الفصل الثالث وعشرون

Start from the beginning
                                    

حينما لمست والدتها جسد ياقوت لتساعدها على الاغتسال هزت ياقوت رأسها بقلة حيلة وجسدها يختض بذعر جعلها تختنق دون هوادة..
- لا.. لا.. دعوني.
كانت ياقوت تتمتم بهذه الكلمات بينما دموعها تسيل وتسيل وكأنها لا تتوقف..
تطلعت إليها والدتها لتساعدها فإقتربت غزالة مترددة لتجلس بجانبها على السرير وتغمغم بحنو:
- ياقوت يا قلبي لن يقترب منك اي احد.. لن اسمح لأحد أن يؤذيك.. فقط ساعدينا لنأخذك الى الحمام.. انت بأمان الان.. لن اسمح له أن يعود.

اغمضت ياقوت عينيها بقوة وهمست بإختناق:
- اريد ان اموت.. متى سألحق به؟!

استشرست الغصة القابعة بحلقها وأخذت تلعن شقيقها بسرّها على ما تسبب به فقالت محاولة أن لا تنهار هي الأخرى:
- لا سمح الله يا روحي.. أن شاء الله عمرك طويلًا.. استغفري الله ودعيني اساعدك.

بمساعدة والدتها الباكية بصمت انهضت ياقوت عن السرير لتكتم شهقتها بصعوبة ويشحب وجهها وهي تبصر بوضوح همجية شقيقها على خريطة جسد ياقوت المنهك.. كرهته.. حقًا كرهته ولا ترى به الان سوى معتصم الفهدي.. لا يختلف عنه بأي شيء..
حاولت بصعوبة أن تقصي تلك الذكريات الأليمة بعيدًا فهي لا تريد أن تتذكر اي شيء عن ماضيها القاسي.. وبإرتجاف أدخلت ياقوت الى الحمام لتساعدها على الاغتسال بينما تتوعد ساري حينما يعود..

*******************
بعد أن عاد قسورة بزوجته الى منزلهما اتخذت خنساء لنفسها مساحة خاصة في إحدى غرف المنزل لترثي موت شقيقها احمد بأريحية اكثر.. كانت صدمتها تفوق اي شيء آخر.. وقسورة الذي يشعر أن الدنيا كلها ضاقت به لم يعرف كيف يتعامل مع حزنها ويخفف عنها..
فإذا كان هو نفسه متأثرًا لهذا الحد بموت ابن عمه أحمد كيف سيكون حال خنساء العاطفية الرقيقة التي خسرت شقيقها المفضل المميز بكل شيء؟!

كانت الصدمة تعتصر روحها دون هوادة.. تمتص تفكيرها العقلاني فتهيج من قساوة لذاعة لسانها.. لم تكن عائشة وحدها من عانت من لوم خنساء الشرس بل والدة ياقوت أيضًا تحملت نوبة انهيارها الشرسة ولومها انها السبب بحزن احمد وياقوت بتجاهلها وقسوتها عليهما!..
والان... عندما إختلت بنفسها اخذت تعض أصابعها ندمًا على لومها لعائشة التي كان انهيارها تقريبًا يفوق انهيار جميع نساء القبيلة.. لا تستطيع أن تنسى كيف فقدت الوعي وهي تتهمها وشقيقها بقتل احمد.. ولكن ساري عدوها واي شيء له علاقة بأذية احمد ستجد نفسها تتهمه هو رغمًا عنها لأنه سبب تعاسة شقيقها وابنة عمها ياقوت..

لساعات بقيت خنساء لوحدها وترك قسورة لها كامل الحرية كما كانت تحتاج صدقًا.. دون أن يعيق قوقعتها هذه.. فقد كان بحاجة هو الآخر ليلملم أفكاره ويفكر بكل مصائب القبيلة وبمن قد يكون قاتل احمد..
انتظرها أن تخرج بنفسها من دوامة الحزن العميقة التي تحيط نفسها بها الا انها لم تفعل فاضطر أن يفعل هو..
حالما دخل إليها كانت تكتب ودموعها تسيل.. تكتب بمشاعر صادقة فاجتعها..

عشق ليس ضمن التقاليدWhere stories live. Discover now