جنّة إبليس

By mona50060

337K 27.5K 11.7K

ماذا إذا اجتمع الشر المطلق مع الذكاء ؟! وماذا إذا اجتمعا كلاهما مع النرجسية وجنون العظمة وعقدة نقص دفينة ؟! ح... More

فكرة الجزء الأول
الضحية الأولى " هادي "
استغلال
الضحية الثانية " كاميليا "
الضحية الثالثة " جميلة "
الأفعى
نيران صديقة
صديق أم عدو
رحلة صعود
من الماضى
الضحية الرابعة " حبيبة "
القضية
الغاية تبرر الوسيلة
المرافعة
امتلاك
حبيب غائب
سعادة زائفة
تلاعب
جحود
فرصة أخرى
جحيم
الضحية الخامسة " زين "
من حيل الشيطان
ذكرى سيئة
عودة
خيانة
عالم جديد
انتقام
دَينٌ قديم
سقوط
تحرر
صدمات ( الأخير )
" هشام "
" هشام " (2)
تنويه هام جداً جداً جداً
الإعلان عن الجزء الثاني ( جنة إبليس 2 )
اقتباس ( لعبة صراحة )
الجزء الثاني (1) مفاجأة غير سارة
الجزء الثاني (2) دانيا رحيم
الجزء الثاني (3) مواجهة أخرى
الجزء الثاني (4) البداية
الجزء الثاني (5) صفعة
الجزء الثاني (7) عاصفة
الجزء الثاني (8) لمحة عن الذئب
الجزء الثاني (9) لعبة إبليس
الجزء التاني (10) غير متوقع
الجزء الثاني (11) لقاء اليخت
الجزء الثاني (12) لحظة فارقة
اقتباس 🤎
الجزء الثاني (13) لعبة جديدة
هام جدا 🤎
الجزء الثاني (14) محاولة
الجزء الثاني (15) أول خطوة
من البارت القادم 🩶
الجزء الثاني (16) ورطة
الجزء الثاني (17) خِداع إبليس
الجزء الثاني (18) وقيعة
الجزء التاني (19) سوء فهم
الجزء التاني (20) اعتراف
الجزء الثاني (21) جِراب الحاوي
الجزء الثاني (22) مفترق
(22) مفترق 2
الجزء الثاني (23) إختفاء
الجزء الثاني (24) رفض
خطة علاج
الجزء الثاني (25) فضيحة
الجزء الثاني (26) التعلب
الجزء الثاني (27) خطوة جريئة
الجزء الثاني (28) تردد
الجزء الثاني (29) رؤية أم كابوس؟
الجزء الثاني (30) قَدَر
الجزء التاني (31) طعنْة
الجزء الثاني (32) وجع
الجزء الثاني (33) المصيدة
اقتباس صغنون
الجزء الثاني (34) كشف الحقيقة
اقتباس تشويقي من الفصول القادمة ❤
الجزء الثاني (35) حق مشروع
الجزء الثاني (36) الثمن
الجزء الثاني (37) رد شرف
توضيح هام جدًا، لا تتخطوه
الجزء الثاني (38) اللقاء الأخير
الجزء الثاني (39) غدر
الجزء الثاني (40) دانــــيا
الأخير
إعلان الرواية الجديدة
الرواية الجديدة
جزء جديد في الرواية ♥

الجزء الثاني (6) اختراق

2.9K 425 228
By mona50060

انا مش فاهمة بجد يعني البارت يبقى داخل على ال 600 قارئ وعليه يدوب 60 فوت دا معناه ايه طيب، هو انتو بتقروا وانتو متضررين؟!! يا جماعة بجد أنا بدأت ازهق والله، بتقروا في صمت ومفيش اي تشجيع ولا دعم من أي نوع وقلت ماشي لكن بجد حتى حتة الفوت مستخسرينه، وهما نفس اللي بعملوا كل مرة مفيش غيرهم، أنا قررت ابدأ عمل جديد يمكن ألاقي ناس جديدة تكون بتقدر التعب والمجهود، لأن بجد الموضوع بقا سخيف جدا ...

_______________________

خمسين مليون جنيه!!
قالها ثم اطلق ضحكة مختلة وهو يقول مردفا : أنا اتنصب عليا ولا إيه؟!

دخل هادي في هذه اللحظة يحمل بعض الملفات، تقدم نحوه وهو ينظر له في استغراب قائلا :
- إيه مالك؟! انت بتكلم نفسك ولا إيه!!

جلس أمامه وهو يشعر بخطأ ما، فتحدث هشام بحنق :
- فيه حوار منيل بستين نيلة .

قالها ثم قصّ عليه ما حدث باختصار وبدون تفاصيل كثيرة حتى فرغ، لتتسع عينا هادي في ذهول وازدادت ابتسامته شيئا فشيء حتى انفجر في الضحك بهستريا للحظات طويلة، ثم قال من بين ضحكاته الذي فشل تماما في السيطرة عليها أو ايقافها :
- خمسين مليووون!!!!! بتتكلم بجد؟؟!!!
ثم عاود الضحك من جديد.

ضرب هشام بيده على المكتب وقال بغضب :
- انت بتضحك!!

بالكاد توقف هادي عن الضحك وأخذ يفرك عيناه من أثر دموع ضحكاته وقال بعد أن أخذ شهيقا وهو يحاول استعادة جديته :
- ثواني بس عشان أنا مش مستوعب.. يعني أنت اضربت على قفاك في خمسين مليون بجد!! .

انتهى من جملته التي قالها بصعوبة لينفجر في الضحك مرة أخرى بصورة أقوى حتى انتهت ضحكاته بسعال حاد، كان كل ذلك أمام أعين هشام المستعرة ونظراته الحادة والذي قال من بين أسنانه:
- دانت فرحان فيا بقا .

كات هادي على وشك الضحك مرة أخرى ولكنه تمالك نفسه بالكاد وقال في بطيء وبنبرة متأثرة :
- الصراحة يا هشام أنا شمتان فيك أوي من هنا للسنة الجاية ومن كتر فرحتى مش عارف حتى أمثل عليك .

قالها وتملكته من جديد نوبة الضحك، لم يعقب هشام ونظر له نظرة من ينتظر انتهاء هذه السخافات، ظل هادي هكذا حتى بدأت ضحكاته في الخفوت ثم توقفت تماما، وقال وهو لا ينظر لوجه هشام حتى لا يضحك مرة أخرى:
- معلش يا اخويا تعيش وتاخد غيرها، وبعدين خميسن مليون ميجوش حاجة يعني في الدولارات اللي عندك، وأنا عارفك في الآخر هتلبسها للغرباوي.

فقال هشام دون تردد:
- هو أنا اه هلبسها للغرباوي، بس مش هو اللي ورا الحوار دا، استحالة يعمل معايا كدا .

ضيق هادي عيناه وقال بجدية هذه المرة:
- أمال مين دا اللي عملها؟!

طرقت ليلى الباب ودخلت وهي تحمل في يدها صورة متوسطة الحجم يظهر بها عمر أمين بشكل واضح، التقط هشام منها الصورة وقال في ثقة وتأكيد وهو ينهض من مقعده :
- هعرفه .

نهض هادي بدوره وهو يقول :
- انت رايح فين ؟

تقدم هشام نحو الخارج ومن خلفه هادي وقال في ضجر :
- رايح للغرباوي، دول خمسين مليون مش هينفع يلبسهم بمكاملة تليفون، لازمله زيارة .

خرجوا من الغرفة وتوجه هشام نحو المصعد،أما هادي فظل واقفا مكانه في حيرة وبعد أن اختفى هشام اتسعت ابتسامته ثم نظر لليلى نظرة شامتة ثم قال في تشفي :
- دانتو أيامكم اللي جاية هتبقى سودا من المعلم دا .

قالها قاصدا صاحب المكتب المختل، فنظرت له في عدم فهم، ثم تركها وانصرف إلى مكتبه .

************

- تتجوزني؟!
أخذ يتلفت حوله يبحث عن الشخص الذي تتحدث اليه وهو يتعجب داخل نفسه من أفعال هذه المعتوهة والتي تأكد من اختلالها النفسي توا، فأردفت هي بنبرة أكثر تعقلا :
- طب ممكن نقعد في أي حتة هادية وأنا هفهمك الموضوع، أنا عارفة أنك مش طايقني بعد اللي حصل بس أرجوك ممكن تعذرني وتتغاضي عن اللي حصل دا حتى لو مؤقتا؛ لأني حقيقي محتاجة لحضرتك جدا .

كان سيرفض بشكل قاطع، ولكن فضوله تغلب على كرامته وذهب معها إلى كافيه قريب من موقع الايفينت، جلست في مواجهته وهي تشعر بالتردد، فهي لا تعرف حقا بماذا ستخبره وكيف تفسر له طلبها الغريب، فحاولت جمع شتات نفسها وبدأت تتحدث بهدوء على الرغم من العاصفة الثائرة بداخلها وقالت :
- بصراحة أنا واقعة في مشكلة كبيرة مع أهلى، عايزين يجوزوني شخص مش كويس ومش مناسب وأنا مش عايزاه، وأنا معنديش حلول تانية غير إني أكون في عصمة راجل تاني يمنع أن الجوازة دي تتم، واللي خلاني أفكر فيك أنك سبق وقولت أنك معجب بيا وكنت مهتم وبتلف ورايا في كل مكان، وكمان فيه سبب تاني أهم وهو أنك..................

قاطعها آدم باستنكار، بعد أن أستمع لكل ذلك بأعين متسعة من الذهول والانكار ليقول :
- لا استني كدا! انتي فاكراني خواجة بجد ومش من هنا ولا إيه؟! انتي عايزة تفهميني أن لسة فيه واحدة ممكن حد يغصبها على الجواز أو يغصبها على أي حاجة أساسا، لا وكمان مش أي واحدة.. يعني انتي عايزة تقنعيني أن واحد زيك بشخصيتك الويرد جدا دي أهلها ممكن يغصبوها على الجواز!!
what the hell!!!!

كان يود أن يقول تعبيرا آخر يناسب الموقف اكثر ولكنه امتنع تأدبا أمام الفتاة، التي زمت شفاها في انزعاج ثم قالت:
- ليه يعني!! هو أنت شايفني قدامك سوبر ومان، أنا بنت عادية على فكرة، وأهلي صعبين جدا.. و اه ممكن يغصبوني وعشان أنا شخصية كدا زي مابتقول، أديني بحاول أواجه دا بالطريقة اللي أقدر عليها، ويا صابت يا خابت، بس أنا مش هقعد وأحط أيدي على خدي.

- اه فأنتي قررتي تنقذي نفسك وتلبسيني أنا مع اهلك الصعبين أوي دول، عالعموم أنا متخيلهم جدا، الأهل اللي يقدروا يغصبوا واحدة زيك لازم طبعا يكونوا زومبي.

كان يتحدث بحدة وبعصبية، فزفرت حبيبة في ضيق، ولكنها حاولت استعادة لين ملامحها حتى تنجح في إقناعه، ثم قالت بنفس اللين الذي ما زالت تحافظ عليه من بداية المحادثة :
- أكيد طبعا أنا مش هلبسك مع أهلى ولا هأذيك، أنا كنت هقولك أن السبب التاني اللي خلاك الشخص المناسب بالنسبالي هو أنك مش عايش في مصر اصلا وكلها كام يوم واجازتك هتخلص وترجع تاني فرنسا، وساعتها محدش هيقدر يوصلك، وفي نفس الوقت أنا هكون ست متجوزة ومحدش يقدر يقرب مني.

- إيه الهبل دا!! يعني أنتي متخيلة أن اهلك مش هيعرفوا يوصلولي في فرنسا، ليه هو أنا قاعد في المريخ!!

- ايوة بس أكيد مش هيقدروا يعملولك حاجة، هما كل سلطتهم هنا في مصر..

أسند آدم ظهره لمقعده وضيق عيناه ثم قال في تساؤل:
- أيوة أنا مش فاهم إيه اللي يخليني أعمل كدا وأدخل نفسي في كل المتاهات دي؟!

- اعتبرها خدمة إنسانية وأنت مش هتخسر حاجة، وبعدين حضرتك واضح إنك شهم وجدع و......

قاطعها بتهكم :
- شهم وجدع!!! سبحان الله كنت سيس وصايع وبتاع حوارات من كام يوم...

فردت حبيبة بحدة :
- أنا مش عايزة منك حاجة غير أننا نكتب الكتاب وبس، وأنا مش هطالبك بأي حاجة، وأنت حر بعد كدا عيش حياتك براحتك.. وبعدين أنا لو مكنتش شايفة أنك شخص كويس أكيد مكنتش هطلب منك الطلب دا أبدا..

- أنتي مجنونة صح!!.. مش عايزة حاجة غير كتب الكتاب!! انتي فاكراه كتاب الأيام انتي واعية بتطلبي إيه أصلا!!

- ايوة واعية وعارفة بطلب إيه.. أنت راجل ومعندكش مشكلة في حاجة وقولتلك أنت مش ملزم بالنسبالي بأي شيء، وكمان تقدر تتجوز مرة واتنين وتلاتة، وبالنسبة لأهلي فأنت مش هتواجهم ابدا ولا هيشوفوك، إيه المشكلة بقا ؟!
ثم أردفت بنبرة أكثر هدوءً :
- وبعدين أنت سبق وقولت أنك معجب بيا، يعني فيه قبول أهو.

فقال باستنكار :
- قبول لإيه بالظبط!! أنا مش فاهم إيه علاقة اني أكون معجب بيكي بأني اتجوزك؟!!

***************

انطلق هشام بسيارته يشق الطريق بغضب عارم، كان يقود بنفسه وعادة عندما يكون بهذه الحالة لا يأخذ معه اي شخص بالسيارة، فقط ينطلق بنفسه محاولا إفراغ شحنة غضبه في القيادة، وكل من يمر على سيارته في هذا التوقيت يتيقن من وجود مختل نفسيا بداخلها، وصلت سرعته إلى مداها مما جعله يصل في أقصى سرعة ممكنة، توقفت السيارة أمام شركة الغرباوي وترجل منها يسير إلى الداخل بخطوات توحي بالهجوم والوعيد، كان يعلم مكان مكتب حازم الغرباوي فاتحه إليه مباشرة دون انتظار لأي إرشاد من أحد، حتى وصل إلى المكتب بالفعل، ودخل إلى السكرتيرة، و نظر لها بأعين حادة تربك من يراها لأول مرة وقال دون أي مقدمات وبتعالي :
- بلغي حازم الغرباوي أن دكتور هشام منصور برة، قدامك نص دقيقة مش هستنى أكتر من كدا وهدخل.

تجهمت الفتاة للحظات تحاول استيعاب كلماته ومن قبلها استيعاب كاريزمته، حتى استفاقت بالفعل ونهضت مسرعة إلى مديرها لتبلغه، وخرجت بسرعة أكبر قبل انقضاء المهلة لتخبره بأن صاحب الشركة بانتظاره.
دخل يضرب الأرض بقدميه في ثقة، وحين رآه حازم قام له ومد يده ليصافحه، لكن لم يمد له يده بل تخطيه وذهب إلى المقعد جلس أمامه واضعا قدمه فوق الأخرى بارتياح ولكن عيناه تصف غضبه واستنكاره جيدا، تنهد حازم في عدم تفاؤل وجلس أمامه ثم قال بتؤدة :
- أنا عايز أفهم إيه اللي حصل يا هشام؟!

فقال هشام بنبرة في غاية الهدوء:
- مفيش حاجة حصلت، جالي ايميل منك أنك هتبعت شريكك واتصلت بيك قولتلي نفس الكلام، وجه شريكك وخد مني خمسين مليون جنيه.

- أنا مبعتش حد..

- دي مش مشكلتي..

نهض حازم بعصبية من مقعده وتوجه إلى أحد ادراج المكتب و التقط ورقة بعينها ثم قدمها لهشام وهو يقول:
- دي صورة من محضر أنا عملته يوم الحد لما اتسرق تليفوني.. واتصلت بعدها بالشركة عشان يوقفوا الخطوط وتقدر برده تتأكد من الشركة.

فقال هشام بنفس الهدوء:
- طب ما هو دا دليل أهو أنها مش مشكلتي..

فقد حازم اعصابه أمام برود غريمه وقال بعصبية :
- وأنا من أمتى يا هشام ببعت حد مكاني ياخد فلوس او يتفق على شغل؟!

- مانا عشان كدا اتصلت بيك عشان اتأكد..

رد حازم من جديد في عصبية:
- قولتلك مش انا اللي رديت ولا التليفون كان معايا.. كان لازم تتأكد أكتر من كدا دول خمسين مليون مش لعبة.

استعرت عينا هشام وضرب الطاولة التي أمامه بقدمه بقوة نافرة فانقلبت محدثة ضجيج عالي، ونهض حتى أصبح في مقابلة حازم وقال بصوت غاضب مرتفع:
-معلش مكنتش أعرف أني بتفق مع عيل حمار مش عارف يأمن الأجهزة بتاعت شركته وسايبها تبعت للعملاء اميلات فيك عشان يتنصب عليهم.. مكنتش أعرف أنك عيل مغفل بتتقلب وتليفونك بيتسرق ويتعمل منه شغل وأنت نايم على ودانك.. غلطتي دي يا روح أمك كنت فاكر نفسي بتعامل مع ناس بروفيشنال استحالة يغلطوا غلطات متخلفة زي دي ..

نظر له حازم في استنكار ولم يعقب، فأردف هشام بنبرة أكثر هدوء :
- أنا مفيش حد من ناحيتي كان يعرف باتفاقنا، يعني كل المعلومات اللي كانت عند الناس دي اتسربت من عندكم.. متخيل أنا ممكن أعمل معاك إيه على كل الغلطات دي؟!!

ازدرد حازم لعابه في توتر، ثم بدأ يتحدث من جديد ولكن بنبرة أكثر تعقلا من سابقتها حين تأكد من عدم جدوى الهجوم مع هشام:
- صدقني أنا معرفش كل دا حصل اكتى وإزاي.. أنا اتفاجأت ب........

- ما هو دا اللي أنا بتكلم فيه.. لما متعرفش اللي بيحصل حواليك تبقى حمار ولازم تدفع تمن حموريتك دي..

- بس أنا مخدتش الفلوس يا هشام.. خلينا ننسى الفلوس دلوقتي ونحط ادينا في ايد بعض ونوصل للي عمل كدا فيا وفيك..

- سوري اي دونت هاف تايم، الموضوع خالص عندي روح انت دور على اللي مخربق شركتك واللي سرق تليفونك، وأنا من ناحيتي هعمل معاك أحلى واجب، أعتبر الفلوس وصلتك ورجعهملي زي ما هما مش عايز ارباحهم..

- انت بتتكلم في ايه!!! دول خمسين مليووون انت عايز تلبسهوملي وتاخد تعب وشقة سنين طويلة كدا على الجاهز.

- تعب ايه يا حيلتها انت هتعيش الدور؟! داحنا دافنينه سوا، دا ميجيش حاجة من مكسبك في الطلعة الواحدة ولا فاكرني مش من هنا؟!

- بس كدا كتير يا هشام خلينا نقسمها طيب..

رد هشام بغضب وحسم :
- اقسم بالله كلمة كمان وهخليك ترجعهم بالارباح، أنا مش بلعب في الشارع يا روح أمك..

نظر له حازم بغضب ودون ان يتفوه بشيء، فأخرج هشام من جيبه صورة الرجل، وناولها لحازم وهو يقول:
-دا الراجل اللي خد مني الفلوس، استرجل كدا وحل مشاكلك وشوف هتوصله إزاي وساعتها الفلوس هتبقى في حضنك، ويبقا يا دار ما دخلك شر.

أخذ حازم الصورة بحنق ونظر بها نظرة خاطفة، ولكنه لم يتعرف على صاحبها فألقاها باستهتار على مكتبه ثم قال :
-ماشي يا هشام أنا هحل مشاكلي بنفسي، وهعتبر أن الفلوس وصلتني، بس اعتبر أنت بقا أن دا هيكون آخر تعامل بينا.

ابتسم هشام ابتسامة جانبية ساخرة، ثم غمز وهو يقول بنبرة ذات مغزى:
-لا هو من ناحية آخر تعامل فهو هيبقى آخر على الآخر.. بس مترجعش تعيط...

قالها ثم تركه وانصرف خارجا، كور حازم قبضته قي غل وضرب سطح مكتبه، ثم جلس في استسلام وهو يشعر بالندم على ما قاله في نهاية المحادثة، فرد هشام عليه لا يعني سوى أنه سيكون آخر مشروع تقوم به شركته، حلّ رابطة عنقه عندما شعر بالاختناق، ولكنه قرر نفض هذا الهاجس عن رأسه حتى يستطيع التفرغ للعصابة التي حصلت من خلفه على ملايين، وفكر أنه حين ينتهي الأمر سوف يتصالح مع هشام من جديظ، فأمام المصلحة لن يتوانَ عن العودة في كلمته، فهو ايضا يستفيد كثيرا من وراء هذه الشركة..

