الضحية الخامسة " زين "

4K 381 257
                                    

كنت الحاضر الغائب دوما ، وحين كنت حاضرا بالفعل كان لحضورك تأثير أقسى من تأثير الغربة ، ليتك ظللت غريبا ولم تقترب .
_____________________

أنا زين ، ولن أتحدث عن نفسي كثيرا ، فيكفي فقط أن أقول بأنني كنت نسخة أخرى منه وهذا ما كان سبب شقائي في هذه الحياة ، ولكن ما جعلها أكثر شقاءً ، هو أنني كنت النسخة المُحسنة أو المعدلة منه ، فقط امتلك جميع الصفات التي جعلته جبارا قاسياً ، ولكني لم أكن مثله ، أو ربما لم أصبح بعد ....

بالطبع تمر مرحلة الطفولة في حياتنا كالطيف الخفيف الحاني ،فلا نكاد نتذكر منها سوي أكثر المقتطفات فرحا أو حزنا ،ولكن ما بين ذلك فهو نسيا منسياً ، أما عن طفولتي المبكرة فكانت باهتة ، فلا حزن ولا فرح ، ولا مواقف مؤثرة ،

كانت حياتي مقتصرة على أمي وعمتي التي تكبرني فقط بعشر سنوات ، ولم يكن الفارق كبيرا مما جعلني أراها دوما أختي الكبيرة ، وأحيانا أخرى أراها أختي الصغيرة التي تحتاج لي دائما ولحمايتي ولأهتمامي ، أما هو فلم يكن له أي دورٍ يذكر ، فقد كان منشغلا طوال الوقت ببناء أمجاده واسمه ، وتزامنت أكثر فترات انشغاله بمرحلة طفولتي ، فلم يكن لي معه أي ذكرى ، حتى احتفالات عيد ميلادي أو اي مناسبة من المناسبات التي تتجمع بها العائلات ، فكانت يجتمع فيها الجميع إلا هو ، فلم يكن يبالي بأي شيء يخصني وكأنه يريد الإبتعاد عني أو نسياني تماماً.

كنت أشعر بالضيق أحيانا ولكني لم أكن أفكر في الأمر كثيراً ، فأنا في النهاية طفل يفضل اللهو واللعب عن الشرود والتأمل ، ولكني لم أدرك تأثير هذا الأمر ، إلا عندما تعاملت مع أصدقائي يوميا بالمدرسة ، ويحكي كل منهم عن بطله الأوحد ؛ أبوه الذي يفعل كل شيء من أجل إسعاده ، وكل منهم له قصة مختلفة مع أبيه ، وشعرت بمرارة الأمر أكثر حين وجدت صديقا لي ينعزل في حزن عند سماع هذه الحكايات ، فاستنتجت لربما أن يشبه أبيه أبي ولا يمتلك معه اي مواقف كي يقصها ، وقررت أن يكون هذا الشخص صديقا لي ، بسبب تشابه أحوالنا ، وحتى يعون كل منا الأمر على الآخر ، ولكني اكتشفت حين تقربت منه بالفعل أن والده متوفى وليس مثل أبي كما كنت أعتقد .

لذا فقد فكرت في الأمر بنظرة أخرى ، وازداد انشغال عقلي به ، فلماذا يشبه حالي حال من فقد أبيه ، وأبي مازال على قيد الحياة ، لماذا لم يكن مثل الباقية ؟! هل العيب في أنا ، وأننى لم أكن جديراً بالاهتمام والحب ، لا أتذكر أنني فعلت اي شئ خاطئ يوم ما ، أتأكد من ذلك ، وأخذت أدور في دوامة التساؤلات والحيرة أتساءل كل يوم عن عيبي وما ينقصني حتى أكون مثل اقراني واستمتع بحنان أبي وحبه ، بالطبع لطفل في عمري كانت هذه مشكلة كبيرة حين تقع بعقلك الصغير في مقارنة مع من حولك ، فقررت التنفيس عما بداخلي وسألت أمي عن الأمر وليتني ما سألتها ، كانت امي لا تتصرف بحكمة أغلب الوقت وتكون ردود أفعالها وفق هواها فقط ، فهي تكره أبي حين يحدث بينهما خلاف وتراه شيطانا وتحبه حين ينفض هذا الخلاف وتراه حنونا ملاكا ، لذا حين سألتها للأسف كان تكرهه كالجحيم ، فأجابتني في اقتضاب وبدون ذرة تفكير ، لانه لا يحبك ولا يحب أحد سوى نفسه .

جنّة إبليس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن