خلافات و كوب قهوة

3K 290 24
                                    

نظرت نجمة للكوب الذي أمامها بملل ان القهوة رديئة جداً و بلا طعم. أجل ان كوب القهوة أحياناً يشبه السماء في الليل أجل صحيح الرغوة التي فوق القهوة، هنا كوكبة العذراء و هناك الأرنب و هذا الجبار و اخيراً الجاثي على ركبتيه، انها اول كوكبة اهتمت نجمة بدراستها حدثتها أمها مطولاً عن تلك الكوكبة.
"هل تسمعينني يا نجمة؟!"
"آه أجل سيدة جليلة" أجابت نجمة بتوتر
انها هنا في زيارة للسيدة جليلة منذ ساعة، و لكن لا تزعجها الثرثرة المطولة او القهوة الرديئة، انما نظرات تلك الفتاة التي لم تتوقف نظراتها لها منذ ان دخلت، ابنة علاء الدين السعيدي تدعى وردة، تحدثوا عنها سابقاً انها في مثل عمر نجمة و معها فتاتان في مثل عمر نجمة لم تعرف نجمة من يكن و لم يكن أحد همومها، لم تفهم نجمة نظرات الفتاة لها، في السابق لم تكن معجبة بوالدة وردة هذه و لكن اليوم انها لا تستلطف ابنتها
"هل الخلل فيني ام أن الناس هنا مستفزون؟!" فكرت نجمة في نفسها، لم تستطع نجمة ان تكون الصداقات شعرت بزيف الكثيرات اما الجارات و هن سيدات بعمر والدتها لو كانت على قيد الحياة او حتى أكبر، و جميعهن يتقربن إليها بسبب منصب والدها المهم.
"كيف هي أحوال الوالد يا نجمة كيف هو جرحه!؟" سألت احدى الجارات
"انه بخير" قالت نجمة بلطف
انه بخير و لكن يحتاج للراحة مضت عشرة أيام منذ ان أصابه ذلك الجرح و هو يهمل نفسه و لم يستمع لنصائح نجمة، و لا يقبل بتغيير الشاش او بوضع المرهم الا بعد اصرارها الشديد عليه و حتى انه قرر انه لم يعد بحاجة للعلاج ، و هناك ايضاً طالبه الغريب الذي يلازمه كظله المزعج المستفز في نظر نجمة سلطان الهلالي، انها لا تحبه و لا تريده قرب والدها، ترى على وجهه الخبث الذي لا يميزه أحدٌ غيرها، ربما عزلتها عن الناس لسنوات جعلها ترى جيداً معادنهم.
"يا لكِ من فتاة صالحة، انكِ تحملين عبئاً يفوق عمركِ يا ابنتي ليت بناتنا مثلكِ" قالت احدى الجارات
نظرت إليها نجمة بإستغراب هل نجحت في إتقان دور الفتاة المطيعة لتلك الدرجة ام انها غدت واحدة!؟ فمنذ إصابة والدها لم تذهب سوى مرتان لدار العلم الكبير، انما فضلت ان تبقى في البيت تهتم ببحوثها و بعملها المنزلي و اخيراً بوالدها.
"اوه تحدثي عن بناتكِ يا سيدة راضيه، اما أنا فإبنتي هي شيخة البنات كلهم" قالت احدى السيدات بفخر
نظرت نجمة للسيدة و بعدها ادارت نظرها للفتيات الثلاث وردة و حليفاتها كما سمتهن نجمة،وجدتهن يقهقهن بصوت منخفض حيث اخفضت احداهن رأسها بخجل مصطنع
"فعلاً فإبنتي وردة و حنان ابنة سلمه و سما ابنة بسمه كلهن يقمن بواجباتهن على أكمل وجه" قالت السيدة مريم بدفاع مستميت
نظرت نجمة للمشهد الغريب أمامها، تخيلت لو ان والدتها هنا هل ستدافع عنها بحماقة مثل هؤلاء السيدات.
"صحيح ان ابنتي تصنع افضل عصير رمان قد تذوقونه في حياتكن" قالت السيدة بسمة
"و انا ابنتي حنان تستيقظ كل يوم قبل شروق الشمس لتنظف الحديقة الداخلية" قالت السيدة سلمة
شعرت نجمة بشعور مضحك، انهن يتباهين ببناتهن و كأنهن ربات بيت صالحات للزواج و يحبن الطهي و التنظيف، ضحكت في دخالها، انها لا تقوم بتلك الأمور حباً بتلك الواجبات بل انها قبل وصولها للعاصمة كانت مدللة لا تضع يدها في أعمال المنزل ففردوس دللتها من ذلك الجانب و لكن حينما وصلت هنا شعرت انه واجبها اتجاه والدها ، فأعمال المنزل ليست اسهل شئ و لكن مع الإعتياد يصبح امراً سهلاً، و كما ان أعمال المنزل تساعدها على التفكير و التركيز فالكثير من الأفكار تأتيها و هي تكنس او تطهو.
" نجمة هل حقاً ليست لديكِ خادمة في المنزل!؟" سألت وردة
"أجل" أجابت نجمة بهدوء
" حقاً اذاً لم يكن لديكِ خادمة يوماً حتى بعد مجيئكِ إلى هنا ، لا يعقل فأنت ابنة قاضي القضاة" قالت وردة
" في الحقيقة حينما كنت في بر زيان لم أكن أقوم بأي عمل كانت تعتني بس فردوس" قالت نجمة
" حقاً، هذا غريب اذاً ما الذي جعلكِ تغيريين طريقة حياتكِ فجأة" قالت وردة
" ربما يجب ان نفتش المنزل قد نجد خادمة مخبأة في السرداب" تدخلت سماء بخبث
"توقفي سماء لا تضغطي على الفتاة المسكينة" قالت وردة بخبث و هي تضحك
" ربما فكرت انها قد تجد زوجاً ان فعلت ذلك" أكملت حنان
"اوه عزيزتي نجمة ان كنتي تبحثين عن زوج فكونكِ ربة منزل لا يكفي يا حلوتي " قالت وردة بخبث
"سأتفق مع ابنتي في هذه النقطة، يجب ان تكوني سيدة راقية و رقيقة و أنيقة تماماً" قالت السيدة مريم
نظرت إليهن و هي تشعر بغضب عارم بالطبع لم يكن من طبع نجمة ان تصمت او ان تبقى الكلمة في حلقها، "حمقاوات" قالت في نفسها و ابتسمت ابتسامة جانبية.
"و هل ينقصني شئ مما ذكرتيه يا سيدة مريم!؟ ففوق جمالي و أناقتي هو فطنتي و رقتي و فوق كل ذاك اسم ابي و مكانته و قربه من سيدي السلطان بهاء الدين" قالت نجمة بفخر و أكملت بإبتسامة جانبية:" هل تستطيعين ان تنكري ذلك يا سيدتي!؟"
رحن كل الحاضرات ينظرن لنجمة بإستغراب ان ردها جرئ جداً لفتاة في مثل عمرها، و لكن نجمة واثقة من نفسها كثيراً و ثقتها احياناً قد تصل للغرور و كان كلامها هذا فقط لتلجم السيدة مريم و ابنتها المغرورة و الفتاتان الحمقاوتان تابعتا وردة
"و لكن مؤسفٌ عليكِ فأنت بلا أم " قالت وردة و هي تحتضن ذراع والدتها
"و هل يعاب المرء بيتمه يا حلوتي!؟ هل تعترضين على قدر رب العالمين!؟" قالت نجمة بسرعة، لم تؤلمها تلك الكلمات فقد كان موت والدتها موتاً هادئاً مسالماً، فقد كانت مريضة جداً و موتها متوقعاً فقد أكد الحكيم ذلك لهم "لا امل لشفاؤها ادعوا لها بحسن الخاتمة"، أخبرها والدها ان تسلم الأمر لرب العالمين سبحانه فكل ما يحدث هو حكمته، أسلمت والدتها الروح لبارئها بهدوء نطقت بالشهادة، و أوصت نجمة ان تكون ابنة مطيعة و لا تزعج والدها، و أوصت والد نجمة ان يعتني بنجمة و ان يتزوج من بعدها، و لكن لم يستطع الى هذا اليوم السيد جمال ان يتزوج من بعد وفاة زوجته. و لذلك كانت نجمة مؤمنة ان وفاة والدتها هو قدر رب العالمين ولا تستطيع الإعتراض.
"عفواً يا سيدة جليلة يجب ان اذهب الآن" قالت نجمة بخبث و هي تدعي الحزن و في داخلها تشعر بالإنتصار
"ماذا!؟ ارجوكِ يا ابنتي لا تحزني ان الآنسة وردة لم تقصد ما قالته" قالت السيدة جليلة بسرعة و بقلق و اكلمت و هي تنظر للسيدة مريم:" أليس كذلك يا سيدة مريم"
نظرت السيدة مريم لإبنتها بإنزعاج و ليس لأنها استائت من كلمات ابنتها بل لأنها استائت لظهور فتاة تنافس جمال ابنتها، فقد امضت عقوداً و هي تروج لأسطورة جمال ابنتها الذي لا يقاوم.
"يا سيدة مريم!؟" قالت السيدة جليلة بتحذير
"لا بأس يا سيدة جليلة ان احترامكِ لي يكفيني،فعلاً انني مشغولة و يجب ان اذهب"
"ارجوكِ اعتني بنفسكِ يا ابنتي" قالت السيدة جليلة بحزن
خرجت نجمة من هناك و هي تشعر بالإنتصار و بالحرية و في داخلها ترقص فرحاً فبعد ذلك الإنتصار الساحق قررت ان تزور دار العلم الكبير لتحضر درس المعلم محمد ابن الأحمر، و بعدها تعود لتعتني بوالدها.
وفي مجلس السيدة جليلة انتقلت عيون الجارات للسيدة مريم و ابنتها الوقحة و تابعاتها قليلات التهذيب، لم تتحدث و لا واحدة عن الأمر و لكن شعرت السيدة مريم بإمتعاضهن، كانت غاضبة جداً فقد تخيلت و هي و ابنتها انها حينما تهين تلك الطفلة المسكينة يتيمة الأم ستصمت او ستغادر بهدوء ودون افتعال اية مشكلة لم تعلم هي ابنتها ان هذه نجمة الفخورة رأسها اقوى من الحجر لن ترضى على نفسها كلمة سوء.
وصلت نجمة لدار العلم الكبير بزي نجم و بهدوء انسلت بين الطلاب و راحت تركز في درس المعلم محمد ابن الأحمر.

نجمة و المخادعWhere stories live. Discover now