فعالية ٣٥_النهاية في الحدث والرواية

94 8 19
                                    


مجدّدًا رفقة قارئ ذو عقل فارغ، لا تشعر بالغضب، فأنا لا أهينك بتاتًا، بل أصفك ليس إلّا.

لمَ أشمّ رائحة احتراق الشاشة الآن؟ أو مهلًا لحظة، ذاك لم يكن كبرياءك، بل خلطة قدري التّي شرعت تتفحّم، مشكّلةً جسمًا كرويًّا داكنًا.

ولك أن تحزر، ليست مجرّد كرة لطيفة، وليست قنبلة كذلك، فلا تخف، وتقدّم لتأخذها من داخل القدر، لمَ ترسم تلك الملامح الغريبة؟

قرّاء اليوم، جبناء وجبن موزريلا أبيض.

لا داعي للارتجاف، سألتقطها أنا، فهذا مختبري في النّهاية.
صوّب جلّ تركيزك على الكلمة الأخيرة من الجملة التّي قلتها منذ قليل، وأثناء ذلك، سأقوم أنا بفتح الكرة والتقاط ما يقبع داخلها.

لعلّك تذكّرت شيئًا سبق وأن أخبرتك إيّاه، جميل، يبدو أنّك تتميّز بذاكرة قوّية، آمل ذلك..
النّهاية! والتّي تكون آخر ما تؤول إليه الأحداث، وقد علمنا الفرق بين نهاية الحدث ونهاية الرواية، لا داعي لإعادة شرح ذلك لا؟ خابت آمالي بذاكرة الفيل التّي لديك.

نهاية الحدث لا تعني بالضّرورة نهاية الرواية، فقد ينتهي الحدث ولا تنتهي الرواية، وهنا نلتمس ماهية النّهاية المفتوحة.
ألم يكن انفجار الخليط الماضي كافيًا لخلق بخار المعرفة؟ أم أنّك لم تستنشقه جيّدًا فلا تتذكّر؟

لن أعدّه مجدّدًا، حفظته في قنينة مفاتيح النّقد، ولعلّه في متناول يديك، لتتجرّعه أو لتستحّم به، فقط خذه، ولا تنسى محتواه ألّا أجعلك أحد مكوّنات الخلطة الجديدة.

حسن جدًّا، أخذت الكرة، ها هي ذا تلمع، هل ترى ما في داخلها من بقعتك؟ لا؟ اقترب إذًا ما بالك تخجل؟

كرة أخرى! أليس رائعا؟ لم التفاجؤ؟ هذا منطقيّ للغاية، ما بداخل الكرة نواتها، وهذه ليست كرة عاديةً، سأشرح لك كلّ شيء، فكّ عنك عقدة حاجبيك تلك، تبدو قبيحًا.

لنفترض أنّ القدر هو الفكرة، وأنّ الخليط بمثابة الأحداث، توّلدت الكرة من تفاعل مكوّنات الخليط، وفي النّهاية حصلنا على كرة! هل تفهم المغزى؟

الكرة هي نهاية الأحداث، أو لنقل النّهاية، نتيجة تفاعل المكوّنات، هذا جيّد، ثمّ ما علاقة الكرة الأصغر حجمًا بالكرة الأكبر؟

سأطرح عليك سؤالًا، هل سبق لك وأن شعرت بالغباء بعد الانتهاء من قراءة رواية ما؟ هل تمنّيت أن تكون النّهاية بمقتل الفتاة لا بزواجها من ذاك الوسيم؟ وهل سبق لك أن قمت بنسج نهاية من خيالك وإنسابها لقصتك التّي لم تنل رضاك؟

ممتاز! والآن كفّ عن الإيماء كحمامة تلتقط الفتات من على الأرضية وركّز معي.

هذه الكرة الأصغر التّي أحتضنها بمثابة نهاية أخرى لذات الفكرة وذات الأحداث، وهذا ممكن جدًّا، فقد تحوي الرواية أكثر من نهاية مختلفة، عدا أنّ الكاتب يختار التّي يريدها، وهذا لا يعني بالضّرورة أنّها الأفضل دومًا، أم أنّها الملائمة.

فقد تكون النّهاية جيّدة، لكنّها لا تروي ضمأ القارئ ولا تجيب على كافّة أسئلته، لكن.. من قال أنّها لن تكون جيّدة كذلك؟ هذا يعتمد على قدرات ونظرة الكاتب، ومدى عبقريته وتميّزه.

تلك الملامح! لا تقم بتغييرها! من الجيّد رؤيتك منسجمًا مع ما أقوله، أحسنت بالفعل.

حسن، سأضع هذه الكرة جانبًا ودعني أمنحك مثالًا توضيحيًّا مقرفًا، بياض الثّلج والأقزام السبعة!

لا داعي للابتسام، سأخبرك برأيي الشخصيّ بخصوص هذه الرواية اللّطيفة، ألا تعتقد مثلًا أنّ بها لمسة من المبالغة؟
أقصد.. لم جميع أميرات ديزني يُجدنَ الغناء رفقة الحيوانات؟

ما يهمّنا الآن هو النّهاية، وكما نعلم جميعنا، يجيء ذاك الأمير الوسيم الذّي وقع لبياض الثلج من النّظرة الأولى ويطبع قبلة على شفاهها لتستيقظ من لعنة التّفاحة المسمومة!
وبين قوسين، ألا يقوم أمير الجميلة النّائمة بذات الفعل في نسخة ديزني؟

جميل، بل مبتذل، تمّ وضع هذه النّهاية لتلائم الأطفال، بحكم أنّه فيلم للأطفال! هل تلك مشاهد تليق بالأطفال؟

في الرواية الأصلية من كتابة الأخوان غريم، النّهاية لا تكون بهذه الطريقة الجميلة، بحيث تسقط العجوز من أعلى الهاوية وتتزوّج بياض الثّلج من أميرها الوسيم، الاختتامية مختلفة، وأشدّ واقعية ودموية، ويبقى سبب تعديلهم للعديد من النّقاط هي مواكبة براءة الأطفال.

في الرواية الأصلية، يتّم دعوة العجوز لحفل زفاف بياض الثّلج وإجبارها على ارتداء أحذية حديديّة ساخنة سبق وأن تمّ وضعها بين جمر حارق، لتغدو حارقة، والرّقص حدّ الموت، هذا فعل لطيف من بياض الثّلج اللّطيفة، لكنّه أشدّ واقعية.

ومجدّدًا، كلّه يهون لأجل الأطفال، ولعلّه بسبب هذا التّغيير الذّي أضفى لمسة من الرونق الجماليّ للأحداث، مجسّدًا الحبّ كأحد أسمى المشاعر، نجد العديد من الفتيات يحاولن التودّد للعصافير التّي تتّخذ من القمامة عشًّا لها، ويقمن بالغناء بغية التشبّه ببياض الثّلج والتّي ذاتها تملك صوتًا أشبه بالحشرجة وخدش الزجاج.

فلا تستغرب إن أخبرتك أنّني أفضّل ميريدا، ذات الشعر الأحمر، إذ كانت قصّتها أشدّ إلهامًا وبعيدًا كلّ البعد عن الرومانسية.

يمكنك الآن الانصراف دفعةً واحدةً، كأنّني لم ألحظ خطواتك القصيرة التّي تقدّر بالمليسنتنرات نحو الباب بغية المغادرة.

سأضع الكرة جانبًا وسأحتفظ بها، يمكنك لمسها متى ما شئت لتتذكّر ما قلته، فلا تخف، لن تتحوّل لفاه ذا أنياب ولن تلتهمك.

غادر الآن، الباب لا يبعد عنك كثيرًا، في النّهاية، بضعة سلالم فقط.

لكن.. لمَ لا نجعل لهذه اللّحظة نهاية مختلفة؟ جديدة وغير مألوفة لذات ما يحدث الآن؟

ما بالك لا تتحرّك؟ الأرضية لا تبعد عن النّافذة بذاك القدر! هل تسمعني؟ عشرة أمتار فقط!
أردت فقط مساعدتك للانصراف أسرع، هل إلقاؤك من النّافذة فعل مبالغ به؟

أعتقد أنّه قد مات..

-أتيكا.

بواباتُ النقدWhere stories live. Discover now