عشق ليس ضمن التقاليد

By AseelElbash

2.2M 79.5K 17.8K

&&حقوق النشر محفوظة ومطبوعة فقط بأسمي انا اسيل الباش&& The highest ranked : #1 in romance.. #الرواية تدور أحد... More

المقدمة
الفصل الاول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس (الجزء الاول)
الفصل السادس (الجزء الثاني)
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
مهم جدًا
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
note
الفصل السابع عشر (الجزء الاول)
الفصل السابع عشر (الجزء الثاني
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي وعشرون
الفصل الثاني وعشرون
الفصل الثالث وعشرون
الفصل الرابع وعشرون
مهم
الفصل السادس وعشرون (الجزء الاول)
الفصل السادس وعشرون (الجزء الثاني)
الفصل السابع وعشرون
الفصل الثامن وعشرون
مهم جدا
الفصل التاسع وعشرون
الفصل الثلاثون
الفصل الحادي وثلاثون
الفصل الثاني وثلاثون
الفصل الثالث وثلاثون
الفصل الرابع والثلاثون والاخير
الخاتمة
شعلة بين الضلوع
اعلان هام جدًا
حقيقة
التحذير الأخير

الفصل الخامس وعشرون

43.5K 1.8K 393
By AseelElbash

الم يشفع تساؤل قلبي
حائرًا باكيًا عن ابتسامتك؟..
وأنين حضني شوقًا صارخًا
لنعومة جسدك وسحر عطرك؟..
إضمحل النور وتشعشع السواد
واحتدمت النيران راجية قربك..
طاقت عيناي للتشبع بمحراب
جمالك وحلاوة لمساتك..
وانطفأت الشموع الحالمة
برحيلك وهي تبكي مرارة بعدك..
وما لي وما لفؤادي الا توسل
إذابة الجليد عن قلبك..
ألا تشفعين لي أثمي وتقتلين
المسافات بهمسة امل من ثغرك؟

------------------------
استغفر قسورة الله عدة مرات وحمده انه خرج بسرعة من البيت والا كان فعلًا سيؤذيها بسبب كلماتها المجنونة.. يتفهم حزنها على شقيقها.. خوفها على ابنة عمها.. ولكن ليس أن تتفوه بكلمات كهذه! لو انها تحدثت معه بطريقة ثانية ما كان ليرفع يده عليها بالتأكيد.. ولكن خنساء ولسانها الطويل...! خنساء ولسانها لهما رواية خاصة صدقًا..

لم يود وخاصةً هذه الفترة أن يرفع يده عليها ويمسها بأي ضرر.. ولكنه له قدرة محدودة على التحمل والتحلي بالهدوء.. وخاصة تحت وطأة هذا الضغط الذي يعيشه وتحت وطأة الحمل الثقيل الذي يكاد ان يهلك ظهره..
أغمض عينيه وهو يتذكر كلماتها واتهامها المجنون له ولقبيلته.. ماذا بإمكانه أن يفعل بحق الله؟! فيوم اختطاف ياقوت هو لم يكن من الأصل في القبيلة حتى يعرف ويساعد ياقوت.. وبعد أن عاد عرف كان زواج ساري من ياقوت قد تمّ بشكل فعلي كما أخبره جده.. وهم بنفسهم كانوا الشاهدين.. ثم حين كانت الفرصة بيد احمد ليعيدها إليه هو بنفسه تركها لساري الذي كله يقين ما كان ليدع احمد يأخذ ياقوت منه.. فبأي حق تلومه هو بحق الله؟!

هل تظن أن يرضيه ما تعانيه ابنة عمه؟ بالتأكيد لا يفعل.. ولكن هناك اشياء ليس هو الوحيد الذي بإمكانه السيطرة عليها والتحكم بها.. هناك المعتقدات والتقاليد والعادات وما توارثوه عن أجدادهم.. هم يسيرون على هذا المبدأ..
ومن الأساس كيف سيطالب بعودة ياقوت لهم؟ بأي حق وهو ليس إلا ابن عمها؟ والد ياقوت ومعتصم ويوسف هم من عليهم المطالبة بعودتها الى قبيلتهم مؤقتًا على الأقل.. غير أن تفكيره المنصب على أفعال معتصم جعلته لا يفكر بياقوت ووضعها كما يجب..

"استغفرك يا الله من كل ذنب عظيم"
همس قسورة بصوت منخفض قبل أن يولج الى مجلس الرجال في منزل جده..
ألقى قسورة تحية السلام حينما وجد جده يجلس برفقة عمه وولديه معتصم ويوسف.. وبهدوء اقترب ليجلس بجانب جده بينما يسمع يوسف يهتف بنبرة عصبية لم يتمكن من التحكم بها:
- من الجيد انك اتيت يا قسورة.. فأنا كنت سأتوجه الى منزلك للحديث معك حول ما حدث اليوم.

رفع قسورة حاجبه الأيمن غير راضيًا البتّة عن الطريقة التي يوجه بها يوسف الحديث له:
- قبل أي شيء تود أن تقوله انتبه الى الطريقة التي تخاطبني بها يا يوسف.. انتبه جيدًا!

علّق معتصم بسخرية:
- انت زعيم القبيلة وصديق ساري العرّابي.. بالتأكيد يجب أن ينتبه إلى الطريقة التي يخاطبك بها!

ابتسم قسورة بخفة متهكمة وبهدوء خطير ردّ على معتصم:
- الى ماذا تشير بكلامك يا ابن عمي؟

- لا داعي للسؤال يا قسورة فقصدي واضحًا وضوح الشمس.. تبرئتك للنذل ساري دون أي دليل يمكن الثقة به حقًا وعدم معرفتك اطلاقًا كيفية إدارة شؤون القبيلة الداخلية والخارجية أيضًا.. فها انت الى الآن لم تجد حلًّا الى الحرائق التي تُقام بشكل مفاجئ وغريب في القبيلة.. بالإضافة إلى عدم معرفتك استنباط قاتل احمد وفقط انا سأفعل وسأفعل وانا وانا والخ... اعتقد ان جدي ما كان يجب أن يمنحك أبدًا هذه المكانة وانت لا تملك أي من صفاتها! يجب أن نعيد النظر كلنا بكونك انت من تحكم القبيلة بينما لا تعرف كيفية التعامل مع اي شيء!

زجره الجد كريم بغضب:
- معتصم انت تتجاوز حدودك في الكلام.. فقط قسورة من يستحق هذه المكانة.. لا انت ولا غيرك يستحقها.. كل منكم لا يهمه غير نفسه وهو الوحيد الذي يتعب بالتفكير ويفعل عدة امور للقبيلة دون أن يعترض أو يتأفف.. وعلى ماذا هكذا تبدو وكأن الدماء تحترق في عروقك؟ سبق وسألتكم اذ كنتم موافقين على منحي مكانتي لقسورة ولا احد منكم اعترض! فعلى أي أساس الآن تُثرثر بهذا الكلام الفارغ؟!

- ابي هو لا يعترض على مكانة قسورة أبدًا.. قسورة يستحق هذه المكانة وكلنا ندري.. ولكن ما حدث اليوم لم يكن عدلًا ومنطقيًا أبدًا.. والسبب الأساسي لقدومنا اليك هو ابنتي ياقوت.. ابنتي انت تدري بحجم الكلام التي قالته وهي تقطن الآن في قبيلة أعدائنا فكيف لا يصيبنا الجنون والله وحده يعلم ماذا سيفعلون بها بعد ما قالته؟! انا اريد ان تعود ابنتي الى منزلي لفترة حتى يهدأ الوضع.. فأنا لا أضمن سلامتها معهم خاصةً هذه الفترة.
هتف والد ياقوت بجدية تامة ليقول قسورة:
- انت لم تطلب الا حقك يا عمي.. اذا كنتَ تريد ان تعود ابنتك اليك اليوم فسنعيدها اليك حتى تهدأ الأوضاع.

للحظات قليلة جدًا ران الصمت قبل أن يتساءل يوسف بنبرة خشنة:
- وماذا عن تبرئتك لساري؟
ثم اردف:
- انت تدري جيدًا يا قسورة أن قسمه على القرآن الكريم ليس دليلًا كافيًا أبدًا عن كونه ليس هو من قتل أحمد.. ثم انا اتعجب صدقًا من موافقة بقية الشيوخ على كل كلمة يقولها قاضي العشائر.. بالإضافة إلى صمت جدي!.. التحقيقات لا تسري بهذه الطريقة.. ولا تتم التبرئة عن المتهم بهذه الطريقة التافهة أبدًا.. الطريقة التي تم بها التحقيق مع ساري وخاصةً برفقة كل هؤلاء الشيوخ كانت طريقة تافهة ولم ارى مثلها سابقًا أبدًا.. نحن نتحدث عن قضية كبيرة.. عن قضية قتل! عن قتل أحمد.. ابن عمي وصديقي.. كيف لكم أن تستخفوا بالتحقيق مع ساري الى هذا الحد؟ كيف؟

وثب يوسف عن مكانه بجنون وهو يمرّر يده على وجهه:
- مع كل احترامي لك يا قسورة وتقديري لمكانتك الا انك مخطئ تمامًا بحكمك.. ما ادراك أنه لم يقسم كذبًا؟ ما ادراك؟! وخاصة بهذا الموضوع قاضي العشائر لا يجب أن يتدخل بسبب صلة القرابة التي تجمعه بساري.. اذا اردتكم التحقيق كما يجب أحضروا قاضيًا اخر.. وانت لا اعتقد ان يجب ان تحكم وتحسم.. ما عليكم فعله هو احضار كل المتهمين اولًا ثم تحققون معهم كما يجب وبعد ذلك تحسمون الأمر.. ولكن ليس كمثل المهزلة التي دارت اليوم وكأنك يا قسورة كلك ثقة ببراءة ساري العرّابي!

بنبرة قاطعة هتف قسورة وهو يرمق معتصم بنظرات حارقة:
- بالفعل انا واثق من براءة ساري العرّابي من موت احمد كل الثقة.. كل الثقة يا يوسف!
ثم استانف:
- انتم تريدون سلامة شقيقتكم.. اليس كذلك؟ سنذهب الان ونعيدها اليكم.. وانتم تريدون تحقيقًا اخر وفقًا لما يجب أن يتم التحقيق وحسم القضايا.. ذلك أيضًا سيحدث.. وقريبًا جدًا ولكن لنذهب الآن اولًا الى قبيلة العرّابي حتى اعيد ابنتكم اليكم.

********************
كانت اقصى توقعاته أن تهرب منه مرة أخرى.. تمنى أن يجدها بأسرع ما يمكن فلهيب البعد كلما تضطرم نيرانه في صدره فتشتد أفكاره سوادًا وقساوةً.. اين ستهرب منه؟ ماذا لو أصابها مكروه؟ الى من ستلجأ؟
كان يبحث عنها بلهفة لعله يلمح طيفها.. لعله يراها فيرتاح فؤاده القاسي الذي يضج داخل ضلوعه بعنف مؤلم..
اذا وجدها سيعاقبها.. لا.. لن يفعل.. يقسم أنه لن يضربها.. لن يعاقبها.. لن يفعل اي شيء يؤذيها.. فقط لتعود إليه الآن.. ليجدها وسيحاول ايجاد طريقة أخرى يكبل بها مقاومتها الشرسة لوجوده في حياتها غير العنف والسيطرة.. سيحاول رغم أن هذا ما ترعرع عليه.. ولكن اين هي؟ اين؟

منذ أن علم بهروبها وهو يبحث عنها في القبيلة وجوانب القبيلة كلها.. فقد استبعد أن تكون في قبيلتها.. رغم كل شيء يدري أنها لن تتوجه إليهم بهذه السرعة لأنها تعرف أن أول مكان سيذهب إليه للبحث عنها هو قبيلتها.. ولكن الآن؟!.. بعد أن بلغ اليأس منه منتهاه لم يكن أمامه اي حل غير التوجه لهم.. الى قبيلة الفهدي..
وحينما كاد أن يفعل برفقة والده وجده وشقيقه تفاجأ بوجود أفراد قبيلة الفهدي بجوار باب منزله..
عقد ساري حاجبيه بعصبية وهدر بجنون دون أي تمهل:
- اين هي؟ لماذا لم تعيدونها معكم؟ اين زوجتي؟

تساءل والدها بخوف:
- ماذا تقصد بكلامك؟ اين ابنتي؟ لقد عدنا لنأخذها منك.

هتف ساري باحتدام كمن فقد عقله حينما فقد ياقوت:
- لا تحاولوا أن تخدعوني.. لا بد انها في منزلكم في القبيلة.. وانا كنت الآن سأتوجه الى قبيلتكم لأعيدها!

حينما إستوعب يوسف معنى كلامه وان أخته الآن في مكان لا يدري أحد به.. وأنها هربت من زوجها بسبب خوفها منه لم يتمالك نفسه أبدًا.. وبأفكار مرعوبة على شقيقته ياقوت هجم على ساري بوحشية وهو يصيح بجنون:
- اين هي يا حقير؟ ماذا فعلت لها لتهرب؟ هل ضربتها؟ هل اذيتها؟ ماذا فعلتَ لها؟ كيف هربت؟

تدخل الرجال لإبعادهما عن بعضهما البعض.. خاصةً وأن ساري كانت حالته تماثل حالة الجنون التي أصابت يوسف.. فبوسع الصدر رحّب بالتنفيث عن غضبه بالمشاجرة العنيفة التي أخذت تدور بينهما..  ولم يحيل بينهما إلا صوت الجد كريم الذي صاح بهما أن يتوقفا حالًا..

زمجر يوسف بانفعال وهو يقاوم الرجال الذين يقيدونه:
- اين ياقوت؟ اين هي؟ أعدها الينا حالًا.. سأقتلك! هل تفهم؟ سأقتلك اذا أصابها اي مكروه.. ماذا فعلت لها لتهرب؟

وقف قسورة امام يوسف وهتف بنبرة صارمة حازمة بينما يحدق في عينيه بنظرات قوية:
- كفى يا يوسف! اذا كنتَ تريد أن تفهم ما حصل واين شقيقتك عليك أن تكف حالًا عن هذا الجنون.

قال فواز بسخرية موجهًا كلامه لكريم:
- احفادك أبدًا ليسوا واعيين ومدركين لما يفعلونه.. لا نريد أن ندع النتائج تكون وخيمة يا كريم.

ألقى عليه كريم نظرة اشمئزاز قبل أن يسمع والد ساري يقول:
- هيّا يا جماعة ادخلوا الآن إلى المجلس لنتفاهم فمكوثنا هنا لا يصح.

بعد أن قصّ عليهم والد ساري ما حدث وكيف عرفوا بهروب ياقوت وسط النظرات الكارهة المتبادلة بين ساري ومعتصم ويوسف ومحاولة فهم قسورة وجده الذي حدث تمامًا.. وإذ كانت ياقوت هربت قبل أن يعود ساري ام بعد أن عاد.. قال معتصم بشماتة وابتسامة انتصار تعلو شفتيه:
- مبارك لك.. لقد هجرتك زوجتك وهربت منك! يا لفضيحة اسمك يا ساري العرّابي.

بلمح البصر كان ساري يهجم عليه بإحتدام ونار قائظة تسري في عروقه بسبب كلماته وإهانته له بهذا الشكل وخاصة فيما يتعلق بموضوع ياقوته.. امرأته.. التي سيجدها ولو كانت تحت التراب وسيعيدها إلى قفص محكم بأغلال لن تتمكن أبدًا على كسرها والهروب منه مجددًا..
من ابعد ساري هذه المرة عن معتصم كان قسورة الذي لكمه بقسوة على وجهه وهتف:
- هذا يكفي! انت لا تدرك على ما يبدو معنى أن تهرب زوجتك منك.. إذهب وإبحث عنها وحينما نجدها سيكون لكل حادث حديث!

قال يوسف بنبرة مشتعلة شامتة قبل أن يخرج، عازمًا على إيجاد شقيقته:
- اعدك انني سأجد شقيقتي.. وحينما افعل سأدعك تبقى تدور وتدور حول نفسك ولا تطول طيفها حتى.. وبنفسي سأخفيها عنك وعن الجميع.. تستحق ما فعلته بك.. وإبقى انت في العار الذي جلبته لنفسك بيدك.. زوجة ساري العرّابي تهرب منه وتهجره لوحشيته ولعدم قدرتها على العيش مع انسان مثير للاشمئزاز مثلك.. لا تعتقد أنني سأسمح لأحد أن يلوم شقيقتي على ما فعلته بهروبها منك.. سأقتل اي احد يجلب سيرتها على لسانه بسوء!

*******************
حاولت خنساء أن لا تفكر ابدًا بتأخره حتى هذا الوقت.. فضربه لها لن تتوانى أن تعاقبه عليه أبدًا.. هي لم تُخطئ اطلاقًا بلومها لهم.. ربما ما أخطأت به هي الطريقة التي انفعلت بها.. ولكن على الأقل كان عليه أن يتفهمها.. أن يحتويها.. لقد خسرت طفلها وبعد ذلك بفترة شقيقها.. وخسرت ياقوت منذ فترة طويلة.. و ها هي تعاني وقلبها لا زال يؤلمها عليها بحق..

انهمرت دموعها وهي تتقلب على الفراش بإختناق شديد.. يا الله لم تمر اقسى من هذه الفترة عليها على الاطلاق.. فهناك أناس نتألم لألمهم بقدرهم وربما أكثر.. وألم وحزن أحمد وياقوت بالنسبة لها قاتلًا حد النخاع..
سمعت فجأة حركة في المنزل وخطوات تدنو من غرفة النوم فأدركت أن قسورة قد عاد..

طمست خنساء شهقاتها بصعوبة وجففت دموعها وهي تغطي كل جسدها ووجهها تحت دثار السرير..
بعد لحظات احست به يجاورها السرير دون أن ينبس ببنت شفة.. فتمتمت بغيظ لم تتحكم به:
- ليتك لا تتحدث ابدًا!

بتجهم وفاها صوته:
- ماذا قلتِ؟

تجاهلته خنساء تمامًا ليبعد قسورة بخشونة عنها الدثار  فيقابله وجهها الاحمر بفعل دموعها، وشعرها المشعث بسبب طريقة جذبه للدثار.. بدت ساحرة وهي تطالعه بعينين سوداوين جذابتين قويتين بطريقة غريبة جدًا.. كرر قسورة محاولًا بصعوبة إقصاء سحر نظراتها البرّية عنه:
- ماذا قلتِ يا خناس؟

رفعت خنساء حاجبيها وهي تعتدل بجلوسها على السرير وببرود غمغمت:
- لم أتفوه بحرف واحد.. ربما تكون توهمت أو انك كبرت وبدأت اعراض الشيخوخة فأصبحت تتوهم الاصوات!

إرتسمت على شفتيه إبتسامة ماكرة وهو يميل عليها بوجهه:
- هل تريدين أن أثبت لك انني لا زلتُ في ريعان شبابي وبكامل قواي الجسدية والعقلية؟

اشاحت خنساء بوجهها وهي ترد بسخرية:
- لا داعي أن تفعل.. يدك اثبتت لي اليوم حينما هوت على وجهي لتصفعني دون أن تفكر ابدًا!

ادار قسورة وجهها إليه فترقرقت الدموع في مقلتيها وهمست بضيق وهي تحاول ان تدفع يده:
- إبتعد عني.. لا تلمسني! حينما لا تتفهم ظروفي ومخاوفي وحزني لا يحق لك أن تلمسني.. هل تفهم؟

بهدوء قال قسورة:
- أنتِ هي التي لم تنتبه إلى انفعالها وحجم الكلمات التي نطقتِ بها يا خُناس.. لم أرغب برفع يدي عليك وخاصةً في ظل هذه الظروف الصعبة.. ولكنك لم تمنحيني اي خيار آخر.

إبتسمت خنساء بتهكم مرير:
- ظروفي انا اصعب من ظروفك.. تريدني أن أتفهمك وانا التي فقدت طفلها وتم الهجوم على منزلها وهي لوحدها.. انا التي فقدتُ شقيقي الى الابد ولا ادري اي شيء عن ابنة عمي التي اعتبرها الأقرب إلى قلبي.. انا هي يا قسورة التي لا احد يفهمها ويحاول أن يتفهم الامها.. ولا من الأصل يحاول أن يُقدّر ظروفها.. وانت لم تفعل أي شيء لي سوى أن تزيد من همومي وحزني.. لم تحتويني أبدًا!

تحسّس قسورة خدها بطرف إبهامه وتساءل بينما يدنو منها بوجهه اكثر:
- وما الذي تريده امرأتي حتى ترضى وتعفو؟

- اريد ان ارى يدك محطمة الى قطع صغيرة.. ثم اعود الى اهلي.. وبذلك فقط سأرضى.
ردت بنبرة شرسة لم تزدها الا فتنةً وسحرًا وعيناها التي ترسخت على عينيه تطالعه بهذه الطريقة المغرية بعنفوانها..
ضحك قسورة وعلّق بإستمتاع:
- لم اعهدكِ قاسية القلب يا خُناس!

- قسور هذا يكفي!
تمتمت بحنق حالما لثم طرف شفتيها برقة.. اللعين هي تعشقه وهو يدري انها تذوب من اي شيء رومانسي يبذر منه.. ولكن الآن تبًّا له ولها اذا سمحت له أن يؤثر بها..
حينما رآت أنه محال أن يتوقف ويبتعد عنها قرصت خنساء له ذراعه بلؤم وزمجرت بصعوبة وهي تدفعه عنه وتنهض عن السرير:
- لا.. لن تلمسني! ومنذ الصباح ستعيدني الى اهلي.

بصعوبة كتم قسورة تأوهه بسبب قرصتها المؤلمة.. وبغضبٍ صاح بها وهو يجذبها من ذراعها بقوة لتقع على الفراش وتحديدًا على صدره:
- والله لن تطئ قدمك الارض التي خارج المنزل غدًا يا لبؤة.. وسألمسك دون أن تتجرأي على منعي!

- لا!
هدرت وهي تضربه بشراسة فضحك قسورة وقال:
- على رسلكِ.. سأشك انني متزوج رجلًا وليس امرأة...
وتابع بوقاحة ولأول مرة يفعلها وهو ينظر إلى جسدها بطريقة موحية:
- وليس امرأة في غاية الأنوثة القاتلة!

إتسعت عيناها بذهول وحدقت به لثوانٍ مذبهلة قبل أن تعقد حاجبيها وتتساءل بغيظ:
- من اين لك كل هذه الوقاحة؟ هل تزوجت امرأة غيري وتركتك تتعلم هذه الوقاحة! اين جديتك ورزانتك؟

ضحك قسورة بشقاوة وهمس بينما ينقلب ليضعها هي على السرير ويكون هو فوقها:
- اذا كانت هذه وقاحة بالنسبة لك فأنا زوج فاشل ويجب أن أعيد بعد الطقوس مع زوجتي!

- قسورة!!
تمتمت بإعتراض حانق ليهمس بالقرب من أذنها:
- حسنٌ اعتذر يا خنساء.. وأعدك أن نتفاهم في الغد.. ولكنني الآن مشتاق لك بجنون واحتاج حنانك وشغفك.. واعدك أن نتفاهم لاحقًا، حسنًا؟.. الان دعيني فقط اتغزل بك وبشراستك!

********************
بعد مرور أربعة أسابيع..
أوصل صفوان طفليه الى منزل والدة آيات لتعتني بهما كما طلبت فوهج غير قادرة اليوم على الاعتناء بهما بسبب إرهاق الحمل وصعوبته عليها خاصةً خلال هذه الفترة..
جلس قليلًا يحتسي القهوة معها ويحادثها.. وبعد دقائق معدودة نهض قائلًا:
- سأغادر الآن خالتي.. سأعود غدًا أن شاء الله لأخذ الطفلين.

وقفت هي الأخرى وقالت بإبتسامة:
- لا بأس بني.. دعهما اذا اردتَ كل الوقت هنا فزوجتك ليست بقادرة حتى على الاعتناء بنفسها.. فكيف ستعتني بطفلين؟

بهدوء أجابها صفوان:
- هي فقط هذه الفترة مرهقة بسبب الحمل وإلا ما كانت ستتركهما لثانية واحدة.

بخبث علّقت:
- وماذا عن بعد الولادة يا بني؟ لن تقدر أبدًا أن تعدل بين اطفالك ففي النهاية ادهم وسيف ليسا من رحمها.. لذلك أنا أعتقد أن من الأفضل أن يقيما الطفلين في منزلي وانا سأعتني بهما.

- لا خالتي.. وهج وحدها من ستعتني بهما.. وما تخشينه لن يحدث أبدًا ولن اسمح به كذلك.
هتف صفوان بإكفهرار لتتنهد وتغمغم:
- والله يا بني انت لا تدري بالنساء وافعالهن.. المرأة لا يهمها ابن زوجها.. جلّ ما يهمها هو نفسها وطفلها الذي من رحمها فقط.. ووهج ربما تبدو مختلفة في عينيك إلا أنها ستتغير بعد الولادة.. وها هي بدأت تتغير منذ الآن.. فمثلًا آيات طيلة حملها أبدًا لم تهمل الاهتمام بك ولا بأي احد او حتى تعترض.. المرحومة ابنتي فقط بعد مرضها تعبت ولم تعد تقدر على الاعتناء بطفليها كما يجب لتساعدها وهج.. ومن كان يعلم أن وهج ستدعك تعشقها الى هذا الحد، غير مكترثة أبدًا بسبب الزواج الحقيقي وهو الطفلين ليس إلا!

أجابها صفوان بنبرة غليظة عصبية:
- خالتي انا موجود ولست بصغير حتى اسمح لمخاوفك أن تتحقق.. وهج ام كل اطفالي والمرحومة آيات بنفسها منحتها هذه المكانة لتكون زوجتي الثانية رغم أنها تستحق أن تكون زوجة اولى وليست ثانية وأن تقوم بهذه التضحية التي لا يقوم بها اي احد.. ما فعلته يجب أن نشكرها عليه لا أن تفكري بها بهذا السوء! ولو حدث ولو شيء بسيط من افكارك هذه، اعدك انني موجود وأعرف كيف أوقفها واعيد تربيتها أيضًا.. والآن عن اذنك.. سأغادر!

********************
لم يذق طعم النوم منذ أن غابت عن عينيه.. صار نومه معدومًا تقريبًا.. تغفو عينيه لعدة دقائق ثم يستيقظ ليس قادرًا على النوم وهي ليست بين ذراعيه.. لا يضم جسدها الصغير الى صدره رغم مقاومتها له.. ولا يتنشق عطرها الذي يسحره.. ولا يمرر لمساته على جسدها الذي ينفره.. اشتاق لها حد الجنون واليأس.. اشتاق لها حد التعب.. آه لو يجدها فقط.. اختفت وكأنها لم تكن يومًا في حياته..

بحث في كل مكان من الممكن أن تتوجه إليه.. إفتعل المشاكل وزار كل الأماكن.. سأل عنها في كل مكان.. إلا أنها مختفية.. وكأن الارض ابتلعتها لتواريها عنه.. وكأن السماء حجبتها فحتى في النور لا يجدها! اين هي؟! اين؟
لأول مرة يشعر بالعجز يتسلل إلى روحه.. ياقوت هي عجزه.. الشيء الوحيد الذي يعجز عنه.. عن امتلاك قلبها.. عن الابتعاد عنها.. عن النوم دون أن تكون اقرب من أنفاسه إليه..

شمتَ به الكثير من أعداؤه.. وفي كل مرة كان يفقد أعصابه فيهجم عليهم بضراوة.. ياقوت خط احمر.. قد يتقبل اي شيء.. ولكن ليس حينما يخصها الموضوع.. أبدًا لن يفعل!
كان أقسى عقاب له هو هروبها لتترك خلفها أقاويل لا ترحم عنه وكمية شماتة لا تُحصى.. ورغم ذلك ليس ساري العرّابي من يحني رأسه.. محال أن يفعل!
ما يقتله حقًا بهروبها هو بعدها والشوق الذي أخذ يلهو به كدمية حزينة! هو؟! ساري العرّابي الذي كله جبروت وقسوة لم يحطمه غير حبه لها وهروبها منه..
تارةً يتوعد لها بأشد عقاب وتارةً أخرى يقسم أنه لن يؤذيها مجددًا اطلاقًا ولكن لتعود إليه فقط..

- السلام عليكم!
رفع ساري رأسه سريعًا فور سماعه صوت وسيم العثماني الذي لم يراه منذ فترة طويلة.. وبنبرة خشنة هتف:
- وسيم! اين كنتَ يا رجلًا؟

إبتسم وسيم بهدوء وهو يجلس ارضًا بقرب ساري تاركًا ظهره يستند على جذع الشجرة وقال:
- كيف حالك يا ساري؟ أو انني لست بحاجة للسؤال!.. فأنا ارى امامي رجلًا لا يشبه صديقي على الاطلاق!

تشدق ساري بسخرية:
- هل وصلتك الأخبار؟

- أجل، لقد وصلتني كلها بالحرف الواحد.. وسمعت أن الجميع ينتظر عودتي ليتابعوا التحقيق حول مقتل احمد.
أجابه وسيم وهو يدفع حجر بقدمه كان بجانبه على الأرض.. فتنهد ساري وهو يطالع الحجر الذي دفعه وسيم:
- أجل لا زالوا ينتظرونك.. لا يشكون بغيرنا انا وانت تقريبًا.
ثم استطرد:
- على اي حال اين كنت مختفيًا طيلة هذا الوقت؟!

إبتسم وسيم مرة أخرى:
- ستعرف بعد قليل.
ثم ألقى نظرة شاملة عليه وأضاف:
- لم أتوقع أن اجدك وحيدًا بهذا الحال الذي يُرثى له وسط الصحراء بعيدًا عن الجميع.. على ما يبدو أن إبنة قبيلة الفهدي فعلت الويل بك!

- وسيم!
تمتم ساري بتحذير ليقهقه وسيم للحظات قبل أن يقول:
- ألا زلتَ لم تجدها؟

- لا!
أجاب ساري بجمود واستأنف بإصرار وعزم:
- ولكنني سأجدها ولو بعد حين!

ربت وسيم على كتفه:
- لنذهب الآن إلى قبيلة الفهدي فهناك مفاجأة للجميع قد سبق وحضرتها.. وأريدك أن تبعث بأحد الى قاضي القبائل وبقية الشيوخ.

عقد ساري حاجبيه بتعجب وتساءل:
- ما الذي تخطط له؟ لماذا تريدهم؟

بنبرة غامضة ردّ وسيم:
- سترى بنفسك بعد قليل.

********************
فور ولوج وسيم العثماني وساري العرّابي إلى قبيلة الفهدي وصل الخبر مباشرةً إلى قسورة والجد كريم فتأهب قسورة على أشد استعداد لمقابلتهما..
توافد عدد كبير من رجال القبيلة الى مجلس الرجال ليعرفوا ماذا سيحدث وكيف سيتم اللقاء والحكم على المتهمين ساري ووسيم.. فالجميع كان ينتظر عودة وسيم..

دخلا الى المجلس ليقول وسيم بصوت جهوري بطبعه:
- السلام عليكم! ها قد اتيت.. لقد وصلني انكم كنتم تبحثون عني.

وثب قسورة عن مكانه وسار نحو وسيم وتساءل بينما يبادل وسيم النظرات التي تفيض قوة وشجاعة:
- اين كنت طيلة الوقت؟

إرتفع طرف ثغره بإبتسامة خفيفة حثيثة وهمس:
- اينما أكون فذلك يعود الي وحدي يا قسورة الفهدي.. انت تريد معرفة هوية القاتل لتأثر لمقتل ابن عمك.. وتشك بي وبساري العرّابي، اليس كذلك؟ الآن سيتم التحقيق كما تريد وستعرف كل شيء.. ولكن أنا أنتظر فقط قدوم قاضي القبائل وبقية الشيوخ.

- وها قد اتينا.. السلام عليكم جميعًا.
قال أبو مالك فور دخوله ليرد الجميع تحية السلام..
جلس قاضي القبائل وبقية الشيوخ بينما بقي ساري ووسيم واقفان أمامهم..
طالع احد الشيوخ قاضي القبائل قبل أن ينظر إلى وسيم ويهتف:
- لقد عدت أخيرًا يا بنيّ وانت تدري انك متهم.. وأتيت بقدميك الى قبيلة الفهدي وطلبت اجتماع الجميع.. فهلّا اخبرتنا وعرفنا ماذا هناك؟

تطلع وسيم الى يوسف قبل ان يبتسم بخفة ويقول بهدوء شديد:
- يوسف الفهدي سيخبرك يا شيخنا!

تعالت الهمهمة بين الجالسين ليصدح صوت يوسف مستنكرًا:
- انا؟ وكيف لي أن افعل؟

- ماذا تقصد يا وسيم بكلامك؟
تساءل قاضي القبائل بجدية ليطالعهم وسيم ويهتف بنبرة شديدة الحزم وهو يفجّر قنبلته:
- يوسف يعرف قاتل احمد جيدًا!

ظهرت الصدمة على وجوه الجميع بينما إرتد يوسف خطوة إلى الخلف حينما توجهت الأنظار جميعها إليه..
هتف والد احمد وهو ينظر اليه بصدمة:
- يوسف!!

تابع وسيم بنبرة قاسية:
- اخبرهم من هو القاتل يا يوسف.. والذي عرفتَ من هو قبل اسبوع وبنفسك اكتشفته ولكنك على ما يبدو لا زلتَ تستر عليه وتواري أفعاله الشيطانية لأنه فقط شقيقك!!

بسرعة انتقلت الأنظار لتُحط جميعها على معتصم الذي أحتقن وجهه بخوف شديد..
سار وسيم نحو عزيز ثم سرعان ما كان يمسكه من تلابيب قميصه ويدفعه ارضًا، هاتفًا بحدة:
- أخبرهم من الذي لا يزال يفتعل الحرائق.. ومن الذي قتل أحمد.. اخبرهم الأسباب! واياكَ والكذب.

الصدمة عقدت لسانهم جميعًا وعزيز يحاول أن يعترف فلا يقدر.. قبض وسيم على مؤخرة عنقه وأخذ يهزه بعنف ليقر عزيز معترفًا بنبرة متقطعة مرتعشة وهو يشير إلى معتصم:
- أقسم.. أقسم بالله أن.. أنه هو من زرع هذه.. الفكرة في رأسي.. ليس.. ليس انا!

وضع الجد كريم يده على رأسه بعنف مصدومًا الى ابعد حد بينما دنى وسيم من معتصم وجذبه بقساوة ليلقيه تحت قدمي قسورة قائلًا بصوت عال:
- اعدائك ليس إلا من قبيلتك يا قسورة الفهدي! ابن عمك عزيز أراد اذيتك لينتقم منك ومن زوجتك وهو بنفسه من بعث برجلٍ ليحرق بيتك ويقتل طفلك.. بينما ابن عمك معتصم أراد أن ينتقم من ساري العرّابي ويتسبب له بالعديد من المشاكل ثم التخلص منه فقام بإفتعال الحرائق واتفق مع عزيز أن يقتلا احمد لان احمد اكثر شخصًا معروفًا بكونه عدوًا لساري.. وبالتالي بعدم قدرك على جمع شتات نفسك سيأخذ مكانتك.

إسترسل وسيم بعد أن القى نظرة متهكمة على يوسف:
- ويوسف لم يعرف الا قبل عدة أيام حينما قبض على عزيز ورجل اخر كانا سيحرقان منزل والديك يا قسورة.

تابع وسيم بعينيه الصدمة التي تربصت على ألسنتهم جميعًا ثم استأنف:
- لا بد انكم تتساءلون كيف عرفت! شقيقة هذا النذل عزيز تكون خطيبتي.. وهي تعرف بكل وساخة شقيقها وبنفسها من اخبرتني قبل عدة ايام فقمت بنفسي بالتحقيق مع عزيز بطريقة لا تلائم الا أمثاله واعترف بكل القذارة التي تسري في القبيلة!

- لا حول ولا قوة الا بالله!
علّق قاضي القبائل مصدومًا بالشر الذي يكمن داخل هؤلاء البشر.. بينما نهض قسورة مخرجًا سيفه من غمده لتتسع العيون بفزع ويوسف يتطلع بعينين متسعتين دامعتين الى شقيقه معتصم الذي لم يتجرأ ويعترف عن جرائمه.. فمهما كان يبقى شقيقه.. كيف له أن يعترف وهو يدري مصيره كيف سيكون؟

وضع قسورة سيفه على عنق معتصم وهو يسأله بنبرة منفعلة مرتجفة مخنوقة من قوة الفاجعة التي عرفها:
- لماذا؟ كيف هان عليك ابن عمك لتقتله؟ كيف تمكنت أن تحضر العزاء وتنفعل لموته وانت بنفسك من قتلته؟ لماذا؟ لماذا احمد وانت تدري من هو احمد بالنسبة لشقيقك يوسف وشقيقتك ياقوت؟ لماذا؟ كنت احاول إقصاء أي شك عنك فمستحيل أن يتقبل العقل انك قد تقتل ابن عمك.. لماذا؟ لماذا فعلت ذلك؟

أغمض معتصم عينيه كما فعل يوسف تمامًا بينما يرد والعرق يتصبب من وجهه بغزارة:
- لأجل الاسباب التي ذكرها وسيم العثماني.. اردت التخلص من ساري العرّابي!

تطلع قسورة إليهم وزمجر بنبرة قوية رغم اختناقها:
- لقد تعهدت وقسمت انني فور أن أعرف من هو قاتل أحمد واتأكد من هويته لن اتوانى عن الانتقام والثأر لدمائه.. حتى لو كان شقيقي!
ثم سلّط نظره على عمه والد معتصم ويوسف وهتف:
- اعتذر منك عمي.. ولكن من مات هو احمد الفهدي! والثأر لموت ابن عمي لا بد أن يتم!

ودون أن ينبس معتصم أو غيره بحرف واحد كان السيف يمر عبر عنق معتصم بعنف ليلقيه صريعًا وسط الذهول وقساوة الموقف..
انهمرت دموع يوسف دون أن يتجرأ ويفتح عينيه.. بينما اخذ عزيز يرتجف وهو يحملق بجثة معتصم برعب شديد..
تراجع عزيز إلى الخلف زاحفًا بينما خطا قسورة نحوه وقبض على عنقه بعنف، هادرًا بشراسة تبث الرعب في النفوس:
- موت طفلي الذي لم يرى النور بعد.. ودموع زوجتي على طفلنا الأول وعلى موت شقيقها.. والاعتداء على منزلي وحرقه.. ومحاولتك تلويث شرفي انت وشقيقتك.. لا بد أن ذلك أيضًا ساثأر له.

وبنفس السيف وبنفس المكان وبنفس البشاعة كان عزيز يتبع مصير معتصم الفهدي.. كان أقسى موقف قد مر على تاريخ القبيلة كلها.. الصدمة والألم وكمية الدموع التي سالت من عيني الرجال حُفرت في العقول وبقيت راسخة وخالدة الى الابد.. وما زاد الأمر سوءًا هو انهيار يوسف وبكائه بطريقة تدمي القلوب.. حتى أن ساري ووسيم شعرا بالشفقة تجاهه بينما يشاهدان كيف انزلق على الأرض يبكي ويشهق وهو يخفي وجهه بيديه..

كان يوسف حائرًا مخنوقًا ومقتولًا.. من فقده كان ابن عمه وتوأم روحه وصديق عمره.. ومن تسبب بقتله ليس إلا شقيقه الذي يكون من دمه ولحمه.. تلقى الخنجر ثلاثة مرات.. المرة الأولى بإستشهاد احمد امام عينيه.. المرة الثانية بمعرفته هوية القاتل.. والمرة الثالثة هي موت شقيقه الآن وأمامه.. فلم يتمالك نفسه او يتحكم بجسده الذي أخذ يرتجف بينما دموعه تنهمر كالأطفال المساكين..

كان صعبًا جدًا أن تُقال الكلمات.. كان مؤلمًا جدًا استرجاع الذكرى.. كان قاتلًا بحق معرفة أن من قتل أحمد ومن تسبّب بالدمار في القبيلة ليس إلا أبناء القبيلة!
لم يقدر أحدهم أن يواسيهم أو يطبطب على جراحهم النازفة.. يوسف المنهار.. قسورة الذي تراجع متقهقرًا مصدومًا بعد أن استوعب حقًا مقدار قساوة الموقف وكونه قتل شخصين الان وفي التو.. ومن قتلهم ليس إلا اثنين من أبناء عمومته.. والجد كريم المصدوم والمقتول بما حدث.. والد احمد ووالد معتصم ووالد عزيز.. ما حدث كان مريرًا الى اقصى درجة!..

********************
إبتسمت غزالة بحنو وهي تتأمل ياقوت التي تقوم بتقطيع البصل في المطبخ دون أن ترف عينيها أو حتى تدمع!
قد مرّ أربعة اسابيع منذ أن هربت بها من شقيقها ومن القبيلة كلها.. وها هي ياقوت يومًا بعد يوم تحاول أن تخرج نفسها من قوقعتها المريرة التي تلتف حولها كالقيد وتعرقلها على التفاعل مع أي شيء يدور في هذا الكون..

كانت احيانًا تشرد كثيرًا واحيانًا أخرى تبكي كثيرًا وغزالة أبدًا لم تحاول أن تعاتبها على انهيارها أو حتى تذكرها بكل الأحداث الماضية.. ولجأت على عدم ذكر اسم شقيقها حينما تجلس برفقتها وتحادثها.. وياقوت بدورها لم تتساءل عن اي احد.. فقط هادئة..  وصامتة.. وحزينة بطريقة تثير الشفقة..

المكان الذي اخفتها به لم يكن غير منزلها.. فساري من المستحيل أن يفكر أن الإنسانة التي غدرته وساعدت ياقوت على الهروب وهي التي بنفسها اخفتها عنه ليست إلا شقيقته غزالة.. مستحيل أن يفكر أنها تختبئ في منزل شقيقته..
حينما أخبرت زوجها عما فعلته وما كانت تنتوي ياقوت فعله وافقها ما فعلت ووعدها أنه لن يفشي بسر وجود ياقوت في منزلهما.. بل ساعدها فؤاد وعاونها بالتمثيل حتى على الأقل تبجس ياقوت من دوامة الاكتئاب التي تلتف حول روحها وقلبها..

- ياقوت..
همست غزالة بحنو لترفع ياقوت وجهها إليها.. فابتسمت غزالة واسترسلت:
- هل ترغبين أن يعرف احد من قبيلتك عن مكانك؟

عقدت ياقوت حاجبيها بحيرة وغمغمت بنبرة واهنة:
- لا ادري.. ربما يوسف أو خنساء!

زلفت منها غزالة وقالت بينما تأخذ السكينة برفق من يدها:
- دعك من العمل.. انتِ لستِ مجبرة على فعل اي شيء في هذا المنزل!

ابتسمت ياقوت شبه ابتسامة خفيفة للغاية وهمست:
- مشكورة غزالة.. اشعر ان ليس لي غيرك حقًا.

عانقتها غزالة بحبٍ ثم ابتعدت عنها، مستطردة:
- الجميع يبحث عنك في الخارج.. الجميع يحبك ويهتم لك.

تراجعت بسرعة ياقوت إلى الخلف بينما تغمغم بخوف:
- انت لن تخبري اي احد بمكاني.. اذا كنتِ ستفعلين سأهرب!

- لن افعل.. اقسم بالله أن افعل.. اهدأي وكوني مطمئنة من هذه الناحية.
هتفت غزالة بسرعة لتضع ياقوت يدها على رأسها وتهمس بصعوبة:
- اشعر بالدوار!

أحست ياقوت أن الدنيا تدور وتدور بها والضغط اخذ يزداد بعنف داخل رأسها وبرودة غريبة تجتاح جسدها قبل أن تصبح الرؤية شديدة السواد أمامها وتقع على الأرض مُغمى عليها!..
إرتعبت غزالة فور أن فقدت ياقوت وعيها.. خاصةً بسبب الضغط والصعوبات التي تمر بها.. فبسرعة توجهت إلى منزل عمها الذي يجاور منزلها هي وفؤاد تمامًا وطلبت حضور والدة زوجها السلطانة..

بعد فترة قصيرة استيقظت ياقوت لتحدق بالداية والسلطانة وغزالة بتوجس ثم تساءلت برعب:
- ماذا حدث؟

- مبارك لكِ.. أنتِ حامل!
غمغمت الداية بإبتسامة لتضع غزالة يدها على وجهها وهي تهمس بنبرة خافتة مندهشة:
- ياقوت حامل وعائشة حامل!

---------------------------
يتبع..

الفصل طويل جدًا..
ارغب برؤية تعليقات طويلة..
رأيكم بالتفصيل الممل..

قراءة ممتعة..
مع كل حبي:
اسيا الباش

Continue Reading

You'll Also Like

6.9K 271 45
خيوط القدر نسجت شباكها لتحبسها في بيئة ومكان مغاير لواقعها ومختلف عما كانت تتخيل ولم تجد امامها سوى امرين لا ثالث لهما اما ان تكون الفريسة التي ستبقى...
1.8K 128 28
تغوص قلوبنا يبحار ليس لنا مكان بها لكن تلك الدوامات تسحبنا رغمًا عنا للعيش بداخلها دون خروج، نرغب دومًا بأن نجد من يرينا الحياة بمنطق آخر يملؤه التفا...
975 88 11
هل جربت يوماً أن تحيا بين أعداء قناعاتك؟ إنه سؤال منطقي، و هيا يا عزيزي القارئ لترى كيف هي حياة من يحيى مع أعداء قناعاتهِ و مبادئهِ لتعلم كم من نعمةٍ...
110K 2.1K 6
رفع عينيه عن الملفات التي كان يقرؤها عندما دخلت غرفة مكتبه وتسلل إلى انفه رائحة عطرها الخفيف المميز. وبرغم دهشته التي ظهرت جلية في ملامحه إلا انه لم...