الفصل الحادي عشر

147 5 2
                                    

كانت تسير ببطء بممر الشركة وهي توزع نظراتها بكل زواياها وبديكورها البسيط الكلاسيكي فهي تبدو بالخارج شركة صغيرة ولكن بداخلها هناك عالم آخر يعيش فيها من ممراتها الطويلة وعدد غرفها لمساحة الأروقة بها بالرغم من انها تتشكل من طابقين لا اكثر ، وكل هذا بسبب كونها مبنية بمنطقة سكنية بسيطة ليس لها صلة بالمناطق ذات الشعبية والشهرة العالية والتي تحظى على كثير من إعجاب سكان المناطق الأخرى ، وقد استدلت على هذا المكان من رسالته الأخيرة لها والتي كتب بها العنوان مع كلمات كثيرة لم تقرأها ولم تهتم لقرائتها .

ابتسمت ببرود ما ان وقعت نظراتها على الواقف امام باب مكتبه وهو يمسك خصره بتحفز مشتعل ظاهر بملامح وجهه الجامدة والتي اصبحت بعيدة عن الهزل والمعتادة على رؤيتها به وكأن الحقائق قد تجردت امامها على وجهه بدون اي مواربة ، عضت بعدها على طرف شفتيها وهي تحاول التباطء بخطواتها بتعمد مستفز وهي تنظر له بتتبع لملامح وجهه والتي ازدادت عبوسا عن السابق منتظرة انفجاره بأية لحظة ولكنه كان يمسك نفسه بشق الأنفس وهذا هو المتأكدة منه امامها ، وهي ما تزال محتارة من طريقته بضبط اعصابه امامها بدون ان يفعل لها اي شيء للآن ؟

اتسعت ابتسامتها بجمود بارد ما ان وقفت امامه تماما وهي تنظر بترقب لتجهمه والذي يكاد يفتك به بدون ان تقابله بشيء سوى بالبرود والمعتادة على استخدامه كسلاح بمواجهة اي شيء يقع امامها مهما كان مدى سوئه وضرره عليها ، لتحاول بعدها التكلم بهدوء قبل ان تتأوه بألم ما ان غرز كفه بذراعها بقوة ليسحبها عندها من خلفه لداخل غرفة المكتب وهو يتجاهل اعتراضها وممانعتها الشديدة .

وصل امام المكتب لينفض ذراعها بعيدا عنه وهو يلتفت نحوها بتصلب قائلا بابتسامة مقتضبة
"لما تأخرتِ بالمجيئ لاستلام عملكِ الجديد كما اتفقنا بالأمس ؟ لا وتأتين الآن بعد مرور ساعة كاملة على اتفاقنا بكل ثقة ! وكأنني انا من كنت اتوسل لكِ لأحصل على الوظيفة بالشركة !"

ضيقت عينيها الزرقاوين بغضب وهي تدلك على ذراعها بموضع قبضته بيدها الأخرى بقوة ، لتقول بعدها بلحظات بتصلب بارد
"لم ابدأ بالعمل معك بعد واصبحت تعاملني بهذه الطريقة وكأنني خادمة عند حضرتك ! وايضا لم يرغمك احد على توظيفي لتحملني الذنب لأنك وافقت عليّ بهذه الوظيفة ، فهذه الطريقة لا يفعلها سوى من يعانون بنقص بعقولهم !"

قبض على كفيه بجانبي جسده وهو يرفع حاجبيه بعدم تصديق لما يسمعه منها من كلام فوق خطئها وتأخرها عن العمل فهذه الفتاة يبدو تحضر لموتها على يديه ليتخلص عندها من برودها ووقاحتها والتي لم تعد تطاق ابدا ! وهذا ايضا بعد مسيرة القلق والتي ارسلتها بداخله منذ الصباح وهي مختفية بدون ان يظهر لها اي أثر .

رفع يده وهو يتخلل شعره بأصابعه بعنف مقتلعا خصلاته قبل ان يهمس من بين اسنانه بغيظ
"لم تخبريني للآن ، لما لم تأتي على الموعد ام انكِ قد نسيتِ الموعد بيننا وستكون عندها اسخف حجة سمعتها بحياتي ؟"

بحر من دموع حيث تعيش القصص. اكتشف الآن