الفصل السادس عشر

105 4 3
                                    

تنفست بجمود وهي تنظر لشروق الشمس والتي تحتل السماء من زجاج النافذة بجانبها وهي تنشر دفئها ونورها بأنحاء العالم ، رفعت بعدها كفها بهدوء وهي تمسح على جفنيها الحمراوين والذين يكادان يطبقان على احداقها الزرقاء من شدة التعب والإنهاك والذي تشعر به منذ ان افاقت على هذا الشروق .
 
حادت بنظراتها بحذر للذي كان يقود السيارة بهدوء بالغ وابتسامة جانبية تعلو ملامحه الهادئة بدون ان يؤثر عليه الاستيقاظ باكرا بالرغم من انها قد سبقته بالنوم ما ان تركها بغرفتها بعد سهرهما الطويل امام مدخل المنزل ! بينما هي تشعر ببعض الصداع وتعب متخلل بأطرافها بخمول وكأن بوادر المرض قد بدأت تظهر عليها مبكرا وكله بسبب الجو البارد القاسي والذي لا يحتمل بذاك المنزل الريفي .
 
عادت بنظرها بلحظة للجالس بجانبها بهدوء وهي تتبع حركة رفع حاجبيه السوداوين بخفة مع ابتسامته الغامضة وهو يبدو يستمتع بمراقبة الطريق امامه او يعطيه اكثر انتباها مما يستحق وكأنها لوحة مفتوحة امامه لا يستطيع اي احد قراءتها او رؤيتها بتلك الطريقة سواه ! ألا إذا كان مجرد تهيؤ نسجه لها عقلها المتعب والمغيب بضباب مرضها ؟ عضت على طرف شفتيها بتأنيب وغباء بدأ يجتاح تفكيرها كثيرا بالآونة الاخيرة من مجريات سير افكارها وما وصلت لها من تدهور !
 
ادارت حدقتيها باضطراب للطريق امامها ما ان قال الجالس بجانبها بخفوت اجش وهو يقطع خيط الصمت الطويل والذي لفهما معا
"هل انتِ بخير ؟"
 
اومأت برأسها بقوة وهي تحاول تمثيل الجمود امامه ولم تعلم بأنها قد ظهرت مجرد حركة مهتزة من رأسها غير مرئية ؟ ولم تهتم بعدها إذا كان قد فهم اشارتها تلك ام لا ! ليعود بعدها للابتسام ببساطة وهو يقود بسلاسة وصمت لم يقطعه سوى صوت محرك السيارة والذي كان يدفع تلك المركبة للانطلاق بأقصى سرعة .
 
بعد مرور دقائق اخرى كانت السيارة تتوقف عند طرف الطريق قبل وصولهما للمدينة ، لتعقد بعدها حاجبيها ببطء لبرهة وهي توجه نظراتها للجالس بجانبها بوجوم هامسة بجدية عابسة
"لما توقفت هنا ؟ ما لذي ؟....."
 
قاطعها الذي كان يخرج بعض المال من جيب باب السيارة بجانبه وهو يقول بجدية
"علينا شراء بعض الملابس لكِ ، فليس من اللائق العودة للمنزل بهذه الهيئة"
 
امتعضت ملامحها بلحظة وهي تخفض نظرها لملابسها والتي اصبحت بحالة يرثى لها بعد التعديلات والتي اضافتها عليها مؤخرا وبعد ما وصلت له بسبب الوقوع بذلك المنبع والذي دمر حياتها ، حتى بهتت ألوانها بالنهاية لتختفي الحياة منها ليكون حال المشردين افضل منها بكثير .
 
رفعت عينيها نحوه بلحظة وهي تتمتم باستياء
"أليس كل هذا بسببك !"
 
حرك كتفيه بلا مبالاة وهو يستدير ليخرج من السيارة امامها قائلا بهدوء بارد
"افعلي ما شئتِ يا ماسة ، ولكن شراء ملابس جديدة لكِ قرار نهائي"
 
زمت شفتيها بحنق وهي تنظر له يدور حول السيارة بلمح البصر بعد كلماته بثقة بالغة يحسد عليها وهو يعلم بأنها ستخضع لأمره بالنهاية مهما حدث ، ليقف بعدها بجانب نافذتها وهو يقول بغرور واضح
"إذاً هل اشتري لكِ الملابس بنفسي ؟ ام تريدين اختيارها بيدك ؟ وصدقيني سيعجبك ذوقي كثيرا باختيار الملابس"
 
حدقت بوجهه للحظات وزجاج النافذة يفصل بينهما وقد اصبح اسير عينيها الشفافيتين بوضح النهار ، لتمسك بعدها بمقبض الباب وهي تدفعه بلحظة للخارج حتى ضربت ساقه بدون ان تبالي وهي تكمل خروجها من السيارة بعنف ، ليقول بعدها الذي تراجع للخلف بلحظات ما ان خرجت تلك الكتلة المجنونة
"على مهلك يا فتاة !"
 
رفعت عينيها نحوه بهدوء ما ان وقفت امامه وهي تنظر له باتساع مهتز لمحه بأحداقها القاتمة وهو يجزم بوجود رجفة بعضلة جفنيها واحمرار قاني يحتل حلقة عينيها بإنهاك تجلى على ملامحها الشاحبة بوضوح ! ليقول بعدها بلحظات بصرامة جادة وهو يعقد حاجبيه بغموض
"اعتقد بأنكِ لستِ بخير ؟ لذا من الأفضل ان تنتظري عودتي بداخل السيارة"
 
تنهدت بهدوء وهي تحرك رأسها تلقائيا وكم آلمتها تلك الحركة الخاطفة بقدر الجهد والذي تبذله لتبقى جامدة بمكانها هكذا ، همست بعدها بسرعة وهي تعيد خصلاتها السوداء لخلف اذنيها بقوة
"انا بخير ، لا تهتم بشأني بل فكر بشكل الناس وهي تستقبلنا بهذه الهيئة !"
 
رفع حاجبيه بشك لبرهة وبدون اي مرح لتسبقه من فورها المقابلة له وهي تندفع بعيدا عنه باتجاه المتجر التجاري والذي توقفوا مقابلا له ، وما هي ألا لحظات حتى شعرت بيد تمسك بذراعها قبل ان تسير بجوارها وهو ينزل بكفه ليمسك بيدها بقوة قائلا بصوت اجش حاد
"لا تسيري لوحدك بمكان لا تعرفيه وخاصة بهذه الهيئة !"
 
تنفست باضطراب وهي توجه نظراتها امامها بدون ان تهتم لكلامه الأخير وهي تستمد منه الدعم لكي تبقى ثابتة بمكانها حتى تنتهي هذه الرحلة المقيتة بشراء الملابس ، ولكن هذا لم يحدث وقد انعكس كل شيء للأسوء مع تلك النظرات المستنكرة والمذهولة والتي كانت تحوم من حولها تحديدا منذ دخولهما لهذا المكان والذي لم يكن يزدحم بالكثير من الناس بسبب موقع بناء المتجر البعيد عن الاحياء السكنية وعند اطراف المدينة ، وكم شعرت بالنفور من تلك النظرات بالرغم من اعتيادها على رؤيتها بعيون الناس ومرافقتها لها اينما ذهبت ، ولكنها اليوم كانت تشعر بالنفور نحوها اضعاف عن السابق بسبب تغير تلك النظرات والتي توجهت هذه المرة لملابسها الكارثية وهي تبدو شبيهة بالقطط المشردة ، ولولا وجود ذاك الشخص بجانبها لكانوا ظنوها من عالم المشردين والتي تبحث عن ملابس بديلة بلا شك ؟!
 
بعدها بفترة قصيرة كانت تقف امام صف من الملابس المصفوفة بجانب بعضها البعض بترتيب واناقة لم ترى لها مثيل وهي التي لم تعتد على شراء ملابسها بمثل هذه الأماكن النظيفة والفاخرة وقد كان هذا واضحا من الماركات المعلقة على قطع الملابس باهظة الثمن .
 
افاقت من افكارها على الصوت القادم من خلفها وهو يقول بنفاذ صبر
"هيا هلا اخترتِ ملابسك بسرعة اكبر ! فهذا المكان غير مريح ابدا"
 
حانت منها التفاتة للواقف من خلفها وهو يوزع نظراته بالمكان بضيق يظهر لأول على محياه وقد بدأت تلاحظ بعض النظرات من الفتيات الصغيرات بالسن موجهة نحوه وهي تمزج بين الاستنكار والذهول والإعجاب المبطن من خلفهما ! قالت بعدها بلحظات بابتسامة ساخرة وهي تعود للنظر للملابس امامها
"ربما لأنك متواجد بقسم خاص بملابس الإناث وهو غير مسموح للذكور بالتواجد به !"
 
نظر لها للحظات وهو يرفع حاجبيه ببطء حذر ليهمس بعدها بضيق ساخر
"تظنين نفسكِ بهذا الكلام ستأثرين على رجولتي وتطرديني من المكان ، ولكن صدقي انا لن اغادر من هنا قبل ان تنتهي من الذي اتينا من اجله ، ولا يهمني اصلا قبولهم لوجودي من عدمه فلا احد منهم يملك الجرأة على الاعتراض !"
 
ارتفع حاجبيها بدهشة مصطنعة وهي تتأمل قماش الملابس الحريرية قائلة باستهزاء
"اهنئك على ثقتك هذه"
 
رفع ذراعه لأعلى رأسه وهو يحرك رأسه بعيدا بتأفف واضح محاولا تجاهل نظرات الفتيات والمسلطة نحوه بضيق لم يعد يطاق ، وما ان كان سيعاود الكلام حتى سبقته التي التفتت نحوه وهي تمسك بقطع الملابس قائلة ببرود
"لقد اخترت الملابس"
 
اخفض ذراعه وهو يرفع حاجبيه بوجوم ناظرا للقميص والبنطال والذين يبدوان نسخة طبق الأصل عن الذي ترتديهما الآن ، ليعقد بعدها حاجبيه بعدم رضا وهو ينتشل الملابس منها قائلا بحزم
"هذه الملابس قبيحة ولا تناسبك ابدا ! لذا سأختار انا بنفسي ما ترتدينه بما اني زوجك وادرى بمصلحتك"
 
انفرجت شفتيها بانشداه مصدوم وهي على وشك الاعتراض قبل ان يسبقها الذي ابتعد عنها وهو يبحث بين الملابس قبل ان تقع يديه على ثوب قصير بلون الأحمر القاني ، ليرفعه بعدها امام نظرها وهو يقول بانبهار ساخر
"انظري ما اجمله ! اراهن بأنه يناسب الفتيات المتفجرات الانوثة ، وانتِ لا تختلفين عنهم سوى بذوقك السيء مثل طبعك !"
 
اتسعت عينيها بانذهال لبرهة قبل ان تنفض الثوب بعيدا عنها قائلة باستياء
"ابعده عني ، هل تظن بأني من الجنون لأرتدي هذه الأشياء ؟"
 
اخفض الثوب بذراعه وهو يضرب رأسها بيده الحرة بخفة قائلا بابتسامة جانبية
"لا تكوني سخيفة ! فأنتِ اكيد لن ترتديه الآن ، انا اقصد بأنه سيكون رائع عندما ترتدينه بعد الزواج من اجل زوجك"
 
تنفست باضطراب وهي تشعر بالدماء الحارة تتدفق بعنف بكل اوردتها حتى كادت تفجر وجنتيها والتي تلونت بحمرة قانية بلحظات شبيهة بالجمرتين ، وقبل ان تخرج ألسنتها عن السيطرة تجمدت بمكانها ما ان اخرج المقابل لها قطعة ملابس اخرى ، كانت عبارة عن فستان طويل ناعم بلون زرقة سماوية بأكمام طويلة مطرزة بالنقوش البسيطة والمائلة قليلا للون الذهبي بسبب تداخل خيوط ذهبية بتطريزها مع حزام رفيع بلون ذهبي قاتم اضاف بريقا عليه ....
 
افاقت من شرودها على صوت الواقف امامها وهو يقرب الفستان منها قائلا بابتسامة مائلة بمغزى
"هذا الفستان سيكون مناسب عليكِ اكثر من الملابس العملية والتي ترتديها دائما ، وايضا متشوق جدا لرؤيتكِ ترتدينه وسيكون تغيير جميل بحياتك ان تضيفي عليها بعض الألوان !"
 
فغرت شفتيها بأنفاس متقطعة وهي تتمتم من بينهما بوجوم
"لا لا اعتقد....."
 
قطعت كلامها بسبب الذي امسك بكتفيها وهو يديرها للأمام بلحظة قبل ان يدفعها باتجاه غرفة القياس ، ليدس الفستان بين يديها رغما عنها وهو يكمل دفعها باتجاه الغرفة قائلا بصرامة قاطعة
"لا وقت للكلام الآن فقد تأخرنا بما فيه الكفاية ، وإذا لم ترتديه بغضون خمس دقائق فسأرحل واترككِ مثل المشردة بهذا المتجر !"
 
عبست ملامحها بغضب وهي تسير على مضض لداخل الغرفة قبل ان تقفل الباب من خلفها بقوة ، ارتفع حاجبيه بامتقاع من تصرفها الغير لائق والذي جذب الأنظار إليه وهو يرد لهم بالمقابل بنظرات باردة ببساطة ويشتمها بكل ما يحمله من سخط نحوها .
 
وبعد مرور خمس دقائق كاملة كانت تخرج اخيرا من غرفة القياس والتي جعلت انظاره ترتفع نحوها تدريجيا لينكشف له شكل الثوب والذي اختلف تماما على جسد صاحبته وهو يظهر خصرها الغض مع نعومة القماش والذي نزل بسلاسة على جسدها النحيل وهو يخفي مفاتنها باحتشام ، ليصل بالنهاية لشعرها المنثور بجنون حول وجهها الشاحب وبعض الخصلات عالقة بياقة الثوب ، ومع مقلتيها المائلتين بزرقة قاتمة عكس هدوء ألوان ثوبها ليظهرها بعنفوان الفرسان بالعصور الوسطى وبرقة اميرات القصور .
 
حرك رأسه عدة مرات ليفيق من افكاره ما ان قالت المقابلة له بملل واضح
"ماذا حدث ؟ هل خاب سقف توقعاتك ؟"
 
اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يتقدم امامها بلحظات قبل ان يمسك بيدها بقوة وهو يتمتم بصوت اجش واثق
"بل قد تجاوزتِ ذلك السقف يا ألماسة"
 
ارتفع حاجبيها بوجوم قبل ان تشيح بوجهها بدون ان يلمح ابتسامتها الخفية والتي ظهرت على طرف شفتيها الحمراوين بشحوب .
 
وقف كليهما امام طاولة الحساب وهو يضع ثمن الثوب الآخر الاحمر والذي اصر على شرائه مع ثمن الثوب الذي ترتديه الآن ، اشاحت بوجهها للجانب الآخر وهي تشعر بغمامة تحتل مرأى نظرها لوهلة شتت افكارها وهي تزيد ارتجاف اطراف جسدها والذي تحول لانتفاضات عنيفة وتشنجات قبضت على انفاسها ، وما هي ألا ثواني حتى شعرت بجسدها وهو يهوي ارضا بدون ان تجد اي مقدرة للمقاومة اكثر وكل ما وجدته لتتمسك به هو ذراع الواقف بجانبها وهي تتشبث بها بكل استماتة متبقية بجسدها الضعيف .
 
انتفض وهو يدير رأسه بسرعة ما ان شعر بيدين تتشبثان بذراعه حتى اخترقت اظافرهما لحم ذراعه ! وبلمح البصر كان ينحني للجسد الجالس بجانبه وهو ما يزال يتمسك بذراعه ليرفعه بلحظة بذراعيه عاليا قبل ان يجلسه على الكرسي والذي احضره احد العمال بالمتجر والجميع قد بدأ بالتجمع من حولهما بلحظات معدودة .
 
جلس امامها وهو يجثو على ركبتيه ليرفع كأس الماء باضطراب والذي احضره عامل آخر وهو يرشق الماء بيده امام وجهها قائلا بانفعال حاد
"ماسة استيقظي ! هيا يا مجنونة استيقظي......"
 
توقف عن رشق الماء ما ان بدأت بالرمش بعينيها عدة مرات بتشوش قبل ان تتسع عينيها على استدارتهما بلحظات ، لتحدق بعدها بوجهه القريب منها بإنهاك وهي تهمس بضيق متعب ما يزال يأسرها بغمامته
"ما لذي تفعله !"
 
زفر انفاسه بلهاث متعب وهو يريح مرفقيه على ذراعيّ الكرسي وكأنه كان يخوض بسباق طويل خرج منه للتو ، ليمسك بعدها بجانب وجهها وهو يقبل صفحة جبينها لا شعوريا قبل ان يتمتم فوقها ببحة شرسة
"سحقا لكِ يا ماسة !"
 
تغضن جبينها بعدم استيعاب بدون ان تتجرأ على الكلام بعد كل ما حدث معها للآن وهي تلمح النظرات المتحلقة من حولهما والتي ازدادت مع قبلته على جبينها وكأنهما قد اصبحا عرض مفتوح لمشهد عاطفي لا يحدث كل يوم ، وهو ما دفعها للهمس بوجل وكل عضلة بجسدها تنتفض بذعر
"ابتعد يا شادي ، فهذا محرج !"
 
تنفس امام جبينها بسخونة اشعلتها بمكانها اكثر عن السابق وروحها تتقد بنيران جديدة ، ليهمس بعدها بلحظة بخفوت اجش
"ما اجملكِ يا ألماستي !"
 
عضت على طرف ابتسامتها بانفعال مستعر وهي لا تجد ما تقوله بعد تلك العبارة والتي اودت بقلبها للتخبط بنيران ملتهبة دبت بأنحاء جسدها بغير هوادة وكأنها تجلس على ألسنة من لهب مشاعرها ! لتدب الحياة فجأة بداخل جسدها الضعيف بلحظات بعد الخمول والتعب والذي احاط به قبل دقيقة فقط لينقله من السكون التام للاشتعال بأقصى درجاته .
 
وقف (شادي) بعدها بلحظات طويلة ليقطع استرسال المشاعر وهو يمد ذراعه لها بصمت ، لتتمسك بعدها بلحظات بذراعه بيديها بقوة قبل ان تدفعها للوقوف على قدميها باتزان وهي تضع كامل ثقلها عليها .
 
التفت بعدها للذي كان يقدم له الكيس والذي يحوي الثوب وهو يقول بتهذيب
"هل كل شيء على ما يرام ؟ وهل زوجتك بخير الآن ؟"
 
اومأ برأسه ببساطة وهو يتناول الكيس منه قائلا بابتسامة جانبية بثقة
"كل شيء بخير ، وشكرا جزيلا على اهتمامكم"
 
احاط بعدها كتفيها بذراعه وهو يقودها لخارج المتجر وبعيدا عن تلك النظرات والتي بدأت تنحصر بعيدا عنهما تدريجيا ، وكم شعرت بالراحة ما ان اصبحت بعيدة عنهم ولم تعد محط انظارهم والتي مقتتها كثيرا بحياتها ، ولأول مرة تشعر بالانتشاء من تلك النظرات والتي تغيرت كلياً عن السابق....وتحديدا منذ مشهد تلك القبلة .
_____________________________
اوقف السيارة امام المنزل قبل ان يخرج منها وبلمح البصر كان يدور حول السيارة ليصبح بلحظات امام الباب المجاور لمقعدها وهو يفتحه لها بهدوء ، خرجت بعدها بمساعدة يده وهو يسحبها برفق قبل ان يقفل الباب من خلفها ، ليقف بعدها بجانبها وهو يهمس بابتسامة جانبية بهدوء
"هل انتِ بخير الآن ؟"
 
اومأت برأسها بشرود ونظراتها ساهمة بالبعيد بصمت قاتم ، لتخفض بعدها نظراتها ليده الممدودة امامها قبل ان ترفع يدها البيضاء الصغيرة ببطء لتضعها براحة كفه بلحظة ليشدد عندها بقبضته عليها بقوة ، ادار بعدها بلحظة حدقتيه بعيدا عنها وهو يسحبها من يدها باتجاه مدخل المنزل بخطوات ثابتة .
 
دخل من باب المنزل وهو ما يزال يسحبها من خلفه بصمت ، ليقف بعدها كليهما بمنتصف البهو الواسع ما ان تقابلا امام الفردين المجتمعين بالمكان .
 
بادرت بقطع الصمت صاحبة الابتسامة الكبيرة والتي اندفعت بلحظات امام شقيقتها لتعانقها من فورها بين احضانها بحنان ، قبل ان تمسك بكتفيها بقوة وهي تبعدها عنها قليلا لتمسح على جانب وجهها قائلة بسعادة متناقضة عن الأجواء الغائمة من حولها
"كم انا سعيدة بعودتكِ للمنزل من جديد يا حبيبتي ، لقد اخفتني عليكِ كثيرا ! ولكني حقا ممتنة لوجود شادي معكِ واهتمامه بكِ بفترة غيابك"
 
حادت بأطراف عينيها بحذر للواقف بجانبها بصمت يراقب ما يحدث بحاجبين مرفوعين بانتباه بارد تمثيلي ، لتعود بنظرها بضيق للتي عادت للكلام وهي تتابع باستياء حازم
"ولكن ما فعلته بآخر مرة من تهور وجنون لا يغتفر ابدا ! وسعيدة جدا لأن شادي اعادكِ لعقلكِ بالنهاية......"
 
قاطعتها التي امسكت بيدها بقوة وهي تهمس بتشنج عابس
"روميساء ارجوكِ !"
 
اتسعت ابتسامتها بمحبة وهي تضحك بخفوت ويدها تمسح على رأسها بصمت شاحب وبراحة ما ان رأتها امامها بخير وسلامة بعد خروجها من المنزل غاضبة قبل يومين ، ليتدخل بعدها صوت (احمد) وهو ينقل نظراته بينهم باتزان ووقار
"حمد الله على سلامتكما لقد طال غيابكما كثيرا عنا ! وبالمرة القادمة عليكما ان تنتظرا بعد حفل زفافكما لتهربا برحلة شهر عسل جديدة من اجل ألا نغضب احد من العائلة ونقلقها اكثر ، ولكن بما انكما قد ذهبتما بها وانتهى الأمر فلا بأس برحلة اخرى"
 
ردّ عليه الذي فهم المغزى من كلامه والرسالة والتي كان يحاول ايصالها له من دون الجميع وهو يقول له بهدوء بالغ
"لا داعي للتنبيه يا احمد ، فأنا اعلم جيدا بأني لم اخطئ بما فعلته عندما اخذت زوجتي بهذه الرحلة المفاجئة ! وبخصوص خوفكم عليها فهي زوجتي واكيد ستكون بأفضل حال معي وليس مع اي احد آخر ، لذا وفروا قلقكم هذا واريحوا قلوبكم فنحن ادرى بمصلحة انفسنا قبل الجميع"
 
غيم الصمت فجأة بأنحاء القاعة بمشاعر متنافرة ظهرت على السطح وعلى ملامح وجوه الحاضرين ، ليقطعها بعدها صوت التي كانت تسير بحذائها ذو الكعب العالي على الأرض الرخامية وقد لفتت كل الأنظار لها بلحظات معدودة ، وهي تتجه مباشرة امام التي امتعضت ملامحها فورا بضيق ما ان وقفت امامها بلحظات لتلوح بذراعها جانبا وهي تتبعها بصوتها المغري قائلة بسعادة منقطعة النظير
"مبارك عقد قرانكما ، اعلم بأن مباركتي متأخرة وقد تغيبت عن موعد عقد قرانكما ، ولكن كل هذا بسببكما فأنتما لم تعطياني المجال لأبارك لكما بعد هروبكما السريع ما ان تم عقد القران بدون اي تفكير بمشاعر افراد العائلة والتي كسرتم قلوبها بفعلتكم !"
 
ارتفع حاجبيها بدهشة باردة وهي تتمعن بجسدها المكشوف نسبيا ببطء وبنظرات مشمئزة من تحت ثوبها القصير والشفاف بعض الشيء وبدون اكمام ، وهو يذكرها بنوع ذاك الثوب والذي اختاره (شادي) من اجلها ! وكم تشعر بالنفور منه اضعاف ما ان تجسد على هيئة تلك المرأة .
 
بينما كانت نظرات الواقفة بقربها شبيهة بنظرة شقيقتها تلك ، ولكن الفرق بأنها كان يطغى عليها الوجوم ممزوج بالاستياء وهو يطفو على ملامحها من منظر ثوبها الفاضح والذي سيكون لفت كل عيون الرجال لها ، ومن بينهم زوجها والذي كان يسلط عليها النظرات من جهته منذ لحظة وصولها لهم بدون ان تفهم الخيبة والتي طافت على سطح ملامحها لوهلة ! وما ان التقت نظراتها بعينيه الرماديتين بسكون لبرهة حتى اشاحتها بعيدا عنه بضيق غير مبرر وكأنها لم تعد تطيق النظر له اكثر وبعد كل ما شاهدته منه ومن زوجته الفاجرة تلك ؟
 
عادت (سلوى) للكلام وهي تنقل نظراتها بينهما ببساطة قبل ان تقول بابتسامة صغيرة بمغزى وبأطراف حدقتيها الموجهة للأخيرة
"حقا هذا شيء رومانسي جدا لا نراه كل يوم ! ان تذهبا برحلة بعيدة بدون علم احد وتعودا منها ممسكين بأيديّ بعضكما البعض مثل عصافير الحب والتي تستعد للتحليق بعد يومين فقط من عقد قرانكما ؟ ولكن لما الصدمة إذا كانت الكبيرة فعلت نفس الشيء وسحرت ذاك الرجل المتزوج ! فلا عتب إذاً على الصغيرة !"
 
اتسعت العيون الناظرة لها بانشداه صادم دام للحظات ، ليقطعها بعدها التي ارتسمت السخرية على محياها وهي تتقدم امامها هامسة بنفور واضح ونظراتها ما تزال تدور على ملابسها الفاضحة
"ليس لأنكِ لم تستطيعي المحافظة على زوجك تلقين بعيوبك على الآخرين ! وصدقيني لو كان بيدي لجعلت زوجك ذاك يتزوج مني للمرة الثالثة ، لأريكِ عندها ماذا يستطيع ان يفعل سحر الصغيرة ! وكله من اجل ان اريكِ ضعف تفكيرك والنقص الذي تعانين منه بحياتك ويحتاج للعلاج"
 
تسمرت بمكانها للحظات بفعل الصدمة وقد بدأت النيران تتأجج بمقلتيها بحرارة ما ان فهمت مقصدها وقبل ان تتكلم سبقها الصوت والذي صدح من الخلف بأمر
"سلوى ، يكفي لهنا"
 
عبست ملامحها بضيق حانق وهي تنقل نظرها بين ثلاثتهم باشتعال صامت عاد ليتقد بدواخلها بنفس الحقد ، لترفع بعدها نظراتها بإيباء وهي تنفض شعرها المتشابك للخلف قبل ان تغادر بعيدا عنهم وبنفس الطريقة والتي جاءت منها .
 
افاقت من شرودها على اليد والتي ما تزال تمسك بكفها وهو يشدد عليها بلحظة هامسا بجفاء حاد
"لقد تجاوزتِ كل توقعاتي بجنونك ! إذاً تفكرين بالزواج من احمد وتعترفين بذلك امامي ؟"
 
حادت بأطراف حدقتيها الزرقاوين نحوه بوجوم قبل ان تهمس ببرود جليدي
"فكر بما تشاء"
 
اعادت نظراتها للأمام وهي تقول بإنهاك واضح
"عذرا منكم ! ولكني احتاج للذهاب لغرفتي"
 
وما ان انهت كلماتها حتى حاولت نفض يدها بعيدا عن قبضته بتمرد اجتاح كيانها فجأة حتى افلتها اخيرا بدون ان يترك اسر نظراتها وبابتسامته المائلة المتوعدة ، لتشيح بنظراتها بعيدا عنه بلحظة وهي تكمل سيرها باتجاه السلالم وامام نظراتهم بصمت عاد ليحوم بالمكان بغمامة باردة .
 
_______________________________
دلفت للغرفة وهي تسير باهتزاز واضح تكاد تقع من تعثر قدميها وتشوش الصورة امامها وهي تشعر بالصداع يكاد يفتك برأسها وبالحرارة المشتعلة والتي دبت فجأة بكل اطراف جسدها المتشنج بانقباض حاد ، لتجلس بهدوء على طرف السرير بعد ان استبد بها التعب وهي تدلك بيديها على صدغيها بألم حارق ارهق كيانها وكأنها بداخل فوهة البركان .
 
اقتحم بعدها بلحظات خلوتها صوت التي وقفت بقربها وهي تقول بهدوء صارم
"ماسة ماذا كان هدفك من ذلك الكلام ؟ والذي قلته امام العائلة بأكملها بدون اي حياء او احترام لأحد !"
 
تنفست بتهدج وهي تزيد من الضغط بأصابع يدها قائلة بخفوت بارد
"لا تقلقي يا روميساء فقد كان مجرد كلام لرد الإهانة لا اكثر ، فأنا من المستحيل ان افكر ولو مجرد تفكير بالزواج من زوجك المصون ! لأني سأكون عندها مجنونة لو دخلت بحرب الزوجات ، وبالأساس لا يسمح بزواج الشقيقات من نفس الرجل ، وايضا يكفيني مصيبة الزواج المعلقة بها الآن !"
 
عقدت حاجبيها بقوة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها قائلة بتصلب حانق
"توقفي عن ادعاء عدم الفهم يا ماسة ، انا قصدت ما هو هدفك من قول ذلك الكلام السام وعلى مسمع من الجميع ؟ أتعلمين ماذا سيظنون بكِ الآن وخاصة زوجكِ الحالي والذي يبدو كلامكِ لم يروق له ابدا"
 
اخفضت عينيها القاتمة بصمت وهي تعلم جيدا عن ماذا تتكلم وإلى ماذا تريد ان تصل له ؟ فقد رأت بالفعل غضبه المستعر من كلامها بنظراته وبكلماته الأخيرة المهددة لها والتي كادت تحرقها حية بدون ان تبالي بها ، فيبدو بأن مهمة استفزازه قد اصبحت من هواياتها اليومية وقد يغير يوما ما رأيه بها إذا وصل غضبه منها لأقصاه لتتخلص عندها من هذا الرباط بأكمله وتعود حرة كما تريد !
 
رفعت وجهها امامها ببطء وهي تهمس بابتسامة شاردة بقتامة
"وهذا هو المطلوب يا روميساء ويبدو بأني قد اصبت هدفي هذه المرة بنجاح ، ولا تهتمي بظنونهم بنا فهذا هو المتوقع من بنات المجرم وغير هذا مهما حاولتِ ادعاء اللطف امامهم فلن يصدقكِ احد وسيكذبكِ الجميع ، لذا لا داعي لكل هذا التمثيل وكوني على طبيعتك فهذا افضل لنا من اجل حياة سعيدة بهذه العائلة"
 
ساد صمت ثقيل بينهما للحظات قبل ان تقطعه التي تقدمت لتجلس بجانبها وهي تقول بجدية هادئة
"هذا يعني بأني كنت محقة بكلامي ولم يكن الهدف من ذلك الكلام ردّ الإهانة ! بل كان من اجل ان تلعبي بأعصاب زوجك بذلك الكلام الوقح وتتحديه بجنونك والذي ليس هناك عقل رجل يتحمله ، ولو كان كلامكِ صحيح بخصوص لقب بنات المجرم لما وافق رجال العائلة بالزواج بنا ، لذا عدلي افكاركِ والتي لا تقنع احد يعرف ألاعيبك جيدا"
 
ارتفع حاجب واحد بخفة وهي ما تزال ساهمة بنظرها بالبعيد لتهمس عندها باستياء خافت
"رائع ! هل هذه طريقة جديدة بتهديدي ؟"
 
عبست ملامحها بوجوم للحظات قبل ان تزفر انفاسها بيأس ، لتلين بعدها ملامحها قليلا وهي تقول بابتسامة هادئة بحنية
"اسمعي يا ماسة ، انتِ تخطئين كثيرا بهذه التصرفات المجنونة ، فقط من اجلي ان ترضي نفسك وتحققي ما تسعين له من افكار خاطئة لن تساعدك ابدا بحياتك القادمة ، فأنتِ توهمين نفسكِ وتظنين بأنكِ ستكونين افضل بدون اي رجل بحياتك ، وهذا اكبر خطأ من الممكن ان تقترفينه بهذه الحياة والتي تحتاج لرجل ليكمل معكِ بهذا المشوار ، واي كلام آخر او معتقدات فهو مجرد كلام فارغ لا وجود له من الصحة ، والزواج من رجل يحبك هو حلم كل فتاة"
 
حركت رأسها بشرود لبرهة قبل ان تحفر ابتسامة باهتة على طرف شفتيها وهي تهمس بخفوت
"ومن قال بأنه من الضرورة العيش مع رجل لتكوني حقا انثى ؟ او انه حلم كل الفتيات بالعالم ! انا ارى بأن افكاركِ لا تختلف كثيرا عن افكار صفاء الحالمة ، لذا اوقفا انتما الاثنتان الثرثرة عن هذا الموضوع لأني قد شبعت منه واكتفيت"
 
فركت جبينها بإحباط قبل ان تعود بالنظر لها وهي تتمتم بجدية صارمة
"حسنا لن نتكلم عن هذا الموضوع حالياً ، ولكن عليكِ ان تعلمي بأنه قد حان الوقت لتعتذري من جميع افراد العائلة على ذلك الكلام الوقح ، ومن بينهم زوجة احمد سلوى والتي تكون اكبر منكِ سنا ومن واجبكِ ان تكني له ولو بعض الاحترام....."
 
ارتفع حاجبيها بلحظة وهي تلتفت بوجهها نحوها قائلة باستنكار منفعل
"ماذا قلتي ؟ تريدين مني ان اعتذر من تلك الفاجرة والتي لا تستحق حتى ان انطق باسمها ! ولا اعرف حقا ما هو الذنب والذي اقترفه احمد بحياته ليعاقب بزوجة مثلها ! لا تملك سوى تعاليها الاحمق وانفها الطويل وعمرها الذي لا يتجاوز تفكير الاطفال......"
 
قاطعتها بصرخة صارمة وهي ترفع سبابتها نحوها بتحذير
"ماسة اصمتِ"
 
زفرت انفاسها بارتجاف وهي تشيح بوجهها بعيدا عنها بعنف ، لتتابع بعدها بلحظات كلامها وهي تهمس ببعض الحياء
"ماسة اصدقيني بالقول ، هل حدث شيء بينكِ وبين شادي ؟ يعني تفهمين ما اقول !"
 
عقدت حاجبيها بوجوم لوهلة قبل ان تتسع عينيها الزرقاوين بتشنج ما ان فهمت مقصدها ! لتلتفت بعدها نحوها بلحظة هامسة باندهاش
"ما هذا الكلام الذي تقولينه يا روميساء ! هل هذا الوقت المناسب لمثل هذا الكلام ؟......"
 
قاطعتها بحدة وهي تهمس بأمر
"تكلمي يا ماسة"
 
عضت على طرف شفتيها بغضب مكتوم قبل ان تدير رأسها بعيدا عنها هامسة بعبوس
"لا لم يحدث شيء مما تفكرين به ، اريحي نفسك"
 
زفرت انفاسها بهدوء وببعض الاطمئنان على حالة شقيقتها المتخبطة فهي متأكدة بأنها ليست مستعدة لمثل هذه الخطوة الواسعة بحياتها والتي تحتاج للوقت المناسب والذي تكون به هذه المجنونة بكامل عقلها ورجاحتها ، رفعت بعدها الأخرى يدها وهي تعود لتدليك رأسها بحدة بعد ان زاد الصداع اكثر حتى اصبح لا يطاق لتقول عندها بلهاث مجهد
"ارجوكِ يا روميساء ، لا اريد التكلم ، فقد اكتفيت من كل هذا"
 
تغضن جبينها بريبة لوهلة وهي تنظر لحالتها الغريبة والتي تغيرت بلحظة ؟ لتمسك من فورها بكتفها وهي تديرها نحوها بقوة قبل ان ترفع يدها وهي تتلمس على جبينها بحذر ، انتفضت وهي تبعد يدها بقوة قبل ان تهمس بعبوس متوجس
"حرارتكِ مرتفعة جدا يا ماسة !"
 
لم تجيبها التي كانت تلهث بتعب وسخونة شملت كل جسدها لتصل لروحها والتي تحولت بلحظة لجمر مشتعل يكاد يحرق احشاءها وكل ما تصله ألسنتها ، ولم تشعر بالتي نهضت من مكانها لتعبث بالأدراج بجانب سريرها وهي تتمتم بسخط منفعل عادة ما ينتابها عندما يهمل احدهم بالتصرف بحياته
"يا لكِ من حمقاء يا ماسة ، لا تهتمين بنفسكِ جيدا بالرغم من التنبيهات والتحذيرات والتي امطرها عليكِ دائما بخصوص صحتك ، ولكني دائما وكأني اكلم نفسي"
 
رفعت حدقتيها الزرقاوين باهتزاز والتي تشوشت بهما الرؤية باتجاه التي قدمت امامها قرص الدواء مع كأس الماء ، لترفع بعدها يدها بارتجاف وهي تلتقط قرص الدواء قبل ان تضعه بفمها ليتبعها بشرب كأس الماء من فورها على دفعات ، بينما التقطت منها المقابلة لها كأس الماء لتعيده لمكانه فوق المنضدة .
 
التفتت بعدها باتجاه التي ما تزال تلهث بتعب وبعض قطرات العرق بدأت تغزو جبينها الأبيض بوضوح ، لتتقدم بعدها امامها بصمت قبل ان ترفع يدها وهي تبعد خصلات شعرها الملتصقة بوجهها من العرق وبعض منها عالق بداخل ياقة الفستان ، لتجمع عندها كل خصلاته معا قبل ان تعقدها فوق رأسها بكتلة مستديرة وهي تلفهم بإحكام بخصلة من شعرها بحرص .
 
امسكت بذراعها برفق وهي توقفها معها لتسحبها باتجاه الحمام الملحق ، وما ان وصلت امام الحوض حتى ادارت لها صنبور الماء بقوة ليتدفق عندها بعنف ، قبل ان تحني بلحظة رأس الواقفة بجانبها برفق تحت الماء ليتدفق عندها بثواني على كامل رأسها وشعرها بانسياب .
 
بعد لحظات كانت تسحبها باتجاه السرير قبل ان تجلسها امامها والأخرى تسير معها بخنوع تام بدون اي اعتراض ، لتقول بعدها بنبرة عتاب من كانت تمسح قطرات الماء عن وجهها بالمنشفة بحرص بالغ
"لقد اخبرتكِ ان تنتبهي ألا ترتفع حرارتك اكثر مما ينبغي ، أنسيتِ ماذا حدث بآخر مرة ارتفعت بها حرارتك......"
 
قاطعتها من نطقت اخيرا وهي ترفع حدقتيها الدامعة بقطرات الماء قائلة بارتجاف احتل اطرافها
"هذا لأن الجو قد تغير عليّ يا روميساء ، لا داعي لتضخيم الأمر هكذا"
 
اخفضت المنشفة للأسفل وهي ترفع اصابعها امام عينيها بحذر ، لتنزع من فورها العدسات عنهما على مسمع اعتراضها وهي تهمس بامتعاض متمسكة بذراعيها بتشبث
"روميساء لا تفعلي......"
 
قاطعتها من نفضت ذراعيها للأسفل بعيدا عنها وهي تتجه صوب المنضدة لتضع العدسات بعلبتهما الخاصة بحذر قائلة
"ولا كلمة يا ماسة ، لن تستطيعي النوم براحة وهؤلاء بعينيكِ ، وعندما تتحسن حالتكِ قليلا ، يمكنكِ عندها وضعهما"
 
رفعت يدها وهي تعيد خصلاتها المبتلة للخلف هامسة بنشيج منخفض طغى على صوتها
"ولكن ما علاقة العدسات بمرضي ؟ هل هما السبب بارتفاع الحرارة !"
 
وقفت امامها وهي تلوح بسبابتها قائلة بصرامة قاطعة بقسوة نبضت بعينيها الخضراوين
"اصمتِ يا ماسة واسمعي الكلام ، والآن ارتاحي وانا سأذهب لأحضر لكِ الطعام المغذي ، ثواني واعود ، إياكِ والتصرف بحماقة بغيابي وألا ستندمين"
 
عضت على طرف شفتيها بكبت وهي تدير حدقتيها الزرقاوين بعيدا عنها هامسة بتذمر
"هذه قسوة بالغة منكِ !"
 
ابتسمت بحنان عاد ليغزو ملامحها الشاحبة بلحظة وهي تسير بعيدا عنها باتجاه باب الغرفة ، قبل ان تتوقف قليلا وهي تلتفت بنصف وجهها قائلة بعطف رقيق
"لقد اعجبني كثيرا الفستان الذي ترتدينه ، انه يجعلكِ مبهجة اكثر من السابق"
 
همست بخواء بدون ان تنظر لها
"وهل هذا شيء رائع ؟"
 
ادارت وجهها للأمام وهي تتابع السير قائلة بثقة
"اكيد فهو بحد ذاته تقدم !"
 
التفتت بوجهها ببطء نحو الباب والذي خرجت منه الأخرى ، لتتنهد بعدها بلهاث خفت عن السابق وبنار انطفئت بعض الشيء بخلجات روحها لتتبدل ببعض البرودة ، قبل ان تستلقي برفق على السرير من خلفها وحدقتيها الزرقاوين السماويتين بلونهما الطبيعي شاخصتين بالسقف من فوقها بسكون تام ، لتنخفض بعدها تدريجيا اجفانها على كل من احداقها المتسعة حتى انغلقت بالكامل بين ضباب عالمها ودموعها والتي اظلمت عليها الرؤية حتى انحصرت بداخل روحها وبداخل خلجات قلبها إلى ما لا نهاية ....
 
_____________________________
كانت تلهث بتتابع وهي تتلوى بمكانها كل دقيقة بدون توقف وشفتيها ترتجفان بهذيان غيم على احلامها بلحظة وهي تدخل بغمامتها السوداء والتي لا يتواجد بها سوى معاناة طفلة على اعتاب المراهقة قضت الحياة على آخر امل بها وسعادة دفنت بين الأنقاض مع الذكريات المنسية ، ليبدأ يحوم من حولها وهو يقتحم عالمها رغم مقاومتها المستميتة وغيوم من الأدخنة تأسر ضباب عقلها وتشكل قضبان حياتها ، وثرثرة مزعجة مقيتة مع أنفاس كريهة ما تزال تخترق اذنها وكأنها قربها تماما لا يفصلها شيء عنها وكلمات متداخلة لا تستطيع التبين منها سوى القليل وما حفظته عن ظهر قلب بدون ان تستطيع نسيانه وبعد ان حفر بهوة حياتها
 
(تعالي يا جميلتي لكي نمرح معا قليلا ولن يعلم احد بذلك !)
 
(انتِ اجمل من رأت عينيّ ، ولن ارى بمثل هذا الجمال الشبيه بالقمر المكتمل !)
 
(ما رأيكِ ان اعلمك القليل عن عملنا وصدقيني سيعجبكِ كثيرا ؟)
 
(انا اعدكِ بأنني سأحولكِ لملكة متوجة ولكن حينما ترضيني بما اريد وتقدمي لي مكسب مشبع ، وهذا يعتمد عليكِ يا جميلتي ، وصدقيني كل شيء وله ثمن وبحسب العطاء الذي تقدمينه وبالمقابل انتِ الرابحة بالنهاية !)
 
(إياكِ وان تخبري العم قيس بشيء فهذا سيبقى سر صغير بيننا !)
 
انقبضت روحها بتلك الهوة مجددا وما ان تسمع تلك الكلمات النافرة والخارجة من عدة رجال ومن اقبح المخلوقات على وجه الأرض ومن صادفتهم كثيرا بحياتها ، لتعود لذكرياتها الغائمة وما يتبعه دائما بعد تلك الكلمات وهي توجه لهم حقدها الدفين نحو ذاك النوع من الذكور بأن تخرج لهم ابشع صفاتها وهي محاولة قتلهم بدون اي تردد بأي اداة حادة قبل ان يحاولوا النيل منها ، وما ان تفعل حتى يتراجعوا عن مسعاهم مخافة من جنونها وما سيحول حالهم من شرورها والذي لا يتضمن اي تراجع ، وما يكبح جنونها دائما وقبل ان تصل لنقطة قتلهم على يديها هو ذلك الصوت القاسي والذي يتبعه بقبضة حديدية وهي تمسك بذراعها بعنف
"توقفي يا مجنونة ، واتركي هذا الجنون عنكِ !"
 
وعندما تزيد مقاومتها له بكل قواها وهي تحاول خدشه بأظافرها واسنانها بحالة من الجنون الغير محدود والذي اطلق سراحه حتى يوقفها عندها بصفعة مدوية تزين جانب وجهها بقسوة لتجمدها بمكانها للحظات ، وما ان تستكين عن الحركة تماما حتى يسحبها من فوره بذراعها بقسوة قبل ان يلقي بها بداخل غرفتها بعنف مثل الدمية ، وهو يتمتم بتحذير خطير غير مبالي بالتأوه والذي خرج منها بقوة دفعه لها والتي سببت الكدمات بجسدها
"إياكِ وان تخرجي من الغرفة قبل ان تتعقلي وتكفي عن هذا الجنون ، فأنا لا ينقصني ان تعيش معي قاتلة بمنزلي ، ومرة أخرى إياكِ وان تقتربي من احد منهم ، هل فهمتِ ؟"
 
ليخرج عندها صوتها الخاوي بتأوه متألم بارتجاف طغى على جسدها النحيل
"هو الذي بدأ اولاً وحاول التقرب مني"
 
لم تسمع بعدها سوى صوت صفق الباب من خلفه وهو يقفله بقوة بالمفتاح ، وانفاسها ما تزال تخرج ببرودة خاوية وبلهاث مهتز اتعب خفقات صدرها وهو يحتل جنبات روحها وبجسدها الصغير والذي لم يتجاوز عمر الرابعة عشرة بعد ، ولكن الجيد بأنها ستبقى محبوسة بهذا المكان لفترة لا تعلم كم ستدوم وبعيدا عن كل الأنفس الكريهة والتي عليها تحملها طيلة حياتها القادمة ؟ وكم تود لو تقترب نهايتها بسرعة نبضاتها وتكون بين هذه الجدران قبل ان يعلن عن تحرير سراحها من جديد لتعود لمعاناة جديدة مع تلك المخلوقات الذكورية والتي تتربص لها بكل مكان .
 
عادت للتلوي بمكانها بحدة وبسخونة اشتعلت بكل جوانبها دفعة واحدة وهذه المرة مع شهيق منتفض ما ان عادت بذاكرتها لذلك اليوم المشؤوم قبل ست سنوات مضت والذي ارتفعت به حرارتها لأقصى درجاتها بعد ان نامت ليلتها بأرض المطبخ الباردة فاقدة الوعي عندما كانت تداوم بأعمالها اليومية المسائية ، وما تزال تذكر صوت شقيقتها المرتعب بعد عودتها للمنزل وهي تحاول افاقتها بشتى الطرق ، صارخة بهلع وهي تستنجد بالشخص الوحيد الموجود بحياتهما
"ارجوك يا عمي قيس افعل شيئاً ! حرارتها مرتفعة جدا وكأنها جمر مشتعل ، وهي حتى لا تستجيب لأي مناداة وقد حاولت كثيرا !......"
 
قاطعها ذلك الصوت البارد وهو يقول بنفاذ صبر بدون اي رأفة
"اصمتِ يا روميساء ، وخذي شقيقتك لغرفتها وبردي جسدها بالماء البارد قد تستعيد عندها وعيها"
 
ارتجفت وهي تتمتم باضطراب متلعثم
"ولكن ماذا عن الطبيب ؟ انها تحتاج للطبيب حالاً !....."
 
عاد لمقاطعتها بحدة صارخة وهو يلوح بذراعه بأمر
"وهل ترينني طبيب يا حمقاء ؟ اذهبي واتصلي برقم الطبيب ليأتي ويرى حالتها ! هيا تحركي"
 
لم تسمع بعدها سوى همسة خافتة من التي غادرت بعيدا عنها بلحظة
"حاضر"
 
بعدها بدقائق طويلة شعرت بها دهور وبعد ان ظنت بأن نهايتها وشيكة لا محالة كانت تشعر بتدفق الماء البارد مثل الحجارة الصغيرة يتساقط على جسدها بالكامل ، وهو يعيد خيوط ذهنها الضائعة بتشتت لمكانها وبشعور بالحياة والتي دبت بأعماق روحها الخاوية فجأة والذي جعلها تستعيد روحها الهاربة منها شبيهة بمعجزة خلقية !
 
ولكن ما لم تستطع استعادته بعد تماثلها للشفاء هو النطق والذي خسرته بسبب الحرارة العالية والذي اتلف احبالها الصوتية بدون رجعة ، وكم عانت كثيرا بتلك الفترة الوجيزة والتي جعلتها تلقب من بين مئة لقب (بالخرساء) ، وحتى بعد تلك الفترة وعودة سلامة نطقها كما كان فما تزال تعاني بالصمت التام بحياتها علمتها بأن النطق غير مهم بالحياة إذا لم يكن هناك احد ليسمعك ، والثرثرة الكثيرة لا فائدة منها إذا لم يكن هناك امر شيق تثرثر به ، لتحبس كل كلام العالم بداخل روحها المحجوزة بقضبان صنعتها بنفسها وبمنطق واقعها والذي تعايشت معه منذ الأزل .
______________________________
كانت تأن بصوت مسموع وهو يرتفع تدريجيا مع خفقات صدرها المتخبطة بتقافز مثل ارنب مذعور ، وقد تغضنت تقاسيم وجهها بضيق واضح مع العرق والذي كان يتصبب فوق اغلب ملامحها ، وجسدها مشدود بأقصى انقباض وكأنها على وشك الاختناق ولا سبيل للنجاة بينما قبضتيها تتشبثان لا إراديا بملاءة السرير بجانبيها بكل قوة ، وماهي ألا لحظات فقط حتى انتفض الجسد المشدود جالسا بمكانه بقوة وصاحبته تتنفس بشهيق وزفير حاد بعنف وهي تشعر بقلبها يكاد يقفز من مكانه من شدة نبضاته .
 
رفعت بعدها يديها وهي تمسح على خديها بقوة مبعدة خصلات شعرها الحريرية لخلف اذنيها بصمت ، لتلعق بعدها طرف شفتيها بتشنج ما يزال يحتل اطرافها وهي تشعر بخفوت ضرب خفقات قلبها لصدرها وهي تعود لسكونها الطبيعي بلحظات .
 
اخذت عدة انفاس بحذر وهي تتنقل بنظرها بالغرفة بارتباك متوجس ، لتخفض بعدها نظراتها لقميص بيجامتها القطنية والتي التصقت بجسدها بتعرق لم يحدث معها من قبل وخاصة ببرودة الغرفة المتواجدة بها والتي تستطيع تجميد محتويات الثلاجة !
 
همست بعدها وهي ترفع نظراتها العسلية بوجوم حزين
"كيف حدث معي هذا ؟ ومن اين اتيت تلك الكوابيس !"
 
زفرت انفاسها بهدوء لبرهة وهي تمسد على جانب ذراعها برفق ، لتلتفت من فورها باتجاه النافذة ما ان سمعت صوت احتكاك احدهم بزجاجها مخترقا هالة السكون والتي تحوم من حولها بصوت مزعج ، لتتنفس بعدها براحة ما ان اكتشفت وجود نفس القطة والتي قدمت لها الطعام من قبل وهي تزورها كل ليلة بغرفتها بدون ان تعلم سبب اصرارها على المجيئ إلى نافذتها تحديدا بكل ليلة ؟
 
افاقت من شرودها ما ان عادت القطة لإصدار تلك الضوضاء باحتكاك اظافرها بزجاج النافذة وكأنها تطلب منها الإذن بالدخول ، وبدون ان تشعر بنفسها كانت تبتسم برقة تفتحت معها ملامحها بابتهاج وهي تنهض عن سريرها بلحظة قبل ان تتجه من فورها للنافذة بهدوء ، لتفتح بعدها نصف زجاجها والجهة المقابلة لها قبل ان تتناول طبق الطعام من المنضدة بجانبها لتضعه امام القطة والتي بدأت بالهجوم على الطعام بشهية دائما ما تقابلها بها وكأنها لم تتناول الطعام منذ سنوات !
 
كتفت ذراعيها امام صدرها وهي تسند جانب كتفها على إطار النافذة ونسمات الهواء الباردة تتلاعب بخصلات شعرها البنية والتي كانت تتقلب بشقرة فاتحة مع ضوء القمر المنير بالسماء ، وابتسامة حالمة عادت لتعتلي محياها بجمال القمر المستدير وهي تحوم بخيالاتها البعيدة عن واقعها .
 
حادت بنظراتها بريبة باتجاه حديقة المنزل والتي كان يظهر منها خيال واضح لأحدهم بدون ان تتبين هويته ؟ لتعقد بعدها حاجبيها بقلق وهي تفكر بالذي سيتجرأ على الدخول للحديقة بهذا الوقت المتأخر من الليل ؟ ألا إذا كان مشرد يبحث عن مأوى بهذا الجو البارد !
 
عزمت امرها وهي تستدير لتتجه مباشرة لخارج الغرفة بأكملها بلحظات ، تجاوزت بعدها البهو الواسع وهي تسير على اطراف اصابعها بصمت قبل ان تصل لباب المنزل .
 
خرجت بخطوات بدأت بالتباطء تدريجيا قبل ان تقف بمنتصف الحديقة بتجمد شل حركتها للحظات ، وهي تلمح الواقف امامها يستند بسياج الحديقة ودخان السيجارة يحوم من حوله وهو ينفث بسيجارته والتي كان يلوح بها بين اصابعه بلا مبالاة وملامحه لا تعبر عن شيء سوى عن البرود المنتشر بالمكان !
 
ابتلعت ريقها برهبة وهي تهمس بابتسامة مرتبكة
"هل هذا انت يا جواد ؟"
 
عضت على طرف شفتيها بألم من غباء سؤالها ، ليجيب بعدها بلحظات من فقدت الأمل بالإجابة منه وهو يقول بهدوء بالغ
"لما ما تزالين مستيقظة ؟ وكيف تخرجين من المنزل وحدكِ بهذا الوقت !"
 
ضمت قبضتيها معا بارتباك وهي تخفض نظراتها لشتلات الأعشاب الندية تحت قدميها العاريتين قبل ان تهمس بخفوت شديد
"لقد ايقظني كابوس ازعج منامي وقد كان......"
 
قاطعها بجفاء وهو يتابع نفث دخان السيجارة بقوة
"لم اسألكِ عن الكابوس ، بل عن سبب خروجكِ من المنزل بهذا الوقت ؟"
 
شددت من القبض على يديها تلقائياً متناسية ألمها والذي كان يغور بروحها وهي تهمس بتصلب باهت
"لقد كنت اريد استكشاف هوية الموجود بالحديقة فقد لمحت ظل احدهم من نافذة غرفتي ، لذا اردت معرفة الموجود هناك"
 
اومأ برأسه بشرود لوهلة قبل ان يهمس بحدة وبدون ان يوجه لها اي نظرة
"إياكِ واعادتها مجددا يا صفاء ، لأني إذا عرفت ولو بالصدفة بأنكِ قد خرجتِ بمنتصف الليل لمحاولة نبش فضولك الأحمق ! فأنا عندها لن اتهاون معكِ وتوقعي مني اي عقاب لكي تتعلمي كبح فضولك مرة اخرى"
 
تشنجت ملامحها بصمت وهي تتلوى بمكانها حتى شعرت بأصابع قدميها تحفران بتربة الحديقة بقوة بدون ان تمنع نفسها من التفكير بسوء فعلتها والتي لا تقارن بسوء اسلوبه معها والذي لا يتحمله بشر ؟ وهو يحاول زيادة جبروته عليها وإحاطة حياتها بكل انواع التحكم والعبودية ، لا لشيء سوى لأثبات قوته عليها وكرهاً لهذا الرباط المؤقت وهو يدمر بقايا احلام تمزقت على اعتاب هذه الحياة !
 
رفعت عينيها العسليتين بدموع حبيسة وهي تشاهد الساكن بمكانه والذي ما يزال ينفث بدخان سيجارته بلا مبالاة وهو لا يعيرها اي انتباه بعد ان غرز قسوته بداخلها مغلف بتهديده البارد الأخير ، وهي لا تعلم ايهما اشد برودا ذلك الساكن ام الهواء البارد من حولهما ؟
 
تراجعت بخطواتها ببطء وهي تنوي الرحيل قبل ان يكمل بث سمومه بزوايا روحها المنتفضة ، وهي ترى بأن العيش بذلك الكابوس افضل بكثير من مواجهته واقع متجسد امامها !
 
تصلبت بمكانها بتسمر ما ان خطت خطوتين بعيدا عنه وهو يقول من خلفها بقوة قصفت ظهرها من الخلف
"توقفي !"
 
عضت على طرف شفتيها بوجل وهي تدور بمقلتيها بالمكان بقلق منتظرة مصيرها الحالك مع قسوته وما سيتبع كلامه الآن ! ليحدث عكس ما توقعته وهو يكمل كلامه بحدة اخفت
"انتبهي ! لقد كدتِ تدوسين على الزهرة تحت قدميكِ"
 
انفرجت شفتيها بارتعاش مشدوه وهي تخفض نظراتها بحذر للزهرة المزروعة امامها لا تبعد عنها سوى خطوتين بدون ان تنتبه لوجودها الغريب والبعيد عن مجموعة الأزهار الأخرى ؟ وقبل ان تفيق من هول الصدمة عاد للكلام الذي تحرك قليلا بعيدا عن الجدار بجمود
"هذه الزهرة اختارت ان تنبت بغير مكانها ، ولم تعلم بأن هناك اقدام ستدوس عليها بسبب موقعها الخاطئ بدون ان تقترف اي ذنب سوى بأنها حاولت النمو بمكان مختلف وجديد ، ولكن لا احد قدر محاولتها وهي تقابل بالرفض"
 
حركت رأسها لوهلة بعدم فهم مشوش باتجاه الذي وقف بجانبها تماما ! ليلقي بعدها بالسيجارة ارضا وهو يدوس عليها بقوة امام انظارها المهتزة ، ليتابع كلامه بلحظة بقسوة زادت مع صلابة ملامحه بظلمة المكان من حولهما
"الجميع كانوا يلومونها لأنها اختارت هذا المكان متناسيين المذنبون الحقيقيون والذين داسوا عليها بدون رحمة وهمّ يدعون البراءة وعدم رؤيتها ! ولم يفكر احد بتلك الزهرة الصغيرة والتي ماتت بمحيط قاسي لا يفكر سوى بمصلحة نفسه فقط"
 
كانت تراقب بانشداه مصدوم للذي توقف عن الكلام بتصلب وهو يتنفس بكبت ، ليسير بعدها بلحظات باتجاه باب المنزل وبعيدا عنها وبدون ان يضيف اي كلمة اخرى ، وهو يتجاهل وجود تلك المتخبطة بأفكارها والتي ألقاها بدوامتها من جديد وبصراع شبيه بذلك الكابوس والذي ما يزال يلاحق مخيلتها بصوت نداء احدهم يستنجد بها بدون ان تستطيع مساعدته ولا مساعدة نفسها ! فما معنى هذا ؟
 
_________________________________
تشنجت ملامحها لوهلة قبل ان تنتفض من نومها فجأة شاهقة بارتجاف سرى بكل إنحاء جسدها بثواني وهي تحدق باتساع عينيها بالسقف المظلم من فوقها بصمت تام ، لترتخي بعدها بلحظات اطرافها ببطء قبل ان تستكين براحة وقد هدئ القليل من تخبطات نبضات قلبها مع انقباض روحها والذي خفت عن السابق ليعود عندها لوضعه الطبيعي .
 
مرت لحظات اخرى وهي ما تزال على سكونها وعينيها ساهمتين بلا شيء ، لترفع بعدها كفها وهي تمسح بها على وجنتيها الدامعتين وهي لا تعلم متى نزلت دموعها بالضبط ؟ قبل ان تحاول النهوض بضعف ما يزال تأثيره على عضلات جسدها الهشة مثل جرعة سامة تحتاج لأيام ليختفي مفعولها عن جنبات روحها بدون ان يزول بقايا آثارها والتي ستلازم حياتها للأيام قادمة .
 
استندت بذراعيها وهي تحاول الجلوس بصعوبة لتتسمر لوهلة بمكانها ما ان وقعت الكمادة عن جبينها والتي لم تنتبه لوجودها ! لترفع بعدها يدها بحذر وهي تلتقط الكمادة الباردة والتي كانت تحافظ على اعتدال حرارتها ، قبل ان تحيد بنظراتها جانبا لتتسع عندها عينيها بصدمة ما ان وقعت على النائمة بجانبها بنصف استلقاء وهي تريح رأسها لظهر السرير بسبات تام ، ويحط بجانبها وعاء من الماء المثلج والذي سيكون السبب ببرودة الكمادة وهو الذي تستخدمه بوضع الكمادة بداخل الوعاء كل خمس دقائق لتخفض من حرارتها وتبقى على جبينها باردة لتناقض حرارة جسدها المرتفعة .
 
تنهدت بهدوء وهي تستند جالسة بظهر السرير بتعب ، لتتأمل بعدها الكمادة بيدها وذاكرتها تعود لتلك الحادثة ولنفس الموقف والذي تعايشه الآن عندما اصيبت بتلك الحرارة اللعينة والتي ادت لفقدانها النطق لأيام ، لتلازمها (روميساء) ليل نهار لتأمن احتياجاتها وتخفض حرارتها وهي تضطر لترك عملها بمحل البقالة والدراسة لأيام معدودة ، وحتى انها ما تزال تذكر اعتراض زوج والدتها للأمر وهي ترجوه بكل ما تستطيع من توسل وشفقة على حالهما والذي دائما ما ينحدر للأسوء
"ارجوك يا عمي قيس اتركني اساعد ماسة فهي الآن بحاجة شديدة لمن يلازمها ويساعدها بكل احتياجاتها ، فقط فترة قصيرة من الزمن وبعدها اعود للعمل ، واعدك بأن اعوض غيابي عن العمل بأضعاف جهدي....."
 
قاطعها بنبرة صلبة بدون ان يهتز لنبرتها المتوسلة
"هل جننتِ يا روميساء ! تريدين ترك العمل لملازمة تلك الخرساء فهي بالنهاية لم تصاب بالعجز او بالكسر سوى بفقدان صوتها المزعج ، وهذا لا يشكل عندي اي فارق لكي تتوقفي عن العمل ، ولا تنسي بأن سكنكما عندي له ثمن فهذا ليس فندقا لترتاحا به بالوقت الذي تشاءان ، وعليكما دفعه مضاعفا مع كل مستلزمات الحياة والتي اوفرها لكما بسخاء"
 
ارتجف صوتها اكثر وهي تتمسك بساقه بتشبث بعد ان جثت امامه على ركبتيها هامسة بنحيب ورجاء
"اتوسل لك يا عمي قيس ، ان تسمح لي بالبقاء مع ماسة بهذه الفترة بالذات فقط ، واعدك بأن ارد لك ثمنها مضاعفة"
 
انتفض متراجعا للخلف بعيدا عنها وهو يقول بجفاء حاد بعد ان ألقى نظرة كارهة باتجاه الجالسة بالسرير بدون ان يكون بمقدورها قول شيء مما يحدث امامها بعد ان خسرت الحق حتى بالكلام مع صوتها
"حسنا توقفي عن النحيب ، سأعطيكِ مهلة يومين فقط مع شقيقتك الخرساء ، واكثر من هذا لن استطيع ان اقدم لكِ ، فأنا لست جمعية خيرية اعطف على الضعفاء امثالكما"
 
شددت على الكمادة بقبضتها بعد ان خرجت من دوامة ذكرياتها الكئيبة والتي تظهر كم خسرت الكثير بظل الحياة القاسية والتي لم تبقي لها سوى هذا القلب والذي ما يزال ينبض بداخلها بحياة وضراوة ورفضا لما تعايشه .
 
ألقت بالكمادة بعيدا بطول ذراعها بدون ان تتبين إلى اي وجهة وصلت بظلام الغرفة الحالك ؟ لتنهض بعدها بعيدا عن الفراش قبل ان تلتف حوله بلحظات ، لتصل امام النائمة بسبات عميق بدون ان تشعر بنفسها وهي فقط تفكر بصحة تلك الطفلة والتي ارغمت على الاعتناء بها منذ طفولتها رغم صغر سنها ووجود الوالدين آن ذاك بعيدا عن التفكير بصحتها هي .
 
امسكت بأطراف اللحاف وهي تغطي به الجزء السفلي من جسدها حتى وصل لمنتصف صدرها ، لتتراجع بعدها بعيدا عنها بثواني قبل ان تستدير وهي تغادر لخارج الغرفة بأكملها .
 
سارت بأروقة الممرات بخطوات بطيئة بتمهل قبل ان تتوقف بتعب عاد ليهد مقاومتها المستميتة رافضة تأثير المرض عليها ، لتتقدم عندها باتجاه حاجز السلم بهدوء قبل ان تجلس عنده وهي تضم قماش الفستان والذي ما تزال ترتديه بذراعيها بتشنج غزى اطرافها بلحظة ، رفعت يدها وهي تمسح على جبينها والذي عاد للتعرق لا إراديا بحرارة شلت حركتها .
 
اسندت ذقنها على ركبتها بسكون تام والظلام من حولها يشاركها صمتها بدون اي كلام او ضوضاء برسالة لا يفهمها سوى من تعايش مع الصمت المظلم منذ سنوات حتى اصبح جزء من هذا العالم الكئيب والذي تحياه ، لتسيل بعدها بلحظة دموعها تسابق الأخرى على وجنتيها بصمت موجع حد الألم بدون ان يعلم احد عن الصراع الصامت والذي تعايشه كل يوم بهوة روحها تجاوزت معاناة البكم بأضعاف ؟ فهي تختلف عنهم بصمتها الإرادي والذي يتحكم به الجميع بينما البكم يعانون من الصمت بدون إرادة منهم وبدون تدخل احد بمصيرهم المحتوم .
 
تشنجت اطرافها بانتفاض وهي تشعر بخطوات متجهة نحوها بثبات صامت ، لتقف بعدها امامها تماما للحظات اخرى قبل ان ينطق الصوت الهادئ ببرود المكان
"ليس من الجيد الجلوس هنا وحدك ، وخاصة بحالتكِ الحالية"
 
عقدت حاجبيها بارتباك بدون ان ترفع رأسها لصاحب الصوت والذي تعرفه جيدا وحفظت كل نبرات صوته والتي تتميز بالبرود المتسلي مهما زاد سوء الوضع من حوله ، ليتابع بعدها كلامه وهو ينحني قليلا بجذعه ليصل لمستواها هامسا امام رأسها بصوت اجش جاد
"اعتقد بأنكِ لن تعيري وجودي انتباها ! ولكني لن اقابلكِ بالمثل واحقق رغبتك بالانفراد لوحدك"
 
تصلبت شفتيها بكبت لوهلة بدون كلام وهي تشعر بأنفاسه تضرب خصلاتها المبعثرة امام جبينها ببرود الهواء من حولهما ، لتشعر بعدها بيده وهو يتلمس على جبينها بصمت للحظة قبل ان يمسك بذراعها وهو يوقفها معه برفق .
 
وقفت على قدميها بتعب ما ان شدد على ذراعها وهو يسحبها معه باتجاه الممر بدون ان تنتبه لمسار سيره بظلام المكان ، لترفع بعدها عينيها لوهلة باهتزاز وهي تراقب الذي توقف امام غرفة وهو يفتح بابها امامها ليسحبها من فوره للداخل .
 
تسمرت بمكانها بتصلب وهي تحاول تحرير ذراعها منه بضعف قبل ان يسحبها بقوة اكبر للداخل وهو يقول بخشونة
"لا تقلقي يا زوجتي المجنونة ، ستكونين بخير فأنتِ معي"
 
ارتفع حاجبيها السوداوين بعدم استيعاب للحظة ولا تعلم لما بعث كلامه الراحة بأطرافها المتشنجة بانتفاض بغريزتها الطبيعية ؟
 
تابع سحبها معه حتى وصل بها للسرير ليجلسها عليه بلحظة قبل ان يستقيم ليتجه لزاوية محددة بالغرفة ، بينما رفعت الساكنة بمكانها نظراتها بزوايا الغرفة الواسعة والتي وصلت لها وهي اكبر من غرفتها السابقة ومن جناح شقيقتها وقد تكون اكبر الغرف بهذا المنزل وهي تضم نفس ألوان ذاك المنزل الريفي بين الأبيض والأخضر وهي تحتار عن سبب إعجابه بهذه الألوان تحديدا ؟!
 
رفعت يدها وهي تمسح الدموع عن خديها المحتقنين بحرارة معيدة خصلات شعرها لخلف اذنيها بشرود ، لتشعر بعدها بلحظة ببرودة بدأت تحوم بالأجواء من حولها وهي تتخلل اطرافها بضيق ، قبل ان تحيد بنظراتها للذي كان يرفع جهاز التحكم وهو يوجهه نحو المكيف المعلق بزاوية جدار الغرفة ، ليقول بعدها وهو يخفض الجهاز بابتسامة جانبية بغموض
"هذا الهواء البارد سيفي بالغرض ، لكي يخفف القليل من حرارة جسدك والتي ليس من الجيد ان ترتفع عن حدها"
 
تصلبت ملامحها لوهلة وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها بارتجاف احتل كل إنحاء جسدها بلحظة ، لتتنفس عندها بحرارة متناقضة عن الهواء البارد وهي تهمس بخفوت مرتجف
"هذا جنون ! من الذي يستخدم المكيف البارد بهذا الفصل من الشتاء ؟"
 
التفت نحوها بلحظة وهو يبتسم بطرافة قائلا ببساطة بالغة
"احيانا استخدمه عندما ألعب الرياضة بداخل الغرفة لفترة طويلة ، وعندها يكون جسدي بأقصى درجات حرارته واضطر عندها لتشغيله لأبرد الأجواء قليلا بالغرفة"
 
فغرت شفتيها بارتعاش وهي ترفع حاجبيها بآن واحد هامسة بتفكير مضطرب
"هل تعلم بأن هذا مضر بالصحة ؟ ولا يجوز ان ينتقل جسدك من الساخن للبارد ! فقد يؤثر عليك سلبا"
 
تقدم باتجاهها عدة خطوات قبل ان يجلس بجانبها على طرف السرير بخفة ليلوح بجهاز التحكم امام وجهها وهو يقول بابتسامة باردة بلا مبالاة
"اعلم هذا جيدا ، ولكنني احب تجربة المخاطرة ومدى مصداقية هذه الحكاية واهوى اللعب على اعصاب عائلتي ، فأنا اجدها متعة خاصة وتسلية بأوقات فراغي"
 
تغضن جبينها بحيرة واجمة من منطقية تفكيره الغريبة ؟ لتلتقط بعدها الجهاز من يده بلمح البصر قبل ان ترفعه امام المكيف وهي تخفض درجة برودته لمعدل معتدل ومقبول .
 
بينما كان يراقبها الجالس بجانبها وهو يلمح خديها المحتقنين بالدماء بسبب تأثير الحمى عليهما وهو يهمس بابتسامة هادئة بمغزى
"تبدين رائعة اليوم ! وخاصة بعينيكِ الزرقاوين السماويين والذي لم ارى بجمال وغرابة لونهما من قبل"
 
اخفضت جهاز التحكم بتصلب قبل ان تضعه جانبا وهي تخفض نظرها للأسفل بصمت مريب ، ليقول بعدها بهدوء وهو يبعد نظره للأمام بابتسامة باردة
"عينيكِ جميلتين بلونهما الطبيعي ، ولا ارى داعي لوجود تلك العدسات والتي تفسد جمال لونهما ! ألا إذا كنتِ تعانين بمشاكل بالنظر ؟"
 
زمت شفتيها بوجوم وهي تضم يديها معا عند حجرها بقوة وانفاسها تخرج ملتهبة بنيران تعتصر فؤادها ، لتهمس بعدها بلحظات بابتسامة بخفوت بدون اي حياة
"لقد كنت اعاني بقصر طفيف بنظري بوقت اختبارات الثانوية ، لذا قررت شراء عدسات خاصة تساعدني على الرؤية بوضوح ، ولكنها بالحقيقة ليست السبب الرئيسي لكي اضع العدسات على الدوام !"
 
ابتلعت ريقها بانتفاض للحظات ما ان انهت كلامها ، ليقول بجانبها بضيق واضح بعد ان فقد صبره بانتظار تكملة كلامها
"حسنا إذاً ! وما هو السبب والذي يجعلكِ تضعينها على الدوام وهي تسبب لكِ آثار جانبية وتدفق بالدموع ؟"
 
امتعضت ملامحها بلحظات وهي تستعيد عنفوان روحها ، لتلتفت نحوه بسرعة قائلة بخفوت شرس
"وما دخلك انت بهذا الأمر ؟ وإذا وضعت العدسات ام لا ! فهذا ليس من شأنك"
 
ارتفع حاجبيه بخفة للحظات قبل ان يتسمر بمكانه وهو يدور بعينيه بتمهل للمرة الثانية على حدقتيها الزرقاوين الباهتتين واللتين لفتتا انتباهه من قبل لتذكره بشيء بعيد كان قد غفل عنه ! بينما عقدت الاخرى حاجبيها بحيرة من تجمده قبل ان تنتفض لا شعوريا بوجل ما ان تمسك بكتفيها بقوة بعثت الرهبة بداخلها ، وهو يقرب وجهه امامها ببطء هامسا بلحظة بابتسامة جانبية بمغزى
"انتِ هي إذاً الفتاة المجنونة ! وانا دائما كنت اقول اين رأيت تلك العينين ؟"
تشنجت بمكانها وهي تهمس بعدم فهم
"ماذا تقصد ؟"
 
عض على طرف شفتيه وهو يهمس من بين اسنانه بشراسة مريبة
"هل نسيتِ يا مجنونة تقريبا كان قبل ست سنوات ! ذلك الفتى القصير ذو القبعة الرجالية والذي اصطدم بي عند ساحة شركة العمارة ، وما ان حاولت مساعدته حتى دفعني بقوة وجرى بعيدا عني بدون ان يتكلم بشيء ولكني استطعت ان المح لون عينيه السماويين وهو يتنكر بهيئة صبي صغير ، كيف نسيت تلك الذكريات ؟"
 
لم ينتبه لأنفاسها والتي ازدادت حدة وهي تميل بعينيها للأسفل بارتباك بذات الوقت مع انقباض احتل اطرافها لوهلة ، ما ان ضرب كلامه بعقلها بذكرى لتلك الفتاة والتي لم تتجاوز عمر الرابعة عشرة وهي تضطر لتأخذ من بين ادوار كثيرة شخصية اخرى عن مجرمة صغيرة تلعب دور قناص الحواسيب ومخترقة الأجهزة الحديثة للوصول لمعلومات تفيد اعمال زعمائها من مركز الحدث والمتعلقة بصفقات خطيرة قد تؤثر على منحى حياة الكثيرين .
 
عادت بنظرها نحوه وهي تهمس بارتجاف لا إرادي
"لا اعلم عن ماذا تتكلم !"
 
شدد اكثر على كتفيها بدون السماح لها بالفرار وهو يهمس بتشديد متصلب
"ماذا كنتِ تفعلين بتلك الشركة يا ماسة ؟ ولما التنكر !"
 
زفرت انفاسها بحرارة ضربت وجهه القريب منها وهي تحاول التملص منه بشراسة عادت للتربص بروحها بانتفاض عنيف ، ليقبض اكثر على كتفيها بيديه حتى شعرت بصوت طرقعة عظام كتفيها وهو يهمس بقوة حادة تغيرت معها نبرة صوته الباردة
"تكلمي يا ماسة ولا تحاولي المراوغة ؟"
 
عضت على طرف شفتيها بانفعال تلون معها وجهها المحتقن بلحظات بالدماء وبعض الدموع بدأت بالبروز بأطراف عينيها السماويتين بحرارة ملتهبة وهو يشعر بها شعلة متقدة على وشك الفوران بأية لحظة ، ليتنهد بعدها بكبت وهو يشفق على حالها والضعف ينضح بملامح وجهها الشاحبة ليعبث المرض بروحها ويغير كل تفاصيل ملامحها الحجرية .
 
اقترب بلحظة من جانب خدها وهو يهمس بخفوت اجش
"لا بأس يا ألماستي ، اريحي نفسكِ ولا داعي لكل هذا الغضب والذي لا يليق بكِ ، فأنا دائما موجود بجانبكِ لأخفف عنكِ"
 
زفرت انفاسها باضطراب وهي تشعر بقبلته الصامتة على خدها المحتقن بحرارة بعثت بأوصالها لوهلة ، وهو يبتعد ببطء عن جانب خدها ليصل بلحظات لشفتيها الحمراوين وهو يقبلهما بهدوء عميق وبسلاسة ارتعشت معها كل اطرافها ، بدون ان تشعر بيديها المنقبضتين على ملاءة السرير بقوة وهي تستقبل قبلاته المتتالية وبتقطع انفاسهما براحة فريدة لا تستطيع سوى الذوبان بها مع حرارتها والتي اندمجت بين انفاسهما لتتشارك بجسديهما معا وهو يرتشف كل ذرة تعب متبقية بداخلها من تأثير مرضها اللعين .
 
انتفضت لا إراديا ما ان ضغطت بمرفقها على جهاز التحكم للمكيف لتتغير من فورها اجواء الغرفة الساخنة بحرارة اللحظات الحميمية بأخرى باردة ارسلها هواء المكيف بدون ان ينتبه كليهما لما وصلت بهما ضراوة مشاعرهما .
 
ابتعد من فوره الذي استقام بجلوسه وهو يتخلل مؤخرة عنقه بقوة وبصدمة ضعف مشاعره المجنونة امامها ! لتحين منه التفاتة بنظراته بهدوء للتي عادت للجلوس بصمت وهي تحاول تزرير ياقة ثوبها بارتجاف مفرط طغى على اناملها البيضاء .
 
ادار عينيه بعيدا عنها وهو يهمس بابتسامة صغيرة بثقة
"لا تقلقي يا ماسة ، فلن يحدث اي شيء بيننا قبل ان يتم زواجنا رسميا وامام العالم"
 
رفعت نظراتها الزرقاء باتساع لبرهة قبل ان تهمس بتعب وهي تقف عن السرير بهدوء
"اشعر بالتعب ، لذا سأعود للنوم بغرفتي"
 
ولكن ما ان خطت خطوة بعيدا عنه بحذر حتى شعرت بيده وهي تمسك بأطراف اصابعها قبل ان يحيطها بأصابعه الطويلة قائلا بقوة جادة يتخللها القلق
"ماسة ، كوني بخير لأننا بالفترة القادمة سننشغل كثيرا بأمور زفافنا المنتظر ، وانا اريد ان تكوني بأقصى استعدادك من اجل حياتنا القادمة"
 
اومأت برأسها بشرود وهي تهمس بلا حياة
"سأحاول ذلك"
 
اتسعت ابتسامته بهدوء وهو يترك اصابعها ببطء بعث الرعشة بكل فقرات ظهرها ، لتضم بعدها كفها بقبضتها الأخرى وهي تكمل سيرها بخطوات زادت سرعتها لخارج الغرفة بأكملها وبصمت عاد ليحتل حياتها من جديد ....
_____________________________
وقفت امام المرآة بجمود وهي شاردة بهيئتها بصمت بعد ان استحمت بالصباح الباكر وعاد لها جزء من نشاطها بالرغم من انها ما تزال تشعر ببعض الصداع والخمول وهو ينتابها برأسها بين الحين والآخر ، ولكن لن يوقفها بعض الألم ويكون حائل بين الخروج من حالة العجز والتي اسرت جسدها وعودتها لحياتها الطبيعية والمعتادة عليها ، فكل شيء عليه ان يعود لمساره الصحيح بحياتها مهما ابتعدت عنه فعليها العودة لذلك الدرب من جديد .
 
ضيقت عينيها للحظات بقتامة وهي تراقب زرقة عينيها الداكنة بحدة غزت ملامحها لوهلة ، لتتابع بعدها مسار نظراتها ببطء ليدها والتي كانت تتلاعب اصابعها بأزرار قميصها اللؤلؤية بشرود وهو يعلوها سترة جينز بلون زرقة داكنة ، قبل ان تصل بالنهاية لعقدة شعرها المستديرة فوق رأسها محتجزة الخصلات بتلك الكتلة المعقودة بإحكام لكي لا يتحرر شيء منها ، وهي تظهر بذات الوقت استدارة وجهها بوضوح وبهوت ملامحها بدون ان تخفي لمحة الجمود والتي تطغى عليها لكي لا تعطي اي مجال للضعف بالظهور على محياها .
 
تنهدت بهدوء وقد حانت منها التفاتة جانبا نحو التي بدأت تتحرك بمكانها بتأوه ما ان افاقت من نومها وهي تمسد على جانب عنقها بتشنج واضح ، لترفع بعدها بلحظات نظراتها باتجاهها بصمت مريب قبل ان تهمس بخفوت حائر بعينيها الخضراوين النصف مغلقتين
"ماسة متى استيقظتِ ؟......"
 
توقفت عن الكلام فجأة وهي تخفض يدها ما ان تمعنت بالنظر لوهلة بهيئة الواقفة امامها والتي تظهر نيتها على الخروج ! لتنتفض بعدها بلحظة واقفة بتصلب وهي تقول بعبوس صارم غير مصدق
"ماسة هل ستخرجين الآن حقا ؟ وبحالتكِ المرضية هذه ! ألا تفكرين بصحتكِ ولو قليلا !......"
 
استدارت نحوها وهي تلوح بذراعها جانبا قائلة بخفوت مشتد
"لا داعي لكل هذا القلق المفرط يا روميساء ، فأنا بخير وكل ما مررت به اعراض من تغير الجو على جسدي وقد اختفت الآن الاعراض تماما واصبحت بأفضل حال ، لذا ارتاحي واطمئني من هذه الناحية"
 
عقدت حاجبيها بعدم اقتناع وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها هامسة بحزم
"وما هو الشيء الضروري جدا والذي سيدفعك لتخرجي من المنزل بالصباح الباكر مع العلم بأنه ليس لديكِ جامعة اليوم ؟ وبدون حتى ان تعطي اعتبار لحالتكِ وما اصبحت عليه حياتك وبأنكِ خطيبة فرد من هذه العائلة ولا لشيء آخر !"
 
امتعضت ملامحها وهي تتأفف بنفاذ صبر لتلوح بيديها وهي تهمس بلا مبالاة
"ألن نتوقف عن هذه التحقيقات المملة ! فأنا اكيد لن اذهب لأسافر بعيدا عنكم او ان اقتل نفسي بحادثة دهس سيارة ، فقط اريد الخروج من المنزل والانفراد بحياتي قليلا"
 
تغضن جبينها بريبة للحظات قبل ان تتنفس بهدوء عدة مرات ، لتقطع بعدها الفاصل بينهما بلحظة وهي تمسك بكتفيها بقوة هامسة بخفوت باهت
"لا تخيفيني عليكِ اكثر من هذا يا ماسة ، فقد تعبت من العيش بتلك الحالة من الرعب والقلق عليكِ والتي تنتابني ناحيتكِ دائما ، فقد ظننت لوهلة بأن تلك الحادثة ستتكرر معكِ مجددا ما ان ارتفعت حرارتكِ بليلة امس لأقصى درجاتها ، وما كنتِ وصلتِ لتلك الحالة لولا اهمالي المفرط لكِ كما حدث معكِ بالماضي"
 
انحنت عينيها للأسفل لبرهة وهي تبتسم بجمود منحوت بتفاصيل ملامحها القاسية ، قبل ان تتمتم بلا تعبير تشنجت معها اطرافها
"بل هناك اختلاف بين الحادثتين ، فأنا لم افقد صوتي بعد ولن ألقب بالخرساء"
 
اتسعت حدقتيها الخضراوين بشحوب لوهلة قبل ان تشدد من إمساك كتفيها تلقائيا ما ان ضربت الذكرى مجرى حياتهما واظهرت كمية القسوة والذل والتي تعرضوا لها بتلك الحياة مع ذلك الرجل عديم الرحمة والذي لم يعرف للشفقة والإنسانية طريق بحياته .
 
ابتلعت ريقها بعدها بلحظات بانقباض وهي تخفض يديها عن كتفيها لتتمسك بذراعيها هامسة باقتضاب
"لن يحدث هذا ، وإياكِ وان تكرري هذا الكلام امامي مرة اخرى"
 
اومأت برأسها ببرود وهي تدس خصلات شعرها القصيرة لخلف اذنيها ، لتقول بعدها بخفوت واجم
"هل يمكنكِ ان تقرضيني بعض المال ؟ احتاج لشراء هاتف ولا املك ثمنه"
 
نظرت لها للحظات وهي تهمس بحيرة
"وماذا حدث لهاتفك القديم ؟"
 
عضت على طرف شفتيها بحنق ما ان تذكرت ما آل إليه هاتفها القديم بسبب ثورة غضب من ذاك الاحمق ، لتقول بعدها وهي تلوح بيدها ببساطة
"لقد تعطل ولم يعد يعمل ، وانا احتاج لوجوده بشدة"
 
اومأت برأسها بهدوء قبل ان تتراجع بخطواتها لتلتقط حقيبتها من على المنضدة بجانب السرير وهي تدس يدها بداخلها لتخرج منها بلحظة بعض الأوراق المالية المحتفظة بها من راتبها ، لتمدها بعدها بلحظة ناحيتها وهي تلتقط الأموال منها هامسة بابتسامة جامدة
"لا تقلقي ما ان احصل على راتبي من العمل سأعيد لكِ ثمن الهاتف....."
 
قاطعتها الضربة والتي حطت على رأسها بقبضتها بخفة وصاحبتها تقول بعتاب حانق
"لا تكوني سخيفة ! فهذا المال والذي اتقاضه من عملي هو من اجل حياة سعيدة لكلينا ومن اجل احتياجاتنا بالحياة ، وإذا لم اتشاركه مع شقيقتي الوحيدة قرش بقرش ، فلا داعي إذاً لبذل كل هذا المجهود بالعمل !"
 
فركت فروة رأسها بألم وهي تهمس بابتسامة صغيرة بمزاح
"اعلم هذا ، وانتِ الخاسرة هنا بما انكِ مصرة على عدم اخذ المال مني مقابل كرمك عليّ"
 
عادت للابتسام بتلك الطريقة والتي تحفر بوجنتيها بحنان متدفق بسخاء بتلك الاحداق المتسعة بخضرة الربيع ، لتلتقط بعدها الاخرى حزام حقيبتها من على طاولة الزينة بدون مقدمات وهي تضعها على كتفها بهدوء ، وما ان سارت بعيدا عنها عدة خطوات حتى اوقفتها التي امسكت بذراعها برفق وهي تديرها نحوها قائلة بتمهل
"انتظري لحظة"
 
تسمرت بمكانها للحظات ما ان احضرت لها من فورها طبق يحوي على شطائر ملفوفة بخبز الزبدة تعرفت عليها جيدا بسبب اعتيادها على بدء نهارها يوميا بهذا الفطور بمنزلهما القديم ، وما ان رفعت نظراتها امامها بحيرة حتى مدت لها شطيرة من بين مجموعة الشطائر وهي تقول لها بابتسامة حازمة بأمومة
"لقد اعددت لكِ هذه الشطائر البارحة ولكنك ذهبتِ بسبات عميق قبل ان تتناولي شيئا منها ، لذا ستأخذين معكِ هذه الشطيرة وتتناوليها بطريق خروجكِ من هنا ، فأنا لن اسمح لكِ بالخروج بمعدة فارغة فهذا ليس جيد على صحتك"
 
عبست ملامحها لوهلة وهي تهمس بوجوم
"هل هذا ضروري حقا !"
 
اومأت برأسها بقوة وهي تشدد على الشطيرة بيدها قائلة بصرامة
"اجل يا ماسة ضروري ، وإذا لم تتناوليها بالطريق فأنا عندها لن اترككِ تغادرين من هنا بسهولة"
 
زفرت انفاسها بكبت وهي تلتقط الشطيرة منها بجمود هامسة باستياء
"حسنا فهمت يا آنسة شريرة"
 
اتسعت ابتسامتها بلحظة بسعادة غامرة بدون ان تهتم لذلك اللقب والذي ذكرها بطفولتهما عندما يصل غضب تلك الطفلة الشقية لأقصاه من الأوامر والتي كانت تحاصرها بها على الدوام ، بينما سارت الأخرى بعيدا عنها قبل ان تتوقف لوهلة لتعود بعدها للاستدارة باللحظة التالية وهي تسير بطريق معاكس قبل ان تصل للتي كانت تراقبها بحيرة ، لترفع بعدها رأسها نحوها وعلى اطراف اصابعها وهي تقبل جبينها بخفة هامسة بمودة تظهر لأول مرة بصوتها الباهت
"شكرا لأنكِ اهتممتِ براحتي طول الليل ، انا سعيدة جدا بوجودك بحياتي"
 
فغرت شفتيها بدهشة للحظات قبل ان تعانقها من فورها بذراعيها وهي تتمتم فوق رأسها بسبب طول قامتها بمحبة خالصة
"بل انا الأسعد يا صغيرتي"
 
ابتعدت عنها بلحظات قصيرة كانت الفاصل بحياتهما الطويلة وبعد ان تجردت المشاعر الدافئة على حقيقتها الخالصة ، ليعود بعدها ليكتسح الجمود حياتها وهي تسير بعيدا عنها باتجاه باب الغرفة وهذه المرة لم يوقفها احد بعد ان انتهت كل الحجج للوقوف عليها وانتهت كل السبل لإعادة الجمال لحياتهما المتناقضة عن جميع البشر بالعالم !
 
_______________________________
كانت تسند خدها على راحة كفها وهي تراقب بشرود الواقف امامها والذي كان يتكلم بصوته الهادئ بنبرته الجهورية وكأنه متواجد بقاعة كبيرة للمحاضرات ، بالرغم من انها قد سمعت صوته كثيرا بمحاضرات الجامعة والتي كان يبعث بروحها الملل والحماس للانتهاء من هذه المحاضرة والأسوء بحياتها ، لتكون اليوم مختلفة تماما وهي تستمع لصوته بكل هذا القرب وتستشعر هالته المهيبة والتي تدور من حوله بكل مكان يخطو به وكأنها قد بدأت تتعرف على استاذها الصارم للتو !
 
رفعت يدها الأخرى وهي تغطي بها شفتيها ما ان بدأت بالتثاؤب بنعاس غيم عليها لوهلة ، لتنتفض بعدها بمكانها بوجل وهي تعتدل بجلوسها بلحظة ما ان وجه الواقف امامها حافة الكتاب بوجهها كما عادته كلما اخطئت بالتصرف وهو يهمس بحزم هادئ
"كم مرة عليّ ان انبهكِ بأنه ممنوع التثاؤب بمحاضرتي فهذا يشعرني بالإحباط واليأس ، ويشتت افكاري وكأنني كنت طول هذا الوقت اكلم نفسي"
 
عبست ملامحها وهي ترفع عينيها بتعب هامسة بخفوت متذمر
"ولكن هذا صعب ! فهذه حركة لا إرادية ولا استطيع التحكم بها"
 
تصلبت ملامحه بضيق وهو يلمح التعب والظاهر على ملامحها وبنبرة صوتها الحزينة والقريبة من الاطفال ، ليعود بعدها لرفع حافة الكتاب وهو يضرب بها جبينها قائلا بابتسامة جانبية
"توقفي عن التذمر مثل الاطفال ، فأنا اعلم جيدا بأنكِ تستخدمين هذه الطريقة لخداعي وانهاء الدرس يا اميرة الحيل"
 
امتعضت ملامحها لوهلة وهي تحرك رأسها بعيدا عن الكتاب قائلة بابتسامة ماكرة
"حسنا بما انك قد كشفت خدعتي ، هل نستطيع انهاء الدرس هنا فأنا اشعر بالتعب الشديد والارهاق ؟ وليس جيد على صحة قلبي الضغط عليه اكثر من اللازم !"
 
ارتفع حاجبيه ببرود وهو يرفع الكتاب قائلا بابتسامة متصلبة بسخرية
"تظنين نفسكِ ذكية ! وبالمناسبة بعد هذا الكلام الظريف والذي امتعتني به الآن ، فأنا لن اتراجع عن الضغط عليكِ بمزيد من الدروس ولساعتين متواصلتين لكي تتعلمي بأن لا تفكري باللعب على استاذك بحجج لا يصدقها طفل"
 
انفرجت شفتيها بانشداه للحظات قبل ان تهمس باستنكار
"ولكنك لا تستطيع البقاء لساعتين متواصلتين ! فأنت لديك محاضرات بالجامعة بعد خروجك من هنا"
 
عقد حاجبيه ببطء لبرهة وهو يتقدم امامها بلحظة ليسند كفيه فوق سطح الطاولة امامها قائلا بابتسامة باردة
"لا بأس لن اذهب لمحاضراتي اليوم ، وسأقضي يومي بطوله بصحبتك ، أليس هذا رائعا قضاء الوقت سويا بالدراسة مع استاذك ؟"
 
اتسعت مقلتيها العسليتين بصدمة وهي تحرك رأسها بالنفي لا إراديا ، قبل ان تنتفض لا شعوريا وهي تمسك بيده من على سطح الطاولة بكفيها معا هامسة برجاء
"لا يا استاذ هشام لا تفعل هذا ، فأنا لن اتحمل ان ادرس لساعتين متواصلتين ، سأموت من التعب إذا استمريت بالدراسة لساعة اخرى ، ارجوك ان تعطف على طالبتك المسكينة فهي ليس لديها سواك"
 
تشنجت ملامحه بلحظات وهو يشعر بملمس كفيها الصغيرين على يده وهي تتشبث به بقوة ، لينظر بعدها لرأسها المحني قليلا وخصلات من شعرها القصير انحدرت لجانبي وجهها بحزن وكأنها تشاركها حالتها !
 
وما ان رفع يده الاخرى لرأسها حتى سمع صوتها الخافت وهي تكمل همسها بنبرتها الحزينة والتي توديه للجنون
"اعدك بأني لن اعيد ذلك الكلام مرة اخرى ولن اتذمر من محاضرتك بعد الآن ، وانت افضل استاذ تعرفت عليه بالجامعة بأكملها بدون اي مجاملة"
 
ارتفع حاجبيه بانتباه وهو يقبض على يده الحرة قبل ان يبعدها وهو يقول بتعجب ساخر
"كلام رائع ! وهل المطلوب مني الآن ان اصفق لكِ واسعد لأنني اكتشفت بأني الاستاذ المفضل عند طالبتي الصغيرة ؟"
 
رفعت رأسها باللحظة التالية بصدمة وهي تبرم شفتيها المتكورتين قائلة بصدق
"صدقني انا اقول الحقيقة ، ولم اقصد ابدا السخرية بكلامي ، ولكنك دائما تظن بطالبتك الصغيرة السوء....."
 
قاطعها الذي كان يضحك بهدوء بدون ان يمنع نفسه وخاصة امام شكلها العابس وهو يقول بابتسامة
"لقد كنت امزح معكِ فقط يا غزل ، فأنا اصدقك بكل الأحوال"
 
زمت شفتيها بوجوم وهي تبعد كفيها عن يده لتدير عينيها بعيدا عنه هامسة بحنق
"لا افهم من المضحك انا ام هو ؟"
 
توقف عن الضحك للحظات وهو يتنحنح بتحشرج ، ليرفع بعدها بلحظة حاجب واحد بحدة وهو يتمتم بجمود
"هلا اخبرتني عن ماذا كنتِ تتكلمين الآن يا آنسة غزل ؟"
 
عادت بنظراتها نحوه بارتباك وهي تهمس بتلعثم واضح ملوحة بيديها بتوتر
"لا لقد كنت اقول اتمنى ان تدوم الضحكة على وجهك دائما وبكل يوم يا استاذي"
 
حدق بها للحظات وهي تحاول الابتسام امامه ببلاهة واضحة بطريقة تظهر بأنها تخفي كذبة من خلف ابتسامتها ذكرته بتصرفات طلاب الابتدائية ! ليبعد بعدها يديه عن سطح الطاولة لبرهة وهو يستقيم بوقوفه امامها ليغلق عندها الكتاب قائلا بهدوء جاد
"حسنا يا غزل ، سنكمل باقي الدرس بالمحاضرة القادمة ، ولا اريد ان اسمع منكِ مرة اخرى اي شكوى او ملل بالمحاضرة وألا لن اشفق عليكِ مهما فعلتِ"
 
قفزت واقفة بحماس وهي تقول بابتسامة متسعة بسعادة
"شكرا لك يا استاذي الكريم ، كنت اعلم بأنني لم اخطئ عندما اطلقت عليك لقب افضل استاذ قابلته بحياتي والجامعة محظوظة جدا بوجود استاذ رائع مثلك"
 
حرك رأسه بابتسامة مندهشة وهو ينظر لفورة حماسها والمتناقضة عن التمثيلية الحزينة والتي قدمتها امامه قبل قليل ! ليقول بعدها بابتسامة جانبية بسخرية
"هذا رائع حقا ! المزيد من الكلام المؤثر والمدح المبالغ به ! هل تحاولين كسب رضاي او محبتي بهذه الكلمات ؟"
 
اتسعت ابتسامتها بجمال وهي تقول بثقة بالغة
"بل هو كلام خارج مني وبكل صدق العالم ، وانا اعدك بأن من ستتزوجك ستكون اكثر امرأة محظوظة بالعالم بحصولها على زوج مثلك"
 
تسمر بمكانه للحظات بدون ان يشعر بنفسه سوى بمنظر ابتسامتها الجميلة وبنبرة صوتها العذبة وهو يمزجها مع صورة اخرى بعيدة جدا عن الواقع ، وهو يتخيل شكل المرأة والتي ستكون اكثر امرأة محظوظة بالعالم بكونها اصبحت زوجته وتحل ذلك المكان وبجانب ذلك الزوج !
 
قطب جبينه فجأة وهو ينفض تلك الأفكار عن رأسه وعن مخيلته والتي اخذته إليها بغفلة عنه ، ليستدير بعدها بعيدا عنها وامام نظراتها الحائرة وهو يمسك بحقيبته بهدوء ، قبل ان يغادر من الغرفة بأكملها بلمح البصر وبدون ان يعلق بشيء على كلامها الأخير والذي بقي معلق بينهما إلى امد غير محدد ؟
 
____________________________
 
خرجت من سيارة الاجرة بهدوء ونظراتها ساهمة بالمنزل الكبير امامها ، لتلوح بعدها بيدها لسائق الاجرة بجانبها ليكمل طريقه بعيدا عنها ، وبعد ان ساعدها بالوصول لهذا العنوان والذي اخذ منها وقت طويل وجهد جبار لتكتشف موقع المكان والبعيد عن منطقة سكنها ومدينة نشأتها وهذا بعد تنقلها وترحالها من مدينة لأخرى بالمواصلات العامة ، فمن كان يظن بأن يصل بها الأمر لبذل كل هذا المجهود فقط للوصول لهذه المنطقة الغريبة والجديدة على حياتها ؟
 
سارت بثبات باتجاه مدخل المنزل وهي تراقب بحذر كل ما يحيط بالمكان الغريب والغير مألوف عليها وخاصة بأنها لم تصل بحياتها لهذه المناطق ولم تزرها يوما ، وما ان وقفت امام باب المنزل حتى عقدت حاجبيها بريبة واجمة وهي تنظر للمقبض البارز بمنتصف الباب والذي يكون الجرس على ما يبدو والشبيه بالعصور ما قبل التاريخ عندما كان كل شيء يعتمد على الصنع الحرفي واليدوي !
 
طرقت على باب المنزل بيدها متجاهلة وجود ذلك المقبض الغريب وهي تفكر فقط بالذي عليها فعله وجاءت من اجله ، وما هي ألا لحظات طويلة اخذت اكثر مما يستحق لاستقبال الطارق حتى بدأت تظن بأنه لا احد يسكن بهذا المنزل ! ليُفتح بعدها بدقائق الباب امامها ببطء شديد قبل ان يطل عليها وجه المرأة والتي تبدو كبيرة جدا بالسن ، او هذا ما هو ظاهر امامها وخاصة بهذه الهيئة المريبة والتي تبعث الخوف والشك بالروح وكأن كل هموم ومشاكل العالم متجلية على تفاصيل حياة هذه المرأة ! ولا تعلم لما استكانت بمكانها وهي تفقد النطق للحظات امام هذه المرأة السوداء والتي تبدو خرجت لها من قصص الاشباح او ما شابه ؟
 
تنحنحت بعدها بصلابة وهي تهمس بخفوت مرتجف طغى على صوتها
"هل هذا هو المنزل المتواجدة به صفاء جلال ؟"
 
تغضن جبينها بحيرة ما ان نظرت للمحة الخوف والتي سكنت بعينيها السوداوين الواسعتين وهي تزيد من شحوب ملامحها البيضاء بدون ان تفهم اي من تلك التخبطات الظاهرة امامها ! لتحاول بعدها الكلام مجددا قبل ان يصلها صوت من داخل المنزل بهمس رقيق ميزته فورا
"ماذا هناك يا عمتي هيام ؟ لماذا ؟......"
 
انقطع الكلام لوهلة ليحل الصمت فجأة على حياة الجميع ، ما ان تقابلت نظراتها الدامعة باهتزاز بنظرات جليدية مبتسمة بجمود بهالة من الرقة اخذتهما سويا لعالم خاص بهما وحدهما ، ليعيد بهما روح الطفولة والتي خطته اناملهما الصغيرة معا برابط لم يكن له صلة بالدماء يوما ، بل بقرابة معقدة نمت بينهما ليؤدي عن الرباط الابدي والذي يجمعهما معا ، منذ ان شبت كليهما عن الطوق وهو ناتج عن العلاقة والتي ربطت بين والدتها وشقيق والد الاخرى ، لتصبح اقوى صداقة طويلة الأمد تجمع بين تلك الطفلتين بذلك العمر الصغير .
 
شهقت فجأة الساكنة بمكانها والتي بدأت الدموع برسم خطوط على وجنتيها بأول مبادرة بينهما ، وهي تنظر من بين غلالة دموعها للتي رفعت قبضتها ببطء لتشير بأصبعي السبابة والإبهام امام شفتيها كعلامة لعهد قديم ما تزال اثاره معلقة على ارواح تلك الطفلتين مثل اتفاق قديم لم تمحى خطوطه بعد كل شيء ، لتعيد المقابلة لها نفس اشارتها وهي ترفع اصبعيها امام شفتيها والتي تتبعها دائما عبارة (ابتسم فلا شيء يستحق حزنك) .
 
انتفضت (صفاء) وهي تندفع لا شعوريا وبعد ان ابتعدت المرأة عن إطار الباب الفاصل بينهما ، لتحتضن تلك الطفلة الباكية صديقتها الاخرى والتي تراجعت قليلا ، وهي ترفع يديها لتعانق ذلك الجسد المهتز بنحيب بكاء عنيف فاجأها ، وهي تربت بيدها الاخرى على شعرها الناعم بصمت بدون اي كلام فقط تعبر كليهما عن مشاعرهما المكبوتة بطريقتهما الخاصة والتي لا يفهمها سوى الصمت والذي كان رفيقهما على الدوام للآن .
 
تنفست (هيام) بتعب وهي تمسح على اطراف عينيها الدامعة لا إراديا من هالة الحزن والتي غيمت على الاجواء من حولهم بثواني ، والتي تستطيع تعرفها جيدا من خبرتها الطويلة بالمآسي والتي مرت على حياتهم لسنوات ، وهي تشاهد تلك الباكية وهي تفرغ مشاعرها بصديقتها والتي تبدو بنفس عمرها ، والتي تبين بأنها بحاجة شديدة لوجودها بعد كل ما مرت به منذ زواجها بابنها القاسي والذي ما يزال يحملها كل الذنوب بحياتهما واخطاء الماضي بها .
 
