نجمة!

10.8K 516 127
                                    

"انظري هناك يا نجمة جيداً للنجوم"
" انها ساطعة جداً الليلة يا أمي" قالت الطفلة بمرح
فقد إستلقت الطفلة و أمها على سجادة فرشت بإهمال على رمل الصحراء الناعم.
فقد كانت الأم ببشرة سمراء و عينين بنيتين فاتنتين و شفاة ممتلئة و بارزة و انف متوسط الحجم، كان لها شعر أسود مموج عجري فاتن.
بينما الطفلة التي استلقت بجانبها فقد كانت ببشرة حنطية، و شعر أسودً قصير منسدل و عينان عسليتان مبهرتان.
"انظري لو جمعنا هذه النجوم ستشكل شكل رجلٌ جاثي على ركبتيه" قال المرأة و هي تشير لمجموعة نجمية
"أين لا اراها؟!" قالت الطفلة بإنزعاج
"امعني النظر يا ابنتي"
راحت الطفلة تمعن النظر فقد أصبحت عيناها شبه مفتوحتيين و هي تحاول ان تمعن النظر بينما جلست أمها تضحك على شكلها.
"أمي انتي تخدعينني لا يوجد شئ كهذا" صرخت الطفلة بإنزعاج
"صدقيني لا أخدعكِ هذه الكوكبة تسمى الجاثي فمجموعة النجوم تكون شكل رجل جاثي" قالت الأم بفخر
"و كيف تعرفين كل هذا يا أمي؟!" قالت الطفلة نجمة بإستغراب
"كان جدي يعمل في بيت الرصد الموجود في مدينة قلعة سالم" قالت الأم
" في العاصمة!" قالت الطفلة بإنبهار و أكملت بسعادة "يبدو هذا ممتعاً، أن اتمكن من رؤية النجوم عن قرب"
و على هذه الذكرى القديمة فتحت نجمة   ذات ال ١٧ ربيعاً عينيها العسليتين بإنزعاج، فقد اخترقت شمس الصباح شباكها بدون إستئذان، راحت تنظر حولها فقد غفت و نامت على طاولة دراستها، كانت الأوراق مبعثرة في كل مكان و الكثير من الكتب المفتوحة بينما تناثرت بعض آلات رصد الكواكب هنا و هناك.
"آنسة نجمة آنسة نجمة"
"ما الأمر يا فردوس؟!" سألت نجمة و هي تتثائب
"ان الفطور جاهز" قالت فردوس
"و لكني لم أطلب فطوراً" قالت نجمة بإنزعاج
"لقد وصاني أبيكِ ان اعتني بكِ جيدا و هذا ما افعله الآن" قالت فردوس بحزم
كانت فردوس هي خادمة نجمة و صديقتها الوحيدة، تكبر نجمة بعاميين، تمتلك بشرة بيضاء و خدود حمراء، و عينان رماديتان و فم صغير و وجه ممتلئ بعض الشئ.
"هيا قومي بتغيير ملابسكِ" أكملت فردوس بحزم
و بكل بطئ تحركت نجمة من على طاولتها و أول أمرٌ فعلته هو أنها غسلت وجهها، راحت تغير ملابسها فوقع اختيارها على ثوب بسيط بفتحتيين بسيطتيين عند الأرجل و أكمام طويلة بلون أزرق سماوي.
راحت نجمة تمشط شعرعا و الذي لم يكن يحتاج لتمشيط أساساً فقد كان ناعماً جداً، فقد كان لنجمة شعرٌ أسود ناعم يصل لأسفل ظهرها، كانت عيناها عسليتان واسعتان تشبهان النجوم فقد سمتها أمها نجمة بسبب عينيها العسليتيين كانت رموشها كثيفة و انفها مستقيمٌ كسلة السيف، و شفاهها ممتلئة، كان وجهها ضعيف صغير و لها شامة تزين وجهها أسفل عينها اليمنى،كانت نجمة ذات بشرة حنطية فقد كان والدها أبيض البشرة بينما والدتها كانت سمراء البشرة. ماتت زهراء والدة نجمة قبل عدة سنوات حينما كانت نجمة في السابعة من عمرها.
وقفت نجمة بسرعة لتنزل لتتناول الطعام.
"ماذا صنعتي لنا يا فردوس؟!" سألت نجمة
"حساء الشعيرية " قالت فردوس بفخر
"ماذا مجدداً!" قالت نجمة بخيبة أمل
"و لكن انه حساؤكِ المفضل" قالت فردوس معلله
" بل حساؤكِ انتِ المفضل" قال نجمة بإنزعاج
"حقاً!؟" قالت فردوس مبتسمة
جلستا على الطاولة المتواضعة، لتشرعا بتناول الطعام، و غمرة انشغالهما بتناول الطعام قالت فردوس:" ان والدكِ سوف يصل اليوم او غداً للزيارة المعتادة"
"حقاً؟!" قالت نجمة و الطعام لا يزال في فمها
"كم من مرة سأطلب منكِ ان لا تتحدثي و الطعام في فمكِ" قالت فردوس بغضب
ابتلعت نجمة طعامها بسرعة و قالت بسخرية:" اريد ان افهم هل هو والدكِ ام والدي؟! قولي لي الحقيقة يا فردوس هل وجدتموني طفلة يتيمة أمام المسجد؟! لماذا يراسلكِ بالأخبار المهمة هذه بينما بالكاد يراسلني؟!"
نظرت إليها فردوس بإنزعاج:" هذا لأنكِ تتجاهلين أغلب رسائله و تنسين ان تكتبي له مجدداً"
"اوه هذا صحيح" قالت نجمة متذكرة و اكملت بإنزعاج:" هل تعتقدين انه سيقترح علي الإنتقال لقلعة سالم؟!"
" أعتقد بأنه آن الأوان لذلك يا نجمة" أجابتها فردوس بإنزعاج
"و لكن أفضل البقاء في بر زيان، ان منزلنا هذا هو بيت رصدي الصغير، من هنا أستطيع ان ارى النجوم جيداً اما في العاصمة فهذا صعب" قالت نجمة بإنزعاج
" نجمة اننا هنا في قلب الصحراء، لا أحد حولنا أقرب قرية لنا من هنا تبعد مسافة ساعة بالخيل، كما انكِ تعلمين ان جدتي مريضة و هي تطلبني فلا أحد يستطيع الإعتناء بها، يجب ان اعود لقريتي، لذلك الإنتقال بالقرب من والدكِ هو أمر محتوم" قالت فردوس معلله
راحت نجمة تنظر لفردوس بإنزعاج، فقد عاشت في ذلك البيت الصغير المنعزل في قلب الصحراء منذ ولادتها، فقد كان والدها السيد جمال الراشدي في ذلك الوقت مجرد عالمٌ بسيط انشغل بدراسته للفلسفة و علوم الشريعة في بيته المنعزل هذا، فقد ساعده هدوء هذا المكان على التركيز في دراسته و لكن قبل اربع سنوات أصبح والدها قاضي القضاة مملكة ماهستان فقد كان السفر في كل مره للوصول للعاصمة أمراً صعباً فإنتقل السيد جمال للعاصمة و لكن نجمة العنيدة أبت فقد هددت والدها بأنها ستقتل نفسها لو أرغمها على الرحيل معه للعاصمة فوافق مرغماً مع انها لم تكن جادة تماماً حينما أخبرته انها ستشق وريدها بسكين المطبخ، و ما خفف الأمر هو وجود فردوس ذات العقل الكبير، فقد رغبت نجمة بالبقاء في بر زيان لتكمل بحوثها الكثيرة في الفلك فقد راحت تدرس علم الفلك بشغف كما انها قرأت الكثير من الكتب في هذا المجال، و قد كانت تطلب من والدها في كل مرة يذهب فيها للعاصمة ان يحضر لها اداتاً فلكية او حتى كتاباً فلكياً فقد قرأت زيج (١) بطليموس اليوناني و زيج الشاه الفارسي و زيج السند هند الهندي و زيج الفزاري العربي و غيره، و قد رغبت بأن يكون لها زيجاً يحمل إسمها و ان تصنع اصطرلاباً يخصها، فالإسطرلاب الذي كانت تستخدمه كان يعود لطالب فلك توفي في حادثة أليمة في سن صغيرة. و الأهم من ذلك حلمت نجمة بأن يكون لها كتاباً يحوي كل ما تعرفه عن الفلك و ما توصلت له من أمور جديدة ليستفيد منه الناس، فقد كانت جادة في بحوثها ان لم تؤخذ علو محمل الجد في بقية الأمور.
و على العصر جلست نجمة في غرفتها و راحت تفكر "يجب أن أجد عذراً جديداً لكي لا يطلب مني والدي الرحيل، ان خطة الإنتحار باتت قديمة، ربما لو قلت له انني مسحورة ان الجن سيغضبون ان تركت بر زيان، كلا هذا غير معقول! بالله عليك يا نجمة اي جن متفرغٌ لهمومكِ"
زفرت نجمة بضيق و بقيتت تتأمل السقف و الذي ملأته بنفسها بصور النجوم و الكوكبات و في مقدمتها كانت كوكبة الجاثي على ركبته

نجمة و المخادعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن