عسى أن يعينني على النهوض بهذا العبء الثقيل

31 3 0
                                    



المرحوم الشيخ علي فريدة الإسلام الكاشاني

كل ما يُنقل عن هذا الشاب - كما يقول هو نفسه - ما هو أثر من آثار توسّله بالإمام بقية الله ( أرواحنا فداه ).

منذ السنة التاسعة من عمره بدأ يدرس اللغة العربية .. في نفس الوقت الذي التقى فيه بإمام العصر (عجل الله تعالى له الفرج ) وعَرَفه .

وكان دائم التوسّل به ، بحيث أستطيع أن أزعم أنّ ساعة واحدة لم تمر بدون أن يذكر الإمام ( عليه السلام ) .

وببركات هذا التوسّل .. نبغ في دراسة العلوم الظاهريّة ؛ ففي السنة الحادية عشرة من عمره نظم شعراً عجيباً يعارض فيه ( ألفية ابن مالك ) في علم النحو ، وقد طبع ما نظمه في كتاب ، وأوّله :

أين ابن مالك .. لينظرنَ ما نظمتُهُ ، فيتركن مانظما؟!

كان يقول:

تاريخ ولادتي كان أبي قد سجله ، يوماً وساعة ، على غلاف المصحف . وفي السنة الخامسة عشر من ذكرى يوم مولدي .. كنت واعياً إلى أني قد أصبحت مكلفاً بالتكاليف الشرعيّة .

في تلك الساعة كنت في مشهد حيث قصدت الحرم المطهر للإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام) ..وكنت أحس خلالها اني في الوقت الذي غدوت فيه موضع لطف من ألطاف الله ومشرفاً بالعبوديّة له ، فقد حملت على كاهلي عبئاً ثقيلاً لا أقوى بمفردي إطلاقاً على الوفاء به ؛ فانّ نبي الله يوسف ( عليه السلام ) نفسه كان يقول :

(وما أبريء نفسي إنّ النفس لأمارة بالسوء) .

وهذا الإحساس دفعني إلى التوسّل في
حرم ثامن الحجج ( عليه السلام ) ، فعسى أن يعينني على النهوض بهذا العبء الثقيل .

حين أدرك المرحوم الشيخ علي الكاشاني سن العشرين ، كان قد بلغ درجة الإجتهاد المطلق ، وأجازه بعض مراجع التقليد إجازة الإجتهاد .

قال عنه أحد الأعلام والمراجع - كما ورد أيضاً في شعر قيل لمدحه - إنه بحرّ زاخر باللآليء ، تستطيع في محضره أن تتعلم منه كل ما تشاء .

الف المرحوم كتاباً في أصول الفقه طبع بعد وفاته بعنوان ( فريدة الأصول) ، استفاد منه العلماء والطلاب .

كان المرحوم الشيخ علي الكاشاني كثير التوسل بالمقام المقدس للإمام بقية الله ( ارواحنا فداه ) .

ولا أنسى أني كلما كنت أخرج من غرفتي بالمدرسة
الحجيّة في منتصف الليل كنت أراه واقفاً قبالة النافذة يبكي على الإمام ولي العصر ( عليه السلام) بائين وحنين ، بكاء العاشق .. فيخاطبه ويناجيه

( وقد دونت واقعاً له أو واقعتين في كتاب : اللقاء بإمام الزمان ( عليه السلام ) .

قلة هم الأشخاص الذين أدركوا المرحوم الشيخ علي الكاشاني ، ولم يجدوا فيه هذه المزايا :

۱ـ كان يسجد بعد صلاة المغرب والعشاء كل ليلة سجدة تستغرق ساعة تقريباً .. فيدعو ويبكي بكاء لا يستطيع أحد أن يصرفه عنه .

۲ـ كان في كل أوقاته في حالة مراقبة لنفسه عجيبة ، وحتى حركاته العادية كانت موجهة ، ولا ينام في الليل قبل أن يحاسب نفسه .