استدارت بصمت وهي تغادر بعيدا عنهما بدون كلام آخر لتفسح لهما المجال لتعبر كل منهما عن مشاعرها المكبوتة للأخرى والتي ليس لها علاقة بها ، وتتمنى حقا ان تريح هذه الزيارة تلك الفتاة وتخفف قليلا عن ندوب احدثها بها ابنها ، متناسية خوفها من ردة فعل ذلك الابن عن هذه الزيارة الغير متوقعة والغير مسموح بها بالنسبة له ؟
 
بينما كانت (ماسة) بهذه الاثناء تربت بيدها بهدوء صامت على شعرها البني الناعم كما اعتادت منذ طفولتهما كلما جاءت لها تلك الطفلة باكية من احدهم لتبدأ صديقتها بمواساتها بطريقتها واعطائها النصح والارشاد وهذا بعد ان تلقن المسؤول عن حزنها درسا لن ينساه بحياته ليطلب منها الصفح والغفران وعدم تكرارها ، لتهمس بعدها بلحظات بابتسامة باهتة ببعض المرح ويدها مستمرة على مسح ذلك الحرير البني برتابة
"لقد اخبرتكِ بآخر مرة بأن لا تعودي لي باكية ! ولكنكِ بكل مرة تخلفين الوعد وتكررين خطأكِ بدون ان تتعلمي الدرس ، وهذا هو العيب فيكِ يا صفاء"
 
______________________________
بعد نصف ساعة تقريبا قضتها من خلالها وهي تتكلم عن كل شيء بحياتها بثرثرتها المعتادة والتي لم تتغير كثيرا سوى بحزن ذاك الصوت المغرد ببحة مهتزة وبدموع خفية ما تزال تحتل اطراف مقلتيها العسليتين وهي تحاول مسحها بكفها كل حين بدون جدوى ، مع احمرار طفيف بتلك العينين الجميلتين والتي تظهر مدى البكاء والذي اهدرته بصنبور عينيها لأول مرة بعيدا عن شرودها الحالم والذي كان يرافقها بكل خطوات حياتها .
 
امسكت فجأة بكفها لتتوقف عن سيل الكلام وهي تهمس بخفوت جاد
"صفاء ما بكِ ؟ وماذا حدث معكِ !"
 
ابتسمت الجالسة بجانبها على طرف السرير بغرفتها والتي احضرتها لها لتأخذ كليهما راحتهما بالانفراد مع بعضهما اكثر كما كان يحدث بالماضي ، قالت بعدها بابتسامة متسعة وهي تعود لمسح عينيها بخفوت
"لا شيء ، ماذا سيكون هناك مثلا ؟ انا بأفضل حال كما ترين"
 
حركت رأسها بالنفي وهي تقرب وجهها امامها بلحظة متفحصة كل تفاصيلها بنظرات حادة خبيرة هامسة بجمود
"انتِ تكذبين والدليل هي الدموع والتي سكبتها ما ان رأيتني وكأنكِ تشكين لي همومك بطريقتك الخاصة !"
 
زمت شفتيها بارتجاف قبل ان تدير عينيها بعيدا عنها وهي تهمس بامتعاض تمثيلي
"غير صحيح فقد اشتقت إليكِ كثيرا ، وسحبتني عاطفتي لأيام الطفولة البعيدة ، فأنا لم اركِ منذ ايام طويلة ونحن لم نكن نمرر يوم بدون رؤية بعضنا البعض ، ولكن يبدو بأنكِ انتِ التي لم تشتاقي لي يا جاحدة ؟...."
 
قاطعتها التي اعتدلت بجلوسها وهي تقول بحدة نافذة
"صفاء توقفي عن هذه الطريقة الطفولية بالهروب من اسئلتي ، فأنا جادة تماما ، واريد ان اعرف الآن كل شيء حدث معكِ منذ زواجكِ من فارس احلامك والذي حدث بغفلة عن الجميع وبدون حتى اي تشهير ؟"
 
ضمت قبضتيها معا عند حجرها وهي تعض على طرف شفتيها بألم مكبوت عاد لينهش احشاءها بحرقة قديمة لم تنطفئ للآن ، لتخفض بعدها بلحظة نظراتها بضعف استبد بها وهي تهمس بهدوء خاوي حاولت استجلابه بكل ما تستطيع من قوة
"صدقيني يا ماسة انا حقا بخير وسعيدة جدا بحياتي مع زوجي ، واعتذر على عدم اقامة حفلة تشهير لزواجي ، ولكن هذه كانت طلبات زوجي وانا لم استطع الرفض....."
 
قاطعتها فجأة من قالت بحاجبين مرفوعين باستنكار
"وماذا كان رأيكِ انتِ ؟ ألم تكوني تحلمي دائما بحفلة زفاف كبيرة تتكلم عنها كل الناس مثل القصص الخيالية وقصص الحب والتي كنا نشاهدها بصغرنا !....."
 
رفعت رأسها بسرعة وهي تجيبها بقوة لم تخفي الرجفة بعينيها الحزينتين
"هذا كان قراري ايضا يا ماسة ، فهو كان لديه ظروف منعته من اقامة حفلة ، وانا لم اكن اريد ازعاجه بحفلة لن تغير شيء بحياتنا ، وكما اخبرتك تلك الأفكار والتي كانت تدور برؤوسنا فيما مضى مجرد احلام وتفاهات ليس لها وجود بأرض الواقع ، فكل ما يهمني هو زوج يحميني ويصون حياتي ورفيق يسير معي بهذا الدرب"
 
ارتفع حاجبيها بوجوم للحظات وهي تشعر بنفسها تكلم شخص آخر بعيدا عن افكار صديقتها التافهة واحلامها والتي لطالما تشبثت بأرض مخيلتها الخصبة بدون ان تسمح لأحد بالتأثير عليها ، فماذا حدث لها حتى انقلبت هكذا بدون سابق إنذار ؟
 
تنحنحت بتصلب وهي تكتف ذراعيها فوق صدرها لبرهة هامسة بخفوت بارد
"بالمناسبة لم تخبريني من تلك المرأة والتي استقبلتني عند باب المنزل ؟ وايضا لما انتقلتما لمنزل آخر بعيد عن مكان سكن زوجكِ القديم ! أتعلمين كم من الجهد الذي بذلته بالبحث عن مكان سكنك الجديد وبمدينة بعيدة عن مكان عيشنا ؟"
 
ابتلعت ريقها بانقباض وهي تفرك يديها معا بتوتر احتل اطرافها لوهلة ، لتدير بعدها نظراتها بعيدا عن نظراتها المسلطة وهي تهمس بخفوت شارد
"انها تكون والدة جواد ، وهذا المنزل لها ونعيش به لنبقى بقربها ، واعتقد بأنه سيستقر بهذه المدينة مع والدته بجانب مكان عمله هنا ، والذي تبين بأنه يعمل بوظيفة محامي ولم يعمل بدار النشر سوى لمدة قصيرة ولهدف انتهى بتحقيقه"
 
اتسعت عينيها للحظات بصدمة مشدوهة وهي تحاول تحليل كلامها والذي بعثر افكارها لبرهة ! لتقول بعدها بتفكير عميق وهي ترفع حاجب واحد بريبة
"ولكني اتذكر بأنكِ قد اخبرتني بأن جميع افراد عائلته متوفيين وليس له احد بحياته ؟ إذاً من اين ظهرت والدته ولما يعيش اساسا بعيدا عنها !"
 
زمت شفتيها بوجوم وهي تهمس باستياء شاردة بالبعيد
"حتى انا لا اعلم السبب ؟ وكم اتمنى حقا لو اعرف السبب !"
 
عقدت حاجبيها بعدم استيعاب وهي تحاول تحليل مجريات الأمور من تعقيد كما يفعل عقلها عادةً امام هذا النوع من المعلومات الناقصة والتي تحتاج للتركيب لتكتمل السلسلة ؟ لترفع بعدها قبضتها وهي تمسك ذقنها بقوة هامسة بعبوس متجهم
"لقد كان يعيش بمدينة اخرى بعيدا عن والدته وبالقرب من مكان عمل والدك ، وقد كان ايضا يعمل معكِ بنفس دار النشر والتي تبين بأنها ليست بوظيفته الحقيقية ، وهذا يعني بأنه اما يكون كان يخطط لتنفيذ هدف محدد او غاية بتلك المدينة الغريبة عنه ، واما لديه ثأر دفعه ليقيم بمنطقة لا تنتمي لمكان معيشته وما ان انتهى حتى عاد للمدينة والتي تقيم بها والدته وبجانب مكان عمله"
 
التفتت من فورها باتجاه صديقتها لوهلة وهي تستمع لتحليلها بعينين متسعتين بوجل بدون ان تفهم سبب الرعب والذي احتل كل إنحاء جسدها بانقباض حاد غير مألوف ؟ لتهمس بعدها لا شعوريا بتوجس
"ماذا يعني ثأر ؟"
 
كانت ما تزال شاردة بتحليلها وهي تلوح بذراعها بلا مبالاة قائلة ببرود
"تلك النفوس المريضة والتي تملئها الحقد ما ان تخسر شيء قيم او احد عزيز عليها ، والتي تظن بأنها ما ان تسترد حقها من صاحب الثأر وسبب خسارتها لهذا الشيء سترتاح عندها ، لتستطيع اكمال حياتها بطبيعية وهناء وبعد ان تستعيد حقها اخيرا والذي لم يستطع احد من رجال القانون او اقاربه من استعادته وهذا ما يدفعهم للثأر"
 
غامت نظراتها فجأة بغلالة قاتمة وهي تفكر بمدى احتمالية ان يكون هناك ثأر مدفون بحياة زوجها وهو ما يحركه لفعل ما يفعله معها ؟ ولكن كيف ستقدر على التأكد من هذا الكلام ؟
 
افاقت من غلالتها والتي احاطت حياتها للحظة صوت الجالسة بقربها وهي تهمس بجانب اذنها بقلق
"صفاء ما لذي اصابكِ ؟ لما لونك مسحوب هكذا ؟"
 
شهقت بارتعاش لوهلة وهي تلتفت نحوها بارتباك لتقول بعدها بشبه ابتسامة وهي تمسح وجنتيها المحمرتين تلقائيا
"لا شيء يا ماسة ، ولكني كنت افكر بأمر ما احتل تفكيري فجأة"
 
ارتفع حاجبيها بعدم اقتناع وهي تشيح بوجهها جانبا بتفكير جامد ، لتقول بعدها بلحظات قصيرة وبعد ان اختفى الجمود عن ملامحها قليلا بابتسامة جانبية بمرح
"صحيح لقد نسيت ان اخبركِ ؟ لدي لكِ خبرين واحد سعيد والآخر حزين وهذا ليبدل عنكِ هالة الحزن قليلا"
 
نظرت لها بلهفة عادت لتلون تلك الاحداق العسلية وهي تهمس بطفولية
"اخبريني بالبداية بالخبر السعيد ؟"
 
اومأت برأسها بهدوء وهي تدس يدها بجيب سترتها قبل ان تخرج منها هاتف جديد وهي تلوح به قائلة ببساطة
"انظري لقد اشتريت هاتف جديد ، كما كنتِ تتمنين وتصرين عليّ دوما"
 
اتسعت عينيها بدهشة وبانبهار بذات الوقت مع ابتسامة صغيرة بدأت تشق طرف شفتيها الورديتين لأول مرة منذ وصولها ! لتختطف بعدها الهاتف بلمح البصر من يد صاحبته وهي تتفحصه باندهاش هامسة بفرحة طفولية
"رائع ما اجمله ! واخيرا تحققت امنيتي وبدلتِ هاتفكِ القديم والذي اخجل من ان اسميه هاتف ، لقد ظننت بأني سأشيخ قبل ان تأتي هذه اللحظة !"
 
عبست ملامحها بغضب وهي تهمس من بين اسنانها بحدة
"لقد كان هاتفا رائعا وافضل من التقنيات الحديثة والتي احدثت ضجة بدون الداعي لذلك ، ولكن حدث ان توفي قبل ان يشيخ معي"
 
ضحكت ببحة ما تزال تسيطر على صوتها الباكي وهي تنظر لها بأطراف عينيها ومرفقها يضرب بذراعها قائلة بخفوت مرح
"اذاً هيا اخبريني كيف توفي هاتفك وما نوع الحادث الفظيع والذي تعرض له وجعلكِ تتخلين عنه ؟ بالعلم بأنه قد تعرض لحوادث عدة ولم يتأثر بها !"
 
امتعضت ملامحها وهي تهمس بشراسة قاتمة ناظرة امامها بنقمة
"لقد كان اسوء حادث يتعرض له ، واسوئهم بالنسبة لي"
 
تغضن جبينها باستغراب وهي تتابع تشنجات ملامحها والتي ظهرت على صفحة وجهها ؟ لتقول بعدها بلحظة وهي تعود لتأمل الهاتف نافضة عنها غمامة الحزن
"ولكنه ليس افضل الهواتف الحديثة والتي رأيتها ، ومع ذلك يبقى افضل من تلك الخردة والتي تسميها هاتف"
 
حادت بنظراتها نحوها لوهلة بدون اي تعبير مقروء سوى عن الغضب والذي ما يزال يعبث بملامحها الجليدية ، لتخفض بعدها الهاتف وهي تهمس بابتسامة مرتبكة
"إذاً وما هو الخبر الحزين ؟"
 
تسمرت للحظات بمكانها بدون اي حركة وكأنها تحولت لتمثال جليدي ، قبل ان يتبعها بصوتها البارد بعبوس غير معبر
"لقد عقدت قراني قبل عدة ايام من ابن خالي"
 
فغرت شفتيها بارتعاش لوهلة وملامحها تتنقل بين الوجوم والذهول بنفس الثانية بدون ان تحدد ما عليها الشعور به الآن بين كومة المشاعر والتي اجتاحتها بلحظة واحدة ! لتستطيع بالنهاية الهمس ببلاهة متعثرة
"هل عقدت انتِ ايضا قرانك من ابن خالك المتزوج روميساء ؟ ولكن كيف هذا ؟....."
 
تأوهت بألم ما ان ضربتها الأخرى على رأسها بقوة وهي تقول بعبوس حاد
"لا يا بلهاء ! لقد عقدت قراني من ابن خالي الثاني الغير متزوج والذي انقذنا من قبل من شقيقك المجنون ، لذا فكري اولاً قبل ان تنطقي بأي كلمة سخيفة طائشة"
 
دلكت على رأسها بيدها وهي تهمس بضيق ممتعض
"حسنا فهمت ، لا داعي للقسوة ! وكيف حدث هذا الزواج ظننت بأنكِ لا تطيقين فكرة الارتباط بأي رجل ؟"
 
حركت رأسها بعيدا عنها وهي تهمس ببساطة
"لقد حدث ان غيرت رأيي بفكرة الزواج ، وهذا بالنهاية قدري المحتوم والذي لا استطيع التحكم به ، ولكني اعدكِ بأنه لن يدوم"
 
عقدت حاجبيها ببطء لوهلة وهي تهمس بابتسامة خبيثة بمرح
"إذاً هل تقولين بأنه قدركِ حقا ؟ ام هو سحر الحب والذي اوقع بقلبك !....."
 
شهقت بذعر وهي ترفع يديها تلقائيا لتحمي رأسها من الضربة الطائشة ما ان التفتت المتجهمة بجانبها وهي ترميها بنظرات مستعرة قد توديها قتيلا ، لتهمس عندها بابتسامة مرتجفة ببراءة
"لن اعيدها مجددا هذا وعد"
 
عادت بنظراتها للأمام باللحظة التالية وهي تتأفف بضيق واضح ، لتتابع الجالسة بجانبها كلامها وهي تخفض يديها عن رأسها بهدوء
"ولكن لم افهم ما هو الأمر المحزن لتقولي عنه خبر محزن ؟ بل هو اجمل خبر اسمعه بحياتي واجمل من خبر حصولك على الهاتف ! فمعرفتي بزواج صديقتي من شخص شهم ووسيم مثل ذاك الرجل بدل ذاك المجنون لهو امر رائع !......."
 
قاطعتها بصوت بارد بانقباض مفاجئ
"إياكِ وان تخبري مازن عن زواجي ، فأنا لا اريد اي مشاكل بهذه الفترة"
 
اومأت برأسها بصمت وهي تعض على طرف شفتيها بارتجاف ما ان تذكرت شقيقها ووالدها والذين لم تعد تستطيع ان تسأل عنهما بعد زواجها المزعوم والذي لا تعلم اين ستكون نهايته ؟ لتشعر بعدها بلحظة بيد تربت على كتفها بهدوء قبل ان يتبعها صوتها وهي تهمس بقلق لم يفارقها للآن اتجاه صديقتها
"هل انتِ حقا بخير يا صفاء ؟"
 
ابتلعت ريقها بتشنج وبحشرجة البكاء والتي ما تزال عالقة بمجرى تنفسها بألم ، لتهمس بعدها بأنفاس متقطعة وبعد ان اختفت السعادة اللحظية عن تفاصيل وجهها لتعود لحزنها الشارد
"انا بخير ، وكل ما اتمناه ان ابقى دائما بخير ، ولا اريد شيء آخر من هذه الحياة"
 
فتحت شفتيها عدة مرات بتفكير بدون ان تجد ما تواسيها به وهي تقفل كل الطرق بطريقها لسبر اغوارها ومعرفة قصة حياتها الجديدة والتي لا تبدو مبهجة كما كانت تظن سابقا ! ليقطع عليها تفكيرها صوتها الرقيق وهي تتابع كلامها مع دمعة صغيرة انحدرت من مقلتيها دون ارادة منها
"لقد كبرنا حقا يا ماسة ولم نعد اطفال ! وكل واحد منا اصبح يختار شريك حياته والذي سيكمل معه بهذه الحياة ، بدون ان يأبه احد بالتباعدات والتي ستزداد بين كل واحد منا لينفرد بحياته الخاصة وبتكوين نفسه وعائلته ، ولن يعلم عندها احد بالنزاعات والمشاكل والتي نواجهها بتلك الحياة والتي اخترناها بإرادتنا الحرة ؟"
 
ارتفع حاجبيها بوجوم عابس ولم يعجبها سير كلامها ابدا والمعنى الخفي والذي وصلها له ؟ وقبل ان تعلق على كلامها سبقتها التي التفتت نحوها بلحظة وهي تهمس بابتسامة صغيرة ببهجة
"مبروك عقد قرانك يا ماسة ، واتمنى لكِ طولة العمر وسعادة ابدية ترافقك طول حياتك ، ولكن إذا عرفت بأنكِ لم تدعيني لحفلة زفافك ، فأنا عندها سأدعو لكِ بالسوء وبداية فاشلة لحياتك ، وهذا آخر كلام عندي لذا احذري !"
 
ابتسمت بدهشة مع ارتفاع حاجبيها بآن واحد وهي تهمس بخفوت متحدي
"لقد كبرتِ حقا ايتها الطفلة الباكية ولم تعودي فتاة سهلة"
 
اتسعت ابتسامتها بسعادة حتى وصلت لوجنتيها المحمرتين مع بريق مبهج لمع بمقلتيها العسليتين بعيدا عن الحزن ، لتندفع بعدها فجأة وهي تعانقها بذراعيها بقوة بنفس قوة استقبالها لها ، وهي تهمس بحزن سكن قلبها وببحة بكاء سيطرت على صوتها
"لو تعلمين كم اشتقت لكِ يا ماسة ؟"
 
بينما كانت الاخرى تربت على شعرها بهدوء وبصمت اعتادت على ان تقابلها به لتصبح طقس حياة بينهما تعيش عليه كليهما ، وهي تستمد القوة من كل واحدة منهما لتكمل النقص بدواخلهما ومن تناقضات الاخرى ، حتى اصبحت حياة بأكملها ما تجمع بينهما وفراقها هو الموت .
______________________________
فتحت باب الغرفة وهي تخرج منه تتبعها خطوات السائرة من خلفها وهي تهمس باستعطاف
"هيا يا ماسة لقد وصلتِ للمنزل للتو ، وليس من اللائق ان ترحلي بدون ان نقدم لكِ اي ضيافة تليق بكِ بعد كل تلك المسافة والتي قطعتها لتصلي لهنا....."
 
قاطعتها التي توقفت امام باب المنزل لتستدير نحوها بلحظة وهي تلوح بيدها قائلة بجمود خافت
"لا استطيع يا صفاء ، افهمي لقد اتيت فقط للاطمئنان عليكِ وامضاء بعض الوقت برفقتك ، ولم اتوقع ان اؤخذ كل هذا الوقت بالزيارة والتي استغرقت اكثر مما كنت اخطط له ! والآن عليّ الاسراع للحاق بالحافلة والتي ستوصلني للمدينة الأخرى والتي لن اصل لها قبل موعد الغروب"
 
عبست ملامحها بحزن وهي تمسك بيدها هامسة بخفوت متأسف
"انا اعتذر حقا على التعب والذي تكبدته للوصول لمكان سكني وتفكيركِ بالسؤال عني ، بينما كان من المفروض انا ان ازوركِ واسأل عنكِ وليس انتِ !"
 
ربتت على كفها بيدها الاخرى وهي تحرك رأسها هامسة بابتسامة صغيرة بشرود
"لا بأس يا صفاء ، فأنا لست اعاتبك ولا انتظر منكِ شيء ، فقط اردت استعادت بعض الذكريات معكِ فأنتِ ستبقين صديقتي الوحيدة وامركِ يهمني جدا مثل جزء من عائلتي والتي انتسبت إليها منذ وقت طويل"
 
نظرت لها بنظرات دامعة عسلية وهي تشدد من إمساك يدها بكلتا كفيها بقوة لتزيد من تقوية عهد ما يزال ينمو بداخل كل منهما لهذه اللحظة ، لتقول بعدها بلحظات التي سحبت يدها وهي تعقد حاجبيها بجدية
"هل حقا قررتِ ترك مسيرتك بالجامعة ؟ ذلك الطريق والذي اخترناه معا وبعزيمة بأن نكمله معا"
 
زمت شفتيها بوجوم لبرهة وهي تخفض نظراتها بامتقاع بدون ان تتجرأ على الكلام ، وهي لا تعلم بماذا تجيبها الآن بعد ان تجاهلت كل اسئلتها المتعلقة بالجامعة لتعود لنفس السؤال من جديد ؟ فهل تخبرها بالحقيقة وبأن زوجها لا يسمح لها بزيارة عائلتها حتى يسمح لها بالذهاب للجامعة بفترة زواجها المؤقت ؟
 
همست بعدها بارتجاف طغى على صوتها الخافت بوجل
"اجل اعتقد ذلك !"
 
ارتفع حاجبيها وهي تحاول التقاط همستها الاخيرة بعدم اقتناع وبجمود سيطر على ملامحها فجأة ، وبدون ان تنتبه كليهما لصوت باب المنزل بقربهما والذي فُتح فجأة ليدخل منه الرجل ، والذي تجمد بمكانه لبرهة وملامح وجهه تتنقل بين الجمود الصخري والغضب الاسود ، والذي بدأ يطفو على اغلب ملامحه الحادة بقسوة بدأت تنضح بعينيه السوداوين نشرت القتامة بالأجواء من حولهم بغمامة كاتمة للأنفاس .
 
اول من لمحه التي كانت تقف مقابلا له والتي اتسعت عينيها العسليتين بلحظة على اقصاهما برعب غير مسبوق وبارتعاش احتل كل طرف بجسدها الهش ، وهي تدرك الآن فقط فداحة فعلتها ومصيبتها والتي غفلت عنها بالدقائق الماضية ! لتلتفت بعدها الاخرى الواقفة بقربها والتي شعرت بوجوم غريب بالأجواء وبرعب صديقتها والتي شلت حركتها ، وهي تحدق بالذي كان يقف امامهما وهو ما يزال ممسك بمقبض الباب بقوة وبقسوة شعرت بها ، وهي تتجلى بملامح وجهه الحادة باسمرار خالص وبريق خطر يلمع بتلك الأحداق السوداء القاتمة لا يراها سوى من عايش وجرب كل اصناف الرجال بقسوتهم وقذارتهم ؟ ولكن الذي اكتشفته بنظرة خاطفة وطمئن قلبها بأن هذا الرجل لا ينتمي لأي من هؤلاء الرجال من تلك الفئة المعروفة بالعصابات واصحاب السوابق الاجرامية ، وبالرغم من كل ذلك فهي شبه متأكدة بأنه لا يختلف عنهم بطباعهم النارية وهالة القسوة والتي تحيط كل واحد منهم لتبعث الرعب بأوصال كل من يحاول مجابهتهم من تلك الفئة .
 
عضت على طرف شفتيها بتفكير عميق وهي ترفع حاجب واحد ببطء ما ان شعرت بأن هذه الملامح القاسية قد مرت بذهنها سابقا وقد قابلتها من قبل منذ فترة ليست ببعيدة ، ولكن المشكلة عدم قدرتها على تذكر مكان رؤيتها لها وهي تغيب عن عقلها لأول مرة لم تحصل معها من قبل ! ومع ذلك ما زالت موقنة بأنها قد رأتها متجسدة بملامح احدهم بنفس تلك الخطوط الدقيقة الحادة بدون ان تتذكره ؟
 
تنفست بهدوء وهي تنفض هالة الصمت عنهم هامسة للساكنة من خلفها ببساطة
"إذاً عليّ المغادرة الآن ! فيبدو بأن زوجك قد وصل ولم يعد وجودي هنا لائقا بينكم ! لذا وداعا إلى لقاء آخر"
 
عندما لم تجد اي رد منها وهذا ما توقعته حتى استدارت للأمام لتكمل سيرها امام الذي كان يتبع معها بتدقيق خطوة بخطوة وبنظرات حادة غير معبرة ، لتصل بالنهاية بمحاذاته وعلى مقربة منه قبل ان تهمس لبرهة بابتسامة متصلبة بقسوة شبيهة بقسوة ملامحه
"اهتم بصديقتي جيدا وحافظ عليها بكل ما تستطيع من قوة ، لأنك إذا اخطئت معها يوما وكررتها ايام متواصلة فأنت عندها لن تخسرها فقط بل ستصبح مجرد حلم بحياتك ستتمنى فقط الوصول له ، فهي دائما تسامح وتصفح مرة ومرتين ، ولكن صدقني بالنهاية ستنتهي فرص مسامحتك عندها ولن يبقى لك سوى اللوم والندم ! لذا توقف عن كسرها لأنك لو حاولت ترميمها فلن تعود كما كانت كالسابق وسيموت عندها بآخر المطاف حبها لك !"
 
التفت بوجهه نحوها ببطء وهي ينظر لها ببرود جليدي طغى على نظراته السوداء بدون ان يرد بكلمة ، لتبتسم بعدها بشحوب وهي تقول بمحبة مزيفة
"نهارك سعيد ، وتشرفت بالتعرف عليك يا سيد زوج صديقتي"
 
خرجت بعدها بلحظات بدون اي كلمة اخرى لتخلف من بعدها سكون ورهبة بالأجواء من حولهما بصمت طويل ، وما هي ألا لحظات حتى اغلق باب المنزل من خلفه بقوة صدحت بالمكان ، وهي تبعث رعشة لا إرادية بجسد الساكنة بمكانها وكأنها صحوة مما اصابها الآن وبداية عذاب جديد مما هي مقبلة عليه ، وهي تخرق احدى قوانينه والتي اخبرها بها من قبل بدون اعتبار لأحد !
 
لعقت طرف شفتيها لا شعوريا وهي تنتظر القادم والذي لم يتأخر عنها كثيرا ما ان همس المقابل لها بأول مبادرة منه بخفوت خطير يحمل الكثير بين طياته
"من هذه الفتاة والتي كانت موجودة بمنزلي ؟"
 
ابتلعت ريقها وهي تجيب بخفوت شديد بدون ان تعلم إذا كان قد وصل له صوتها
"انها صديقتي ماسة ، وقد اتيت للاطمئنان عليّ لا اكثر"
 
شددت من القبض على يديها بقوة حتى آلمت مفاصلهما ما ان تقدم اكثر بخطواته نحوها ومع كل خطوة كانت تزيد من تخبط نبضات قلبها المتسارعة بألم بصدرها ، ليقف بعدها امامها تماما لا يفصل بينهما سوى خطوة وهو يتابع كلامه قائلا بحدة اشد عن السابق
"وهل هذه هي صديقتك والتي تتكلمين عنها دائما بين ثرثرتك ؟"
 
امتعضت ملامحها من كلامه الاخير والذي يدعوه بالثرثرة وهي تومأ برأسها بالإيجاب وبصمت يكاد يطبق على انفاسها ، ليقطع كل هذا الهدوء والذي طغى على كلامه الاخير القبضة والتي امسكت بذراعها بلمح البصر ليتبعها بقسوته المعتادة بالصراخ ببأس
"ومن سمح لكِ بإحضار اصدقائك او استقبالهم بمنزلي ؟ ألم نتفق سابقا على عدم استقبال احد بالمنزل وعدم زيارة احد ، هل عدنا لعصيان اوامري مجددا واختراق القوانين والتي وضعتها لكِ بمهلة هذا الزواج المؤقت ! لما لا تستطيعين الالتزام بكلامي ؟....."
 
تدخلت التي خرجت من المطبخ بعجلة وهي تقول بجزع
"جواد ما لذي تفعله ؟......."
 
صمتت بارتباك ما ان تجسد المشهد امامها وهي ترى ابنها يعنف زوجته بطريقة لم تتوقع حدوثها من قبل ولا بأحلامها ، لتوجه نظرات عاتبة لابنها والذي لم يعر وجودها اهتمام ، وهو يوجه كل غضبه الاسود على تلك الزوجة المستكينة بمكانها والتي كانت تتلقى التعنيف بصمت ارهق كيانها ، والذي كان يرتجف بداخلها بانقباض وبنحيب صامت غير مسموع سوى امام اذنيها وكأنها سلمت مصيرها للمجهول .
 
تقدمت بسرعة (هيام) وهي تقول بحزن عميق واستعطاف امام جنون ابنها
"اسمعني يا جواد ، هي لم تخطئ انا التي استقبلت صديقتها فهي فتاة طيبة ونيتها صافية ، وقد كانت تود رؤية صديقتها والاطمئنان عليها ، وصفاء لم تكن تعلم عن هذه الزيارة......"
 
قاطعها الذي رفع رأسه كما كفه باتجاه والدته بأمر وهو يقول بقوة
"توقفي عن الدفاع عنها امامي يا امي ولوم نفسك ، فهذه المشكلة هي السبب الرئيسي بها وهي المخطئ الوحيد هنا ، عندما خرقت قوانيني بدون اي اعتبار لأحد وقد نبهتها كثيرا على هذا الأمر"
 
تلكأت والدته بمكانها وهي تعود للهمس بحذر ورجاء مستجدي
"ولكن بني هي....."
 
عاد لمقاطعتها الذي قطب جبينه بحدة وهو يصرخ بأمر رج جنبات المنزل
"امي رجاءً لا تتدخلي بهذه الأمور ، وابقي بعيدة"
 
عبست ملامحها بشحوب وهي توجه نظراتها للتي كانت تنظر لها بالمقابل باستجداء صامت وهي تستغيث بها لتنقذها بما فيه الآن ، لتحاول بعدها ببرهة الكلام من جديد بخفوت وحزن اشد
"فقط اسمعني يا بني ، فليس هكذا تحل الأمور"
 
تأفف بعدها بنفاذ صبر وهو يسحبها معه باتجاه غرفتها بصمت ، وهي تتبعه بتعثر ونظراتها ما تزال معلقة بالتي تركوها من خلفهما وهي تودع آخر امل بالنجاة من هذه الحال والتي ستقضي على المتبقي من هدوء حياتها .
 
وما ان وصل بها للغرفة حتى ادخلها بقسوة وهو يعود ليكبل ذراعيها بقوة هادرا امام وجهها بعنف قاسي
"هل تريدين رؤية غضبي الاسود ؟ لأنه على ما يبدو لم يعجبك الوجه والذي اقابله بكِ وطريقة الحياة والتي اعاملها بكِ ! لذا تريدين تجربة شيء آخر من ألوان حياتك معي......"
 
حركت رأسها بالنفي لا إراديا وهي تهمس بتلعثم وبأنفاس متحشرجة
"صدقني يا جواد ، لم اكن اعلم بزيارة ماسة ، لقد جاءت بغفلة مني لتطمئن عليّ ، وإذا كنت لا تصدقني فيمكنك رؤية هاتفي ومكالمتي الاخيرة معها"
 
ارتفع حاجبيه بحدة قاسية وهو يتذكر القليل من كلام تلك الفتاة الغريبة والتي شعر بقسوة كلامها ينفذ بروحه بطريقة لم تسبق ان حدثت معه ؟ وهو الذي لم يتوقع ان يكون شكل تلك الصديقة المجهولة عكس ما تخيل ! فهي تبدو النقيض تماما عن زوجته الرقيقة والتي ظهرت بوقاحة كلامها وثقتها البالغة بنفسها وكأنها شقيقتها الكبرى وليست صديقة بعمرها لم تتجاوز العشرين بعد .
 
عاد بنظره للتي كانت ترتجف بين يديه بنحيب صامت مثل عصفور صغير يحتضر بين قيود قبضتيه القاسيتين ، ليقول بعدها بلحظات بابتسامة جادة بشك
"هل تقولين الحقيقة يا صفاء ؟ ام هذه كذبة منكِ لتنفذي من فعلتك !"
 
حدقت به للحظات بتجمد لمحه بعينيها الدامعتين واللتين توقفتا عن البكاء فجأة ، لتهمس بعدها لوهلة بابتسامة ضعيفة بحزن
"هذه الحقيقة فأنا لم اكذب بحياتي ولم اعرف الكذب يوما ، ولكن هناك آخرون جعلوني اعيش بكذبة همّ الذي ابتدعوها وانا الوحيدة التي صدقتها ! الصادقون ليسوا اغبياء ولكنهم يظنون بأن جميع من حولهم صادقون مثلهم"
 
تسمر بمكانه للحظات وهو يشعر بإهانة غير مباشرة اصابته بقوة بدون ان يسمح لأيً من هذه التخبطات بالظهور على ملامحه الصخرية سوى لمحة ألم خفية سكنت تلك الاحداق السوداء للحظة ، ليعود بعدها للجمود وهو يدفع ذراعيها بعيدا عنه بقسوة قبل ان يستدير بقوة ، وقبل ان يصل للباب سبقته التي همست من خلفه ببحة بكاء طفيفة
"هل تفعل كل هذا من اجل الثأر يا جواد ؟"
 
توقف عند الباب بجمود قبل ان يلتفت بنصف وجهه وهو يهمس بلا مبالاة
"ما لذي تتفوهين به ؟ وعن اي ثأر تتكلمين !"
 
تقدمت نحوه اكثر حتى اصبحت خلفه تماما وهي تهمس بوجوم حزين
"اقصد هل هناك ثأر بينك وبيني لا اعلم عنه ؟ فأنا لا اتذكر بأني قد اخطئت معك يوما !....."
 
قاطعها الذي عاد ليستدير نحوها بلحظة وهو يقول بانفعال عابس ببعض الصدمة من تفكيرها
"كفى يا صفاء ليس هناك شيء من هذا الكلام"
 
رفعت عينين نديتين وهي تهمس بانفعال منقبض
"بل كلامي صحيح وتريد الانتقام مني بشيء فعلته لك بالماضي ، ولكني متأكدة بأني لم افعل لك شيء ، وكيف سيحدث هذا وانا لم اقابلك بحياتي !"
 
عقد حاجبيه بحدة حتى ظهرت خطوط دقيقة بقسوة عند زوايا شفتيه المتصلبتين ، وهو يفكر بطريقة لينحي تفكيرها عند هذه النقطة فهو لن يدعها تكتشف شيء عن هذا الثأر قبل ان يحررها منه ويتخلص من هذا العبء والذي اصبح يثقل على كاهله كثيرا ، ليقول بعدها بلحظة بابتسامة جانبية بخبث وهو يلوح بذراعه جانبا
"بل لقد التقينا من قبل يا صفاء ، كيف تنسين بهذه السرعة تلك اللحظات المهمة بحياتنا ؟"
 
انفرجت شفتيها بأنفاس مرتعشة بدون ان تتذكر شيء مما يتفوه به من ترهات ! لترفع بعدها حاجبيها برهبة وهي تهمس بعدم فهم
"عن اي لقاء تتكلم ؟"
 
انحنى امامها فجأة بوجهه جمدت اطرافها برعب وبعثرت كيانها بأكمله بثانية ، وهو يمسك بذقنها الصغير بقوة شعرت بها بأصابعه المتصلبة ليقبلها عندها برقة بدون اي مقدمات ، قبل ان يهمس امام شفتيها بخفوت خشن ألجم انفاسها
"انا فارس احلامك يا صفاء"
 
اخذت عدة انفاس مرتجفة بدون كلام ، ليتراجع عندها بعيدا عنها بلحظة قبل ان يخرج من الباب المفتوح من خلفه بصمت ، بينما انفاسها عادت للارتجاف بتخبط صدرها الملتاع بتقافز نبضاته ، لترتمي باللحظة التالية على السرير من خلفها وهي تنظر امامها بشرود ما ان غيمت نظراتها بضباب احلامها ، بذكرى بعيدة لطفلة لا تتجاوز العشر اعوام واقفة امام شاب طويل القامة وهي تسأله ببراءة عن اسمه ، ليجيب صاحب القامة الطويلة بجواب غامض لم تأبه لمعناه الحقيقي آن ذاك وهو يخترق قلبها الصغير بفرحة طفولية
"انا اكون فارس احلامكِ يا صغيرتي"
 
______________________________
كانت تسير باتجاه مرآب المدرسة حيث مكان سيارتها المركونة هناك ، لتتوقف بعدها قليلا وهي تشعر بقطرات مطر صغيرة بدأت بالهطول من فوقها ببطء ، لتنذر عن وصول عواصف وشيكة بمثل هذا اليوم الغائم والذي لا يجلب سوى الحزن والكآبة ، وهذا بعد ان تحملت الغيوم بكل انواع الهموم لتسيل بالنهاية على شكل دموع محملة بخيبة كبيرة وبرودة مجمدة للأطراف .
 
ما ان غرزت المفتاح بقفل باب السيارة حتى تسمرت لوهلة ما ان سمعت الصوت الطفولي يقول من خلفها بمرح
"معلمتي"
 
استدارت للخلف بحذر وهي تنظر باتساع للطفل امامها والذي هرول باتجاهها ، قبل ان يقف امامها مباشرة وهو يقول بابتسامة كبيرة برجاء
"هل يمكنكِ ان توصليني معكِ اليوم للمنزل ؟ ارجوكِ"
 
ارتفع حاجبيها بدهشة للحظات وهي تهمس بصرامة خافتة
"ولماذا تريد الذهاب معي تحديدا ؟ واين هو والدك ألم يصل بعد ؟......"
 
قاطعها وهو يعبس باستياء
"لن يستطيع القدوم بسبب الاحوال الجوية ، والحافلة قد غادرت منذ وقت ، وانا لا اريد الذهاب مع اي احد من عمال المدرسة ، لذا ارجوكِ ان تقليني معكِ"
 
عقدت حاجبيها بحيرة وبوجوم طفى على ملامحها لبرهة ، ليقطع سيل افكارها صوت مساعدة المديرة والتي اتجهت نحوهما من فورها وهي تقول بصرامة آمرة
"سامي هيا تعال معي بسرعة ، من اجل ان اوصلك للمنزل قبل ان يتأخر الوقت"
 
تراجع الطفل بخطواته بسرعة ليقف بجانب الساكنة بمكانها وهي تراقب الوضع بارتباك تجلى على ملامحها بشحوب ، لتقول بعدها بلحظات بثبات متزن ما ان وقفت امامها مساعدة المديرة بإمارات الغضب المتجلية على وجهها بعبوس
"لا بأس يا آنسة منال ، انا سأوصل سامي لمنزله فأنا اعرف عنوان سكنه ، وسأعفيكِ اليوم من هذه المهمة لكي لا يسبب لكِ المزيد من المشاكل"
 
حانت منها التفاتة نحو الطفل بعبوس قبل ان تتنهد بيأس ، وهي توجه نظرات قوية باتجاه المقابلة لها قائلة بحرص شديد
"حسنا يا معلمة روميساء ، ولكن عليكِ ان تنتبهي بأن يصل لمنزله بدون اي مشاكل ، فهذه الأمانة قد اصبحت الآن بعاتقك وعليكِ الحرص عليها جيدا واعادتها لأصحابها كما هي"
 
اومأت برأسها بشرود وهي تبتلع ريقها بتشنج وبانقباض حاد احتل صدرها فجأة بدون ان تعلم مصدره ؟ وسبب تلك الغصة العالقة بمنتصف روحها بدون ان تتزحزح من مكانها ؟ وتفكيرها فقط بتحمل مسؤولية طفل ينحر روحها بألم قديم لا يريد ان يبارح مخيلتها ابدا !
 
بعدها بلحظات كانت تشغل محرك السيارة وبعد ان جلس الطفل بالمقعد بجانبها ، لتبدأ بالقيادة بعيدا عن اسوار المدرسة وبعيدا عن انظار تلك المرأة والتي كانت تتابعهما بنظراتها الصارمة حتى اختفوا عن نظرها تماما .
 
وبعد دقائق من القيادة الصامتة قطعها صوت الجالس بجانبها وهو يقول بانبهار واضح مخترقا هالة الصمت والتي احاطت نفسها بها
"سيارتكِ جميلة جدا وهي تشبه كثيرا سيارات السباق ، ولكن لما لم اراكِ تقودينها من قبل ؟"
 
ابتسمت بهدوء وهي تنظر لقطرات المطر والتي تكاثرت على زجاج النافذة امامها هامسة برفق
"هذا لأنني لم اشتريها سوى من فترة قصيرة ، فقد كنت اعود لمنزلي بسيارة اجرة او مع زوجي"
 
التفت نحوها بوجهه الصغير وهو يرفع حاجبيه هامسا ببراءة
"ولما لم تشتريها من قبل ؟ ماذا كان يمنعك من شراء هذه المركبة الرائعة !"
 
انفرجت شفتيها قليلا قبل ان تضحك لا إراديا على فضول هذا الطفل والذي يميزهم بهذا السن ، لتعود بعدها لقناع الجدية وهي تهمس بهدوء جاد
"لأنني ببساطة لم اكن املك رخصة قيادة لأستطيع قيادة هذه المركبة الرائعة ، وما ان اصبح لدي رخصة قيادة اشتريتها ، هل فهمت يا صغيري ؟"
 
اومأ برأسه ببراءة وهو يهمس بلهفة بالغة
"انتِ محظوظة جدا يا معلمة روميساء ، اتمنى لو املك رخصة قيادة لأستطيع عندها قيادة ما يحلو لي من انواع السيارات حديثة الطراز لكي اذهب بها حيث اشاء وبدون مساعدة اي احد ليوصلني للمنزل"
 
حادت بنظراتها نحوه بحيرة من افكاره الغريبة بخصوص السيارات واحلامه والتي تدور نحوها على طفل بعمره ! لتعقد بعدها حاجبيها بوجوم ما ان تابع كلامه وهو يضرب على صدره بقبضته الصغيرة قائلا بثقة طفولية
"انا اعدكِ بأنني عندما اكبر سأشتري سيارة جميلة وافضل من سيارتك ، وعندها يمكنني ان اوصلكِ للمكان الذي تريدينه وتحبين زيارته"
 
حركت رأسها للأمام بابتسامة هادئة وهي تتابع بنظرها عمل المساحات الآلية والتي كانت تمسح قطرات المطر برتابة ، لتهمس بعدها بلحظة بخفوت مبتسم
"ولكنك نسيت والدك ! ألا تريد ان توصله معك بسيارة احلامك ؟"
 
ردّ عليها الذي عبست ملامحه وهو يتمتم بحزن
"إذا كان لا يحب ان يوصلني معه بسيارته للمنزل ، فأنا ايضا لا اريد ان اوصله بسيارتي المستقبلية"
 
تغضن جبينها بوجوم للحظات قبل ان تهمس بحزم صارم
"لماذا تقول مثل هذا الكلام عن والدك ؟ هو اكيد لا يتقصد عدم الحضور وايصالك للمنزل ، هو فقط لديه ظروف واشغال تمنعه من ايصالك دائما"
 
اعتدل بجلوسه وهو يكتف ذراعيه بصمت هامسا بغضب
"ولكنني اشعر بأنه لا يحبني فهو يحب العمل اكثر مني ويفضل قضاء الوقت بالعمل على قضاء الوقت معي ! فهو يقضي كل ايامه بالعمل وحتى عندما يعود للمنزل يتجاهلني بحجة العمل"
 
عقدت حاجبيها بألم وهي تعود بنظرها للقطرات المتسربة على زجاج النوافذ الامامية بدون كلام والندوب بروحها تعود لتذكرها بحياتها والتي لم تكن بأفضل حال من حياة هذا الطفل ! فهي كانت يتيمة رغم وجود الوالدين والذين لم يكن يهمهما بحياتهما سوى العمل والانشغال بذلك العالم القاسي بعيدا عن الطفلتين ، لتنجبر واحدة منهما على رعاية الاخرى بغياب الوالدين والذين لم يستطيعا يوما تحمل مسؤوليتهما ورعايتهما كما ينبغي بعالمهما الخاص والمليء بالمشاكل والحروب منذ سنوات والذي انتهى بموت احد الوالدين .
 
بعد مسافة قصيرة اخذت منها اكثر من وقتها بسبب زحمة السيارات بهذا الجو الماطر والتي اصبحت وجهة البعض منهم الوصول لبيوتهم بسلام قبل ان تسوء الحالة الجوية اكثر ، كانت تركن عندها السيارة على الطريق المقابل لبناء منزله ، وما ان حاول الطفل فتح باب السيارة بجانبه حتى اوقفته التي امسكت بذراعه وهي تقول بحزم
"انتظر يا سامي ، المطر ما يزال يهطل بغزارة ، لا تخرج قبل ان يتحسن الجو قليلا لكي لا تصاب بالبرد"
 
اومأ برأسه بطاعة وهو يعود بظهره لمقعده بصمت ، لتعود بالمقابل للجلوس بهدوء وهي تراقب قطرات المطر الغزيرة والتي كانت المساحات الآلية تعمل مهمتها بمسحها كل دقيقة لتتضح الرؤية امامهما .
 
وبعد عدة دقائق طويلة لمحت سيارة بعيدة بأضواء خاطفة اعمت بصيرتها للحظات ، ولكن ليس هذا ما لفت انتباهها بل صراخ الجالس بجانبها وهو يهتف بسعادة
"هذه سيارة ابي"
 
اتسعت عينيها بوجل ما ان خرج الطفل بجانبها من باب السيارة بلمح البصر ، لتنزع بعدها حزام الأمان وهي تخرج من فورها وراء الطفل ، وقد بدأت قطرات المطر بالهطول بغزارة على كامل ملابسها وشعرها ، ولكنها لم تأبه ونظراتها تلاحق الطفل الذي توقف عند الطريق بلهفة بانتظار قدوم والده ، وما ان حاولت اللحاق به حتى لمحت اضواء سيارة اخرى تبدو مسرعة من قيادتها المتهورة والذي يبدو بأن صاحبها قد فقد السيطرة على قيادتها ، وهي تترصد للسيارة امامها والتي لم تكن سوى سيارة والد الطفل .
 
تحركت باندفاع وهي تجري باتجاه الطفل وكل ما يحركها هو الخوف والذي نشبت عليه منذ كانت طفلة ، وبدون شعور منها عانقت الطفل بقوة وهي تدفن وجهه الصغير بصدرها ، ليتبعها بعدها بلحظة صوت تصادم قوي لسيارتين صدمت الواحدة منهما الاخرى بعنف والتي كانت تقود بتهور ليحدث تصادم خطير يشاركه صوت زخات المطر القوية وكله قد حدث بلحظة واحدة .
 
ما ان عاد السكون للأجواء الكاتمة وبصمت تام متناقض عن الصخب والذي سبقه بلحظة لم يعد يقطعه الآن سوى صوت المطر والذي خفت عن السابق ، لتشعر بعدها بارتخاء ذراعيها لبرهة ما ان تحرر الطفل من قيودها ليهرول بعيدا عنها باتجاه الحادث بمنتصف الطريق والذي تجمع من حوله الآلاف من البشر ، بينما عينيها الخضراوين المتسعتين بوجل تشاهد كل ما يحدث بروح ميتة وبقلب تعب من النبض ، وهي تراقب شريط حياتها يعاد امامها بشكل مختلف واكثر وقعا على روحها وهي تعايش الفقد بكل معانيه والذي ينتهي عادةً بفقد احد الوالدين او بفقدهما معا وبآن واحد وعندها لا نستطيع فعل شيء سوى التعايش مع قدرك المرسوم لك بهذه الحياة .
_______________________________
تنفست بارتجاف وهي تعانق ذراعيها بشدة من البرد القارص والذي اصبح يحوم بالأجواء ، وعينيها الغائمتين بسحابات الحزن والأسى تتابع قطرات المطر الصغيرة والتي كانت تسيل على زجاج النافذة ببطء وصعوبة ، وهي تشاركها هالة الحزن والتي خيمت على حياتها فجأة بعد مسيرة من حياة مبهجة مليئة بالسعادة والفرح بدون اي ندوب او حزن ، لتكون هذه نهاية كل احلامها والتي بنتها من اجل تلك الحياة السعيدة والمنتظرة لبطلة حكايتها والتي تقمصت دورها منذ طفولتها !
 
رفعت كفها امام زجاج النافذة الباردة والتي اشبعت بسحب ضباب الامطار ، لتخط عليها بأصبعها السبابة وهي تشكل على زجاجها بلحظة شكل وجه مبتسم كما اعتادت ان ترسم بأيام الطفولة ، عندما كانت تجدها متعة برسم الوجوه المبتسمة على نوافذ السيارات بأيام الشتاء البارد ، وكأنها تنشر السعادة بالعالم الكئيب ليصبح اكثر بهجة شبيهة بحالتها الدائمة مهما كان الوضع الذي تعيشه من حولها ، عبست زاوية من شفتيها بحزن وهي تخفض كفها ما ان تسربت قطرة ماء صغيرة لتمحي الابتسامة عن الوجه المبتسم ، وهو يتحول لوجه عابس حزين اختفت عنه كل سبل السعادة بالعالم بدون ان ينفذ الفرح بداخله وهو يفقد طريقه إليها !
 
مسحت الدمعة الهاربة من عينيها وهي تعيد الخصلات الحريرية لخلف اذنيها بهدوء وصمت تام ، لتشدد بعدها من تطويق صدرها بذراعيها وهي تريح جانب رأسها على إطار النافذة سابحة بذكريات بعيدة عادت واخذتها إليها ، بعد ان نست وجودها وقيمتها بحياتها الحالمة وما ان سمعت ذلك الاسم القديم لشخص مجهول الهوية كان يبدو بطلها المنتظر والذي تجسد امامها فجأة مثل الحلم الخاطف والشبيه بأحلام يقظتها !
 
اخفضت جفنيها على حدقتيها العسليتين وهي تتذكر اللحظة بكل تفاصيلها عندما كانت تلعب قريب من مدخل باب المنزل وحدها وهي تقفز فوق مربعات الرخام بالطريق على قدم واحدة ، ليظهر بعدها بلحظة الرجل الطويل والذي اصطدمت به عند ساقيه بسبب طوله الفارع حتى كادت تقع للخلف وهي تتشبث بساقيه بكفيها الصغيرين بخوف ، مرت لحظات قبل ان تفلت ساقيه ببطء وهي ترفع وجهها الصغير بوجل وبعينين متسعتين برعب باتجاه التمثال الساكن امامها والذي يبلغ رأسه عنان السماء بالنسبة لطولها والذي لا يتجاوز ساقيه !
 
كانت تشاهد شاب بمقتبل العشرين من العمر بملامح سمراء هادئة بدون اي تعبير يعلو ملامحه الساكنة ، ولكنها للغرابة لم تشعر بأي خوف فطري نحو هذا البشري الغريب عنها بالرغم من التحذيرات والتنبيهات والتي كان يمطرها بها والدها دائما بخصوص عدم الاقتراب من الاغراب وعدم اعطائهم ثقتكِ مهما حدث ! فما سبب هذه الراحة والتي بعثها مظهر هذا الغريب بروحها بسكينة وسعادة زرعت الفرح بقلبها ؟
 
عقدت حاجبيها الصغيرين بحيرة ما ان انقلبت ملامحه بعبوس متجهم وبعدها لشيء آخر لم تفهمه ولم تهتم له ؟ ليتبعها بعدها بلحظة انحناء ذلك الجسد الطويل امامها بلمح البصر وهو يجثو على ركبتيه ، ليصل لمستوى وجهها والذي كان ينظر له بابتسامة متسعة ببراءة كانت تزيد تلك العيون العسلية بريقا ذهبيا شبيه بالشموس الصغيرة .
 
ابتسم بعدها بجمود وهو ينظر لها عن كثب قبل ان يهمس بابتسامة غامضة
"ما هو اسمكِ يا صغيرتي ؟"
 
زمت شفتيها الصغيرتين وهي تهمس من بينهما بعفوية
"اسمي هو صفاء جلال"
 
اومأ برأسه ببرود وابتسامة غريبة كانت تعلو ملامحه بتصلب بدون ان تفهم سببها ؟ لتقول بعدها من فورها وهي تبتسم ببراءة
"ومن تكون انت يا سيد ؟"
 
اعاد نظراته للأمام وهو يضيق عينيه السوداوين لبرهة ، لينطق بعدها بلحظة بابتسامة جانبية بخفوت
"انا اكون فارس احلامكِ يا صغيرتي"
 
اتسعت عينيها العسليتين بدهشة قبل ان تتحول بلحظة لسعادة بالغة وهي تهمس بلهفة طفولية
"هل انت حقا فارس احلامي والذي سيتزوج بي عندما اكبر مثل قصة سندريلا !"
 
ارتفع حاجبيه بجمود وهو يتابع فرحتها الطفولية وتصديقها لهذا الأمر ببساطة صامتة ، ليزيد من حدة ابتسامته الملتوية وهو يتمتم بجمود متقد مغلف بمشاعر مكبوتة
"ربما ! فلا احد يعلم ما يخبئه لنا القدر ؟"
 
انفرجت شفتيها بعدم استيعاب قبل ان تعود للابتسام بسعادة وهي تعتبرها موافقة من فارس احلامها والذي سيكون زوج المستقبل والذي انتظرت قدومه بعالمها كثيرا مثل قصص الافلام المتحركة والتي تشاهدها على شاشة التلفاز يوميا ، ليعود للكلام مجددا الذي عاد للوقوف امامها وهو يرفع يده لها قائلا بابتسامة هادئة بدون اي تعبير
"ما رأيكِ ان نذهب معا بجولة بالحديقة ؟ سنستمتع كثيرا بوقتنا"
 
اخفضت نظراتها ليده الممدودة للحظات وهي تفكر باحتمالية صحة الذهاب معه ! ولم تأخذ منها سوى لحظة قبل ان تمسك بيده بكفها الصغيرة وهي تهمس بابتسامة كبيرة
"انا موافقة هيا بنا"
 
شدد من تطويق كفها الصغيرة وابتسامته تتسع بجمود مع نظراته والتي كانت تتابع بانتباه لهفة الصغيرة والتي تبدو مستعدة للذهاب معه لآخر العالم بدون اي تردد ظاهر على ملامحها الطفولية ، والتي كانت تذكره بشيء بعيد جدا غلفه ببرود وقسوة روحه وبدون اي ذرة شعور بالذنب دفنه بداخل ركام حياته .
 
بعد مرور دقائق كانوا قد وصلوا بها للحديقة اسرعت الطفلة بالجري بعيدا باتجاه بائع المثلجات ، قبل ان تقف امامه وهي تنظر بحماس للذي كان يسير نحوها ببطء بعكسها ، وما ان وصل كذلك عند بائع المثلجات حتى طلب منه مخروط من المثلجات لها ، لتقول بسرعة التي كانت تقفز بحماس وهي تقول بسعادة
"اريد مثلجات بنكهة الفراولة والفانيلا"
 
وضع البائع كريات الفراولة والفانيلا بالمخروط قبل ان يقدمه لها ، ليقول بعدها بتساؤل للواقف بجانبها
"ألا تريد انت ايضا المثلجات ؟"
 
كان يدس يده بجيب بنطاله قبل ان يناوله الاوراق المالية وهو يقول بجمود
"لا شكرا ، لا اريد"
 
حرك البائع رأسه بعدم مبالاة وهو يتناول النقود منه ، وما ان كان على وشك الرحيل حتى اوقفه البائع وهو يقول بجدية
"انتظر ! ألا تريد باقي نقودك !"
 
توقف قليلا بمكانه وهو يمسك بيدها الصغيرة للتي كانت منشغلة بتناول المثلجات بسعادة ، قبل ان يكمل بلحظة سيره معها قائلا ببساطة
"يمكنك الاحتفاظ بالباقي"
 
كان يحيد بنظراته بين الحين والآخر باتجاه الممسكة بيده وهي تتناول مثلجاتها بيدها الأخرى ، وبعد ان لطخت شفتيها بسائل المثلجات وهي تلعق حول شفتيها بلسانها الصغير كل لحظة باستمتاع واضح على تفاصيل وجهها الصغيرة ، وهو لا يفهم كل هذه الثقة العمياء والتي تكنها نحوه بأول لقاء بينهما بدون ان يدخل بقلبها الصغير الشك او الخوف منه ؟
 
افاق من افكاره بعبوس ما ان اشارت بيدها الصغيرة الممسكة بالمثلجات الذائبة وهي تقول بحماس منبهر
"انظر هذه المرأة تملك ورود جميلة !"
 
رفع نظراته باتجاه الذي تشير له ليلمح عندها امرأة كبيرة بالسن تقريبا تمسك بباقة ورود من كل الألوان وهي تلف وشاح مورد فوق رأسها شبيه بألوان الورود بين يديها ، وما هي ألا لحظات حتى كانا يقفان امامها تماما وهي تقول لهما بابتسامة بشوشة بمودة
"ما هو نوع الورود الذين تريدان شرائه ؟"
 
تدخلت الطفلة التي امسكت بيده بكفيها الصغيرين بتشبث قائلة برجاء متوسل
"ارجوك اشتري لي وردة ، اريد وردة"
 
حانت منه التفاتة جانبا وهو ينظر لشفتيها العابستين بحزن وعينيها الواسعة بالدموع ناظرتين له برجاء صامت ، وهو يشعر بسائل المثلجات يلتصق بيده بعد ان امسكت بيده بكفها الصغيرة الباردة والتي كانت تمسك بها مخروط المثلجات ، ليشيح بعدها بوجهه بعيدا عنها بضيق وهو يقول للمرأة بخفوت باهت
"هلا اعطيتني زهرة دوار الشمس ؟"
 
تهللت اسارير المرأة بسعادة وهي تقدم للزبون زهرة دوار الشمس ، ليمسك بعدها بالزهرة وهو يلمح فرحة الطفلة بجانبه والتي برقت بعينيها العسليتين بابتسامة كبيرة ، لينحني عندها امامها بلحظة وهو يقدم لها الزهرة والتي تناسب شكلها كما يرى ، لتمسك بها بالمقابل وهي تلوح بها هامسة بابتهاج عسلي فرح شبيه بشعاع زهرة دوار الشمس
"شكرا لك يا فارس احلامي ، احبك كثيرا"
 
تشنجت ابتسامته قليلا بدون ردّ وهو يحاول ابعاد شعاعها الذهبي والذي اخترق حياته فجأة بدون سابق إنذار .
 
وصل بالنهاية عند باب مدخل منزلها من حيث احضرها بعد تقريبا ساعة كاملة بالتجول بالحديقة ، ليقول بعدها بابتسامة جامدة بغموض
"حسنا لقد انتهت الجولة ، يمكنكِ الذهاب الآن يا صغيرتي"
 
اومأت برأسها بابتسامة حزينة قبل ان تقول بسرعة وهي تلوح بيدها الصغيرة بلهفة
"انتظر قليلا ! دقائق لأخبر ابي بوجودك ليأتي ويتعرف عليك ؟ سيسعد كثيرا بوجودك"
 
لم تمهله الوقت ليجيب على كلامها فقد كانت قد انطلقت بعيدا عنه لداخل المنزل ، وما ان عادت بعدها بدقائق وهي تسحب والدها قائلة بحماس
"انظر يا ابي ، ها هو !....."
 
انفرجت شفتيها الصغيرتين بصدمة ما ان اكتشفت عدم وجوده وخلو المكان منه ، ليقول بعدها والدها وهو يجول بنظراته بالمكان بحيرة
"صفاء من هو الذي تريدين مني لقائه ؟"
 
التفتت نحوه وهي تهمس بعبوس طفولي
"لقد كان هنا فارس احلامي"
 
ارتفع حاجبيه لوهلة قبل ان يضحك بمرح وهو يقول بابتسامة حانية
"هل هو صديق وهمي جديد يا صفاء !"
 
استاءت ملامحها اكثر وهي تهمس بتذمر
"غير صحيح هو ليس وهمي......"
 
قاطعها وهو يقول بجدية صارمة
"غير مهم يا صفاء ، ومرة اخرى إياكِ والتأخر باللعب خارج المنزل والابتعاد عنه ، فهذا يشعرني بالخوف والقلق عليكِ طول وجودكِ بالخارج ! سمعتي يا حبيبتي ؟"
 
اخفضت رأسها للأسفل بوجوم وهي تنظر للزهرة والتي ما تزال بيدها هامسة بخفوت مستاء
"حاضر يا ابي"
 
نهضت عن الكرسي بجانب النافذة وهي تنفض غمامة الذكريات عن رأسها والتي لن تجلب لها سوى الحزن على ذكريات واراها الزمن بين طياته المنسية ، لتصل امام المكتبة بزاوية الغرفة وهي تخرج من ادراجها دفتر صغير شبيه بمفكرة صديقتها (ماسة) والتي اشترياها معا من نفس المتجر بطفولتهما .
 
جلست على الكرسي وهي تقلب بين صفحات مفكرتها قبل ان تقف على صفحة كانت تحوي زهرة ذابلة من نوع دوار الشمس والتي اكل منها الزمن ما اكل بدون ان تدفن بريقها الذهبي والتي ما تزال تحتفظ به للآن ، وهي تشعر بنفس السعادة والتي انتابتها منذ لحظة حصولها على زهرة دوار الشمس من ذلك الفارس المنتظر ، والذي لم يصدق احد بوجوده وهمّ يظنونه مجرد وهم من وحي خيالها الخصب ولا وجود له بالواقع ، حتى اثبتت بالنهاية صحة وجوده بعالمها وتجسد شخص حقيقي بحياتها وهو يحقق كلامها بالزواج منها والذي لم يكن مجرد خيال ابتدعه عقلها الحالم ، وكم تتمنى بهذه اللحظة لو بقي مجرد خيال تحيى عليه وتسعد بوجوده فقط بتلك المخيلة ، والتي لا يعلم احد بوجودها غيرها بدل الألم الغائر والذي تعيش عليه يوما بعد يوم وكله بفعل يديها !

نهاية الفصل.......

بحر من دموع Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin