرة بصور العائلة عند زيارتي منزلهم بعزاء والدتي فقد قضيت هناك فترة نصف ساعة وبعدها عدت للبلد"
ارتفع حاجبيها ببرود وهي تشعر بنقص بكلامه لتحاول النطق بالمزيد قبل ان يسبقها الصوت الصارم بهدوء منخفض
"توقفي عن التحقيق يا ماسة ، فقد وصلتِ للجواب بالفعل"
زمت شفتيها بوجوم وهي تهمس بلا مبالاة
"لا اعلم عن ماذا تتكلم ؟"
حاد بنظراته نحوها لوهلة قبل ان تتسع ابتسامته ببرود قائلا ببساطة
"تعجبني طريقتك بالهروب من اسئلتي ببراءة ! ونحن نعلم جيدا بأنكِ قد بحثت عن اصل عائلة تلك الفتاة بالاعتماد على ربطها باسم مونتريال واكتشاف السر بينهما ، بالرغم من تحذيراتِ الكثيرة لكِ بعدم فعلها والتوقف عن البحث وراء الماضي ، ولكن بعد كل شيء حدث اثبتِ بأنكِ حقا صعبة المراس !"
ابتسمت بنعومة وهي تريح اصابعها فوق الصندوق الفاصل بين المقعدين هامسة بمكر
"يبدو بأنك حقا تجيد قراءة الافكار ! هل تمارس نوع من التخاطر ؟"
ارتفع حاجبيه باهتمام وهو ينحدر بنظراته لأصابعها التي كانت تطرق على الصندوق بحركة وتيرة ، ليقول بعدها بابتسامة ملتوية وهو يعود بنظره للأمام
"إذاً هل استطعتِ الوصول لكل الاجوبة المبهمة بحياتك ؟ ام انه ما يزال بجعبتك المزيد من الخفايا التي تحتاج للتقصي عنها والانكشاف !"
تنفست بهدوء وهي تنظر امامها هامسة بخفوت شارد
"لقد كان كل شيء واضح ، فقط كنت احتاج لتصريحك بالأمر واخباري بالقصة على لسانك ، أليس هذا اكثر منطقية ؟"
زفر انفاسه بابتسامة هادئة وهو يضرب بطرف اصابعه على المقود قائلا بتسلية
"بعد كل ما خرج منكِ منذ الأمس فلا اعتقد بأن هناك شيء منطقي بحياتك !"
مالت ابتسامتها ببهوت للحظتين قبل ان تهمس بخفوت جاف
"هناك شيء وحيد لم استطع الوصول له ! من يكون والد الطفل ؟"
اختفت ابتسامته بجمود دام للحظات قبل ان يتمتم بصوت هادئ بعمق
"يا ليتني اعرف لكنت تخلصت من اكبر الهموم بحياتي ولما وصلنا لكل هذه المطبات !"
حركت رأسها جانبا بهدوء اكتسح محياها الباهت وهي تحرك اصابعها بعدم انتظام ، لتنتفض بعدها بارتعاش داخلي وصلها من يدها التي قبض عليها فوق الصندوق وهو يتخلل اصابعها ببطء شديد حتى احكم من قيدها ، ارتفعت زاوية شفتيها بابتسامة هادئة بانتشاء وهي تنظر له بأطراف عينيها لتمسك بها عينيه بتربص وهما يتبادلان النظر بين بعضهما خلسة وكأنهما عاشقين يخرجان بسيارة لوحدهما لأول مرة .
زفرت انفاسها باضطراب وهي تعود بنظرها للأمام بثبات ظاهري ذهب مع مهب الريح بدون ان تمنع نفسها من الاستمتاع بنبضات باطن كفه التي تخللت بكفها وهي تحقن بعروقها ودمائها باتصال خفي بينهما .
بعد عدة دقائق اخرى كانت تقف السيارة امام مدخل المنزل بعد ان تجاوزت البوابة الخارجية ، وما ان هبت بالنهوض وهي تفتح باب السيارة حتى اعادتها الكف التي ما تزال متصلة بكفها وهي تسمع صوت صاحبها وهو يهمس بجمود
"ألا تريدين توديع زوجكِ يا قليلة الأدب ؟"
عقدت حاجبيها بحدة وهي تنوي قول شيء لتتوقف بآخر لحظة وهي تهمس بدلا عن ذلك بحيرة
"ألن تدخل معي للمنزل ؟"
تنهد بتعب وهو يهمس بابتسامة جانبية بتصلب
"يا ليتني استطيع الدخول معكِ يا عزيزتي ، ولكني ملزم بالذهاب للعمل مبكرا فقد تغيبت بالأمس يوم كامل واحتاج للتعويض عنه اليوم وليس من الصحة التغيب اكثر ، ولكني اعدكِ بالعودة للمنزل مبكرا لكي لا تشعري بالوحدة بدوني"
ارتفع حاجبيها بتفكير شاحب وهي تهمس بخفوت عابس
"ولكنك متعب جدا بسبب قلة النوم والقيادة طويلا ، على الاقل ادخل للمنزل لتتناول الفطور فأنت لم تضع شيء بفمك منذ الأمس"
نظر لها بهدوء وهو يبتسم باتساع جذاب ليرفع يدها بلحظة وهو يقبل ظاهر كفها هامسا امامها بخفوت ثائر
"هل اصبحتِ تهتمين بصحتي يا ماسة ؟"
عضت على طرف شفتيها باحتقان اوهج وجنتيها وهي تشيح بوجهها جانبا هامسة بقنوط
"اجل ولما لا افعل !"
تجمدت ملامحها برعشة خاطفة ما ان احاط خدها بكفه الدافئة وهو يدير وجهها ناحيته بلحظات ، وما ان اصبحت على تقارب من وجهه حتى تلامست انوفهما وهو يهمس برفق خافت
"لا تخجلي من البوح يا ألماستي فهذه من الأمور العاطفية التي تقرب الازواج من بعضهم وتزيد من قوة التجاذب بينهم ، لذا إياكِ وان تخفيها بداخلك وحرريها كما لم يسبق ان حدث من قبل"
عضت على طرف شفتيها الدمويتين بارتجاف وهي تهمس بخفوت مرح
"هل هذه واحدة من دروسكِ العاطفية يا استاذ شادي ؟"
ارتفع حاجب واحد بحدة وهو ينحرف بعيدا عن انفها ليلامس بأنفه خدها وهو يهمس بخبث جاد
"هذا لا شيء مما هو قادم يا طالبتي النجيبة"
انفرجت شفتيها بأنفاس قصيرة بخلجات صدرها ما ان شعرت بقبلته الرقيقة على خدها المحمر وهو مستمر بتلامس انفه على بشرتها الثلجية التي ألهبها بأنفاسه ، ليتراجع بعدها للخلف بدون ان يترك التلامس بينهما ليهمس عندها امام شفتيها بجموح كاسر
"ألن تودعيني بقبلة جميلة من قبلاتك لتزيل عني بعض من تعب الطريق وقلة النوم ؟ ام ستكونين انانية وتحرميني من هذه المتعة !"
حدقت به بعينيها الواسعتين للحظتين قبل ان تلامس شفتيه بقبلة هادئة اطفئت الدمار ورتبت فوضى الاحاسيس بداخل كل منهما وكأنها تهديه برودتها المختلطة بعذوبة لا يجدها ولا يتذوقها سوى من الألماسة نفسها ، وما ان ابتعدت قليلا عنه على بعد سنتمترات حتى لامست انفه بأصبعها هامسة بتحدي لمع بسماء عينيها المتوهجتين
"هذا لا شيء مما هو قادم يا عزيزي !"
تنفس بضحكة صغيرة خرجت مثل هياج البحر على وجهها وهو يهمس بنفس النبرة المتحدية
"وكم انا متحمس لرؤية هذا يا ألماستي !"
ضربت على يده بعيدا عن وجهها وهي تتراجع للخلف لتقول بعدها بعناد حانق
"هلا تركت يدي فلن استطيع المغادرة بدونها ؟"
عقد حاجبيه بعزم وهو يشدد اكثر على مفاصل اصابعها هامسا ببرود
"وإذا لم افعل !"
زمت شفتيها بعبوس وهي تهمس بغيظ
"هيا يا شادي اريد الذهاب"
ابتسم بهدوء وهو يفلت كفها على مضض ليمسك بعدها بالمقبض بكلتا يديه ، وما ان اكملت خروجها من السيارة وهي تتمسك بحزام حقيبتها حتى التفتت للخلف بلحظة وهي تهمس بحزم جاد
"لا تنسى يا شادي حاول ان تؤكل اي شيء ما ان تصل لمكان عملك ، وإياك وان تبقى بمعدة فارغة حتى تعود للمنزل"
رفع رأسه نحوها بابتسامة شاردة وهو يتمعن بحدقتيها السماويتين بلونهما الباهت واللتين تظهران كل المشاعر المحبوسة بهما من خلال لونهما الحزين والذي يسكن الوجع بهما ، تنفس بعدها بهدوء وهو يحرك رأسه للأمام قائلا بابتسامة جانبية بمغزى
"لا تقلقي سأكون بخير ، فقط كل ما اتمناه ان تتوقفي عن حجب ألوان عينيكِ وحجز الألم والمشاعر بهما ، بل اطلقي سراحهما وحرريهما من سجنك فهما هكذا اجمل بكثير ويناسبان طبيعتك"
اومأت برأسها بصمت وهي تغلق باب السيارة من خلفها ، لتتحرك السيارة بلمح البصر بعيدا عن نظرها بعثرت خصلات شعرها امام نظرها بهياج ما يزال يقبع بخلجات روحها ونبضات قلبها ، لترفع كفها ببطء وهي تعيد الخصلات بعيدا عن وجهها المتورد وابتسامة بدأت تتألق على محياها بوجه دفة الحياة والتي غيرت مسارها .
______________________________
طرقت على باب الغرفة بيد وهي تفتح المقبض بيدها الاخرى هامسة بهدوء حذر
"روميساء هل انتِ مستيقظة ؟......"
بترت كلماتها الاخيرة ما ان وقعت نظراتها على التي كانت تقف امام طاولة الزينة وهي ترتدي ملابس الخروج كاملة ، لتحرك بعدها رأسها جانبا وهي تهمس بابتسامة هادئة
"مرحبا بالفتاة الغائبة ، اين اختفيتِ طول اليوم ؟"
عقدت حاجبيها بوجوم وهي تتقدم نحوها عدة خطوات هامسة ببرود جليدي
"لقد كنت برفقة شادي وتعطلت السيارة بمنتصف الطريق لذا اضطررنا للمبيت خارجا"
اومأت (روميساء) برأسها بتفهم وهي تعود بنظرها للأمام هامسة بخفوت مبتسم
"لا بأس بذلك يا صغيرتي ما دمت كنتِ برفقة زوجك شادي فليس هناك داعي من القلق او الخوف عليكِ"
تغضن جبينها بشرود وهي تتمسك بحزام حقيبتها هامسة ببهوت
"لماذا ؟"
كانت مشغولة بعقد شعرها على هيئة سنبلة طويلة وهي تهمس ببشاشة
"لأنه الشخص الوحيد الذي سيهتم بكِ ويخاف عليكِ اكثر من نفسه"
زمت شفتيها بصمت وهي تتمتم من بينهما بشرود
"ربما !"
انتهت من عقد نهاية السنبلة برباط مطاطي وهي تهمس بعطف
"جيد فكرة رائعة تغيير جو المكان والمبيت خارج المنزل بين الحين والآخر ! هكذا تستطيعين الخروج من جو الكآبة والترفيه عن نفسكِ المحبوسة بذلك الجو"
ابتسمت بهدوء وهي تخلع الحقيبة عن كتفها لتلقي بها على السرير هامسة بخفوت
"ليس تماما !"
امسكت بالخاتم الرقيق امامها وهي تدوره بين اصابعها شاردة بلمعان العقيق عليه بدون شعور ، ليقطع الصمت بعدها صوت التي وصلت بجانبها وهي تهمس بجمود
"هل تناولتِ دوائك على الموعد يا روميساء ؟"
ابتسمت بحنان غزى ملامحها بلحظة وهي تهمس بهدوء
"هل عدنا لدور عريفة الفصل ؟ ألم ننتهي من هذا !"
عبست ملامحها وهي تكتف ذراعيها هامسة بعزم
"اجيبِ يا روميساء !"
تنهدت بهدوء وهي تدخل الخاتم بأصبعها البنصر هامسة بصوت فاتر
"اجل تناولت الدواء ثلاث مرات باليوم وبعد الوجبات الثلاث ، هل تريدين ادلة على كلامي !"
حركت رأسها للأسفل قليلا وهي تتمتم باستياء
"وإلى اين تفكرين بالذهاب الآن ؟"
ردت عليها وهي تهمس بعفوية
"اكيد ذاهبة للعمل فهو المتنفس الوحيد الذي اخرج به من المنزل"
شددت على يديها وهي ترفع عينيها الواسعتين هامسة بقنوط حزين
"وهل ترين بأنه من الصحة الذهاب للعمل وانتِ لم تخرجي من المشفى سوى بالأمس ؟"
تجمدت ملامحها وهي تمسك بنهاية خصلات السنبلة لتلقي بها لخلف كتفها قبل ان تقول بحزم
"وهل من الصحة ترك الطلاب بدون تعليم لأيام اخرى بسبب نكسة بسيطة لم تأثر على اجزائي الحيوية ولو قليلا ؟ فلا تنسي بأن معلمة الصفوف الابتدائية تهتم بكل شيء يخص طلاب فصولها من تعليم ورعاية وانشطة وكل الاعتماد يكون فقط عليها لأنها من تسقي ثمار المستقبل وتجهزهم لحياة افضل !"
كورت شفتيها بامتعاض وهي تتمتم باستياء
"تتكلمين وكأنه ليس هناك معلمة غيرك بالمدرسة ؟ يستطيعون احضار بديلة غيركِ حتى تتماثلي للشفاء وتشعري بنفسكِ اصبحت افضل !"
انتصبت بمكانها قليلا قبل ان تستدير لها بلحظة هامسة بابتسامة حاسمة
"لأني انا التي احتاج للذهاب بشدة"
زمت شفتيها بصمت بدون كلام وكأنها اصابت هدفها بدقة وحصلت على صمتها ، لتنتفض بعدها على صوت صاحبة الملامح الحانية وهي تهمس بلطف
"لما لا تضعين عدساتك اللاصقة ؟"
انحنت حدقتيها الزرقاوين بعيدا عنها وهي تهمس بسكون
"لقد انزلقت العدسات بدون ان انتبه ولم اضعها مجددا"
اتسعت ابتسامتها بعطف وهي تمسك بكتفيها بقوة هامسة بمودة
"تبدين جميلة اليوم"
رفعت حدقتيها الواسعتين بأمواج البحر الهادئ وهي تهمس بارتجاف
"حقا !"
اومأت برأسها بالإيجاب وهي تقول بابتسامة متسعة بخبث
"ولكن ما هو سركِ يا ترى ؟ هل هو بسبب المبيت خارجا ام هناك اشياء حدثت معكِ لا اعلم عنها ؟"
ارتفع حاجبيها بدهشة غزت ملامحها باحمرار طفيف وهي تدير وجهها جانبا هامسة بارتجاف ممتعض
"ليس هناك شيء مما تفكرين به !"
ردت عليها بسرعة وهي تشدد على كتفيها هامسة بحماس
"اجل هذه هي"
نظرت لها بسرعة وهي تتمتم بغضب محترق
"روميساء كفى !"
ضحكت بمرح صادق خرج من صميم قلبها وهي تقرص خدها المدور هامسة بسعادة غامرة
"لا تخجلي يا صغيرتي ، ليس هناك داعي لتخجلي امام شقيقتك ، فأنا دائما استطيع قراءتك بسهولة بدون الحاجة للكلام او التعبير ، وانا الآن اكثر من فخورة بكِ بالتغيير الجديد والذي طرأ عليكِ اليوم"
عبست ملامحها وهي تهمس بتذمر
"اخبرتكِ بأنه لم يحدث شيء"
اومأت برأسها بابتسامة واسعة هامسة بتأكيد
"اجل اصدقكِ يا صغيرتي"
تشنجت ملامحها وهي تبعد وجهها عن يديها لتغطي خدها بكفها هامسة ببؤس
"ألم تتأخري عن العمل يا روميساء ؟"
اتسعت حدقتيها الخضراوين بتذكر وهي تتجه بسرعة للأريكة لتلتقط حقيبتها قائلة بعجلة
"يا إلهي لقد تأخرت كثيرا ! لم يتبقى لي سوى ربع ساعة لأصل بها للمدرسة !"
تنفست الصعداء وهي تراقب التي وضعت حزام الحقيبة فوق كتفها لتجري بعدها نحو الباب ، قبل ان تتوقف بهدوء لوهلة وهي تلتفت بوجهها للخلف لتهمس بعدها بلحظة بتفكير
"أليس لديكِ جامعة اليوم ؟ يمكنني ان اوصلكِ معي بطريق الذهاب"
حركت رأسها بالنفي وهي تهمس ببساطة
"لا اليوم عطلة"
ابتسمت بهدوء وهي تلوح بيدها هامسة بضحكة صغيرة بمحبة
"حسنا وداعا يا صغيرتي الخجولة ، احبك"
عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي تنظر باتجاه الباب الذي غادرت منه بعد ان اوصلتها لأقصى طاقات إحراجها حتى شعرت بالدماء على وشك الغليان بعروقها بحالة لم تصل لها من قبل ، استدارت بعدها امام المرآة التي كانت تقف عندها من لحظة وهي تحدق بمقلتيها السماويتين بحالة جمود وترقب شديد وكأنها تنظر لنفسها لأول مرة بطريقة مختلفة تماما .
قطعت التأمل مع نفسها وهي تقرص على خدها بقوة لتبعد التفكير الاخير عنها هامسة لصورتها بالمرآة بتأنيب عابس
"توقفي عن هذا يا ماسة المعتوهة ، يبدو بأنه صدق حقا عندما قال عنكِ معتوهة ليس لديك منطق بحياتك !"
ابتسمت عند هذه النقطة وكأنها تلقي نكتة على نفسها وهي تشعر بالراحة تتسرب بجزيئات روحها حتى جعلت ابتسامتها صادقة نقية لا يتخلل بها اي من الشوائب .
_____________________________
نظرت لاسم المقهى بنظرات حادة من تحت عدسات نظارتها الشمسية السوداء اخذت منها لحظتين قبل ان تدلف من الباب الزجاجي الذي يفتح آلياً على الحركة ، لتوزع بعدها نظراتها بأنحاء المكان بحذر شديد حتى التقطت بالنهاية هدفها المنشود والذي اخبرها بأنها قد وصلت للمكان الصحيح ، ارتسمت الابتسامة الثعبانية فوق شفتيها المصبوغتين بالأحمر القاني وهي تشارك المقابلة لها بنفس الابتسامة الناعمة وكأنهما تتشاركان نفس نوع الحوار ومسار التفكير والذي لا ينم سوى عن الشر المخبئ بين نظراتهما .
وقفت عند طاولتها وهي تلوح بيدها هامسة برقة ناعمة
"اعتذر على التأخير ولكني قد تهت بعنوان المقهى ! كان عليكِ تحديد العنوان بدقة اكبر"
التوت شفتيها بجمود وهي تشير بيدها امامها هامسة بخفوت آمر
"هلا جلستي بمكانكِ يا قمر ؟ فقد اضعنا الكثير من الوقت بهذا !"
حركت كتفيها ببرود وهي تجلس على الكرسي المقابل لها قبل ان ترفع النظارة عن عينيها لتحجز بها الخصلات السوداء فوق رأسها ، امسكت بعدها بقائمة مشروبات المقهى وهي تهمس بتفكير عفوي
"هل طلبتي المشروبات لنا ؟ ام اطلبها بنفسي !"
ضيقت حدقتيها الخضراوين بضيق وهي تهمس بانفعال مكبوت
"هل هذا الوقت المناسب للتفكير بالمشروبات بعد ان اخذتِ كل هذا الوقت بالمجيئ ؟"
اخفضت قائمة المقهى وهي تشير بيدها الاخرى باتجاه النادل من بعيد بغمزة وقحة من عينها ، لتهمس بعدها بابتسامة جانبية بتعالي
"عذرا يا عزيزتي ولكنني لا استطيع بدء يومي بدون كوب قهوتي الصباحية ! وبسببك قد فوتها اليوم من اجل اللحاق بالموعد بيننا وعدم التأخر عنكِ !"
امتعضت ملامحها بصمت ما ان وصل النادل عند طاولتهما لتبادر بالكلام صاحبة الابتسامة المغرية وهي تهمس بدلال
"اريد ان تحضر لي كوب قهوة سوداء ثقيلة مع كثافة متوسطة بدون اي ذرة سكر"
اومأ برأسه بطاعة وهو مسحور بابتسامتها الفاتنة والتي تجيد صبغها على شفتيها ، لينقل نظراته للفتاة الاخرى وهو يهمس لها بأدب
"وما هو طلبكِ يا آنستي ؟"
حركت عينيها الخضراوين بضجر قبل ان تسبقها المقابلة لها وهي تقول برقة متعمدة
"احضر لها كوب قهوة مثل طلبي فهي التي ستدفع ثمن كليهما ، ولكن رجاءً هلا اسرعت فأنا بحاجة لشرب كوب القهوة ؟"
اومأ برأسه بحياء وهو ما يزال يحدق بهالتها التي تجذب كل الكائنات للتمتع بالفاكهة المحرمة مثل سلاسل تقيدها بكل القلوب الملهوفة للنظر لها ، وما ان ابتعد عن نظرهما حتى كتفت الجالسة ذراعيها بقوة وهي تنظر لها بتركيز حاد هامسة بامتعاض حانق
"هلا توقفتِ عن هذا اللعب ؟ فنحن الآن هنا للنقاش بموضوع جاد لا يقبل المزاح او التهريج !"
اتسعت ابتسامتها بغرور حد التعجرف وهي ترجع ظهرها للخلف هامسة بنعومة عذبة
"لا استطيع التوقف عن هذا النوع من اللعب فهو الذي يرضي غروري ويزيد كبريائي العالي وخاصة عندما اخدع ابصار هؤلاء الرجال الضعفاء والذين ينتظرون فقط إشارة واحدة من إبهامي او ابتسامة عابرة تدفعهم ليصبحوا طوع امري وتحت قيود سحري ، وهذا اجمل شيء قد تحصل عليه بروتين يومك الممل والذي يشحن جسدك بالطاقة لتكمل تأقلمك مع البشر البغيضين ، وألا ماذا ترين يا ابنة الوزير ؟"
التوت شفتيها بشبه ابتسامة وهي تريح خدها فوق راحة كفها هامسة بسخرية باردة
"وهذا هو المتوقع من الفتاة والتي ادخلت ذلك الرجل بتهمة باطلة بقضية التحرش والاعتداء عليها فقط لتوقعه بشباكها لأنه لم يعترف بوجودها يوما !"
عبست زاوية من شفتيها بسكون وهو يقدح بعينيها بغضب هادر بدون ان تظهر اي انفعال على تقاسيم وجهها الجليدي ، لتقول بعدها بلحظة بهدوء شديد وهي تضم كفيها معا فوق سطح الطاولة بجمود
"لقد كانت مجرد عينة فاشلة من الرجال اقوياء القلوب والذين لا يرضخون بسهولة ولا يستسلمون ، وقد كان اللعب معه ممتع جدا وتغيير جديد بقوانين اللعبة ، ولكني اشعر حقا بالأسف على خسارة تلك القطعة الممتعة التي كانت تسليني بأوقات وحدتي ومللي !"
ارتفع حاجبيها بتفكير لحظي وهي تهمس بوجوم خافت
"تقصدين بأنكِ لم تحبيه يوما بعد كل ما فعلته بسبيل الحصول عليه ؟ لم اعرفكِ بكل هذا الضعف والانحطاط نتيجة رفض احدهم لك !"
شددت على قبضتيها وهي تهمس من بين اسنانها التي بدأت تبرز من بين شفتيها بأنياب حادة
"لقد كنت مستعدة لأوهبه روحي وحياتي فقط بسبيل القبول بي ، ولكن بعد كل ما حدث وجرأته على تدمير حياتي المهنية والعملية فلم يعد هناك شيء بقلبي محمول نحوه سوى الكره والحقد ، ولو جعلته يبكي امامي دماً فلن يكفيني ابدا انتقاما منه وازهاقا لروحه كما ازهقني من قبل !"
اعتلت ابتسامة راضية ملامحها الفاتنة وهي تتقدم بجلوسها قائلة بعزم جاد
"وهذه هي الروح المطلوبة اتجاه خطتنا القادمة ، وما اتينا اليوم للنقاش عنه بدون ان نغادر قبل ان ننتهي من رسم الخطوط الرئيسية بخطتنا"
نظرت لها بانتباه وهي تهمس بابتسامة مائلة بترقب
"وانا على اتم الاستعداد لتلقي اوامركِ يا ابنة الوزير ، فكل شيء يؤدي للتأثير على حياته المسالمة ولو قليلا سيكون اكثر من كافي ليطفئ الشعلة بروحي وغليلي اتجاهه"
اومأت برأسها وهي تنظر جانبا ما ان وصل النادل لهما وهو يحمل كوبين من القهوة ، ليضع بعدها الكوبين امام كل واحدة منهما بهدوء وهو يتبعها بالهمس بتهذيب
"بالهناء والشفاء يا آنساتي ، اتمنى ألا نكون قد تأخرنا عليكما"
نظرت له بنفس الابتسامة المتسعة التي عادت لتتألق على محياها وهي تلوح بيدها هامسة برقة بالغة
"شكرا لك على هذه الخدمة لن ننساها لك ابدا"
اومأ برأسه بإحراج اكبر وهو يحاول قول شيء قبل ان يستدير باستسلام يائس وهو يغادر من حيث جاء ، لتقول بعدها صاحبة الملامح الغاضبة بغيظ
"توقفي عن هذه الحركات التي يخجل المراهقين من فعلها ! من يراكِ لا يصدق بأنه سبق لكِ الزواج من قبل ؟"
قبضت على يدها وهي تخفضها لتضمها مع كفها الآخر هامسة بابتسامة حرفية
"لقد كانت تجربة زواج غير موفقة وانا سعيدة جدا بالانفصال عنه والتخلص منه ، فأحيانا توصلنا الحياة لقرارات مصيرية تدفعنا لفعل امور لا نرغب بها تكون هي الحل الافضل للجميع ، وانا اكثر من سعيدة من عودتي حرة مثل الطير الذي اطلق سراحه"
حركت رأسها ببرود وهي تلامس بأصبعها اطراف كوب القهوة الساخنة ، لتقول بعدها التي تغيرت ملامحها بلحظة للهدوء الجامد
"حسنا هل ستخبرينني بتفاصيل خطتك العظيمة والتي افسدت عليّ نهاري السعيد ؟"
رفعت كوب القهوة لشفتيها وهي تشرب منه رشفة واحدة قبل ان تخفضه بلحظة هامسة بهدوء بالغ
"لقد وجدت الشخص المناسب الذي سيساعدنا بهذه المهمة ويخرج الفأر من جحره"
تغضن جبينها بارتياب وهي تشرب من كوب قهوتها باستمتاع بلذة الصباح على انغام موسيقى الحياة برأسها ، لتهمس بعدها بلحظات بخفوت حائر
"ومن هو ذلك الشخص ؟"
اجابتها من فورها وهي تستمر بالشرب من قهوتها هامسة بزهو
"والد الطفل"
اتسعت حدقتيها السوداوين بدهشة اختفى لمعان الاغواء عنهما ، لتهمس بعدها باستيعاب عابس
"تقصدين زوجها الهارب ؟"
اومأت برأسها بهدوء ظاهري وهي تخفض الكوب هامسة بدهاء
"اجل هو بحد ذاته ومن سيكون البديل عن وفاء وهو افضل من سيساعدنا"
عقدت حاجبيها بتفكير غزى ملامحها بثانية وهي تهمس بجمود
"ولكن كيف استطعتِ الوصول له ؟ وهو قد اختفى خارج البلاد منذ ما يقارب الشهرين واكثر !"
وضعت الكوب على سطح الطاولة وهي تهمس بابتسامة هادئة بإيباء
"لقد حصلت على بعض المعلومات المفيدة من تلك الغبية قبل هروبها بجانب تواصلي مع جميع معارفه واصدقائه المقربين منه ، وعند استخدام تقنياتي الخاصة وطرائقي الناجحة استطعت الوصول للبلاد التي يستقر بها ومكان سكنه ورقم هاتفه وكل شيء يخصه اصبح بمتناول يدي ، وكل ما نحتاجه هو الخطة المحكمة التي سنرسم عليها اهدافنا وخطوطها الرئيسية على فأرنا الجديد"
كورت شفتيها بسخرية وهي تتلاعب بخصلة طويلة تمردت على نظارتها هامسة بغيظ
"هذه فائدة المراتب العالية وما ينتج عنها من اسلحة فتاكة تستطيع الوصول لما لا يقدر عليه احد ، احيانا تشعرينني بالغبطة نحوكِ بسبب ولادتك بعائلة ملوكية تمتلك الكثير من الصفات والمميزات والتي لا يمتلكها احد غيركم لتحدد المسافة بينكم وبين البشر"
ارتفع حاجب واحد ببرود وهي تهمس باستنكار
"هل نسيتِ نفسكِ يا آنسة قمر الرياض ؟ وانتِ ابنة اكبر رجل بأعمال العقارات والبيع والشراء !"
حجزت الخصلة خلف اذنها بقوة وهي تهمس بابتسامة مائلة بغموض
"وما هي الفائدة من هذه المرتبة إذا كانت مجرد صورة وهمية خلف غش وخداع من اجل ربح اموال طائلة من تعب الغير ؟ يا لها من مرتبة مرموقة تدعو للفخر والاعتزاز !"
تنهدت بجمود وهي تحرك كفها هامسة بعدم اهتمام
"هذا ليس الموضوع الذي كنا نتكلم عنه ! لذا هلا عدتي رجاءً لخط سيرنا هنا ؟"
عادت للنظر لها بجمود تلون بأحجار عينيها السوداوين لتقول بعدها بابتسامة هادئة وهي ترفع كوب قهوتها لشفتيها
"هل انتِ متأكدة بأنه هو نفسه ليس احد آخر ؟ فهذا الأمر شديد الخطورة ولا يسمح بالخطأ به !"
تجمدت ملامحها بلون بشرتها الصافية وهو تهمس بابتسامة اكثر مكرا بخفوت
"لا تقلقي فقد تأكدت جيدا بدون ان اسمح لمحل للشك بأن يلعب بنا او يفسد مخططنا !"
تنفست بهدوء وهي تخفض نظرها للسائل الساخن بكوب قهوتها هامسة بشراسة اظهرت انيابها
"هذا ما كنت آمل لسماعه منذ مدة طويلة !"
عقدت حاجبيها بترقب وهي تهمس بجدية
"هل ستكونين معي بهذه الخطة يا قمر ؟ واعدكِ بأن يكون نصيبك هذه المرة يفوق اي مرة سابقة عند نجاح الخطة !"
رفعت رأسها بإيباء وهي تهمس بنفس الابتسامة العازمة بإغواء الثعبان
"كوني على ثقة بأني سأكون معكِ بكل شيء يخص تدمير عدوي الحبيب والذي كتب نهايته على يديه"
_______________________________
وصلت للممر المؤدي للفصول وهي تسير بخطوات هادئة باتزان بدون ان تحدد الهدف الحقيقي من وجودها فقط دافع خفي هو من يجبرها على الانقياد للوصول لهذا المكان الذي يحمل جزء من شخصها وعالمها المنغلق بين المنزل والعمل ، وقد يكون السبب عائد لاعتيادها على الحياة العملية وتنقلها بين الوظائف منذ كانت بعمر الرابعة عشر حتى شعرت بها تتخلل بحياتها وتستقر هناك مثل روتين قاتل علق بذهنها وانطبع بجسدها الآلي الذي اعتاد على العمل بكل مصاعبه وعقباته بدون اي مجال للشكوى او التذمر ، فهي اكثر من يعلم عن عواقب التذمر او التكاسل عن العمل والذي يكون بمثابة عقاب قاسي غير موجود بقوانين الانسانية سيعوض عن كل سنوات العناء والشقاء بحياتها اليومية والتي تكون البؤرة السوداء والتي لا يتجرأ احد على الاقتراب منها لكي لا تبتلعه وتسحبه بعيدا عن العالم !
تنفست بإنهاك وهي تقف بمنتصف الطريق لبرهة لترفع بعدها كفها وهي تعيد بعض الخصلات الشاردة من السنبلة لخلف اذنها بهدوء ، لتقبض بعدها على يديها بقوة وهي تتذكر كلام المديرة التي اتجهت لمكتبها فور وصولها للمدرسة وهي تستقبل بها بترحاب بشوش
"اهلا وسهلا بعودتك يا روميساء ، لقد انرتِ المدرسة بعودتكِ الجميلة وحلت بشائر السعادة علينا ، اتمنى ان تكون كل اموركِ بخير واصبحتِ بصحة جيدة الآن ، ونعتذر عن عدم السؤال عنكِ فقد شغلتنا امور الحياة ونسينا الاطمئنان على صحتكِ وحالكِ"
ردت عليها المقابلة لها وهي تحرك رأسها بعلامة الهدوء
"لا بأس يا ايتها الناظرة شهيرة ، فأنا اقدر تماما ظروفكم وكل ما تمرون به من مسؤوليات بحياتكم العملية والشخصية ، واشكرك بشدة على اهتمامكِ بحالتي وتعاطفك وتغاضيك عن ايام تغيبي بعدم القدوم للعمل بالأيام الماضية ، انا حقا مدينة لكم بكل هذا ، شكرا جزيلا"
اتسعت ابتسامتها بلباقة وهي تقول بحزم جاد
"ولكني لم اتوقع عودتك بهذه السرعة بعد خروجك من المشفى البارحة ! كان عليكِ اخذ راحة اطول من هذا حتى تتأكدي من تماثلك للشفاء ، فقد وضعنا معلمة بديلة بالفعل تأخذ مكانكِ لعدة ايام حتى تعودي لنا وتشعري بنفسكِ اصبحتِ افضل"
انحنت شفتيها بحزن طفيف بدون ان تظهر اي شيء على سطح ملامحها الباردة وهي تهمس بخفوت عازم
"لا تقلقي من هذه الناحية يا ايتها الناظرة ، فأنا قد اصبحت بخير وبأفضل حال وليس هناك داعي لتغيبي عن العمل اكثر ، وانا سعيدة جدا بعودتي للعمل كما كان يجب ان يحدث فهذا المكان بالنسبة لي منزلي الآخر واحببت كثيرا العودة لأمارس هواية التعليم به ، وشكرا حقا على عرضك وتفكيركِ بصحتي هذا لطف كبير منكِ !"
اومأت برأسها باتزان وهي تهمس بتنهد مستسلم
"حسنا يا معلمة روميساء ، افعلي الذي يريحك وتجدينه مناسبا لكِ ، وهذا المكان كله قد اصبح تحت امرتك بالوقت الذي تحتاجين به للمساعدة سنكون عندها جاهزين من اجلكِ ، فأهم شيء عندنا هي صحتك وراحتك اولاً واخيراً"
اتسعت ابتسامتها بهدوء حتى تغضنت زوايا عينيها الخضراوين وهي تهمس بمحبة غامرة لم تشعر بها منذ زمن
"شكرا جزيلا لكِ ، يسرني العمل معكم ويسعدني اكثر ان اكون بينكم"
زفرت انفاسها بقوة وهي تكمل طريقها بعزم سرعان ما اختفى ما ان وقفت امام باب الفصل وهي تشعر برهبة غريبة تحاوط اطراف جسدها وكأنها معلمة مستجدة تجرب الدخول لأول مرة لعالم التعليم المتمثل بهذه الغرفة امامها ، لتأخذ بعدها نفس اطول وهي تدخل من فورها بدون اي مقدمات لتنصدم بلحظة بالمشهد امامها وهي توجه نظراتها للمعلمة البديلة التي اخذت مكانها ، ولكنه ليس ما صدمها بل شكلها وهي تصرخ على الطالب الواقف امامها وهو يتلقى التوبيخ منها وكأنها على وشك الانقضاض عليه
"يا لك من طفل قليل التربية والادب ! ألم يعلمك احد بالمنزل ان تحترم الاكبر منك سنا ؟ هل تراني املك الوقت لأعلمك الصواب من الخطأ والذي يجب ان يكون من مهمة والديك ؟ فأنا بالنهاية معلمة ولست مربية وهذه مدرسة وليست اصلاحية لأمثال الطلاب اشكالك ! عليك ان تخبر هذا الكلام لوالديك قبل ان اخبرهما بنفسي بذلك لينقلوك لمدرسة اخرى تستطيع تحمل اشكالك !"
كانت الساكنة بمكانها تحدق بالمشهد المتجسد امامها وهي تنتقل لحدث تاريخي بعيد والوقت يعود بها للوراء سنوات عديدة فلا هي نفسها ولا هذا مكانها وزمانها !...والصور تموج امامها لترى نفس الطفلة المتمردة والتي تتلقى نفس التوبيخ ذاته والأم الغاضبة التي تصرخ بها باضطهاد وغضب بدون اي مراعاة او رحمة بكلمات مؤذية عقليا ومعنويا بالنسبة لطفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها....وكل ما كانت تستطيع فعله الفتاة المراهقة هو ابعادها عن خطر تدمير مستقبلها المهني والتعليمي وحبس نفسها ببؤرة الحزن وهي بتلك السن الصغيرة المزهرة والتي ذبلت على ايدي البشر .
عادت للحاضر بثواني وهي تنظر للطفلة المتمردة والتي تبدلت بطالب بفصلها تعرفه جيدا وتحفظه من بين طلابها المميزين والذين لا يغيبون عن الذاكرة ، تشنجت ملامحها بلحظة ما ان تابعت المعلمة الغاضبة توبيخها والتي تبدو قد وصلت لأقصى طاقاتها وهي تصب جام غضبها على الطالب الساكن امامها
"هذا يكفي لقد ذقت ذرعا منك ! إذا لم تتوقف عن هذه الحركات المزعجة وتشتيت ذهني بكل دقيقة بتصرفاتك والتي تشوش على الطلبة الباقين ، فأنا عندها لن اكتفي بالتوبيخ فقط بل سأرميك بكل سرور خارج هذا الفصل لتكمل قلة ادبك بعيدا عني فأنا لست والدتك حتى اتحملك اكثر واتعامل معك بالحسنة !"
اجابها الطفل الواقف امامها لأول مرة وهو ينظر لها بجرأة
"هذا افضل بكثير من البقاء مع معلمة بغيضة مثلك"
شهقت بصدمة وهي ترفع كفها عاليا هامسة من بين اسنانها بغضب مدوي
"كيف تتجرأ على قول هذا الكلام يا وقح ؟......."
"توقفي مكانك !"
تجمدت كفها عاليا بدون ان تهبط على الطفل امامها وجميع الانظار تتجه ناحية الواقفة عند إطار الباب وصاحبة الصرخة الصارمة من لحظة ، لتقطع بعدها الصمت السائد من حولهم بصوت خطواتها وهي تتقدم امام التي ارتدت للخلف وهي تخفض كفها بسرعة ، وما ان اصبحت مقابلة لها وهي تحول الطفل خلفها وجميع طلاب الفصل ينظرون بأوسع اعينهم الصغيرة حتى قالت بلحظة بصرامة جادة وكأنها عادت لتلبس دور المعلمة المدافعة والمراهقة التي لا تقبل بالظلم
"من اعطاكِ الحق لتحاسبي طلاب فصلي وتتدخلي بشؤونهم ؟ لقد تعديتِ على حدود غيركِ وعلى وظيفته بهذا التصرف الشائن وهذا ما لا اسمح به ابدا ! فأنا عندي من يتجرأ على لمس طلابي بسوء فهو هكذا يقربني انا ويواجهني شخصياً !"
اضطربت ملامح المعلمة البديلة وهي تشير لها بارتجاف هامسة بانشداه من هول الصدمة
"ماذا تقصدين بكلامكِ ؟ ومن تكونين اساسا ؟ هل انتِ محامية لهذا الطفل ام والدته ؟"
تمسكت بالكف الصغيرة التي امتدت حول خصرها بحركة لا إرادية وهي تهمس بلحظة بابتسامة واثقة زينت طرف شفتيها
"انا روميساء الفاروق المعلمة الاصلية لهذا الفصل وانا التي ادير اموره واهتم بكل الاشياء التي تخصه وتحصل بداخله ، لذا إذا كان هناك شيء قد ارتكبه طلابي بحقك يمكنكِ ان تشكيه لي وتوجهي مشكلتكِ وكل اللوم نحوي ، ولكن إياكِ والجرأة على توجيه سخطك او غضبك نحوهم لأنهم بالنسبة لي خط احمر لا احد يتجاوزه سواي ، هل وصلتك الفكرة جيدا ؟"
ابتلعت ريقها بارتباك واضح غزى ملامحها وهي تهمس بعبوس متأسف بعد ان انقلبت صورتها الغاضبة وتبخرت بلحظة
"مرحبا بعودتك يا معلمة روميساء ، واعتذر إذا كنت قد قللت ادبي نحوكِ بأي طريقة غير مقصودة ، ولكنكِ لا تعلمين شيء عن تصرفات هذا الطالب والذي تجاوز بوقاحته بأن يتجرأ على نعت معلمة بألفاظ بذيئة !......"
قاطعتها بهدوء ظاهري اكتسح محياها بدون اي انفعال او غضب
"لا بأس انا سأتصرف بنفسي بهذا الخصوص ، ويمكنكِ ترك كل شيء تحت مسؤوليتي من الآن وصاعدا ، فقد عدت الآن وهذا يعني بأن وجودك المؤقت هنا لم يعد له داعي ويمكنكِ إقالة نفسكِ من الوظيفة والرحيل بسلام ، وشكرا على جهودك المبذولة"
عبست ملامحها بإحراج ساخط وهي تخفض رأسها قليلا هامسة باحترام مضني
"عفوا هذا واجبي وسعدت بالتعرف عليكِ ، وداعا الآن"
نظرت لها بعيون خضراء واسعة وهي تغادر لخارج الفصل بأكمله بلحظات ، وما ان تنهدت براحة استنزفت قواها بمواجهة اعادت بها روح الماضي حتى انتفضت داخليا وهي تشعر بذراعين صغيرتين تحتضنان خصرها من الخلف وهو يهمس بعدها بخفوت آسي
"لا تتركيني وحدي"
ارتفع حاجبيها ببهوت مرتجف وهي تبعد ذراعيه بلحظة لتستدير نحوه بسرعة هامسة بقلق متوجس
"سامي هل انت بخير ؟ هل اصبت بمكروه ؟"
حرك رأسه بالنفي بابتسامة صغيرة تختلف عن المعتاد وكأن المرح قد غاب عنها بلحظة غادرة ، لتعانقه بعدها لا شعوريا بغريزة الفطرة التي نمت بداخلها على حب جميع الاطفال بالتحديد والذين خلقوا بلا حول لهم ولا قوة ليتلقوا جميع انواع التعذيب والتجريح بدون اي ضمير او رحمة .
عقدت حاجبيها بشحوب ما ان قال بداخل احضانها بحزن مرير
"لما تركتنا يا معلمة روميساء ؟ لقد ظننت بأنكِ قد رحلتي بعيدا عنا ولا تريدين رؤيتنا بعد الآن ! بماذا اخطئنا معكِ حتى تعاقبينا هكذا ؟"
ابعدته بهدوء عن احضانها وهي تمسح على رأسه بحنان قبل ان تهمس بابتسامة هادئة بعطف
"لا تحزن يا صغيري ، لقد حدثت معي امور اضطرتني للتغيب عنكم بضعة ايام ولم اكن اعلم بأن كل هذا سيحدث بغيابي"
ردّ عليها بسرعة وهو يلوح بقبضته بتذمر طفولي
"ولماذا جاءت تلك المعلمة البغيضة لتأخذ مكانكِ ؟ لما لم ينتظروكِ حتى تعودي لنا بدل ان يضعوها معلمة علينا فهي لا تفلح سوى بالصراخ وألقاء الأوامر علينا ؟"
عبست ملامحها بهدوء وهي تهبط على ركبتيها لتصل لمستواه قبل ان تقول بجمود جاد بدون اي مرح
"لقد اضطرت للمجيئ لتأخذ مكاني حتى استطيع العودة لكم ، ولم اتوقع منكم ابدا ان تقللوا الأدب معها هكذا بطريقة غير مهذبة ! فهي بعد كل شيء تبقى اكبر منكم سنا ويجدر بكم احترامها مهما كانت مستوى مكانتها ! وقد خاب ظني كثيرا بكم بعد ما رأيته منكم اتجاه المعلمة البديلة !"
اخفض رأسه الصغير بعبوس وهو يقبض على يديه الصغيرتين بصمت ، لترفع بعدها رأسها باتجاه الصوت الطفولي بين الطلبة الجالسين وهي تقول بدفاع
"سامي لم يخطئ يا معلمة روميساء ، لقد كانت المعلمة تبحث عن علبة الطباشير واتهمت سامي بالسرقة بدون اي دليل فقط لأنه يملك علبة طباشير خاصة به والتي كان يكتب بها على الدرج ، وبقيت تصر بأنه الفاعل بدون ان تبحث عن السارق الحقيقي !"
اخفضت نظراتها نحو الرأس المنكس امامها وهي تهمس بهدوء آمر
"هل هذا صحيح يا سامي ؟ هل ما تقوله مارية الحقيقة ام ليس كذلك ؟"
رفع رأسه بحذر وهو يحني حاجبيه الصغيرين قائلا بوجوم متبرم
"وما لفائدة من الاجابة ؟ فلا احد سيصدقني او يستمع لي لأن الاطفال دائما إذا كذبوا كلام الكبار فتقولون طفل قليل ادب وإذا لم يفعل فسيبقى طفل قليل ادب سيء السلوك والتربية !"
غامت ملامحها بوجوم لوهلة قبل ان تمسك بكتفه وهي تهمس بصرامة اكبر
"ارفع رأسك واخبرني بالحقيقة يا سامي ، وإذا كنت حقا لم تخطئ فليس هناك داعي لتخجل من قول الحقيقة وحتى لو كان الشخص امامك يكبرك سنا ، فأنا لن امنعك عن الدفاع عن نفسك واظهار الشخص المخطئ من الصادق ، فنحن ليس ما يفصل بيننا هو عمر الولادة بل سرعة البديهة وعمر العقل ، لذا لا نقارن بين الكبير والصغير بل نقارن بين الجاهل والذكي"
نظر لها للحظات قبل ان يقول بعبوس محرج
"اجل انا لم اخطئ ولم اسرق اي طباشير وتلك التي كانت بحوزتي اشتراها لي والدي قبل ايام ، يعني انا لست السارق ولم ارتكب اي خطئ لكي تتهمني هكذا !"
تنفست بابتسامة مسترخية وهي تربت على كتفه هامسة بخفوت حنون
"لا تخجل من قول الحقيقة حتى لو كانت على قطع لسانك ، فأجمل صفات الانسان هو قول الحقيقة والصدق وعدم الكذب مهما حصل ومهما بائت الظروف ، ألم يكن هذا كلام والدك ؟"
اومأ برأسه بقوة بابتسامة عريضة عادت لتغزو ملامحه الطفولية بشقاوة ، لتقول بعدها بنبرة اخرى وهي تعبس بجمود
"ولكن لما وجهت الاتهام لك انت بالتحديد ؟ ما لذي فعلته لها حتى تجعلها بكل هذا الغضب نحوك !"
زم شفتيه بإحراج وهو يشيح بوجهه بسرعة قائلا بكذب
"لم افعل لها اي شيء هي فقط بغيضة لا تطاق ابدا ولا تحتمل !"
اجاب طفل آخر من بين الجالسين وهو يقول بضحكة عالية
"لا تصدقي كلامه يا معلمة روميساء ، فهو قد اثار غضبها كثيرا وخاصة بصوت الكتابة على الدرج وهو يخرج صوت عالي بالنحت عليه"
ادار وجهه نحوه وهو يصرخ به باحمرار غاضب
"اصمت"
تأوه بألم ما ان امسكت بطرف اذنه وهي تهمس بتحذير صارم لا يخلو من العطف
"إياك وان تتكلم هكذا مع زملائك ، وايضا ألم نقل بأنه يمنع الكذب ! ماذا الآن ؟"
قفز بمكانه بألم وهو يهمس بتوسل طفولي
"اعتذر يا معلمة روميساء ، اعدك بعدم اعادتها مجددا ، ولن ازعج احد بعد الآن وسأعامل الجميع باحترام ، هذه آخر مرة افعلها"
قربت اذنه منها وهي تهمس بها بصرامة
"آخر مرة !"
ردّ عليها بسرعة وهو يكرر الكلمة بطاعة
"اقسم لكِ آخر مرة"
حررت ابتسامة هادئة وهي تفلت اذنه هامسة بمودة
"حسنا لا بأس بهذا القدر من العقاب ، ولكن مرة اخرى إذا تكررت لن اكتفي بشد الاذن بل سأخلعها من مكانها ، هل كلامي مفهوم ؟"
حرك كفه الصغيرة بجانب رأسه بطاعة كتحية عسكرية وهو يهمس بتأهب
"حاضر يا معلمتي"
ضحكت بخفوت بدون ان تمنع نفسها وهي تفتح المجال للأطفال الآخرين ليشاركوها بالضحك بمرح تغلب عليهم بعد اجواء الشحن والشد حتى ارتفعت ضحكاتهم لعنان السماء ، ليتوقف كل شيء بلحظة خاطفة بداية بصاحبة الضحكة الأولى وهي تنظر بعينين مشدوهتين للطفل امامها والذي وقع بأحضانها من تلقاء نفسه مثل جثة هامدة بدون اي حراك فقد به المرح والحياة عن عالمها لثواني معدودة كانت الفاصل بحياتها والنقلة الزمنية بين ضجة من الضحك والفرح قبل ان تتحول لصمت تام كاتم بسواد ظلام حياتها .

نهاية الفصل.......

بحر من دموع Where stories live. Discover now