ندى

664 52 14
                                    

كنت كاتبة الفصل ده من كام يوم عشان انزله يوم العيد، لكن وبما إني حالتي وحشة والتعب ذايد، قُلت انزله دلوقتي واطلب منكم تدعولي بكرة عرفة والدعوات مستجابة وكانوا الصحابة يخلوا دعوتهم ليوم عرفة ليقينهم ان في اليوم كل الدعوات ستُجاب، اسئل الله ان يحقق امانيكم ويرزقكم رؤية الرسول في المنام وصحبته في الفردوس الأعلى ويغفر لكم ذنوبكم ويطهر خطايكم ويرزقكم شفاعة الحبيب محمد، ويرزقكم حج بيته بإذن الله ويشفي مريضكم ويرد غائبكم ويفرج همومكم ويجبر بخواطركم "دثروني في دعواتكم غدًا من كان ليّ في قلبه ذرةً من حب"

الله أكبر  ... الله أكبر  ... ولله الحمد  ... الله اكبر كبيرا  ... والحمد لله كثيرا  ... وسبحان الله بكرةً وأصيلا  ...

صدحت تكبيرات العيد من المساجد، تكبيرات تنعش القلوب بأملٍ شديد أن الله أكبر على كل شيء، قادرٌ على كل محال، يقول للشيء كُن فيكون، الله أكبر تنطلق من الأفواه في كل عيد وكأن العيد وفرحته تكمن في تلك الدقائق التي نردد بها التكبيرات، يا لها من فرحة ما بعدها فرحة، طوبي لمن استشعرها، وتذوق كلمة  " الله اكبر " وعبرت إلى قلبه فأغدقت عليه بالخشوع والتزلل.

في منزل آل الشرقاوي كانوا الفتيات جميعهن يتجمعن سويًا في صالون المنزل يجلسن حول بعضهم والأفواه تردد التكبير في سعادة جمة، سعادة لا تقدر بكنوز الدنيا، العيد لا يكون له فرحة إلا في لمة العائلة، في اواصر الألفة سعادة لا يستشعرها إلا من عاشها مع احبته.
ومع أنتهاء التكبيرات سلمن على بعضهن ضاحكات في حبور واتجهن إلى المطبخ.
أمام الجامع وقف مالك وحمزة في انتظار خروج الجميع الذين توافدوا واحد تلو الآخر وهم يهنئن بعضعم.
كان الفتيات يجهزن طاولة الفطور حين هجم عليهم يوسف ينثر عليهم من زجاجة في يده يخرج رغوة بيضاء فصرخت خديجة وهي تقفز في مكانها صائحةً فيه فـ علا صوت يوسف هاتفًا  :
- بعيد عليكِ يا ديجا كل سنة وأنتِ طيبة.
أوقف الرش وهجم عليها لتضمه خديجة في بهجة وهمست في اذنه  :
-وأنت طيب يا روح خديجة.
وغمزة له قائلة  :
- روح عيد على البنات جوه، الجزم اللي سبوني لوحدي وجريوا يلا.
اومأ يوسف مقهقهًا وفي المطبخ كانوا الفتيات يجلسون مكبرين حين رش يوسف عليهم رغوةٌ بيضاء لينتفضوا واقفين، لم يلبثوا ان طاروا منه وهو خلفهم حتى سقطت لمياء فـ اصدموا بها الفتيات ليسقطوا فوق بعضهم وانفجر يوسف ضاحكًا.
صرخة فيه اروى متمتمة  :
- آه يا يوسف الكلب، هو في حد يعيد على حد كدا  ... الله يسامحك لا انا اختك ولا أعرفك.
شوح يوسف بكفه قائلًا بغيظ  :
- يا حبيبتي أنتِ على طول بتقولي كدا، وفي الآخر تيجيلي "يوسف يا حبيبي هاتلي مش عارفه ايه"
ثُم لوى فمه مغمغمًا  :
- يخرب بيت المصالح اللي تزل الإنسان.
اتسعت عيناي اروى وحرضوها الفتيات عليه فراحت تركض خلفه حتى انتشلت منه العلبة ورشت على شعره الغالي المصفف فعاثت فيه خرابًا متشفيه.
فصرخ يوسف وكاد يبكي وقال متخصرًا:
- واللة ما هكلمك يا بنت سجى أنتِ، وهتسرحيلي انتِ شعري.
ركض تجاه خديجة التي اشارت إليه ومالت عليه بوجهه وسئلت في اهتمام وخبث  :
- هما الشباب فين؟
رد يوسف دون اهتمام  :
- بابا وعمو حذيفة وعثمان وأنس بيعيدوا على صحابهم، اما خالد ومالك وحمزة ومعاذ راحوا يدبحوا الأضحية.
وقطب جبينه متسائلًا في اهتمام  :
- خديجة، هو ليه العيد اسموا عيد الأضحى؟ وليه بندبح فيه ونفرق لحمة.
همت خديجة أن تجيبه، لكن صياح لمياء المتلهف حال دون ذلك إذ قالت  :
- نـــــــــدى، ندى جت يا خديجة.
ألتفتت خديجة نحو الباب لتبصر ندى " ندى انا يعني "  مرتدية فستانٌ أبيض مشجر ونقاب أسود لا يظهر إلا عينيها، وتجلت الفرحة على وجهها وهي تطلق صيحةً دهشة وتركض إليها لترحب بها وتضمها وحذا الفتيات حذوها  وأخذوها ليجلسوا في الحديقة، هنالك قالت خديجة مجيبةٌ يوسف  :
- ندى هنا وهتحكيلك فضل عيد الأضحى، ولية بندبح ونفرق..
ثُم امسكت بكف ندى تسئلها بحماس  :
- مش كدا يا نودي.
أؤمأت ندى بعينيها من أسفل نقابها وردت وهي تربط على كف خديجة  :
- كدا طبعًا يا ديجا، أنا ليا مين غير يوسف أقوله.
غمز ليّ يوسف وهتف في لهفة  :
- الله، كلي آذانٌ صاغية.
سكتُ لهنيهة شاردة وتبسمت وأنا انظر إليه وشرعتُ قائل:
- قد تعلم أن عيد الفطر الذي يلي شهرر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن بإنتهاء رمضان فسمى عيد الفطر لأنه اول يوم فطار لنا بعد صيام رمضان، أما عيد الأضحى فإنه يذكرنا بيوم إكمال النّعمة وإتمامها لأنه يجيء بعد اليوم الذي أَنزل الله فيه على نبيه صلى الله عليه وسلّم الإعلان بإكمال الدين، وإتمام النعمة، وارتضاء الإسلام لنا ديناً، حينما أنزل على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلّم في يوم عرفة من السنة العاشرة للهجرة، وهو يقود موكب الحج الأعظم قوله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً. {المائدة: 3}..
لذلك وجب علينا ان نحتفل بهذا اليوم في كل سنة، سُمى عيدًا حتى تتآلف القلوب ونوصل الأرحام ويجتمع الأهل والأحباب ويهنئوا بعضهم، العيد فرصة عظيمة لتتصافى النفوس والقلوب، وتدفن احقاد الناس عن بعضهم، حق لنا ان نفرح وننبسط ونلهو ولكن في المباح والآداب الشرعية، لا ضير ان تستمتع معًا داخل البيت ونخرج لنروح عن انفسنا.
صمت مليًا مسبلة الجفنين استرد انفاسي وتنهدت وأنا ارفع بصري نحو يوسف مسترسلة  :
- وقد سمي بعيد الأضحى لإنه تقربه للمسلمين إلى الله بتقديم الأنعام وهي سُنة مؤكدة عن الرسول ﷺ فعن أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده الشريفة، وسمى وكبر. والحكمة منها إحياء ذكرى أبينا إبراهيم عليه السلام، والتوسعة على الناس أيام العيد التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: إنها أيام أكل وشرب.
وإننا نضحى في عيد الأضحى لنحي ذكرى سيدنا إسماعيل عليه السلام وتضحيته وفداءه، فقد أراد الله تعالى، أن يمتحن نبيه إبراهيم عليه السلام فرأى رؤية إنه يذبح إبنه إسماعيل، وما كان من النبي الصادق المطيع لربه إلا أن بلغ ابنه بذلك فقال -تعالى- على لسانه: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى)

رواية "فتاة العمليات الخاصه" مكتملهWhere stories live. Discover now