الفصل السابع والعشرون

73 6 1
                                    

كانت تجري باتجاه باب المنزل بتعثر قبل ان تقف امام الباب لوهلة وهي تحاول فتح مقبض الباب بمرفقيها بسبب تلطخ كفيها بطحين الطعام ، وما ان نجحت اخيرا بفتح الباب حتى تسمرت بمكانها بتجمد وهي ترى الذي ظهر امامها بلحظة بدون سابق إنذار ، قبل ان تفيق من شرودها على صوت الاكياس وهو يرفعهم نحوها قائلا بجمود
"امسكي"
انفرجت شفتيها بارتجاف وهي ترفع له يديها الملطخين بالطحين بإحراج استبد بها ، لتتجهم ملامحه بلحظة وهو يحرك رأسه جانبا قائلا بأمر
"ابتعدي عن طريقي يا فتاة"
تراجعت بسرعة وهي تفسح له المجال للمرور قبل ان يسير امامها بجمود وهو يتجه للمطبخ مباشرة وكأنه سيد المنزل ، لتلحق به من فورها وهي تراه يضع الاكياس فوق الطاولة الصغيرة المتوسطة بالمطبخ ، وما ان كانت على وشك الكلام حتى سبقها الذي كان يعطيها ظهره وهو يتمتم بجفاء
"هل تفتحين الباب دائما بهذه الطريقة قبل ان تتعرفي على هوية الطارق ؟"
ارتفع حاجبيها بصدمة وهي تفرك يديها بتوتر حتى خلطت الطحين بينهما هامسة بوجوم
"لا لم افعلها من قبل ، اقصد لا احد يزورني بالمنزل غيرك ، لذا كنت واثقة من انك ستكون الطارق"
اومأ برأسه بجمود وهو يهمس بإيجاز
"ومع ذلك لا تفتحي الباب مجددا قبل ان تتأكدي من هوية الطارق ! والافضل ألا تفتحي الباب لأي احد غريب لم يعرف عن هويته"
اومأت برأسها بشرود وهي تهمس بخفوت واجم
"وكأنه هناك احد سيفكر بزيارتي !"
انتفضت بمكانها ما ان استدار امامها بلحظة هامسا ببرود
"بماذا كنتِ تهمسين ؟"
حركت رأسها بالنفي تلقائيا وهي تلوح بكفها هامسة بخفوت
"لا شيء مهم ، فقط كنت اتسائل عن سبب زيارتك الصباحية لي ؟......"
قاطعها الذي مد كيس صغير نحوها وهو يقول بهدوء جاد
"لقد احضرت لكِ الادوية والتي وصت بها الدكتورة الخاصة بكِ واليوم قد وصلت عند عيادة الدكتورة ، لذا احرصي على تناولها بانتظام واتباع الارشادات المكتوبة على الادوية ، سمعتي لا تنسي حرف من الذي قلته الآن !"
انتصبت رأسها وهي تومأ بالإيجاب بطاعة لتتناول الكيس منه بلحظة وهي تتمعن بالأدوية الظاهرة منها ، لتقول بعدها بخفوت وهي تحني عينيها بحزن
"كان بإمكانك اخباري عن وصول الادوية التي وصت بها الدكتورة لأذهب بنفسي واحضرها من العيادة !"
حدق بالكيس الصغير بين يديها وهو يتمتم ببساطة
"افعلي كل ما اقوله لكِ بدون اي تذمر"
زمت شفتيها بوجوم وهي تنقل نظراتها للأكياس الاخرى فوق الطاولة هامسة بحيرة
"وماذا يوجد بالأكياس الاخرى ؟ هل كانت موجودة بالعيادة كذلك !"
نظر لها بعينين ضيقتين وهو يتمتم بجمود بارد
"لقد مررت من محل مستهلكات بطريق ذهابي للعيادة واشتريت منه بعض المستلزمات الضرورية ، ولم يكن عند العيادة ولا بداخلها كما يفكر عقلك الساذج ، لذا لا داعي لأن تكوني ظريفة بموقف لا يحتاج للمزاح !"
اخفضت وجهها بحياء وهي تضم الكيس عند صدرها هامسة بخفوت
"اعتذر لم اقصد ان ازعجك"
تنفس بهدوء وهو ينتقل بنظره بالفوضى التي تحتل المطبخ والتي تدل على انها كانت على وشك طبخ شيء ، ليقول بعدها بحيرة وهو يدس يديه بجيبي بنطاله بملل
"يبدو بأنني قد قاطعت طبختك المهمة التي كنتِ على وشك صنعها !"
تغضن جبينها بحيرة وهي تدير وجهها ناحية الفوضى القائمة بالمطبخ من الخزائن المفتوحة على جانبيها وكيس الطحين المفتوح والذي انسكب واختلط مع المكونات الاخرى ، لتعود بنظرها له بسرعة وهي تقول بابتسامة محرجة بارتباك
"الحقيقة لم اكن اتوقع زيارتك لي بهذا الوقت من الصباح الباكر ! لذا لم يكن لدي الوقت الكافي لتنظيف المطبخ وتجهيز المكان لاستقبالك ، وانا حقا اعتذر منك على هذا النوع من الاستقبال !......"
توقفت عن الكلام لبرهة ما ان تحرك الواقف امامها باتجاه واجهة المطبخ والتي كانت تعج بفوضى الطحين والذي اكتسح المكان ، وما ان وصل امامه حتى نظر للإناء المعدني المخلوط به المكونات مع الطحين قبل ان يتمتم باهتمام واضح
"هل كنتِ تصنعين الاومليت ؟"
اتسعت عينيها بتوجس وهي تتقدم نحوه بسرعة لتضع الكيس فوق المغسلة بلحظة قبل ان تمسك بالإناء امامه بيديها المتسختين هامسة بارتباك
"اجل كنت اعمل على خلط المكونات بهذا الوعاء ، وقد انتهيت تقريبا منه ولم يتبقى سوى وضعها بالزيت المغلي لكي....."
قطع كلامها انزلاق الإناء من بين يديها ما ان فقدت توازنها قليلا ليقع بلحظة امام نظراتهما وهو يصدر رنين معدن عالي بعد ان نشر مكوناته من حوله بفوضى اكبر ، لتنظر بعدها بارتجاف لصاحب الملابس المتسخة بمسحوق الطحين المخلوط بالبهارات والذي كان له النصيب الاكبر بوقوع الإناء عليه قبل ان يكمل طريقه بتلطيخ الارض التي تحولت للون الأبيض الناصع .
ابتلعت ريقها بهلع وهي تمسح على ذراعيها بارتجاف هامسة بوجوم
"انا اعتذر حقا لم اقصد حدوث هذا لك !"
وعندما لم تجد اي معالم تعلو ملامحه الساكنة والتي لا تدل على ايجابية الموقف من سلبيته ، لتتنفس عندها بهدوء وهي تجثو على ركبتيها لتجمع المسحوق الابيض من على الارض بمهل وهي تغرف بيدها لتلقي به بالإناء الواقع ، تسمرت بمكانها لوهلة ما ان قصف صوته من فوقها بنبرة منخفضة
"هل كان هذا فطورك ؟"
اومأت برأسها بإيماءة صغيرة وهي مستمرة بعملها ليعود صوته ليقصف فوقها بنبرة آمرة هذه المرة
"قفي امامي يا ميرا"
تجمدت يديها فوق الطحين والذي لونهما بالبياض حتى مرفقيها اكثر من السابق ، لتقف بعدها على قدميها باتزان كما طلب بانصياع تام ، ليتنفس بعدها لعدة لحظات وهو يحاول تمالك اعصابه قبل ان يتمتم بجمود باهت
"حسنا انا سأهتم بتحضير هذا الفطور بنفسي ، وانتِ اذهبي واجلسي بأي مكان بعيدا عني ، فلا تنسي عليكِ شرب الدواء بعد تناول الطعام ، فهذه كانت ارشادات الطبيبة"
رفعت عينيها الواسعتين بانذهال وهي تهمس بشفتين فاغرتين
"ماذا ؟!"
عبست ملامحه بلحظة وهو يقول بحزم حاد
"ماذا الآن ؟ لا تبقي واقفة هكذا تحركي من اجل ان ننتهي من مهمة فطورك !"
اومأت برأسها باهتزاز وهي تلتقط كيس الدواء معها لتبتعد عن طريقه بلحظة ، جلست بعدها على احدى كراسي الطاولة الصغيرة وهي تضع الكيس الصغير امامها بهدوء ، لتراقب بعدها الذي انحنى على ركبتيه وهو يلتقط الاناء من على الارض قبل ان يستقيم بلحظات وهو يضعه فوق رخام المطبخ برفق .
رفعت حاجبيها بدهشة ممزوجة بالذهول غزت ملامحها بثانية وهي تراقب الواقف امامها عن كثب والذي بدأ بوضع المكونات بنفس الإناء وهو يقدر كمية الطحين بالكأس ليضيف بعدها البهارات بالتدريج كل بملعقته بدون اي اخطاء وكأنه عاش كل حياته وهو يطهو هذا النوع من الطعام والذي لا يعرفه ولا يتقنه سوى البيوت والعائلات الشعبية ، حتى من يراه الآن لا يصدق بأنه يعيش بمنزل يملئه الخدم بكل مكان والذين ينتظرون فقط إشارته بسبب مرتبة عائلته العريقة ! وهذا النوع من البشر تحديدا لا يعرف سوى الدلال واصدار الأوامر والتكبر على كل المخلوقات الاقل مرتبة منه ويعيشون خدم عند اسيادهم ، وقد عرفت كل هذا بسبب انها كانت منهم يوما ما وتعايشت معهم منذ مولدها حتى تأقلمت مع نوع حياتهم والتي لم تستطع يوما الاعتياد عليها !
عادت من دوامة افكارها ما ان وصل للخطوة التي يمزج بها الخليط بيده بعد ان كسر بيضتين فوقها لتصبح متماسكة لينة كما يجب ان تكون تماما ، نقلت بعدها نظراتها ما ان شد انتباهها صوت الغاز والذي كان قد اشعله مسبقا تحت الغلاية التي تحوي زيت القلي ، ليبدأ بلحظة بسكب الخليط بمنتصف الغلاية حتى شكلت اقراص مدورة بدقائق وهو يهتم كذلك بتقليبها بآن واحد .
اشاحت بوجهها بتوتر ما ان اخذ منها التأمل والتحديق اكثر من الازم وكأنها تنظر لأول مرة لرجل يطبخ بحياتها ! اعادت نظراتها نحوه برجفة ما ان قال بحزم جاد وهو مشغول بما يفعله
"جهزي المائدة يا ميرا !"
نهضت بسرعة عن الكرسي وهي تحدق بيديها المتسختين بالبياض لوهلة لتتجه بعدها للمغسلة بلمح البصر لتدير صنبور الماء فوق يديها بثواني قبل ان تمسحهما بالمنشفة المعلقة بجانب المغسلة ، وما ان انتهت حتى وقفت امام الطاولة وهي تمسك بالأكياس لتضعها ارضا عند زاوية المطبخ ، وزعت بعدها الاطباق على الطاولة وبعض المقبلات البسيطة عليها لتكون وجبة متواضعة تناسب محتويات المنزل ومستوى معيشتها الحالي .
بعدها بدقائق كانت تجلس بصمت وهي تحدق بطبقها الذي امتلئ بأقراص الاومليت والتي اعتادت على اخذها فطور لها كل صباح عندما تتناولها مع نفسها بدون اي رفيق يشاركها ، ولكن هذه المرة مختلفة فقد تواجد معها فرد من عائلتها ليشاركها بفطورها البسيط والذي اعده بنفسه لها بحرفية طاهي ، وكم تاقت بشدة لعيش مثل هذه الاجواء الاسرية والدافئة والتي افتقدتها كثيرا وحرمت منها !
رفعت رأسها باتجاه الذي جلس على الكرسي المقابل لها بصمت وهو يتناول من المقبلات الموجودة امامه ، لتخفض بعدها نظرها لطبقها وهي تهمس بفضول تغلب عليها بنهاية المطاف
"كيف استطعت صنع الاومليت هكذا ؟ هل انت معتاد على صنعه ؟"
نظر لها بجمود للحظات وهو يمضغ حبة زيتون بفمه ليقول بعدها ببرود بدون ان يبدي اي اهتمام
"لقد كنت اصنعها بأيام سكن الجامعة ورحلات العمل عندما تنفذ مني مكونات المطبخ ، حتى اصبحت فطوري المعتاد واليومي وكل ما استطعت اتقانه بحياتي"
امسكت بأطراف اصابعها شريحة الاومليت برفق وهي تقطع طرفها لتتناولها بحذر وهي تتذوق جمال عجينتها ونكهتها القوية والتي علقت بفمها بطعم تحفظه عن ظهر قلب ، لتنظر بعدها بسرعة ناحيته وهي توجه له السؤال التالي الذي خطر ببالها بلحظة شك هامسة بهدوء
"من اين تعلمت طريقة صنع الاومليت ؟"
ساد صمت طويل بينهما حتى شعرت بثقل يحيط بالأجواء بينهما لثواني ، ليعود كل شيء لما كان عليه ما ان همس بنفس البرود المعتاد بعدم مبالاة
"لقد تعلمت وحدي ، ليس مهم الوسيلة او الحافز المهم هي النتيجة"
عادت بنظراتها لطبقها بصمت خيم عليهما وهي تتبسم لا شعوريا بالتواء طفيف وكلمة واحدة خطرت على بالها (انه يكذب) ، لقد كذب عليها واخفى حقيقة طريقة صنع الاومليت والتي لا يصنعها ولا يتقنها سوى العائلات الشعبية والتي اعتادت على الحياة البسيطة والتعب بالعمل والكد بعيدا عن كل سبل الرفاهية والغنى ، وليس هناك بحياتهما سوى شخص واحد يتناقض عن حياة الغنى والتي عايشوها وتأقلموا بها ببيئة نشأتهم وهي تربط كليهما بذلك الرباط الاخوي والذي لم يكن لديهما يد به ، وكله بسبب تلك الأم الشعبية من جذور بسيطة لا صلة لها بعالم الثراء او النبل بحياة الاغنياء والتي استطاعت ان تدفع اثنين من اغنى رجال البلد بالارتباط بها بسبب مقوماتها الانثوية وفتنتها والتي كانت تطغى على اي عيب بأصولها المتواضعة والتي لا تنتمي لأي نسب راقي او جذور معروفة ، ومع كل هذا الثراء والرفاهية بحياتها المثالية لم تستطع يوما التخلي عن اصولها القديمة ومبادئها لتظهر ببعض تصرفاتها بملابسها وبطريقة طهو طعامها وكل ما انطبعت به ولم تغيره على مدار سنوات .
تصلبت اصابعها قليلا على عجينة الاومليت وهي تطوي قرص واحد منها حتى اصبح على شكل لفافة اومليت صغيرة ، لترفع بعدها وجهها باتجاه الشارد بعيدا وهي تمد له لفافة الاومليت هامسة بابتسامة اعتلت محياها ببشاشة
"شادي تناول قطعة فهي شهية جدا ، وليس من العدل ان تتعب نفسك بصنعها بدون ان تتذوق واحدة !"
تسمر للحظات قليلة ببرود اكتسح محياه وهو يلتفت بوجهه نحوها ببطء قبل ان تقع عينيه على لفافة الاومليت بيدها والشبيهة بشيء بعيد جدا اخترق ذاكرته لوهلة ومر على خاطره بلمح البصر ، وبدون ان تعلم بأنها بتلك الحركة قد اعادته للوراء سنوات طويلة وكأنه لم يكبر عليها عندما كان يقف يراقب تلك المرأة باهتمام واضح على عينيه المتربصتين لها بطفولة متلهفة للشبع من كل شيء يخصها حتى حفظ اصغر تفاصيلها بتفاهتها وعمقها مثل راحة يده الصغيرة ، بينما كانت تلك المرأة تجلس على مائدة الطعام الكبيرة والفارغة من سكان المنزل كعادتها الدائمة والمحبة للميل للوحدة بكل تفاصيل حياتها وكأنها هكذا تسعد نفسها وتنسج عالمها الخاص بها بدون اي دخيل يفسد عليها خلوتها سوى ذلك الطفل الشغوف والذي تعلق بها برباط ابدي عقد بينهما منذ مولده ، كان يراقبها باتساع عينيه السوداوين واللتين لا تغفلان عنها وهي تتناول اقراص الاومليت ذلك الفطور اليومي لها والذي لا تدع اي احد يصنعه غيرها وهي تقضي وقتا طويلا بصنعه وحدها بدون اي رفيق معها حتى حفظ خطوات صنعه بعقله المبرمج على حفظها .
ارتجفت اطرافه برهبة ما ان وصله صوتها الناعم وهي تهمس بملل واضح
"توقف عن مراقبتي هكذا مثل الجراء الجائعة ، من يرى تصرفاتك لا يصدق بأنك ابن اغنى رجال عائلات البلد !"
استمر بالنظر لها بعيون متسعة كبيرة شبيهة بالجراء الجائعة كما تقول ولكنها جائعة للحصول على نوع آخر من كمية طعام مملوءة بالمشاعر الخالصة والتي يحتاجها بشدة ومتلهف لتذوقها ، لتعود للكلام من جديد بنفاذ صبر وهي تلوح بكفها نحوه ببرود
"إذا كنت تريد قطعة تعال وخذ بدلا من هذه المراقبة المملة !"
تقدم بسرعة نحوها بخطوات مترددة قبل ان يقف بجانب مقعدها وهو يشاهد بنفس العينين الواسعتين يدها الناعمة مصبوغة الاظافر بطلاء ملون بمزيج بألوان فاقعة يناقض العالم الراقي الذي تعيش فيه ولا يمت للرقي او الفخامة بصلة ، وهي تطوي عجينة الاومليت برفق لتشكل لفافة صغيرة محشوة بالزبدة السائلة والتي دهنت بها القرص وهي تصر على ادخالها بكل وجباتها رغم السعرات الحرارية التي تحملها ، لتمد بعدها بلفافة الاومليت امامه وهي تهمس بخفوت جاف
"هيا خذ تناولها كلها ، وإياك وان ترجع شيء منها"
امسك بها بسرعة بيديه الصغيرتين وهو يقضم منها بسعادة تلونت بتفاصيل حياته وغمرت محياه ببهجة بالغة وهو يشبع جوعه بالمشاعر التي كان يتلهف لتذوقها والارتشاف منها ، لتتألق بعدها ابتسامة انيقة على محياها وهي تهمس بتفكير ساخر
"هل هي شهية ؟"
رفع عينيه بلحظة لتصطدم بعينيها واللتين تماثلان سواد عينيه مع فتنة اجمل تأسرها بملامح بيضاء دقيقة تتوسط بين الرقة والصخب لتكون بينهما وتأخذ من كليهما بسبب تأثير عالمها السابق وما اصبح عليه الآن ، ليحرك رأسه الصغير بالإيجاب وهو يهمس بفرحة طفولية صادقة
"اجل شهية جدا"
ليلمح بعدها ميلان ابتسامتها الناعمة بجمود وهي تحرك رأسها جانبا هامسة بنبرة خافتة
"جيد"
خرج من افكاره على صوتها الخافت وهي تهتف باسمه بوجوم
"شادي اين شردت ؟"
تعقدت ملامحه وهو ينظر للفافة بيدها بجمود ليلتقطها بعدها بلحظة وهو يقربها امام عينيه بتمعن ، ليقضم منها بهدوء وهو يلوك اللقمة بفمه بصمت متذوق طعمها الذي لم يغفل عنه يوما ولازمه طيلة حياته الماضية وحاضرها ، ليرتفع بعدها حاجبيه بانتباه وهو يلاحظ اختلاف بطعمها عن التي يعدها ، عاد بنظره نحوها وهو يهمس بعبوس غامض
"هل دهنتها بالزبدة ؟"
نظرت له بارتجاف وهي تمسك بعلبة الزبدة بجانبها والتي لم ينتبه لها هامسة بابتسام
"نعم فأنا لا اتخلى عن وضع الزبدة بكل وجباتي ، فهي مكون رئيسي بها"
تشنجت ملامحه وهو يخفض وجهه للفافة بيده بصمت اخذ منه الكثير ، لتتابع كلامها بلحظة هامسة بسعادة غامرة
"ماذا ؟ هل هي شهية ؟"
رفع وجهه من جديد نحوها ما ان سمع نفس تلك العبارة تهتف بها ابنتها ، لتشق ابتسامة ساخرة محياه وهو يحرك رأسه جانبا هامسا ببهوت
"انتِ تشبهينها كثيرا"
حدقت به للحظات وهي تعلم ما يرمي إليه من كلمة تشبهينها بالرغم من انه لم يدل عليها بكلمة والدتي او اسمها ! بل استطاعت معرفتها لأنها الشخص الذي كان يدور حديثهما وافكارهما عنها بسبب وجبة الاومليت والتي جلبت لهما ذكراها ، لتمسك بعدها بلفافة اخرى وهي تقضم منها هامسة بعفوية
"من اي ناحية تقصد ! هل هي تشبهني شكلا ام مضمونا ؟"
ردّ عليها باختصار جاف
"من كل النواحي"
شددت على لفافة الاومليت لا شعوريا وهي تهمس بشبح ابتسامة ساخرة
"امر عجيب ! بالرغم من كلام الناس والذين كانوا دائما يشيرون بأنه ليس هناك شيء يشبهني بوالدتي والتي لم استطع ان ارث منها شيء من جمالها الأخاذ والذي سحر وفتن الجميع به ! لا اعتقد بأنك تذكرها جيدا"
تغضن جبينه للحظات قبل يحرك كتفيه بحركة باردة هامسا بجمود
"يبدو بأنه لا احد منهم قد عرفك حقا ! فلا احد ينظر لداخل الانسان او مظهره بل بما يملكه ويدون بملف حياته ، وهذا الحال هو الذي جعلهم لا يستطيعون تشبيه جذورك العريقة بجذور والدتك المتواضعة"
شحبت ملامحها بلحظة غادرة بدون كلام ساد بينهما طويلا ، ليقطعه صوت طرق خافت على باب الشقة اخترق الصمت بينهما ، وما ان كانت على وشك الذهاب لرؤية الطارق حتى سبقها الذي تقدم امامها وهو يتمتم بأمر
"لا تتحركي من مكانك ، انا سأذهب لأرى بنفسي"
غادر بعدها لخارج المطبخ بدون ان ينتظر الرد ليصل بعدها امام باب المنزل وهو يفتحه بدون اي تردد ، ارتفع حاجبيه بدهشة وهو يقابل فتى صغير لا يتجاوز عمر الثالثة عشر وهو يهمس له بوجوم عابس
"ماذا تريد يا فتى ؟"
تلبكت ملامحه بارتجاف وهو يقول بتفكير متوجس
"أليس هذا منزل الآنسة وفاء شديد !"
عقد حاجبيه ببطء جامد وهو يزيد من عبوس ملامحه هامسا بتجهم
"نعم وماذا تريد منها ؟"
ابتلع ريقه بجزع وهو يرفع الاكياس بيديه هامسا بنبرة حاول جعلها طبيعية
"هذه الاكياس قد طلبتها من محل الملابس الخاص بنا وقالت ان نحضرها لهذا العنوان"
حدق بالأكياس بتمعن وهو على وشك قول شيء لولا التي تدخلت من خلفه وهي تقول بسعادة
"هل وصلت الاغراض اخيرا ؟"
التفت نحوها ما ان اصبحت بجواره بلحظة وهي تلتقط الاكياس منه بعد ان اعطته نقود عن سعر الملابس لتهمس بعدها بمودة
"شكرا لك يا ياسر ، لقد اتعبتك معي حقا !"
حك الفتى شعره بإحراج وكأنه فعل إنجاز عظيم بجلب الاكياس لها وهو يهمس بحياء المراهقين
"لا بأس يا آنسة وفاء ليس هناك اي تعب ، فنحن دائما نعمل على خدمتكِ"
اومأت برأسها وهي تحرك يدها هامسة بلهفة
"انتظرني لحظة يا ياسر"
غادرت بلمح البصر باتجاه المطبخ بدون ان تعطي الوقت لأحد ليستوعب سبب تصرفها ، لتعود بلحظات بنفس السرعة وهي تحمل طبق الاومليت معها لتقدم للفتى لفافة واحدة وهي تقول له بلطف
"تفضل يا ياسر ، يمكنك تناولها بطريق عودتك لتعوض عن التعب والذي بذلته بالمجيئ إلى عنوان منزلي"
اومأ برأسه بنفس الحياء وهو يأخذ منها اللفافة بتردد ليهمس بعدها بأدب
"شكرا لكِ ، هذا من لطفك يا آنستي"
رفع بعدها نظره بشك وتفحص ناحية الواقف امامه بسكون ، لتقول (وفاء) بسرعة وهي تشير لشقيقها بجانبها بمرح
"هذا يكون شقيقي يا ياسر ، ليس احد غريب"
حاد (شادي) بنظراته نحوها بجمود بدون اي رد ، ليغادر بعدها الفتى وهو يلوح بيده لهما قائلا بعجلة
"حسنا انا عليّ الذهاب فقد تأخرت على عملي كثيرا ، وشكرا لكِ على الطعام يا آنستي"
ما ان اختفى من امامه حتى وجه عينيه نحوها وهو يهمس بعبوس حانق
"من يكون هذا الفتى يا ميرا ؟"
امسكت بالأكياس من على الارض بعد ان وضعتهم من لحظة لتجلب طبق الاومليت للفتى وهي تستقيم قائلة بهدوء
"اسمه ياسر وهو يعمل بمحل ملابس صغير قريب من مجمع تجاري شعبي ، وانا دائما اطلب من عندهم الملابس بسبب اعتيادي على الشراء منهم ، ولكني لم استطع بآخر مرة الذهاب لهم بسبب تغير مكان سكني الجديد لذا طلبت الملابس من رقم هاتفهم ليجلبوه لي مع العامل"
عقد حاجبيه بتفكير وهو يشير بيده لمكان خروج الفتى قائلا باقتضاب
"ولما تتصرفين بهذه الاريحية ؟ لا وتنشرين عنوان سكنك على الملأ ! ألم احذرك من فعلها !"
التفتت نحوه بلحظة وهي تهمس بحاجبين مرفوعين بتعجب
"ما لذي تقوله يا شادي ؟ انا اعرف هؤلاء الناس منذ انتقالي للبلد هنا ! وانا متأكدة بأنهم لن يسببوا لنا اي مشاكل او متاعب"
حرك رأسه بعدم اقتناع وهو يتمتم بجفاء
"ومع ذلك لا اسمح بهذه التصرفات بأن تتكرر امامي مجددا ! وايضا لما كل هذا اللطف بالتعامل مع ذلك الفتى ؟ ومن اعطاكِ الحق بأن تعرفيني على انني شقيقك امامه ؟"
ارتفع حاجبيها بوجوم اكبر وهي تحرك ذراعها باتجاه الباب كما يفعل هامسة باستنكار
"هل تتكلم عن ياسر ؟ هو مجرد فتى صغير يعمل بمحل ملابس والده منذ سنوات ! وانا اعرفه منذ كان طفلا بالعاشرة من عمره ! ولن يضر ابدا لو عرف بأنك شقيقي فهو كما اخبرتك من عائلة بسيطة جدا من المستحيل ان يفكروا بخيانتك لأنهم لا يعرفون شيء عن دناءة البشر والتي يعيشونها بالطبقات الغنية"
سكنت ملامحه بلحظة وهو يستدير بعيدا عنها ليهمس بهدوء جاد
"المهم الآن لا اريد ان تتكرر هذه التصرفات العفوية مع كل من تثقين به وتعرفينه ، حاولي الحفاظ على المسافة الآمنة بينكِ وبين البشر ، فلا ينقصني تحمل مشاكل جديدة غير التي نعاني منها حالياً ، سمعتي يا ميرا ؟"
اخفضت رأسها بانحناء حزين وهي تهمس بخضوع
"حاضر يا شادي"
تحرك باتجاه باب المنزل قبل ان توقفه التي هتفت بسرعة بوجل
"انتظر يا شادي ! هل سترحل حقا ؟"
ردّ عليها من فوره ببساطة
"اجل سأرحل فقد بقيت معكِ مدة اطول مما كنت اخطط له ، ولا تنسي تناولي الدواء بعد الانتهاء من الفطور كما عليكِ ان تنتظمي بتناول باقي ادويتك الاخرى بمواعيدها ، وإذا احتجت لشيء آخر اتصلي بي"
عادت للكلام بسرعة وهي تهمس بابتسامة حزينة بمحبة
"شكرا لك على هذا الفطور"
سكن بمكانه للحظة قبل ان يتابع طريقه لخارج المنزل بصمت ، بينما تركها وهي تمسك الاكياس بيد وطبق الاومليت بيدها الاخرى بعد ان عيشها بتلك الاجواء الدافئة بكنف عائلة ليعود ليخلف البرود بروحها من جديد ، ولكن مع اختلاف كبير بالحالة فقد اصبحت الآن تملك حق اقوى بالاستنجاد بشقيقها الوحيد والاستناد عليه دائما ما ان تمر بمشكلة ، وكل هذا قد حدث منذ لحظة مناداته بلقب شقيقها والتي لم يمانع بها امام ذلك الفتى الصغير والتي خرجت منها بعفوية غير مقصودة .
______________________________
كان يركل الحصوات بطريق الشارع الفارغ نسبيا إلا من بعض المركبات التي تظهر على اطراف الطريق بين الحين والآخر بدون اي ملل بهذا الوقت من الصباح الباكر وكأنهم يستعدون للخروج بساعات الفجر ليبدأوا رحلتهم اليومية بالحياة ، وهذا حال كل البشر بالعالم والذين يعيشون على روتين محدد بالحياة تبرمجت خطواته بعقولهم وانزرع داء المثالية بأجسادهم مثل عادة لا تزول ، ولكنه لم يكن ليسمح بمثل هذه العادات البالية بالسيطرة عليه ليكون دائما النقيض عن البشر ومخترق قوانين العالم بتمرد ورعونة واكثر ما تميز بهما بمراحل عمره ليخلق العالم الذي يليق به ولا يدخل به اي من قوانين او تحكمات البشر المتسلطة ، وكم كان يجلب له هذا الأمر الشقاء والعناء بحياته المجنونة والتي لم تتقبل اختلاف طبيعته الاعتيادية وما يجب ان يكون عليه امام البشر والعائلة ليتلقى الرفض الدائم على نمط تفكيره وطبيعة تصرفاته المتمردة على الجميع وعلى كل من يحاول ان يفرض سيطرته عليه !
رفع رأسه بانتباه شارد ما ان سمع الخطوات التي بدأت تزداد بمحيط سمعه بثواني ، لتقع عينيه بلحظة على مجموعات متفرقة من طلبة المدارس والذين يرتدون ازياءهم الخاصة والتي تميزهم عن غيرهم وهم يحتلون الشارع من حوله بسيطرة مهيمنة بسبب بداية اوقات دوام المدارس بجميع انحاء العالم ، وهو اكثر من يعلم ببداية دوام مدرستهم بهذا الحي والتي كان يذهب لها يوميا مرغما وبأحيان كثيرة يتسلل هاربا منها بتمرد شرس على قوانينهم ، ليتلقى بعدها التوبيخ واللوم من كل من المدير ومن والديه بدون ان يستجيب لرغباتهم له بالتعلم والذي لم يكن يرى به فائدة او شغف بحياته بل مجرد مضيعة للوقت والتفكير وافساد لمستقبله الحافل والحياة مفتوحة امامه بكل اشرعتها .
توقف بمكانه قليلا ما ان جذب انتباهه شيء آخر مختلف تماما عن ذكرياته الحالية وهو يشاهد بعض الاولاد المتعقبين لفتيات المدارس والذين لا عمل لهم او مشغلة سوى ملاحقة الفتيات والتسلية بإزعاجهن بهواية لا يعرفها سوى اولاد سنهم ، وما هو متأكد منه بأنهم طلاب مدارس مثلهن تماما تاركين المدرسة وهاربين منها ليمارسوا هوايتهم المعتادة وهي إزعاج اي مخلوق انثوي يقابلونه بالطريق ، وقد حفظ اسلوب حياتهم جيدا بسبب كونه كان واحد منهم فيما مضى عندما كان يترك المدرسة ليتسلى بمضايقة اي فتاة يصادفها بالطريق مع عصابته المشهورة والتي كان يتزعمها بالحي ، بدون ان يشعر بأن ذاكرته قد غدرت به لتعود لتلك الاحداث البعيدة وهو ما يزال يسمع ذلك الصوت المألوف لأذنه وهو يخترقها بصراخ مرتفع بتلك النبرة الطفولية التي تطغى عليه
"ابتعد عن طريقنا يا مازن ، وإذا لم تتوقف عن هذه العادة بتعقبنا فأنا سأنهشك بأسناني وأرمي لحمك للكلاب الجائعة وهذا افضل ما يستحقه امثالك ومع اعضاء عصابتك التي تستحق الحرق عليها"
اخفض عينيه العسليتين الناعستين لها وهو يفترسها على مهل باستمتاع مترقب دائما ما تثيره بداخله ، ليشير بعدها بذراعه نحو قامتها القصيرة وهو يقول بابتسام مائل بمتعة
"وماذا بمقدوركِ ان تفعلي يا قصيرة ؟ انا ارى بأن تحذري انتِ منا فقد نصبح نحن الكلاب الجائعة وننزع عظمكِ عن جسدك !"
اتسعت مقلتيها الزرقاوين بوجل لحظي وهو ما دفعه للضحك عليها ليشاركه باقي اعضاء عصابته المتفرقين من حولها ، وبلحظة كانت تنقض على ذراعه الممدودة لتغرز اسنانها الصغيرة بلحمه بكل قوة زادت من ضحكاته الساخرة عليها حتى نفض ذراعه بقوة وهو يقذفها بعيدا مثل الدمية ، ليمسد بعدها على ذراعه مكان اسنانها وهو يتمتم بعبوس ساخر
"اهدئي ايتها الكلبة المسعورة ، فهذا ليس اسلوب فتاة مهذبة بالتعامل مع قريبها !"
اطبقت على شفتيها بغضب مرتعش وهي تشير له بأصبعها السبابة صارخة بنفور شرس
"لست قريبي ولست مضطرة لأعاملك باحترام ، فأنا ما ازال اكبح شعوري عن قتلك والشرب من دمك من اجل الرجل والدك والذي يستحق كل العطف عليه بالابتلاء بولد مثلك ! وإذا لم تبتعد عن طريقي الآن وحالاً سأنسى كل ما يربطني بك ولن اسأل عن احد"
عض على طرف شفتيه وهو يكتم ضحكته ليرفع ذراعه امامها وهو يشير لعلامة اسنانها على مرفقه قائلا بمغزى
"هيا تعالي وحاولي ان تشربي من دمي يا قصيرة ، وانتِ اقصى ما تستطيعين الوصول له بطولكِ المنكمش هو مرفقي ! وحتى لو حاولتِ استخدام كل وسائلك الدفاعية بالهجوم عليّ وقتلي فلن تصلي لقوة الرجل !"
تبع كلامه بضحكة ساخرة اخرى ورفاقه يشاركونه بنفس الضحك المنفر وكأنها عدوى واصابتهم جميعا بالتتابع حتى اصبح من الصعب التفريق بينهم وكلهم تمثلوا بنفس نوع الداء ، لتصرخ بعدها بأعلى صوتها وهي تضرب الارض بقدمها الصغيرة بثورة مشتعلة
"كفى اخرسوا يا مجموعة الفشلة ومنعدمين الاخلاق والتربية ، فنحن لدينا الآن مدرسة نذهب إليها ولا نملك الوقت لنضيعه مع مجموعة مغفلين امثالكم يشكلون عالة على المجتمع والبشرية"
انقلبت ملامحه بجمود مفترس وما ان حاول الاقتراب منها حتى تدخلت الصامتة بينهما وهي تهمس برجاء رقيق
"ارجوك يا مازن اتركنا نذهب للمدرسة ، فقد تأخرنا كثيرا بالفعل وستعاقبنا المعلمة على هذا التأخير"
ارتفع حاجبيه بتفكير وهو يعود للنظر للطفلة المتمردة امامه قبل ان يحرك رأسه بهدوء وهو يشير بأصابعه لها بإشارة التحدي هامسا بنبرة بطيئة بتشدق
"سأسمح لكما بالمرور بشرط ان تربحي عليّ بهذا التحدي ، وإذا خسرتِ فلا تتوقعي مني ان ارحل عن طريقك او حياتك ، سمعتي يا دميتي الجميلة !"
شددت على اسنانها وهي تقضم شفتيها الصغيرتين هامسة من بينهما بانفعال حانق
"حسنا موافقة ، ارني ما تستطيع فعله يا مهرج !"
ابتسم بخبث واضح وهو يخرج من جيب بنطاله لوح شوكولاتة مغلفة ليلوح بها بينهما وهو يهمس بعيون تبرق بالمتعة
"هذه ستكون وسيلة التحدي بيننا اليوم والرابح هو الذي سيحصل عليها بالنهاية ، وكل ما عليكِ فعله هو اختطافها مني وانا واقف امامكِ هكذا ولكن بدون استخدام اي من اسلحتكِ الهجومية للفوز ، فهمتي ؟"
ردت عليه بسرعة بقنوط مستعر
"هذا ليس عادل ابدا ! انت تستغل نقاط ضعفي لصالحك لأنك تعلم جيدا بقصر قامتي ، كيف سأستطيع اختطافها منك ؟"
رفع لوح الشوكولاتة عاليا وهو يقول بابتسامة جانبية بتحدي
"هذا هو التحدي بيننا والانسحاب منه او التذمر يعد انهزام ، وإذا كنتِ تريدين اللحاق بالمدرسة فعليكِ إذاً بالتخلص من العقبة امامك واستحقاق المرور"
عقدت حاجبيها الصغيرين بشراسة وهي تصوب هدفها على اللوح بيده ، لتنزع بعدها حقيبة المدرسة عن ظهرها وهي تلقي بها ارضا ، لتتراجع بعدها عدة خطوات اخذت منها لحظتين قبل ان تبدء هجومها الضاري وهي تقفز عليه مرة واحدة ليباغتها بحركة سريعة وهو يقيد معصميها بالهواء بيد واحدة كما يفعل معها دائما بدون ان يفلتها .
كانت تحاول الفكاك منه وهي تلوح بقدميها الصغيرتين لتضرب بهما عدة مرات على جسده بأماكن متفرقة بكل قوة ، لتشعر بعدها بنفسها تسقط وهي تهوى على الارض بقوة كسرت عظامها الصغيرة قبل ان تستقر ممددة على ظهرها بسكون .
تغضنت ملامحها الصغيرة وهي تستمع للصوت المنفر وهو يميل بجسده قليلا قائلا باستهزاء
"ما بكِ يا دميتي الشرسة ؟ هل استسلمت واعلنت انهزامك ؟"
تنفست بلهاث متعب وهي تبعد الخصلات الملتصقة عن وجهها بكفها الصغيرة بصمت ، لتحجز بعدها انفاسها بحنجرتها الصغيرة لوهلة عندما تفكر بارتكاب تهور وهي ترفع ساقيها بلمح البصر لتقيد بهما ساقه الطويلة وهي تميل على جانبها الآخر ، وبلحظة كان جسده يسقط للخلف بعد ان افقدته توازنه بثواني معدودة !
نهضت عن الارض بقفزة واحدة جعلت خصلات شعرها تشعث بجنون وهي تنطلق لتجري من حوله بسرعة قبل ان يفيق احد من صدمة ما حدث ، التقطت بعدها لوح الشوكولاتة الملقى ارضا بجانب جسده والذي انزلق منه على اثر الوقوع ، لتصرخ بعدها بانتصار وهي تقفز بسعادة تغلبت عليها
"لقد ربحت عليك وانت خسرت ، والآن مت من غيظك يا مدعي البطولة والشهامة !"
ضحكت بقوة بطفولية وهي مستمرة بالقفز بسعادة وكل الانظار تتابعها بانشداه مصدوم بعد ان انقلبت اللعبة بينهم واصبحت هي من تضحك عليهم ، لتمسك بعدها بحزام بحقيبتها وهي تضعها على كتفها هامسة بانتشاء
"هيا بنا يا صفاء لنذهب للمدرسة فقد انتهينا اخيرا من هذه الحيوانات الهجينة ويمكننا الرحيل بسلام"
حرك رأسه جانبا وهو ما يزال مستلقي على الارض هامسا من بين اسنانه بفحيح شرس غير متسامح
"لن اسامحكِ عليها يا ايتها المجرمة الصغيرة ، وسأردها لكِ غالية بعد ان خالفتي القوانين التي اتفقنا عليها بعدم استخدام اي سلاح من اسلحتكِ !"
ادارت وجهها للخلف بعنفوان وهي تنفخ على خصلاتها المتطايرة امام محياها هامسة بابتسامة ماكرة بتشمت
"افعل ما تشاء ، ولكن تذكر القانون لا يحمي المغفلين"
تغضن جبينه بارتباك لوهلة ما ان افاق من دوامة الافكار التي تاه بها بدون إرادة منه ليركل عندها حصوة اخرى امام قدمه بقوة اكبر وهو يتنفس بانفعال هادر احتل كيانه ، ليتابع بعدها سيره على نفس المسار والذي فرغ من المارة ومن طلاب المدارس مثلما فرغت حياته من جميع ذكرياته معهم حتى تبقى له البرود يحتل جزء ثابت بحياته .
تسمر قليلا بمكانه وخطواته تتباطأ تدريجيا ما ان لمح الواقف امام الطريق المقابل لمنزل عائلته ، وهو يستطيع تمييز هذه الاشكال عن بعد ولو مر عليها مئات السنين بدون ان يخطأ بها او يشك بمهارة معرفتها !
حاد عن الشارع وهو يسير على طرف طريق فرعية بخطوات حذرة متسللة بدون ان يشعر الواقف بمكانه بما يحوم من حوله ، وبلحظات كان يقف وراء الرجل وهو يقيد عنقه بذراعه مثل الافعى عندما تلتف على فريستها قبل ان ينخفض ارضا امامه بمقاومة ضعيفة للإفلات منه ، ليركع بعدها على بعد سنتيمترات منه وهو يهمس بالقرب من اذنه بفحيح خافت بتهديد
"من الذي ارسلك لمراقبة هذا المنزل ؟"
اجاب الرجل بتقطع واضح بأنفاسه والتي على وشك فقدانها
"السيد متحت هو الذي ارسلني إلى هنا"
تجمدت انفاسه ببرودة قاتلة وهو يتمتم بسخط تلون بعينيه العسليتين بنيران متأججة
"ذلك الرجل مجددا ! اللعنة عليه"
قال بعدها بلحظات وهو يشدد اكثر على عنقه بذراعه التي تنبض قوة وخشونة
"تكلم لماذا ارسلك لمراقبة هذا المنزل ؟ هيا تكلم !"
ردّ الرجل بسرعة بانتفاض وهو يحاول تلقف انفاسه بصعوبة
"لا اعلم ! اقسم لك لا اعلم ! ارجوك اتركني"
اخرج زمجرة شرسة وهو ما يزال يشدد على عنقه بغضب حارق استولى عليه ، ليرفع بعدها ذراعه الاخرى وهو يكور قبضته هامسا عند اذنه بألسنة الغضب
"اخبر رئيسك ذاك ان يبقى بعيد قدر المستطاع عن هذا المنزل وساكنيه ، لكي لا اجعل حياتكم عبارة عن جحيم متدفق لن تنجو منه بسهولة ! سمعت !"
اومأ برأسه بهزة طفيفة بذعر قبل ان يغيب عن العالم بثواني ما ان هوت قبضته على رأسه لتفقده وعيه بالكامل ، ليلقي به بعدها بزاوية بعيدة عن الاعين وعن المنزل وهو مستلقي على الجدار بخواء .
وصل امام باب المنزل بدقائق وهو يطرق عليه بقبضته بعصبية واضحة تكاد تكسره ، ليُفتح بعدها الباب بفعل الخادمة نفسها التي ما ان لمحته حتى تراجعت للخلف بذعر وهي تستعد لاستقباله بأدب لكي لا يكرر ما فعله معها سابقا ، تعقدت ملامحه بجمود صخري وهو يدخل امامها باندفاع قبل ان يقف بثواني امام السلالم ما ان هتفت من خلفه بتهذيب لم يخفى الخوف بصوتها
"السيد الكبير موجود بغرفة المعيشة"
تصلب بمكانه للحظة قبل ان يغير مسار طريقه بعيدا عن السلالم وهو يتمتم ببرود صارم
"الافضل لكِ ان تعتادي على وجودي بينكم ، فقد قررت العودة للعيش بالمنزل ، وهذا يعني بأنني سأكون بوجهكِ دائما كل يوم"
شحبت ملامحها بوجل حتى بانت تجاعيد العمر على وجهها وهي ترى الذي ابتعد عن نظرها بلحظات ، لتربت بعدها بيدها على صدرها كما عادة كبار السن عندما يقعون بمصيبة هامسة باستياء
"يا ألهي ! من اين وقعت عليّ هذه المصيبة ؟"
بينما كان (مازن) يقتحم المكان على والده الشارد بقراءة الصحيفة بين يديه بهدوء صامت ، وما ان رفع نظراته عن الصحيفة بدهشة تغضنت بزوايا ملامحه الشاحبة حتى عادت بلحظة لترتخي بوهن وهو يهمس بهدوء
"ما لذي اعادك ؟"
زفر انفاسه بقوة وهو يواجه والده بنظرات جامدة دامت للحظة قبل ان ينطق بهدوء جاد وكأنه يتقمص شخصية اخرى
"ابي لقد قررت العودة للعيش بالمنزل معك كما بالسابق ، وسأفعل كل ما تطلبه مني بسبيل العودة للسكن بالمنزل ، حتى لو اضطررت للعمل خادم بدار النشر الخاص بك ، فما هو رأيك ؟"
تغضنت ملامحه اكثر بجمود متصلب وهو يخفض الصحيفة من امامه ، لتعتلي بعدها ابتسامة شاحبة على طرف شفتيه بسعادة بدأت بالظهور على محياه وهو يتبعها بالهمس بزهو لم يشعر به منذ زمن
"اهلا بعودتك للمنزل ، لقد تأخرت كثيرا بالعودة"
اومأ برأسه بهدوء وعقله بعالم آخر وهو يعود لحدث مشابه لما يراه الآن عندما عاد لوالده شاب مطعون بعمر الثامنة عشر ارتكب اول جريمة بحياته المتهورة وهو يركع امامه عند قدميه هامسا برجاء مكسور وذل وخوف خفي يقبع خلف كل هذا
(ارجوك سامحني يا ابي ، ولكني لم اقصد حدوث كل هذا ! صدقني انا اقول الحقيقة لم افعل هذا عن قصد بل كان كله عن طريق الخطأ ! اقسم لك بهذا ، ارجوك ساعدني يا ابي ، لا تتركني وحدي بهذه المشكلة فأنا ليس لي سواك ليخرجني من هذه الكارثة والتي قد تدمر حياتي المهنية والانسانية وتعرضني للسجن مدى الحياة ! ارجوك انجدني يا ابي ولا تتركني لهذا المصير)
____________________________
دخلت للغرفة وهي تمسك صينية تحوي اطباق من طعام الغداء وهي منتظمة على سطح الصينية ، لتتسمر بعدها بمكانها لوهلة وهي ترى التي كانت تقف امام الخزانة تحاول الوصول لشيء معين بالرف الاعلى وهي ترتفع على طاولة صغيرة تحت قدميها لترفع نفسها اكثر وكفها الحرة تمسك ببطنها بألم بان على ملامحها الشاحبة بوضوح .
اتسعت حدقتيها باهتزاز خاطف وهي تضع بسرعة الصينية فوق اول ما صدف امامها وهي طاولة الزينة ، لتعود بسرعة للتقدم امام شقيقتها وهي تهمس بخفوت متوجس
"روميساء ماذا تفعلين بطريقة الوقوف هذه ؟"
ارتجفت اطرافها وهي تلتفت بنصف وجهها للخلف قبل ان تهمس ببسمة طفيفة ببعض الوهن
"ماسة ألا تستطيعين ان تخفضي نبرة صوتكِ قليلا ! لقد افزعتني بوضع لا احتاج به للفزع !"
عبست ملامحها بغضب وهي تلوح بذراعها نحو الطاولة الصغيرة التي تصعد عليها هامسة بامتعاض
"انا التي عليها ان تفزع منكِ وانتِ تصعدين بهذه الطريقة الخطيرة عليكِ ، حتى انكِ لم تخرجي من المشفى سوى بالصباح وتحتاجين للراحة التامة من اجل جسدكِ والذي لم يتعافى بالكامل بعد ! هل انتِ تهتمين حقا بصحتك كما اهتم انا بها ؟"
حركت رأسها للأمام وهي تعود لرفع نفسها هامسة بهدوء واثق
"لا تقلقي عليّ يا صغيرتي ، انا بخير وما زلت بكامل صحتي وبقوتي الجسدية ، انتِ فقط تبالغين بهذا الخوف الغير مبرر والذي ليس له منطق !"
ارتفع حاجبيها بصدمة اكبر وهي تراقب يديها التي تحاول بشق الانفس الوصول لهدفها ، لتقول بسرعة بوجوم مرتجف سكن محياها
"ارجوكِ يا روميساء انزلي ، انتِ هكذا تعرضين جسدكِ للضغط والاذى ، اسمعي مني فقط هذه المرة !"
حركت رأسها بالنفي وهي تهمس بتصميم
"لن انزل قبل ان احضر الملف من الاعلى"
ابتلعت ريقها بتخبط وهي تهمس بعبوس مستاء
"حسنا يا روميساء انا سأحضره لكِ إذا كان هذا سيسعدك ويجعلك تتنازلين عن موقفك ، فقط انزلي واتركيني افعلها بدلا عنكِ"
تراخت يديها على جانبيها وهي تعود لتلتفت نحوها هامسة بهدوء مبتهج
"هذا سيكون معروف كبير منكِ يا ماسة"
عضت على طرف شفتيها وهي تهمس بغيظ
"فقط انزلي"
حركت رأسها قليلا وهي تحاول النزول عن الطاولة حتى كادت تنزلق قدمها خارج دائرة الطاولة لولا الذراعين اللتين طوقتا ساقيها بلحظة لتحميها من الوقوع ، ضحكت بعدها بخفوت وهي تهمس بابتسامة صغيرة بامتنان
"شكرا لكِ ، لقد انقذتني بآخر لحظة"
امتعضت ملامحها وهي تتشبث بساقيها بارتجاف هامسة بقنوط
"ما هو المضحك بالأمر ؟ لقد كدتِ تقعين وتصيبين نفسكِ بكسر لن تخرجي منه حية !"
اكملت نزولها عن الطاولة بحذر وهي تقف على قدميها بسلام ، لتنظر لها بابتسامة متسعة وهي تفرد ذراعيها على جانبيها هامسة برقة
"ها انا امامكِ بخير وبكامل صحتي ولم اصب بأي كسور او خدوش ، ولكنكِ دائما تحبين تهويل الأمور وتحويلها لكارثة كبيرة لا يوجد لها حل بشخصيتك السوداوية المتشائمة !"
ارتفع حاجبيها باندهاش وهي تهمس بتعجب ساخر
"شكرا لكِ على هذا الانتقاد ، لقد كنت احتاج لسماعه بشدة"
كتفت ذراعيها بجمود وهي تشير بعينيها ناحية الطاولة هامسة بحزم
"هل ستحضرينها ام احضرها بنفسي ؟"
زفرت انفاسها بملل وهي تصعد على الطاولة نفسها حتى استقرت بالنهاية واقفة عليها وهي تمد ذراعيها عاليا لتصل للرف الاعلى ، بينما كانت تقول التي تمسك بساقيها كما كانت تفعل معها بهدوء
"على اقصى اليمين ستجدين ملف اوراق بلون الاخضر احضريه لي"
امسكت بالملف بأطراف اصابعها ببطء قبل ان تسحبه بلحظة لتلوح به عاليا هامسة بهدوء
"هل هذا هو ما تبحثين عنه ؟"
اومأت برأسها بحماس وهي تفلت ساقيها هامسة بتأكيد
"اجل"
تمسكت بسرعة بإطار الخزانة بيديها ما ان شعرت باهتزاز الطاولة من اسفلها ، لتمسك الاخرى بساقيها مجددا وهي تكتم ضحكها هامسة بإحراج
"لا بأس ، انا امسك بكِ الآن"
زمت شفتيها بحنق قبل ان تتحرر ابتسامة صغيرة تغلبت على ملامحها المتصلبة ، لتنزل بعدها عن الطاولة بحرص قبل ان تقف امامها لتلوح عندها بالملف هامسة بغرور
"ها هو الملف قد اصبح بين يديكِ ، ما هو الذي ستقدمينه لي هدية احضاري لملفك ؟"
اتسعت ابتسامتها بحنان وهي تمسك بكتفيها لوهلة لتقبل بعدها جبينها بخفة وهي تهمس بخفوت مرح
"هذه هديتي لكِ والتي لن تجدي مثيل لها ، وشكرا لكِ على مساعدتي"
عبست ملامحها وهي تنظر لها تسير بعيدا عنها حاملة الملف الذي سرقته منها بدون ان تنتبه ، تنفست بعدها بهدوء وهي ترخي عضلة شفتيها بشبه ابتسامة هادئة .
اقتربت امام طاولة الزينة وهي تتناول الصينية بحذر لتتقدم بها امام الجالسة على السرير تقلب بالملف الاخضر والذي احضرته لها ، لتقف بعدها بجوار السرير وهي تسند طرف الصينية على صدرها هامسة بجدية هادئة
"هيا يا روميساء اتركي كل شيء من يدك ، فقد حان وقت تناول الغداء"
نظرت لها بحيرة وهي تهمس بخفوت عابس
"ألن تتوقفي عن لعب هذا الدور معي ! فقد بدأت اشعر بالضيق منه وانتِ تتصرفين هكذا مثل رئيسة او عريفة فصل عليّ !"
حركت رأسها بقوة وهي تقول بحزم اكبر بدون ان ترضخ لها
"لن اتوقف عن هذا الدور حتى تتعلمي التصرف بحكمة اكبر بحياتك بدون اي استهتار او لعب كما فعلتِ الآن !"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تمسك خصرها بيدها الحرة هامسة باستنكار
"انتِ تتكلمين مع شقيقتك الكبرى إذا كنتِ قد نسيت ذلك وليس العكس !"
ابتسمت بميلان وهي تضيف ساخرة
"اشك بذلك بعد كل ما حدث !"
انفرجت شفتيها بذهول قبل ان تتحول لعبوس غاضب وهي تدير عينيها بعيدا عنها لتعود للنظر للملف امامها بممانعة صامتة ، تنفست بوجوم وهي تصعد على السرير معها لتجلس بجوارها وهي تضع الصينية فوق ركبتيها هامسة بهدوء جاد
"هيا يا روميساء عليكِ تناول الغداء قبل ان يحين موعد الدواء ، ارجوكِ افعلي هذا من اجل مصلحتكِ فأنا كل ما اريده ان تكوني بخير !"
حادت بأطراف عينيها لوهلة ظهر بها العتاب قبل ان تضع الملف جانبا وهي تفرد يديها هامسة بخفوت
"ضعي الصينية هنا علها تريحني من عنادك !"
ابتسمت برخاء مستريح وهي تناولها الصينية على مهل لتضعها فوق ساقيها بلحظة ، نظرت بعدها ناحية التي نزلت عن السرير وهي تهمس لها بوجوم حائر
"أليس لديكِ جامعة تذهبين إليها ! فأنا لم اركِ تذهبين للجامعة منذ ايام ؟ لا تقولي بأنكِ كنتِ تتغيبين عنها طول تلك الفترة !"
دارت حول السرير بثواني قبل ان تجلس فوق الاريكة بزاوية الغرفة وهي تهمس ببرود
"لقد انتهت المحاضرات بالجامعة ، وانا الآن بفترة إجازة للاستعداد لاختبارات نهاية الفصل ، لذا توقفت عن الذهاب للجامعة طول تلك الفترة"
اومأت برأسها بشرود وهي تحني حدقتيها الخضراوين هامسة بخفوت
"يا للأيام ! لم اشعر بالوقت وهو يمر بهذه السرعة ! لقد اصبحنا بنهاية الفصل الدراسي واتممت عامكِ الاخير بالجامعة بسرعة الريح وكأنكِ لم تبدأي بعد"
سكنت ملامحها وهي تمسك بالمذاكرات على الطاولة بدون ان تعلق على كلامها الاخير ، بينما بدأت (روميساء) بتناول الطعام امامها وهي تدس ملعقة الارز بفمها بصمت بأول لقمة ، ليتغضن بعدها جبينها لبرهة وهي تلتفت بسرعة البرق نحو شقيقتها لتهمس لها بغموض مرتاب
"من الذي اعد هذا الطعام يا ماسة ؟"
لوت شفتيها بجمود وهي تهمس باقتضاب ناظرة للكتاب بين يديها
"أليس هذا واضحا ؟ انا الذي اعده وجهزه من اجلك"
ارتفع حاجبيها بامتقاع وهي تتأمل اطباق الطعام المرتبة امامها هامسة بارتجاف عابس
"ولما فعلتِ هذا ؟ أليس هناك خدم ليقوم احد منهم بهذه الوظيفة ! اقصد من اجل ألا تتعبي نفسكِ بهذه المهمة الصعبة !"
التفتت نحوها بشراسة تسربت على محياها وهي تلوح بيدها هامسة باستهجان
"توقفي عن هذا يا روميساء وقوليها بصراحة ! انا سيئة بالطهو ولا اصلح بتاتا لهذه المهمة ، شكرا لكِ على هذا الاطراء الرائع بدلا من ان تكوني ممتنة لأني طهوت لكِ !"
ارتبكت ملامحها بوجل وهي تحرك يديها هامسة بابتسامة حاولت جعلها داعمة
"لا يا عزيزتي ليس هذا ما قصدته ! وانا اقدر كثيرا مجهودكِ بإرضائي والاهتمام بي ، ولكن ألا ترين بأنه من الافضل ان نترك مثل هذه المهام الصعبة عليكِ لمن يتقنها ويمتلك الخبرة ؟"
ردت عليها بسرعة باستنكار حاد
"من المستحيل ان اسمح بهذا او ان اقبل بأي احد كان ليقوم بتحضير الطعام لكِ ! فلا احد يعلم بطبيعة المكونات الموجودة بالطعام الذي يحضرونه ولا الطريقة التي يتبعونها بتحضيره ، ولن نعيد ما حدث مجددا ونهمل بهذا الأمر البالغ الجدية......"
ابتلعت باقي كلامها ما ان شعرت بنفسها تنحدر بالكلام المندفع لحافة خطرة جدا فقدت زمامها ، لتقطع افكارها صوت شقيقتها المبتسم بمحبة
"هل كل هذا خوف على صحتي يا صغيرتي ؟ هل وصل بكِ الحال لتشككي بعمل الخدم وبالطعام الذي يعدونه ؟ هذه إهانة كبيرة بحقهم لن يمرروها لكِ بسهولة !"
حركت رأسها للأمام بصمت وابتسامة صغيرة تشق محياها الباهت وهي تهمس بتشديد قاسي
"كل من يحيط بنا مشكوك بأمره ولن اتوقف حتى اكشف غريمي الحقيقي"
نظرت لها للحظات بهدوء بدون ان تدرك فحوى كلامها الغامض والتحفز الواضح على تقاسيم وجهها ، وما ان كانت على وشك الكلام حتى سبقتها التي لوحت بكفها ببرود وهي تغير الموضوع
"لم تخبريني عن الذي يحتوي به ذلك الملف الاخضر الذي كنتِ تقتلين نفسكِ للوصول له !"
حركت رأسها للأسفل وهي تمسح بكفها على الملف الذي يستقر بجانبها هامسة بخفوت جاد عاد لتلبسها
"هذا الملف يخص عمل على فصول المدرسة طلبته منا المديرة قبل فترة ونسيت بعدها امره تماما ، لذا كنت ابحث عنه بكل مكان لأكمل انجازه قبل ان تنتهي المهلة المحددة لتسليمه"
حانت منها التفاتة نحو الملف الذي تتكلم عنه لتبتسم بعدها ببهوت وهي تتمتم بنبرة جافة
"تفكرين بالعمل وبالمديرة وبالطلاب بعد كل ما حدث معكِ وحصل ! كيف تستطيعين ان تكوني بكل هذه الطبيعية والتسالم وكأن شيء لم يكن ؟"
ضيقت مقلتيها الزرقاوين بهدوء ما ان قالت صاحبة الملامح الشاحبة بحزن خيم عليها لوهلة
"لا نستطيع فعل شيء لنغير الواقع ولا نستطيع التحكم بالزمن للعودة لحدث تاريخي معين ، لذا كل ما نستطيع فعله بحالتنا هو التأقلم مع الحياة والتقدم للأمام لنتجاوز كل الحوادث الأليمة والمحزنة التي قد تترك الجرح والألم ساكن بداخلنا لأننا لو لم نفعل ذلك لكان الزمن قد سحقنا وتركنا وحدنا نعاني من تلك الحادثة والتي توقفت حياتنا بأكملها عندها !"
شددت من القبض على يديها وهي تشيح بوجهها جانبا بارتعاش استبد بها ، لترفع بعدها الكتاب امام نظرها وهي تقول بعبوس ممتعض
"هلا توقفتِ عن خلق مثل هذه الاجواء الكئيبة ؟ فهذا الأمر لن ينجدك من تناولي طعامي ، وعليكِ ايضا الاعتياد عليه فهو سيصبح طعامكِ اليومي"
تغضن جبينها بريبة ما ان وصل لسمعها ضحكة خافتة بمرارة تستطيع الشعور بها ، وما ان نظرت نحوها بارتباك حتى قالت لها بابتسامة هادئة بدون اي حياة
"تذكرين يا ماسة ! عندما كان عمي قيس يغضب دائما ويتذمر من طعامكِ وطهوكِ السيء ، ومع كل التعليمات والتوجيهات والتي كنت انصحك بها لتعلم الطهو الصحيح كنتِ تقترفين خطأ صغير يدمر كل شيء ويقلب كيان قيس علينا ، حتى اضطررت لاستلام امور الطبخ معكِ والاشراف عليكِ لكي نتأكد من ارضاء قيس وعدم دفعه للغضب علينا اكثر"
كانت مع كلماتها تزيد من سحابات الحزن بينهما حتى طغت على اجواء المكان ، لتدير بعدها وجهها للنافذة بجوارها وهي تهمس بجفاء ساخر
"ومع كل ما كنا نقدمه له لنحاول ارضاءه بكل الوسائل الممكنة لم ينجدنا كذلك من قسوته معنا ومعاملته السيئة نحونا وكأننا عبيد عنده اشترانا بمبلغ زهيد لنعمل خدم تحت امرته لمدى الحياة !"
ارتسم الحزن على محياها بثواني وهي تهمس بخفوت قلق
"ماسة هل ما تزالين تتألمين بسببه ؟......."
قاطعتها بجمود صخري وهي تنظر بعيدا عنها بهدوء
"هلا توقفتِ عن التكلم عنه ؟ فقد اكتفيت منه"
تنهدت بهدوء وهي تتابع تناول الطعام بصمت بدون اي شهية حقيقية بعد ان عبثوا بصندوق آلامهما بالحياة ، بينما الاخرى تتابع شرودها بالنافذة بدون اي تعابير او شعور سوى بالألم القابع بداخلها بدون اي خلاص منه او مهرب ، وكل تفكيرها يدور بنقطة واحدة هل ستستطيع التقدم بحياتها حقا ام ستعلق بهذه النقطة للأبد حتى يسحقها الزمن ويرحل بدونها ؟
_______________________________
كانت تكتب على الورقة بهدوء شديد والصمت يخيم عليها بأجواء باردة لا ينيرها سوى ضوء خافت من المصباح اليدوي الذي كان مشعل بجوار الاوراق التي تكتب عليها مذاكراتها ، تنفست بعدها بتعب مرهق كان يزداد بكل ثانية تمر عليها بهذه الدوامة المأسورة بها ، لتحين منها التفاتة جانبا وهي تشرد من خلال النافذة بسواد الظلام المحيط بالعالم الآن وجميع البشر بهذا الوقت نيام بأسرتهم بدون اي هموم يحملونها بنهاية يومهم الحافل ، وهو الوقت المستقطع من الحياة والذي يخلدون به للراحة والاستغراق بالنوم بسبيل الغوص بعالم احلامهم الخيالي والبعيد عن اي شيء قد يمت لقسوة العالم الحاضر إذا كان فشل دراسي او فشل عاطفي او فشل من كل النواحي ، ولا تعلم حقا ما هو الصنف الذي تنتمي إليه من كل هذه الانواع ؟
عقدت حاجبيها بانحناء طفيف وهي تضيق مقلتيها الزرقاوين بلمعة القمر المنير السابح بظلام العالم بدون ان يختفي ضياءه الكامل من الانتشار ولو قبس صغير يخترق ظلام عالمها السائد ، نفضت الافكار الاخيرة عن رأسها وهي تدير عينيها للأمام لتعود للتركيز على مذاكرتها الجادة والتي عليها انهاءها قبل وقت بلوج الفجر والذي يأتي معه موعد دواء (روميساء) والذي عليها ان تتناوله ثلاث مرات باليوم وقد غفلت عن مرة واحدة بدون ان تدرك ذلك .
اتسعت حدقتيها بذعر لحظي وهي تفلت شهقة غادرة منها ما ان ساد الظلام النهائي بالأجواء من حولها بلحظة ، لتعبس بعدها برجفة خاطفة وهي تتنفس بهدوء هامسة باستياء
"سحقا يبدو بأنني لن اتخلص من هذا الخوف قريبا !"
نظرت للمصباح اليدوي الذي انطفئ فجأة بغدر غير مسبوق لتحاول عندها اعادة تشغيله عدة مرات بدون جدوى ، تنفست بيأس وهي تشتت نظراتها بالفراغ المحيط بها بدون ان تتبين شيء وكأنها تبحث بالسراب .
استقامت واقفة على قدميها وهي تمسك بمذاكراتها بين ذراعيها لتتجه من فورها لخارج الغرفة بحثا عن مصباح آخر تستطيع الدراسة عليه .
سارت بالممر الفارغ بخطوات ثابتة بدون اي صوت وهي تحدد مسارها باتجاه غرفتها القديمة ، لتزيد بعدها من تسارع خطواتها لا شعورياً ما ان تنبهت حواسها لسماع شيء مريب يلوح بالأنحاء ، لتتحول الخطوات الواسعة لهرولة مكتومة تكاد ترجف كل جزء بجسدها المتصلب بأنين انفاسها وضربات قلبها مثل قرع اجراس الخطر بحياتها .
تجمدت بمكانها لوهلة وهي تلهث بتسارع مؤلم حصرت الدماء بروحها وعروقها ، لتقبض بعدها على يديها بلحظة وهي تحاول استجماع شجاعتها الهاربة والتي تخونها بأهم اللحظات ، لتستدير بعدها دورة كاملة وهي ترفع رأسها بإيباء دام للحظة قبل ان يتبدل بالوجوم وهي تهمس بابتسامة هاوية
"يبدو بأنني اتوهم ، يا لحماقتي !"
عادت بعدها للسير للأمام خطوتين فقط قبل ان تحاصرها القيود التي احاطت من حولها بلمح البصر قيدت حركتها بإحكام ، تجمدت ملامحها بشحوب مفزع حتى هربت منها الدماء وحدقتيها متسعتين ببركتي دموع متحجرة افقدتها الشعور بالعالم من حولها ، لتفيق بعدها على الصوت المألوف وهو يهمس بأذنها بدفء متدفق
"لا تقلقي ، هذا انا !"
كلمتين فقط جعلت الهياج يتدفق بداخلها بدون هوادة وكأنها بركان خامد عاد للحياة بعد سنوات جفاء ، لتندفع بعدها بعنف متهور وهي تتمرد على حصاره والذي انفك من حولها بلحظة قبل ان تتعثر بفعل الخوف الذي ما يزال يسيطر عليها وهي تجثو ارضا امام المذاكرات التي وقعت منها .
عقد حاجبيه بتصلب مرتبك غزى ملامحه بثانية وهو يمد ذراعه بتردد محاولا الوصول لها ، ليتسمر بعدها بمكانه ما ان قابل الكتاب الطائر الذي صدم وجهه بقوة وهي تتبعه بباقي الكتب بحوزتها ، ليرفع ذراعه لوجهه بحماية وهو يقول بغضب متهدج
"كفى يا مجنونة ! هل تريدين افتعال عراك بمنتصف الليل ؟"
ولكن المجنونة التي كانت مستمرة بقذف كل شيء تصله يدها بوجهه قد فقدت صوابها وهي تصرخ بغضب حانق
"يا لك من احمق ساذج ! كم مرة عليك ان تخرج لي بالظلام هكذا وتخيفني بهذه الطريقة ! هذه المرة الثانية التي تفعلها بي وهذا ليس ممتع ابدا"
كان قد وصل لها وهو يجثو على ركبتيه ليمسك بمعصميها بتقييد وهو يوقف حركتهما المجنونة بطيش غير محدود ، ليضم بعدها قبضتيها معا وهو يهمس امام وجهها بخفوت اجش آمر
"ماسة ولا كلمة ، هششششش"
عضت على طرف شفتيها بنشيج مرتجف سرى على طول انحاء جسدها بانتفاض ملحوظ متناغم مع حركة صدرها والذي كان يعلو ويهبط بألم تحرر من مسكنه ، ليحاوط قبضتيها بيد واحدة وهو يرفع يده الاخرى ببطء ليمسك بخدها بلحظة وهو يبعد ستار خصلاتها عن مكان اصابعه ، وما ان نظرت له باتساع ببريق دموعها حتى كان يجتاح مجرى تنفسها بقبلته الدافئة وهي تطبع بكل سلام على جروحها لتنعم بحنان خالص توق عالمها البارد بحلاوة من نوع آخر ، ليتوقف بعدها عن تقبيل شفتيها وهو يطوف على وجهها هامسا بنبرة خفيضة التقطتها بتلهف
"اعتذر على ترككِ لوحدك"
ابعدت يديها عن قبضته التي ارتخت تماما لتمسك بهما قماش سترته وهي ترتفع تلقائيا بلحظات حتى وصلت لياقة قميصه ، لتشد بعدها ربطة عنقه ببطء شديد حتى شعر بانحصار بتنفسه لوهلة وهي ترغمه على الابتعاد عنها غصبا ، وما ان ابتعد عنها قليلا وهو يفك وثاق ربطة العنق حتى همست على مقربة من شفتيه بأغراء منتشي
"هذا عقاب صغير من اجل ان تحبس رغباتك ، وإذا اعدتها مرة اخرى فلا اضمن ان اتركك تخرج من بين يدي حياً !"
اتسعت عينيه بجمود وليس بسبب كلامها بل بسبب طعم القبلة الصغيرة والتي طبعتها على شفتيه بلحظة لتختم على كلامها ! ليرمش بعدها بعينيه عدة مرات وهو يهمس بميلان مبتسم بإثارة
"وماذا عن حبس رغباتكِ انتِ ؟ هل يسمح لكِ بفعل ما تريدين وانا لا ؟"
زمت شفتيها بعبوس وهي تشير بأصبعها السبابة امام وجهه هامسة بغرور
"بالطبع هو كذلك ، فأنا يسمح لي بالتقبيل بالوقت الذي اشاء ، واما انت فلا يسمح لك بفعلها سوى برضاي"
ارتفع حاجبيه بتتبع متسلي وهو يقبل اصبعها المرتفع بوجهه هامسا امامه بانبهار خافت
"يعجبني هذا النوع من التحدي ! بما انني سأحصل على قبلات اخرى من شفتيكِ الكرزيتين !"
ضمت اصبعها بسرعة وهي تخفض قبضتها بارتجاف هامسة بقنوط محمر
"منحرف جدا يا فكهاني !"
اتسعت ابتسامته برخاء اكبر وهو يتأملها بالظلام السائد من حولهما وهما جالسين برواق الممر يتبادلان الحديث والقبلات بالعراء بدون اي حساب لانكشاف امرهما امام ساكني المنزل بحياء ولباقة انعدمت منهما ، بينما عاد (شادي) للاقتراب منها وهو ينحني بشفتيه قريبا منها ليقبل خدها هامسا بخفوت
"هل انتِ بخير ؟"
حادت بنظراتها نحوه بضيق وهي تهمس بسخرية
"وماذا ترى امامك ؟ بعد ان اخفتني بتلك الطريقة تتوقع بأني سأكون بخير ؟ ولم انسى ايضا خيانتك لي وخرق الاتفاق بيننا وانت تتركني بالمشفى لوحدي !"
ارتفع حاجب واحد وهو يعود لتقبيل خدها هامسا بتأنيب نادم
"ولكني اعتذرت منكِ على ذلك ! ألا يصفح ذلك عندك !"
تقدمت بوجهها امامه وهي تهمس باحمرار مفرط على تأثير توق قبلاته
"لا لا يصفح عندي ابدا ، فقد زادت اخطائك كثيرا بشكل لم يعد هناك للغفران طريق بقلبي ، لذا جد طريق آخر لتحصل به على الصفح مني ؟"
تغضن جبينه بتفكير وهو يقبل هذه المرة شفتيها برقة هامسا بخفوت ماكر
"سأستمر بتقبيلك حتى تصفحي عني"
شهقت بوجل وهي تشيح بوجهها بعيدا عن جنون قبلاته هامسة بغيظ غاضب
"أليس لديك شيء سوى القبلات ! وايضا ألم نتفق على عدم تقبيلي سوى برضاي !"
عقد حاجبيه بخبث وهو يهمس ببساطة
"لماذا ؟ ألم تكوني راضية الآن عندما استقبلتِ قبلتي بكل شغف !"
ردت عليه بسرعة باحتقان نافي يكاد يفجر الدماء بوجهها
"لا"
تنهد بيأس وهو يتراجع عنها ليعود للجلوس بلحظات قبل ان يحك ذقنه هامسا ببأس
"إذاً ماذا افعل من اجلكِ ؟"
ادارت وجهها ناحيته وهي تعض على طرف ابتسامتها الخفية بانتشاء مغري ، لتستند بعدها على ركبتيها حتى تصل له وهي تمد يدها بتلقائية لتربت على كتفه قبل ان تهمس امام وجهه بابتسامة متحدية
"ابذل كل ما بوسعك يا شادي الفكهاني ، لأن مهمة ارضائي ستكون صعبة جدا عليك"
حدق بها بجمود وهو يهمس بتملك واثق
"اعدكِ بأنكِ ستندمين على هذا الكلام ، وعندما اربح سأحصل على امور اكثر من قبلة !"
ارتجفت ابتسامتها وهو يقبل زاوية شفتيها بصمت تام يختلف عن نوع قبلاته السابقات وكأنه يعلن حرب التحدي عليها ، ابتعدت بسرعة وهي تقف على قدميها لتبدأ بالتقاط مذاكراتها المبعثرة من على الارض بلحظات ، لتلتفت بعدها نحوه وهي تنفض خصلات شعرها بهدوء هامسة بغرور ماكر
"إياك وان ألمحك تلحق بي لغرفتي فلدي الآن مذاكرة للصباح ، وحتى تربح بذلك التحدي الجديد وتحصل على رضاي ومسامحتي لا اريد ان اراك او اكلمك حتى ذلك الوقت ، بالتوفيق يا عزيزي"
قطب جبينه بصدمة وهو ينظر لها تغادر بعيدا ببساطة بعد ان ضربته بكلامه تلك الماكرة ! والآن ليس لديه خيار سوى الاستمرار بذلك التحدي الاحمق والذي كان المسؤول الأول عنه ، ليهمس بعدها بغضب مكتوم وهو يشدد على اسنانه بجمود
"سحقا لتلك اللعينة ! وسحقا لجمال قبلاتها !"
_______________________________
كانت تسند كتفها بإطار النافذة المغلقة وهي تشاهد الظلام المسور بالخارج من خلال زجاج النافذة المعتم بدون ان يتخلل بها اي انوار تزيل رداء عتمتها بجو من الكآبة والحزن ، انتقلت عينيها تلقائياً كعادتها بمواجهة الطريق المقابل لها والفارغ تماما من اي حركة او حياة بهذا الوقت من منتصف الليل ، وهي تميل بعينيها جانبا بحالة جمود اكتسح حياتها بدون ان تمنع الخيبة التي تملكت كيانها ما ان اكتشفت فراغ المكان منه والذي اعتادت رؤيته به طول الأيام الماضية امام مكان سكنها والذي لا يفارقه حتى طلوع شمس اليوم التالي ، ولكن اليوم من بين جميع الأيام لم يظهر بذلك المكان بحالة نادرة بعثت الشك بقلبها ! فهل يكون قد يأس من نضاله معها ام انه سبب آخر ادى لغيابه عن مناوبته الليلية امام منزلها ؟
انتفضت بوجهها بعيدا عن النافذة ما ان اقتحم صمت خلوتها الصوت الخافت بحيرة
"ما لذي تنظرين له ؟"
نظرت له بامتعاض وهي تستقيم بعيدا عن إطار النافذة هامسة بغضب
"ألا تعرف كيف تطرق الباب قبل ان تقتحم غرفة شقيقتك ؟ فهذا من واجب استئذان الدخول على اي مكان تذهب إليه !"
حرك كتفيه بهدوء وهي يهمس بصوت ثابت بثقة
"لقد طرقت على الباب بالفعل واكثر من مرة ، ولكنكِ من تشردين بالعالم الخارجي اكثر من الداخلي بدون ان تسمعي اي صوت آخر يحوم من حولك وكأننا لا نعيش معك !"
عقدت حاجبيها بضيق وهي تتقدم امام السرير لتجلس عليه بلحظة هامسة بهدوء ظاهري
"ماذا تريد يا معتز ؟ وما لذي يسهرك لهذه الساعة ؟"
حرك رأسه بتفكير وهو يهمس بنفس سؤالها
"وما لذي يسهرك انتِ علما بأنه لديك عمل مبكر غدا ؟"
رفعت رأسها نحوه وهي تهمس بجمود غاضب
"لا تجيب سؤالي لكِ بسؤال آخر ! فأنا لا احب ابدا هذه الطريقة بالمراوغة معي !"
ابتسم بهدوء وهو يهمس بعفوية
"لقد كنت افكر بأمور سببت لي الأرق وعدم قدرتي على النوم"
اومأت برأسها بصمت ليصلها سؤاله التالي وهو يهمس بابتسام
"والآن هل مسموح لي معرفة السبب بسهرك ؟"
امسكت بالأوراق المبعثرة على ملاءة السرير وهي تقول بجدية باردة
"لقد كنت اعمل قليلا على اوراق ومستندات تخص الشركة ، وقد اخذت مني وقتا طويلا لأنتهي منها"
تقدم امامها عدة خطوات حتى وصل للنافذة التي كانت تنظر من خلالها ، ليلقي نظرة متأملة للخارج لبرهة قبل ان يعود بنظره لها ما ان قالت بوجوم عابس
"ما لذى جاء بك لغرفتي يا معتز ؟ إذا كنت تريد اكمال سهرك بالحديث معي والثرثرة بالكلام الفارغ......"
قاطعها بهدوء جاد بدون اي تعبير
"لقد انتهت علبة دواء والدتي ، ونحتاج لشراء غيرها من العيادة بأقصى سرعة"
ارتجفت اطرافها بالكامل وهي تهمس بخفوت متوجس
"كيف ألم نشتري الدواء لها بالأسبوع الماضي ؟ كيف انتهى بهذه السرعة !"
ردّ عليها من فوره بملامح باردة
"هذا كان قبل اسبوعين وليس اسبوع ، راجعي معلوماتكِ جيدا فقد اصبحتِ تنسين بسرعة ولا شك ستنسين نفسكِ بالنهاية من كثرة الالتزامات التي تتحملينها وحدك !"
تجهمت ملامحها بلحظة وهي تهمس بانفعال مكبوت
"هذا ليس وقت سماع الطرائف منك يا معتز ، فهذه حالة طارئة علينا التفكير بها وإيجاد حل سريع لها ! لو انك اخبرتني بعد عودتي من العمل......"
قاطعها مجددا وهو يجيبها ببساطة
"لقد اكتشفت الأمر من لحظات ، ولم افكر بإخباركِ سوى الآن"
امسكت بذقنها بتفكير عميق وهي تهمس مع نفسها بملامح جامدة بغموض
"إذا تغيبت عن العمل غدا لن يرحمني المدير بالأسئلة والتي سيمطرها عليّ وخاصة بعد ما حدث مع بيان ! ولكن إذا لم احضر الدواء مبكرا فلن تستطيع تناوله بموعده وهذه بحد ذاتها مشكلة كبيرة ! ليس بيدي شيء افعله سوى الاخذ من وقت العمل لإحضار الدواء بسرعة......"
تدخل الواقف امامها وهو يهمس بجمود صخري
"لما لا تعطيني ورقة الدواء وانا سأحضرها لكِ بدون ان تتعبي نفسكِ بالتفكير بها ؟"
عقدت حاجبيها باعتراض وهي تهمس باستنكار حاد
"لا تستطيع فعلها فأنت لديك مدرسة غدا وخوض اختبار عليك النجاح به ، ولا تظن بأني من الجنون لأتركك تفعل مثل هذا الأمر وانت لا تعرف مكان العيادة اساساً !"
اشاح بوجهه بجمود وهو يتمتم باستهزاء خافت
"كنت احاول مساعدتك بتحمل بعض المسؤوليات عنكِ"
ابتسمت بهدوء شاحب وهي تلوح بيدها هامسة بخفوت متعاطف
"لا بأس يا معتز ، فأنا سأحاول الخروج مبكرا من المنزل واحضار الدواء من العيادة بأقصى سرعة قبل ان يأتي موعد تناوله ، وسأقدم عذر للمدير عن تأخري بالمجيئ للعمل وهو سيتفهم الوضع تماما"
اومأ برأسه بدون ان ينظر لها وهو يهمس بشرود قاتم
"سيتفهم الوضع إذاً ! اتمنى ألا يكون يبحث عن شيء من وراء تصرفاته النبيلة معكِ !"
تغضن جبينها بارتباك وهي تهمس بعبوس خافت
"ما لذي تتكلم عنه يا معتز ؟"
حرك رأسه نحوها وهو ينظر لها مباشرة قبل ان يهمس بغموض متصلب
"لقد كنت اتكلم عن مديركِ المغوار ، هل ما تزالين تذهبين وتعودين معه بالعمل ام توقفتِ عن فعل ذلك ؟"
زمت شفتيها بامتقاع وهي تهمس من بينهما بجفاء غير معبر
"اجل توقفت ، فأنا لست بكل هذا التهور حتى اتلاعب بسمعتي وسمعة عائلتي ؟"
حدق بها للحظات طويلة قبل ان يهمس بابتسام هادئ
"لو كان هذا صحيحاً من يكون إذاً الشخص الذي يتعقبك لكل مكان تذهبين إليه ويلازم مراقبة منزلنا بكل ليل ونهار ؟ هل تعرفين من يكون ؟"
اتسعت عينيها بذهول بالغ وهي تندفع واقفة عن السرير لتهمس بعدها بلحظة بوجوم مرتجف قبض على احشاءها
"من الذي اخبرك بهذا الكلام ؟ بل كيف تتجرأ على اتهامي بمثل هذا الكلام !"
عقد حاجبيه بتصلب وهو يلوح بيده جانبا هامسا ببرود
"الخالة حفيظة اخبرتنا عن ما يقوله سكان البناية عنكِ"
عضت على طرف شفتيها بغيظ وهي تهمس من فورها ببؤس
"كم مرة اخبرتك ان تخفف من الكلام معها وادخالها لمنزلنا بغيابي ! فأنا لا اطيق سماع كلامها او اي شيء تجلبه معها فقط لتضيع وقتها بالثرثرة الفارغة والتكلم بأعراض الناس"
تنهد بجمود وهو يحرك رأسه علامة النفي قائلا بحزم جاد
"لا نستطيع التخلي عنها فهي رفيقة والدتنا المقربة ، والوحيدة التي توافق على البقاء بجوار والدتنا والاطمئنان عليها بغياب كلينا عن المنزل ، لذا وجودها مهم جدا بحياتنا رغم عيوبها وسلبياتها"
اطبقت على شفتيها بغضب مرتعش وهي تخفض نظراتها قليلا هامسة ببرود جامد
"ولكنها دائما ما تمارس هواية نقل الشائعات والاخبار لكل البيوت التي تزورها وكأنها تنشر الفتنة والكراهية بين الناس ، وهي لم توافق على البقاء مع والدتنا إلا رغبة بسرقة الاخبار منها ومعرفة كل تفاصيل ومجريات حياتنا لتتسلى بالحديث عنا بجمعاتها مع جيرانها ومع كل سكان الحي ، وانا متأكدة بأن موضوع المتعقب الذي تتكلم عنه هي المسؤول الأول عن نشره عند كل القاطنين بالبناية"
صمت بهدوء للحظتين قبل ان يتمتم باهتمام
"هل هذا يعني بأن قصة المتعقب صحيحة ؟"
اتسعت عينيها بارتجاف خاطف قبل ان تكتف ذراعيها هامسة بقوة
"هل تثق بي يا معتز ؟"
اومأ برأسه بدون ادنى تردد وهو يهمس ببساطة
"لو كنت لا اثق بكِ لما طرحت عليكِ هذا السؤال بكل هذا الهدوء !"
رفعت عينيها نحوه ببطء قبل ان تبتسم بشبه ابتسامة هامسة بإيجاز
"إذاً هذا اكثر من كافي لنوقف التحقيق هنا ! فأنا ليس لي مزاج للتكلم اكثر"
قطب جبينه بتصلب وهو يحرك رأسه باتجاه النافذة هامسا بشرود
"لو انكِ كنتِ تسمحين بتدخل كبار العائلة لمساعدتنا لما احتجتِ لوجود الخالة حفيظة ولما انتظرتِ إحسان من المدير ! ولكنكِ دائما تصرين على إبعاد الجميع عنكِ وقطع صلاتك بالعالم الخارجي لتصفين بنهاية المطاف وحيدة تعاني وتشقى بالقتال وحدها بكبرياء عالي وعناد شرس سرعان ما سيزول ولن يبقى لكِ سوى حياتكِ والتي تدمرت على يديكِ"
قبضت على يديها الممسكة بالأوراق حتى تجعدت اطرافها وهي تهمس بسخرية باردة بكره
"هل تظن هذا حقا ؟ هل تظن بأني من اعترض طريق العائلة للوصول للسعادة والراحة من كل هذه المعاناة ؟ هل نسيت بهذه السرعة كل الأوامر والقوانين والتي سلطوها علينا ليقبلوا بمساعدتنا وضمنا لعائلاتهم ؟ وفقط القوي هو الذي يلقي بالشروط ويتأمر على الضعيف بمنافسة بينهم من سيكسرنا ويتحكم بنا اكثر ! وانا من المستحيل ان اسمح لفرد من عائلتي ان يهان بهذه الطريقة او يخضع لهم ولطلباتهم فقط بسبيل الحصول على الراحة بحياتنا ، فنحن بعد كل شيء لدينا كرامة فوق كل اعتبار وهي ما تجعل البشر ما يزالون على قيد الحياة ولم يفقدوا انفسهم !"
اعاد عينيه نحوها وهو يتأملها بصمت قبل ان يقول بلحظة بجفاء بارد
"ولكن من اجل أن يرتاح كل منا مما يعانيه ! ألا يستحق ان نتنازل قليلا من اجل سعادة عائلتنا ؟ فقد نسيتِ بخضم تفكيركِ بنفسك وبكرامتك بأن والدتك تحتاج اكثر منا لهذه الراحة والتي كانوا على وشك ان يقدموها لها بإدخالها لأفضل المشافي بالبلد وحصولها على العناية التي تحتاجها ! ولكن يبدو بأن اهوائك وكرهكِ لهم قد طغى على كل شيء آخر يخص عائلتك والتي اخرجتها من كل مخططاتك للسعادة"
رفعت عينيها نحوه باتساع وهي تلوح بالأوراق جانبا بعنف قائلة بثورة
"ما هذا الذي تقوله يا معتز ؟ هل كنت موافق على عروضهم الرخيصة تلك وشروطهم ليوافقوا علينا ؟ هل كنت ستوافق على جعلنا لعبة بين ايديهم وهم يريدون منا ان نتزوج من ابنائهم المدللين واحدة منهما مطلقة والثاني متزوج بالفعل ؟ هل كنت ستفني حياتك بأكملها بخدمتهم والدخول لعالم اعمالهم والتي ستفقدنا كل شعور وكيان نملكه ؟"
تشنجت ملامحه بلمحة حزن خاطفة وهو يشيح بوجهه جانبا هامسا ببهوت خاوي
"ولكنكِ قد رفضتِ كل شروطهم بدون اي مساومة او نقاش !"
ردت عليه بسرعة بجمود مندفع
"معتز هل انت بصفهم ام بصفي ؟"
نظر لها بثواني قبل ان يقول بابتسامة جامدة بدون ادنى تفكير
"وهل يحتاج الأمر لسؤال ؟ بالطبع انا بصفك ودائما"
تنفست الصعداء لوهلة قبل ان تهمس بعبوس مرتجف
"ولماذا إذاً كل هذا الكلام ؟"
غامت ملامحه بلحظة وهو يخفض رأسه قليلا هامسا بجمود منخفض
"لقد اردت ان اغير نظرتكِ نحو قبول المساعدات من الغير والتوقف عن دائرة الاعتماد على النفس والتي انستكِ كل من حولك وكل مباهج الحياة والتي عليكِ الاغتنام منها قبل ان تفوتك ، لذا اثرت تفكيركِ بهذا الموضوع تحديدا لتفكري اكثر بمسيرة حياتكِ وتبدأي بتوسيع دائرتك لمن حولك وتخرجي للعالم الخارجي لتجربي العيش به ولو قليلا"
ارتفع حاجبيها برجفة خدرت حركة ملامحها بحالة حزن طافت على سطح محياها ، لتمسك بعدها بخصلة شعر شاردة على جانب وجهها وهي تشد عليها هامسة بهدوء جاف
"لا بأس يا معتز ، انا بخير هكذا وسعيدة بما انا عليه بعيدا عن كل مآسي العالم الخارجي وعن كل تجاربه القاسية"
تقدم امامها عدة خطوات قبل ان ترفع عينيها نحوه ما ان قال بهدوء جاد
"هلا اخبرتني بما يعتمل بداخلك وتخفينه عن الجميع بدون ان تبوحي به ؟ ام ستبقين تتكتمين عنه لآخر نفس !"
اشاحت بوجهها بقوة وهي تهمس بانفعال لا إرادي
"لا يوجد لدي شيء ابوح لك به"
حرك رأسه ببرود وهو يكمل كلامه بحزم جاد
"انا اقصد الاسرار التي تخبرينها لأمي ما ان تنفردي بها لوحدك لتقضي معها ساعات طويلة وانتِ تفضي لها بكل ما يعتمل بداخلك ويزعجك"
نظرت له بسرعة باتساع متوجس وهي تهمس باستهجان
"هل كنت تسترق السمع علينا ؟"
ابتسم بدون اي مرح وهو يقول ببساطة
"لا تقلقي لن افعلها قبل ان تسمحي لي بذلك وتعطيني الإذن لسماعك ، فأنا اعلم جيدا بأنكِ لا تثقين بي لتخبريني بأسرارك ولا ترينني الرجل المناسب لأتحمل اعباء عائلتي ! ولكني مع ذلك اعطيكِ المساحة الكاملة والتي تريدينها ولا اتدخل بأموركِ الخاصة لأني دائما ما اثق بكِ وهذا الأمر لن يتغير ابدا"
ردت عليه بسرعة باستياء عابس
"ما هي مناسبة هذا الكلام يا معتز ؟ هل ترى الوقت مناسب لتحملني لوم وعتاب فوق طاقتي ؟......"
قاطعها بهدوء بدون ان يفقد ابتسامته
"انا احاول فقط مساعدتك ، ولكن إذا كنت قد ازعجتكِ فأنا اعتذر !"
زفرت انفاسها بتأفف وهي تهمس بجمود اكتسح محياها
"غير مهم ، اذهب الآن للنوم وتوقف عن تضييع وقتك بالتفكير بشيء غير دراستك ، ولا تقلق بشأن الدواء فأنا سأحضره بصباح الغد مبكرا"
اومأ برأسه بجمود وهو يبتعد بخطواته باتجاه باب الغرفة ، وما ان وصل له حتى وقف امامه لوهلة وهو يهمس بهدوء بارد
"لا تتعبي نفسكِ بالسهر طويلا فنحن ما نزال نحتاج لكِ وصحتكِ تهمنا جدا ، وإذا كنتِ قد نسيتِ فلديكِ شقيق بحياتك يمكنكِ الاعتماد عليه بين الحين والآخر"
رفعت نظراتها بارتجاف ناحية الباب الذي خرج منه بهدوء ، ليتغضن جبينها بألم خاطف ما ان قطعت خصلة الشعر التي كانت تلفها حول اصبعها لا شعوريا بخضم مشاعرها المضطربة .
تحركت بسرعة وهي تتجه لا إراديا امام النافذة المغلقة بدافع غريب ، وما ان وقفت امام النافذة حتى تسمرت بمكانها لوهلة وهي تشاهد بعينيها المتسعتين الواقف بجانب الشجرة الكبيرة على الطريق المقابل ، رفعت بعدها كفها لطرف الستار ببطء وهي تحاول تحريكه بحذر قبل ان تتسمر للمرة الثانية بطريقة مختلفة ألهبت مشاعرها التي ظنت بأنها قد انطفئت نهائيا وهي تراقب صاحب اليد التي بدأت تلوح لها بحركة اصابعه الغير مرئية تقريبا ، بدون ان تصدق كيف استطاع رؤيتها من خلف زجاج نافذتها المعتم والذي لا يظهر للخارج ما يوجد بالداخل ! ام انه قد يكون لمح خيالها ؟
انتفضت بعنفوان شرس وهي تدفع الستارة بقوة لتغطي بها النافذة عن رؤية ما يظهر امامها كما غطت قلبها عن الشعور بأي مشاعر غادرة ، لتستدير بعدها للخلف بقوة طيرت خصلاتها المتمردة عن عقدتها التي تهدلت وارتخت ، وبلحظة كانت تستند بالجدار بخمول متعب تسرب بخلايا جسدها ببطء وهي تتخلل شعرها بأصابعها بقوة حتى تحررت باقي الخصلات بعنف هادر ، قبل ان تأن بألم وهي تنتشل كفها من شلال شعرها المموج لتلمح الخصلات المقصفة التي انتزعتها من شعرها الخفيف والذي لم يعد يستطيع تحمل قسوة اصابعها عليه والتي بدأت تفقد السيطرة عليها مثل كل شيء يدور بحياتها فقدت زمام السيطرة عليه !
___________________________
افاقت من نومها بكسل وهي تفتح عينيها نصف انغلاق ما ان كشفت الغطاء عن وجهها وتسلل النور الساطع لها ، لتزفر بعدها انفاسها بملل وهي تحدق بالوجه الذي اطل عليها من فوق هامسة بعبوس متعب
"يا إلهي الرحمة ! ماذا تريدين مني الآن يا امي ؟"
اتسعت ابتسامة والدتها بغرابة وهي تكتف ذراعيها هامسة بجدية
"هل تعرفين ما لذي حدث الآن ؟ انها معجزة كونية لا تحدث سوى كل سنة !"
تغضن جبينها بعدم استيعاب مشوش وهي ما تزال تهيم بغمامة النوم الذي لم تفق منه بعد ، لتمسك بعدها بأطراف الغطاء وهي تعيده فوق وجهها هامسة ببرود
"لا اعلم عن ماذا تتكلمين ؟ وانا الآن متعبة جدا واحتاج للنوم ، لذا نتكلم لاحقا !"
امسكت والدتها بطرف الغطاء معها وهي تهمس باستياء صارم
"حقا غبية ! تفكرين بالنوم ونحن نتكلم عن موضوع مصيري يخص مستقبلك ! متى ستتعقلين ويصبح لديكِ منطق اخبريني ؟"
تجمدت اصابعها على طرف الغطاء لوهلة قبل ان تهمس بقنوط وهي تسحب الغطاء بعيدا عنها بقوة
"لا يهمني كل هذا ، لذا اتركي الغبية فارغة العقل وشأنها فهي تريد النوم"
زفرت والدتها انفاسها بيأس وهي تمسك خصرها بقوة لتهمس بعدها بابتسامة تغلبت على ملامحها
"على كل حال ، لقد اردت ان اخبركِ بأن هناك عرض زواج قد وصل لكِ من لحظات ، وهو من افضل العروض التي قد وصلت لكِ للآن......"
قاطعها الصوت المكتوم من تحت الغطاء بخفوت
"ارفض"
التفتت نحوها بسرعة وهي تهمس بتعجب مستنكر
"ولكنني لم انهي كلامي بعد ؟ ولم تعرفي حتى من يكون !"
عادت للكلام بصوت مشتد غاضب
"لا اريد سماع اي معلومات تخص عروض الزواج ، ولا اريد ان اتكلم عن هذا الأمر بتاتا فهو يضايقني !"
ارتفع حاجبيها باستهجان وهي تحاول الحفاظ على هدوئها هامسة بخفوت يائس
"يا إلهي ارحمني مع هذه البائسة ! لا اعلم ما لذي فعلتيه بحياتك لكي تستحقي الحصول على عرض زواج من شخص مثالي وكامل الأوصاف لا تملكين اي شيء لمنافسته عليه ؟ انا ارى بأنه عليكِ ان تحمدي ربك كثيرا على ما اعطاكِ فهذه النعمة لا يقدرها ولا يحصل عليها الكثيرون"
رفعت الغطاء عن رأسها ببطء وهي تهمس بوجوم
"عن من تتكلمين يا امي ؟"
نظرت لها بابتسامة كبيرة وصلت لعينيها وهي تهمس بسعادة واضحة
"ومن سيكون غير استاذكِ المحترم والذي يملك لباقة وادب ونسب وكل شيء تحلم به الفتاة ؟ وفقط المحظوظة هي التي يقع عليها الاختيار ! وقد كان هذا الاختيار من نصيبك انتِ وكما كنت اتمنى دائما وادعو لكِ بأن يكون هو شريك حياتك"
اتسعت حدقتيها العسليتين بانذهال طاردة النوم عنهما وهي تنتفض بلحظة جالسة على السرير لتهمس من فورها باندفاع صادم
"تقصدين بأن الاستاذ هشام هو صاحب عرض الزواج ؟!"
اومأت برأسها بقوة وهي تهمس بابتسام مبتهج لم تره يغزو ملامحها منذ زمن
"اجل هو بحد ذاته"
ارتفع حاجبيها بذهول اكبر وهي تهمس بوجل مرتبك
"كيف حدث هذا ؟ اقصد متى حدث هذا !"
ردت عليها بلحظة ببساطة بالغة
"لقد اتصل اليوم صباحا بوالدك ليعرض عليه طلب يدكِ للزواج منه ، ولم يمر على هذا الأمر سوى دقائق فقط ! ولكن بما انكِ لا تعرفين عن شيء فيبدو بأنه قد تركه لكِ مفاجأة ليفرحكِ بهذا الخبر ، يا للباقته وجمال سلوكه !"
كانت الجالسة على السرير قد دخلت بدوامة تفكير عصفت بكل كيانها وبذرات مشاعرها المبعثرة بهذه اللحظة بالذات ، لتهمس بعدها لا شعوريا بأنفاس ذاهلة باضطراب
"كيف حدث هذا ؟ بل كيف تجرأ على فعلها بدون ان يعود لي ؟ وايضا تلك الرسالة !......."
قاطعها الصوت الهادئ بنبرة جادة
"غزل مع من تتكلمين ؟"
ارتجفت شفتيها وهي تهمس من بينهما بقنوط
"لا احد ، لا اتكلم مع احد"
حركت رأسها ببرود وهي تعود للكلام عن موضوعها هامسة بنفس السعادة
"اهم شيء الآن عليكِ ان تجهزي نفسكِ بعد يومين وترتدي وتتزيني بأجمل الملابس والإكسسوارات لأنه سيأتي لمنزلنا ليطلب يدكِ رسميا من والدكِ وامام الجميع ، وبعدها سنتفق على باقي الأمور معه بما يتناسب مع الجميع لأفرح بكِ اخيرا واضمن مستقبل سعيد لكِ وتزول عنكِ لعنة البؤس والتوحد بعيدا"
انفرجت شفتيها بارتعاش وهي تهمس بلوعة
"بهذه السرعة !"
اومأت برأسها مجددا وهي تهمس بخفوت مرح يتناقض عن شخصيتها
"يبدو بأنه متشوق جدا للزواج بكِ ، ولا يطيق صبرا حتى يتزوج ويتم كل شيء بينكما ، ولا اعلم حقا ماذا وجد بكِ ليكون بكل هذا التلهف نحوك ؟"
تجمدت ملامحها بشحوب بدون اي تعبير او شعور تجردت منه ، لتفيق بعدها على صوت والدتها والذي انقلب بعيدا عن الهزل وهي تهمس بحزم جاد
"غزل إياكِ وان تخيبِ ظننا بكِ او ان تحاولي تهريب ومضايقة العريس بأي طريقة كانت ، فهذا الزواج سيتم وسيحدث بينكما رغم كل الظروف الماضية والحاضرة وكل ما مررنا به من قبل ، هل كلامي مفهوم ؟"
عقدت حاجبيها بجمود صامت وهي تنظر للتي استدارت بعيدا عنها ، وما ان خطت خطوتين للأمام حتى قالت لها بابتسامة ذابلة بسخرية
"هل هذا يعني بأن موافقتي من عدمها غير مهمة ؟"
صمتت للحظات كانت اكثر من كافية لتعطيها الاجابة قبل ان تهمس اخيرا بهدوء جاد بدون اي مرح
"فكري كما تشائين يا غزل ، ولكني متأكدة بأنه لو كان هذا الشخص هو نفسه حبيبك السابق لكنت وافقتِ عليه بسرعة بدون ادنى تفكير ، وهذا يدل على هبوط حاد بمستوى غبائكِ وقلة تقديرك للأمور بعدم التمييز بين الحسن والعاطل !"
سكنت ملامحها للحظات بدون ان تظهر الاضطرابات القابعة بدواخلها وبصميم روحها المنتفضة بخوف استبد بها ، وما ان غادرت الغرفة حتى قذفت بالغطاء بعيدا وهي تنهض عن السرير بتعثر حتى وصلت للهاتف الملقى على الاريكة ، لتمسك به بسرعة وهي تفتح صندوق الرسائل وانفاسها تخرج بلهاث طفيف زاد من خفقات قلبها بألم موجع وكأنها تجري بسباق طويل .
اتسعت مقلتيها بانتباه وهي تنظر لرسالتها السابقة المبعوثة من الامس والتي كانت تحوي بالحرف الواحد على كل ما يخص ماضيها المتعلق مع (عصام) ، وهي تبوح له بكل شيء مخفي بعلاقتهما السرية حتى بدأت تجزم بأنه لن يطيق النظر لها مجددا بعد قراءة تلك الرسالة ! ولكن ما حدث قبل لحظات عكس ما توقعته تماما وناقض كل مخططاتها التي حاكتها بالرسالة !
عقدت حاجبيها بتسمر وكل عضلة بجسدها تنتفض لا إراديا ما ان لمحت الرسالة التي وصلت من لحظات وهي تختصر كل شيء تشعر به برسالة اثارت كل المشاعر بدواخلها
(لا بأس يا غزل ، فأنا سأكون افضل منكِ وافرض سلطاتي عليكِ بعقابك لمدى الحياة عندما تكونين زوجتي وحدي)
ألقت بالهاتف بعيدا بذعر وهي تعانق ذراعيها بارتجاف اصدرت احتكاك عنيف بمفاصلها الهشة ، لترتمي بعدها جالسة على الاريكة بجمود وهي تنظر بعيدا بحالة مزرية بعد ان دمرت حياتها بيديها وجلبت الألم لنفسها بغبائها ! فيبدو بأنها كما قالت والدتها غبية وبائسة لتكون ضريبة ستعاقب عليها لمدى الحياة !
_______________________________
كانت تسير بساحة الكلية الواسعة بخطوات ثابتة بهدوء بدون ان تعير مجموعات الطلاب المتفرقة من حولها اي اهتمام وكأنها تكّون عالمها الخاص المنعزل عن كل العالم الخارجي والذي لم تنتمي له يوما بسبب عدم تشابها او تأقلمها بكل القاطنين هناك ، وهذا الحال لازمها طيلة مسيرة حياتها والتي تعود بسبب ولادتها بعائلة منغلقة لا تملك اي اقارب او فروع بالعائلة وبسبب خلفية عائلتها الغير مشرفة والتي لا تنتمي لأي من طبقات المجتمع والتي صنفوها على اساس النسب واصول العائلة العريقة ، لذا لم يستطع اي احد اختراق عالمها المنيع سوى شخصين من اكثر المقربين لها وهما شقيقتها الكبرى التي رافقتها منذ الولادة وصديقتها الوحيدة التي رافقتها منذ الطفولة التي نشبت على صداقتها وحدها ليكونا هما عالمها الذي نمى على محبتهما وغرس التفاؤل والمودة بصفاء قلوبهما .
توقفت بتسمر وهي تشعر باهتزاز طفيف بجيب سترتها الجلدية من هاتفها والذي توقفت عن كتم صوته بعد الحادثة الاخيرة ، لتُخرج بعدها الهاتف بلحظة وهي تحدق بشاشته المضيئة بصمت مريب ، ارتخت ملامحها براحة وهي تفك قيود ابتسامتها الصغيرة بسعادة طافت على محياها البارد بلحظة غادرة اخترقت عالمها المنعزل مع اهم شخصين بحياتها فصلوها واغنوها عن كل المتواجدين بعالمها الخارجي .
جلست بعدها على مقاعد الاستراحة وهي تجيب على الهاتف هامسة بطبيعية لا تظهرها سوى معها
"صباح الخير يا اميرة الاحلام ، هل استيقظت من نومكِ اخيرا وعدتِ لعالم الواقع ؟"
اجابها بسرعة الصوت الخافت بنبرة رقيقة محرجة
"صباح النور يا ماسة ، هل اتصلتِ بي قبل دقائق ؟"
زمت شفتيها بامتعاض وهي تتوقع هذا السؤال منها كعادتها عندما تحاول التهرب من موقفها المحرج وهي تدعي البلاهة ، لتقول بعدها بلحظات بخفوت مستاء
"لا لست انا من اتصل بل هذه الجنية جاءت لتسلم عليكِ وتقول لكِ استيقظي من احلامك !"
صمتت للحظات قبل ان تهمس بخفوت متوجس
"ألستِ انتِ من اتصل يا ماسة ؟"
ردت عليها من فورها بغضب هادر
"صفاء كفي عن دور البلهاء !"
امتعضت ملامحها بلحظة وهي تهمس بقنوط عابس
"سحقا لكِ يا ماسة ! ليس هناك بلهاء سوى من ترد عليكِ وتتصل بكِ ! لا اعلم ما هو الغباء والذي دفعني لأستيقظ من احلامي الجميلة على كابوسك ؟ ولكني اعدكِ بأني بالمرة القادمة لن استمع لصوت ضميري ولن افكر بالاتصال بكِ مجددا حتى بقية حياتي ، لتتعلمي الاسلوب الصحيح بالتكلم مع صديقتك الوحيدة !......"
توقفت عن الثرثرة مع نفسها ما ان وصلها صوت الضحكة الخافتة من الطرف الآخر وكأنها تستمتع بتأنيبها لها مثل طفلتين مشاغبتين اعتادتا على القتال والشجار بين بعضهما البعض بطريقتهما الخاصة والتي لا تؤثر بقوة صداقتهما ، ابتسمت بعدها لا شعوريا وهي تهمس بعتاب تمثيلي
"هل هذه ضحكة سخرية ؟ ام ضحكة استفزاز لإغاظتي بها ؟"
ردت عليها وهي تضع كفها على ثغرها الضاحك هامسة بغيظ
"وهل هناك فارق بين الاثنين ؟"
عضت على طرف شفتيها وهي تكتم ضحكتها والتي بدأت تتحرر من حجزها هامسة بمكر
"اجل هناك فارق وإذا اخترت الجواب الأول ستتوج بلقب الغباء وإذا اخترت الثاني ستتوج بلقب الحمقى ويمنع الهروب من السؤال لأنك ستكون هكذا ملك الجبناء !"
ارتفع حاجبيها بتفكير وهي تهمس بابتسامة مائلة بمرح
"وقد كنتِ تقعين دائما بسوء الاختيار لينتهي مصيرك خاسرة وانتِ تحملين كل الألقاب معا !"
تبرمت شفتيها بغضب وهي تهمس بتذمر حزين
"هذا لأنكِ مخادعة وتنطلي عليّ الحيلة دائما ، لقد كان إيجاد إجابة لها اصعب من حل معادلة رياضية"
عادت للضحك بمرح بدون ان تمنع نفسها لتشاركها الأخرى بالضحك بلحظات وهما يحرران الطفولة بداخل كل منهما بجمال ذكرياتها وحنين مشاعرها ، لتتنفس بعدها بهدوء لوهلة وهي تنهي سيل الضحك هامسة بخفوت جاد
"صفاء هل نسيتني يوما ؟"
توقفت (صفاء) عن الضحك بلحظة خاطفة وهي تهمس بعبوس رقيق
"ما هذا الكلام يا ماسة ؟ كيف لي ان انسى صديقتي الوحيدة والتي جعلت سنوات حياتي مثل حلم جميل !"
ابتسمت بهدوء بدون اي تعبير وهي تتمتم بخفوت اشد
"إذاً ما سبب توقفكِ عن الاتصال بي بالآونة الاخيرة !"
ارتبكت ملامحها وهي تلقي عليها السؤال مباشرة بنبرة باردة لم تسمعها منها سابقا ! لتقول بعدها بلحظة بعبوس متوتر
"ولكنكِ انتِ ايضا يا ماسة قد توقفتِ عن الاتصال بي !"
ردت عليها ببساطة بالغة
"ومن هو الذي اتصل بكِ قبل دقائق !"
قالت من فورها بامتعاض ساخر
"فقط هذه المرة ، ولكن بالمرات السابقة انا التي كنت ابادر بالاتصال بكِ"
اراحت ذقنها فوق قبضتها وهي تثبت الهاتف على اذنها بكفها الاخرى هامسة بشرود
"وهذا هو ما كنت اتكلم عنه ، انتِ دائما من تبادرين بالاتصال بيننا ، ولكنكِ بالفترة الاخيرة قد توقفتِ عن فعل هذا !"
زمت شفتيها وهي تهمس من بينهما بغيظ
"يا لغرورك !"
ابتسمت ببهوت بدون اي مرح اختفى عن محياها بلحظة ليتبقى فقط الجمود يحتل عالمها ، لتهمس مجددا بصوت خافت ببرود
"وماذا الآن ؟"
زفرت (صفاء) انفاسها بعبوس وهي تهمس بلحظة بوجوم متردد
"حسنا لم اكن اريد ازعاجكِ بمشاكلي وبالثرثرة فوق رأسكِ حتى لا تشعري بالضجر مني ، وخاصة بأنكِ قد اصبحتِ امرأة متزوجة الآن لديها مسؤوليات وحياة تنشغل بها بعيدا عني ، لذا توقفت عن الاتصال بكِ لكي لا اشغلك بقصصي وبمشاكلي التافهة ، فنحن بالنهاية لن نستطيع التكلم مع بعضنا بكل شيء كما كنا بالماضي فقد اصبح لكل منا عالمه الخاص والذي ينفرد به ، صحيح ؟"
سكنت الاجواء بينهما بجمود المشاعر التي انحجزت بداخل كل منهما بعد ان تدفق القليل منها ، لتقول بعدها صاحبة الابتسامة الساخرة التي اعتلت محياها بلحظة
"لست ماهرة بالكذب يا صفاء ، فأنتِ تستطيعين خداع الجميع ألا من تعرفكِ جيدا وتكشفك منذ ايام كذب الابتدائية !"
ارتجفت ابتسامتها وهي تحني حدقتيها العسليتين بألوان قاتمة غرقت بموجة حزنها المعتادة ، لتقول بعدها بابتسامة هاوية بخفوت شديد
"لقد تبقى ثماني أيام على انتهاء عقد زواجي"
اتسعت حدقتيها الزرقاوين بصدمة لم تدم سوى دقائق قبل ان تعبس بارتجاف غاضب وهي تتبعها بالهمس بجمود
"هل هذا بسبب مشكلة مازن وما فعله مع زوجك ؟"
ردت بسرعة بغصة تكاد تنحر روحها
"لا ليس هو السبب يا ماسة ، فقد انتهت مشكلته منذ زمن"
قطبت جبينها بوجوم وهي تهمس ببرود جليدي
"إذاً ما لسبب ؟"
ابتلعت ريقها بارتجاف وهي تهمس بمرارة خافتة
"انسي يا ماسة ، فكل هذا بدون معنى"
سكنت ملامحها بهدوء للحظات لتقول بعدها بجدية هادئة
"وماذا ستفعلين بعد ان يحدث هذا ؟ هل خططتِ كيف ستتصرفين بوقتها ؟"
شددت على يدها الممسكة بالهاتف بارتعاش قبل ان تهمس بخفوت مشتت بضياع
"لا اعلم يا ماسة ! فقد تعبت من التفكير بالأمر حتى اصبح يراودني بكل دقيقة وثانية من يومي"
زمت شفتيها بغضب وهي تهمس بخفوت حانق
"لما لا تتركينه فقط ؟ سيكون افضل بكثير قبل ان ينهي كل شيء بنفسه وتخسري ذاتك !"
ارتجفت انفاسها بلحظة وهي تهمس بخفوت منتحب
"لا استطيع يا ماسة فقد بدأت احبه !"
ارتفع حاجبيها بارتباك منتفض وهي تحاول الهمس بشيء علق بحنجرتها بدون فائدة ، لتهمس بدلا عن هذا بخفوت بارد عاد ليعتلي محياها
"لا بأس يا صفاء ، فقط حاولي ألا تؤذي نفسكِ اكثر بما تفعلينه ، فأنتِ ذات اهمية وقيمة عالية بحياتنا ولا يستحق ان تفرطيها من اجل شيء مسمى بالحب"
اومأت برأسها بقوة وكأنها تراها امامها هامسة بسعادة عادت لتغمر كيانها
"حاضر ، وشكرا لكِ يا ماسة"
ابتسمت بامتنان صامت بدون اي حياة ليسبقها من بالطرف الآخر بالكلام وهي تهمس بسعادة
"لقد نسيت ان اسألكِ عن حال روميساء والطفل والذي بدأ ينمو بداخلها ! كيف هي صحتهما الآن ؟"
تجمدت ملامحها بتصلب قاسي وهي تهمس ببرود جليدي بدون اي شعور
"لقد رحل الطفل منذ يومين ولم يعد له وجود فقد تعرضت روميساء لحادثة اجهضت الطفل"
اتسعت مقلتيها العسليتين بذهول طاف على محياها قبل ان تتدارك نفسها وهي تهمس بوجوم مرتبك
"حقا ما تقولين يا ماسة ! ولكنه لم يكد يظهر بحياتهم سوى من ايام ! كيف يحدث مثل هذا الأمر ؟"
ردت عليها بجمود باهت وكأنها تتكلم عن شيء فات عليه دهور
"اجل يا صفاء هذا ما حدث ، وقد خرجت روميساء بالأمس من المشفى وهي الآن بحالة جيدة تقريبا"
ارتفع حاجبيها بصدمة اكبر ما تزال تغيم عليها وهي تهمس باستياء عابس
"ولكن كيف حدث هذا معها ؟ هل تعرضت لحادث كبير ؟....."
قاطعتها وهي تقول بتبرير جاف
"لقد وقعت عن السلم"
زمت شفتيها بحزن وهي تهمس بأسى عميق
"يا لها من خسارة ! اتمنى ألا تكون الحادثة قد اثرت عليها كثيرا فهو ما يزال اول طفل لها ولم تكد تفرح به ، ولكن على كل حال حمد الله على سلامتها فكل ما يهمنا ان تكون بصحة جيدة وبكامل قوتها"
ابتسمت بشحوب صامت قبل ان تهمس بتأكيد خافت
"اجل هذا هو كل ما يهمنا"
صمتت للحظات قبل ان تهمس بابتسامة هادئة بمودة
"يا لغبائي لقد سألت عن الجميع ونسيت ان اسألكِ عن حالك ! كيف هي احوالك يا ماسة ؟ هل انتِ سعيدة بحياتك الجديدة ؟"
رفعت وجهها بعيدا عن قبضتها وهي تنظر بعيدا هامسة بجفاء
"جيدة لا بأس بها"
عضت (صفاء) على طرف شفتيها بامتعاض وهي تهمس بملل بعد ان يأست منها
"اجل وماذا ايضا ؟ ألن تخبريني عن التطورات بعلاقتك او اي شيء شيق بها يدعو للاهتمام فقد مللت وانا احاول ان اجرك للكلام !"
حركت رأسها جانبا وهي تهمس ببرود متعمد
"لا يوجد شيء شيق اخبركِ به فأنا عكس الناس لا املك بحياتي اي لحظات حزينة او سعيدة ! ولا تتأملي ان يتغير شيء فأنا والحياة بيننا قانون واحد لن يتغير مهما سار الزمان"
تنهدت ببؤس وهي تهمس بضيق خافت
"يا لكِ من مملة كئيبة حتى لو تركتك مئة سنة ستبقين كما انتِ بنفس التفكير الممل !"
مالت ابتسامتها بهدوء بدون اي كلام لتقول بعدها بلحظة بخفوت ساكن
"أتعلمين بأن اختبارات نهاية الفصل قد بدأت من اليوم ؟"
عضت على طرف شفتيها بارتجاف استبد بها وهي تحاول الهمس بخفوت مبتهج
"حقا ! كيف الأيام مرت بسرعة بدون ان نشعر بها ؟ لقد قاربتِ على انهاء دراستك الجامعية بعد عناء سنوات !"
غامت ملامحها بعيدا وهي تهمس بخفوت شارد
"لقد كان من المفترض ان نخوض اختبارات نهاية الفصل معا ! ولكنكِ قد خنتني بآخر سنة لنا !"
ارتجفت يدها على الهاتف وهي تهمس بابتسام مرح
"يبدو بأن قدرنا ان نفترق بالنهاية ، ومن يعلم قد اكمل مسيرتي الجامعية يوما ما !"
تغضن جبينها بذهول متجمد اعتلى محياها بعد ان نسيت امر الهاتف بأذنها وغاب عنها كلامها الاخير وهي تحدق بالواقف امامها والذي تجسد على بعد خطوات منها ينظر لها بنفس التأمل الصامت والذي اخذهما بعيدا عن الجميع ، وهو العالم الثالث والذي صنعه بالرابط بينهما واوجده بعلاقتهما المعقدة ليكونا الكيان الموحد بهذا العالم والذي يسير فقط على قوانين التجاذب والتي انغرست وتكرست بين تناقض ارواحهما قبل قلبيهما بدون ان يخضع اي منهما للآخر او يعلن راية الاستسلام البيضاء والبعيدة عنهما بحرب عاتية لم تكتب لها النهاية بعد .
انتفضت من سحابة تأملها وهي تستمع للصوت المنادي من الهاتف بقوة
"ماسة ! ماسة اين ذهبتِ ؟"
عضت على طرف شفتيها برعشة خاطفة اسرتها لوهلة وهي تحيد بعينيها بعيدا عنه قبل ان تهمس للطرف الآخر بخفوت متمهل
"اعتذر يا صفاء ولكني مضطرة للذهاب الآن من اجل تسوية بعض الأمور العالقة ، ولا تنسي بالوقت الذي تحتاجين به للتكلم معي لا تترددي بالاتصال بي واخباري بما يزعجك ويعكر حياتك فأنا دائما سأكون بجوارك"
اتسعت ابتسامتها بسعادة برقت بحدقتيها العسليتين وهي تهمس لها بمحبة بالغة
"شكرا لكِ يا ماسة ، وشكرا على اتصالك ، لا تنسي ان توصلي سلامي لروميساء ، وداعا الآن"
فصلت الخط بعد ان انتهت من وداعها وهي تعود بنظرها للأمام باتجاه نفس المكان بدون ان يتزحزح منه...وهي تنحدر بنظراتها تلقائيا على طول جسده الرياضي والذي كان يرتدي لأول مرة ملابس صبيانية تناسبت معه من بنطال جينز مهترئ مترافق مع سترة جينز قصيرة ممزقة الاطراف بدون اكمام فوق قميص ناصع البياض هو الشيء الوحيد الانيق به...لتدس بعدها الهاتف بداخل حقيبتها وهي تنظر للذي بدأ يقطع المسافة بينهما بخطوات واثقة بقوة بدون ان يأبه للنظرات والتي بدأت تتوجه نحوهما بفضول .
استقامت واقفة وهي تعدل من وضع حزام الحقيبة فوق كتفها بدون ان تترك حرب العيون الباردة بينهما ، وما ان وقف امامها مباشرة لا شيء يبعد بينهما حتى قالت صاحبة الملامح الجامدة وهي تلوح بيدها ببرود
"ما لذي تفعله هنا يا شادي ؟"
اتسعت ابتسامته حتى غزت ملامحه بتحدي لمع بعينيه السوداوين وهو يقول بتصميم
"لقد اتيت من اجل ان ننهي ما حدث بالأمس ، ونكتشف من هو الرابح بيننا بهذا التحدي"
عقدت حاجبيها بتفكير لحظي وهي تهمس بوجوم ساخر
"هل تقصد تريد ان تبدأ بتحدي الحصول على رضاي والذي اتفقنا عليه بالأمس ؟"
اومأ برأسه بتصميم اكبر وهو يميل بجذعه امامها هامسا بخفوت اجش واثق
"هذا بالضبط ما اتيت لفعله هنا ، فأنا لن اتوقف حتى اخرج من هذا التحدي رابحا والذي لن يقارن بكل التحديات والتي خضناها سابقا لأن هذه المرة سيكون الربح ذو قيمة كبيرة جدا واكبر مما نتصور ! لذا هل تسمحين لي بالبدء ؟"
حركت رأسها بشرود وهي تدور بعينيها عليه لتشمله كاملا بتأمل حذر قبل ان تبتسم ابتسامة شقية هامسة بخفوت
"ولكن بدون قبلات"
عض على طرف ابتسامته بمكر وهو يضرب بأصابعه على جانب رأسه هامسا بوعد
"اعدكِ يا ألماستي ، لن اُقبلكِ قبل ان يكون برضاكِ"
انحنت ابتسامتها بحياء وهي تشيح بوجهها جانبا للحظة غادرة ، لتستمع بعدها لصوته قرب اذنها وهو يهمس بها بإثارة ألهبت حواسها
"هل نذهب ؟"
نظرت للأمام بتردد وهي تحدق بيده الممدودة نحوها بدعوة للذهاب معها ، لتبتلع بعدها ريقها بتأهب وهي ترفع يدها بلحظة لتريحها بداخل كفه بصمت ، وبثواني كان يقبض على كفها الصغيرة بيده القوية بتملك وهو يسحبها سريعا باتجاه الطريق المؤدي لخارج ساحة الكلية ، بدون ان تترك النظرات كليهما والتي ازدادت عددا من حولهما بدون ان يستطيع احد منهم التأثير عليهما او اختراق عالمهما الثالث والذي خلقوه لوحدهما بتفرد صفاتهما وتناقض حياتهما .
______________________________
اخفض الهاتف من امامه وهو يشرد بنظراته بعيدا بدون اي تعبير يعلو ملامحه بعد ان اختفى ذلك البريق الذي اسر العالم بعينيه ليتبدل بالجمود الصخري والذي غمر كل تفصيل بحياته الخاوية والتي تكللت بالخيانة من جديد بدون اي رأفة او رحمة ، وكأنه يعيد نفس الخطأ السابق بدون ان يتعلم من الدرس الاخير بغباء تجاوز الحدود وكله بسبب تراخي حصونه وتركها ليحدث ما حدث ويخسر كرامته مع قلبه مجددا ، ولكن هذه المرة مختلفة فهو لن يهدأ لثورة قلبه المستعر والذي لن ينضب بهذه السهولة كما بالمرة السابقة ويعلن انهزامه امام طعنتها الغادرة والتي كانت اكثر إيلام عن اي مرة سابقة ، وإذا كانت تفكر بالانسحاب من حياته والفرار من قيود قلبه برسالتها القاتلة فهي قد احكمت على نفسها بالهلاك بقفص سحرها المفتون بها والذي تحول بثواني لقضبان فولاذية ستضيق بها وتسجنها هناك للأبد !
عاد للعالم الحاضر وهو يعطي تركيزه لصاحبة الصوت الهادئ بحنان
"هل تأخرت عليك ؟"
رفع الهاتف امام نظره وهو يحرك رأسه هامسا بشرود
"لا ليس كثيرا"
تقدمت امامه وهي تضع صينية اكواب الشاي على الطاولة قبل ان تجلس بهدوء وهي تهمس بابتسامة انيقة
"لو اعلم فقط ما هو الشيء المهم الموجود بالهاتف والذي يجعلك لا تتركه !"
ابتسم بهدوء بدون اي مرح وهي يدس الهاتف بجيب سترته قائلا ببرود
"ليس بالأمر المهم"
امسكت بأبريق الشاي وهي تسكب بالأكواب برفق هامسة بابتسامة جادة
"كيف حال العمل معك ؟"
اومأ برأسه بجمود وهو يهمس بهدوء عملي
"كل شيء بخير والحمد الله"
رفعت كوب الشاي وهي تسلمه له هامسة بنفس الابتسامة الجميلة
"نورت المنزل يا شقيقي الحبيب"
اعتدل بجلوسه وهو يمسك الكوب منها هامسا بخفوت بارد
"شكرا لكِ"
امسكت بالكوب الآخر بحذر وهي تهمس برقة
"إذاً هل هناك ما تريد ان تطلعني عليه ؟"
نظر لها للحظات وهو يرتشف من قدح الشاي ببطء ليقول بعدها وهو يخفض نظره للدخان المتصاعد من القدح
"ومن الذي اخبركِ بأني اتيت لاطلعكِ على شيء ؟"
لامست بأصبعها اطراف قدح الشاي وهي تهمس بعفوية
"لقد شعرت بذلك من زيارتك لي بهذا الوقت من الصباح الباكر والذي تكون فيه مداوم على عملك بالجامعة ، وايضا من تفكيرك الشارد منذ لحظة حضورك للمنزل وانت لا تتوقف عن التحديق بالهاتف وكأنك تحاول تجهيز الكلام والذي تريد النطق به امامي"
ارتفع حاجبيه بتفكير مندهش وهي يهمس بابتسامة صغيرة بغيظ
"ذكية جدا ! يبدو بأنكِ قد درستِ العينة امامكِ جيدا ! تستحقين درجة عالية عليها"
شربت من قدح الشاي على مهل قبل ان تهمس بابتسامة هادئة بغرور
"اكيد استحق الدرجة العالية ، هل نسيت من كانت تهتم بدراستك طول سنوات حياتك ومن لها الفضل بحصولك على درجات الامتياز بمسيرة دراستك ؟ ولولا جهودي لما استطعت الوصول لما انت عليه الآن وانت تمارس وظيفة التعليم بأرقى الجامعات بفضل هذه المرأة التي حاربت من اجلك لسنوات !"
اتسعت ابتسامته بدون ان تصل لعينيه وهو يتمتم بوجوم شارد
"كيف لي ان انسى معاناة تلك السنوات ؟ لقد كنتِ قاسية جدا معي !"
عبست ملامحها برقة وهي تمسك بخصرها هامسة بتذمر حانق
"لقد كنت افعل هذا لمصلحتك من اجل ان تستطيع الوصول لمراتب مرموقة بحياتك كما كانوا يتأملون منك والدينا ! وخاصة بأنك كنت طالب كسول ومهمل جدا ناحية دراستك حتى دفعت جميع اساتذتك ليفقدوا الأمل منك ، وانظر إليك الآن اصبحت استاذ يعاني بسبب طلابه من اجل ان تشعر فقط بالعذاب والذي كنت اخوضه معك بالماضي"
تغضن جبينه بجمود وهو يرفع نظره عاليا بنفس الشرود والذي اصبح يصاحبه بكثير من الأحيان على ذكرى كلامها والعذاب والذي تعرض له من طالبة واحدة لا يقارن بالعذاب والذي تتكلم عنه ، ليخفض نظره بسرعة ما ان حطت بكفها على يده وهي تهمس بهدوء قلق
"هشام هل انت بخير ؟ تبدو لي اليوم على غير طبيعتك ! هل هناك ما يضايقك ؟"
حرك رأسه بالنفي وهو يعود للشرب من قدح الشاي بيده هامسا بهمهمة خافتة
"كل شيء بخير"
سحبت كفها بعيدا وهي تعود لمعانقة قدح الشاي بين يديها بهدوء صامت ، ليقطعه بعدها الذي وضع قدح الشاي فوق الصينية امامه وهو يهمس بغموض
"متى سيعود زوجك من السفر ؟"
نظرت له بارتياب وهي تهمس بحاجبين معقودين بخفوت
"لقد قال لي بآخر مكالمة بأن طائرته ستصل غدا صباحا للبلد ، يعني غدا سيكون موجود بالمنزل إذا كنت تريد زيارته"
اومأ برأسه بهدوء وهو يضم قبضتيه فوق ركبتيه بصمت لوهلة قبل ان يقول بجمود خافت
"اريدكِ ان تذهبي معي بعد يومين لقضاء حاجة تخصني"
وضعت كوب الشاي فوق الصينية بقوة وهي تلتفت نحوه هامسة بخوف استبد بها
"لماذا ؟ ماذا هناك ؟"
التفت بوجهه نحوها وهو يبادلها النظر بقوة تشعر بها نفذت بداخلها ليهمس بعدها بلحظة بصوت منخفض عازم
"لقد قررت ان اتزوج واخترت الفتاة التي ستسعدني"
تبرمت شفتيها بغضب وهي تضرب على صدره بكفها هامسة
"ولما لم تقل هذا منذ البداية ؟ لقد اخفتني حقا ! انا......"
انتفضت واقفة بارتعاش وهي تنظر له بصدمة متأخرة هامسة بانفعال مذهول
"هل قلت بأنك تريد ان تتزوج ؟"
قطب جبينه بجمود وهو يمسك بمرفقها هامسا بروية
"اهدئي واجلسي بمكانكِ يا اسمهان ، فأنا لم اكمل كلامي بعد"
ولكنها لم تستمع له وهي تغطي فمها بكفيها بفرحة بالغة هامسة بسعادة دمعت عينيها
"واخيرا سأفرح بك يا شقيقي الحبيب ! وهذه المرة فرحة حقيقية وغير ناقصة ، بل هما فرحين عودة زوجي من السفر وقرار شقيقي بالزواج !"
غامت ملامحه بتصلب عند المقطع الثاني من كلامها والذي تطلب منه طاقة جبارة ليحني تفكيره بعيدا عنه حالياً ، شدد بعدها على مرفقها وهو يقول بحزم جاد
"هلا توقفتِ عن هذه المشاعر العاطفية وجلستي قليلا يا اسمهان ؟"
ابتسمت بحياء بشوش بدون ان يغيب عنه دموع الفرح المتدفق بعينيها وهي تجلس بجواره هامسة بمحبة
"اعتذر يا حبيبي فقد انحدرت بمشاعري قليلا من فرحتي بك ، فكم شقيق انا عندي لأفرح به بحياتي !"
تنهد بجمود بدون ان تصل له مشاعرها وهو يدير وجهه جانبا قائلا ببهوت
"حسنا كما اخبرتك اريد منكِ ان تجهزي نفسكِ وتخبري زوجك بالأمر ليحضر معنا بوقت الذهاب لمنزل الفتاة التي اخترتها للزواج منها ، فأنا اريد من الجميع ان يكون حاضر معي بذلك الوقت فأنتم عائلتي الوحيدة التي املكها ، هل تستطيعين فعل هذا من اجلي ؟"
اومأت برأسها بسعادة غامرة وهي تمسح الدموع عن عينيها هامسة بمودة
"اكيد يا حبيبي ، انت فقط اعتمد علينا ونحن نعدك بأن نجعل هذه الفتاة زوجتك رغم كل انوف الرافضين وكل الظروف والتي قد تفكر بالفصل بينكما ، فأنا اهم شيء عندي بأن اراك سعيد وتعيش مع زوجة تقدرك وتحبك"
ابتسم بهدوء بدون اي شعور وهو يربت على كفها المستريح على ركبتها هامسا بامتنان
"شكرا لكِ يا شقيقتي وعلى كل الاوقات والتي ساندتني بها ، لا اعلم ماذا كنت سأفعل لولا وجودكِ بحياتي انتِ وعائلتك ! اشكرك بشدة"
امتعضت ملامحها وهي تضرب على كفه بيدها الاخرى هامسة بوجوم رقيق
"ما هذا الكلام ؟ منذ متى وانت تتكلم بهذه الطريقة العاطفية ؟ هكذا ستجعلني ابكي وانا لا اريد البكاء ! وتقول عني انا بأني الفتاة العاطفية !"
ابتسم بجمود صامت وهو يدير وجهه جانبا بدون اي كلام آخر ، لتشدد بعدها على يده بقوة وهي تهمس بلهفة حماسية
"إذاً اخبرني كيف تعرفت عليها ؟ وكيف هو شكلها ؟ هل هي جميلة ؟....."
قاطعها بجفاء وهو ينظر بعيدا عنها
"انها طالبة عندي بالجامعة وانا الذي اهتم بتدريس محاضراتها"
ارتفع حاجبيها بدهشة وهي تهمس بشرود حالم
"يا لها من مصادفة حقا ! هذا ما كان يخبئه لك القدر من خفايا مذهلة ! ولكن بالتفكير بالموضوع تبقى افضل من تلك الشمطاء ابنة عمك المتكبرة والتي كانت تراك اقل منها بكثير ولا تليق بها......"
صمتت بارتعاش ما ان سحب يده من بين كفيها بقوة وهو ينظر بعيدا عنها بملامح جليدية اكتسحت محياه ، لتقول بسرعة بابتسامة متوترة وهي تمسح على ذراعه تطلب السماح
"ارجوك ان تعذر غبائي يا شقيقي فقد زل لساني بدون ان انتبه ، ولا اعلم لما دائما تخطر على بالي بهذه الاوقات ؟ لقد افسدت علينا سعادة اللحظة والتي كنا ننتظرها طويلا ! ولكني اعدك بعدم تكرارها فهي قد اصبحت من الآن صفحة سوداء وانطوت ولم يعد لها معنى بحياتنا"
تجمدت ملامحه لوهلة وهو ينهض من جانبها بسكون تام غيم عليهما ، ليقول بعدها بهدوء جاد بدون اي تعبير
"انا عليّ الذهاب الآن فقد تأخرت على العمل ، ولا تنسي ما اخبرتكِ به سابقا ، اراكِ بعد يومين ، وداعا"
ردت عليه بسرعة بخفوت حزين
"لما العجلة يا هشام ؟ لم ننهي حديثنا بعد !"
حرك رأسه بجمود وهو يهتف ببرود جاف
"لقد انتهينا من الحديث بالفعل ، ولم يعد هناك شيء نتحدث عنه"
زمت شفتيها بحزن وهي تراه يغادر من امامها وهو يلوح بذراعه قائلا بحزم
"لا داعي للحاق بي ، اعرف طريق الخروج جيدا"
اكمل بعدها سيره باتجاه باب المنزل وهو يشدد بكفه لا إراديا على مكان الهاتف وكلمات الرسالة لا تريد ان تبارح رأسه قبل قلبه وهي تعبر بكل كلمة عن سكين غرستها بداخله بكل حرف تهجئة به ، وهو يستذكر كلماتها جيدا ويحفظها عن ظهر قلب كما يفعل مع كل رسائلها وكل كلمة تكتبها على زاوية اوراق الاختبارات حتى اصبحت هواية بالنسبة له لم يكن يعلم بمدى خطورتها وقوة ألمها على قلبه
(انا اعتذر على هذا الكلام الذي سأكتبه لك بالرسالة الآن ردا على عرض الزواج الذي قدمته لي ، ولكن يبدو بأنك قد اخترت الفتاة الخطأ لتوقع عليها هذا الاختيار ، فهذه الفتاة قد رهنت قلبها لغيرك منذ زمن والذي جربت معه كل قوانين الحب والعشق والصداقة حتى اصبح اقرب الاشخاص لها من نفسها واحب الاشخاص لقلبها المفطور به والذي لم ينبض لسواه ، لذا اعتذر بشدة فأنت تحاول البحث بمكان لن تجد منه مبتغاك مع قلب هجر صاحبه منذ زمن وامتلكه احد آخر ، وارجو حقا ان تجد السعادة الحقيقية مع من تليق بك وتسعدك بحياتك كما تستحق وليس مع فتاة تعيش بقلب فارغ سبق وجرب الحب من قبلك ، وشكرا لك على تفهمك)

نهاية الفصل.........

بحر من دموع Where stories live. Discover now