قلعة سالم... و خطط نجمة

4.3K 353 50
                                    

و من فوق جملها راحت تختلس النظر للداخل لم ترى جيداً ما بالداخل و لكن شعرت بأن في الداخل حياة أخرى، كانت تشعر بفضول فضيع لترى ما بالداخل و لكن كبريائها منعها من أن تشبع ذلك الفضول فإرتدت قناع اللامبالاة.
كانت تحاول ان تذكر نفسها بكل جهد:" لا تنبهري يا نجمة هذا المكان بشع، ابشع من اي شئٌ في العالم"
و اخيراً دخلوا بقافلتهم في المدينة، توقفت القافلة قليلاً و ترجل والدها عن جمله.
"مرحباً أيها القاضي، هل عدت من رحلتك المعتادة" قال أحد الحراس و الذين وقف منهم على البوابة و توزع البعض الآخر في أرجاء المكان.
"أجل و يبدو انني لن اضطر للرحيل كثيراً مجدداً" قال السيد جمال
"حقاً! هذا جيد فنحن نحتاجك هنا" قال الحارس بصدق و مرح
راحت ترمق نجمة الحارس بإنزعاج فقدشعرت ان كلامه مسها شخصياً، هل هذا يعني انها من كانت تقف في طريق تحقيق العدل في هذه المدينة البائسة؟! لقد كانت ظنون نجمة خائبة فوالدها لم يكن فقط قاضي على قلعة سالم انما كان قاضي القضاة اي انه كان يرأس جميع قضاة ماهستان بأكملها، فنجمة لم تكن تعي أهمية منصب والدها، لم يكن عمله سهلاً يوماً، فقد كان يعمل بجد في النهار و في الليل يسهر و هو يفكر ان كان قد ظلم أحدٌ في آخر اليوم و يبقى يدعي ربه ان يثبته على الحق و ان لا يكون ظالماً في حق أحد.
تحركت قافلتهم أخيراً و هذا سمح لنجمة لترى المدينة عن قرب أكثر، كانت مبهرة، بالرغم من ان نجمة وعدت نفسها ان لا تنبهر بهذه المدينة البائسة في نظرها إلا انها رغماً عنها انبهرت، فعلى المباني و البيوم البنية الرملية اللون تناثرت ألوان عديدة تزينت بنقوش مبهرة، و هم في طريقهم لمنزل والدها، كان لها نصيب لرؤية الجامع الكبير و الذي ابهرها صنعة و طول منارته و اصطفاف الناس للدخول فيه، كما انها مرت من ساحة توسطتها نافورة مبهرة الصنع، و لم تكن تلك النافورة في حديقة السلطان او في قصره انما في وسط المدينة و قد تجمع عليها بعض الناس لشرب الماء منها، فقد تزودت المدينة بمياه نظيفة تأتي من الجبل و تم العمل عليها بهندسة مدهشة لم ترى زهرة في حياتها شئٌ كهذا.
أما السوق فكان من اجمل ما رأت فقد راح البائعون يبيعون منتجاتهم بشكل ظريف فكل واحدٌ كان يلقي بيت شعرٌ ليبيع منتجه و يرد الآخر ببيت أقوى ليهزم الأول، كانت رائحة القهوة و العطور حاضرة، فقد انبعثت رائحة القهوة من المقاهي و التي كان وجودها كبيراً و اما العطور فمن المحلات ،اما لباس الناس كان راقي و جميل، فقد تزينت النساء بملابس جديدة عليها،فقد كن النساء فوق أثوابهم الفضفاضة، ارتدوا شالاً طويلاً يغطي رأسهن و جسدهن فبان شئٌ من شعرهن و بعضهن ارتدين اسفل الشال ما يشبع العمامة ليغطي شعرهن جيداً و بعضهم قمن بتغطية وجهوهن و أسفل أثوابهن سراويل ملونه، فقد تزينَّ بالحلي الذهبية و بالأحجار الكريمة، و كن الكثير منهن يرتدين الخلاخيل في اقدامهن ، فحينما رأت نجمة لباسهن تمنت لو انها ترتدي مثل هذه الثياب و لكن لم تعترف بذلك فقد كان هذا خاطرٌ سريع
فقالت و لتخفي انبهارها:" ما بال النساء هنا لا يغطيين شعرهن بشكل جيد و ما بال خلاخيلهن؟!"
ربما كانت محقة في ذلك ففي المدينة اختلفت اشكال الناس و الوانهم، و اختلفت عقائدهم و مذاهبهم.
"نجمة عزيزتي لا تحكمي بالظاهر، ثم ان لم يعجبكي مظهرهن ادعي لهن بالهداية" قال والدها بلطف
كانت تدرك نجمة مدى انزعاجها فهي ستخرج اي عيب حتى ان كان تافهاً لكي لا تعترف انها فعلاً وقعت في حب قلعة سالم و لكن فقط في قرارة نفسها، هذا و هي لم تتجول في المدينة بعد و ترى مدى جمال أزقتها، و لكنها لاحظت وجود أشجار البرتقال و الليمون و الزيتون و التي كان وجودها بكثرة في المدينة.
و اخيراً توقفت قافلتهم عند احد البيوت و بدى هذا البيت متواضعاً و لكن بدت الفخامة على بابه فقد كان البيت بلون أبيض و حمل الباب البني رسومان هندسية جميلة، ترجلت عن حصانها و كذلك فعل والدها راح والدها يفتح قفل الباب، دخل و لحقت به و اخيراً وقع نظرها على حديقة مبهرة صغيرة في وسطها نافورة صغيرة تزينت بأجمل مويازيك باللون الأزرق، و توزعت فيها انواع من أشجار البرتقال و كروم العنب و فيها جلسة صغيرة خارجية،و على هذه الحديقة الداخلية كانت تطل الغرف ، ففي الأسفل كان هناك مطبخ و غرفتيين للضيوف
"تعالي للأعلى لتري غرفتكِ" قاا والدها بحنية
"حاضر" قالت نجمة
و في الأعلى كان هناك ثلاث غرف، احداها لوالدها و احداها قام والدها بتحويلها لغرفة دراسة، و اخيراً غرفة ثالثة و قد كانت غرفتها
فوجدتها انها كانت مجهزة بشكل لطيف لأجلها خصيصاً، فقد كان هناك سريرٌ من خشب فاخر بعرشة ينزل منه شيفون أبيض رقيق و يتزين بأشكال أزهار جميلة، بينما تزينت أرضية الغرفة بسجاد فارسي برسومات كثيرة بدى لها متقن الصنع، كانت هناك مكتبه صغيرة فارغة و طاولة دراسة، و ايضاً خزانة كبيرة نوعاً ما فوالدها لم ينسى شغفها و ان كان معترضاً على اهتمامها الزائد به و اهمالها للأمور الأخرى و تسريحة و مرآة طويلة تربعت بجانب السرير كان للغرفة شباكان يطلان على الحي.
" لقد كنت تخطط لإنتقالي لهنا منذ زمن طويل" قالت نجمة لأبيها بعتاب
"أجل كنتِ ستنتقلين معي لولا انكِ هددتني " قال والدها بإنزعاج
"لم أقصد ذلك" قالت نجمة بخجل و أكملت:" اريد ان اذهب للسوق"
"السوق؟!" قال والدها بصدمة
"أجل فما دمت أنا موجودة هنا فأنا سأنظف البيت و سأطهو الطعام و سأعتني بك" قالت نجمة بحماس بينما تدور في عقلها أفكار اخرى.
"هل انتِ متأكدة من ذلك يا ابنتي؟" قال والدها بشك
" أجل لقد تعلمت على يد فردوس الكثير" قالت نجمة بفخر
الحقيقة لم تكن نجمة تجيد أعمال التنظيف او الغسيل او حتى الطهي و لكنها كانت تتعلم بسرعة و بنظرة واحدة للشئ تستطيع اتقانه، و كانت قد راقبت فردوس لساعات و هي تغسل الثياب او حتى تطهو الطعام او تنظف المنزل في اوقات مللها حينما يتعب عقلها من الدراسة.
"حسناً ما دمتِ بهذه الثقة و لكن ان فشلتي في مهمتكِ هذه سأطلب من السيدة ماجدة ان تأتي لتساعدكِ" قال والدها بتهديد
" السيدة ماجدة!؟"
" أجل انها الخادمة التي كانت تأتي أحياناً لتنظف المنزل و تطهو الطعام لي و التي ستدلكِ على السوق فأنا لدي عملٌ كثير و يجب ان اذهب في الحال"
عز ذلك على نجمة كثيراً فقد شعرت بتأنيب الضمير لأنها تركته كل تلك الفترة و لم تعتني به كما يجب.
بدأت بعملها و راحت تتعبث في المنزل، لتكتشف ما فيه و خصوصاً المطبخ، فيما بعد اتجهت لأشياؤها التي حملتها فراحت ترتب الأشياء، كانت تشعر بشئ من الحزن لأنها لم تكن تملك مرصد صغير كالسابق فهنا المساحة أصغر و المباني تغطي عليها رؤية السماء بشكل جيد.
بعدما فرغت من ترتيب أشيائها و أشياء أبيها، راحت تتجول في أرجاء المنزل، فوجدت باباً لم تكتشفه من قبل و فتحت الباب و اذا بهواء قوي يضرب وجهها بقوة، و اخيراً وجدت ان هذا الباب يأخذها للسطح، كان السطح فارغاً مليئاً بالأتربة و لكنه كبير، كانت لا تزال بعض المباني تحجب الرؤية قليلاً و لكنها وجدت في المكان روعة، فقد بدت قلعة سالم أجمل من هنا و السماء أقرب من هنا و انسب بالنسبة لنجمة، عزمت على انها ستنظف هذا المكان ليكون مخبأها الجديد.
"آنسة نجمة آنسة نجمة" كان صوتٌ أنثوي يناديها
"ما الأمر يا فردوس؟!" صرخت نجمة بحماس
و بعدها تذكرت ان فردوس ليست هنا، تنهدت بضييق. نزلت بسرعة من مقرها الجديد، و راحت تطل من الشرفة المطلة على الحديقة الداخلية وجدت امرأة طويلة ضعيفة في بداية الخمسين من عمرها تناديها
"أنا هنا"ردت نجمة بعدما نزلت للسيدة
"اوه اذاً انتي ابنة السيد جمال" قالت بإنبهار و اكملت:"انا ماجدة لقد طلب مني السيد جمال ان ادلكِ على السوق"
"حقاً" قالت نجمة بحماس و اكملت:" سررت بلقاؤكِ"
"انتظركِ هنا غيري ملابسكِ" قالت ماجدة بلطف
بسرعة ركضت نجمة لتغير ملابسها فإختارت ثوباً طويلاً بلونٍ أزرق غامق و راحت رفعت شعرها، و غطته بوشاح بني.
خرجت مع السيدة ماجدة للسوق و راحت تطرح عليها الكثير من الأسئلة.
"اذاً السوق من هنا؟!" سألت نجمة
"أجل"
"ما هو أقرب مسجدٌ من هنا؟! غير الجامع الكبير لقد رأيته في طريقي من هنا"
" هناك مسجد السلام انه على اليمين من هذا الزقاق" قالت السيدة ماجدة و هي تشير للزقاق
"و ماذا عن بيت العدل!؟ انه مكان عمل والدي صحيح؟!"
"أجل" قالت ماجدة و اكملت :" و لكنه يقضي الكثير من وقته في قصر السلطان ايضاً يحتاجونه هناك فكثير من الناس يلجأوون للسلطان بهاء الدين السليماني، ان بيت العدل يقع خلف الجامع الكبير"
"اوه حقاً" قالت نجمة بإنبهار كاذب و اكملت:" و ماذا عن المدارس هنا؟"
"في قلعة سالم هناك ٢٤ مدرسة و خانكاه(١) و ايضاً هناك ٥ منها للفتيات فقط و لكن مع الأسف اهتمام الفتيات بالعلم قليل" قالت ماجدة بأسف و اكملت:" و لكن اكثر ما نفخر به هنا هو كثرة مدارسنا و الصروح العلمية مثل دار العلم الكبير و بيمارِسْتانة(٢) السلطان بهاء الدين، ايضاً بيت رصد قلعة سالم"
"هذا رائع و أين تقع مكتبة دار العلم الكبير؟!" سألت نجمة و هي تتحرق شوقاً لتعرف
" اوه المكتبه انها في الناحية الشمالية من خلف السوق يجتمع فيها أغلب المفكريين و العلماء و طلاب العلم" قالت ماجدة و هي لا تعلم بمخططات نجمة
" حقاً و بيت الرصد؟!" سألت نجمة بحماس
"ان بيت الرصد يقع في أطراف المدينة من الناحية الشمالية في منطقة مفتوحة بعض الشئ" قالت ماجدة
كانت نجمة في داخلها ترقص فرحاً ففي عقلها كانت تدور الكثير من الخطط فقد كانت تنوي امراً و لن يردعها أحد.
" سيدة ماجدة اريد ان اتعرف على جاراتي الجدد و القي عليهم التحية كوني الساكنة الجديدة و ادعوهم لمنزلنا، هل تساعدني بذلك؟!" قالت نجمة بحماس
"بالطبع يا صغيرتي سأكون سعيدة بذلك" قالت ماجدة بحماس
"كما اريدكِ ان تدليني على سوق القماش فملابسي باتت قديمة سأحتاج لملابس جديدة" قالت نجمة
فنجمة كانت تخطط لأمرٌ فعلاً و لكنها ايضاً كانت معجبة بالملابس و الحلي التي رأتها في المدينة، فقد بات معاداة قلعة سالم فعل ماضي عليها ان تتأقلم مع الوضع الجديد، فقد تذكرت كلام فردوس و وجدت انها هنا تستطيع ان تحقق احلامها و لا ان تكون اكتشافاتها حبيسة طاولة دراستها، كانت تخطط في عقلها و ايضاً في عقلها وجدت ان خطتها ناجحه بنسبة فوق الممتازة، لا يمكن ان يقف شئ في وجه نجمة الآن و هي تخطط....
--------------
اتمنى لكم قراءة ممتعة اصدقائي
نأتي للأسئلة
ما رأيكم بمدينة قلعة سالم؟!
و ما رأيكم في منزل نجمة الجديد؟!
هل فعلاً نجمة تتأقلم مع وضعها الجديد؟! ام انها تخطط لشئ كبير؟!
ما هي خططها ؟! و هل ستنجح في ذلك!؟
و اخيراً من هو المخادع؟! اعطوني ما تتخيلونه عنه
ما رأيكم بوجود الحواشي؟! هل تريدون ان استمر بوضعها!؟ مع وضع بعض المعلومات العامة التي انقلها لكم من الشبكة العنكبوتية؟!
ام اتوقف عن ذلك؟!
و اخيراً اتمنى ان اكون عند حسن الظن..
الحواشي:
(١) الخانكاه: كان يطلق عليها الخانكاه ، وتعنى هذه الكلمة مكان العبادة باللغة الفارسية . وهى إحدى أنواع المبانى في العمارة إسلامية التي يطول مدة إقامة الأشخاص فيها من أمثال المتصوفين فهي تستخدم في إقامة الشعائر الدينية والسكن وكذلك تدريس العلوم والمذاهب الدينية ، تحرف الأسم مع مرور الزمن للتسهيل في النطق حتي أصبح اسمها الخانكة
(٢) البيمارستانة: وكانت المستشفيات تُعرف بـ(البيمارِسْتانات)، وكان منها الثابت ومنها المتنقّل؛ فالثابت هو الذي يُنشَأ في المدن، وقلَّما تجد مدينة إسلامية -ولو صغيرة- بغير مستشفى، أما المستشفى المتنقل فهو الذي يجوب القرى البعيدة والصحارى والجبال، ولم تكن تلك المستشفيات مجرد دور علاج، بل كانت كلّيات طب حقيقية على أرقى مستوى؛ فكان الطبيب المتخصص (الأستاذ) يمرُّ على الحالات في الصباح، ومعه الأطباء الذين هم في أولى مراحلهم الطبية، فيعلّمهم، ويدوّن ملاحظاته، ويصف العلاج، وهم يراقبون ويتعلمون، ثم ينتقل الأستاذ بعد ذلك إلى قاعة كبيرة ويجلس حوله الطلاب فيقرأ عليهم الكتب الطبية، ويشرح ويوضّح، ويجيب عن أسئلتهم.. بل إنه يعقد لهم امتحانًا في نهاية كل برنامج تعليمي معين ينتهون من دراسته، ومن ثَمَّ يعطيهم إجازة في الفرع الذي تخصصوا فيه.
وكانت المستشفيات الإسلامية تضم في داخلها مكتبات ضخمة تحوي عددًا هائلاً من الكتب المتخصصة في الطب والصيدلة وعلم التشريح ووظائف الأعضاء.. إلى جانب علوم الفقه المتعلقة بالطب، وغير ذلك من علوم تهمّ الطبيب.

نجمة و المخادعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن