ذئب الجبل!

3.6K 272 49
                                    

استيقظ سلطان صباحاً على أشعة الشمس التي اقتحمت داره بلا خجل، كانت تلك غفوته القصيرة بعد صلاة الفجر، فقد تذكر ما حدث مع المعلم جمال في الليلة التي تسبق الماضية كان امراً فضيعاً من هذا صاحب القلب الأسود الذي قد يرغب بإيذاء السيد جمال الرجل الطيب المثال للأخلاق الرفيعة و الصدق و الأمانة!؟

أجل هو السبب و إن لم يكن بشكل مباشر، لقد أخبر الأحمق جاسر أن يقوم بالمهمة فهو قاطع طريق كان فقط سوف يثير فوضى بسيطة في المحكمة، لماذا قام بالتعاون مع أحد آخر!؟ لقد كانت خطوة تافهة من طرفه، لقد إعتاد ان يعمل لوحدة، المرة الوحيدة التي قرر ان يقحم احداً في خططه انقلبت الأمور و تبعثرت، فهو لم يكن يريد ان يؤذي السيد جمال، فهذا الرجل مهم جداً لسلطان، فهو قاضي القضاة و مقرب جداً للسلطان بهاء الدين، كما ان للرجل مكانة عالية فوجوده بجانبه يعني الكثير الآن فهو المفتاح لأهدافه.

يتذكر حينما وصل إلى هذه المدينة كان مجرد طفل في الثامنة، فقد كان بلا مأوى فقير و معدم و وحيد و خائف و لكن في نفس الوقت كان قلبه ملئ بالحقد و الغضب نظراته لم تحمل تلك البرائة الموجودة في عيون الأطفال، لطالما كان كالدئب منذ صغره إلا أنه كان ذئباً وحيداً لم يكن مع قطيع. راح يتثائب بكسل و هو يشعر بوحده لا يحب الإعتراف بها و هو في هذا المنزل الشاسع الموحش و الذي يعيش فيه لوحده مع خادمه الصغير بدر. فالوحدة باتت جزء من تكوينة شخصيته و شكله و الذي يوحي بهذه الوحدة الحزينة.
"سيدي الفطور جاهز" قال الطفل الذي لا يتجاوز التاسعة
"لست جائع" قال سلطان بهدوء و هو يغلق أزرة قميصه
"و لكن....!" قال الغلام بقلق
"يجب ان اذهب لمنزل معلمي فقد تأخرت" قال الشاب و هو ينظر لنفسه في المرآة و هو يقوم بلف عمامته.
بالرغم من ان سلطان لم يهتم يوماً بأحد سوى بنفسه إلا ان بدر كان بالنسبة له حالة استثنائية لم يكن يهتم به و لكن كان في مواضع كثيرة يذكره بنفسه طفل يتيم وحيد ينظر له المجتمع نظرة دونية بلا مأوى او طعام، هكذا وجده سلطان يجوب الشوارع بحثاً عن طعام منذ عاميين، انقذه من ذلك الضياع المهين و في قرارة نفسه لم يرد له ان يعاني في هذا المجتمع القذر كما هو عانى في طفولته.
القى نظرة سريعة على نفسه في المرآة للمرة الأخيرة و تذكر وصية والدته الأثيرة :" انتقم لأمك! يا سلطان و انتقم لنفسك!"
طول تلك السنوات منذ ان كان في الثامنة حركته تلك الكلمة كانت له مفتاح الإصرار و المثابرة، بنى نفسه بنفسه، فبعد ان كان بلا مأوى عمل بكل الطرق الشريفة و لكنه اعتند و بشكل كلي على الطرق الغير شريفة ليصل، سرق و كذب و خدع و باع و اشترى.

كان بصريح العبارة قاطع طريق، و اخيراً و بعد كل ذلك استطاع ان يحصل على منزل محترم في حي محترم خاص به، هل هو مرتاحٌ هكذا!؟ هل ينام الليل و باله صافي!؟ لا! ليس لتأنيب الضمير بالتأكيد فهو حقيقةً في حياته لم يعرف الخير بل انه يعتبر الطيبة غباء و سذاجة، فهو غير مرتاح لأنه لا يزال في بداية الطريق ليصل لأحلامه، فهاهو اليوم يتصرف كالسادة الأثرياء كما حلمت والدته، ولكن لا يقف حلمه او حلم والدته عند الجاه و المال فقط انما لأشياء اخرى اهداف اعلى و اكبر.

نجمة و المخادعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن