جحر الشيطان ج3 ح36

681 54 29
                                    

_جحر الشيطان ج3
_ما زال للعشق بقية
_الحلقة السادسة و الثلاثون ج1

"لا تقل إن الفراق قد آن، وأن غيابك قد حان، وأن أحزاني ستطرق باب الفؤاد دون مغادرة، لا ..  لا تقل"

توقفت سيارة أراس؛ مخلفه وراءها موجة من الغبار، وألتقط من تابلوه السيارة مسدسه وجذب مشطه في قوة، وتركه يرتد بصوت رنان، وفتح الباب في عنف، وغادر سيارته، والغضب يتفجر من وجهه وعيناه، وفي خطوات سريعة أشبه بالركض كان يتوجه صوب المنزل الذي أرسل له خالد موقعه، مستعدًا استعداد تام لأي قتال حتى لو حال البيت إلى بركة من الدماء.
وحتى آخر نفس في صدره ..
وحتى آخر نقطة دماء ..
لن يعود إلا بخديجة ..
خديجة زوجته وحبيبته ..
خديجة التي يعشق كل تفصيلة فيها ..
خديجة التي يموت لأجل أن تكون بخير ..
خديجة التي علمته الحب، وأعادة قلبه للحياة.
من ظن إن كان له قلبٌ يخفق بين ضلوعه؟
لم يكن قط إلا حين دخلت خديجة إلى حياته فأصبحت النبض، والقلب، والحياة، والنفس إنها حياته التي يحيا فيها ..
بدونها هو مجرد مهاجر في بلاد الغربة، فقد وطنه ولن يعود، إنه ينتمي إليها فقط ..
بها ولها يكون..
كان المكان هادئ، وعيناه تجول حوله، حتى إذ رمقت إحد الرجال كان يطلق بكل بساطة على رأسه قبل حتى أن يضغط الرجل زر الزناد، ودون حتى أن يتوقف ثانية واحدة، ولمح بطرف عينه آخر يطلق عليه فأنحنى ببساطة وهو يطلق عليه بكل جرئة، ودخل إلى المنزل هائجًا، وفتح كل الغرف بحثًا عنها، لكن لا أثر فوجد درج يؤدي للأسفل فهبطه دون ادنى تردد أو تفكير، وما كاد ينهى الدرج إذ اتسعت عيناه في لهفة ما أن وقعا على خديجة مقيدة على أحد المقاعد شبه غائبة، فهتف باسمها وهو يلقي السلاح من يده ويهرع إليها، بكل القلق الذي يعصف بداخله رفع رأسها المتدلي وهو يهتف بإسمها، بل يصرخ ..
بل يرجوها ..
بل يتوسل ربما، أن تجيبه ..
رفع نقابها ليضع سبابته على أنفها فوجد نفسها بطيئًا للغاية، فأمسك رسغها ليقيس نبضها وهو يهتف بصوت يفيض، غضبًا وكمدًا  :
_ يا إلهي، حبيبتي ماذا فعلوا بكِ؟ ماذا فعلوا بكِ يا قلبي؟ ما تلك الحالة يا نبض الفؤاد؟ يا ليتني كنت مكانك يا خديجة فأنا أتحمل كل شيء إلا ألمك.
ضم رأسها في حنان جارف، وتحسس بسبابته عينيها المغلقتين، ولم يشعر بدموعها التي راحت تتساقط على وجهها بكل ندم الدنيا، ولسان حاله يقول بصوت يفطر القلوب  :
_ ليتني لم أتزوجك يا خديجة، ليتني لم ادخلك حياتي! لكنتِ الآن بخير وكان قلبي بخير، فبداخلي وجعًا لا حدود له، عسير عليّ تفسيره و وصفه .. سامحيني يا ملاكِ سامحيني.
انتفض فجأة جسده على همهمة خافتة منها، ولمح جفنيها يرتجفان، فوجد قلبه يشرق، وظلمته تتبدد إلى نور يتوهج، وابتسم بسمة صافية عذبة، وهمس بحنان ورفق  :
_ خديجة، أتسمعينني، أنتِ بخير .. أليس كذلك؟
تلفت حوله وهو يعتدل واقفًا، وألتقط شيئًا وراح يعالج قيدها، ولمح جهاز الصاعق الكهربائي، وبكل الغضب الذي بداخله صرخ وهو يندفع نحو الجهاز وراح يضرب فيه حتى تحطم، ولم يكتف بل تراجع وأفرغ خزينة مسدسه فيه، كأنه هكذا ينتقم!
ينتقم من الشيء الذي أذى قلبه!
لم تكن خديجة هي المتضررة، بل كان قلبه ..
قلبه الذي ينزف بداخله ..
يبكي ..
يصرخ ..
ينوح ..
ويا للألم فوجع القلب ليس له دواء ..
لا يلتئم ولا يطيب ..
تظل ندوبه تنزف، وتبكي دمًا بلا توقف ..
يا ليت الأوجاع تقتصر فقط على دموع العين لكان هين ..
لكن ندوب القلب من ذا يداويها؟
من ذا يمسح دموعها؟
" آراس "
أيمكن لصوت أن يعيد للقلب خفقاته؟ أن يجعله يتراقص فرحًا، ويرفرف سعادة، أيمكن لصوت أن ينعش القلب فيرد له الحياة، انبعث صوت خديجة واهنًا، ضعيفًا، خافتًا، متعبًا، صوت بطعم الدموع والبكاء، فالتفت إليها لامع العينين وهو يهمس  :
_ خديجة.
أرتج عليه، لم ينطق غير اسمها الذي راح لسانه يردده كأنما لا يعرف اسمًا غيره، كلمة غيرها، واحتوى جسدها في حضنه، ولما يعرفا كم مر من الوقت حين ابتعد هامسًا وكفيه يحيطان بوجهها بكل عاطفته  :
_ تعذبتي، تعذبتي بسببي يا خديجة، سامحيني، سامحيني يا حبيبتي، لو أقدر على أن أعيد الزمن للوراء قليلًا لأحتويتك في حضني ولم أتركك ثانية واحدة، حتى لا يحدث ما حدث، أشعر بقلبي يذوب يا خديجة من فرط الألم، أشعر به ينهار لأنهيارك وقد عهدتك قوية لا يزحزحك اي شيء!
سالت الدموع من عيناي خديجة بغزارة، وهي تريح رأسها المنهك على صدره، وتهمس بصوت يقطر ألمًا  :
_ لا تتركني يا أراس لم اعد أتحمل هذا الألم.
فجأة! أحتدت نظراته وهو يقول في قسوة  :
_ من الذي فعل بكِ هذا؟
حين أبعد رأسها عن صدره، اكتنفها دوار حاد، جعل رأسها يدور وجاهدت أن تظل عينيها مفتوحتين وهي تهمس  :
_ ن .. نج .. آه جسدي .. جسدي يؤلمني، لا أشعر به هل .. هل اصبت بالعجز، هل …
قاطعها في صرامة وهو يضع سبابته على فمها، هاتفًا  :
_ هشش لا تقولي مثل هذا الكلام، أقسم لكِ بأن من فعل هذا لينال أضعافه لن أتركه يحيا.
أحست بضربات قلبها تذداد وعيناها ينغلقًا، وراحت تهمس بصوتٌ سحيق  :
_ لقد .. فعل هذا لأنك فعلت هذا بـ ماهر.
وتركت نفسها لغيبوبة عميقة، وتراخى جسدها فضمها لصدره بتلقائية، ومال بذراعه ليرفع قدميها، وحملها بين ذراعيه، وتحرك بها للخارج.
وفي طريقه، بالأدق حينما كاد أن يعبر الباب وجد نجيب يهرول نحوه، ويقول بلهفة  :
_ هل وجدتها،  يا الله ما الذي حدث لها؟
حدجه أراس شزرًا ثم تحرك من أمامه وهو يهمس  :
_ لقد صعقوها بصاعق كهربائي، وأقسم بأني سآخذ حقها ممن فعل بها هذا، سأذيقه سوء العذاب.
ارتسمت بسمة مستهزئة على شفتاي نجيب من وراء ظهر أراس، وغمغم بين نفسه  :
_ حق لك أن تنتقم، هذا أن كان لكَ عمرًا ولم تمت.
ثم ركض صوبه وهو يقول بجدية ويفتح له باب السيارة  :
_ أكيد نحن سوف نتنقم .. لن ندع من أذى زوجة أخي حيًا أبدًا، ما يأذيك يأذيني ولن يغمض ليّ جفن إلا عندما نأخذ بثأرها.
استقر أراس خلف عجلة القيادة، وقال وهو يغلق الباب  :
_ أكيد سنفعل، هيا سآخذها إلى مشفاي، ألحق بيّ!
اومأ نجيب مجيبًا  :
_ حسنٌ حسنٌ.
لم يبال به أراس بعد ذاك بل دار محرك السيارة وأنطلق في طريقه وهو يقود بأقصى سرعة، ويختلس ما بين الفنية والآخرى نظرة إلى خديجة.

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهWhere stories live. Discover now