الفصل السادس (الجزء الثاني)

49.9K 1.8K 203
                                    

كنتُ لكَ قربانًا، يداوي
جراحك ويبلسمها بدمعة
أو آهة كما توهمت..
كنتُ لكَ بسمة، تمرّ
للحظة وتستقر على ثغرك
فتنسيك نفسك وما تبغى..
كنتُ لكَ مستقرًا
أبديًا تبجس خواطرك
المتبعثرة والمشتتة فيه..
كنتُ لكَ يا خفقة
مؤلمة وما كنتَ لي!..

-------------------
رفرفت برموشها غير قادرة على استيعاب ما تفوهت به هذه الكائنة التي تضمها بحنان غريب! معتصم لم يفعل بالتأكيد ما قالته.. متى كان هذا الكلام؟ كيف لا تدري؟ كيف؟!! تكاد تجن من نوبة انفعال افكارها.. ما هذا الظلم؟ ما هذه الحياة التي تحياها اناث هذه القبائل؟!

ابتعدت ياقوت عن هدية وحدجتها بنظرات مذهولة مصدومة ودموعها كانت كافية لتحكي عن مرارة ما تعانيه في هذه اللحظة فتنهدت هدية وهمست بحزن:
- لا تذكرين.. أليس كذلك؟ كنتِ صغيرة بالتأكيد حينها.. هذه الحادثة كانت قبل ستة سنوات.. كنتِ صغيرة يا ياقوت.. طفلة!

غمغمت ياقوت بعذاب:
- معتصم متزوج الآن! هو متزوج بعد ان..
صمتت غير قادرة على التفوه بالمزيد.. أيّ حروف ستعبّر عن الألم الذي يجوش في صدرها ويحرق قلبها؟!

- أين هي؟ غزالة.. أين.. أين هي؟
سألتها ياقوت بحيرة موجعت ثم تابعت بتساؤل خائف:
- هل.. هل ماتت؟

- لا!
ردت هدية لترحمها من الأفكار التي تراود عقلها فتنفست ياقوت الصعداء وأمسكت يد هدية وقالت بلهفة:
- اذًا اين هي خالتي؟ كيف لم اراها؟

ابتسمت هدية بآسى وشوق لابنتها التي لم تراها منذ فترة طويلة:
- ليست هنا.. بعد ما حدث بسنة أرسلها زوجي لتعيش بقبيلة ثانية عند شقيقتي.. كان يجب ان تنتقل أو ان تهرب اذا صحّ التعبير من هذه الأجواء التي كانت تؤثر عليها.. كلام الناس.. موت طفلها.. طلاق شقيقك لها والمشاكل التي حدثت.. لقد تأثرت كثيرًا وكدت أخسرها فاقترحت أمي رحمها الله ان نبعدها عن القبيلة.. ما حدث لها لا يُغتفر يا ياقوت!

هزّت ياقوت رأسها بنفس وهي تتمتم بجنون:
- وما ذنبي انا ان أتحمل اخطاء غيري؟! لقد كنتُ صغيرة جدًا حينها.. كنتُ طفلة ألعب في الطرقات ولا أفقه أيّ مما يحدث! هذا ظلم! انه لظلم مؤلم!

تطلعت فجأة الى هدية وهدرت بعصبية مقهورة:
- لماذا فعل معتصم هذا الشيء الشنيع بها؟ لماذا؟ ماذا فعلتم لنا ليكون بلا رحمة بهذه الطريقة؟ ما هو السبب لتستمر النساء بتحمل اخطاء الرجال وتعاني؟ ما هو ذنبي وما هو ذنبها؟!

- اهدأي يا ياقوت!
هتفت هدية بحزم فصرّخت ياقوت بغضب:
- أيّ هدوء هذا الذي تطالبيني به؟ وكأنك قلتِ لي ما فعله معتصم بغزالة لتزيدي من قهري والمي! لن أسامح ابنك بعد الذي عرفته.. لن اسامحه ابدًا! كيف أسامحه وأتقبل كوني الضحية الذي يثأر بها لشقيقته؟ كيف أتقبل يا الله؟ سأفقد عقلي!

ابتعدت هدية عنها ثم وقفت وقالت بهدوء رغم تأثرها ببكاء ياقوت وصراخها:
- ما حدث قد حدث.. لن نقدر على تغيير الماضي ولا الحاضر!

عشق ليس ضمن التقاليدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن