الفصل الرابع وعشرون

Start from the beginning
                                    

وصلها نحيب وصراخ والدته وشقيقاته اللواتي حاولن التشبث به ومنعه من الذهاب برفقة الرجال فنهضت هي الأخرى لتقترب من مكانهم وتشاهد الطريقة التي أمسكت بها غزالة يدي فؤاد وهي تهدر ببكاء:
- فؤاد لقد وعدتني! وعدتني أن تحميه! والله هو كان برفقتها خارج القبائل كلها.. هي قالت ذلك فقط لأنها غاضبة منه.. ارجوك لا تدعهم يقتلونه ظلمًا! ارجوك!

انتبهت غزالة لوجود ياقوت فصاحت بتوسل وهي تنظر إليها برجاء:
- ارجوك ياقوت قولي الحقيقة! انا ارجوك!

- كفى غزالة! هل تظنين انني لن اقدر على الدفاع عن نفسي!
زجرها ساري بتأنيب قبل أن ينظر إلى فؤاد ويهتف:
- هيّا يا فؤاد لنذهب الآن.

ضمها فؤاد الى صدره وهمس مطمئنًا بصوت خافت لا يسمعه غيرها:
- سيكون بخير غزالة.. لا تقلقي وانا موجود!
ثم استطرد:
- يجب أن أذهب الآن.. الرجال سبقونا وخرجوا.. فقط أتيت لأدعك تعرفين انني مهما حدث سأبقى بجانبك وبجانب عائلتك.. لذلك لا اريد أن أرى أي دمعة تسيل على هذا الخد الجميل.. حسنًا غزالتي؟

هزت رأسها وهي تبتعد عنه بينما ذعرها على شقيقها يهدأ ويخف بسبب وعده زوجها لها.. خاصةً أن زوجها ليس اي احد! زوجها ابن قاضي القبائل كلها.. ما دام قال كلمته فهو سوف يفي بها دون أي شك!

بقيت ياقوت تراقبهم جميعًا بهدوء لم يتزعزع إلا حينما دنى منها ساري.. بادلته نظراته القوية رغم الخوف الذي يسكن روحها.. وإرتدت خطوتين الى الخلف عندما حاول أن يمسك يدها..
إرتسمت ابتسامة خفيفة على ثغره قبل أن يهز رأسه بمعنى غير مفهوم البتّة ويقول ثم يخرج:
- سأعود.. انتظريني!

أحست بإختناق رهيب وهي تشاهد خروجه برفقة فؤاد.. إحساسها كان يطغي عليه الرعب.. اذا عاد لن يرحمها وإذا لم يعود لن يرحمها احد من قبيلته..
تفاقم احساسها المرير وعيناها تنطق بالعجز والاستسلام فور اقتراب والدته هدية منها:
- أتفهم كرهك لابني ولتصرفاته التي انا نفسي لم ارضى عنها.. اتفهم مقدار المك ووجعك الذي سبّبه لك.. أتفهم حقدك عليه وعلى الجميع.. ولكن أن تشهدي زورًا شهادة ستحاسبين عليها يوم الحساب هذا ما لم اتوقعه ولن اتقبله منك! لو مات بسبب شهادتك كذبًا وزورًا كيف ستهربين من رب العباد؟! انت بهذه الطريقة ليس فقط ستخسرين زوجك يا ياقوت بل ستخسرين اخرتك! ما فعلته ليس هيّنًا أبدًا.. واتمنى أن تدركي ما فعلتِ وتستوعبي مقدار ذنبك بشهادتك هذه!

وكأنها صفعتها دون رحمة بكلامها فسرعان ما كانت تبتعد اكثر واكثر وهي تستوعب انها خسرت آخرتها بسببه.. لن ترتاح في الدنيا ولا في الآخرة على ما يبدو..
انزلقت دموعها على خدّها دون أن تنتبه بينما غزالة تغمغم:
- أمي دعيها.. لا يحق لأحدنا أن يلومها!

تنهدت هدية قبل أن ترمق بآسى ياقوت التي بدت طفلة يتيمة مسكينة بكل ما للكلمة من معنى وهي تنظر إليهن بعينين واسعتين باكيتين.. ثم قالت:
- لا اقصد أن اقسو عليكِ فيشهد الله انني اعتبرك بمثابة ابنتي ولا يهون علي أبدًا ان يؤذيك ابني.. ولكن...!
انهمرت دموعها وهي تسترسل:
- ولكن ساري طفلي ايضًا.. اذا مات سأموت بعده! انا أم رغم كل شيء.

عشق ليس ضمن التقاليدWhere stories live. Discover now