أما هشام فقد خرج بغضب يناقض الهدوء الذي كان يتحدث به لآخر لحظة استقل سيارته في عصبية وقبل أن ينطلق طلب رقم شخص يعرفه جيدا وطلب منه الحضور إلى مكتبه في الحال لأمر ضروري، امتثل الرجل لأمر وأكد له على المجيء في أقرب وقت، ثم أغلق الخط، ثم انطلق من جديد في إتجاه المكتب.
كان هذا الرجل المنتظر هو فريد رضوان مهندس برمجة وأحد الأذرع الخارجية التي يستعملها هشام لخدمة مصالح المكتب، ويعتبر فريد هو الموكل بكل الأعمال الخاصة بالتكنولوجيا الحديثة، فهو الأول على دفعته لعدة سنوات وكان يتوقع تعيينه في الكلية بعد الانتهاء، ولكن كحال الكثير ممن لا يمتلكون سوى تفوقهم فقط، فقد تم تعين شخص آخر على حسابه، فشعر بالكثير من الاحباط وانتقل إلى الأعمال التكنولوجية المشبوهة وتعرف عليه هشام بالصدفه وجعله معه في مهمات عديدة وكان يعطيه ببذخ مقابل اعمال بسيطة بالنسبة لفريد، ولكنها كانت تخدمه في عمله بشكل كبير، فكان هشام يثق بقدراته جيدا ويعلم بأنه سيصل للأوغاد الذين اخترقوا عالمه وانتزعوا من بين براثنه أمواله بكل بساطة، وكان يعتمد على ذلك بشكل كبير.

************

وصلت دانيا وميرام إلى المكتب في الموعد الذي تم الإتفاق عليه مسبقا مع هشام، كانت تتقدم في خطوات واثقة دون ذرة تردد، فقد استحوذ التردد بالكامل على صديقتها التي كانت ترفض الذهاب بشكل قاطع ولكن تحطم رفضها أمام إلحاح صديقتها المزعجة وأمام أيضا ما تعيشه من مأساه كل فترة من وراء عدائها مع زوج أمها، حتى رضخت في النهاية ولكن قلبها لم يخل من الرهبة والقلق من أصحاب هذا المكان، وعلى الرغم من عدم توقف دانيا عن تبسيط الأمر لها والتأكيد على خضوع كل شيء تحت السيطرة، ولكنها تأبى أن تسير خلف خطوات صديقتها المتعثرة دوما...

دخلت معها في استسلام ولم يمنعها التوتر عن الانبهار بكل شيء حولها على الرغم من توقعها لهذا المستوى، تقدما أكثر حتى وصلت دانيا إلى مكتب الاستقبال لتقابل فتاة أخرى غير التي سبق وتشاجرت معها، شعرت بالاحباط جراء ذلك فكانت تريد أن تستعرض نفسها أمامها وترد ما فعلته بها في المرة السابقة،ولكنها على كل حال تنهدت وقالت لهذه الفتاة بنبرة لطيفة إلى حد ما :

- أنا دانيا رحيم وعندي معاد مع دكتور هشام .

ابتسمت لها الفتاة ثم قالت بعملية:
- اه تمام عندي خبر ، بس للأسف دكتور هشام بيعتذر لحضرتك لأن جه فاجأة ضيف مهم جدا وهو معاه في المكتب حاليا ولسة مخلصوش .

صدمت دانيا من الرد الذي لم تتوقعه مطلقا،ولكنها استعادت سريعا رباطة جأشها وسألت في استفهام:

- أيوة يعني إيه نمشي مثلا ولا قربوا يخلصوا؟!

- الحقيقة معنديش فكرة .. بس دكتور هشام إدى خبر لمستر هادي وممكن تدخلوا تقابلوه ويشوف معاكم القضية .

زمت شفتيها باستنكار وهي تقول :
- مستر هادي مين ؟!

ابتسمت لها الفتاة بخبث وهي تجيبها قائلة :
- حضرتك فاكرة المحامي اللي اتخانقتي معاه المرة اللي فاتت ؟

- نعم!!! هو مفيش غير دا ؟! لا طبعا شوفيلي محامي تاني غيره .

-محامي تاني إزاي يا فندم!! مستر هادي أكبر محامي في المكتب هنا بعد الدكتور ، وبعدين دي تعليمات دكتور هشام بنفسه .


فردت باستهجان :

- يعني هو هشام بيدبسني ولا إيه ؟! هو أنا ناقصة ياربي؟
ثم اردفت متمتمة بصوت غير مسموع:
- هو أنا مجيش هنا وتعدي على خير أبدا..
وارتفع صوتها مرة أخرى موجهة حديثها للفتاة من جديد قائلة:

- طب ثواني هنشوف هنعمل إيه وهبلغك .

استدارت في مواجهة ميرام التي كانت بجانبها طوال الوقت ولكنها لا تتدخل، والتي تحدثت الآن متهكمة :

- فيه إيه يا دانيا هو دا اللي مسيطرة أهو نفضلنا وبعتنا لمحامي تاني.

فردت دانيا بغيظ من بين أسنانها:

- لا مسيطرة على فكرة بس هو تلاقيه فعلا معرفش يقابلنا .. وبعدين انتي مسمعتيش ولا إيه اللي بعتنا ليه دا المحامي اللي بعده على طول .

- طب يلا بينا إحنا مستنين إيه؟!

أمسكت دانيا بيدها لايقافها وهي تقول :

- لا طبعا استني، المحامي دا بالذات مش هينفع أدخله ..

- ليه يعني ؟!

- أصل.... أنا لما جيت هنا المرة اللي فاتت بهدلته جامد وهزأته قدامهم كلهم ، وهو اصلا باين عليه شراني دا غير أنه وقح وقليل الأدب ولسانه زفت .

- هو انتي يعني خايفة منه ؟!

فقالت دانيا بغضب وكأنها تنفي عن نفسها اتهام شنيع:

- أنا!! لا طبعا خايفة منه إيه بس!! دانا خايفة عليه هو.. لو قالي كلمة مش تمام هضطر امسح بكرامته الأرض تاني وساعتها بقا الموضوع بتاعك كله هيبوظ .. أنا أصلا قلبي حاسس ان المحامي السو دا هو اللي ورا كل البلاوي اللي بتحصلنا، و هشام مالوش علاقة.

-ينهار أسود ،طب يلا بينا نمشي بقا إحنا مش ناقصين .

-وتمشي ليه ادخلي انتي اديله ورق القضية وشوفيه هيقولك ايه وأنا هستناكي هنا لما تخلصي .

اتسعت عينا ميرام في جزع ثم قالت باستهجان:
- انتي مجنونة عايزة تدخليني عنده ولوحدي!!! اذا كنتي انتي شايفة أن هشام أحسن منه ، أمال دا هيطلع إيه؟!

فقالت دانيا مع استمرار محاولة إقناعها :
-يا بنتي افهمي هو ميقدرش يعمل معاكي حاجة انتي ريحاله من طرف هشام نفسه اللي مشغله ، وبعدين هو أول مرة يشوفك وانتي هتتكلمي معاه بكل أدب واحترام يبقا هيضايقك ليه؟!

- طب متقولي لنفسك انتي كمان ريحاله من طرف هشام؟

- يا بنتي هو أنا هعيد تاني؟!!! انا قلقانة نتخانق تاني ويضر الموضوع بتاعك أكتر، بقولك دا مش طبيعي أساسا.
ثم اردفت وهي تحدث الفتاة مرة أخرى:
-خلاض آنسة ميرام هتدخله وأنا هستنى هنا... يلا يا ميرام وأنا هنا متقلقيش..

قالتها وهي تدفعها للأمام برفق، نظرت لها ميرام نظرة من غدر بها ولوت شفتاها باستنكار، وفي نفس الوقت قامت الفتاة من خلف مكتبها وتقدمت مع ميرام حتى تصلها لمكتب هادي في آخر الرواق.. ومازالت ميرام تحتفظ بملامح التجهم والاستنكار من جراء أفعال دانيا الغير مسؤولة والتي لا تنتهي..

***************

عاد هشام إلى المكتب، وجلس في انتظار فريد رضوان، وقام بألغاء كافة المواعيد والمقابلات في هذا اليوم، فكان لا يريد سوى مقابلة فريد وعرض الأمر عليه حتى يستطيع الوصل لهؤلاء الأوغاد في أسرع وقت، لينتقم منهم أشد انتقام، فهو يعلم جيدا بأنه لن يستطع التركيز في أي شيء دون أن يصل لهم، وبعد ساعة تقريبا أعلنت له ليلى عن وصول فريد رضوان، فأمرها بادخاله على الفور، وبعد لحظات كام أمامه فريد رضوان بقامته القصيرة ونظارته التي توحي بذكاء وفطنة الأعين التي خلفها، فقال هشام بعملية ودون ترحيب أو أي عبارات مجاملة:
- أقعد يا فريد ..

جلس فريد وقد استشعر وصول هشام لذروة توتره، وهذا يعتبر حدثا بالغ الندرة خاصة مع شخص مثل هشام منصور، فقال بتوجس حقيقي:
- خير يا باشا؟! حضرتك قلقتني.

تنهد هشام ثم أخبره بكل ما حدث من بداية الايميل الذي وصل ليلى من شركة الغرباوي يخبرها بقدوم شخص يسمى عمر أمين، حتى محادثته لحازم الغرباوي في الهاتف وتأكيده له، انتهى هشام ونظر لضيفه في ترقب، فصمت فريد قليلا في تفكير ثم قال ببساطة :
- دول هكر..

- أنا عارف، بس عايز اعرف اللي حصل دا حصل إزاي بالظبط.

- دا شغل ناس بروفيشنال غالبا من الديب ويب، وعارفين بيعملوا ايه كويس، هما واضح أنهم كانوا راكبين نظام والشبكات بتاعت الشركة ودا حتى قبل ما يسرقوا الموبايل، وطبعا الموبايل اتسرق في الوقت المناسب واتعمل منه المكالمة، وبالنسبة للي رد عليك ففي برامج كتير جدا ممكن تجيب تردد أي صوت أنت عايزه او حتى قريب منه بما أن المحادثة هتبقى في الفون، فالموضوع مش صعب.

- طب ودول ممكن نوصلهم إزاي ؟!

حك فريد ذقنه في تفكير، ثم قال بثقة :
- المجال بتاعنا دا بالذات كله على بعضه أوضه وصالة، وكلها عارفة بعضها.. والناس اللي بيعملوا شغل زي دا معروفين لأنهم مش كتير، أصله حوار خطر ودايما الشركات الكبيرة اللي زي دي عندها ناس يعرفوا يسيطروا على المواضيع اللي من النوع دا.

التمعت عينا هشام ثم سأل:
- يعني فعلا تقدر توصلهم؟!

ابتسم فريد بثقة ثم قال :
-أقدر بعون الله.

التقط هشام الصورة الخاصة بالرجل، وقدمها له وهو بقول:
-دا الواد اللي جالي وخد الفلوس.. تعرفه؟

دقق فريد نظره للحظات وهو يتمعن في الصورة،ثم قال :
- لا معرفهوش.. بس سعادتك كدا سهلتها على الآخر.

فقال هشام بنبرة مغرية يعلم تأثيرها جيدا :
- بص يا فريد الناس دي عورتني في مبلغ كبير أوي.. لو وصلتني ليهم بشرفي هيبقا تحت رجليك مبلغ مكنتش تحلم بيه طول حياتك، هعيشك ملك.

التمعت عينا فريد بحماس، وسال لعابه فهو أكثر من يعلم عن كرم هشام منصور حين يقرر، فهو يعطي ببذخ مبالغ به ولا ينافسه فيه أي أحد، فأومأ رأسه بإيجاب، ثم قال بثقة بالغة:
- قبل أربعة وعشرين ساعة هيكونوا قدامك..

- يا جامد.. وأنا مستنيك وعند وعدي، ويمكن كمان لما أشوفهم و أبرد ناري ألاقي نفسي ضاعفتلك المبلغ اللي ناوي عليه.

ابتسم فريد في فرحة واضحة، ونهض بحماس ليبدأ رحلة بحثه، الذي يستطيع هذا الرجل أن يجعلها بداية حياة جديدة يملؤها الترف والراحة الأبدية، ثم استأذن للانصراف..
أسند هشام جسده إلى المقعد وتنهد بارتياح وقد شعر بالهدوء والسكينة تتسرب داخله من جديد، بعد أن لمح كم الحماس في عيني الرجل، والذي من المحتمل أن يجعله يسير على الماء من أجل تحقيق غرضه، واطمأن كثيرا فهو لم يخسر أي شيء حتى الآن، وقريبا سيمتثل أمامه من تجرأ واستطاع أن يكذب ويتلاعب في حضرته، فما زال يفكر في عقاب يناسب فداحة ما اقترفته يداهم، وبعد قليل أراد أن يخرج نفسه من هذه الحالة، فطلب ليلى التي أتت على الفور، فهي تشعر بانقلابه منذ بداية اليوم ولا تريد المزيد من غضبه، فسألها بنبرة هادئة على عكس ما توقعته:

- هي مدام دانيا وصلت؟!

فقالت بعملية:
أيوة يا فندم وصلت.

- خلصوا مع هادي ولا لسة؟

- لا لسة.. بس مدام دانيا مدخلتش لمستر هادي، اللي كانت معاها بس اللي دخلت ..

قطب جبينه باستغراب ثم سأل:
- مدخلتش ليه؟! طب هي فين دلوقتي؟

- قاعدة تحت في الريسبشن..

أرتاح في جلسته ثم ابتسم في خبث وكأنه على موعد مع جولة محببة لقلبه، ثم قال :
- طب ابعتيها....

************

- نعم!! أمال أنت كنت فاكرني إيه؟؟ هتقولي معجب بيكي وأنا افرح ونرتبط ونروح ونيجي مع بعض كام سنة ولما يبقى عندنا عيلين تلاتة تبقى سعادتك تفكر في الجواز.. دانت خواجة بجد بقا.

مد يده في وجهها ليخرسها قائلا:
- ششش بس هو أنتي إيه سوء النية مود أون على طول كدا مبيفصلش... وما شاء الله كمان خيالك مساعدك على تصوراتك المريضة دي.

نظرت له بأعين مستعرة وغضب واضح، فأسند جسده إلى مقعده وقال بنفاذ صبر :
- على فكرة أنا مش مجبر خالص اني اوضحلك قصدي الحوار كله على بعضه بالنسبالي حاجة في منتهى العبث، بس أنا هكسب فيكي ثواب وافهمك عشان متفضليش عايشة جوا الخيالات الغريبة دي وتلبسك اكتر ما أنتي لابسة، الإعجاب دا مجرد حالة حاجة كدا ما قبل وجود مشاعر حتى، الإعجاب دا مجرد ارتياح ولما بيحصل دا معناها انه ممكن يكون فيه مشاعر لو حصل توافق لما نقرب من بعض وساعتها بقا نبقى نشوف الارتباط دا هيكون إزاي او منكونش متفقين فالاعجاب يروح والعلاقة تنتهي من البداية، بالنسبالي أنا بقا فالاعجاب دا اختفى تماما اتدمر من ساعة آخر مرة يعني إحنا الاتنين دلوقتي في البوينت زيرو.. فهمتي حاجة؟!

تنهدت في ضيق ولمعت عيناها بالدموع، فعادت لتقول من جديد:
- بس أنا ولا طالبة منك مشاعر ولا حتى إعجاب، إحنا مش هنتجوز بجد.. الموضوع كله هيكون حاجة صورية مجرد ورقة مش هتلزمك بأي حاجة.

نظر لها وقد رق قلبه لانكسارها، ولكنه مازال عاجزة عن استيعاب الأمر، فأخذ شهيقا عميقا وهو يقلّب نظره من حوله، ثم قال ببعض الحسم:
- أنا آسف.. بس الموضوع كله أنا مش مقتنع بيه، حاولي تتكلمي مع اهلك او تشوفي حد كبير في عيلتكوا يقف معاكي، أنا مش هقدر أدخل نفسي في حاجة زي دي عشان أنا لو كان عندي اخت مكنتش هقبل أن حد يعمل معاها كدا.

شعرت بغصة تمزقها من الداخل بعد كلماته القاسية،فكانت تعتقد أن الأمر سيكون ابسط من ذلك، نظرت له نظرة اخيرة بعد أن تأكدت من عدم جدوى اي حوار بينهما ثم قالت بعد أن امتلأت مقلتاها بالدموع :
- تمام براحتك بس أنا عايزة اقولك انك كنت آخر أمل بالنسبالي، واخر باب ممكن يخرجني من الورطة دي وبعد موقفك دا أنا مبقاش عندي اي ذرة تردد اني أنهي حياتي كلها اللي ملهاش أي معنى..
قالت كلماتها بلوعة ثم نهضت من مكانها وأردفت بحنق :
- لما تشوف صوري مغرقة السوشيال ميديا بكرة وتعرف إني انتحرت خليك متأكد أنك كنت سبب أساسي لانتحاري دا.. سلام.
قالتها سريعا ثم غادرت وتركته ينظر لها بأعين متسعة من الذهول وهو يحاول استيعاب كلماتها، ولكنها حين انتهت نهض بدوره وركض خلفها وهو يلعن طريقة تفكير هذه الفتاة المختلة والذي يدل على عدم امتلاكها للعقل الذي يميز سائر المخلوقات،حتى لحقها واوقفها قائلا باستنكار :
-استني هنا، هو أنتي عايزة تلبسيني مصيبة سواء رفضت ولا قبلت، انتي طلعتيلي منين؟!

فقالت بعصبية وباستهجان :
- انا مطلعتلكش، انتي اللي طلعتلي وكنت بتلف ورايا في كل حتة، ودلوقتي بتتأنزح عليا، شوف الدنيا!..

- بأ.. إيه!!! انتي بتقولي ايه أنتي؟! انتي اكيد مش طبيعية.. وبعدين انتحار إيه اللي بتفكري فيه، ومستعجلة على إيه مش يمكن أصلا اهلك يقتلوكي لما يعرفوا أنك اتجوزتي من وراهم، انتي غريبة بجد مش هتقدري تكسّري كلامهم بس تقدري تفضحيهم عادي...

- أنت مش فاهم حاجة، وأنا أصلا مطلبتش رأيك ولا عايزة نصيحتك، أنا طلبت منك حاجة محددة هتعملها وتروح لحالك، يأما ملكش دعوة بيا بقا.. أفضح اهلي انتحر أولع في نفسي مالكش فيه..

مسد عنقه من الخلف في حيرة وتفكير، فهي تحاصره في الحديث ولم تنهيه إلا وقد حملته ذنب انتحارها، فحقا كان لا يعلم بماذا يجيبها، لذا فقد قرر إعطاء نفسه مهلة لتدبر الأمر، فنظر لها وجدها تنتظر رده بصبر فارغ، فقال بعد أن زفر في ضيق :
- خلاص اديني فرصة أفكر..

- لا أنت كدا بتضيع وقتي، يأما توافق دلوقتي يأما تسيبني عشان متعطلنيش عن الانتحار أكتر من كدا

فانفجر بها :
- هو أنا هعطلك عن زفة بنت خالتك!! متهدي يا آنسة بقا تعبتي أعصابي والله.

لم تعقب فزفر مرة أخرى بقوة أكبر،ثم أردف ببعض الهدوء:
- لازم تديني وقت أفكر وأقدّر عواقب الموضوع كويس.. وأشوف لو اتنيلت وافقت هنعمل كدا ازاي..

- تمام معاك لحد بكرة، بس لو مردتش عليا يبقا استنى خبر موتي بعد بكرة..

كان سيرد وقد اشتعلت عيناه من جديد، ولكنها قاطعته قائلة في عجالة:
- سلام..
قالتها ثم تركته وانصرفت هذه المرة دون أن تعطيه أي فرصة للرد، تركته لأفكاره ولحيرته حتى يتدبر الأمر بهدوء ويرى ماذا سيكون قراره...

********

دلفت ميرام إلى مكتب هادي وما زال في قلبها بعض التوجس والرهبة من الموقف في المجمل، فهي الآن في مكتب هشام منصور لتعرض قضية تؤرق حياتها منذ أمد وستقابل شخصا رفضت صديقتها الجريئة التي لا تخشى أحد مقابلته أو التعامل معه، ومن المفترض أنها تكون ثابتة ومتزنة أمامه.
عندما دخلت المكتب استشعرت ولأول وهلة بأنه لا ينتمي إلى هذا المكان، فكان المكتب على الرغم من فخامته ولكنه في منتهى البساطة بالنسبة للبهرجة والمبالغة التي تملأ هذا المكان، كما أن ألوانه تميل إلى الكلاسيكية على النقيض تماما مع كل شيء هنا، شعرت بطاقة إيجابية لأول مرة منذ أن جاءت وبهدوء عام،و أتتها فكرة في غاية السذاجة، وهي أن الشخص الذي يتمتع بهذا الذوق الرفيع الهادئ يستحيل أن يكون وغدا بأي حال من الأحوال، تقدمت أكثر فكان المكتب كبير بحق، حتى وصلت إلى الشخص الذي يجلس خلف المكتب الأنيق، فقام لها ومد يده ليصافحها مع ابتسامة بسيطة، صافحته وابتسمت ثم جلست لعرض ما أتت من أجله.

وعلى الرغم من توتر هادي في هذه الفترة وخروجه دائما عن سكينته وثباته، ألا انه في ذلك اليوم تحديدا كان سعيدا بحق بسبب ما حدث مع هشام في الصباح، فبدا أفضل بكثير حتى من حقيقته، أما ميرام فبمجرد أن رأت طريقة تعامله معها ونظراته وترحيبه تأكدت بأنه ابنا اصيلا لهذه الطبقة العليا وليس دخيلا مثل الجميع هنا أو مثل هشام منصور تحديدا التي رأته في برامج عديدة واستشعرت عدم انتماءه لهذه الطبقة على الرغم من ثرائه الفاحش، فهذه الفطنة قد أخذتها عن والدها، فهي تستطيع أن تستشعر الزيف عن بعد وأيضا ضليعة في التفريق بين الذهب الخالص والنحاس المطلي.

لقد زال بعض التوتر حين دخلت وليس العكس كما كانت متوقعة، ثم حمحمت في بعض التردد وقالت :
- أنا ميرام مغازي.. كنت المفروض هقابل دكتور هشام.. يعني، هو كان عنده فكرة عن الموضوع.

لم ترد أن تذكر دانيا على وجه الخصوص، فكانت تريد أن تعرض الأمر دون التطرق إليها، فأوما رأسه بتفهم ثم قال بهدوء:
- أيوة هشام اداني فكرة، بس كنت عايز أعرف منك الموضوع بالتفصيل.

بدأت ميرام في سرد ما حدث معها من قبل زوج امها منذ أن توفيت وحتى الآن، كانت تقص الأمر بتأثر شديد بسبب ما عانته بالفعل من أفعال ذلك الرجل الذي طالما اقتحم عليها بيتها وهو تحت تأثير المخدر أو غارقا في سكره كي يطلب منها نقود، وتحدثت أيضا عن المبالغ المهولة التي وصلته منها على الرغم من حصوله على حقه بالكامل منذ البداية، وعلى الرغم من صغر القضية وانعدام تأثيرها أمام المكتب الذي لا يقبل سوى بالقضايا الكبيرة المؤثرة، ألا أنها بالنسبة لها كانت قضية العمر وما يعكر صفو حياتها، حتى انتهت من كافة التفاصيل، ثم نظرت له منتظرة التعقيب، فسأل هو ببعض الاستفهام الممزوج بالاستنكار والتعاطف:
- طب وانتي إيه اللي خلاكي مستنية عليه كل الوقت دا؟! ليه ممشتيش في الإجراءات دي من زمان.

حمحمت دانيا في حرج ثم قالت :
- الحقيقة أنا عرضت الموضوع على أكتر من محامي وكلهم قالوا إن الموضوع كله كان نصب ومفيش حل بالقانون.

- طب بعد إذنك.. ممكن أشوف العقد دا.

اومأت ميرام في ايجاب وهي تقول :
- أكيد طبعا...
ثم التقطت حقيبتها التي وضعتها من قبل فوق الطاولة الصغيرة القابعة أمامها، ثم فتحتها واخرجت ورقه دستها بها بعناية قبل أن تأتي، ثم ناولتها له مطوية عدة طيات، أخذها منها وفضّها في تمهل ثم قرأ فحواها بعينيه للحظات، حتى انتهي وأعاد طيها ثم وضعها أمامه في استهتار وهو يقول :
- تمام أوي، سهلة أن شاء الله.

اتسعت عيناها في حيرة، ثم قالت باستغراب:
- سهلة!! حضرتك حرفيا أول واحد يقرأ الورقة دي ويقولي كلمة إيجابية.

- لا هو بالنسبة للورقة فهي مالهاش أي لازمة، أنا أقصد أنها سهلة بس من طريق تاني.

نظرت له بعدم فهم، وضيقت عيناها وهي تقول:
- طريق تاني زي إيه مش فاهمة؟!!

فقال ببساطة ودون أي تمهيد :
- بالبلطجة..

صدمها رده وقالت باستنكار :
- نعم!!

- أمال انتي عايزة إيه،؟ هو مش بيبلطج عليكي حاليا؟!

فقالت بتردد واضح:
- أيوة بس أنا مكنتش حابة أن الموضوع يبقا كدا.

فقال مطمئنا:
- متقلقيش دا شغلنا إحنا ومش هيكون فيه اي مشاكل، النهاية أن هيكون معاكي ورقة بتثبت حقك، بس المرادي ورقة سليمه تحطيها في عين التخين..

مازالت تغرق في حيرتها وتوجسها، فسأله بقلق واضح:
- بس هو ممكن بالطريقة دي يأذيني أو ينتقم مني بعد كدا.

ابتسم لها على الرغم من أنه قد ضاق من ترددها، فمن المفترض أنها تتعامل مع أكبر مكتب في مصر ومع أكبر المحاميين دون مبالغة ومازالت تشعر بالخوف من شخص حقير مدمن يعجز حتى عن أذية صرصور، ولكنه حاول طمئنتها قدر الإمكان وقابل خوفها بالهدوء وقال بنبرة واثقة :
- الكلام دا كان ممكن لو أنتي بتتعاملي مع هواه، مش ناس زينا..

ابتسمت هي لابتسامته، حتى أردف هو بتأكيد :
- صدقيني يا آنسة ميرام.. لا يفل الحديد إلا الحديد، ومفيش اي طريقة تانية

اطمأنت لثقته وثباته، ثم قالت وقد بدأت تتخلى عن ترددها :
- خلاص وأنا تمام.. ومع حضرتك في أي حاجة.

-كدا احنا متفقين.. أديني كام يوم أعمل عنه تحريات وأعرف عنه أكتر وبعد كدا أنا هكلمك أعرفك إيه اللي هيحصل بالظبط.

اومأت رأسها في ايجاب، فأردف وهو يناولها كارت صغير يخصه :
- دا كارت فيه تليفوناتي هنا في المكتب، عشان لو حصل اي حاجة، لازم تبلغيني لو جالك تاني أو حتى كلمك في التليفون.

التقطت منه الكارت، ونظرت له نظرة ممتنة جعلته يلتقط كارتا آخر أعطاه لها وهو يقول:
- دا كارت برايفت عشان تقدري تكلميني في أي وقت..
ثم أردف موضحا :
-عشان أنا الفترة دي مش بكون في المكتب أغلب الوقت...

أخذت الكروت ووضعتهما في حقيبتها، ثم قالت بنبرة بها بعض التفاؤل:
- تمام يا أستاذ هادي.. و أن شاء الله مش هيحصل حاجة لحد ما حضرتك تكلمني

قالتها ثم هبت واقفة تستأذن منه للمغادرة بعد أن شكرته في حرارة، ثم أردفت:
- هستنى مكالمة حضرتك.

ابتسم لها هادي ابتسامة تشبهه، وقال؛
-قريب إن شاء الله.

بادلته الابتسامة ثم تحركت للخروج، وهي تسأل نفسها بتعجب ألف سؤال، كيف لدانيا أن تقول عن هذا الشخص كل ما قالته!!!!

********

وعلى الجانب الآخر كانت دانيا تجلس على أحد المقاعد تعبث في هاتفها منتظرة انتهاء ميرام وخروجه كي يرحلوا، ولكنها تفاجأت بالموظفة التي سبق لها المشاجرة معها تتقدم إليها في خنوع، ثم قالت بأدب:
- مدام دانيا!! دكتور هشام خلص الاجتماع، وبيبلغك أنه مستني حضرتك في مكتبه.

نظرت لها شزرا ثم ضجرت بداخلها من تصرفات هشام المستفزة، فهل كان يعلم بأنها لن تدخل مع ميرام حتى تدخل له بمفردها بعدها بلحظات،ولكنها لم تستطع أن تعلن احتجاجها فهي التي سمحت له بفرض نفسه عليها لهذه الدرجة، وها هي بعد أن جاءت في أمر عملي بحت، ولكنه يريد أن يقلب الأمر وكأنه موعد غرامي، انتهت دانيا بعد لحظات من ضجرها الصامت، وقالت باستسلام وتوجهت نحو المصعد الخاص به لتجده مفتوحا فضغطت على زر ضغط هو عليه في اللقاء الأول في هذا المكان، فانطلق المصعد صعودا..

وبعد لحظات أصبحت داخل المكتب ولكنها موجودة به هذه المرة بأريحية أكبر بكثير جعلتها تميز سعادتها بمقابلته حتى لو كانت تضيق بتصرفاته، استقبلها هو بثقل هذه المرة، فكانت تتوقع منه ترحيبا أكثر من ذلك، ولكنها في كل مرة لا تجد منه ما تتوقعه إطلاقا، فبادرت بالحديث قائلة بخبث:
- استغربت جدا لما عرفت أنك مش هتقدر تقابلنا، بس اتفاجأت أكتر الصراحة لما فضيت فاجاة بعد ميرام ما دخلت عند المحامي التاني..

- مش معقول بجد!! انتي ليه دايما معيشة نفسك في جو المؤامرات دا.. صدقيني أنا ابسط من كدا بكتير، أنا كنت أعرف منين اصلا أنك مش هتدخلي، وبعدين أنتي فعلا مدخلتيش ليه؟؟

صمتت قليلا أمام حديثه المنطقي، فهو يستطيع استخدام المنطق في كل كلامه وتطويعه في كل شيء، حتى تجاهلت الأمر برمته وقررت الجواب على سؤاله قائلة :
- الصراحة محبتش اقابل المحامي دا تاني.. حسيت اني ممكن اتخانق معاه.

زم هشام شفتيه ثم قال بتأثر:
-هو فعلا صعب اوي.. بس برده استحالة كان هيضايقك، عالعموم كويس أنك عملتي كدا.

قالها ثم نهض من مقعده وتقدم نحوها وهو يردف:

- يلا بينا ننزل أنا مخنوق ومش عايز أقعد في المكتب..

تجهمت من جرأته وطلبه، وكأنها ملك يده في أي أمر وفي أي وقت شاء، وتأكدت حينها بأنه وغد حقيقي حين تذكرت أنها قد جاءت إلى هنا بارادتها بعد أن طلبت مساعدته بشكل مباشر، فأصبح يعتقد بأنها الآن رهن اشارته وتحت أمره، فنظرت له بغيظ واضح ظهر في مخارج الفاظها وهي تقول :
- استنى هنا بس، ننزل فين!! أنا جاية مع ميرام على فكرة.. وكنت مستنياها.

فقال باستنكار ردا على طريقتها :
- طب وايه المشكلة يعني هي ميرام هتوه لو روّحت لوحدها؟!

تراجعت قليلا بسبب رده الجاف ثم قالت:
- لا بس مينفعش، يعني انا جاية معاها وبعدين أخلع منها كدة.. ميصحش..

- لا ينفع عادي.. هي جاية عشان مشكلتها وهتتحل، يبقا خلصنا بقا مش هنقضي اليوم كله على ميرام، متقفلنيش منها.

نهضت في عصبية ثم قالت
- ايه دا!! أنت بتتكلم كدا ليه؟ هو أنت فاكر انك اشتريتنا.

زفر بنفاذ صبر، ثم قال بنبرة أكثر هدوءً:
- أكيد مقصدش.. بس أنا حقيقي مخنوق ومش مركز كويس ومش طايق أقعد هنا.

شعرت بالفعل بتعكر مزاجه، وانعدام تحكمه بانفعلاته كما اعتادت منه دوما، فتقدمت قليلا في استسلام، ثم توقفت وسألته :
- يعني أنت بجد هتحل مشكلة ميرام؟!

فابتسم ابتسامة ساخرة ثم قال مستنكرا:
-اه دانتي بتتأكدي الأول عشان تشوفي هتسمعي كلامي ولا لأ.. يا بنتي متبقيش واضحة أوي كدا، اللي هو أنا كنت جاية أخد المصلحة وأمشي.. الحاجات دي بتدارى شوية.. فكرتيني بالناس اللي بتروح الفرح ويمشوا بعد البوفيه على طول..

نظرت له بحرج وهي تشعر ببالغ الندم طلبها هذا، فهو لن يدعها مطلقا دون أن تدفع ثمنه كما يريد هو، ولكنه قطع تفكيرها وتندمها قائلا بنبرة ذات معنى :
- ها هتنزلي معايا ولا اخربلك بيت ميرام هي وقاريبها..

ارتفع حاجبها باستنكار وهي تقول:
- لا ثواني دا اللعب بقى عالمكشوف بقا..

- اعملك إيه ما أنا مش شايف اي داعي للتحوير الصراحة وانتي جاية بقلب جامد كدا تستغليني عيني عينك وياريتك حتى بتداري وتمشي أمورك.

شعرت بانكشاف أمرها أمامه طوال الوقت، وقد نال منها السخط جراء ذلك، فقالت في محاولة لتحسين موقفها:
- على فكرة أنا مش بستغلك.. أنا طلبت مساعدتك على أساس أن احنا صحاب زي ما قولت مش أكتر..

- اه دانتي جاية تكتشفي التحوير حالا..

زفرت في ضجر واضح، ولكنها ما زالت في مكانها لم تتقدم، حتى قطع حديثهم رنين هاتفها، أخرجته من حقيبتها، ونظرت لشاشته ثم قالت:
- إيه دا!! دي ميرام بترن شكلها خلصت..

فنظر لها نظرة حادة دون تعقيب منتظرا قرارها، اربكتها بالفعل هذه النظرة، فنظرت للهاتف مرة أخرى بقلة حيلة، وهنا كان أمامها خيارين، اولهم أن تخرج كل ما في قلبها وتحتبسه منذ فترة من اهانة وتهزيق وتلقيها فوق رأسه وتخسره وتخسر صديقتها ما أتت بصدده، ليجلسا بعدها سويا على حافة الهاوية ينتظران السقوط، أو ترضخ له قليلا حتى تمر هذه الموجة وترى ماذا ستفعل بعد وهي تتأكد في قرارة نفسها بأنها تغرس في وحله أكثر وأكثر..

تراجعت للخلف عدة خطوات في إتجاه المكتب أما هو كان ينتظرها في الخلف، وضعت الهاتف على أذنها وقالت بصوت خافت لا تريده أن يسمعه :
- ايوا يا ميرا.. لا أ.. أنا مشيت
مانتي اللي اتأخرتي وأنا زهقت الصراحة.. خلاص ماشي نتقابل في الشركة.. سلام.

ثم استدارت له بعد أن أعادت الهاتف في حقيبتها، وابتسمت له ابتسامة صفراء وهي تجز على أسنانها، فابتسم بدوره وقال باستفزاز يتقنه :
- ايوة كدا.. قليل من التحوير يجعل شكلك أفضل.

قالها وهو يتقدم نحو الباب للخروج، فسارت خلفه في استسلام وهي تقول بحنق:
- دا أنت تأثيرك رهيب..

- ولسة...

- عايزة أفهم إحنا رايحين على فين؟!

- هوديكي مكان أنا متأكد أنك مرحتهوش قبل كدا..

نزلت معه مرغمة، ولأول مرة منذ فترة كبيرة ترغم على شيء لا تريده، كانت تشعر داخلها بالاستنكار والسخط الذي يبدو على محياها واضحا كالشمس، فهي لا تجيد إخفاء مشاعرها، ولكنها تحاول أن تتناسى، وهو أيضا بعد أن حقق ما أراد يريد الآن أن يلاطفها حتى لا يستمر عبوسها وغضبها منه، حاول ذلك كثيرا في الطريق حتى استجابت له في النهاية، واستمر الأمر على ذلك حتى وصلا للمكان المنشود، أوقف السيارة أمام مبنى عملاق يقف على حراسته فريق كامل، ثم نزل هو وهي وأعطى أحدهم المفاتيح الخاصة بالسيارة كي يصّفها في مكانها المناسب، وتقدمت معه في ارتياح بعد أزال كل أثار غضبها منه.
دخلت إلى المكان الذي لم تأت ولم تر مثله من قبل، فبمجرد أن دخلت شعرت كأنها انتقلت إلى مكان آخر لا ينتمي لهذه البقعة تماما، كان المكان من الداخل متسع بشكل مبالغ به ويضم كل الأشكال والتفاصيل المعذرة عن الحياة البدوية الخالصة، فكانت وكأنها قد انتقلت وسط أحد رحلات السفاري التي تقام في قلب الصحراء ليلا، وكل الديكورات والأثاث تعزز من هذا التصور حتى جعلته حقيقة حية لا شك بها، الكثير من الجلسات والمقاعد البدوية كنا يوجد أركان عديدة تفترشها الأبسطة وتوزع بها الكثير من الوسائد الناعمة والملونة ويتوسطها الموائد الأرضية ويقبع فوقها المشروبات والاكلات البدوية، وتصدح الآلات البدائية بألحان عذبة تشبه سكينة الصحراء ليلا و تتمايل عليها فتايات في غاية الجمال بملابسهم السوداء والتي يتخللها العديد من الاكسسوارات الفضية والملونة وهي الملابس المميزة للنساء في هذه المناطق، كان كل شيء واقعي وحقيقي إلى جد كبير، فعندما تكون في هذا المكان لن يساورك الشك بأنك بمكان مصطنع يقع بقلب القاهرة التي تعج بكل شيء حي وغير حي، وتزدحم إلى آخرها ، ولن تتخيل أيضا بأنه مكان مغلق على ما بداخله، فسيوحي لك المكان في كل لحظة بأنك تجلس في وسط صحراء حيث لا نهاية لحدودها.

ت

قدمت دانيا في المكان أكثر بوعي غائب تماما، تسير مشدوهة تتطلع إلى كل ذلك بأعين منبهرة بحق، وهي تتعجب بداخلها عن وجود مثل هذا المكان الغير مألوف في هذه المنطقة، انتقى هشام طاولة منزوية قليلا ليجلسا على راحتهم بعيدا عن الضوضاء والحركة، نظرت له بعد أن جلسا بالفعل واتسعت ابتسامتها في إعجاب قوي وقالت بانتشاء:

- إيه المكان دا!! أنا أول مرة أشوف حاجة زي كدا هنا.

-لا دا من دا كتير أوي هنا وحاجات أحلى كمان، بس غالبا بتكون لناس معينة .

أخذت تنظر من جديد حولها وانتبهت للعرض الاستعراضي الذي يقام أمامهم وهي ترى فتايات في غاية الرشاقة يرقصن بدلال ومع إيقاع الآلات بشكل يثير الإعجاب، وأخذ جسدها يتمايل بثقل انصياعا للموسيقى ومن دون ارادتها، خطفها من شرودها وأردف بصوت مرتفع قليلا:
- بيعملوا هنا شاي ذردة هايل.. هتحسي في ثانية أنك اتنقلتي في وسط الصحرا...

اومأت رأسها بحماس، وجاء بعدها أحد العاملين بالمكان، فطلب منه عدة طلبات ولكن على غير عادته تماما لم يطلب هذه المرة أي خمور، امتثل الشاب لطلبه وذهب ليحضره، فتحدثت هي ومازالت تتطلع حولها وعلى شفتيها ابتسامة إعجاب:
-تعرف أن دي أول مرة اروح فيها مكان ترفيهي كدا من ساعة ما جيت مصر.

- انتي مقضياها شغل على طول، أنا استحالة أعيش كدا أكتر من يومين تلاتة، مهما كان عندي شغل كتير أو محتاج تركيز لازم أفصل وأروق على نفسي.. بأي طريقة بقا مش فارقة، الموضوع دا بيديني باور جامد خصوصا لو كنت مخنوق وعندي استريس في الشغل.

انتبهت معه أكثر، وسألت باهتمام أو بفضول من أجل الدقة:
- بس أنت إيه اللي خانقك بقا، حسيتك مش متظبط لما كنا في المكتب.

فقال بتأثر، وكأنه كان لا يريد التذكر:
- عندي حوار رخم كدا.. اتنصب عليا في مبلغ كبير.

اتسعت عيناها في فرحة، فشلت في اخفاؤها وظهرت واضحة عندما قالت بشماتة:
- معلش..

- انتي عارفة انتي الشخص الكام النهاردة اللي فرح فيا؟! حب الناس دا أهم حاجة في الدنيا والله.

انفجرت في الضحك ثم قالت معقبة بنفس التشفي:
- تستاهل والله.. قصدي على حب الناس طبعا .

نظر لها بغيظ، في حين عاد الشاب مرة أخرى يحمل الطعام والمشروبات التي طلبها هشام، ووضعهم في صمت حتى انتهى وانصرف، فقالت دانيا باستهتار وقد شعرت بعدم قهرته على الأموال التي فقدها :
- بس حاساه مبلغ تافه..

تناول كأسا به مشروب مثلج وهو يرد بنفس الاستهتار:
- خمسين مليون.

- خميسن مليون جنيه!!!!
قالتها دانيا بصدمة، وأردفت مستنكرة :
- ينهار ابيض وأنت عادي كدا.. وكمان جاي تتفسح.

- انا مش زعلان على الخمسين مليون لأني هرجعهم، أنا بس زعلان أن فيه حد اتجرأ وفكر أنه يجي ينصب عليا.

رمش جفناها عدةمرات في عدم تصديق، ثم قالت باستغراب:
- بجد!!! بس هو دا اللي مزعلك؟!

- أكيد طبعا.. أنتي فاهمة يعني إيه دكتور هشام منصور يتعمل عليه حوار؟!

زمت شفتاها في غيظ وهي تقول:
- اه طبعا حاجة كبيرة أوي تخليك مخنوق يا عيني، فتقرر تيجي مكان زي دا تروق على حالك وتتفرج على الرقاصات .

فقال بوقاحة:
- بالظبط كدا.. أهو أنا كل ما ألاقي نفسي متضايق، اشوفلي مزة أجيبها وأجي على هنا..

انقلبت ملامحها واحتل الغضب قسمات وجهها، فاستطرد يقول باستفزاز:
- خلاص متقلبيش وشك كدا.. صديقة، أجيب معايا صديقة.

تنهدت وهي تنظر له في استهجان ثم قالت:
- هو أنت مش حاسس ان الايجو عندك عاليا أوي بطريقة أوفر؟

رد بعدم اكتراث؛

- طب وأيه المشكلة؟!

- لا مشكلة وحاجة مزعجة جدا لأي شخص ممكن تتعامل معاه.

- مزعجة لأي حد حاسس بنقص أو مش واثق في نفسه.

ا

رتشف من الكأس مرة أخرى، ثم قال بثقة:

- فيه فرق بين الشخص المغرور بسبب حاجة هو مميز بيها عن كل اللي حواليه، وشخص تاني مغرور على الفاضي

ابتسمت في سخرية ووضعت يدها أسفل ذقنها وهي تسأله بتمهل:

-وحضرتك بقا يا دكتور مغرور على إيه؟

ابتسم لها ثم قال بنبرة هامسة:

- ابقي بصي على نفسك في المرايا لما بتكوني معايا بتبقي عاملة إزاي وأنتي تعرفي أنا مغرور على إيه...

اطلقت ضحكة عالية، لم يستطع منه نفسه من اتساع ابتسامته لها، ثم قالت :

- لا دا كدا مش غرور خالص، دي كدا صياعة.

- ليه بس أنا بحاول أكون صريح معاكي..

- صريح!!!!!
قالتها باستنكار واضح، فاقترب منها وهو يرسم على شفتيه ابتسامة هادئة ويقول بنفس الهدوء:

- طب تعرفي إيه أكتر حاجة حبيتها فيكي ؟!

ابتسمت من تعبيره وضحكت في نفسها على طريقته التي بدأت تتغير وتصبح أكثر جرأة، ولكنها تجاهلت وردت في ثقة وكأنها نالت من بعض غروره:
- أنا أصلا كلي حاجات تتحب ..

- أكيد طبعا مقصدش الغرور مع إني بحبه طبعا .. بس بجد أكتر حاجة حبيتها فيكي هي صراحتك و وضوحك ، أصل أنا كمان فيا الحتة دي، و بقدر الصراحة جدا وبكره النفاق والملاوعة كره العمى .

فردت سريعا بتهكم :
- look who is talking !! (أنظر من يتحدث)

ليقول بعدها :
- على فكرة أنا أكتر واحد ممكن ينافق ويظهر عكس اللي جواه وبعمل دا بمنتهى السهولة والكل بيقع وبيصدق.. بس دا ميمنعش برده أنها أكتر حاجة بكرهها في الدنيا، ولو عملت كدا عشان حاجة معينة بتبقى حاجة مؤقتة وبعدها برجع لطبيعتي تاني،أنا مقدرش ابدا أعيش بالطريقة حتى لو هتضمنلي حب الناس، بالنسبالي في ستين داهية الحب لو هيجي بكدا ..

فنظرت له قليلا بنظرة يتخللها بعض الإعجاب، ثم قالت :
- ماشي يا دكتور وأنا هقدر صراحتك دي ، بغض النظر عن اللي قولته عن شخصيتك اللي هو في حد ذاته كارثة أصلا.

فضحك قليلا ثم أردف :
- بس أنتي بقا بتعجبيني في الموضوع دا أكتر ، خصوصا لما بتحاولي أنك تكوني ذوق وتجملي الكلام في الكام مرة اللي فاتوا، مع أن تعبيرات وشك كلها بتقول حاجة تانية وفي الاخر بعد كل ده مبتعرفيش تسيطري على لسانك وبتطلعي كل اللي في قبلك على هيئة دبش يوديكي في ستين داهية .

فضحكت بشدة ، ثم قالت مؤكدة :
- I know ..

بس بجد كويس أن طلع بينا فيه حاجة مشتركة مع إني أصلا أشك في موضوع صراحتك دا .

- يعني هقول على نفسي إيه أكتر من كدا عشان أبقى صريح .. أفهمي أنا أصلا مش بيهمني حد عشان كدا مش بكذب عامةً ، ولما بكذب بيبقى عشان سبب معين ولما بينتهي خلاص .

نظرت له قليلا مفكرة ثم قالت بمكر ساخرة :
- بص يا هشام أنا أكتر واحدة ممكن تقدر الصراحة وبجد يكفيني أنك قولت الكلام دا عن نفسك دلوقتي و بالبساطة دي .. خصوصا أنك لسة معايا في مرحلة النفاق والكذب والملاوعة.. فدا بالنسبالي حاجة كبيرة أوي .

نظر لها متفحصا وارتسم على شفتيه ابتسامة خفيفة عجزت هي عن فهمها ، أما هو ففي داخله كان في غاية الرضا، فقد بدأت فريسته في التقاط الطعم الذي أعده لها، فمنذ أن رآها أول مرة وهو يعلم أنها لن تأت إلا بهذه الطريقة، فهي واضحة كالشمس وتستطيع أن تكشف ما بداخلها وكأنها صفحة ماء، وذلك ليس لأنها ساذجة بل هي لا تحب التلون ولا تحترمه فهي لا تستطيع أن تكون سوى نفسها فقط، وهؤلاء الأشخاص يتعاطفون كثيرا مع المتصالحين مع أنفسهم ومع عيوبهم ، ويعترفون بأخطائهم حتى ولو وصلت اخطاؤهم عنان السماء ، ويقدرون هذه الصراحة في المطلق، بالطبع كان يعلم أن النعومة والخداع لن يجدِ معها، فلا يوجد شيء قاله وأثر بها سوى ذكره لعيوبه بكل بساطة ودون تجميل، ولكنه كان يحطم تماسكها بين هذا وذاك، فقليلا من الخداع والتلاعب الواضح مع بعض الصراحة جعلها هذا المزيج تتعلق به وتستسلم لفضولها الذي استطاع أشعاله بيد خبيرة، حتى وصل معها لهذه النقطة..

قطعت هي تأملاته في عينيها، أو هذا ما كانت تعتقده بداخلها حين وجدته ينظر لها بعد أن انهت حديثها ، وقالت بمرح :
- طب لو كدا بقا ، إيه رأيك لو تلعب معايا لعبة الصراحة؟! يعني توعدني أنك مش هتكدب عليا في أي حاجة هسألك عليها دلوقتي.. وقصاد دا أنا هوعدك إني هقدّر صراحتك دايما ومفيش أي حاجة هتخليني اتضايق منك أو أخد أي موقف مهما قولت .

- بصي هي لعبة حلوة .. بس أنا من حقي أنسحب منها في أي لحظة ، أصل فيه حاجات مهما كان الواحد صريح مينفعش تتقال يعني ..

فقالت بحماس :
- ماشي وأنا موافقة .. بس لو مش هتنسحب وقررت تجاوب يبقا no lying ..
ودلوقتي هسألك أول سؤال .. مستعد؟؟

- ومتحمس جدا .

أخذت شقيها عميقا واطلقته ثم قالت بدون مقدمات :
- أنت اللي دبرت المشكلة بتاعت شركة العطاري مش كدا ؟!!

أتسعت عيناه قليلا ثم رفع يده أمامها باستسلام قائلا :
- أنا بنسحب ...

انفجرت في الضحك ثم قالت :
- والله العظيم أنا كنت متأكدة ، اينعم كنت ساعات بتهبل كدا و أقول لا انت ملكش دعوة بس كنت برجع تاني ..

- دانتي طلعتي عقربة والله .

توقفت عن الضحك ونظرت له في صدمة ، ليقول :
- إيه إحنا مش اتفقنا على الصراحة خليني أطلع اللي جوايا بقا .

فعادت للابتسام مرة أخرى ثم قالت مستنكرة:
- بقا أنا اللي عقربة برده ؟! ماشي .
بس أنا برده عايزة أفهم أنت عملت كدا إزاي ؟ دانت كلمت صاحب الشركة قدامي وواضح فعلا أن مكنش فيه بينكم كلام او اتفاق قبل كدا .. ولا دي كانت مكالمة فيك ؟!

فقال ببساطة :
- لا طبعا مش فيك .. بس أنا أصلا متفقتش مع الراجل دا .. أنا اتفقت مع أخوه وشريكه مختار العطاري لاني كنت اعرفه معرفة شخصية، واتكلمت معاه قبل متمضوا العقد وطلبت منه أن محدش يعرف حاجة خالص عن الموضوع دا ، وكدا كدا جمال كان بعيد عن الشغل واللي بيدير الليلة كلها أخوه، فمكنش يعرف حاجة عم الإتفاق، وطبعا بالنسبة للمستشار القانوني بتعاكوا ، فدا جه بأشارة.

أتسعت عيناها في صدمة ثم قالت معقبة :
- طب وأنت عملت اللفة دي كلها ليه ؟! هو أنت كنت تعرف إني هاجي المكتب وهعمل كل دا ؟!!

ابتسم من رد فعلها ثم قال :
- الصراحة أنا كنت متأكد انك هتواجهي ،طبيعة شخصيتك بتقول كدا، وساعتها بقا كنت هسمعك المكالمة واكسب معاكي بونت ، بس اللي مكنتش متوقعه خالص أن رد فعلك هيبقى بالغباوة والجرأة دي، وأنك هتيجي المكتب وتقلبيه على دماغ كل اللي فيه وتغلطي في الكل حتى أنا..
يعني أنا تصورت أنك حتى لو اتأكدتي أن أنا اللي ورا الموضوع هتيجي بالراحة وبالذوق وتحاولي تظبطي الدنيا، وأنا ساعتها هكون الواد الجان اللي ظلمتيه و هيساعدك برده وكدا يعني ..

كانت تنظر له مشدوهة مما تسمع :
- معقول!!! طب وانت عملت كل دا ليه ؟! أنا مش فاهمة يعني ، يعني دا كان انتقام ولا ايه ؟!!

- لا طبعا مش انتقام .. كل الحكاية إني أول مشوفتك عجبتيني ، وعجبتني شخصيتك ، وبعدين حسيت ان فيه بينا حواجز كتير بسبب القضية بتاعت السنهوري، فكنت بس عايز ألفت نظرك .

انتفضت على مقعدها وكأن لدغها عقرب ،وقالت بصوت عالي لفت انتباه الجميع بعدما فقدت السيطرة على نفسها مما تسمعه :
- كل دااااا عشان تلفت نظري ؟!!!

- ششش وطي صوتك الناس هتتفرج علينا .

بالطبع يعلمه الجميع هُنا ، وجملة كهذه من امرأة ساحرة مثل هذه ، كفيلة جدا لتنعش خيالهم شهورا للتفكير في مغامرة هشام منصور الجديدة .

استطردت بصوت منخفض قليلا قائلة باستنكار:
- دانت لبستنا مع الضرايب في نص مليون.. دا غير المصيبة التانية اللي كنا هنشحت بسببها ويمكن كنا اتسجنا وفي الآخر تقولي ألفت نظرك؟!!!

- أهدي شوية بس .. دانتي المفروض تشكريني ، دا أنا كنت بفوقكوا، صدقيني كار الشركة وسيدات الأعمال دا مش كارك ولا انتي ولا حتى صاحبتك ..

أتسعت عيناها في غضب من حديثه ،ولكنه أردف قائلا بهدوء :
- أسمعي مني بس .. دانتوا بيتنصب عليكوا أكتر مبتتنفسوا ، عدي معايا كدا اولهم جوز أم صاحبتك اللي عملها تنازل مضروب وسكها على قفاها ، وبعد كدا خالد السنهوري اللي نصب عليكي وقلّبك ، واخرهم طبعا المستشار القانوني المبجل اللي مضاكي على شرط جزائي بالجنيه بدل الدولار ولبسك العمة.. يا شيخة دانتو لو بتديروا الشركة دي وانتوا مصطبحين كل يوم مش هيتنصب عليكوا كدا ..

- اوغاد .. كلكو اوغاد أقسم بالله .

- أنتي مش قولتي قول الصراحة وأنا هقدّر ،ولا هترجعي في كلامك .

- يعني أنا المفروض بعد اللي سمعته دا أحييك على صراحتك و أتعامل عادي كأننا صحاب؟! أنا عايزة أفهم أمال لو كنت ناوي تنتقم مني كنت هتعمل فيا إيه؟!

- شوفتي بقا أنا غلطان إني صدقتك ووثقت فيكي وفي كلامك.

تراجعت قليلا ، فبعد ما كشفه عن نفسه واخبارها بهذه التفاصيل ، أصبحت تريد أن تعلم المزيد عن هذه الشخصية التي لم ولن تر مثلها مرة أخرى ، فقالت بنبرة أكثر تعقلا وهدوءً وبها بعض النفاق الذي بدأت بالفعل تلتقطه منه وهي تحاول الابتسام بينما تجز على أسنانها :
- خلاص يا دكتور على اتفاقنا .. وحقيقي أنا ممتنة ليك جدا أنك فهمتني اللي حصل بالظبط لاني كنت قربت اتجنن .

فاسند ظهره إلي مقعده ونظر لها في غرور وتعالي بعد كلمات مدحها له ، فأردفت قائلة بملامح جادة ومترقبة جدا :
- تمام .. خلينا نرجع تاني ، السؤال اللي بعد كدا لازم تجاوب عليه عشان يهمني جدا جدا ..
هو أنت بجد كان ليك يد في موت مراتك ؟!

فعض على شفته السفلية في غيظ واضح وهو يسب ولده في داخله بأقذع الألفاظ ، ثم قال بثبات يتخلله بعض الضيق :
- لا طبعا ماليش علاقة ، لأنها ببساطة مش مراتي بس ، دي ام ابني اللي لسة مقهور على موتها لحد دلوقتي.. بصي انا مبحبش اجيب في سيرة الميتين بس هي أساسا كانت تستاهل الحرق ، ولو مكنتش مخلف منها كنت زماني قتلتها فعلا ..

أتسعت عيناها في صدمة ، وفقدت النطق للحظات فهي لا تعلم هل تطمئن لأنه لم يقتل زوجته أو تفزع لأنه لا يمانع الأمر ، فقالت بنبرة متأثرة بصدمتها الداخلية :
- يعني أنت عادي ممكن تقتل ؟!

فرد سريعا دون تفكير :
- اه طبعا أنا بس مستني الفرصة، مستني الاقي حد يقرفني ويزهق فيا وأنا هعملها على طول .

فقالت بعصبية مستنكرة :
- لا دانت بتهرج بقا !!

- أمال عايزاني اقولك إيه؟! صراحة ايه دي أن شاء الله اللي هتخليني أقولك إني قتلت حتى لو عملتها.. أنتي عبيطة شكلك.

صمتت قليلا مفكرة ثم قالت :
- فعلا معاك حق.. بس إيه عبيطة دي احترم سننا حتى يا دكتور.

- مش انتي اللي عايزة الصراحة.

فقالت بامتعاض :
-لا خلاص لاغيناها..

ابتسم ابتسامة جانبية، حين وجدها تدير وجهها عنه حتى لا تتحدث إليه، و استرعى انتباهها فتاة تتراقص بالملابس البدوية بدلال ولا يظهر من وجهها سوى عيون واسعة كحيلة تخطف الأنظار، فقطع تأملاتها قائلا بجرأة :
- تعرفي، أنتي لو لبستي اللبس البدوي دا، هتبقي بطل أوي فيه.

قطبت حاجبيها في استغراب ثم قالت بتساؤل:
- يعني إيه هبقى بطل؟!! همثل قصدك؟

- أصلا!!!
فضحك حين وجدها تجهل المغزى الوقح لهذه الكلمة، بسبب بعدها عن مصر منذ فترة طويلة، لذا فقال موضحا ومستغلا لجهلها :
- بالظبط كدا.. بطل معناها أنك تنفعي ممثلة جدا، بس معاكي أنتي بالذات فأنتي بقا مش بطل.. أنتي بطل الأبطال.

ظهر الاستفهام على ملامحها من جديد، فأردف مؤكدا:
-دي بقا معناها بطولة مطلقة.

ضحكت في إرهاق، ثم قالت في ترجي :
- هو إحنا مش هنروح بقا.. ولا انت خاطفني ولا إيه؟!

- شكلك تعبتي فعلا.. أنتي ساكنة فين؟

- في الرحاب.

- أوف دي بعيدة أوي.

انتفضت في مكانها، وقالت بقلق:
- بعيدة إزاي يعني؟! هو إحنا فين؟

- أهدي بس، متقلقيش أنا هوصلك.. بس أنا رأي أنك ممكن تباتي في فندق مثلا قريب من هنا، لأن بجد المسافة بعيدة والدنيا ليل .

فقامت تلملم أغراضها وهي تقول معترضة :
- لا أنا لازم أروح، لو عندك مشكلة أنا هطلب أوبر

فنهض بدوره وهو يقول بخبث:
- لا انا معنديش مشكلة طبعا.. أنا كنت عامل على تعبك مش أكتر، بس مدام انتي عايزة كدا خلاص زي ماتحب يا بطل..

فنظرت له نظرة نارية، ولم تسترح لهذا الاقتراح مطلقا، فقد باتت لا تثق به ولا تثق في أن تستقل سيارته وحدها في هذا الوقت، ولكنها أصبحت لا تعلم حقت ما يجب عليها فعله في هذا الموقف.

***********

صباح اليوم التالي :-

استيقظ قرب الظهيرة بعد أمسية الأمس، وبعد أن أعاد دانيا لبيتها في سلام واحترام كانت هي نفسها تشك في أن تناله بعد اقتراحه لفكرة البيات في الفندق لسبب في نفسه بالطبع، ولكن على كل حال لم يكن هشام وغدا لهذه الدرجة، فطوال حياته وعلى الرغم من انعدام مبادئه وأخلاقه، ولكنه لم يأخذ أي شيء من امرأة يوما رغما عنها.
قام يومها في تكاسل وارتدى ملابسه ثم أخذ قهوته، وانطلق بعدها نحو مكتبه .
وصل إلى المكتب الذي تركه بالأمس منذ أن رحل مع دانيا، والذي من المفترض انه لم يدخله اي شخص منذ هذه اللحظة، فلا احد يستطيع عبور أبوابه مطلقا وهشام خارجه، دخل في تؤدة عبر بابه الخاص، وجلس على مقعده وهو يمسد جبينه بأصابعه حتى يستفيق أكثر، ولكنه توقف حين لمح كارتا متوسط الحجم يقبع أمامه فوق سطح المكتب، لم يتذكر أن رآه هنا من قبل ولم يتعرف عليه، التقط الكارت بتمهل، ولكن ارتعشت أصابعه وجحظت عيناه حين قرأ ما به..

" دا كان أول قلم يا دكتور.. ومش الأخير.

أمير الزهار "

************

البارت أنتهى ❤

متنسوش الفوت ☆

no captions needed 😂😂

بس البارت اللي جاي دمااااااااار من هنا لبكرة 🤠

Continue Reading

You'll Also Like

2.3M 153K 112
ظننت أن قلبي هذا لم يخلق لهُ الحب ، ونسيت أن بعض الظن أثم
1.2K 177 11
مجموعة من القصص، حكاياتٌ من نوع آخر ... أحداثٌ نتعرَّف من خلالها على الأسباب والمُسببات، شخصيات متباينة ولكل منها سبب يُكتشف.
5.5K 375 42
مُنذ الصِغر ونحنُ نعلم جيداً أن الخطان المتوازيان لا يلتقِيان أبداً ، فـ هل مِن المُمكن أن تتغير تِلك القاعِدة لـ يجتمِع قلبين معاً؟!. لما لا ؟ .. فـ...
1.9K 122 8
تخيل أنك يطلب منك تمثل أنت و واحدة أنكم متجوزين لأسباب .... و سبب اختياركم أنكم شبه الأتنين الي كانوا متجوزين و ماتوا ...... تخيلت؟ تخيل بقا تبقوا أ...