3- عندما يرد ذكر الأئمة المعصومين ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ما أشد ما يطفح حبه وعشقه لهم ( عليهم السلام ) بصورة لم أرَ نظيراً لحرارتها بين
أولياء الله الذين رأيتهم ، على كثرة من رأيت منهم .

لا يغيب عن بالي أني رأيته يذرف الدمع وبدنه يرتجف حين سئل يوماً :

أيهما أعلى مقاماً علي الأكبر (عليه السلام) أم آدم ( عليه السلام ) ؟ فقال وهو على تلك الحال : قسماً بالله .. لو لم تكن في قلب آدم محبة علي الأكبر
( عليه السلام ) لما وصل إلى مقام النبوة .

ما كان كلامه هذا نابعاً من محض الإحساس ، وانما قاله انسجاماً مع المعتقد .

ولهذا الموضوع أدلة ذكرها الباحثون فيما ألفوه من كتب حول فضائل السادة ومعارف اهل بيت العصمة ( عليهم السلام)، ممّا يطول بنقلها - إذا
أوردتاها - هذا الكتاب .

ودع المرحوم الشيخ علي الكاشاني هذه الدنيا وهو ابن أربع وعشرين سنة ، وكان قال لي في مشهد قبل وفاته بشهر واحد: أصدقائي ليسوا هنا،وأنت لا تسأل عني إلا قليلاً .

قلت له : غداً آتي لزيارتك في مدرسة ( خيرات خان ) .

فقال : لا مانع ، سأكون في انتظارك .

في اليوم التالي... ذهبت لزيارته ، واستفدت منه فوائد جمة .

ومن جملة ما كان في هذه الزيارة أن أحد الأصدقاء ذكر أن الشيخ قال له : رأيت رؤية .. وظني أني سأغادر الدنيا مبكّراً .

قلت : وماذا رأى ؟

فقال لي هذا الصديق : إنه قال : رأيت في عالم الرؤيا آني تشرفت بلقاء الإمام بقية الله ( أرواحنا فداه ). وسلمت عليه ، فأجابني الإمام (عليه السلام) بقوله :

-وعليك السلام ، يا شيخ الشهداء ، ! قلت له : ولم أجبتني يا مولاي هذا الجواب ؟

فقال : ألا تريد أن تكون كذلك ؟ قلت : إن شاء الله .

فقال الإمام (عليه السلام ) أيضاً : إن شاء الله .

أما أنا فقد قلت للشيخ حين سمعت هذا : بعد عمر طويل .. ترحل عن هذه الدنيا ، إن شاء الله ... وأنت كبير الشهداء وعالمهم .

ولكنه لم ينطق بحرفي . ثم نسينا الموضوع خلال تلك الجلسة ، وتحدثنا في موضوعات أخرى .

ذهب المرحوم يوماً من مشهد إلى إحدى القرى الواقعة حول منطقة( رُون سَر) ، وكان قد دُعي إليها من قبل .

وذكر مضيّفه أنه صلى المغرب، والعشاء ثم انصرف - كما هو دأبه - إلى الدعاء والمناجاة .. حين بلغنا أن سيلا كان ينحدر إلى قريتنا من قرية أخرى .

فقلت له : أدع الله ألا يجتاح هذا السيل قريتنا ، أو لا يوقع بنا ضرراً .

فقال : كلا .. لن يضركم السيل . ثم أهوى فسجد سجدة للدعاء والمناجاة .. ولكن صوته انقطع بعد لحظات ، وحين دنوت منه .. وجدته قد فارق الدنيا ، رحمه الله .

حُملت جنازته إلى قم .. ودُفن في مقبرة المرحوم الشيخ عبد الكريم .

وقد أمر أحد مراجع التقليد أن تكتب على قبره عبارة :

المخاطب من قبل صاحب الزمان عليه السلام :

( وعليك السلام يا شيخ الشهداء ) .

معراج الروح  مع رحلات لتهذيب النفسWhere stories live. Discover now